المشاركات الجديدة
مواضيع مختلفة : أي موضوع لم يعنون سابقا

الرسالة الذهبية للامام الرضا علية السلام

افتراضي الرسالة الذهبية للامام الرضا علية السلام
الرساله الذهبية للامام على بن موسى الرضا علية وعلى ابائة افضل السلام
تمهيد

لقد أراد المأمون معرفة أصول حفظ صحة المزاج، و تدبيره بالاغذية و الاشربة و الاودية مستقاة من منبعها العذب، فطلب من الامام عليه السلام بيان ذلك، و كرر الطلب، فكتب اليه هذه الرسالة، فلما وصلت الى المأمون أمر بأن تكتب بماء الذهب.
و لعل أهم مايطوف في ذهن القارىء حول أهمية هذه الرسالة و ما تعنيه دلالتها التاريخية انها تمثل مرحلة تاريخية تتعلق بفن الطب و تطوره في العصر الاسلامي الاول، فهي تكشف للمعنيين بالطب و تاريخ تطوره عبر العصور غزارة علمه عليه السلام، وسعة اطلاعه.
و من خلال هذا المنطلق أمكنني تقديم دراسة مسهبة للرسالة الذهبية مقسما اياها الى عدة فصول.
لقد جاءت هذه الرسالة بمجموعة من النصائح و الارشادات الطبية العامة القيمة، والتي كانت حصيلة تجاربه عليه السلام مضافا اليها ما سمعه عن آبائه عليهم السلام، من أقاويل القدماء أيضا. كما أشار الى ذلك بقوله عليه السلام في مستهل رسالته:
عندي من ذلك ما جربته و عرفت صحته بالاختبار و مرور الايام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله و لا يعذر في تركه.
ففي الفصل الاول: نرى الامام عليه السلام قد سبق علماء الطب في العصر الاسلامي في العديد من الاراء و الاكتشافات التي أصبحت الاساس الرئيس في التجارب الطبية، بل يمكن القول بأنها النواة الاولى لاراء الاطباء فيما بعد.
فكان عليه السلام أول من شبه جسم الانسان بالمملكة الصغيرة المتكاملة.
فقال: ان هذه الاجسام أسست على مثال الملك. فملك الجسد هو ما في القلب، و العمال العروق في الاوصال و الدماغ، و بيت الملك قلبه، و أرضه الجسد، و الاعوان: يداه و رجلاه و عيناه و شفتاه و لسانه و أذناه. و خزائنه: معدته و بطنه و حجابه و صدره.
و ليس المهم في هذا الوصف الرائع التشبيه بالملك و المملكة و انما المهم فيه دلالة هذا التشبيه على معرفته عليه السلام بتشريح أعضاء الجسم الرئيسة، و فسلجة كل عضو منها.
فاستهل عليه السلام بتشبيه القلب و ما فيه بمثابة الملك في رعيته، فكما أن الملك هو الشخص الاول و الحاكم الرئيس في تيسير أمور المملكة كذلك جعل القلب و ما فيه الاساس في بقاء الحياة الانسانية، فمتى توقف القلب عن العمل توقفت الحياة في سائر الجسد.
كما مثل عليه السلام المجموعة المتكاملة من الشرايين و الاوردة و الشعيرات الدموية، و التي أسماها بالعروق، و من جميع الاوصال و ما يصير سبب لوصل مفاصل البدن، و بها تتم الحركات الارادية و اللا ارادية المختلفة، و من الدماغ الذي يعتبر المركز الاول للاحساس في الجسم. مثل هذا و ذاك بالعمال لادارة شؤون هذه المملكة، و هم الجنود الامناء الاوفياء لها. فهم يحافظون على المملكة بجميع أجزائها من المؤثرات الخارجية.
كما شبه الجسد بكامل أعضائه و أجزائه بأرض هذه المملكة. ثم أوضح عليه السلام بتمثيله الرائع فسلجة كل عضو من أعضاء الجسم، و ما يقوم به من الوظائف المهمة، فأشار الى اليدين و وصفهما بأعوان الملك: يقربان ما يريد و يبعدان ما يرفض. و ان الرجلين ينقلانه من مكان لاخر حسب رغبته، و طوع ارادته. كما وصف العينين بالسراج، حيث لا يمكن البصر بدون سراج، فبهما ينظر القريب و البعيد. أما الاذنان فهما المصدر المهم لاستقبال المعلومات من الخارج، كما أن اللسان بمعونة الشفتين و الاسنان، هو الاداة المعبرة عن ارادة الملك.
ثم استطرق عليه السلام في تشبيه جوف الانسان و ما يحويه من صدر و معدة و أمعاء و توابعهما بالخزانة، فمنها يتزود الانسان بالغذاء و المواد الحيوية الاخرى فما أعظم هذه المملكة الصغيرة المحتوى، العظيمة التكوين!! فتبارك الله أحسن الخالفين.
و في نهاية هذا الفصل أوضح عليه السلام تأثير الفرح و الحزن و غيرهما من العوارض الخارجية على الوجه، و بيان مركز كل منهما.
و في الفصل الثاني جاءت ارشاداته عليه السلام في كيفية تناول الغذاء و الشراب من حيث الكيف و الكم، كل ذلك حفاظا على صحة البدن، فأبدى نصحه في تناول الغذاء: كل حسب طاقته و قدرته و مزاجه، مع مراعاة الزمان و المكان، لغرض استمراء الغذاء بصورة صحيحة، و الاستفادة منه على النحو الافضل. لان الاخلال في المأكل و المشرب سواءا كان بزيادة أم نقصان يكون السبب في العديد من الامراض، كما في الحديث الشريف: المعدة بيت الداء و الحمية رأس الدواء.
أما في الفصل الثالث فقد أشار عليه السلام على المأمون بصنع نوع خاص من الشراب، كثير الفوائد، سهل الهضم، لاستعماله بعد طعامه، و ليس المقصود هو شخص المأمون وحده، بل كل من أراد الحفاظ علي صحته.
و قد احتوى هذا الشراب على القيمة الغذائية العالية، لما فيه من العناصر المهمة: من سكريات و نشويات و فيتامينات و غيرها من المواد الرئيسة المولدة للطاقة، مع مراعاة الشروط الصحيحة و الاساسية في تحضيره.
و يمكن القول بأن امامنا الرضا عليه السلام قد سبق العلماء في تعريف الماء العذب، فعرفه بأجمل تعريف، و أوجز وصف بقوله: ماء أبيضا براقا خفيفا و هو القابل لما يتعرضه على سرعة السخونة و البرودة، و تلك الدلالة على صفاء الماء.
كما سبقهم أيضا في معرفة أضرار الغليان على العديد من العناصر الغذائية كاتلاف بعض الفيتامينات، و طيران بعض العناصر السريعة التبخير في الغذاء و الشراب.
و جاء تأكيد الامام عليه السلام في الفصل الرابع على عدم الافراط في استعمال الشراب بعد الطعام مبينا ما يترتب عليه من أضرار على المعدة، و بالتالي على سائر الجسد.
و لم يكتف عليه السلام بذلك بل أكد على تأثير الافراط في تناول بعض المواد الغذائية و أضرارها أيضا، فقال: و كثرة أكل البيض و ادمانه يورث الطحال و رياحا في رأس المعدة، و الامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو و الابتهار و أكل اللحم النيء يورث الدود في البطن، و أكل التين يقمل الجسد اذا أدمن عليه ثم قال: و الاكثار من أكل لحوم الوحش و البقر يورث تيبس العقل، و تحيير الفهم، و تلبد الذهن، و كثرة النسيان.
و قد استهل الامام عليه السلام الفصل الخامس في بيان الوقاية من الامراض التي قد تحدث من تغيير الهواء المفاجىء - كما يحدث ذلك في الحمام - فقال عليه السلام: و اذا أردت دخول الحمام، و أن لاتجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ عند دخول الحمام بخمس حسوات ماء حار، فأنك تسلم باذن الله تعالى من وجع الرأس و الشقيقة.
و جاء تقسيمه لبيوت الحمام بأوجز تقسيم و وصفه بأحسن وصف، بقوله: البيت الاول بارد يابس، والثاني بارد رطب، و الثالث حار رطب، و الرابع حار يابس.
ثم أشار عليه السلام الي منفعة الحمام للجسد من الناحيتين التشريحية و الفسلجية، فأبدى نصحه في استعمال الادهان و العقاقير قبل و بعد دخول الحمام لترتيب و تلطيف الجلد و الاعضاء، لان للجلد اهمية عظمى في التخلص من عدد لايستهان به من المواد السامة، فتنقية الجلد و فتح مسامه و تلطيفه من الامور المهمة للانسان.
و قد جاءت تعليماته و نصائحه الطبية القيمة العامة في الفصل السادس حفاظا على صحة و سلامة الاجهزة الداخلية بصورة عامة، فنصح بعدم حبس البول و المني، و عدم اطاله المكث على النساء وقاية للجهاز التناسلي مما قد يعرض عليه بسبب ذلك من أخطار. ثم كرر النصح بالعناية التامة بالفم و ملحقاته، لاهمية موقعه الحساس.
كما نصح بعدم استعمال الماء بين الطعام، لتأثيره ضعف المعدة بقوله: و من أراد أن لاتؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ، و من فعل ذلك رطب بدنه، و ضعفت معدته، و لم تأخذ العروق قوة الطعام، فانه يصير في المعدة فجا اذا صب الماء على الطعام.
و أوضح كيفية الاستلقاء عند النوم رعاية للجهاز الهضمي.
كما اهتم عليه السلام أيضا بالجهاز العصبي، لاهمية ذلك، فأبدى النصح لمن أراد الزيادة في قوة الحافظة بأن يأكل الزبيب و غير ذلك، كما يأتي في محله.
ثم جاءت ارشاداته عليه السلام في الفصل السابع من هذه الرسالة الذهبية للمسافر خاصة، فأوصى بالاحتراز من بعض الامور التي تضطره طبيعة السفر اليها، كاختلاف المأكل و المشرب و غيرها.
فنصح بالاحتراز من السير في الحر الشديد و هو ممتلىء الجوف مؤكدا أضراره على الجسم. كما نصح بمزج ماء كل بلد يسافر اليه بماء أو طين بلده الذي ولد فيه موضحا فوائد ذلك. ثم كرر نصائحه باستعمال المياه العذبة، و فرق بين المياه العسرة و الثقيلة في الاستعمال.
ثم اختص الفصل الثامن بقوى النفس، و انها تابعة لمزاجات الابدان، و مزاجات الابدان تابعة لتصرف الهواء، فاذا برد مرة، و سخن أخرى تغيرت بسببه الابدان.
فالامام عليه السلام قسم جسم الانسان الى طبائع أربع: الدم و البلغم و المرة الصفراء و المرة السوداء. ثم خص الاعضاء الرئيسة بالجسد كل عضو بواحد من هذه الطبائع الاربع، فقال عليه السلام: ان الرأس و الاذنين و العينين و المنخرين و الانف و الفم من الدم مشيرا الى أن الرأس هو محل الاحساس و الادراك، و أنه مركز العروق و الشرايين المؤدية الى أجهزة الجسم و لغزارة الدم في دورتها فقد وصفها بأنها من الدم.
كما خص البلغم و الريح بالصدر، لاجتماع البلاغم فيه من الدماغ و سائر الاعضاء، و يكثر الريح فيه بالاستنشاق المستمر.
و خص الشراسيف - و هو الجهاز الهضمي و توابعه - بالمرة الصفراء لقربها من الصفراء أو لانها داخلة في تكوينه.
و أخيرا خص أسفل البطن بالمرة السوداء اشارة الى سواد الطحال. و هو يشمل أيضا الكلى و المجاري البولية و التناسلية و غيرها.
و اهتم عليه السلام في الفصل التاسع براحة الانسان مستضيئا بقوله تعالى: قل أرأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة من اله غيرالله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون (1) ليأخذ المخلوق فيه قسطا من الراحة في جو هادىء، و ليعوض قواه المفقودة في عمله.
فجاءت نصائحه في كيفية النوم. حين يستلقي الانسان على فراشه. و به يكون سكون الحواس الظاهرة، و به يستكمل هضم الطعام، و الافعال الطبيعية للبدن.
و كرر عليه السلام في الفصل العاشر اهتمامه بصحة الاسنان، و أوضح بعض التعليمات الضرورية في الحفاظ عليها من المؤثرات الخارجية، و النصح بعنايتها و الاهتمام برعايتها. فأوصى باستعمال بعض المواد النافعة للاسنان و المجلية لها.
و قد قسم امامنا عليه السلام في الفصل الحادى عشر أحوال الانسان و قواه الجسمانية حسب الفترات الزمنية الى أربعة أقسام: الاولى فترة الصبا، و تكون في الاعوام الخمسة عشر الاول، تليها فترة الشباب حتى يبلغ السن الخامسة و الثلاثين، فيكون بعدها سن الشيخوخة حتى يتم الستين من العمر، تليها فترة الهرم و الذبول و يكون الجسم فيها في ادبار و انعكاس ماعاش.
ثم أوضح فوائد الحجامة، و أوقاتها، و شروطها الصحية في الفصل الثاني عشر مشيرا الى مواضع الفصد، و الحجامة في البدن، مبينا العوامل المساعدة في تخفيف آلامها، و طرق عملها، كما أكد في ختام بيانه في هذا الفصل على بعض الاضرار و الاعراض التي قد تحدث من استعمال بعض المضادات أثناء الحجامة أو الفصد، و كيفية الوقاية منها.
و قد اشار امامنا عليه السلام في الفصل الثالث عشر الى عدم توافق تراكيب بعض المواد كيمياويا، مما يعرض البدن لاجتماعها، في بعض الاحيان الى مخاطر و اضرار قد تؤدي نتائجها الى الهلاك.
فقد أشار في بعض فقرات هذا الفصل الى اسباب بعض الامراض التي قد يكون أحد اسبابها التضاد في اختلاطات الامعاء و تعفناتها.
و اختتم عليه السلام هذه الرسالة الذهبية بآداب الجماع، مشيرا الى الشروط الصحية الواجب اتباعها، و التي قد يؤدي اهمالها الى امراض أو علل غير محمودة، موضحا أهمية التوافق و الانسجام بين الجنسين، و ضرورة الملاعبة و الملاطفة قبل الجماع ، مشيرا الى احدى المراكز الحساسة و المؤثرة في اثارة الغريزة الجنسية عند المرأة، لكي يحرز كل منهما نصيبه من هذه العملية الحساسة.
كما حذر من مجامعة النساء في فترة الحيض، مستضيئا بقوله تعالى: و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن... (2).
و كانت لمساته الاخيرة في ابداء نصحه بالالتزام بهذه الارشادات و التعليمات و التحذير من اهمالها.
تاريخ الرسالة الذهبية

في حدود التتبع و الاستقراء لبعض المصادر التاريخية المتوفرة لم يعثر على تاريخ اصدار هذه الرسالة، لكن يمكن تحديد الفترة الزمنية التي أرسلت فيها - كما رواها ابن جمهور في سندها الاتي - أنها كانت بعد اشخاصه عليه السلام من المدينة المنورة، أي بين سنة (201-203 هجرى

غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مواضيع مختلفة


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي

سند الرسالة

أخبرنا ابو محمد هارون بن موسى التلعكبري (1). رضى الله عنه، قال حدثنا محمد بن همام بن سهيل (2). رحمة الله عليه، قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور (3). قال حدثنى ابى (4). و كان عالما بأبى الحسن على بن موسى الرضا صلوات الله عليهما، خاصا به، ملازما لخدمته، و كان معه حين حمل من المدينة الى المأمون الى خراسان (5).و استشهد عليه السلام بطوس (6). و هو ابن تسع و أربعين سنة. قال: كان المأمون بنيسابور (7).و فى مجلسه سيدى ابوالحسن الرضا عليه السلام و جماعة من الفلاسفة و المتطببين، مثل: يوحنا بن ماسويه (8).و جبرائيل بن بختيشوع (9). ، و صالح بن بهلمة الهندى (10).و غيرهم من متحلى العلوم، و ذوى البحث و النظر.

فجرى ذكر الطب، و مافيه صلاح الاجسام و قوامها، فأغرق المأمون و من كان بحضرته فى الكلام، و تغلغلوا فى علم ذلك، و كيف ركب الله تعالى هذا الجسد، و جمع فيه هذه الاشياء المتضادة من الطبائع الاربع، و مضار الاغذية و منافعها، و ما يلحق الاجسام من مضارها من العلل.
قال: و ابوالحسن عليه السلام ساكت لا يتكلم فى شىء من ذلك، فقال: له المأمون: ما تقول يا اباالحسن فى هذا الامر الذى نحن فيه منذ اليوم ؟ فقد كبر علىّ، و هو الذى لابد منه، و معرفة هذه الاغذية النافع منها و الضار، و تدبير الجسد.
فقال له ابوالحسن عليه السلام: عندى من ذلك ما جربته، و عرفت صحته، بالاختبار و مرور الايام، مع ما وقفنى عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله، و لا يعذر فى تركه. و انا أجمع ذلك لأميرالمؤمنين، مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته.
قال: و عاجل المأمون الخروج الى بلخ (11). و تخلف عنه أبوالحسن عليه السلام، فكتب المأمون اليه كتابا يتنجز ما كان ذكره له، مما يحتاج الى معرفته على ماسمعه
و جربه من الاطعمة، و الاشربة، و أخذ الادوية، والفصد (12). و الحجامة (13). و السواك، و الحمام، و النورة، و التدبير فى ذلك. فكتب اليه أبوالحسن عليه السلام كتابا هذه نسخته:
المقدمة

اعتصمت بالله اما بعد: فانه وصل كتاب اميرالمؤمنين فيما أمرنى به من توفيقه على ما يحتاج اليه، مما جربته، و سمعته، فى الاطعمة، و الاشربة، و أخذ الادوية، الفصد، و الحجامة، و الحمام، و النورة، و الباه و غير ذلك مما يدبر استقامة امر الجسد به.

و قد فسرت لاميرالمؤمنين ما يحتاج اليه، و شرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمه، و مشربه، و اخذه الدواء، وفصده، و حجامته و باهه، و غير ذلك مما يحتاج اليه فى سياسة جسمه. و بالله التوفيق.
الفصل الاول
في تشبيه جسم الانسان بالمملكة الصغيرة و تشريح اعضائه الرئيسية

اعلم يا أميرالمؤمنين ان الله عزوجل لم يبتل البدن بداء حتى جعل له دواء يعالج به، و لكل صنف من الداء صنف من الدواء، و تدبير و نعت . و ذلك ان هذه الاجسام اسست على مثال الملك.

فملك الجسد هو مافى القلب. و العمال العروق فى الاوصال (1) و الدماغ و بيت الملك قلبه و ارضه الجسد. و الاعوان يداه، و رجلاه، و عيناه، و شفتاه، و لسانه، و اذناه. و خزائنه معدته، و بطنه، و حجابه و صدره.
فاليدان عونان يقربان، و يبعدان و يعملان على ما يوحى اليها الملك. و الرجلان ينقلان الملك حيث يشاء. و العينان يدلانه على ما يغيب عنه، لان الملك وراء حجاب لا يوصل اليه الا باذن و هما سراجاه ايضا.
و حصن الجسد و حرزه الاذنان . لا يدخلان على الملك الا ما يوافقه، لانهما لا يقدران ان يدخلا شيئا حتى يوحى الملك اليهما اطرق الملك منصتا لهما حتى يعى منهما ثم يجيب بما يريد نادا منه ريح الفؤاد و بخار المعدة، و معونة الشفتين.
و ليس للشفتين قوة الا بانشاء اللسان. و ليس يستغنى بعضها عن بعض. و الكلام لا يحسن الا بترجيعه فى الانف، لان الانف يزين الكلام، كما يزين النافخ المزمار.
و كذلك المنخران هما ثقبا الانف، و الانف يدخل على الملك مما يحب من الروائح الطيبة. فاذا جاء ريح يسوء أوحى الملك الى اليدين فحجبت بين الملك و بين تلك الروائح.
و للملك مع هذا ثواب و عذاب. فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القادرة فى الدنيا. و ثوابه افضل من ثوابها. فأما عذابه فالحزن. و اما ثوابه فالفرح. و اصل الحزن فى الطحال، و اصل الفرح فى الثرب (2) و الكليتين . و فيهما عرقان موصلان فى الوجه، فمن هناك يظهر الفرح و الحزن، فترى تباشيرهما فىالوجه و هذه العروق كلها طرق من العمال الى الملك و من الملك الى العمال. و تصديق ذلك: اذا تناول الدواء ادته العروق الى موضع الداء.
و اعلم يا أميرالمؤمنين ان الجسد بمنزلة الارض الطيبة الخراب ان تعوهدت بالعمارة والسقى من حيث لاتزداد من الماء فتغرق، و لا تنقص منه فتعطش دامت عمارتها و كثر ريعها، و زكا زرعها. و ان تغافلت عنها فسدت و نبت فيها العشب. و الجسد بهذه المنزلة و التدبير فى الاغذية و الاشربة، يصلح و يصح، و تزكوا العافية فيه.
الفصل الثانى
في كيفية تناول الغذاء و الشراب

انظر يا أميرالمؤمنين ما يوافقك و ما يوافق معدتك، و يقوى عليه بدنك و يستمرئه من الطعام و الشراب، فقدره لنفسك، واجعله غذاك.

واعلم يا أميرالمؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبائع تحب ما يشاكلها، فاتخذ ما يشاكل جسدك. و من اخذ الطعام زيادة الاّ بان لم يفده، و من اخذ بقدر لا زيادة عليه و لا نقص، غذاه و نفعه. و كذلك الماء.
فسبيلك، ان تأخذ من الطعام من كل صنف منه فى ابانه (1)، و ارفع يدك من الطعام و بك اليه بعض القرم (2)، فانه اصح لبدنك و اذكى لعقلك، و اخف على نفسك ان شاءالله.
ثم كل يا أميرالمؤمنين البارد في الصيف، و الحار في الشتاء، و المعتدل في الفصلين، على قدر قوتك و شهوتك و ابدأ في اول طعامك بأخف الاغذية الذي تغذى بها بدنك، بقدر عادتك و بحسب وطنك، و نشاطك، و زمانك.
والذي يجب ان يكون اكلك في كل يوم عندما يمضى من النهار ثمان ساعات اكلة واحدة، او ثلاث اكلات في يومين . تتغذي باكرا في اول يوم ثم تتعشى، فاذا كان في اليوم الثاني عند مضى ثمان ساعات من النهار اكلت اكلة واحدة، و لم تحتج الى العشاء.
و ليكن ذلك بقدر، لا يزيد و لا ينقص. و تكف عن الطعام و انت مشتهى له (3). وليكن شرابك على اثر طعامك من هذا الشراب الصافي المعتق مما يحل شربه.
الفصل الثالث
في صنع نوع خاص من الشراب

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
في صنع نوع خاص من الشراب (1)
يؤخذ من الزبيب (2) المنقى عشرة ارطال، فيغسل و ينقع فى ماء صافي، غمره و زيادة عليه اربعة اصابع، و يترك في انائه ذلك ثلاثة ايام في الشتاء، و في الصيف يوما و ليلة.
ثم يجعل في قدر نظيفة، و ليكن الماء ماء السماء (3) ان قدر عليه، و الا فمن الماء العذب الصافي الذي يكون ينبوعه من ناحية المشرق. ماءا ابيضا، براقا، خفيفا. و هو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة و البرودة. و تلك الدلالة على خفة الماء (4).
و يطبخ حتى ينتفخ الزبيب، ثم يعصر، و يصفى ماؤه، و يبرد. ثم يرد الى القدر ثانيا. و يؤخذ مقداره بعود، و يغلى بنار لينة غليانا رقيقا حتى يمضى ثلثاه، و يبقى ثلثه.
ثم يؤخذ من العسل المصفى رطل (5)، فيلقى عليه.
و يوخذ مقدار الماء و مقداره من القدر، و يغلى حتى يذهب قدر العسل، و يعود الى حده.
و يوخذ صفيقة (6)، فتجعل فيها من الزنجبيل (7) وزن درهم (8)، و من القرنفل (9) وزن درهم، و من الدارصيني (10) وزن نصف درهم، و من الزعفران (11) وزن درهم و من السنبل (12) وزن نصف درهم و من العود (13) النى وزن نصف درهم، و من المصطكي (14) وزن نصف درهم بعد ان يسحق كل صنف من هذه الاصناف وحده و ينخل، و يجعل في الخرقة، و يشد بخيط شدا جيدا.
و يكون للخيط طرف طويل تعلق به الخرفة المصرورة في عود معارض به على القدر، و يكون القى هذه الصرة في القدر في الوقت الذي يلقى فيه العسل.
ثم تمرس الخرقة ساعة فساعة، لينزل مافيها قليلا قليلا، و يغلى الى ان يعود الى حاله، و يذهب زيادة العسل.
و ليكن النار لينة، ثم يصفى و يبرد، و يترك فى انائه ثلاثة اشهر مختوما عليه، لا يفتح، فاذا بلغت المدة فاشربه، و الشربة منه قدر اوقية (15) بأوقيتين ماء.
الفصل الرابع
فى تأثير الافراط في تناول بعض المواد الغذائية

فاذا اكلت يا أميرالمومنين كما وصفت لك من قدرالطعام فاشرب من هذا الشراب ثلاثة اقداح بعد طعامك فاذا فعلت فقد امنت باذن الله يومك من وجع النقرس (1) و الابردة، و الرياح المؤذية.

فان اشتهيت الماء بعد ذلك فاشرب منه نصف ما كنت تشرب فانه اصح لبدنك، و اكثر لجماعك و اشد لضبطك و حفظك.
فان الماء البارد، بعد اكل السمك الطرى يورث الفالج (2). و اكل الاترج (3) بالليل يقلب العين و يورث الحول (4)، و اتيان المرأة الحائض يولد الجذام (5) فى الولد. و الجماع من غير اهراق الماء على اثره يورث الحصاة (6). و الجماع بعد الجماع من غير ان يكون بينهما غسل يورث للولد الجنون ان غفل عن الغسل (7).
و كثرة اكل البيض، و ادمانه يورث الطحال، و رياحا فى رأس المعدة (8). و الامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو (9)، و الابتهار (10). و اكل اللحم النى يورث الدود في البطن (11). و اكل التين يقمل الجسد اذا ادمن عليه (12).
و شرب الماء البارد عقيب الشىء الحار، و عقيب الحلاوة يذهب بالاسنان. و الاكثار من اكل لحوم الوحش و البقر، يورث تيبيس العقل وتحيير الفهم، و تلبد الذهن، و كثرة النسيان (13).
الفصل الخامس
في الحمام و آدابه

و اذا اردت دخول الحمام و ان لا تجد في راسك ما يؤذيك. فابدأ عند دخول الحمام بخمس حسوات ماء حار. فانك تسلم باذن الله تعالى من وجع الرأس، و الشقيقة (1). و قيل خمسة اكف ماء حار تصبها على راسك عند دخول الحمام.

واعلم يا أميرالمؤمنين ان تركيب الحمام على تركيب الجسد. للحمام اربعة ابيات مثل اربع طبائع:
البيت الاول: بارد يابس، و الثاني: بارد رطب، و الثالث: حار رطب، و الرابع . حار يابس (2).
و منفعةالحمام تؤدي الى الاعتدال، و ينقي الدرن (3)، و يلين العصب و العروق، و يقوي الاعضاء الكبار، و يذيب الفضول و العفونات (4).
و اذا اردت ان لا يظهر في بدنك بثرة و لا غيرها، فابدأ عند دخول الحمام بدهن بدنك، بدهن البنفسج (5). و اذا اردت ان لا يبثر، و لا يصيبك قروح، و لا شقاق، و لا سواد، فاغسل بالماء البارد قبل ان تنور.
و من اراد دخول الحمام للنورة، فليتجنب الجماع قبل ذلك باثنتى عشرة ساعة، و هو تمام يوم. و ليطرح في النورة شيئا من الصبر (6)، و القاقيا (7)، و الحضض (8).او يجمع ذلك، و يأخذ منه اليسير اذا كان مجتمعا او متفرقا.
و لا يلقى في النورة من ذلك شيئا حتى تمات النورة بالماء الحار الذي يطبخ فيه البابونج (9)، و المرزنجوش (10) او ورد البنفسج (11) اليابس. و ان جمع ذلك اخذ منه اليسير مجتمعا او متفرقا قدر ما يشرب الماء رائحته.
و ليكن زرنيخ (12) النورة مثل ثلثها. و يدلك الجسد بعد الخروج منها ما يقطع ريحها، كورق الخوخ (13) و ثجير (14) العصفر (15)، و الحناء (16) و السعد (17) و الورد (18).
و من اراد ان يأمن النورة و يامن احراقها، فليقلل من تقليبها. و ليبادر اذا عملت في غسلها. و ان يمسح البدن بشيء من دهن ورد. فان احرقت و العياذ بالله، اخذ عدس مقشر فيسحق بخل و ماء ورد، و يطلى على الموضع الذي احرقته النورة، فانه يبرأ باذن الله.
والذي يمنع من تاثير النورة للبدن. هو أن يدلك عقيب النورة بخل عنب، و دهن ورد دلكا جيدا.
الفصل السادس
تعليمات و نصائح طبية لسلامة الاجهزة الداخلية

و من اراد ان لا يشتكي مثانته، فلا يحبس البول ولو على ظهر دابته.

و من اراد ان لا تؤذيه معدته فلا يشرب على طعامه ماء حتى يفرغ منه، و من فعل ذلك رطب بدنه، و ضعف معدته، و لم تأخذ العروق قوة الطعام، لانه يصير في المعدة فجأ اذا صب الماء على الطعام اولا فأولا.
و من اراد ان يأمن الحصاة، و عسر البول، فلا يحبس المني عند نزول الشهوة، و لا يطيل المكث على النساء.
و من اراد ان يأمن وجع السفل، و لا يضره شيء من ارياح البواسير فليأكل سبع تمرات هيرون (1) بسمن بقر، و يدهن انثييه بزئبق خالص (2).
و من اراد ان يزيد في حفظه، فليأكل سبع مثاقيل زبيبا بالغداة على الريق.
و من اراد ان يقل نسيانه، و يكون حافظا، فليأكل في كل يوم ثلاث قطع زنجبيل (3)، مربى بالعسل، و يصطنع بالخردل (4) مع طعامه في كل يوم.
و من اراد ان يزيد في عقله فلا يخرج كل يوم حتى يلوك على الريق ثلاث هليلجات (5) سود مع سكر طبرزد (6).
و من اراد ان لا تشقق اظفاره و لا تفسد فلا يقلم اظفاره الا يوم الخميس.
و من اراد ان لا يشتكي اذنه، فليجعل فيها عند النوم قطنة.
و من اراد دفع الزكام في الشتاء اجمع، فليأكل كل يوم ثلاث لقم شهد (7).
واعلم يا اميرالمؤمنين ان للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضرره و ذلك ان منه ما اذا ادركه الشم عطس، و منه ما يسكر و له عند الذوق حرافة (8) شديدة فهذه الانواع من العسل قاتله.
و ليشم النرجس (9) فانه يأمن الزكام. و كذلك الحبة السوداء (10).
و اذا جاء الزكام في الصيف، فليأكل كل يوم خيارة واحدة، و ليحذر الجلوس في الشمس.
و من خشى الشقيقة (11)، و الشوصة (12)، فلا ينم حين يأكل السمك الطري صيفا كان أم شتاءا.
و من اراد أن يكون صالحا، خفيف اللحم، فليقلل عشاءه بالليل.
و من اراد أن لا يشتكي كبده عند الحجامة، فليأكل في عقيبها هندباء (13) بخل .
و من اراد لا يشتكي سرته فليدهنها اذا دهن راسه.
و من اراد ان لا تشقق شفتاه، و لا يخرج فيها ناسور (14)، فليدهن حاجبيه.
و من اراد ان لا يسقط ادناه، و لا لهاته (15)، فلا يأكل حلوا الا تغرغر بخل.
و من اراد ان لا يفسد اسنانه فلا يأكل حلوا الا اكل بعده كسرة خبز.
و من اراد لا يصيبه اليرقان (16)، و الصفار (17)، فلا يدخلن بيتا (18) في الصيف اول ما يفتح بابه و لا يخرجن من بيت في الشتاء اول ما يفتح بابه بالغداة.
و من اراد ان لايصيبه ريح،فلياكل الثوم في كل سبعة ايام .
و من اراد ان يمريه (19) الطعام، فليتكىء على يمينه، ثم ينقلب بعد ذلك على يساره حين ينام.
و من اراد يذهب بالبلغم، فليأكل كل يوم جوارشا (20) حريفا، و يكثر دخول الحمام، و اتيان النساء، و القعود في الشمس، و يتجنب كل بارد، فانه يذيب البلغم و يحرقه.
و من اراد ان يطفىء المرة الصفراء، فليأكل كل بارد لين، و يروح بدنه، و يقلل الانتصاب، و يكثر النظر الى من يحب.
و من اراد ان لا تحرقه السوداء فعليه بالقى و فصد العروق و الاطلاء بالنورة.
و من اراد ان يذهب بالريح الباردة، فعليه بالحقنة، و الادهان اللينة على الجسد. و عليه بالتكميد بالماء الحار في الأبزن (21). و يتجنب كل بارد يابس، و يلزم كل حار ليّن.
و من اراد ان يذهب عنه البلغم فليتناول كل يوم من الاطريفل (22) الاصغر مثقالا واحدا.
الفصل السابع
ارشادات للمسافرين

واعلم يا أميرالمؤمنين: ان المسافر ينبغي له ان يحترز في الحر ان يسافر و هو ممتلىء من الطعام، او خالى الجوف، و ليكن على حد الاعتدال و ليتناول من الاغذية اذا اراد الحركة، الاغذية الباردة مثل القريص (1)، و الهلام (2)، و الخل، و الزيت، و ماء الحصرم (3)، و نحو ذلك من البوادر.

واعلم يا أميرالمؤمنين . ان السير الشديد في الحر ضار للاجسام الملهوسة (4)، اذا كانت خالية من الطعام و هو نافع للابدان الخصبة.
فاما اصلاح المياه للمسافر، و دفع الاذى عنها، هو ان لا يشرب المسافر من كل منزل يرده، الا بعد ان يمزجه بماء المنزل الاول الذي قبله. او بشراب واحد غير مختلف فيشوبه بالمياه على اختلافها (5).
والواجب ان يتزود المسافر من تربة بلده، و طينه، فكلما دخل منزلا طرح في انائه الذي يكون فيه الماء شيئا من الطين (6) و يمات فيه فانه يرده الى مائه المعتاد به بمخالطته الطين.
و خير المياه شربا للمقيم و المسافر ما كان ينبوعها من المشرق نبعا ابيضا. و افضل المياه التي تجري من بين مشرق الشمس الصيفي و مغرب الشمس الصيفي.
و افضلها و اصحها اذا كانت بهذا الوصف الذي ينبع منه، و كانت تجري في جبال الطين لانها تكون حارة في الشتاء، باردة في الصيف، ملينة للبطن، نافعة لاصحاب الحرارات.
و اما المياه المالحة الثقيلة، فانها تيبس البطن، و مياه الثلوج و الجليد رديئة للاجسام، كثيرة الاضرار بها.
و اما مياه الجب، فانها خفيفة، عذبة، صافية، نافعة جدا للاجسام اذا لم يطل خزنها و حبسها في الارض.
و اما مياه البطائح (7) و السباخ (8)، فحارة غليظة في الصيف لركودها و دوام طلوع الشمس عليها. و قد تولد لمن داوم على شربها المرة الصفراء و تعظم اطحلتهم.
و قد وصفت لك يا اميرالمؤمنين فيما بعد من كتابي هذا مافيه كفاية لمن اخذ به، و انا ذاكر من امر الجماع ما هو صلاح الجسد و قوامه بالطعام و الشراب، و فساده بهما، فان اصلحته بهما صلح، و ان افسدته بهمافسد.
الفصل الثامن
في قوى النفس و الطبائع الاربع

واعلم يا أميرالمؤمنين ان قوى النفس تابعة لمزاجات الابدان و مزاجات الابدان تابعة لتصرف الهواء. فاذا برد مرة ، و سخن اخرى، تغيرت بسببه الابدان و الصور.

فاذا استوى الهواء، و اعتدل، صار الجسم معتدلا لان الله عزوجل بنى الاجسام على اربع طبائع: على الدم (1)، و البلغم (2)، و الصفراء (3)، و السوداء (4).
فاثنان : حاران، و اثنان: باردان، و خولف بينهما فجعل: حار يابس، و حار لين، و بارد يابس، و بارد لين.
ثم فرق ذلك على اربعة اجزاء من الجسد: على الرأس، و الصدر و الشراسيف، و اسفل البطن.
واعلم يا أميرالمؤمنين ان الرأس ، و الاذنين ، و العينين و المنخزين، و الانف ، و الفم من الدم.
و ان الصدر من البلغم و الريح .
و ان الشراسيف من المرة الصفراء.
و ان اسفل البطن من المرة السوداء.
الفصل التاسع
في النوم

واعلم يا أميرالمؤمنين ان النوم سلطانه في الدماغ، و هو قوام الجسد و قوته.

و اذا اردت النوم، فليكن اضطجاعك اولا على شقك الايمن، ثم انقلب على شقك الايسر. و كذلك فقم من مضطجعك على شقك الايمن كما بدأت به عند نومك.
و عود نفسك من القعود بالليل مثل ثلث ما تنام، فاذا بقى من الليل ساعتين، فادخل الخلاء لحاجة الانسان. و البث فيه بقدر ما تقضى حاجتك، و لا تطيل فان ذلك يورث الداء الدفين (1).
الفصل العاشر
في الاهتمام بصحة الاسنان

واعلم يا أميرالمؤمنين ان خير ما استكت به الاشياء المقبضة التي تكون لها ماء، فانه يجلو الاسنان، و يطيب النكهة، و يشد اللثة و يسمنها، و هو نافع من الحفر، اذا كان ذلك باعتدال ، و الاكثار منه يرق الاسنان و يزعزعها، و يضعف اصولها.

فمن اراد حفظ اسنانه فليأخذ قرن أيل محرق (1) و كزمازج (2)، وسعد (3) وورد (4)، و سنبل الطيب (5)، اجزاء بالسوية، و ملح اندراني (6) ربع جزء فخذ كل جزء منها، فتدق وحده و تستك به فانه ممسك للاسنان.
و من اراد ان يبيض اسنانه فلياخذ جزء ملح اندراني و جزء من زبد البحر (7) بالسوية، يسحقان جميعا و يستن بهما.
الفصل الحادى عشر
في اصول الانسان وقواه الجسمانية حسب الفترات الزمنية

واعلم يا أميرالمؤمنين : ان احوال الانسان التي بناه الله تعالى عليها و جعله متصرفا بها اربعة احوال:

الحالة الاولى: لخمس عشرة سنة، و فيها شبابه، و صباه، و حسنه، و بهاؤه، و سلطان الدم في جسمه.
و الحالة الثانية: لعشرين سنة. من خمس عشرة الى خمس و ثلاثين سنة، و فيها سلطان المرة الصفراء، و غلبتها، و هو اقوم ما يكون ، و ايقظه والعبه. فلا يزال كذلك حتى يستوفى خمس و ثلاثين سنة.
ثم يدخل في الحالة الثالثة: و هي من خمس و ثلاثين سنة الى ان يستوفى ستين سنة، فيكون في سلطان المرة السوداء و يكون احكم ما يكون، و اقوله، و ادراه، و اكتمه للسر، و احسنه نظرا في الامور و فكرا في عواقبها، و مداراة لها، و تصرفا فيها.
ثم يدخل في الحالة الرابعة: و هي سلطان البلغم، و هي الحالة التي لا يتحول منها ما بقى و قد دخل في الهرم حينئذ، وفاته الشباب، و استنكر كل شيء كان يعرفه من نفسه، حتى صار ينام عند القوم، و يسهر عند النوم و يذكر ما تقدم، و ينسى ما تحدث به ، و يكثر من حديث النفس، و يذهب ماء الجسم و بهاؤه، و يقل نبات اظفاره و شعره، و لا يزال جسمه في ادبار و انعكاس ماعاش، لانه في سلطان البلغم، و هو بارد جامد. فلجموده و رطوبته في طباعه يكون فناء جسمه.
الفصل الثاني عشر
في آداب الحجامة

و قد ذكرت لاميرالمؤمنين جملا مما يحتاج الى معرفته من سياسة الجسم و احواله، و انا اذكر ما يحتاج الى تناوله و اجتنابه. و ما يجب ان يفعله في اوقاته.

فاذا اردت الحجامة فلا تحتجم الا لاثنتى عشر تخلو من الهلال الى خمسة عشر منه، فانه اصح لبدنك. فاذ انقص الشهر فلا تحتجم الا ان تكون مضطرا الى اخراج الدم، و ذلك ان الدم ينقص في نقصان الهلال، و يزيد في زيادته.
و لتكن الحجامة بقدر ما مضى من السنين، ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوما، و ابن ثلاثين سنة، في كل ثلاثين يوما، و ابن اربعين في كل أربعين يوما، و ما زاد فبحساب ذلك.
واعلم يا أميرالمؤمنين : ان الحجامة انما يؤخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم، و مصداق ذلك، انها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصاد.
و حجامة النقرة تنفع لثقل الرأس، و حجامة الاخدعين يخفف عن الرأس، و الوجه، والعين، و هي نافعة لوجع الاضراس.
و ربما ناب الفصد عن ساير ذلك. و قد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم، و فساد اللثة، و غير ذلك من اوجاع الفم، وكذلك التي توضع بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون مع الامتلاء و الحرارة.
و التي توضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء في الكلى و المثانة و الارحام، و يدر الطمث، غير انها منهكة للجسد، و قد تعرض منها العشوة (1) الشديدة، الا انها نافعة لذوي البثور و الدماميل.
و الذي يخفف من الم الحجامة تخفيف المص عند اول ما يضع المحاحجم ثم يدرج المص قليلا قليلا و الثواني ازيد في المص من الاوائل، و كذلك الثوالث فصاعدا.
ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه، و تلين المشرطة على جلود لينة، و يمسح الموضع قبل شرطه بالدهن.
و كذلك يمسح الموضع الذي يفصد بدهن فانه يقلل الالم. و كذلك يلين المشراط و المبضع بالدهن.و يمسح عقيب الحجامة، و عند الفراغ منها الموضع بالدهن.
و لينقط على العروق اذا فصدت شيئا من الدهن، كيلا تلتحم فيضر ذلك المقصود. و ليعمد الفاصد ان يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لان في قلة اللحم من فوق العروق قلة الالم.
و اكثر العروق الما اذا كان الفصد في حبل الذراع (2)، و القيفال (3) لاجل كثرة اللحم عليها.
فاما الباسليق (4)، و الاكحل (5)، فانهما اقل الما في الفصد اذا لم يكن فوقهما لحم.
والواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار، ليظهر الدم، و خاصة في الشتاء. فانه يلين الجلد، و يقلل الالم، و يسهل الفصد.
و يجب في كل ما ذكرنا من اخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتى عشرة ساعة. و يحتجم في يوم صاح، صاف، لا غيم فيه، و لا ريح شديدة. و ليخرج من الدم بقدر ما يرى من تغيره. و لا تدخل يومك ذاك الحمام. فانه يورث الداء. و اصبب على رأسك و جسدك الماء الحار، و لا تغفل ذلك من ساعتك.
و اياك و الحمام اذا احتجمت، فان الحمى الدائمة تكون منه. فاذا اغتسلت من الحجامة، فخذ خرقة مرعزي( (6) فالقها على محاجمك، اوثوبا لينا من قز، او غيره .و خذ قدر الحمصة من الدرياق الاكب (7) فاشربه. و كله من غير شرب ان كان شتاءا، و ان كان صيفا فاشرب الا سكنجبين المغلى، فانك اذا فعلت ذلك فقد امنت من اللقوة (8)، و البهق (9)، و البرص (10)، و الجذام باذن الله تعالى.
و مص من الرمان الامليسى (11)، فانه يقوى النفس و يحيي الدم. و لا تأكلن طعاما مالحا ولا ملحا بعده بثلثي ساعة فانه يعرض منه الجرب (12). و ان كان شتاءا فكل الطياهيج (13) اذا احتجمت، و اشرب عليه من ذلك الشراب الذي وصفته لك.
وادهن موضع الحجامة بدهن الخيري، و ماء ورد، و شيء من مسك. و صب منه على هامتك ساعة تفرغ من حجامتك. و اما في الصيف، فاذا احتجمت فكل السكباج (14)، و الهلام و المصوص (15) والخامير (16) و صب على هامتك دهن البنفسج، و ماء ورد، و شيئا من كافور (17). و اشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك.
و اياك و كثرة الحركة، و الغضب، و مجامعة النساء يومك ذاك.
الفصل الثالث عشر
عدم توافق تراكيب بعض المواد في البدن

و ينبغي ان تحذر أميرالمؤمنين ان تجمع في جوفك البيض و السمك في حال واحدة، فانهما اذااجتمعا ولدا القولنج (1) و رياح البواسير، و وجع الاضراس.

و اللبن و النبيذ الذي يشربه اهله اذا اجتمعا ولدا النقرس و البرص. و ادامة اكل البصل يولد الكلف في الوجه (2) و اكل المملوحة، و اللحمان المملوحة، و اكل السمك المملوح بعد الحجامة، و الفصد للعروق يولدا البهق، و الجرب. و ادمان اكل كلى الغنم واجوافها يعكّر المثانة، و دخول الحمام على البطنة يولد القولنج.
الفصل الثالث عشر
عدم توافق تراكيب بعض المواد في البدن

و ينبغي ان تحذر أميرالمؤمنين ان تجمع في جوفك البيض و السمك في حال واحدة، فانهما اذااجتمعا ولدا القولنج (1) و رياح البواسير، و وجع الاضراس.

و اللبن و النبيذ الذي يشربه اهله اذا اجتمعا ولدا النقرس و البرص. و ادامة اكل البصل يولد الكلف في الوجه (2) و اكل المملوحة، و اللحمان المملوحة، و اكل السمك المملوح بعد الحجامة، و الفصد للعروق يولدا البهق، و الجرب. و ادمان اكل كلى الغنم واجوافها يعكّر المثانة، و دخول الحمام على البطنة يولد القولنج.
الفصل الرابع عشر
في آداب الجماع

ولا تقرب النساء في اول الليل، لا شتاءا، و لا صيفا. و ذلك ان المعدة و العروق تكون ممتلية و هو غير محمود، يتخوف منه القولنج، و الفالج، و اللقوة، و النقرس، و الحصاة، و التقطير (1)، و الفتق (2) و ضعف البصر و الدماغ.

فاذا اريد ذلك فليكن في آخر الليل فانه اصح للبدن و ارجى للولد، و اذكى للعقل في الولد الذي يقضى بينهما.
و لا تجامع امرأة حتى تلاعبها، و تغمز ثدييها، فانك ان فعلت، اجتمع ماؤها و ماؤك فكان منها الحمل. و اشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها، و ظهر ذلك في عينيها.
و لا تجامعها الا و هي طاهرة، فاذا فعلت ذلك كان اروح لبدنك، واصح لك باذن الله.
و لا تقول طال ما فعلت كذا، و اكلت كذا فلم يؤذني وشربت كذا و لم يضرني، و فعلت كذا و لم ار مكروها و انما هذا القليل من الناس يا أميرالمؤمنين كالبهيمة لا يعرف ما يضره، و لا ما ينفعه.
و لو اصيب اللص اول ما يسرق فعوقب لم يعد، لكانت عقوبته اسهل ، و لكن يرزق الامهال، و العافية، فيعاود ثم يعاود، حتى يؤخذ على اعظم السرقات، فيقطع، و يعظم التنكيل به، و ما اودته عاقبة طمعه.
و الامور كلها بيدالله عزوجل ان يكون له ولدا، واليه المآب. و نرجوا منه حسن الثواب انه غفور تواب . عليه توكلنا و عليه فليتوكل المؤمنون. و لا حول و لا قوة الا بالله العلى العظيم.
قال ابو محمد الحسن العمّي. قال لي ابي : فلما وصلت هذه الرسالة من ابي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما و على آبائهما و الطيبين من ذريتهما الى المأمون، قرأها، و فرح بها، و امر ان تكتب بالذهب، و ان تترجم بالرسالة الذهبية.

صورة رمزية إفتراضية للعضو كميل
كميل
عضو
°°°
افتراضي
سلمت يداك اخي ابو حسين
سبحان الله اليس الطب كله في هذه المفاتيح
كيف لا وهو جاء من علوم من زقوا العلم زقا

صورة رمزية إفتراضية للعضو kenanr
kenanr
عضو
°°°
افتراضي
شكر الله سعيك أخي العزيز...............

صورة رمزية إفتراضية للعضو آلـطـور آلآخـر
آلـطـور آلآخـر
عضو
°°°
افتراضي
بـآركـ الله فـــيك آيهـآ آلــطيب

صورة رمزية إفتراضية للعضو khamail
khamail
عضو
°°°
افتراضي
سلمت يداك وانالك الله شفاعة الرضا عليه السلام

صورة رمزية إفتراضية للعضو khamail
khamail
عضو
°°°
افتراضي

الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
سلمت يداك وانالك الله شفاعة الرضا عليه السلام

الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي

وهذا مخطوط الرسالة الذهبية


العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..


مواقع النشر (المفضلة)
الرسالة الذهبية للامام الرضا علية السلام

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
الامام علي علية السلام وسورة يس
أول مجربة لي إهداء إلى سيدالمدينة بمناسبة قدومه بالسلامة من زيارته للامام الرضا ( ع )
حرز الامام على الرضا عليه السلام
مناجاة امير المؤمنين علية السلام
عوذة الفرس للامام الرضا عليه السلام

الساعة الآن 11:15 AM.