المشاركات الجديدة
قسم الكتب و المنشورات : كتب و منشورات و مواقع في كل الميادين المرتبطة بتخصص منتديات الشامل

كتاب روائع الطب الاسلامي

افتراضي كتاب روائع الطب الاسلامي
[color=blue:8c87c7e2cd][size=12:8c87c7e2cd]
روائع الطب الإسلامي




تأليف
العلامة الدكتور الطبيب
محمـد نزار الـدقر
اختصاصي بالأمراض الجلدية والتناسلية والعلاج التجميلي
دكتور " فلسفة " في العلوم الطبية كاتب متخصص في الطب الإسلامي
بين يدي الكتاب
الحمد لله الذي هدانا لإتباع هذا الدين القويم،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ،الذي بلغنا هذه الشريعة الغراء التي لم تترك أمراً صغيراً كان أم كبيراً في حياة البشر إلا ونظمته بما يليق بعظمة الخالق سبحانه،المنزل لهذه الشريعة التي تصلح لكل زمان ومكان،وبما فيه من السعادة لكل من اتبعه في دنياه ولنصل به إلى بر الأمان في أخراه.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على هذه الأرض ومن ثم جعله خليفته فيها وسخر له كل ما فيها.وخلافة الإنسان في الأرض،إنما تتحقق بحسن عمارتها وإصلاحها وحمايتها.ومن أجل ذلك منح الله سبحانه وتعالى الإنسان من المؤهلات من عقل وجسد قوي ما يمكنه من أداء هذه المهمة،وأنزل الشريعة تلو الشريعة حتى يتمكن الإنسان من حفظ هذه الضرورات لتستقيم خلافته وفق المعطيات التي وضعها الخالق المصور لهذا الكون.
وهكذا فإن حفظ النفس وسلامتها وصحة الجسد ملحظ هام أعتبره الفقهاء أحد مقاصد الشريعة الغراء والتي نزلت من أجلها.ومن خلال البحث المنصف نجد أن تشريعات الإسلام كلها تولي هذا المقصد "حفظ البدن وصحته" مكانة خاصة،لا بل نجده ركناً أساسياً في معظم هذه التشريعات.ومن هنا نفهم كيف جعل النبي  نعمة الصحة والعافية تلي نعمة الإيمان في الأهمية،وذلك فيما رواه الصديق عن النبي  قوله:"سلوا الله اليقين والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية".
وتتطابق نظرة الإسلام للصحة مع المفهوم الحديث لها.فالصحة في مفهوم الطب الحديث ليست مجرد الخلوّ من العاهات أو الأمراض،بل أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائف أعضائه تجعله يتحمل ما قد يتعرض له من مسببات كثير من الأمراض وهذا تطابق معجز حقاً مع ما قال به نبي الرحمة :"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
والإسلام يهتم بصحة الفرد قبل أن يتخلق إذ يطلب انتفاء الشريك (الزوج أو الزوجة) الصالح لإنتاج ذرية سليمة،مصداق ذلك ما يرويه ابن عباس عن النبي  قوله:"تخيروا لنطفكم" ثم إنه حث على الرضاعة الطبيعية وإطالتها قدر الإمكان ليحصل الوليد على عناصر المناعة اللازمة والتي لا تعطيها الرضاعة الصناعية "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين". ودعا إلى تنشئة بدنية قوية وفيه إلى رياضات هي أسُّ هذه التربية مثل السباحة والرماية وركوب الخيل. وحتى ساعات اللهو عند المسلم موجهة لخيره وتنمية لقوته. يقول  :"كل ما يلهو به المسلم باطل إلا رميه بقوس وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق" والطب الإسلامي إن قرر بعض الأمور العلاجية كنوع من التوجيه للأمة لأمور تنفعها بوحي من السماء،كما في قوله تعالى عن العسل "فيه شفاء للناس" وقول النبي  :"عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء".فهو –أي الطب الإسلامي- طب وقائي يعمل على حماية صحة الفرد ويحافظ على صحة المجتمع كله.قال تعالى :"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
وهو أول نظام صحي عالمي أقرَّ الحجر الصحي عند حدوث الأوبئة كالطاعون والكوليرا ووضع له قواعد راسخة أقرها الطب الحديث.فقد روى الشيخان عن النبي  قوله:"إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به من قبلكم فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه وإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوا عليه".والذي يعرف أهمية الحجر الصحي في حياة الأمم يعرف عظمة ما جاء به النظام الصحي الإسلامي منذ قرون.
والإسلام دعا إلى النظافة إذ هي قمة الحضارة وجعل الطهارة شرط لصحة أهم عباداته من صلاة وطواف فقال النبي  :"الطهور شطر الإيمان". واهتم بنظافة الفم الذي هو عضو التواصل،كما هو مدخل معظم الجراثيم إلى البدن وربط بوضوح بين نظافة الفم ورضا الرحمن فقال  :"السواك مطهرة الفم مرضاة للرب".
وآداب الطعام مفخرة من مفاخر الهدي النبوي العظيم، حرص من خلالها على أن يتناول المسلم طعاماً نظيفاً خالياً من أي تلوث.فأمر بالأكل باليد اليمنى،وأمر بتغسيل اليدين قبل الطعام وبعده،وأمر بعدم الإسراف في الطعام وعدم إدخال الطعام على الطعام،وجعل سبحانه من أهم أهداف البعثة المحمدية أن يحل لأمته الطيب النافع وتحريم الخبيث الضار.قال تعالى معدداً أهداف بعثة محمد  :"ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث".
هذا وإن تحريم الخمر والتدخين والمخدرات يمكن اعتباره أهم منجزات شريعتنا الغراء في مجال الطب الوقائي،إذ أن إلتزام المجتمع المسلم باجتناب هذه الخبائث يقيه من الوقوع في براثن العديد من الأمراض المهلكة وحماية الأجنة من التشوهات ووقاية الأفراد من الحوادث.
ومن أجل بناء أسرة متينة وحمايتها صحياً واجتماعياً حرم الإسلام الزنا واللواط وغيرها من الفواحش التي هي المصدر الرئيسي لانتشار الأمراض الزهرية وعلى رأسها،الإيدز (غول القرن العشرين)،والتي أنبأنا عنا رسول الله  محذراً من غوائلها حيث قال :"وما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم".
ومن أجل صحة المجتمع وحماية البيئة،ونظراً لكون البراز أكبر مصدر لتلوثها الجرثومي فقد جاء حديث رسول الله  يأمر المسلمين بالالتزام بأهم إجراء وقائي لحفظ صحة المجتمع المسلم ومنع سراية الأمراض فيه وهو قوله  :"اتقوا الملاعن الثلاث:البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل".
ووضع الإسلام القواعد الأساسية للوقاية من الحوادث والتي كثيراً ما تؤدي إلى إزهاق الأرواح،ضمن أوامر محددة وواضحة من أجل سلامة الفرد في المجتمع المسلم فقد "نهى رسول الله  عن النوم على سطح غير محجور عليه".كما نهى الأعرابي الذي جاء يسأله أن يترك ناقته هكذا دون عقال توكلاً على الله فقال  :"اعقلها وتوكل". ونهى رسول الله أن يترك أحد النار مشتعلة وينام عنها قائلاً :"لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" متفق عليه.
وبعد هذا فقد نظم الإسلام مهنة الطب ووضع قواعد الممارسة الطبية التي يجب أن يلتزم بها كل من الطبيب ومريضه،كل هذا من أجل صلاح البدن وسلامة الفرد.وهكذا فقد اعتبر الشارع مهنة الطب من فروض الكفاية التي إن لم يقم بها أحد من أهل بلد مسلم أثم أهل البلد كلهم.وخلص هذه المهنة المقدسة مما خالطها من السحر والخرافة والكهانة فقد قال  :"تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء إلا الهرم".
ومنع الإسلام غير الأطباء من ممارسة أي عمل طبي محملاً إياهم أي نتائج تصدر عنهم وهذا مصداق قول النبي  :"من تطبب ولم يكن معروفاً بالطب فأصاب نفساً فما دونها فهو ----".وكان عليه الصلاة والسلام يأمر أتباعه باختيار من هو [أطب] للحال الذي تناسبه.كما دعا الشارع أهل العلم بالطب للبحث عن أسباب المرض واكتشاف ما يجهلونه من وسائل العلاج إذ هو  القائل :"ما أنزل الله من داء إلا أنزل له الشفاء،علمه من علمه،وجهله من جهله،فإذا أصاب دواء الداء شفي بإذن الله".
وهكذا يتبين لكل ذي بصيرة أن الطب الإسلامي ممارسة نوعية للطب تنبثق من التفسير الإسلامي لرسالة الإنسان في الأرض والحكمة الإلهية من استخلافه،وتعتمد على نظرة حفظ الضرورات الخمس التي أجمع علماء المسلمين على أنها مقصد هام من مقاصد الشريعة.
وفي دراستنا لمباحث الطب الإسلامي التزمنا المصطلحات الفقهية المعتمدة وأصدرناها في سلسلة ميسرة للقارئ العادي تحت اسم "روائع الطب الإسلامي" وخصصنا الجزء الأول منها [القسم العلاجي] وفيه مباحث حول وجوب التداوي وحكم التداوي بالمحرمات وأدب الطبيب وفقهه في الشرع الإسلامي ثم عددنا حسب الترتيب الهجائي في مفردات الأدوية النبوية والأطعمة التي نوه إليها الشارع معتمداً على النصوص الثابتة الصحيحة وأجمل ما قال فيها الأولون ثم نذكر أبحاث الطب الحديث حول كل مفردة.وختمنا الكتاب بمبحث حول الطب الروحاني.
أما الجزء الثاني من روائع الطب الإسلامي فكان تحت عنوان [العبادات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع] ذكرنا فيه ما فرضه الشرع من عبادات على المسلم من طهارة (الوضوء والغسل والاستنجاء) وصلاة وصيام وحج وزكاة،وفصلنا في حكمها مما ذكره أهل العلم الأجلاء ،ثم انتقلنا إلى ما أثبته أطباء الشرق والغرب من منافع جلية يستفيد منها الفرد المسلم من التزامه بهذه العبادة،ومن ثم ما ينعكس من أمور على المجتمع المسلم كله.
أما الجزء الثالث من روائع الطب الإسلامي فعنوانه [المحرمات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع] فقد فصلنا فيه الأدلة الشرعية على تحريم الخمر والتدخين والمخدرات،ولحم الخنزير والميتة والدم،والزنى والشذوذ الجنسي،ثم انتقلنا في كل فصل إلى الويلات والأمراض المهلكة التي تعاني منها البشرية التي لم تلتزم بأوامر الله في هذه المحرمات.
وبين أيدينا اليوم [الجزء الرابع من روائع الطب الإسلامي] ذكرنا فيه بإسهاب الآداب الإسلامية من هدي نبوي وتوجيه قرآني يلتزم به المسلم في أدائه لأعماله اليومية من طعام وشراب ونوم وقيلولة ولهو ورياضة وغيرها،ومن خصال الفطرة التي فطر الله البشر عليها،وأثر ذلك من أثار صحية إيجابية تبدو جلية في صحة الفرد وما ينعكس بعد ذلك على مجتمعه من قوة وبناء متين.ندرس كل ذلك من خلال خمسة فصول :
الفصل الأول:في آداب الطعام والشراب وأثرها في صحة الفرد والمجتمع.
الفصل الثاني:في آداب النوم وأثرها في صحة الفرد والمجتمع.
الفصل الثالث:في خصال الفطرة وأثرها في صحة الفرد والمجتمع.
الفصل الرابع:في الرياضات المسنونة وأثرها في صحة الفرد والمجتمع.
الفصل الخامس:التدبير النبوي في ضبط تصرفات الإنسان الانفعالية وأثر ذلك في صحته.
راجياً المولى القدير أن ينفع بكتابنا هذا من يقرأه وأن يدعو لنا أن نتم هذه السلسلة من روائع الطب الإسلامي التي نحن بصددها حتى نخرج الجزء الخامس حول آداب النكاح الإسلامية وأثرها في صحة الفرد والمجتمع والله ولي التوفيق.

دمشق العاشر من جمادى الآخرة 1419هـ والموافق تشرين الأول 1998م.
المؤلف محمد نزار الدقر
الهاتف : 00963113339946

الفصل الأول
الآداب الإسلامية في الطعام والشراب
وأثرها في صحة الفرد والمجتمع
ويضم الأبحاث التالية :
البحث الأول:أسس تدبير الطعام والشراب في الشريعة الإسلامية.
6- القاعدة القرآنية الأولى:حل الطيبات وتحريم الخبائث.
7- القاعدة القرآنية الثانية:وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا.
البحث الثاني:الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب.
1- غسل اليدين قبل الطعام وبعده.
2- جلسة الطعام.
3- التسمية قبل الطعام والأكل باليمين مما يلي الأكل.
4- النهي عن الشرب والأكل واقفاً.
5- الشرب مصاً ثلاث دفعات.
6- النهي عن النفخ في الشراب.
7- النهي عن الشرب من ثلمة القدح.
8- النهي عن الشرب من في السقاء.
9- ألا يعيب طعاماً قط.
10- الاجتماع على الطعام.
11- المضمضة بعد الطعام.
12- عدم الأكل من الخبز المرقق المنخول.
13- النهي عن أكل الطعام الحار.
14- عدم النوم بعد الطعام.
15- الأمر بلعق الأصابع والصفحة.
16- تغطية الإناء وإيكاء السقاء.
17- تقديم العشاء على العشاء.
18- ما يقوله إذا فرغ من طعامه.
المبحث الأول
أسس تدبير الطعام والشراب في الشريعة الإسلامية:
لقد نجح النظام الإسلامي في ميدان التدريب الصحي الذي فرضه على بني البشر ليسعدوا به(1)، فقد كانت معظم الأمراض التي يصاب بها الناس _ومازالت_ في عصرنا الحديث ترجع إلى الحرمان الشديد ونقص الغذاء،أو إلى الإفراط في تناول الطعام والشراب والإسراف فيهما، وقد جاء الحل الإسلامي العظيم المعجز وفي ثلاث كلمات من كتاب الله عز وجل حين قال:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).وأمر بالصيام شهراً في السنة للحفاظ على سلامة وكيان أجهزة البدن وأعضائه.
وجاءت الدراسات الطبية لتثبت أن مرضى القلب يستطيعون أن يعيشوا طويلاً بعيداً عن المضاعفات الخطيرة إذا هم اعتدلوا في طعامهم وشرابهم ومن ثَمَّ فقد أمر الإسلام الأغنياء بإخراج زكاة أموالهم(2)لإنقاذ ملايين الجائعين من خطر البؤس والفقر والمرض والموت.
وجاءت القاعدة الثانية القرآنية صرخةً مدويةً يؤكد علماء اليوم أنها الحل الأمثل لحل مشاكل العصر الصحية والتي جعلها سبحانه وتعالى من أهداف بعثة النبي الأميوهي قوله تعالى:(ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فكان تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير،وما ألحق بها اليوم من خبائث العصر من مخدرات وسجائر وسواها وهي هي من أهم أسباب الأمراض والعجز والموت والمهالك في عصرنا الحديث (3).
وجاء الهدي النبوي بآداب يتدبر بها المسلم أمر طعامه وشرابه،وهي علاوة على أنها أضفت على حياته الاجتماعية مسحة جمالية وسلوكيةً رائعةً،فقد نظم بها الشارع تناول الوجبات وكميّاتها وطريقة تناولها فيما يتّفق مع ما وصل إليه الطب الحديث الوقائيّ وعلم الصحة،لا بل سبقه إلى ذلك بقرون عدة،فلا يأكل المسلم حتى يجوع، وإذا أكل لا يصل إلى حدً التخمة من الشبع،إذ" بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"،وعلى قاعدة"ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه" كما نهى الشارع عن إدخال الطعام على الطعام أو أن يأكل بين الوجبات……الخ.
واتفاقاً مع الأهمية الصحية لطريقة تناول الطعام والشراب،وعلاقة ذلك بصحة البدن،فقد حدّد الطبيب الأول ورسول الحقِّ الوضعية المثلى للجلوس على الطعام،ونهى عن وضعياتٍ قد ينجم عنها بعض الأذى،كأن يأكل المرء أو يشرب واقفاً أو متكئاً. وندب إلى أن يتحدَّث الإنسان على طعامه لإدخال السرور على المشاركين مما يزيد في إفراز العصارات الهاضمة ويساعد على الاستفادة المثلى من الطعام. ودعا إلى تقديم العَشاء على العِشاء،وإلى أن يشرب كوب الماء على دفعتين أو ثلاث،وأن يمصّه مصَّاً لا أن يعبَّه ويكرعه لما في ذلك من أثرٍ سيء على المعدة والجهاز الهضميِّ عموماً.
وإذا كان الطبُّ الحديث قد اكتشف الجراثيم الممرضة والطفيليات المهلكة للإنسان في أواخر القرن الماضي،وبين أن تلوث الطعام والشراب بها هو من أهم أسباب إصابة الإنسان بعدد من الأمراض الخطيرة كالكوليرا والتيفوئيد والزحار(الزنطارية)والسل المعوي والديدان والتهاب الكبد وغيرها،ومن ثَمَّ فقد وضع علم الطب الوقائي عدداً من القواعد الصحية على الإنسان أن يلتزم بها ليضمن نظافة الطعام والشراب وسلامتهما من التلوث الجرثومي. فإن ديننا الحنيف قد وضع تلك التعاليم وأمر أتباعه الالتزام بها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً(4).
والحق يقال أن التعاليم النبوية في تدبير الطعام والشراب كانت قمة في الدقة العلمية،وقمة في حرص المشرع العظيم على سلامة أتباعه ووقايتهم من شر الوقوع في براثن المرض.فقد أمر عليه الصلاة والسلام أن بغطى إناء الطعام وتوكأ قرب الشراب فلا يترك مكشوفاً للذباب والتراب،كما نهى عن أن يشرب من في الإناء أو أن ينفخ في الشراب حرصاً على سلامته من التلوث،وأمر بغسل اليدين قبل الطعام وبعده،وأمر بالأكل باليمين،ونهى عن الأكل باليسار التي خصصها للاستنجاء وغير ذلك من الأعمال الملوِّثةِ،كل ذلك ليضمن سلامة الطعام وعدم تلوثه بالجراثيم كما سنرى.
كما حرص المشرع على عدم تلويث مياه الشرب،فنهى أن يغمس المستيقظ من النوم يده في الإناء قبل أن يغسلها،فإن" أحدكم لا يدري أين باتت يده"،كما منع التبرز أو التبول قرب موارد المياه وفي ظل الناس ومكان تجمعاتهم،بل شدّد في تحريم هذه الأفعال(3)حتى عدها من مسببات اللعن. فقد صح عنه  قوله:"اتقوا الملاعن الثلاث:البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" كما" نهى رسول الله  أن يبال في الماء الراكد"-رواه البخاري ومسلم-.
القاعدة القرآنية الأولى:حلّ الطيبات وتحريم الخبائث
وهي القاعدة الأهم في نظام التغذية في الإسلام وقد فصلنا في الحديث عنها في الجزء الثالث من كتابنا "روائع الطب الإسلامي "عندما تحدثنا عن المحرمات في الإسلام،ولا بدّ هنا ونحن نذكر آداب الطعام والشراب أن نذكِّر بأهمية هذه القاعدة التي وضعها الشارع لحماية الفرد في المجتمع المسلم مما يمكن أن يصيبه من أمراض مهلكة عند تناوله "الخبيث" من الطعام أو الشراب.
وإذا كانت النصوص القرآنية والنبوية قد بينت بشكل صريح تحريم بعض الأطعمة والأشربة لخبثها كالخمر والميتة والدم ولحم الخنزير وكل ما هو متلوث بنجاسة،فإن أشربة أخرى كالتبغ والحشيش والمخدرات الأخرى وغيرها مما لم يكن معروفاً في العلم وقت التنزيل،فلم تنـزل نصوص خاصة بها،ولكن المشرع سبحانه لم يترك الناس في حيرة من أمرهم،فقد وضع ميزاناً دقيقاً يمكن علماء الأمة في كل زمان ومكان أن يزنوا كل مستحدث فقال بكل وضوح كلمة وضعها كقانون علمي ثابت فيه كل الحكمة وفيه كل الخير للبشرية وهي قوله تعالى:" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" فلم يحرم الإسلام شيئاً من المطعومات أو المشروبات إلا لضرر ينجم عنها أو لخبث محقق فيها،مصداق قوله تعالى:"يسألونك ماذا أحلَّ لهم قل أحل لكم الطيبات".وإنه لمن عظيم الإعجاز الإلهي أن تتوافق موازين الشرع وموازين الطب في تحريم هذه الخبائث.
فالبدن يحتاج في نشاطه الحياتي لأغذية تبني الجسم وترمم ما هدم منه كالبروتينات والدسم، كما يحتاج لأغذية لتوليد الطاقة أي التي تولد الحرارة الغريزية وتؤمن عمل الأعضاء كالقلب والتنفس والهضم،لذا أوجب الإسلام تناول الحد الأدنى أو الضروري من الطعام والشراب،حفاظاً على الحياة ودفعاً للهلاك. وما عدا قدر الضرورة يباح تناوله ما لم يكن مسستقذراً ولا ضاراً ولا متنجساً ولا متعدياً على حقوق الغير وما لم يصل إلى حدِّ الإسراف.
وإذا كان للأغذية مصدرين كبيرين:فهي حيوانية أو نباتية فمن الأمثل صحياً أن يناوب بين تلك الأنواع دون أن يقصر نفسه على أحدهما(5).ومن المعجز حقاً أن نجد سلوك النبي الأمي في طعامه متوافقاً تماماً مع مبدأ علم الصحة هذا. وهذا ما يؤكده ابن القيم الجوزية(6)عن طعام النبي إذ يقول:"فلم يكن من عادته حبس النفس على نوع واحد من الغذاء لا يتعداه إلى سواه وكانيحسن الجمع بين الأغذية في تناولها وإصلاح تأثير بعضها على الآخر.ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن جعفر” رأيت رسول الله يأكل الرطب بالقثاء" …
وإذا كانت الأغذية النباتية أقل سمية من الحيوانية،لكن الاقتصار عليها يسبب فقر الدم بنقص الهيولين وفقدان الفيتامين ب12،كما أن الاقتصار على البروتين النباتي يجعل البدن يقصر في تركيب الأنسجة والتي لا بد لاكتمالها من توفر البروتينات الحيوانية.وليس لمسلم أن يحرم على نفسه بعض الطيبات مما أحلّه الله بنية التقرب إليه.قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحلّ الله لكم"المائدة_9،وقال تعالى:" قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"الأعراف_32.
والنبات المأكول حلال كله ما لم يعرض له عارض من سرقة أو نجاسة وما لم يثبت ضرره لسمية فيه، أو لكونه مسكراً أو مفتراً(7)،وذلك لعموم قوله تعالى:" يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً".
أما المصدر الحيواني للغذاء فقد حرم النص القرآني تناول الميتة والدم ولحم الخنـزير،وجاء في السنة التي اعتمدها جمهور الفقهاء تحريم أكل الحيوانات المفترسة كالوحوش من أسدٍ ونمرٍ وذئبٍ وفهدٍ (وكل ماله ناب مفترس من السباع)،وكذا الطيور الجارحة،أي ذوات المخلب من الطير كالصقر والباز والنسر.لما رواه عبد الله ابن عباس قال:" نهى رسول اللهعن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير" رواه مسلم.
كما حرمت لحوم الكلاب لما يرويه رافع ابن خديج عن النبيقوله:"الكلب خبيث ثمنه" رواه مسلم.كما يحرم عند الجمهور أكل لحوم الحمر الأهلية لما رواه الشيخان عن جابر رضي الله عنه" أن النبي نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل ". كما حرمت الضفادع للنهي عن قتلها.كما يحرم أكل حشرات الأرض كالثعبان والعقرب والفأرة وسواها لاستخباث الطباع السليمة لها وللأذى أو السمية التي قد يلحقها بعضها للإنسان ولما تنقله من عوامل الأمراض الفتاكة لبني البشر كالطاعون والتيفوس وسواها(7). والأشياء الضارة التي يثبت ضررها ولا نصَّ في تحريمها،والسموم في غير التداوي، كلها حرام لعموم النص" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" ولقوله:"لا ضرر ولا ضرار".
صدق الله،فما حرَّم علينا إلا كل خبيث ضار،وما أباح لنا إلا الطيب النافع إلا أنه من الواجب على المسلم أن يتحاشى تناول ما حرم الله من المطعومات أو المشروبات طاعةً لله عز وجل،أدرك العلة من التحريم أم لم يدرك، مُسَلِّمَاً بأن تلك المحرمات إنما حرمها الخالق المصور،العليم بما يضرُّ هذا الإنسان _الذي خلقه بيده_ وبما ينفعه تصديقاً لقوله تعالى:"ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث" ومن أراد أن يعرف التفاصيل عما اكتشفه الطب الحديث من آفات وويلات من تناول اللحوم المحرمة وغيرها من الخبائث فيستطيع الرجوع إلى كتابنا عن” المحرمات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع"،وهو الجزء الثالث من سلسلة روائع الطب الإسلامي.

القاعدة القرآنية الثانية:وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
إن الإنسان شره بغريزته،يسرف في الأكل والشرب،وخاصة أيام كهولته.و يقدّر ما يتناوله الإنسان عادة من طعام وشراب بثلاثة أضعاف ما يحتاجه إليه.ولا يشك العلم أبداً أن أكثر الراحلين ابتساراً من عالم الدنيا إلى عالم القبور هم منتحرون بأفواههم وبما أسرفوا بما دخل في أجوافهم من طعامٍ وشراب.وإن في القاعدة الإلهية العظيمة" وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" سِرُّ التمتع بحياة يسيطر فيها نعيم الصحة والهناء(8).فالإسراف خطر طباً وحرام شرعاً لعموم النص(7).
وإذا كان الطعام والشراب لذة،فإنما جعلها الله سبحانه فيها لإرواء الميل الغريزي لتناولهما بغاية الحفاظ على الحياة واستمرارها،كما أن التلذذ بالطعام ينبه أعمال الهضم الغريزية وإفراز العصارات الهاضمة حتى يتم التمثل بشكل جيد.ومن الخطأ الفادح أن يجعل الإنسان من اللذة غاية في طعامه وشرابه مما يجعله يسرف في استدعائها وينحرف في طريق إروائها وهذا ليس من صفات المؤمن في شيء.وقد أكد القرآن الكريم أن الوقوف عند التلذذ بالطعام والشراب والتمتع بهما إنما هو من صفات الكافرين الجاحدين(9)،وذلك مصداق قوله تعالى:" والذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم" _الأحقاف_20.
وتؤكد السنة المطهرة هذا المعنى وتنهى عن الإسراف في الطعام،وأن على المسلم أن يكتفي منه بما يقيم الأود ويحفظ الصحة والقوة من أجل السعي على الرزق والتقوي به على عبادة الله رب العالمين.فقد روى البخاري أن رجلاً كان يأكل كثيراً فأسلم فكان يأكل قليلاً،فذكر ذلك لرسول الله فقال:" المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء".وقد ذكر ابن الأثير(10)تعليقاً على هذا الحديث:هو تمثيل لرضى المؤمن بالقليل اليسير من الدنيا وحرص الكافر على الكثير منها،ثم قال:والأوجه أن يكون هذا تحضيضاً للمؤمن على قلة الأكل وتحاشي ما يجره الشبع من قسوة القلب وطاعة الشهوة.
من هنا نفهم دعاء النبي:" اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً" رواه الشيخان. كما حذر سيدنا عمر بن الخطاب من النهم والبطنة فقال:"إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسم مورثة للسقم،مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف وإن الله تعالى ليبغض الحَبْرَ السمين وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه"•.
يقول الإمام الغزالي:" ومن مضار الشره اشتداد المعاصي وخاصة الشهوة الجنسية،فإذا منعت التقوى صاحبها من الزنى فلا يملك عينه،فإذا ملك عينه بغض الطرف فلا يملك فكره فتخطر له الأفكار الرديئة وحديث النفس بأسباب الشهوة وما يتشوش به مناجاته".
عن المقداد بن معد يكرب أن النبي() قال:"ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه.بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"•.
يقول ابن القيم (6):"مراتب الغذاء ثلاثة أحدها مرتبة الحاجة والثانية مرتبة الكفاية والثالثة مرتبة الفضيلة،فأخبر النبي() أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه فلا تسقط قوته ولا تضعف،فإن تجاوزها فليأكل بثلث بطنه وهذا من أنفع ما للبدن وما للقلب فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفس وعرض عليه الكرب والتعب".
وفي معرض شرحه للحديث يقول د.الكيلاني(12):"يشكل الجزء العلوي من المعدة جيب ممتلئ بالهواء يقع تحت الحجاب الحاجز وكلما كان ممتلئاً بالهواء كانت حركة الحجاب الحاجز فوقه سهلة كان التنفس ميسوراً،أما إذا امتلأ هذا الجيب بالطعام والشراب تعرقلت حركة الحجاب الحاجز وكان التنفس صعباً كما أن الصلب لا يستقيم تماماً إلا إذا كانت حركة المعدة مستريحة ولا يتم ذلك إذا أتخمت بالطعام،فصلى الله على طبيب القلوب والأبدان.
أما د.محمود فؤاد معاذ(13)فيرى أن كلمة" يقمن صلبه" هي من أبلغ ما نطق به النبي العظيم()معنىً وعلماً.فالنبي()حث على الإقلال من الطعام،ولكن إلى حد يقمن صلبه وحنى لا تكون مخمصة فرب مخمصة شر من التخم.والمرء حسبه أن يتناول ما يقيم الصلب،أي ما يعطيه القوة الكافية للقيام بمجهوداته.
وعن جابر أن رسول الله()قال:" طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية"••.
فالنبي()يحذر من السرف في الطعام وأن شبع الواحد هو قوت الاثنين يكفيهم ويقيم أودهم(12)،وهو ينصح أن يكون ثلث المعدة فقط للطعام ولو حافظ المسلمون اليوم على هذه الوصية لحموا أنفسهم من كثير من الأمراض،ولما تعبت معداتهم من هضم الطعام الفائض فتقل الفضلات و ينشط البدن و يصفو الدم و يتوقد الذهن.
وعن أنس بن مالك أن النبي() قال:" إن من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت"•.
فمن أخلاق المسلم كبح جماح نفسه ووقايتها من الإسراف المذموم،فيعطيها حيناً من مشتهياتها المباحة،ويمنعها حيناً،لا تحريماً للطيبات ولكن ترويضاً لها للتمكن من قيادة زمامها.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:تجشأ أبو جحيفة عند رسول الله() فقال له:"أقصر عنا من جشائك ،إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا"••.وعن عمران بن الحصين أن رسول الله()قال:"إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون من بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن"•••.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم"••••.
وعن أبي هريرة قال:"ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض" رواه البخاري.
إن المربي الناجح هو الذي يجسد أقواله أفعالاً تحتذى وهذه هي روعة التعاليم النبوية التي رافقها سلوك عملي وحلول واقعية من حياته():فهذا محمد()ما شبع من طعام ثلاثة أيام متتالية،وكان يجلس لطعامه جلسة المتحفز للقيام بعد أن يتناول ما يقيم صلبه،وما أكل خبزاً مرققاً ولا وضع على سفرته السكرجة(من مقبلات وسواها) ليعلمنا بسلوكه الطريقة الأمثل لتنفيذ القاعدة الإلهية في الطعام والشراب "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا".
الآثار الصحية السيئة للإسراف في الطعام والشراب:
يؤدي الشره(14)وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عن طاقة تحمل المعدة إلى ما يسمى بالتخمة والتي تفضي إلى عسرة الهضم وكثرة الغازات وأوجاع الشرسوف واحتقان الكبد والتخمة الشديدة يمكن أن تؤدي إلى توسع المعدة الحاد التي تسبب ضغطاً شديداً على القلب مما يعيق العود الوريدي إليه فتحصل عسرة في التنفس واضطراب في ضربات القلب وتسوء حالة المريض وقد تنتهي بالموت(9).
والتخمة المزمنة تؤدي(13)(14)وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عن طاقة تحمل المعدة إلى ما يسمى بالتخمة والتي تفضي إلى عسرة الهضم وكثرة الغازات وأوجاع الشرسوف واحتقان الكبد والتخمة الشديدة يمكن أن تؤدي إلى توسع المعدة الحاد التي تسبب ضغطاً شديداً على القلب مما يعيق العود الوريدي إليه فتحصل عسرة في التنفس واضطراب في ضربات القلب وتسوء حالة المريض وقد تنتهي بالموت(9).
والتخمة المزمنة تؤدي(13)إلى تمدد المعدة والأمعاء وإلى ضمور في بطانتها وغددها المفرزة للعصارة الهضمية،فيحصل الإمساك المزمن وعسرات الهضم والانسمام الغذائي المزمن وما ينجم عنه من وهن عصبي.والإسراف في الطعام يسبب عند المستعدين عدداً كبيراً من أمراض التغذية كالبدانة والنقرس والداء السكري،كما تزيد عندهم نسبة الإصابة بأمراض القلب وقصوراته.
فالطعام الزائد عن حاجة الجسم يتراكم على شكل دهون تترسب تحت الجلد وحول الأمعاء وفي الكبد وحول القلب حيث تحدث عبئاً كبيراً عليه،وتتصلب العروق ويرتفع الضغط الدموي وتكثر الجلطات والفوالج،وتتعب الغدد فيحدث الداء السكري عدا عن تعب الكلى بتكليفها فوق طاقتها من عمليات تصفية الدم وطرح الفضلات،هذا عدا عما ذكرناه من تمدد المعدة وآفات الجهاز الهضمي(12).
إن كثرة الأكل والشرب يعقبها كسل في النفس وبلادة في الفكر وميل إلى النوم الذي هو خسارة ومضيعة لأوقات يمكن أن تكون نافعة في دنيا الإنسان وأخرته(9).
يقول القاضي عياض:إن كثرة الأكل والشرب دليل النهم والحرص،والشره مسبب لمضار الدنيا والآخرة جالباً لأدواء الجسد وخثار النفس(ثقلها وعدم نشاطها).ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:الشبع يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقد أكدت أبحاث نشرتها المجلة الطبية العربية(9)أن الإفراط في التغذية عند الأطفال واليفع تؤدي علاوة على زيادة الوزن،إلى النضج المبكر والذي يؤدي إلى البلوغ المبكر.
وتحصل البدانة نتيجة الإفراط في تناول أنواع الطعام المختلفة وخاصة عند أبناء الطبقة المترفة وأصحاب الوظائف الكسولة،وهي تؤهب لحدوث أمراض خطيرة في القلب والذبحة الصدرية والداء السكري وارتفاع الضغط الدموي وتصلب الشرايين وغيرها.
فعلى المسلم أن يعتدل في طعامه وشرابه وأن يحافظ على وزنه المثالي• قدر المستطاع،وخاصة إذا كان عنده استعداد وراثي للسمن.فعلى هؤلاء أن يضعوا برنامجاً خاصاً لطعامهم(12) فيحددوا ما يأكلوه من نشويات وسكريات،ويمتنعوا قدر الإمكان عن تناول المواد الدهنية ذات الحموض المشبعة كالدهن والشحم والسَّمن،ويستبدلوا بها مواد دهنية غير مشبعة كزيت الزيتون وزيت الذرة أو عباد الشمس،وأن يكثروا في طعامهم من السلطات والخضار،ويمكنهم تناول ملعقة كبيرة من النخالة أو خل التفاح قبل الطعام،ويستبدلوا بالسكر السكارين للتحلية ويأكلوا الخبز الأسمر وأن يكثروا من صيام النفل فيكون لهم به خيري الدنيا والآخرة.
وأحب أن أشير هنا إلى أن معتاد الإسراف في الطعام يحتاج إلى التدرج في تقليل وجبته حتى يعود إلى حد الاعتدال(9)،ولقد أشار الإمام الغزالي(11)إلى ذلك حين قال:"فمن اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يحتمله مزاجه وضعف وعظمت مشقته،فينبغي التدرج إليه قليلاً قليلاً فينقص بمقدار قليل متزايد من طعامه المعتاد".
وهناك أمراض تنجم عن الإسراف في تناول مادة غذائية معينة(بروتين،دسم،سكر)لفترة طويلة.فالإسراف في تناول السكر الأبيض وما يصنع منه من حلويات يضر بالجسم ضرراً بالغاً وذلك للميل العجيب في السكر للاتحاد بالكلس.
فعندما يزيد الكلس في الدم عن حد معين فإن المقدار الفائض يتحد ببعض الأنسجة ويضطر الدم إلى أن يعوض ما فقده منه فيأخذه من العظام والأسنان مما يؤدي إلى نخر الأسنان وضعف العظام(15)،كما أن تخمر بقايا السكريات في الفم يؤدي إلى النخر أيضاً.وإن الإفراط في تناول النشويات عموماً يؤدي إلى البيلة السكرية وإلى تحول الفائض منها إلى شحوم(البدانة).
أما الإفراط في تناول الدسم فإنه يؤدي إلى تخلون الدم وإلى فرط دسم الدم وشحوم البدن مما يؤدي إلى البدانة وإلى تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وتشحم الكبد وإلى العديد من آفات القلب الخطيرة.
أما الإسراف في تناول البروتينات من لحم وبيض وحليب وسواها فإن فضلاتها السامة تتراكم في البدن وتعرضه للإصابة بالرمال الكلوية،أو بالإصابة بالنقرس(داء الملوك)،وإلى قصور الكلي وارتفاع الضغط وتصلب الشرايين أيضاً.

المبحث الأول
الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب
غسل اليدين قبل الطعام وبعده:
يستحب للمسلم غسل اليدين قبل الطعام وبعده لحديث سلمان الفارسي أن رسول الله  قال:"بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده"•.وقد فسر العلماء وضوء الطعام بغسل اليدين.
وعن أنس بن مالك قال:سمعت رسول الله يقول:" من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع" رواه ابن ماجة والبيهقي.
وعن أبي هريرة أن النبيقال:"من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومنَّ إلا نفسه"••،والغمر:ريح اللحم وزهومته.
وعنه أيضاً عن النبي  قوله:"إن الشيطان حساس لحّاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومنَّ إلا نفسه"•••.
وعن أبي سعيد عن النبي  قوله:" من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا يلومنَّ إلا نفسه"••••،والوضح:البرص.
ولا تخفى الحكمة الصحية من هذا الهدي النبوي(16).ففي حياة الإنسان اليومية كثيراً ما يصافح شخصاً مريضاً أو حاملاً لجراثيم ممرضة أو يلمس أشياء ملوثة بجراثيم خطيرة فهو يجلس لطعامه غير عالم أن بين أنامله خطراً كامناً ينتظر ذلك الطعام فيلوث لقمة يبتلعها ليصاب بذلك المرض،وأكثر الأمراض انتشاراً عن ذلك الطريق هي الكوليرا والتيفوئيد والزحار.هذا وإن الجلد(17) يحتوي على سطحه على أثلام وأخاديد،وإن ما يفرزه من دهن وعرق يساعد على التصاق تلك الجراثيم وبيوض الطفيليات بالجلد وحفظها بين ثناياه.
ويأتي الهدي النبوي بالأمر بغسل اليدين قبل الطعام متوافقاً مع بدهيات الطب الحديث الوقائي ليسلم طعامه من عوامل التلوث والمرض.أما غسل اليدين بعد الطعام فلأن بقاياه التي تلوث الأنامل يمكنها إذا بقيت أن تتفسخ وأن تشكل ضمن حرارة الجسم وسطاً ملائماً لتكاثر الجراثيم واستحالتها إلى خطر داهم وهذا الخطر هو الذي حذر منه النبي في كثير من أحاديثه التي أوردناها.
ويعلق د.الراوي(17)على قوله:"من أراد أن يكثر خير بيته"،أن غسل اليدين قبل الطعام يدخل البركة على الإنسان كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام,وأن البركة هنا هي _بركة العافية_ وهي الكنـز الذي لا يفنى والكرم الإلهي الذي لا يقدر بثمن.وأن غسل اليدين قبل الطعام إجراء حاسم للوقاية من الفقر كما ورد في الأثر" الوضوء قبل الطعام بركة وينفي الفقر وبعده ينفي اللمم"•.

جلسة الطعام في الهدي النبوي :
عن أبي جحيفة قال:"لا آكل متكئاً" رواه البخاري.
و عن أنس قال :"رأيت النبي  جالساً مقعياً يأكل تمراً" رواه مسلم.
و قد ورد عن أبي بن كعب في صفة طعام النبي  :" أن النبي  كان يجثو على ركبتيه و كان لا يتكئ"••.
وعن عبد الله بن بسر قال كان لرسول الله  قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا و سجدوا للضحى أتي بتلك القصعة و قد ثرد عليها فالتفوا حولها،فلما كثروا جثا رسول الله  فقال له أعرابي :ما هذه الجلسة ؟ فقال :إن الله جعلني عبداً كريماً و لم يجعلني جباراً عنيداً،ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها"•••،وجثا يجثو:جلس على ركبتيه.
وعن أنس بن مالك قال:"لم يأكل النبي على خوان قط وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات" رواه البخاري،وفي رواية للترمذي:قيل لقتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال على السفر،والسُّفَر:جمع سُفرة وهو ما يوضع على الأرض ليؤكل عليه.
قال ابن القيم(6) :و قد فسر الاتكاء بالتربع، و فسر بالاتكاء على الشيء و هو الاعتماد عليه و فسر بالاتكاء على الجنب. و الأنواع الثلاثة من الاتكاء:فنوع منها يضر وهو الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام عن هيئته و يعوقه عن سرعة نفوذه الى المعدة فيضغطها فلا يستحكم فتحها للغذاء. و أما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية و لهذا قال  :"آكل كما يأكل العبد".و كان يأكل وهو مقع،والإقعاء أن يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه و يضع بطن قدمه اليسرى على ظهر القدم اليمنى.و هذه الهيئة أنفع هيئات الأكل لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي. وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائل التي تحت الجالس فيكون المعنى:أما إذا أكلت لم أقعد متكئاً كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام،لكني آكل بُلْغة كما يأكل العبد".
و يرى د.إبراهيم الراوي(18 ) أن الجهاز الهضمي يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزم لاستقبال الطعام الوارد و التهيؤ لهضمه لذا كان الإجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس و ثني الساقين تحت الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي،مع وضع الساق اليسرى منثنية و اليمنى مرتكزة على القدم لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من الخارج.و هذا هو أصح حالة لعمل الجهاز الهضمي.كما يجب الامتناع عن الحركة و السير أثناء الطعام لمنع ذهاب الدم إلى العضلات في وقت يكون جهازه الهضمي في أمس الحاجة إليه. وهذا الوضع” جلسة الطعام" التي طبقها أستاذ البشرية سيدنا محمد وهو أصح و أسلم في حالة الجلوس على الأرض حول السفرة من استعمال الكراسي حول مائدة الطعام.
و حول الأكل متكئاً يقول د.الراوي أن الاتكاء يسبب التشنج و الاضطراب و التقلص في عضلات البلعوم فلا يستطيع الإنسان بلع اللقمة في ارتياح و لذة،كما أنه يحدث ارتخاءً في عضلات البطن فلا تستطيع المعدة استقبال الطعام بشكل صحيح. ولأن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه على الأرض دون لجوئه إلى الارتكاز الجانبي في حالة الاتكاء.
أما د.غياث الأحمد فيرى أن الجلوس على المقعدة(التربيع) يؤدي إلى انبساط المعدة و إلى أن تأخذ المعدة مجالاً واسعاً فتزيد قابليتها لأخذ الطعام و المزيد منه.أما الإقعاء بنصب الساقين أو أحدهما مما يضيق حيز المعدة و يقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى الامتلاء بمقدار أقل من الطعام حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية فيقل مطعمه ولا يصاب بالتخمة.


التسمية قبل الطعام والأكل باليمين مما يلي الآكل :
عن عمر بن أبي سلمة قال:كنت غلاماً في حجر رسول الله  وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله  : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:كان رسول الله يأكل طعاماً في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال :أما أنه لو سمى لكفاكم"•.
عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول الله  قالوا:يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال:"لعلكم تفترقون ؟ قالوا:نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه"••.
و عن جابر بن عبد الله أن النبي قال:"لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال" رواه مسلم ،وفي رواية له عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،قوله:"إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه و إذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله و يشرب بشماله".
و عن سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله بشماله فقال له  :"كل بيمينك قال:لا أستطيع ،ما منعه إلا الكبر فقال:لا استطعت قال سلمة:فما رفعها إلى فيه" رواه مسلم.
و من حديث طويل رواه عبد الله بن بسر أن النبي  أتي بقصعة قد ثرد فيها فقال عليه الصلاة و السلام:"كلوا من جوانبها و دعوا ذروتها يبارك فيها" و عن أنس أن النبي قال :"اذكروا اسم الله و ليأكل كل رجل مما يليه" رواه البخاري. وعن عبد الله بن عباس أن النبي قال:"البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته ولا تأكلوا من وسطه"•••.
التسمية أول الطعام تربط المسلم بالرزاق المنعم وتخلق فيه حالة من الطمأنينة تذكره بأن الرزق من عند الله ولا شك أن الذي يأكل وهو بحالة نفسية من الراحة والرضا فإن تمثل الطعام في بدنه ومن ثَمَّ فإن استفادته منه تكون أعظم مما لو كان قلقاً متوتراً أثناء تناوله لطعامه(16).فالتوتر والقلق يؤديان إلى عسر الهضم وإلى عدد من أمراض السبيل الهضمي والتي تقلل الاستفادة من الطعام المتناول.
وأما تخصيص اليد اليمنى(16) للأمور الكريمة من أكل وشرب ومصافحة وغيرها، و تخصيص اليسرى للأمور المستقذرة من استنجاء و رمي للأقذار فهي لا شك تنظيم نبوي كريم يمكن اعتباره من أسس النظافة و الصحة الشخصية،و ينسجم مع مبادئ الطب الوقائي الحديث للوقاية من العدوى و تقليل عوامل سراية المرض.
أما أن يأكل المرء مما يليه من قصعة الطعام فهو ولا شك هدي نبوي إلى خلق كريم تتجمل به الجماعة المسلمة و ينم عن أدب اجتماعي جم رفيع هو من تعاليم من وصفه المولى مخاطباً إياه (وإنك لعلى خلق عظيم). ولعل من حكمته أنه يقلل خطر انتقال الأوبئة فيما لو كان بعض الآكلين حملة لجراثيم مهمة.

النهي عن الشرب و الأكل واقفاً :
عن أبي سعيد الخدري "أن النبي  زجر عن الشرب قائماً" رواه مسلم. و عن أنس و قتادة رضي الله عنهما عن النبي "أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً"،قال قتادة:فقلنا فالأكل ؟ فقال:ذاك أشر و أخبث" رواه مسلم و الترمذي. و عن أبي هريرة أن النبي قال:"لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقئ" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:"سقيت رسول الله  فشرب وهو قائم" رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس بن مالك قال:"نهى رسول الله  عن الشرب قائماً وعن الأكل قائماً وعن المجثمة والجلالة والشرب من فَيِّ السقاء"•.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"رأيت رسول الله  يشرب قائماً وقاعداً"••.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :"كنا نأكل على عهد رسول الله  ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام" رواه الترمذي وقال صحيح غريب.
وعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها"أنها أرسلت إلى النبي  بقدح لبن وهو واقف عشية عرفة فأخذه بيده فشربه" وزاد مالك بن النضر"على بعيره" رواه البخاري.
أحاديث شريفة بعضها ينهى عن الشرب واقفاً وبعضها يجيزه،فهل أن فيها ناسخ ومنسوخ؟.
يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم:ليس في هذه الأحاديث _بحمد الله تعالى_ إشكال ولا ضعف بل كلها صحيحة والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنـزيه.وأما شربه  قائماً فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض.وهذا الذي ذكرناه يتعين إليه المصير وأما من زعم نسخاً فقد غلط غلطاً فاحشاً.
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً:وهذا أهم المسالك وأسلمها وأبعدها عن الاعتراض،وقد أشار الأثرم إلى ذلك فقال:إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم،وبذلك جزم الطبري والخطابي وغيرهما.
أما من الناحية الصحية،فنحن مع الدكتور عبد الرزاق الكيلاني(12) أن الشرب وتناول الطعام جالساً أصح وأسلم وأهنأ وأمرأ حيث يجري ما يتناوله الآكل والشارب على جدران المعدة بتؤدة ولطف.أما الشرب واقفاً فيؤدي إلى تساقط السائل بعنف إلى قعر المعدة ويصدمه صدماً،وإن تكرار هذه العملية يؤدي مع طول الزمن إلى استرخاء المعدة وهبوطها وما يلي ذلك من عسر هضم.وإنما شرب النبي واقفاً لسبب اضطراري منعه من الجلوس مثل الزحام المعهود في المشاعر المقدسة،وليس على سبيل العادة والدوام.كما أن الأكل ماشياً ليس من الصحة في شيء وما عرف عند العرب والمسلمين.وما ذكر في الحديث الغريب عن ابن عمر عن أكلهم ماشين وهم ذاهبون إلى الجهاد أو لأمر هام لم يستطيعوا معه الجلوس لتناول الطعام إنما هو وصف لحالة خاصة على غير العادة والاستمرار،أو أن أكلهم ماشين أنهم يأكلون على ظهور إبلهم وهي ماشية بهم فهذا مشي للإبل ولكنه جلوس لهم.وإن حديث "من نسي فليستقيء" دليل على تشنيع النبي لهذا الفعل،وإنما فعله  حتى لا يحرج أمته في أمور حياتهم اليومية والتي تقوم على عدم التكلف،فيكون مفهوماً لأصل السنة الشرب والأكل جلوساً،ولا حرج من فعله قائماً في ظروف خاصة.
ويرى الدكتور إبراهيم الراوي(19) أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوتراً ويكون جهاز التوازن في مراكزه العصبية في حالة فعالية شديدة حتى يتمكن من السيطرة على جميع عضلات الجسم لتقوم بعملية التوازن والوقوف منتصباً.وهي عملية دقيقة ومعقدة يشترك فيها الجهاز العصبي_العضلي في آن واحد مما يجعل الإنسان غير قادر للحصول على الطمأنينة العضوية التي تعتبر من أهم الشروط المرجوة عند الطعام والشراب،هذه الطمأنينة يحصل عليها الإنسان في حالة الجلوس حيث تكون الجملة العصبية والعضلية في حالة من الهدوء والاسترخاء وحيث تنشط الأحاسيس وتزداد قابلية الجهاز الهضمي لتقبل الطعام والشراب وتمثله بشكل صحيح.
ويؤكد د.الراوي أن الطعام والشراب قد يؤدي تناوله في حالة الوقوف(القيام) إلى إحداث انعكاسات عصبية شديدة تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة في بطانة المعدة،وإن هذه الانعكاسات إذا حصلت بشكل شديد ومفاجئ فقد تؤدي إلى انطلاق شرارة النهي العصبي الخطيرة Vagal Inhibation لتوجيه ضربتها القاضية للقلب ،فيتوقف محدثاً الإغماء أو الموت المفاجئ.كما أن الاستمرار على عادة الأكل والشرب واقفاً تعتبر خطرة على سلامة جدران المعدة وإمكانية حدوث تقرحات فيها حيث يلاحظ الأطباء الشعاعيون أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون عرضة لصدمات اللقم الطعامية وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95٪ من حالات الإصابة بالقرحة.كما أن حالة عملية التوازن أثناء الوقوف ترافقها تشنجات عضلية في المرئ تعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة ومحدثة في بعض الأحيان آلاماً شديدة تضطرب معها وظيفة الجهاز الهضمي وتُفقد صاحبها البهجة والاطمئنان عند تناوله لطعامه وشرابه.

الشرب مصاً على ثلاث دفعات:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه"أن رسول الله كان يتنفس إذا شرب ثلاثاً" رواه الشيخان.وفي رواية قوله:"كان رسول الله يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ".
وعن معمر بن أبي الحسين مرسلاً أن النبي  قال:"إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصاً ولا يعب عباً فإن الكباد من العب"•،وعبَّ عبَّاً: شرب الماء دفعة واحدة والكباد مرض في الكبد.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي  قال:"مصُّوا الماء مصاً ولا تعبوا عباً فإن الكباد من العب"•• وعن عطاء بن أبي رباح مرسلاً أن النبي  قال:"إذا شربتم فاشربوا مصَّاً"•••.
وعن أبي هريرة "أن النبي  كان يشرب في ثلاثة أنفاس،إذا أدنى إلى فيه يسمي الله وإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاثاً"••••.
فالهدي النبوي في شرب الماء أن يقسم المرء شرابه إلى ثلاثة أجزاء يتنفس بينها،مبعداً الإناء عن فيه وعن نفسه وقاية له من التلوث،وان يمص الماء مصاً _أي ببطء_ لأنه أهنأ وأمرأ وأبرأ لداء العطش.قال النووي كان يتنفس في الشراب ثلاثاً أي أثناء شربه.وقال المنذري(20) وهذا محمول على أنه كان يبعد القدح عن فيه في كل مرة ثم يتنفس.
يقول د.النسيمي(9):وفي تقسيم الإنسان شرابه إلى ثلاثة أقسام فوائد أهمها تذوق الماء والشراب ليدرك مدى صلاحيتها للشرب ودرجة حرارتها وما قد طرأ عليها من فساد أو تغير بمواد قد تكون سامة،فيحجم عن الشرب قبل فوات الأوان بشربها دفعة واحدة،وكثيراً ما تأذى أناس أو ماتوا بتجرعهم سائلاً ضاراً أو ساماً بطريق الخطأ إذ ظنوه ماءً.وفي المص وتقسيم الشراب البارد إلى جرعات بعدٌ عن تنبيه العصب المبهم تنبيهاً شديداً،هذا العصب الذي يبطئ القلب،فإذا تنبه بعنف كأن يكون الماء أو الشراب الوارد بارداً كثيراً فقد يؤدي تناوله بسرعة(عباً)إلى توقف القلب بالنهي العصبي وقد يحدث الموت فجأة.
ويؤكد د.الراوي(21) هذا المعنى في مشاهدة له في القصر العدلي لشاب رياضي سقط ميتاً عند هجومه على كوب من الماء البارد وشربه بشره دون تأنٍّ دفعة واحدة.
والذي يشرب الماء دفعة واحدة يضطر أن يتنفس في الإناء وهذا منهي عنه عدا عما فيه من الأضرار.كما ينقل عن الكتب الطبية المدرسية معالجتها لبعض الآفات العصبية للمريء والسبيل الهضمي علاجاً فيزيائياً يتضمن إعطاء السوائل بجرعات صغيرة متكررة تحدث تنبيهات تنشط الأعصاب والعضلات الحلقية في جدار المريء وحيث ينتج عن ترويضها هذا العلاج الشافي.
وينقل د.النسيمي(9)وصية أخرى من الطب الحديث للمصابين بالوذمات بالإقلال من شرب الماء وتعليمهم لدفع الشعور بالعطش أن يقسموا ماء الشرب إلى جرعات صغيرة حيث يتناولوا جرعة صغيرة كلما شعروا بالعطش وهذا يعطي شعوراً أكبر بالري،ولأن الري الحقيقي لا يحصل إلا بعد امتصاص الماء فإذا عب الإنسان الماء بسرعة فلا يرتوي إلا بعد تناول الكؤوس العديدة والكثيرة مما يؤدي إلى تمدد المعدة واضطراب الهضم.
ويرى د.الكيلاني(12) أن الذي يشرب الماء دفعة واحدة يضطر إلى كتم نفسه إلى أن ينفد كوب الماء لأن تقاطع طريقي الماء والهواء عند البلعوم يمنع أن يسيرا معاً وعندما يكتم المرء نفسه طويلاً ينحبس الهواء في الرئتين ويضغط على جدران أسناخها والتي تتوسع بالتدريج مع استمرار هذه العادة حتى يصاب بانتفاخ الرئة والتي يمكن أن تؤدي إلى القلب الرئوي وقصور القلب،وقد ينعكس ذلك مع الوقت على الكبد فتتضخم وتصبح مؤلمة وتنتشر الوذمات في البدن.
النهي عن النفخ في الشراب أو التنفس فيه:
عن أبي سعيد الخدري قال:"نهى رسول الله  عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب"•.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:" نهى رسول الله  أن يتنفس في الإناء أو أن ينفخ فيه"•.
وعن أبي قتادة أن رسول الله  قال:"إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء" رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه"أن النبي  نهى عن النفخ في الشراب" فقال رجل:القذاة أراها في الإناء،قال: أهرقها"••.
وعن أبي المثنى الجهني قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد فقال له مروان:أسمعت رسول الله  ينهى عن النفخ في الشراب ؟ قال نعم، فقال رجل لرسول الله : إني لا أروى من نفس واحد فقال  :" فأبن القدح عن فيك ثم تنفس" أخرجه مالك في موطئه.
قال ابن القيم (6):"وأما النهي عن النفخ في الشراب فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يُعاف لأجلها لا سيما إذا كان متغير الفم ،وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه".
والحقيقة أن هذا هدي نبوي كريم فيه أدب رفيع ،فالنفخ في الطعام والشراب خروج على الآداب العامة ومجلبة للازدراء. أما من الناحية الطبية (21) فإن هواء الزفير مفعم بغاز الفحم وفضلات الجسم الطيارة والتي تكثر نسبتها عند المصابين بالتسمم البولي (الأوريميائي) أو الانسمام الخلوني (السكريين) وما النفخ إلا اختلاط لهذه الفضلات بالطعام والشراب ومن ثم إعادتها إلى الجسم عند تناوله لتؤدي فعلها السمّي.
ومن هنا نفهم المعجزة النبوية الخالدة بنهي النبي  عن تبريد الطعام أو الشراب بالنفخ عليه وقاية للإنسان من مخاطر المرض.

النهي عن الشرب من ثلمة القدح :
عن أبي سعيد الخدري قال:"نهى رسول الله  عن الشرب من ثلمة القدح"••• ؛وثلمة القدح مكان انكسار قطعة من حافة القدح.

قال المناوي•:وجاء في رواية أنها-أي الثلمة - مقعد الشيطان.وقال ابن الأثير••:وحديث النخعي أنه  كره الشرب من ثلمة القدح وقال أنها كفل الشيطان، أراد أنها ركب الشيطان لما يكون عليها من الأوساخ.
يقول ابن القيم(6) "إن الشرب من ثلمة القدح فيه عدة مفاسد أحدهما أن يكون على وجه الماء من قذى أو غيره يجتمع إلى الثلمة،والثاني أنه ربما يشوش على الشارب فلا يتمكن من حسن الشرب،والثالث أن الوسخ والزهومة تجتمع في الثلمة ولا يصل إليها الغسل كما إلى الجانب الصحيح،الرابع أن الثلمة محل العيب في القدح وهي أردأ مكان فيه فيجب تجنبه،والخامس أنه كان في الثلمة شق يجرح فم الشارب".
وفي الحقيقة فإننا لا يمكن أن نزيد شيئاً على ما أورده ابن القيم من حكم للنهي النبوي عن الشرب من ثلمة القدح غير أن رواية "أنها مقعد للشيطان" أو "كفل للشيطان" قد تكون من التعابير النبوية المعجزة لمفاهيم علمية حديثة عن وجود تجمع هائل للجراثيم والطفيليات في ثلمة القدح وحيث يصعب تطهيرها تماماً.

النهي عن الشرب من في السقاء :
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :"نهى رسول الله  عن الشرب من في السقاء".
رواه البخاري،وفي السقاء:فمه والسقاء كل ما يجعل فيه ما يسقى كالقربة والجِرار.
وعن أبي سعيد الخدري قال :"نهى رسول الله  عن اختناث الأسقية:أن يشرب من أفواهها" رواه مسلم وقال الراوي إنما نهي عنه لأنه ينتنها فإن إدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها.
وعن أبي هريرة قال:"نهى رسول الله  أن يشرب من السقاء والقربة" رواه البخاري ومسلم،وإنما نهي عن الشرب من في السقاء من أجل ما يخاف من أذى عساه يكون فيه لا يراه الشارب حتى لا يدخل جوفه فاستحب أن يشرب من إناء ظاهر يبصره.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"نهى رسول الله  أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه" رواه الحاكم.
وعن كبشة الأنصارية رضي الله عنها قالت:"دخل عليَّ رسول الله  فشرب من في قربة معلقة".رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
قال النووي•:النهي عن الشرب من في السقاء للتنـزيه لاحتمال وجود شيء من الهوام في الماء لذلك إذا غطي فم الجرة أو ربط فم القربة فلا مانع من الشرب من فمها،لكن الأولى ألا يشرب من في السقاء امتثالاً للأمر النبوي.
وقد جمع العلماء•• بين أحاديث جواز الشرب من في القربة وأحاديث المنع جواز الشرب وأن النهي وأن النهي إنما هو للتنـزيه.
يقول د.الكيلاني (12) فالإناء إن لم يكن شفافاً (من الزجاج) وكانت فوهته مفتوحة فقد يسقط فيه شيء من الهوام أو القذى أو الحشرات من عقرب وسواه،فإذا شرب من فم السقاء فإن هذه قد تدخل جوفه فتؤذيه،كما أنه بعد انتهاء الشرب وخاصة إذا كان الشارب مريضاً فقد يعود ريقه مع ما يحمله من جراثيم إلى فم السقاء ويصبح خطراً على الشاربين.

النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة :
عن حذيفة بن اليمان أنه سمع النبي  يقول :"لا تلبسوا الحرير والديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" رواه البخاري.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال :"الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر بطنه في نار جهنم" رواه البخاري.
هذا ولم أجد أحداً من الباحثين ذكر حكمةً صحيةً لهذا الأمر التعبدي. ولعل من الحكمة دعوته إلى عدم التبذير وعدم الكبرياء ولأن في غيرهما من المعادن ما يفي الغرض،وأيضاً حتى لا توجد أزمة نقدية باستعمال ما خصص لها من ذهب وفضة في غير موضعه•••.

ألا يعيب طعاماً قط :
عن أبي هريرة عنه رضي الله قال :"ما عاب النبي  طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه" رواه البخاري ومسلم.
والحق أن هذا هو التصرف الصحي السليم فتناول الطعام المشتهى يساعد على هضمه واستقلابه والاستفادة منه بالشكل الأمثل (16).

الاجتماع على الطعام:
عن جابر بن عبد الله أن النبي  قال : "أحب الطعام ما تكاثرت عليه الأيدي" وفي رواية "ما كان على ضفف"•.
وعن وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده قال: قالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال:"تجتمعون على الطعام أو تتفرقون" قالوا نتفرق قال :"اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى يبارك لكم فيه"••.
وفي الحديث إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت،حصلت معها البركة فتعم الحاضرين. وهذا علاج نبوي كريم عندما شكى إليه الصحابة الكرام من الجوع وعدم الشبع.
المضمضة بعد الطعام :
عن سويد بن النعمان قال :"خرجنا مع رسول الله  إلى خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام،فما أُتي إلا بسويق،فأكلنا،فقام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضنا" رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله  شرب لبناً فدعا بماء فمضمض وقال:إن له دسماً" رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الهدي النبوي حفظ لصحة الأسنان ووقايتها من النخر والتسوس،ذلك أن بقايا الطعام في الفم وبين ثنايا الأسنان يمكن أن تتخمر وتتفسخ متحولة ضمن الفم إلى مزرعة جرثومية خطيرة يمكن أن تترعرع فيها الجراثيم وتتكاثر بسهولة مؤدية إلى حالات مرضية قد تكون وخيمة العواقب،ومن أجل هذا أيضاً كما سنرى شرع استعمال السواك.

عدم الأكل من الخبز المرقق المنخول:
عن سهل بن سعد "أن النبي  كان يأكل خبز الشعير غير منخول".
وعن أبي حازم قال سألت سهل بن سعد هل أكل رسول الله  النقي ؟ فقال:ما رأى رسول الله  النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه. فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله  مناخل ؟ فقال: ما رأى رسول الله  منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله.فقلت :كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ؟ فقال :"نطحنه وننفخه فيطير منه ما يطير وما بقي ثرَّيناه فأكلناه" رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك قال:"ما أكل النبي  على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق وفي رواية وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات" رواه البخاري.
وعن أم أيمن رضي الله عنها أنها غربلت دقيقاً فصنعته للنبي  رغيفاً فقال: ما هذا ؟ قالت طعام كنا نصنعه بأرضنا فأحببت أن أصنع لك منه رغيفاً فقال : ردّيه فيه ثم اعجنيه"•.
وعن أنس قال: "ما رأى النبي  رغيفاً محوراً بواحد من عينيه حتى لحق بالله"•• رواه ابن ماجه.
النقي:الدقيق الأبيض،وثرَّيناه:بلَّلناه بالماء،والخوان هو طاولة الطعام،أما السكرجة فهي الإناء الذي توضع فيه الكوامخ والمقبلات،والمحور الني ينخل مرة بعد مرة.
يقول د.الكيلاني (12):لقد رفض رسول الله  الرغيف الأبيض ذو الدقيق المنخول ورغب في الأسمر المصنوع من الدقيق الكامل غير المنخول،حدث هذا منذ 14 قرناً وعرف الطب الحديث اليوم أهمية النخالة وفائدة إضافتها إلى الخبز في منع حدوث سرطان الكولون الذي كثرت حوادثه في المجتمعات المتحضرة التي تأكل الخبز الأبيض وصارت أكياس النخالة تباع اليوم ليؤكل منها مع الطعام لمنع حدوث الإمساك المزمن وللوقاية من سرطان القولون.
كما صار الخبز الأسمر مرغوباً به عند من يهتم بالصحة هذا عدا عن أن الاقتصار على الخبز الأبيض قد يؤدي إلى نقص في عنصر الزنك في الجسم والذي يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة.

النهي عن أكل الطعام الحار :
عن أبي هريرة "أن النبي  كان لا يأكل الحار ويقول إنه غير ذي بركة وأن الله لم يطعمنا ناراً" رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن جابر أن النبي  قال:"أبردوا بالطعام الحار فإن الحارَّ غير ذي بركة"•••.
وعن أبي هريرة "أن النبي  أُتي بصفحة تفور فرفع يده منها وقال:إن الله لم يطعمنا ناراً"••••.

وعن صهيب قال :"نهى رسول الله  عن أكل الطعام الحار حتى يمكث"•.
وعن خولة بنت قيس رضي الله عنها "أن النبي  دخل عليها فصنعت له حريرة (وفي رواية خريزة) فلما قدمتها إليه فوضع يده فيها فوجد حرَّها فقبضها ثم قال يا خولة إنا لا نصبر على حر ولا نصبر على برد"••.
أما من الناحية الطبية فإن الأطعمة والأشربة الحارة جداً يمكن أن تؤدي كثيراً إلى حروق تبدو غالباً (24) في قبة الحنك أو المنطقة الشفوية. وتعزو الكتب الطبية المدرسية (25) كثرة حدوث السرطانات في القسم العلوي من جهاز الهضم وخاصة سرطان المريء إلى الاعتياد على شرب المشروبات شديدة الحرارة ولا سيما الشاي.
عدم النوم بعد الطعام مباشرة:
عن عائشة رضي الله عناه أن النبي  قال:"أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم"•••.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن رسول الله  قال:"أكل العباد ونومهم عليه قسوة في قلوبهم"••••.
قال الحرَّاني:والقسوة اشتداد التصلب والتحجر،وقال الغزالي (11) وفيه يستحب ألا ينام بعد الشبع فيجمع بين غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه ولكن ليصَلِّ أو يجلس يذكر الله فإنه أقرب إلى الشكر،وكان الثوري رحمه الله إذا شبع ليلة أحياها.
وتذكر كتب الطب الوقائي (22) أن النوم يوجب البطء في جميع الأفعال الحيوية في البدن والهضم من جملتها،فالنوم بعد الطعام يربك الهضم ويؤدي إلى عسرات وكثرة الغازات،كما أنه من الملاحظ (23) أن معظم حالات الذبحة الصدرية تأتي بعد وجبة ثقيلة والنوم بعدها مباشرة. فيجب ترك فترة تقرب من ساعة تفصل بين انتهاء الطعام والنوم الطويل حتى تكون المعدة قد انتهت تقريباً من هضمه.


الأمر بلعق الأصابع والصفحة :
عن جابر "أن النبي  أمر بلعق الأصابع والصفحة وقال:إنكم لا تدرون في أيِّ طعامكم البركة" رواه مسلم.
وعن أبي هريرة أن النبي  قال:"إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهن البركة" رواه مسلم والترمذي.
وعن جابر أن رسول الله  قال:"إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان،ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيِّ طعامه البركة" رواه مسلم.
وعن كعب بن مالك قال: "رأيت رسول الله  يأكل بثلاث أصابع فإن فرغ لعقها" رواه مسلم.
قال القاضي عياض:إن المراد بذلك هو عدم التهاون بالطعام القليل وإن محله فيما لم يحتج إلى غسل الماء مما ليس فيه دسم ولا زهومة فإن احتاج كان الغسل أولى.
وقال الخطابي:عاب قوم أفسد عقولهم الترف فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع أو الصفحة هو جزء من أجزاء ما أكلوه،وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذراً لم يكن الجزء اليسير منه مستقذراً.
ويعلق د. الأحمد (16) فيقول:والحق أن وسيلة الأكل في تلك الأيام كانت الأصابع،واليوم فهل يعيب على الآكل أن يلعق ملعقته ؟.

تغطية الإناء وإيكاء السقاء :
عن أبي حميد السّاعدي قال: "أتيت النبي  بقدح من لبن النقيع ليس مخمراً فقال رسول الله :" ألا خمرته ولو تعرض عليه عوداً" قال أبو حميد:إنما أمرنا بالأسقية أن توكأ ليلاً وبالأبواب أن تغلق" رواه مسلم. وتخمير الإناء تغطيته لئلا يسقط فيه شيء وأوكأت الإناء إذا شددته.
وعن جابر أن النبي  قال:"غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل بها وباء،لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء" رواه البخاري ومسلم.
إن تغطية آنية الطعام والشراب لحمايتها من الغبار والذباب ومن أجل منع التلوث الجرثومي وانتشار الأمراض السارية تعتبر من أهم قواعد الطب الوقائي الحديث،وإنه لمن المعجز حقاً أن يأمر النبي  بهذا الهدي الصحي العظيم،وأن يخبر بإمكانية انتقال الوباء بهذه الطريقة قبل اكتشاف الجراثيم والعوامل الممرضة بأكثر من 14 قرناً.





تقديم العَشاء على صلاة العِشاء :
عن أنس بن مالك عن النبي  أنه قال:"إذا وُضِع العَشاء وأُقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشاء" رواه البخاري.
إن هذا الحديث عبارة عن قاعدة شرعية جليلة،الحكمة منها أن المصلي الخاوي البطن يبتعد عن الخشوع فينقر صلاته مستعجلاً فلا يحقق المراد من الصلاة. فالنبي  ينصح المسلمين وخاصة في شهر الصيام أن يبدؤوا بالطعام أولاً ثم يصلوا بعد ذلك كي يتسنى لهم الخشوع في صلاتهم.
أما التعليل الطبي لهذا الأمر النبوي (12) فإن الطعام منذ أن يوضع وتظهر روائحه فإن العصارات الهاضمة تبدأ بالإفراز ومنها اللعاب كما تسيل عصارة المعدة منتظرة وصول الطعام إليها وفيها من الحموض والخمائر ما فيها،فإذا تأخر وصول الطعام إليها فقد تؤثر هذه العصارة المتدفقة على جدران المعدة أو في جدران البصلة العفجية محدثة فيها التقرحات،وقد يصاب المرء بعد ذلك بضعف إفراز العصارة المعدية إذا وجدت أن التنبيهات كانت تأتيها خاطئة ويصاب المرء بعسرة الهضم.

ما يقوله المسلم إذا فرغ من طعامه:
عن أبي أمامة أن النبي  إذا رفع مائدته قال:"الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنىً عنه" رواه البخاري.
وعنه أيضاً أن النبي  إذا فرغ من طعامه قال:"الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين"•.
وعن أنس بن مالك أن النبي  قال:"من أكل طعاماً فقال:الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غُفر له ما تقدم من ذنبه"••.





مراجع البحث
1- د.إبراهيم الراوي عن مقالته "نظرة إلى نظام الإسلام في التغذية" مجلة حضارة الإسلام العدد9 لعام 1967.
2- د.محمد نزار الدقر: "روائع الطب الإسلامي" ج2 [العبادات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع] دمشق،دار المعاجم،1997.
3- د.محمد نزار الدقر: "روائع الطب الإسلامي" ج3 [المحرمات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع] دمشق،دار المعاجم،1997.
4- د.أحمد شوقي الفنجري :"الطب الوقائي في الإسلام.
5- د.أحمد حمدي الخياط :"فن الصحة".
6- ابن قيم الجوزية :"الطب النبوي".
7- د.وهبة الزحيلي :"الفقه الإسلامي وأدلته".
8- د.أحمد شوكت الشطي :"نظرات في الغذاء والطعام" عن حضارة الإسلام العدد 8 لعام 1962.
9- د.محمود ناظم النسيمي :"الطب النبوي والعلم الحديث".
10- ابن الأثير الجزري :"جامع الأصول في أحاديث الرسول ".
11- الإمام الغزالي :"إحياء علوم الدين".
12- د.عبد الرزاق الكيلاني :"الحقائق الطبية في الإسلام"-دار القلم-دمشق-1996.
13- د.محمود فؤاد معاذ :"محمد والطب" مقالة في مجلة لواء الإسلام السنة2،ك2 لعام 1949.
14- د.هشام الخطيب :"الوجيز في الطب الإسلامي"،دار الأرقم-عمان-1985.
15- د.محمد وصفي :"القرآن والطب"-القاهرة،1960.
16- د.غياث الأحمد : الطب النبوي في ضوء العلم الحديث".
17- د.إبراهيم الراوي :"استشارات طبية في ضوء الإسلام"حضارة الإسلام العدد 5/6 لعام 1976.
18- د.إبراهيم الراوي :"وضعية الجسم عند تناول الطعام"،حضارة الإسلام العدد 9/10 لعام 1976.
19- د.إبراهيم الراوي : "النهي عن الشرب قائماً"حضارة الإسلام العدد 1 / 2 لعام 1967.
20- الحافظ المنذري :"الترغيب والترهيب"تحقيق د.مصطفى عمارة-بيروت 1968.
21- د.إبراهيم الراوي :استشارات طبية في ضوء الإسلام. حضارة الإسلام ع4 لعام 1966.
22- د.أحمد حمدي الخياط :"الطب الوقائي والاجتماعي" ،دمشق،1380هـ.
23- د.محمود طللوزي :"في رحاب الطب النبوي والعلم الحديث"،دمشق 1994.
24- د.كولبي ومجموعته Colby etal عن كتابه Color Atlas Of ozal Pathol ط3 الصادر عن Lippincotts في فلادلفيا U.S.A. .
25- د.زياد درويش :"أمراض جهاز الهضم"،دمشق 1994.

الفصل الثاني
الآداب الإسلامية في النوم
وأثرها في صحة الفرد والمجتمع
ويضم الأبحاث التالية :
المبحث الأول :الآية الكونية العظمى في تعاقب الليل والنهار.
المبحث الثاني : بورك لأمتي في بكورها.
المبحث الثالث : مفاهيم علمية حول النوم.
المبحث الرابع : الأعمال المستحبة قبل النوم.
1- طعام العشاء.
2- تدابير وقائية قبل النوم.
3- الوضوء قبل النوم.
4- أوعية النوم.
5- اضطجع على شقك الأيمن.
المبحث الخامس : اضطرابات النوم
1- الشخير.
2- الأرق.
3- الرؤى والأحلام.

المبحث الأول
الآية الكونية العظمى في تعاقب الليل والنهار :
سبحان من خلق كل شيء فأبدعه،وصور كل شيء في هذا الكون فأتقنه،خلق الإنسان على الأرض ويسَّر له كل الظروف المناسبة لحياته عليها،وجعل فيما حوله آيات بينات باهرات ليهتدي بها في حياته على الطريق القويم(1)،ولعل تعاقب الليل والنهار بهذا النظام المحكم من أهم هذه الآيات. قال تعالى:(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً) الفرقان،و(الخلفة) كما ذكر القرطبي كل شيء بعد شيء وكل واحد من الليل والنهار يخلف صاحبه،ومنه خلفة النبات وهو الورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف. (لمن أراد أن يذَّكّر) أي يتذكر فيعلم أن الله لم يجعله عبثاً فيعتبر في مخلوقات الله تعالى ويشكره على نعمه(2).
وقوله تعلى:(وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) النبأ.
وصف سبحانه الليل باللباس تشبيهاً له من حيث أنه يستر الأشياء ويغشاها (3)،وقال القرطبي (2) يعني ستراً للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن.
قوله (سباتاً) أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال،وأصل السبات من التمدد،وقيل للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون وفي التمدد معنى الراحة. وقوله (وجعل النهار نشوراً) من الانتشار للمعاش والعمل (2).
فالله سبحانه -جلت قدرته- جعل الليل لباساً يستتر به الإنسان عن عالم العمل ليفتحها على عالم الأمل،والنوم فطرة الإنسان منَّ الله بها عليه،ولا يمكن لبشر أن يظلَّ مستيقظاً لا ينام فتلك صفة الواحد القهار لا يشاركه فيها أحد فهو الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم (4).
وقوله تعالى:(ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً) النمل.
قال الرازي (5) لما قال (جعلنا الليل ليسكنوا فيه) فَلِمَ لم يقل والنهار لتبصروا فيه ؟،وجوابه لأن السكون في الليل هو المقصود من الليل أما الإبصار في النهار فليس هو المقصود بل هو وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية.
وقوله تعالى:(ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) الروم.
تذكر أبحاث طبية حديثة(6) أن الغدة الصنوبرية الواقعة تحت الدماغ تقوم بإفراز مادة الميلانونين،ويزداد إفراز هذه المادة في الظلام بينما يثبط نور الشمس إفرازها،وقد وُجد أن للميلانونين تأثير مباشر على النوم.وفي الحقيقة فإنه لحدوث النوم يلزم زوال جميع التنبيهات الخارجية من سمع وبصر والتي تنتقل عن طريق حواسه إلى الدماغ وعندما تخف تلك التنبيهات أو تنعدم تخف وظائف الدماغ المتوقفة عليها ويحصل النوم،فسبحان من جعل الليل سكناً.
تهيئ للإنسان الظروف المناسبة للسكن والراحة والنوم(6) .وإن تعاقب الليل والنهار هي آية من نواميس الحياة التي سخرها الخالق –جلّت قدرته- لخمة هذا الإنسان،كما قال تعالى:"وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) إبراهيم.
إن تعاقب الليل والنهار يعتبر ضرورة أساسية لنمو الحياة على الأرض.وإنه لمن المحال –علمياً- أن تستمر الحياة مع نهار سرمدي أو ليل سرمدي،وإنه لمن المستحيل أن تتعاض الحقائق العلمية مع النص القرآني.انظر إليه قوله تعالى:(قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من غله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون.قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تنظرون.ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) القصص.
إنّ تخصيص النهار للمعاش والعمل والسعي ،وتخصيص الليل للنوم والسكن هو حقيقة علمية كونية أكدت جميع البحوث الطبية الحديثة صحتها،وإن محاولة الإنسان مخالفة سنة الكون هذه بأن ينام في النهار ويسعى على رزقه في الليل يعرض صحته لنكسات وأذيات كبيرة (6).
وينقل الدكتور حسان شمسي باشا فقرات (7) من بحث هام أجري في جامعة هارفرد الأميركية تؤكد أن العمل الليلي يشكل مصدر خطر صحي في العالم المتحضر اليوم يشمل ازدياد العقم والأرق،كما يترافق بنقص في قدرة الإنسان على إنجاز عمله بشكل تام،ونقص في تيقظه،مما يؤدي إلى نقص معدل الإنتاج وزيادة معدل الحوادث.
فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعمل في الوقت الذي تخلد فيه الكائنات الأخرى للنوم،ثم هو يحاول أن ينام في الوقت الذي يبلغ فيه استيقاظه الغريزي ذروته.
ويؤدي هذا السلوك إلى إحباط النظام الطبيعي لساعته الحيوية (البيولوجية)• هذه المشكلة تشمل الملايين العاملين في المناوبات الليلية والمسافرين كثيراً عبر القارات،وإن استمرار عملهم لفترة طويلة ليلاً مع عدم إمكانية تكييف ساعاتهم الحيوية مع تغير نظام حياتهم اليومي يؤدي إلى نقص في القدرة على الإنجاز مع ازدياد الحوادث الناجمة عن التعب والإعياء.
ولعل الدكتور الراوي (8) والذي يعتبر الرائد في أبحاث الإعجاز الطبي في القرآن هو أول من أشار إلى الإعجاز العلمي في قوله تعالى:(وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) فأكد أن قوانين الطب تمنع الاستمرار في العمل الليلي بصورة دائمة وتفرض وجوب المناوبة على الأعمال بصورة دورية بين الليل والنهار إن لم يجد المرء العمل النهاري الدائم،وإن الاستمرار على العمل ليلاً والنوم نهاراً له خطر بالغ على كافة أجهزة البدن وخاصة الجهاز العصبي،وأن النوم الليلي يعتبر كغذاء مشبع لهذا الجهاز،قادر على إعادة الحيوية والفعالية العضوية للحجر الدماغية.
وتؤكد الأبحاث الطبية المعاصرة (8) أن نور الشمس يبقي على الجهاز العصبي وإن نام صاحبه بحالة من التوتر الحاد وليست له القدرة على الاسترخاء الوظيفي الضروري لراحته،مما يؤدي -مع استمرار نومه نهاراً- لتعرض الجسم للسقم والضعف والانهيار. وإن الظلام يعتبر من أهم العناصر التي تحتاجها الجملة العصبية أثناء النوم ليتم ترميمها وأن النوم العميق الذي لا بدَّ منه لراحة الأعصاب لا يحصل إلا مع هدوء الليل وظلمته. وهنا نقف خاشعين أمام عظمة القرآن البليغ في قوله تعالى):هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً) يونس.
ودلَّت الأبحاث الحديثة أيضاً (8) أن الضوء الأحمر ضارٌّ بالجهاز العصبي أثناء النوم،وأشعة الشمس عند شروقها قريبة من اللون الأحمر،لذا كان النوم في ساعات الصباح –وقت الشروق- منافياً لقواعد الصحة العامة،وأن العمل ليلاً والنوم نهاراً إذا استمر طويلاً،يتعرض البدن للاضطرابات العصبية وانهيار الصحة العامة،وأن النوم النهاري يخالف الطبيعة الإلهية التي فرضت على النهار الحركة والضوضاء والشمس،والتي تتعارض كما رأينا مع شروط النوم العميق،ثم إن الهروب الدائم من الشمس في النهار للنوم في غرفة مظلمة يعرِّض الإنسان لخطر الإصابة باضطراب تمثل الكلس في العظام نتيجة فقدان الفيتامين د الذي تكونه أشعة الشمس في الجلد،كما أن أشعة الشمس ضرورية لقتل الكثير من الجراثيم وللوقاية من العديد من الأمراض المهلكة (8).

النوم والموت :
ينفصل النائم عما حوله تماماً بكل مداركه وكأنه ميت،والقرآن الكريم يشبه النوم بالموت في مواقع عدة.فقد قال تعالى:(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) الزمر.
يقول فخر الدين الرازي (5) المقصود من الآية أن الله تعالى يتوفى الأنفس عند الموت وعند النوم إلا أنه يمسك الأنفس التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى أي إلى وقت ضربه لموتها. فالله سبحانه يتوفى الأنفس التي يتوفاها عند الموت،يمسكها ولا يردها إلى البدن. أما الأنفس التي يتوفاها عند الموت فيردها إلى البدن إلى البدن عند اليقظة وتبقى هذه الحالة إلى أجل مسمى وهو وقت الموت.
وفي هذا يقول الدكتور النسيمي (9) يتوفى الله نفس الإنسان فيميته بعد أن يستوفي ساعات عمله ورزقه المسجل أنه سيحدث في يقظته بين نومين،فيدعه في النوم شبه الميت من انعدام الوعي والإدراك،أي أن الله سبحانه يقبض تلك الأنفس عن التصرف أثناء النوم ويطلقها في اليقظة بالتصرف وذلك حتى يأتي أجلها المحدد.
وبذلك يمكن فهم قوله تعالى:(وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) الأنعام.

المبحث الثاني
بورك لأمتي في بكورها:
عن صخر الغامدي عن النبي  أنه قال:"اللهم بارك لأمتي في بكورها"•.
وفي رواية عن أبي هريرة قال،قال :"بورك لأمتي في بكورها"••
وعن عبد الله بن مسعود قال: "ذكر عند النبي  رجل فقيل ما زال نائماً حنى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال  بال الشيطان في أذنه" رواه البخاري في صحيحه.
يدعو النبي عليه الصلاة والسلام أن يبارك الله سبحانه في عمل أمته أول النهار فهو أبرك الأوقات وأكثرها ملاءمة للعمل والإنتاج وحيث يكون الهواء أصفى وأنعش،فقد ثبت أن الصباح الباكر هو خير الأوقات للعمل والدراسة إذ ينشط الدماغ وتستعد الأعضاء للعمل بهمة وجد،وإن الأمم الصناعية الأكثر تقدماً في العالم هي الأمم التي تستيقظ باكراً وتذهب إلى عملها. ولقد غفل كثير من المسلمين عن دعوة النبي  إلى الاستيقاظ المبكر رغم أن ديننا الحنيف قد فرض علينا صلاة الصبح حيث نستيقظ مع الفجر ورغَّب في التهجد لكي ننعم براحة النفس وصحة الجسم بالقيام في الثلث الأخير من الليل (10).
وتؤكد الباحثة الفرنسية نيريس دي (11) أن عبارة "النوم المبكر والاستيقاظ المبكر يجعل الإنسان صحيحاً وغنياً وحكيماً" و"إن ساعة النوم قبل منتصف الليل تساوي ثلاث ساعات بعده" فيها بعض الحقيقة،ولقد تبين أن 70٪ من نومنا العميق غير الحالم يحدث خلال الثلث الأول من الليل،وعندما نتجاوز النوم قبل منتصف الليل فإننا نفقد كثيراً من نومنا العابر غير الحالم.
ويرى الدكتور الراوي (12) أن ريح الصبا التي تهب في ساعات الفجر لها تأثير لطيف يحس به الإنسان ويستذوق حلاوته حيث يكون الهواء المشبع بالأوزون،وقد تبين أن لهذا الغاز تأثيرات رائعة على الجملة العصبية والمشاعر النفسية والنشاط العضلي والف
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: قسم الكتب و المنشورات


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو يوسف الأحمدي
يوسف الأحمدي
عضو
°°°
افتراضي
موضوع قيم للغاية يا دكتور هبة الله الكيلاني وكيف لا وهو يذكرنى بعلوم الأجداد القدماء الحكماء
وفضل حضارتنا العربية والإسلامية علىالغرب الأرعن ناكر الجميل...

مع تحياتى،

يوسف

الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
بسم الله و الحمد لله و الصلاة على حبيب الله وآله أولياء الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

شكرا لهذه المواضيع النافعة

ولكن الموضوع ادرج مرات
وفي كل مرة ينقطع في اوائل الفصل الثاني
ولم يكمل

اقول ربما يكون السبب
ان الدكتور يحاول ان يدرج الموضوع باكمله في مشاركة واحدة
ولكن حجم المشاركات محددة لا تتقبل اكثر من مقدار معين

فربما يضع الشريف الكيلاني
المقالة المفصلة جملة واحدة في مشاركة

ولذلك اوصي ان يدرجه في مشاركات متتابعات تلو الآخر



صورة رمزية إفتراضية للعضو صالح الشاعر
صالح الشاعر
عضو
°°°
افتراضي
شاكرين مجهودك يا دكتور
نعم الاختيار
جعله اله في ميزان حسناتك

صورة رمزية إفتراضية للعضو angry_jaguar
angry_jaguar
عضو
°°°
افتراضي
بارك الله فيك و نفع بعلمك .... :wink:
اللهم آمين اللهم آمين :mrgreen:

صورة رمزية إفتراضية للعضو LLLL
LLLL
عضو
°°°
افتراضي
مشكورررررررررررررررررررررر
جزيت خيرااااااااااااااااااااااااااااااااا


مواقع النشر (المفضلة)
كتاب روائع الطب الاسلامي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
ابحث عن كتاب (الطب الروحاني)
روائع ابن عجيبة رضي الله عنه
حمل كتاب القانون في الطب للرئيس ابن سيناء
روائع سورة (يس)
كتاب (الطب المصري القديم )

الساعة الآن 08:13 PM.