المشاركات الجديدة
العلوم الخفية في التاريخ : تاريخ العلوم ، قصص ، حوادث

خريدة العجائب وفريدة الغرائب

الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي



الشاهبلوط: ينفع لإدرار البول، وينفع من السموم ونزف الدم.

الفستق: حار يابس أشد حرارة من الجوز يفتح سدد الكبد ويقوي فم المعدة، ويمنع من الغثيان، ومن نهش الهوام والسعال البلغمي ولدغ العقارب ويزيد في الباه.

الصنوبر: حار يابس يمنع الرطوبات من البدن ويزيد في الباه مع عقيد العنب.

الفلفل: حار يابس فيه جذب وتحليل وهو عدو البلغم اللزج، ويلطف الأغذية ويشهي الطعام ويدر البول وينفع ظلمة البصر.

القرنفل: حار يابس يطيب النكهة ويحد البصر، وينفع من الغشاوة ويمنع القيء والغثيان ويقوي الكبد، وقدر ما يؤخذ منه نصف مثقال مع مثليه سكر نبات مسحوقين منخولين.


(1/333)


الخولنجان: حار يابس، يحلل الرياح وينفع من القولنج ووجع الكلى ويهيج الباه، ويطيب النكهة ويهضم الطعام ويصلح المعدة ويطرد البلغم والرطوبة المتولدة في المعدة، وينفع من عرق النسا ولمن لا يضبط البول.

الزنجبيل: هو كالفلفل في منافعه.

المصطكا: حار يابس ملين، وهو يجبر العظام المكسورة، ومضغه يجلب البلغم من الرأس وينقيه ويطيب النكهة وينفع من السعال البلغمي ومن أورام الكبد ونزف الدم وفساد الرحم تحملاً.


(1/334)


خيار الشنبر: معتدل في الحرارة والبرودة، عسله يسهل المرة المحترقة ويطفئ حدة الدم ويسكن وهجه ويذهب الورم العارض منه، وينفع من الأورام الحارة في الأحشاء خصوصاً في الحلق إذا تغرغر به ممرساً في ماء عنب الثعلب، وإذا سقي مع التربد أخرج رطوبات عجيبة، وإذا سقي مع التمر هندي أخرج الأخلاط الصفراوية ونفع المحمومين، وإذا سقي مع الهندبا نفع من القولنج ووجع المفاصل واليرقان. وهو يسهل من غير أذى حتى الحوامل، وهو يضر بالنسل، وبدله نصف وزنه من ترنجيل، وثلاثة أمثاله من شحم الزبيب مع تربد.

السرو: شجرة حسنة الهيئة قويمة الساق، يضرب بها المثل في استقامة قدها ومشق قامتها وخضرة ورقها. وهو أخضر صيفاً وشتاء والتدخين بأغصانها في البيت يطرد البق، وطبيخه بالخل يسكن وجع الأسنان ويجعل من نشارته بنادق وتطرح في الدقيق الدرمك يبقي زماناً طويلاً لا يفسد، وورقه مع الشراب ينفع من عسر البول، وإذا دق ورقها رطباً وجعل على الجراحة ألحمها، ورمادها ينفع من حرق النار وسائر القروح ذروراً، وجوزها يطرد البق

إذا دخن به.


(1/335)


البطيخ: منه بستاني ومنه بري، والبري هو الحنظل والبستاني ثلاثة أصناف: هندي وهو الأخضر وخراساني وهو العبدلي، وصيني وهو الأصفر. ثم الأصفر ثلاثة أصناف: صيني وحلبي وسمرقندي، وفلاحتها كلها واحدة، والطعوم والأشكال مختلفة. وإذا نقع بزر البطيخ بالعسل والبن جاء في غاية الحلاوة، وإذا نقع في ماء الورد شممت من بطيخه رائحة الورد، ومتى دخلت المرأة الحائضة في المقثأة فسدت وتغير طعمه وإذا أصاب بزر البطيخ أو القثاء رائحة الدهن جاء كله مراً. وإذا وضع رأس حمار في وسط المبطخة دفع عنها جميع الآفات وأسرع نباتها وحملها وحملها وإدراكها.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن البطيخ كان أحب الفاكهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكهوا بالبطيخ وعضوا منه، فإن ماءه رحمة، وحلاوته من حلاوة الجنة. ومن أكل لقمة من البطيخ كسب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة، لأنه خرج من الجنة.

وعن وهب بن منبه أنه وجد في بعض الكتب أن البطيخ طعام وشراب وفاكهة وجلاء وأُشنان وريحان وحلاوة ونقل، وينقي المعدة ويشهي الطعام ويصفي اللون ويزيد في ماء الصلب ويدر البول ويسهل الخام.

الصيني: وهو الأصفر، وهو ثلاثة أصناف. وأطيبه وأحلاه السمرقندي وأجوده العبدلي، وهو بارد رطب يدر البول ويقلع الكلف والبهق الرقيق والوسخ، وبزره أقوى جلاءً من جرمه، وقشره يلصق على الجبهة فيمنع النوازل من العين،


(1/336)


ولحمه ينفع من حصاة الكلى والمثانة، وهو يستحيل إلى خلط ويرخي الجسد ويحدث هيضة. وإذا فسد في الجوف فهو كالسم.

القرع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا طبختم فأكثروا القرع فإنه يسكن قلب الحزين. ومن خواصه أن الذباب لا يقع عليه، ولما خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت خرج كالطفل حين يخرج من بطن أمه، فأنبت الله سبحانه وتعالى عليه في الحال شجرة من يقطين لئلا يقع عليه الذباب فيؤذيه. فمكثت الشجرة حتى تصلبت بشرته وقويت أعضاؤه فأيبسها.

والقرع بارد رطب، ويسمى الدباء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء، وهو يغذي غذاء يسيراً وينحدر سريعاً، وهو جيد للصفراء وعصارته تسكن وجع الأذن مع دهن ورد، ينفع من أورام الدماغ، وسليقه ينفع من السعال ووجع الصدر من حرارة، ويقطع العطش، إلا أنه يفسد في المعدة ويضر بأصحاب السوداء والبلغم ويضر بالأمعاء.

القثاء والفقوس والعجور: فالقثاء بارد رطب يسكن الحرارة والصفراء ويدر البول ويسكن العطش ويوافق المثانة وشمه ينعش المغشي عليه، وأكله ينفع من عضة الكلب الكلب؛ وبذره يدر البول ويحسن اللون طلاء ويطفئ الحرارة، لكنه رديء


(1/337)


الكيموس، يهيج الحميات ويؤلم المعدة، وكذلك الفقوس والعجور.

الخيار: بارد رطب، ينفع من الحميات المحترقة ويدر البول، إلا أنه يحدث العطش، وشمه ينفع المغشي عليه من حرارة، ويحدث وجعاً في المعدة والخواصر.

الباذنجان: حار يابس ينفع من نزف الدم ويورث أخلاطاً رديئة وخيالات فاسدة، ويولد السوداء والسدد ويسود البشرة؛ ويفسد اللون، ويصفره ويولد الكلف والصداع.

الأرز: بارد يابس، يحبس البطن حبساً ليس بالقوي، وإن لم تغسل عنه الحمرة التي عليه، وإلا عقل البطن. وأنفعه ما أُكل باللبن الحليب، وأكله يزيد في النضارة بوجه الآكل ويخصب البدن ويري أحلاماً صالحة.

السمسم: حار رطب مغذ ملين محلل ينفع السوداويين ووجع الصدر والخشونة في الحلق ويزيد في المني.

الحمص: حار رطب ملين يدر البول ويهيجه، وينفع ويغذي أكثر من الباقلاء، ويجلو النمش ويحسن اللون أكلاً وطلاء، وينفع من الأورام الحارة الصلبة ومن وجع الظهر ويصفي اللون.


(1/338)


الكمون: حار يابس يقتل الدود ويطرد الريح ويحلله، وإذا غسل الوجه بمائه صفاه، وكذلك أكله بقدر يسير، ويدمل الجراحات ويقطع الرعاف مسحوقاً مع خل، وإذا مضغ وقطر ريقه في العين نفع الطرفة والدم السائل من العين.

الكمون الكرماني: وهو الشونيز الأسود، حار يابس يقطع البلغم جلاءً، ويحلل الرياح والنفخ ويقطع الثآليل وينفع الزكام البارد. ويجعل مدقوقاً في خرقة كتان ويطلى به جبهة من به صداع بارد.

الكراويا: حار يابس يطرد الريح ويخففه، وينفع الخفقان ويقتل الديدان ويدر البول. وقدر ما يؤخذ منه درهم.


(1/339)


فصل في البقول الكبار

القلقاس: حارس يابس رطب يزيد في الباه ويولد الريح.

القنبيط: حار يابس يفتح السدد، ويشفي من الخمار وينفع من ضربة السكر ويولد رياحاً.

اللفت: حار رطب يغذي غذاء كثيراً ويولد المني ويدر البول، ويشهي الطعام إذا طبخ مرتين وطيب بالخل والخردل. وماؤه ينفع البصر وهو يحرك شهوة الجماع.

الفجل: حار رطب يقطع رائحة الثوم ويقوي الباه وينقي المعدة، وماؤه إذا قطر في العين جلاها، وبالشرب ينفع من نهش الأفاعي، وإذا طرح ماؤه على العقرب ماتت لساعتها. ومن أكل فجلاً ولسعته عقرب فلا يضره.


(1/340)


الجزر: حار رطب، ينفع من ذات الجنب والسعال المزمن ويهيج الباه.

البصل: حار يابس ملطف محمر للبشرة، يجذب الدم إلى خارج الجسد كالخردل، ويزيد في الباه وينفع من تغير المياه ويفتق الشهوة ويلين الطبع ويحسن اللون ويحد البصر.

الثوم: حار يابس يسخن المعدة إسخاناً ظاهراً، وينفع أصحاب الأمزجة الباردة الرطبة، وينفع الأبدان المشرفة على الوقوع في الفالج ويخفف


(1/341)


المني ويفتح السدد ويحلل الرياح ويطلق البطن ويقوم في جميع الأوجاع الباردة مقام الترياق الأكبر، وله منافع كثيرة.

الهليون: حار رطب يفتح السدد وينفع القولنج البلغمي والريح وينفع عسر البول.


(1/342)


فصل في البقول الصغار

الهندبا: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: في كل ورقة من الهندبا وزن حبة من ماء الجنة، وهو بارد رطب، وهو يفتح السدد ويروق الدم، وينفع الكبد والعروق.

النعنع: حار يابس وفيه قوة مسخنة وهو ألطف البقول المأكولة جوهراً. وعصارته تنفع من سيلان الدم من الباطن ويقوي المعدة ويسخنها ويسكن الفواق الكائن عن امتلاء، ويهضم إذا أخذ منه اليسير.

الزعتر البري: سريع النبات بعيد من الآفات، وهو حار يابس محلل ملطف يسكن وجع الضرس مضغاً، وينفع من أوجاع الوركين والكبد والمعدة. ويخرج الدود وحب القرع. وينفع المغص وعضة الكلب الكلب.

الكرفس: حار يابس، يحلل النفخ ويفتح السدد ويسكن الأوجاع؛ ويطيب النكهة وينفع من ضيق


(1/343)


النفس ويدر البول، ويهيج شهوة الجماع من الرجال والنساء. وطبيخه مع العدس يتقيأ به من سقي السم وينفعه.

اسفاناخ: بارد رطب ملين ينفع السعال والصدر والصفراء، وينفع أوجاع الظهر الدموية وهو سريع الانحدار مضر بأصحاب الأمزجة الباردة.

الشومر: وهو الرازيانج، حار يابس يسخن إسخاناً قوياً ويحلل الرياح ويفتح السدد ويحد البصر ويفتت الحصى من المثانة.

الشبت: حار رطب مسخن مجفف منضج للأخلاط الباردة ويسكن الأوجاع ويفش الأورام وينفع الفواق.


(1/344)


فصل في حشاش مختلفة

حب الرشاد: حار يابس، وأكله يزيد في الذهن والذكاء ويهيج الباه وعصارته تنفع من نهش الهوام شرباً ومع العسل ضماداً. ودخانه يطرد الهوام.

حرمل: صالح لأوجاع المفاصل. وفيه قوة مسكرة كاسكار الخمر ينفع من القولنح شرباً وطلاء. وبزره ينقع في الخل ويرش في البيت فيطرد الذباب.

سنا: أجوده الحجازي. وهو حار يابس، يسهل الصفراء والسوداء وينفي الفضول. وقدر ما يؤخذ منه خمسة دراهم.

بسفنانج: أجوده الغليظ الأخضر الأملس وهو حار يابس محلل النفخ والريح والرطوبة ويسهل بلا مغص ولا كرب وينفع من نزف الدم.

شيرخشك: هو حار باعتدال وهو أقوى فعلاً من الزنجبيل.


(1/346)


مربطارخ: حار يابس مفتح للسدد محلل للرياح وينفع مع الشراب شرباً للسع العقارب وللمعدة المسترخية.

أشنان: هو حار يابس مفتح محلل. ووزن نصف درهم منه يحل عسر البول، ودرهم يدر الحيض، وثلاثة دراهم تسهل مائية الاستسقاء. وهو يجلو الأسنان. ودخان الأخضر يهرب منه الهوام.


(1/347)


فصل في البزور

بزر قطونا: بارد رطب يصفي الحرارة والعطش ويسكن الصفراء.

بزر مرو: حار رطب يسهل البلغم وقدر ما يؤخذ منه زنة درهمين.

بزر البصل: حار يابس، يحرك الباه من الأمزجة الباردة.

بزر اللفت: حار رطب يزيد في قوة الجماع. وقدر ما يؤخذ منه وزن درهمين.

بزر الجزر: حار يابس يهيج الباه ويدر البول والحيض، وينفع من لسع الهوام شرباً وضماداً.

بزر السذاب: حار يابس يقاوم السموم إذا استعمل مع التين والجوز.

بزر الرازيانج: حار يابس قابض مفتح مسكن للأوجاع محلل للرياح يدر البول والحيض.

بزر الفجل: حار يابس، ينفع من نهش ذوات السموم وينفع من وجع المفاصل، ويحلل ورم الطحال ويسهل خروج الطعام.

بزر الهندبا: معتدل بين الحر والبرد ينفع من الحميات الصفراوية ومن سدد الكبد واليرقان وقدر ما يؤخذ منه نحو مثقال.


(1/348)


بزر قثاء: بارد رطب يجلو ويدر البول وقدر ما يؤخذ منه عشرة دراهم. وإذا دق ودهن به البدن حسنه.

حب الرمان الحامض: بارد يابس يمنع القيء والغثيان، وينفع من المواد الصفراوية.

بزر هليون: حار رطب يدر المني ويحرك شهوة الجماع. وقدر ما يؤخذ منه درهمان.


(1/349)


فصل في خواص الحيوانات

خواص البغل، وأعضاؤه وأجزاؤه: شحم أذنه إذا سقيت منه المرأة لا تحبل أبداً. مخه إذا طعم منه الإنسان تناقص عقله وفهمه وحصل له التوهم والنسيان والسهو. قلبه تأكله المرأة فلا تحبل. حافره إذا أحرق أو أذيب بدهن الآس وطلي به رأس الأقرع أنبت الشعر. خصيته تجفف بملح وتوضع في جلد حرير وتعلق في رقبة فرس أو جمل فإنه لا يصيبه سوء ما دامت معلقة عليه. بوله إذا شربته المرأة طرحت جنينها الميت، وإن شمه المزكوم وبصق عليه وكبه في طريق فمن داس عليه انتقل الزكام إليه ويبرأ المزكوم الذي كبه. الزنبور الذي يوجد في دبر البغل، يجفف ويبخر به صاحب البواسير يبرأ. جلد جبهته إذا أحرق في مكان لا يحصل فيه اتفاق ولا صلح ولا يتم فيه شيء من الأمور.

خواص الحمار وأجزاؤه: مخه يسقى لمن غلب عليه النسيان. سنه إذا وضع تحت رأس من قل نومه نام. كبده يجفف ويعلق على من به حمى الربع تزول عنه. طحاله يجفف ويدخر، فإن قل لين ثدي المرأة سحق بماء وطلي به الثدي يكثر اللبن فيه. حافره يسحق بعد حرقه ويطلى به جبهة من به صرع أياماً يزول عنه. ويخلط بالزيت ويطلي به الخنازير يجففها.

قال بلنياس: يشق حافر الحمار ويحشى قطراناً وكلساً ويحرق بشيرج زنج ويطلى به البرص يقلعه، ولو كان عتيقاً. فإذا تدخنت المرأة المطلقة بحافر الحمار أسرع خروج ولدها حياً سالماً بسهولة؛ وكذلك إذا كان الجنين ميتاً أخرجه. ويؤخذ من ذنبه ثلاث طاقات شعر حين ينزو على الأتان ويشد على ساق الرجل ينتشر ذكره ويستوي على سوقه وينعظ في الحال.


(1/350)


لحمه: من أكل منه أمن من آفات السموم فلا يؤثر فيه سم أبداً، وينفع صاحب الجذام نفعاً جيداً. دمه يطلى به البواسير مراراً تسقط. لبن الحمار يسقى للصبي الذي يكثر بكاؤه ويزول عنه ذلك، ومن ضرب بالسياط ضرب الموت يسلخ له جلد حمار في الحال ويلبس به جسمه وينام فيه ليلة فإنه يزول عنه ألم الضرب ويأمن عاقبته. جلد جبهته يعلق على المصروع يزول عنه. ويلقى شيء من شعر ذنبه في نبيذ قوم يسكرون فيقع بينهم الشر والخصومة والعربدة. عصارة روثه تسقى لمن في مثانته حصاة تفتتها.

خواص أجزاء حمار الوحش: مخه يسحق بدهن الزنبق ويطلى به البهق يزول. مرارته قال ابن سينا: إنها تقلع القوباء من الجسم. لحمه مدقوقاً ينفع النقرس طلاءً مع دهن الورد. شحمه جيد للكلف طلاءً. حافره يتخذ خاتماً ويعلق على أصحاب الجنون والصرع في رأس الشهر يزول عنهم ذلك. ويكتحل به محرقاً ينفع من ظلمة العين والغشاوة. روثة يرمي في تنور الخباز يسقط جميع أقراصه. وإذا سحق وخلط ببياض البيض وانتشقه المرعوف انقطع عنه الرعاف. والله سبحانه وتعالى أعلم.


(1/351)


فصل في حيوانات النعم

خواص أجزاء الإبل: ليس للبعير مرارة وإنما على كبده شيء يشبهها وهي جلدة فيها لعاب يكتحل به فينفع من الغشاء العتيق، ويطلى به الرقبة فينفع من الخوانيق. كبده إذا داوم على أكله نفع من نزول الماء في العين. شحمه متى وضع في موضع هربت منه الحيات. سنامه يداب ويطلى به البواسير يسكن وجعه. كرشه فيه غدة إذا أخرجت منه استحجرت، وإذا سحقت بالخل ابيضت، وهي من أنفع الأشياء للسموم القاتلة. عظمه يسحق ويذاب بالزيت ويطلى به رأس المصروع يزول صرعه. شعره يشد على الفخذ الأيسر يمنع سلس البول ويشد على فخذ الصبي الذي يبول في الفراش يزول عنه. وبره يذر على الأنف محرقاً يحبس الرعاف والدم السائل من الجراحات، كذلك إذا ذر عليها. لبنها نافع من السموم كلها والمضمضة به تنفع الأسنان المتآكلة ويزيل صفرة الوجه أكلاً وطلاءً. بعره قال ابن سينا: يقطع الرعاف ويزيل أثر الجدري ويقطع الثآليل.

خواص البقر: قرنه يحرق ويجعل في طعام صاحب حمى الربع تزول عنه. ويشرب في شيء من الأشربة يزيد في الباه ويقوي القضيب ويشده ويورث الإنعاظ وينفخ به في منخر الرعف ينقطع دمه. قرناه يحرقان حتى يصيرا رماداً ويذاب بالخل ويطلى به موضع البرص مستقبلاً به الشمس فإنه يزول. مخه طرياً يذاب بدهن ويقطر في الأذن الوجعة يسكن وجعها. لسان الثور الأسود يجفف ويسحق ويمزج به حماض الأترج ويستف منه مقدار مثقال فلا يخاصم أحداً إلا غلبه وألزمه.

مرارته ببزر الجرجير وبزر الفجل ومائه يعرض للنار ليقوي ويشتد ويطلى به الكلف فإنه يزول إذ لزم ذلك. ويخلط بمرارته ورق الغيبراء مدقوقاً وتتحمل منه المرأة فإنها تحمل. وفي مرارته حجر قدر عدسة تجعل في ماء الشهدانج وماء الفرفخ،


(1/352)


ويستعط منه صاحب الصرع يزول صرعه، وتطلى الشجرة بمرارة البقرة لا يتولد فيها الدود، وتخلط مرارة البقر ببعر الفأر ويتحمل بها صاحب القولنج يزول في الحال. مرارة البقرة السوداء يكتحل بها من به ظلمة العين يحتد بصره؛ وإذا أردت أن ترى عجباً فخذ جرة من فخار وادفنها في الأرض إلى عنقها واطل باطنها بشحم البقر فإنه لا يبقي في ذلك الموضع شيء من البراغيث حتى يدخل فيها.

خصية العجل تجفف وتشرب مسحوقة بشراب تهيج الباه وتعين على الجماع إعانة عظيمة. قضيبه يجفف ويسحق ويرمى على البيض النيمبرشت ويطعم منه فإنه يزيد في الباه. كعبه يحرق ويدلك به السن يبيضها ويذهب وسخها. لبنه يزيل صفرة الوجه. وإذا شرب مخيضاً نفع البواسير. سمنه يطلى به لسع العقرب يبرأ لوقته. والعتيق منه نافع للجراحات. دمه يطلى به الورم يسكن وجعه. قال بلنياس: بول الثور يخلط مع بول الإنسان ويوضع على أصابع اليدين والرجلين يذهب بحمى الربع وقلما يحتاج إلى ثلاث مرات. وهذا من العجائب. أخثاء البقر يضمد بها لسعة الزنبور تسكنها.

خواص أجزاء بقر الوحش: مخه يطعم منه صاحب الفالج ينفعه نفعاً بيناً. قرنه من استصحبه معه نفرت منه السباع ويدخن به في البيت فتهرب من ريحه الحيات. رماده يذر منه على السن المتآكلة يسكن الوجع. دمه ترياق للسموم كلها. شعره يبخر به البيت يهرب منه الفأر.

خواص أجزاء الجاموس: الدودة التي في دماغه إذا علقت على أحد لا ينام ما دامت معه. لحمه يولد القمل. شحمه يذاب بالملح الأندراني ويطلى به على الكلف والنمش والجرب والبرص يزيله.


(1/353)


خواص أجزاء الضأن: قرن الكبش: إذا دفن تحت شجرة باكرت بثمرتها قبل كل الأشجار وكثر حملها. مرارة الضأن يكتحل بها مع العسل ينفع من نزول الماء في العين، ومن إزالة البياض ينفع نفعاً عجيباً. مخه يورث البله وأصحاب الصرع إذا أكلوا منه يشتد صرعهم. عظمه يحرق بنار حطب الطرفاء ويخلط رماده بدهن الشمع المتخذ من دهن الورد ويطلى به موضع الشج والهشم يصلحه. وقال بلنياس: إذا تحملت المرأة بصوف النعجة قطع الحمل.

خواص أجزاء المعز: قال بلنياس: قرن ماعز أبيض يسحق ويشد في خرقة ويجعل تحت رأس النائم فإنه لا ينتبه ما دام تحت رأسه. مرارة التيس بعد نتف الشعر من الجفن كحلاً تمنعه من النبات. ومرارة تيس مع مرارة بقرة مخلوطان يلطخ بهما فتيلة من قطن عتيق وتجعل في الأذن يزيل الطرش لحادث. طحاله يقطعه صاحب الطحال بيده ويعلقه في بيت هو فيه فإذا جف الطحال زال ألم المطحول. لحمه يورث النسيان ويحرك السوداء. قال بليانس: دم التيس يفتت حجر المغناطيس. وتسقى إبرة بدم تيس ويثقب بها الأذن فلا تلتئم إبداً. جلده إذا سلخ وهو حار ووضع على جلد الملسوع أو المنهوش من الحيات والأفاعي أو المضروب بالسياط دفع عنهم الآفة والألم. لبن الماعز ينفع من النوازل ويحسن اللون شرباً، سيما مع السكر، ويطلي ببعره الجرب مع السكر في الحمام ثلاث مرات فإنه يذهب به. لبنه علاج للنسيان مع السكر ودواء للبلغم والوسواس والخيالات الفاسدة والأحلام الرديئة ويهيج الباه. أنفحة الجدي والخرفان تجلب الفضول من أعماق البدن. بول الجدي يغلى حتى يسخن ويخلط بمثله من سكر ويطلى به الجرب في الحمام ثلاث مرات يزول. قال ابن سينا: بعر الماعز يحلل الخنازير بقوة وإذا حملته المرأة


(1/354)


بصوفه منع سيلان الدم من الرحم. وبعر المعز والضأن مع الخل يوضع على حرق النار بدهن ورد وشمع، ينفعه.

خواص أجزاء الغزال: قرنه ينحت ويدخن به لطرد الهوام: لسانه يجفف في الظل ويطعم للمرأة السلطة الملسنة على زوجها تزول سلاطتها. مرارته تقطر في الأذن الوجعة يزول وجعها. بعر الظبي وجلده يحرقان ويجعلان في طعام الصبي ينشأ ذكياً فهماً حافظاً فصيحاً.


(1/355)


خواص أجزاء سباع الوحوش

الأسد: خواص أجزائه: سنه من استصحبه يأمن وجع السن وألمه، ويعلق على الصبي تنبت أسنانه بسهولة. مرارته تسقى للإنسان يصير جريئاً جسوراً مقداماً، وهي تزيل الصرع حملاً، وتنفع داء الثعلب، والاكتحال بها يمنع سيلان الفم من العين. شحمه يطلى به البواسير والأورام الحارة ينفعها، ويطلى به الوجه والبدن فلا يقر به شيء من السباع وتهابه، وإن جعل في بيت هرب منه العقارب والفأر، وإن ألقي في ماء لا يشربه شيء من الدواب. شحمه الذي بين عينيه يذاب ويمسح به الرجل وجهه يهابه كل من يراه وينقاد إليه. لحمه ينفع من الفالج والاسترخاء. دمه إذا طلي به السرطان أزاله، وكذلك جميع السلع والأورام التي تحدث في الإنسان، وإذا مزج به الحليب وطليب به البرص أزاله. خصيته تولد العقر في الرجال، فمن أكل منها لا تحبل منه امرأة أصلاً. برثنه يحمله الإنسان معه فلا يقربه شيء من السباع ويهابه كل من رآه، وإذا طرح في الماء وشربت منه الغنم أصابها هزال ولم تسمن بعدها أبداً. جلده ينام عليه صاحب حمى الربع يوم نوبته، ويغطى بالثياب حتى يعرق، تزول عنه؛ ودوام الجلوس عليه يذهب البواسير، ويذهب أيضاً الخوف من قلب الخائف. ولو اتخذ من جلده طبل دهل لا يقف لسماعه فرس أبداً، وإذا حمل جلد جبهته انسان تحت عمامته كان مهاباً موقراً معظماً عند الملوك والسلاطين معاملاً بالإكرام والتبجيل.

النمر: فمن خواص أجزائه: إذا دفن رأسه في مكان، اجتمع فيه كل فأر في تلك الأرض. مرارته من اكتحل بها نور بصره ومنع نزول الماء في العين. شحمه يذاب ويجعل على الجراحات العتيقة ينظفها ويبرئها. لحمه من أكله ولو خمسة دراهم منه لا


(1/356)


تضره السمومات الحيوانية والنباتية. قضيبه يطبخ ويشب من مرقه ينفع الحصى في المثانة ومن تقطير البول. جلده يتخذ منه مقعد يجلس عليه صاحب البواسير والشقاق تزول عنهما. ومن حمل شيئاً من جلده هابه كل من رآه.

الفهد: من خواص أجزائه: لحمه يورث حدة في الذهن وذكاءً وفهماً وقوة في البدن والأعضاء. دمه من شرب منه غلبت عليه الفصاحة والبلاغة. برثنه إذا وضع في مكان لم يبق فيه فأر أصلاً.

الكلب: من خواص أجزائه: عينا الكلب الأسود الميت متى دفنتا تحت جدار انهدم سريعاً، وإن حملهما إنسان معه لا ينبح عليه كلب أصلاً. نابه يشد على الكلب العقور لا يعود يعقر أحداً ما دام عليه، ويشد الصبي ينبت سنه بلا وجع ولا ألم. ومن كان كثير الهترة والهذيان والكلام في نومه وحمله لا يعود لما ذكر. وناب الكلب الكلب الذي قد عض إنساناً يشد في قطعة جلد ويربط في عضد الإنسان يأمن من عضة الكلب الكلب ما دام حاملاً لذلك. لسان الكلب الأسود يملح ويخرز ويحمل فلا تنبح على حامله الكلاب وهذه الخاصية تعلمها اللصوص مرارته تنفع من ظلمة العين اكتحالاً كبده يطعم مشوياً لمن عضه الكلب؛ وشحم الكلب يطلى به الخنازير يحللها، سيما ما كانت في الحلق. مخه أيضاً يفعل ذلك.

قضيبه يجفف ويستصحبه الإنسان يبتلى بانتصاب الذكر ما دام حامله. شعره يشد على المصروع يخف صرعه، وشعر الأسود البهيم من الكلام أشد نفعاً للمصروع. بوله يقلل الثآليل إذا طلي به. قال ابن سينا: قراد الكلاب ينفع في النبيذ ويسقى صاحب القولنج يزيله في الحال إذا كان القراد أبيض اللون. زبل الكلب الأسود تحمله المرأة تأمن من إسقاط الجنين.


(1/357)


الذئب: من خواص أجزائه: رأسه يعلق في برج الحمام لا يقربه سنور ولا حية. ويدفن رأس الذئب في زريبة الغنم يمرض كل غنم في الزريبة ويموت غالبها. نابه من استصحبه لا يسكر أبداً ولو شرب دناً من الخمر. وإذا علق نابه على الفرس سبق الخيل. عينه اليمنى من حملها لا يفزع بالليل. عينه اليسرى من حملها لا يغلبه النوم. مرارته يطلى بها بين الحاجبين يبقى مكرماً بين الخلق. وتشد على الفخذ الأيمن في أول الشهر تزيل الصرع عن المصروعين؛ وإذا تحملت منها المرأة التي لا تحمل حملت. والاكتحال بها ينفع من نزول الماء في العين ومن الغشاوة. دمه يخلط بدهن الجوز ويقطر في الأذن يزيل الطرش وإذا سقيت منه المرأة لا تحبل أبداً. خصيته تؤكل مشوية لتقوية الباه وتهييج الجماع. عظمه: يحرق ويدق ويذر حول الزريبة لا يقرب غنمها ذئب أصلاً.

الضبع: وخواص أجزائه: رأسه يجعل في برج، يكثر فيه الحمام جداً. لسانه من حمله معه لا ينبح عليه كلب ولا يغلب عند المخاصمة والمحاججة. وإذا علق على باب دار فيها عرس أو دعوة لا يقع فيها شر ولا مكروه ولا خلف، ويزداد فرحهم واتفاقهم. نابه من استصحبه لم ينس شيئاً أبداً. مرارة الضبعة العرجاء تمنع من نزول الماء في العين اكتحالاً وتجلو البصر من الظلمة. قال بليناس: تخلط مرارة الضبع بدم العصافير ويطلي به الإنسان عينه يأمن من نزول الماء فيها مدة حياته. قلبه يعلق على صبي يبقى فهيماً ذكياً. شحمه تطلى به الحواجب يكون فاعله محبوباً عند الناس. يده اليمنى من استصحبها قضيت حوائجه عند الملوك، وتشد على عضد المرأة وساقيها يسهل عليها الولادة. برثنه يعلق على شجرة لا يقربها أذى.

قضيبه يجفف ويسحق ويستف منه الرجل قدر دانقين يهيج به شهوة الجماع بحيث لا يمل ولا يفتر


(1/358)


ولو أتى عشرين امرأة. وإن سقيت المرأة الفاجرة من ذلك تابت وتركت الفجور. وقال بلنياس: فرجها وجلدة سرتها إن شدا على رجل لم تنظر إليه امرأة إلا أحبته، وإن شدا على امرأة فلا ينظرها أحد إلا أحبها، وإن شد فرجها على المحموم زالت عنه الحمى. جلده يتخذ منه غربالاً يغربل به القمح ثم يزرعه يأمن الفساد والجراد، قال ابن سينا: من عضه الكلب الكلب فإذا فزع من الماء يسقى في إداوة من جلد ضبع؛ وقيل إذا أخذت شيئاً من جلد ضبع وشددت فيه شيئاً من ورق الشيح وربطته في خرقة وعلقته على الإنسان فإن النساء تتبعه ويرى من ذلك أمراً عجباً. الشعر الذي حول فقحته ينتف ويحرق ويسحق بزيت ويدهن به صاحب الأُبنة يزول مرضه.

الدب: فمن خواص أجزائه نابه يلقى في لبن المرضعة ويسقى للصبي تنبت أسنانه بسهولة من غير ألم. عيناه تعلقان على صاحب حمى الربع في خرقة حرير أو كتان تزول عنه. مرارته تنفع من ظلمة العين اكتحالاً. شحمه يزيل البرص طلاءً. دمه يخلط بدهن البيض ويطلى به الموضع الذي ليس به شعر، ينبته.

خواص الثعلب: رأسه إذا وضع في برج حمام هربت كلها. نابه يشد على الصغير الذي به ريح الصبيان يذهب فزع النوم وتحسن أخلاقه، ويعلق على من يشكو ألماً بأسنانه يزول عنه. مرارته تنفخ في أنف المصروع فلا يصرع في ذلك الشهر والاكتحال بها يمنع نزول الماء في العين. لحمه ينفع اللقوة والفالج والجذام إذا داوم عليه. شحمه يذاب ويطلى به النقرس ينفع في الحال ويزول وجعه.


(1/359)


فصل في خواص أجزاء سباع الطيور

العقاب: مرارته تنفع منظلمة العين اكتحالاً ويطلى بها ثدي المرأة إذا انعقد اللبن فيه يسكن ألم ذلك ويكثر لبنها. دمه يجفف ويخلط بالإهليلج الأصفر مسحوقاً ويكتحل به فإنه ينفع من جرب العين، ولو طلي به من خارج نفعه أيضاً. مخه يذاب بالزيت ويطلى به رجل المنقرس يزول ألمه، وكذلك وجع المفاصل.

الباز: مرارته من اكتحل بها يأمن من نزول الماء في العين. وقال ابن سينا: مرائر الجوارح كلها تنفع من ظلمة البصر اكتحالاً. عظمه يدق بعد الحرق ويذر على الموضع المحروق من البدن، ينفعه.

خواص أجزاء النسر: مرارته تقطر في الأذن تذهب الطرش الحادث والعتيق، والاكتحال بها يجلو البصر. لحمه يطبخ ويخلط بالورس والملح والكمون والعسل ويسقى للسع الهوام المسمومة. شحمه يذاب ويقطر في الأذن مراراً يذهب بالطرش. الشوحة وهي الحدأة. مرارتها إذا جففت وسحقت وذرت في سلال الحيات ماتت الحيات، وتنفع من النهوش واللدوغ طلاءً.


(1/360)


يتبع



...
....
الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
خواص أجزاء الحبارى: داخل قانصتها تجفف وتسحق مع الملح الأندراني والخبز المحرق أجزاء سواء، ويكتحل به فإنه يزيل البياض الذي في العين اكتحالاً. وقال ابن سينا: بيض الحبارى نافع للقوابي وحرق النار.
خواص أجزاء الطاووس: مخه مع السذاب والعسل ينفع من القولنج وأوجاع المعدة. مرارته يسقى منها وزن دانق للمبطون. دمه من سقي منه اعتراه جنون. لحمه يزيد في الباه وينفع من وجع الركبتين. شحمه يطلى به العضو المبرود. عظمه من صحبه يأمن من عين السوء. مخلبه يشد على المطلقة تضع في الحال، يشد على فخذها، وكذلك إذا بخر به تحت ذيلها وضعت سريعاً.

خواص أجزاء الدجاج: تطبخ الدجاجة البيضاء بعشر بصلات وكف سمسم مقشر حتى تنهري ويؤكل لحمها ويشرب مرقها، فإنه يزيد في الباه ولا ينكرها أحد، ويقوى الشهوة ويلذذ الجماع للرجل والمرأة، ومداومة أكل الدجاج تولد البواسير والنقرس. شحمه يطلى به الكلف الأحمر في الوجه ينفعه ويزيله، وينفع من الشقاق والعارض في القدم من البرد. مرارتها تمنع من نزول الماء في العين اكتحالاً. قانصتها قال بلنياس: تشوى وتطعم لمن يبول في الفراش يذهب عنه ذلك. بيضها ينقع في الخل ثلاثة أيام ثم يترك في الشمس ليجف ويطلى به للبهق يذهب به. والبيض النيمبرشت ينفع في تكثير مادة المني وإسخانه وزيادة الشهوة عجيباً. دهن البيض يطلى به النقرس يسكن وجعه وألمه. ذرقها ينفع القولنج إذا شرب بخل أو نبيذ


(1/361)


وينفع صاحب الحصاة. قال بلنياس: ذرق الدجاجة يلصق على باب قوم يقع بينهم شر وخصومة.

خواص أجزاء الكركي: ذرقه يسحق بالماء وتبل به فتيلة وتجعل في الأنف ينفع كل قرحة في الخيشوم. عينه تسحق ويكتحل بها الإنسان فلا ينام. مرارته تنفع من نزول الماء في العين اكتحالاً. لحمه وشحمه يطبخان ويقطر مرقهما في الأذن يزيل الطرش. مخه يذاب بخل العنصل ويسقى لوجع الطحال في الحمام، ينفعه. قانصته تجفف وتسحق ويسقى منها زنة درهمين لمن به وجع الكليتين والمثانة بماء الحمص، ينفعه.

خواص أجزاء الهدهد: قنزعته تعلق على من به وجع الرأس يزول. قال بليناس: من أخذ عينه وجففها وجعلها في دهن، ودهن به وجهه فلا يراه أحد إلا أحبه حباً ما عليه مزيد، وتجعل عينه تحت رأس إنسان فلا ينام ويغلب عليه السهر ما دامت تحت رأسه، وإذا شددتها على أحد تذكر جميع ما كان نسيه، وتعلق على صاحب الجذام تنفعه نفعاً بيناً. لسانه يحمله الإنسان معه لا يظفر به عدو ما دام معه، وإذا علقت عينه مع لسانه على إنسان يدفع عنه غلبة السهو والنسيان ويزيد في فهمه وذكائه وحذقه. قلبه إذا علق على إنسان زاد في قوة الباه وشهوة الجماع، وإذا شوي


(1/362)


ودق مع السكر وجعل فوق رغيف وأكله شخصان انعقد بينهما محبة لا انصرام لها بحيث لا يصبر أحدهما عن الآخر لحظة واحدة. مرارته يسعط بها صاحب اللقوة ثلاثة أيام في مكان مظلم ينفعه نفعاً مسرعاً.

جناحه الأيمن يجعل تحت رأس النائم، يثقل في نومه. ولو دخن بجناح هدهد في برج حمام هربت منه الحمام، ومن وضع على أذنه ريشة من الهدهد وخاصم أو حاكم كان هو الغالب في خصومته وحكومته. لحمه يقدد ويسحق ويخلط في الدقيق ويتخذ منه خبيص ويطعمه لمن أراد، فإنه يحبه محبة عظيمة. عظمه يدخن به في البيت تموت من دخانه الهوام الأرضية والنمل والعقرب وأشباهها. أظافره تحرق وتدق وتسقى للمرأة التي لا تحمل فإنها تحمل إذا باشرها الرجل عقب الشرب.

خواص أجزاء العقعق: دماغه يخلط بالغالية ويسعط به صاحب اللقوة والفالج يذهب ما به. دمه يجفف ويخلط بماء الورد ويسقى للصبي الذي لا يتكلم ينطلق لسانه بالكلام. دمه طرياً: يطلى به الموضع الذي فيه نصل أو شوكة يخرجها بسهولة. مخه يطعم للصبي بالسكر يبقى فصحياً ذكياً فهيماً حافظاً. ريشه يحرق ويدق ويذر في عش النمل لا يبقى في الموضع شيء منه. مخ بيضها يكتحل به بعد الحمام مرتين أو ثلاثة فإنه يزيل ببياض العين بالكلية.


(1/363)


خواص أجزاء الخفاش: وهو المسمى بطير الليل. رأسه يترك في برج الحمام يألف الحمام ذلك البرج وينمو فيه، وإذا ترك تحت رأس انسان فإنه لا ينام. دماغه: قال ابن سينا: يكتحل به يزيل الماء من العين. قلبه يعلق على من هاجت به شهوة الجماع يسكنها. دمه يزيل الغشاء من العين اكتحالاً ويطلى به الإبط والعانة بعد النتف فإنه لا ينبت بعد ذلك بهما شعر. ذرقه يزيل الظفر من العين وكذلك البياض اكتحالاً. ويلقى في عش النمل فيهرب منه. ويطلى به العضو الذي ينبت عليه الشعر وهو لا يختار نباته بالزرنيخ والنورة مراراً فإنه لا ينبت على ذلك شعر وتعمى منابت الشعر.

خواص أجزاء البوم: مرارته يكتحل بها تنفع من ظلمة العين اكتحالاً. وزعموا أن إحدى عينيه تنام والأخرى تمنع النوم عن حاملها. والطريق إلى معرفة حاليهما أنك ترميهما في إناء فيه ماء، فالغائصة في الماء هي المنومة والطافية هي


(1/364)


المسهرة، وتخلط عيناه بالمسك وتحمل؛ فمن شم رائحة ذلك أحب الحامل محبة أكيدة وهيجت بالشم روحانية المحبة. قلبه يطعم لصاحب الفالج مشوياً ينفعه. مرارته تخلط برماد من خشب بلوط وتطعم لمن في مثانته حصى تفتته. وتخلط برماد خشب الطرفاء ويأكله من يبول في الفراش يزول عنه. كبده سم قاتل. لحمه يورث الغثيان والقيء. عظمه يبخر به بين ندمان الخمر يقع بينهم خصومات وفرقة وتشتيت في الحال.

خواص أجزاء الخطاف: ريش رأسه يجعل تحت رأس إنسان فإنه لا ينام. يجفف قلبه ويسحق ويسقى للإنسان فإنه يعين على الجماع بما لم يمكن وصفه.

وهذا آخر الكلام في الخواص.


(1/365)


فصل في خصائص البلدان

لم تذكر في ترجمة العنوان لأبي منصور الثعالبي رحمة الله تعالى عليه. فمنها: الشام جعلها الله دار الإسلام على التأبيد والدوام، ومن خصائصها أنها كانت مواطن الأنبياء عليهم السلام ومعدن الزهاد وعش العباد؛ ومن خصائصها التفاح الذي يضرب به المثل في الحسن والطيب والرائحة، ومنها الزجاج الذي يشبه به كل شيء رقيق في ألسنة الأنام: أرق من زجاج الشام، ومن خصائصها غوطة دمشق. وأطيب نزه الدنيا أربع: غوطة دمشق، ونهر الأُبلة، وشعب بوان، وصغد سمرقند.

مصر: خلد الله ملك سلطانها؛ ومن خصائصها كثرة الذهب والدنانير، وكان يقال في المثل السائر ما معناه: من دخل مصر ولم يستغن فلا أغناه الله، ومنها


(1/366)


الكتان الذي يبلغ قيمة الحمل منه ألف دينار، ويقال له دق مصر، وهو من الكتان المحض لا غير، ومثل هذا لا يوجد في الدنيا. وحمير مصر موصوفة بحسن المنظر وكرم المخبر حتى لا يخرج من بلد أمثالها ولا أفهم منها.

ومن خصائصها الهرمان ووصفهما يعجز عنه اللسان، ومنها ثعابين لا تكون إلا بمصر وهي عجيبة الشأن في إهلاك بني آدم والحيوان وليس لها عدو إلا النمس، وهي إحدى العجائب لأنها دوبية متحركة إذا رأت الثعبان دنت منه من غير خوف ولا جزع فينطوي الثعبان عليها ويريد أن يأكلها فيزفر النمس زفرة ويقد الثعبان قطعتين أو قطعاً، ولولا النمس لأكلت الثعابين سكان مصر. والنمس بمصر أنفع لأهلها من القنافذ لأهل سجستان.

ومن خصائصها النيل والمقياس. حكي أنه ليس في الدنيا أكبر من نيلها نهراً ولا أحكم من مقياسها أمراً. ومن عيوبها أن أهلها يكرهون المطر كراهية شديدة حتى يخرجون في ذكر كراهيته إلى ما لا فائدة في ذكره لأن المطر لا يوافقهم ويهلك زرعهم


(1/367)


وخصت بالتماسيح التي هي أخبث حيوان في الماء وليس فيها منفعة بوجه من الوجوه.

اليمن: من خصائصها السيوف والبرود والقرود، والزرافة التي فيها شبه من الناقة والثور والنمر، ومن خصائصها العقيق الذي ملأ الدنيا كثرة.

البصرة والكوفة: كان يقال: الدنيا بصرة ولا مثلك يا بغداد. وكان جعفر بن سليمان يقول: العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة وداري عين المربد وقال الحافظ في المد والجزر بالبصرة: ما قولكم وظنكم بقوم يأتيهم الماء صباحاً ومساء فإن شاؤوا أذنوا له وإن شاؤوا حجبوه.

ويحكى أن أمير المؤمنين هرون الرشيد قال لجعفر بن يحيى وزيره وهما بالكوفة في آخر الليل: قم بنا يا جعفر نتنسم هواء الكوفة قبل أن تكدره العامة بأنفاسها. ومن أصدق ما قيل: الكوفي لا يوفي.


(1/368)


بغداد: قال أحمد بن طاهر: هي جنة الأرض وواسطة الدنيا وقبة الإسلام ومدينة السلام وغرة البلاد ودار الخلفاء ومعدن الظرفاء واللطائف، وبها أرباب النهايات في العلوم والدرايات والحكم والصناعات هواؤها ألطف من كل هواء، وماؤها أعذب من كل ماء ونسيمها أرق من كل نسيم، لم تزل مواطن الكاسرة في سالف الزمان، الذين أظهروا المعدلة في الرعايا ووطنوا الأقاليم والبلدان ومنازل الخلفاء الأعلام في دولة الإسلام. ومن عجائبها أنها على كونها حظيرة الخلفاء ومقرها، لا يموت فيها خليفة. قال عمارة بن عقيل فيها:

قضى ربّها ان لا يموت خليفةٌ ... بها، وبما قد شاء في خلقة يقضي

الأهواز: من خصائصها أن بها ثلاثة بلاد، كل واحدة منها مخصوصة بشيء لا يوجد مثله في البلاد، منها عسكر مكرم الذي لا يكون أحد يقاومه؛ ومنها السكر الذي لا يعادله شيء في الدنيا طيباً وكثرة؛ ولا يكون إلا بها، ومنها تستر التي بها طراز الديباج الفاخر، وهو موصوف مع ديباج الروم. ومنها السوس التي بها طرز الخز النفيسة الملوكية، ومن عيوب الأهواز العقارب الجرارات القاتلة، ولا يوجد بها أحد محمر الوجه، لا رجل ولا أمرأة ولا صبي أصلاً.

فارس: من خصائصها ماء الورد الذي لا يوجد مثله في سائر الأرض طيباً. والجوري منه منسوب إلى إحدى بلادها، والموميات التي تمتحن بأن تكسر رجل ديك ثم يسقى منه وزن شعيرة فإن كان خالصاً انجبر الكسر حتى كأنه لم يكن.


(1/369)


أصفهان: هي موصوفة بصحة الهواء وجودة التربة وعذوبة الماء؛ وقلما تجتمع هذه الصفات في بلدة.


(1/370)


ويحكى أن الحجاج ولى بعض خواصه أصفهان؛ وقال له: وليتك بلدةً حجرها الكحل، وذبابها النحل، وحشيشتها الزعفران.

الري: من خصائصها الثياب المسيرة والمقاريض الوثيقة.

طبرستان: يقال إنها قد شانها مازان غيرها من كثرة الأشجار والخضرة والمياه. ومن خصائصها النارنج والأُترج.

جرجان: وهي جبلية سهلية برية بحرية، يعدون بها مائة نوع من أنواع الرياحين والبقول والحشائش الصفراوية والثمار والحبوب السهلية والجبلية التي هي مبذولة بها يتعيش منها الغرباء والفقراء باجتنائها وبيعها وجمعها. وفيها حب الرمان وبزر قطونا. والتين مباح لهم.


(1/371)


ومن خصائصها: العناب الذي لا يكون في سائر البلدان مثله. وتلقى حتى في الصيف والشتاء في أسواقها من الخيار والفجل والجزر والرياحين كالخزامى والخيري والبنفسج والنرجس والأترج والنارنج. وهي مجمع السمك وطير الماء والدراج والحجل، حتى يقال لها بغداد الصغيرة إلا أنها وبيئة مختلفة الهواء كثيرة الإيذاء، قتالة الغرباء، ويقال إن جرجان مقبرة لأهل خراسان. وكان أبو تراب النيسابوري يقول: لما قسمت البلاد بين الملائكة وقعت جرجان في قسم ملك الموت، أي لكثرة الموتى بها.

نيسابور: يقال إن كل بلدة موسومة بسابور فهي جليلة نفيسة، كسابور من فارس وجند سابور من الأهواز، وقرى سابور من الهند، ولا كنيسابور التي هي سرة خراسان وغرتها. ويقال إن كل بلد لها اسمهان فناهيك بها شرفاً وعظمة، كمكة يقال لها بكة، والمدينة يقال لها يثرب، ومصر يقال لها الفسطاط، وحلب يقال لها الشهباء، وبغداد يقال لها مدينة السلام، وبيت المقدس يقال لها إيلياء؛ ودمشق يقال لها الشام، والري يقال لها المحمدية؛ وأصفهان يقال لها حي، ويقال لها اليهودية أيضاً، وسجستان يقال لها زرنج، وخوارزم يقال لها كاث. ونيسابور يقال لها أبرشهر.


(1/372)


وكان المأمون يقول: عين الشام دمشق، وعين الروم قسطنطينية، وعين العراق بغداد، وعين خراسان نيسابور، وعين ما وراء النهر سمرقند. وكان ابن الليث صاحب نيسابور يقول: ألا أقاتل عن بلدة حشيشها البرساس، وحجرها الفيروزج، وترابها طين الأكل الذي لا يوجد مثله في الأرض، ويحمل من زورن نيسابور إلى أدنى الأرض وأقصاها ويتحف به الملوك والسادات.

أما الفيروزج: فلا يكون إلا بنيسابور، وربما بلغ فيمة الفص المثقال والمثقالين وفوق ذلك. وقد جمع الخضرة والنضارى والخاصية، وكونه لم يتغير بالماء الحار. وتبلغ القطعة المتميزة منه مائة دينار. ولما دخل إليها أحمد بن طاهر قال: يا لها من بلدة جليلة، لو لم يكن لها عينان، وكان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطن الأرض على ظاهرها، وأن تكون مسالخها التي على ظاهرها في باطنها. وأنشد:

ليس في الأرض مثل نيسابور ... بلد طيب ورب غفور

طوس: من خصائصها الشيح الذي لا يكون إلا بها، والحجر الأبيض الذي يتخذ منه القدور والمقالي والمجامر، وقد يتخذ منه كل ما يتخذ من الزجاج: كالأقداح والكيزان وغيرها. وقيل: قد ألان الله لأهل طوس الحجر كما ألان لداود عليه السلام الحديد.

هراة: مدينة عظيمة ينشد فيها:


(1/373)


هراة أرضٌ خصبها واسع ... ونبتها التفّاح والنرجس

ما أحدٌ منها إلى غيرها ... يخرج إلا بعد ما يفلس

ومن خصائصها: الكشمش وهو نوع من الزبيب الذي لا يوجد ببلد غيرها مثله، والطائفي أيضاً وهو نوع فاخر من الزبيب، وهو الذي يقال فيه:

وطائفيّ من الزبيب به ... تنقّل الشّرب حين تنتقل

كأنه في الإناء أوعيةٌ ... من السحاريّ ماؤها عسل

مرو: وهي مدينة جليلة بناها ذو القرنين؛ ويقال لها أم خراسان: وينشد فيها:

بلد طيب وماءٌ معين ... وثرى طيبه يفوح عبيرا

وإذا المرء قدّر السير منه ... فهو ينهاه باسمه أن يسيرا

بلخ: وإليها ينسب جيحون، ويقال له نهر بلخ، ويقال: العيش في الصيف ببلخ كتصحيفه. ومن خصائصها النيلوفر والبنفسج والبجاد.


(1/374)


سجستان: يقال ماؤها وشل ولصها بطل. ويروى في أفاعيها عن شبيب بن شبة أنه قال: صغار أفاعيها سيوف وكبارها حتوف. ومن شروط أهلها أن لا يصيدوا شيئاً من قنافذها أصلاً لأنها تأكل أفاعيها وحياتها. وقد ذكرنا أفاعي سجستان مع ثعابين مصر آنفاً، وجرارات الأهواز، وعقارب شهر زور، كما يذكر حكماء اليونان، وصاغة حران، وحاكة اليمن، وأطباء جند نيسابور، ولصوص طوس، ورماة الترك، وسحرة الهند.

بست: يقال إن هواءها كهواء العراق وماءها كماء الفرات. وسئل بعض الفضلاء عنها فقال: صفتها تثنيتها يعني أنها بستان.

غزنة: هي مخصوصة بصحة الهواء وعذوبة الماء، فالأعمار بها طويلة والأمراض بها قليلة. وما ظنك بأرض تنبت الذهب ولا تلد الحيات ولا الحشرات المؤذية؟ فهي أذكى أرض وأطيبها وأنظفها.

ومن خصائصها أن يخرج منها الرجال الأنجاد الأجلاد. وكان أبو مسلم يكتب إلى داود صاحب غزنة أن أنفذ إلي الرجال من يزوالستان، والخيل من تخارستان، ومن مناقبها أنها قليلة الثمار لأن كثرة الثمار تقترن بكثرة الأمراض، وكلما كانت الثمار أقل ببلدة كانت الأمراض بها أقل، والهواء بها أصح والتربة أخف والماء أهنأ وأمرأ.


(1/375)


بلاد الهند: ناهيك بها دياراً يأتي من بحرها الدر، ومن جبلها الياقوت، ومن شجرها العود، ومن ورقها العطر والكافور؛ وأنشد الثعالبي في غلام هندي:

هذا غزال الهند في الغزلان ... كمثل عود الهند في العيدان

وجه بديع الحسن في الغلمان ... مصوّر من حدق الحسان

كأنه في ناظر الإنسان ... إنسان عين الحسن في الزمان

ومن خصائصها الفيل والكركند والببر والببغاء والطاووس والعاج والساج والتوتيا، والقرنفل والسنبل والتنبل والنارجيل، وجوز الطيب والسيوف والحراب والذهب والعطر، وهي أكثر خصائص من كل البلدان على الإطلاق.

سمرقند: لما أشرف عليها قتيبة بن مسلم قال: كأنها السماء في الخضرة، وكأن قصورها النجوم اللامعة، وكأن أنهارها مجرة. وكان يقول: سمرقند جنة في الأرض ترعاها الخنازير. ومن خصائصها الكواغد التي أزرت بكواغد الأرض في الطول والعرض، والجلود الرقاق التي لا توجد في الدنيا، وكان الأوائل يكتبون كتب العلوم والحكمة والتواريخ فيها لحسنها ولينها وقامتها، وقال الشاعر:

للناس في أُخراهم جّنة ... وجنة الدنيا سمرقند

يا من يساوي أرض بلخٍ بها ... هل يستوي الحنظل والقند

الصين: ومن خصائصها الظروف الصينية، ولهم الفخار الفاخر الذي لا يوجد في غيرها. ولهم الإبداع في خرط التماثيل وإتقانها، وعمل التصاوير والنقوش


(1/376)


المدهشة كالأشجار والوحوش والطيور والأزهار والثمار وصور الإنسان على اختلاف الحالات والأشكال والهيئات، حتى لا يعجزهم شيء إلا الروح والنطق، ثم لا يرضون بذلك حتى إن مصورهم يفصل بين الشخص الضاحك من الغضب والضاحك من العجب والضاحك من سرور والضاحك من الخجل، ولهم الحرير المثمر، وبها المماطر التي لا تبل بالمطر، ولهم الستائر التي يستتر بها الفارس والفرس في الحرب ولا تؤثر السهام فيها ولا الجروح، ويكون زنة كل واحدة منها دون الرطل الشامي، ولهم مناديل الغمر التي إذا اتسخت ألقيت في النار فتعود جديدة ولم تحترق.

بلاد الترك: هي بلاد توازي بلاد الهند في كثر خصائصها كالمسك والسمور والسنجاب والقماقم والفنك، والثعالب السود والحذنك واليشم، والحزحار الذي يتخذ من ذنبه وعرفه المطارد.

فأما تبت فهي أيضاً من بلاد الترك، وقد خصت بجوهر شريف وعرض لطيف. فأما الجواهر فالذهب الذي ينبت فيها. وأما العرض فمن أقام بها اعتراه الفرح والسرور، ولو مات له عشرة من الأولاد لا يعتريه حزن ولا هم ولا يدري ما سبب ذلك، وإن الغريب الذي يدخلها لا يزال مسروراً منبسطاً حتى يخرج منها. وهذه خصوصية عظيمة.

خوارزم: تناسب بلاد الترك أيضاً في الخصائص، ويجلب منها السمور والوبر الفاخر والسموك المملحة والبطيخ الغريب النوع والطعم والحلاوة، وهي أشد بلاد الله برداً وشتاء، حتى إن جيون يجمد مع عمقه وعظمته فتمشي على متنه الجامد


(1/377)


القوافل والعجل والفيول، وربما بقي جامداً مدة تزيد على الشهرين لكنها تصير كالأرض اليابسة الجلدة.

انتهت خواص البلدان.


(1/378)


وهنا نبذة تناسب هذا المكان

حكي أن أبا علي الهاشمي وأبا دلف الخزرجي كانا يوماً في مجلس أنس عند عضد الدولة بن بويه، وكانا شاعرين بليغين، فقال أبو علي لأبي دلف: صب الله عليك الحمى الخيبرية والدمامل الجزرية والقروح البلخية. فقال له أبو دلف من غير ترو: يا مسكين قد بلغ عظمك السكين أتنقل التمر إلى البصرة والعطر إلى اليمن؟ لا بل صب الله عليك ثعابين مصر وأفاعي سجستان، وعقارب شهرزور، وجرارات الأهواز، ووباء جرجان، وصب علي برود اليمن ومقصب مصر، وتفاصيل إسكندرية وحلل الصين، وخزوز الكوفة، وأكسية فارس، وشربناف أصفهان، وصقلاطون الروم وتصافي بغداد، ومنير الري وطوز نيسابور، وملح مرو، وسنجاب خزخيز، وسمور بلغار وثعالب الخزر، وفنك كاشغر، وحواصل هراة وقندس التغزغز وتكك أرمينية، وجوارب قزوين، وأفرشني بسط شيراز، وأخذ مني خصيان الخطا وغلمان الترك وسراري بخارى ووصائف سمرقند، وحملني على نجائب نجد وعتاق البادية وحمير مصر وبغال برذعة، ورزقني تفاح


(1/379)


الشام وموز اليمن، ودبس أرجان وتين حلوان وعناب طبرستان، وإجاص بست ورمان الري وكمثرى نهاوند ومشمش طوس، وسفرجل خلاط وبطيخ خوارزم، وأشمني مسك تبت وعود الهند وكافور قنصور وأترج المربد ونارنج البصرة ومنثور الصغد ونوفر السودان، وورد جور، ونرجس الدست، وشاهسفرم ترمذ.

فلما سمع عضد الدولة ذلك ضحك وتعجب من استحضاره خواص البلدان في الحال، وأمر له بخلعة سنية ومال. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

يتلوه نبذة من أخبار ملوك الزمان السالفة منقول من كتاب الذهب المسبوك في سير الملوك للإمام الحافظ العلامة أبي الفرج بن الجوزي، تغمده الله برحمته.

قال: حكى بعض علماء التاريخ أن قيصر ملك الشام والروم أرسل رسولاً إلى ملك فارس أنوشروان صاحب الإيوان. فلما وصل ورأى عظمة الإيوان وعظمة مجلس كسرى على كرسيه والملوك في خدمته، ميز الإيوان فرأى فيه اعوجاجاً في بعض جوانبه، فسأل الترجمان عن ذلك فقيل: ذلك بيت لامرأة عجوز كرهت بيعه عند عمارة الإيوان، فلم ير ملك الزمان إكراهها على البيع فأبقى بيتها في جانب الإيوان، فذلك ما رأيت وسألت.

فقال الرومي: وحق دينه إن هذا الاعوجاج أحسن من الاستقامة، وحق دينه إن هذا الذي فعله ملك الزمان لم يؤرخ فيما مضى لملك ولا يؤرخ فيما بقي لملك. فأعجب كسرى كلامه وأنعم عليه ورده مسروراً محبوراً.


(1/380)


ولما فتح كسرى بلاد العجم وأحكم البنيان وشيد الحصون ومهد البلاد ونشر العدل والإنصاف في الحاضر والباد، وجند الجنود وحشد الحشود، سار إلى نحو الجزيرة وآمد، وفتح ما هناك من البلاد إلا آمد فإنه عجز عنها لتشييد بنائها وتمكين سورها، فرحل إلى الفرات وافتتح حلب وأعمالها وكثيراً من الشام، وغدر بقيصر ملك الشام والروم؛ وقتل ابن أخته بحمص ثم سار إلى أنطاكية وقتل صاحبها وافتتحها. فخاف قيصر وهادنه وحمل إليه الجزية. وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك نزل قوله تعالى: " ألم غُلِبَتِ الرومُ في أدنى الأرض وهمُ من بَعدِ غلَبهم سَيغلِبون ". والقضية قصة مشهورة ليس هذا موضع ذكرها.

قال: وحمل كسرى من الشام من أعاجيب الرخام وبدائع المرمر وأنواع البلاط المجزع والأحجار البهجة؛ فبنى بالعراق مدينة تسمى برومية وزخرفها بأبهى ما قدر عليه، وكان أراد أن يصنع ذلك بآمد فلم يقدر على أخذها وفتحها؛ فجعل رومية على هيئتها وشكلها. واشتد سلطان كسرى وعظم ملكه حتى هابته ملوك الأرض وهادنته وحملت إليه الجزية، وتزوج بشاه روزا ابنة خاقان ملك الترك ولم يكن في زمانها أكمل منها محاسن، ولا أبدع صورةً وشكلاً.

وكتب إليه ملك الصين: من نقفور ملك الصين صاحب قصر الدر والجواهر، الذي يجري في ساحة


(1/381)


قصره ***** يسقيان العود والكافور، الذي يوجد ريح قصره في فرسخين، وتخدمه بنات ألف ملك؛ والذي في مربطه ألف فيل أبيض، إلى أخيه كسرى أنوشروان.

وأهدى إليه فارساً هو وفرسه من الدر المنضود، وعينا فرسه من الياقوت الأحمر؛ وأهدى إليه ثوباً من الحرير الصيني، فيه صورة الملك كسرى وهو جالس على كرسيه في إيوانه، والتاج على رأسه والملوك في خدمته، والخدم بأيديهم المذاب المصورة المنسوجة بالذهب في أرض لازوردية، في صندوق مرصع بأنواع اليواقيت الفاخرة التي لا قيمة لها؛ وأهدى إليه جارية خطائية تغيب في شعرها الحالك إذا أسبلته، يتلألأ جمالاً وبهاءً، وغير ذلك من طرف الصين وأعاجيبه.

وكتب إليه ملك الهند: من ملك الهند وعظيم أراكنة الشرف، صاحب قصر الذهب والزمرد والياقوت والزبرجد، الذي أبواب قصره من الزمرد الزباني. إلى أخيه كسرى أنوشروان ملك فارس. وأهدى إليه ألفاً من العود الهندي الذي يذوب على النار كالشمع ويختم عليه كما يختم على الشمع فتبين فيه الكتابة. وأهدى إليه جاماً من الياقوت البهماني، يفتح شبراً في شبر، سمكه عرض أصبعين. وأهدى إليه أربعين درة يتيمة، كل واحدة تزيد على ثلاثة مثاقيل، وأهدى إليه عشرة أمنان كافور كالفستق، وأكبر جارية طولها عشرة أشبار إلى صدرها، وخمسة أشبار إلى فرقها، تضرب أهداب عينيها على خديها فكأن بين أجفانها لمعاناً كلمعان البرق من بياض مقلتيها وسواد سوادهما مع صفاء لونها ودقة تخاطيطها وإتقان شكلها مقرونة الحاجبين. وكان كتابه في لحاء شجر الكادي والكتابة بالذهب. وهذا شجر يكون بأرض الصين والهند، وهو نوع من نبات الطيب عجيب ذو لون أبيض كالفة مصقول بالمرآة، ينطوي كالورق ولا يتكسر، وريحه أعطر شيء من الطيب.


(1/382)


وأهدى إليه ملك تبت من عجائب بلاده مائة جوشن تبتية ومائة قطعة تخافيف كالبرانس كل واحدة منها تستر الفارس وفرسه ومائة ترس تبتية، لا تعمل في هذه الأتراس والجواشن والتخافيف عوامل الرماح ولا بواتر الصفاح ولا شدائد نصول الجراح، وزنة كل قطعة من المذكورات ما بين أربعين إلى ستين درهماً. وأهدى إليه أربعة آلاف من من المسك التبتي، وتسعين غزالاً من غزلان المسك في الحياة ومائدة عظيمة من الذهب الأحمر مرصعة بأنواع الدر والجواهر يدور حولها نحو ثلاثين رجلاً، قد كتب على حافتها: أشهى الطعام ما أكله الآكل من حله وجاد على ذي الفاقة من فضله. ما أكلته وأنت تشتهيه فقد أكلته، وما أكلته وأنت لا تشتهيه فقد أكلك.

وكان لكسرى خواتيم أربعة: خاتم للخراج، فصه ياقوت أحمر يتقد كالنار، نقشه: العدل للعدل. وخاتم للضياع، فصه فيزوزج نقشه: العمارة العمارة. وخاتم للضرب والعقوبة، فصه من زمرد، نقشه: التأني التأني. وخاتم للبرد والرسل فصه درة بيضاء، نقشه: العجل العجل. وكان له مائدة أهداها إليه قيصر ملك الروم من العنبر، فتحها ثلاثة أذرع، على ثلاث قوائم من الذهب مفصصة بأنواع الجواهر، أحد الأرجل الثلاثة ساعد أسد وكفه، والآخر ساق وعل، والثالث كف عقاب ومخلبه وثلاثون جاماً من الجزع اليماني، فتح كل منها شبر في شبر. وكان عنده خمسة آلاف درة، زنة كل واحدة منها ثلاثة مثاقيل. وكان يقول خير الكنوز معروف أودعته الأحرار، وعلم توارثته الأعقاب، وأطول الناس عمراً من كثر علمه فانتفع به من بعده. وكان لكسرى عشرة آلاف غلام من الترك والخطا وهم في غاية الحسن والجمال واستقامة الصور والتخطيط، في آذانهم قروط الذهب الأحمر فيها الدر


(1/383)


والياقوت معلقاً، ولباسهم أقبية الديباج المدثر عشرة صنوف، كل صنف منها على قد واحد وزي واحد ولون واحد من ملابس الديباج، ولا يزالون كذلك وكلما التحى واحد منهم أو مات أتي بغيره مكانه في الوقت والحال. وكان على مربطه تسعة آلاف فيل، منها ألفان وسبعمائة فيل أشد بياضاً من الثلج، ومنها ما ارتفاعه أربعون شبراً، مات منها فيل فوزن أحد نابيه فوجد مائتين وأربعين مناً بالبغدادي.

ولما ملك الاسكندر فارس والمغرب والشام وبنى الاسكندرية ودمشق وغيرهما وأحاديثه طويلة ارتحل نحو الهند والسند والصين فوطئ أرضها وأذل ملوكها، وأهديت إليه الهدايا من الترك والتبت وغيرهم إلى أن أنهى مطلع الشمس من العمران، وكان معلمه أرسطاطاليس، فبلغه أن بأقصى الهند ملكاً عادلاً من ملوكهم وهو ذو حكمة وديانة وسياسة وقد أتى عليه مئات من السنين وهو قاهر لطبيعته مميت لشهوات نفسه، يتجمل بكل خلق كريم ويظهر بكل فعل جميل. فكتب إليه الإسكندر يقول: إذا أتاك كتابي هذا فلا تقعد ولو كنت ماشياً، حتى تأتيني وإلا مزقت ملكك وألحقتك بمن مضى.

فلما ورد الكتاب على ملك الهند كتب جواباً للإسكندر بأحسن خطاب وألطف جواب، ولقبه بملك الملوك العادلة وأعلم الإسكندر في جوابه أنه قد اجتمع عنده أشياء لم تجتمع عند ملك من ملوك الدنيا، من ذلك ابنة لم تطلع الشمس على أحسن صورةً وهيئة منها، ومنها فيلسوف يخبرك عن مرادك من قبل أن تسأله؛ ومنها طبيب لا تخشى معه من الأدواء والأمراض والعوارض إلا ما جاء من قبل الموت، ومنها قدح إذا ملأته شرب منه عسكرك بجمعه ولا ينقص من القدح شيء، وإني مهد جميع ذلك إلى ملك الملوك وسائر إليه.


(1/384)


قال: فلما قرأ الإسكندر جوابه وسمع بذكر هذه الأشياء قلق إليها قلقاً عظيماً، فأرسل إليه جماعة من الحكماء أن يشخصوه إليه إن كان كاذباً وأن يخيروه في المقام إن كان صادقاً ويأتوه بهذه الأربع. فمضى القوم إلى ملك الهند فتلقاهم أحسن لقاء وأنزلهم أرحب منزل وأكرمهم أعظم إكرام مدة ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الرابع جلس لهم مجلساً خاصاً وأقبل على الحكماء وباحثهم في أصول الحكمة والفلسفة والعلم الإلهي والمبادئ الأول والهيئة والأرض ومساحتها والبحار وغيرها، حتى ملأ صدورهم من العلم والحكمة. ثم أخرج ابنته إليهم وأبرزها عليهم فلم يقع أحدهم على عضو من أعضائها فأمكنه أن يتعدى ببصره عن ذلك العضو إلى غيره، وشغله تأمل ذلك العضو وحسن تخطيطه واتقان صنعه. فخافوا على عقولهم من الزوال، ثم رجعوا إلى نفوسهم عند سترها وقد اندهشوا، وسير صحبتهم القدح والطبيب والفيلسوف، وودعهم مسافة من الأرض بعد أن خيروه في المقام.

فلما ورد ذلك على الإسكندر أمر بإنزال الطبيب والفيلسوف في دار الضيافة والإكرام، ونظر إلى الجارية فطاش عقله عند مشاهدتها وشغف بها، وكان الإسكندر إذ ذاك ابن خمس وعشرين سنة، وكان من أحسن الناس خلقاً وخلقاً، وأكثر الملوك إنصافاً وعدلاً، وأغزر الخلق معرفة وحكمة، وأعظم الملوك هيبة وصيتاً، فأمر القيمة بإكرامها واحترامها وتعظيمها وتقديمها على سائر حرمه وأهله.

ثم قصت الحكماء ما جرى بينهم وبين ملك الهند من المباحث، فأعجب الإسكندر وامتحن القدح بأن ملأه ماء فشرب منه جميع عسكره ولم ينقص منه شيء. وسار في الحال إلى الفيلسوف يمتحنه فيما قيل عنه بإناء مملوء من السمن يحيث لا يمكن أن يزاد فيه شيء، وقال للرسول: سر به إلى الفيلسوف وضعه بين يديه ولا تخبره بشيء أصلاً. فلما وصل به وضعه بين يديه ووقف ولم يكلمه فأخذه الفيلسوف


(1/385)


بيديه ونظره وتأمله بانفاذ بصيرته فأخذ إبراً صغاراً كثيرة وغرزها في السمن حتى بقي وجه السمن كالقنفذ، وسيرها إلى الاسكندر، فلما رآها الإسكندر ووقف عليها حرك رأسه ثم أمر فجعل من الإبر كرة حديد وسيرها إلى الفيلسوف.

فلما وقف الفيلسوف عليها ضرب منها مرآة مصقولة ترد صورة من تأملها من الأشخاص لشدة تلألئها وصفائها وزوال درنها، وأمر بردها إلى الإسكندر. فجعلها الإسكندر في طست فيه ماء وسيرها إلى الفيلسوف. فلما نظرها الفليسوف جعلها كرة مقعرة حتى طفت على وجه الماء وسيرها إلى الإسكندر. فلما رآها الإسكندر ثقبها وملأها تراباً وردها إلى الفيلسوف. فلما رآها الفيلسوف تغير لونه ودمعت عينه وسيرها إلى الإسكندر على حالها من غير أن يحدث في التراب حادثة.

قال: فلما كان من الغد جلس الإسكندر جلوساً خاصاً وأمر بإحضار الفيلسوف فلما أقبل نحو الإسكندر، رآه الإسكندر شاباً حسناً كأحسن الناس، فتعجب من حسنه وهيئته، فحط الفيلسوف يده على أنفه ثم أتى بتحية الملوك. فأشار الإسكندر إليه بالجلوس على كرسي وضعه له بين يديه فجلس حيث أمره، ثم قال له الإسكندر: ما بالك لما نظرت إليك وضعت أصبعك على أنفك؟ فقال أيها الملك المعظم دام لك الملك والنعم، لما نظرت إلي استحسنت صورتي وخطر بخاطرك هل حكمة هذا الشاب على قدر صورته، فوضعت اصبعي على أنفي أُخبر الملك أنه ليس في الهند مثلي. فقال: صدقت قد خطر ذلك بخاطري.


(1/386)


ثم قال له الاسكندر: يا رئيس حدثني بما كان بيني وبينك من الرسائل، فقال: أيها الملك أرسلت إلي بإناء مملوء من سمن لا يمكن أن يزاد فيه، تخبرني أنك قد امتلأت من الحكم فلا يمكن أن يزاد على حكمتك شيء، فأخبرتك أن عندي من دقائق الحكم ولطائفها ما ينفذ في حكمتك كما نفذت الإبر في السمن. ثم أرسلت إلي بالإبر كرة، فأخبرتني أن نفسك قد علاها من وسخ الصدأ بقتل الأعداء وسفك الدماء ما قد علا هذه الكرة، فأخبرتك أن عندي من الحيلة والملاطفة ما يجعل نفسك مثل صفاء هذه المرآة حتى تشرق على الموجودات، ثم أعلمتني بالطست والماء أن الأيام والليالي قد قصرت عن ذلك فأخبرتك أني سأعمل في الحيلة على إيصالك إلى العلم الكثير في العمر القصير، كما شرفت الحديد الذي من طبعه الرسوب في الماء على وجه الماء فثقبت المقعر وملأته تراباً، تخبرني بالموت والقبر، فلم أغيره مخبراً للملك أن لا حيلة في الموت.

فتعجب الاسكندر وقال: والله ما غادر ما خطر بخاطري. ثم أمر له بخلع وأموال كثيرة فأبى وقال: أنا راغب فيما يزيد في عقلي، فكيف أُدخل على عقلي ما ينقصه؟ أيها الملك أحسن إلى أهل الهند وكف عن معارضتهم.

وقيل: إن القدح الذي شرب منه عسكر الاسكندر وما نقص منه شيء هو قدح آدم أبي البشر عليه السلام، معمول من ضروب الخواص والروحانية؛ وشاهد من الطبيب من لطائف صنائعه ما بهر عقله، ومن عجائب علاجه وتلطفه في إزالة الآفات والأدواء.

وقيل: مر ببابل فأُخبر عن غار هناك وبه آثار عظيمة، فأتاه ووقف على بابه فإذا عليه مكتوب بالسرياني: يا من نال المنى وأمن الفنا وقد وصل إلى هنا، اقرأ وافتكر


(1/387)


وادخل إلى الغار واعتبر، واعلم أني قد ملكت البلاد وحكمت على العباد وما نلت من الدنيا المراد، قال: فدخل الإسكندر الغار وقد أسبل الدموع الغزار، فوجد شيخاً عظيم الهامة طويل القامة على سرير من الذهب ملقى، وقد ترك جميع ما ملك، وألقى يده اليمنى مقبوضة والأخرى مفتوحة، ومفاتيح خزانته عند رأسه مطروحة، وعلى يمينه لوح مكتوب فيه: جمعنا الماء وأمسكناه، وعلى شماله لوح مكتوب فيه: ثم رحنا وتركناه؛ وعند رأسه لوح مكتوب فيه:

لقد عمّرت في زمن سعيد ... وكنت من الحوادث في أمان

وقاربت الثريّا في علوٍّ ... فصرت على السرير كما تراني

فقال الإسكندر: سبحان الملك الذي لا عز إلا عزه. ووقع في قلبه الوجل والوله، فترك كل ما كان له وتخلى للعبادة وأصلح عمله وفرق الذخائر والخزائن، وتصدق بماله في الحصون والمدائن، وأعتق العبيد والخدم، وانتصب لعبادة الله على أحسن قدم وقال: أعزل نفسي قبل العزل، وأحاسبها قبل حساب يوم الفصل، ولبس الخشن والمسوح رغبة في ملك الأبد والثواب الممنوح، وجرح نفسه بسكين الجوى، حتى أعرضت عن مهاوي الهوى، لما وجد في الغار الدوا، وترك ما حاز واحتوى؛ واعتزل اللهو وانزوى، ولبساط الرغبة طوى؛ ولسان حاله ينشد لما تم له واستوى:

دع الهوى، فآفة العقل الهوى ... ومنتهى الوصل صدودٌ ونوى

وراقب الله، فأنت راحل ... إلى الثرى، ومعظم العمر انطوى

ما ينفع الإنسان يوم موته ... ما حاز من أمواله وما احتوى

يقسمها وارثه برغمه ... وهو بنار إثمها قد اكتوى

تب قبل شيب الراس، فالتائب لا ... يتبع شيب رأسه إلا التوى


(1/388)


ما دام في العمر اخضرارٌ عوده ... سهل، وصعبٌ عوده إذا ذوى

إذا أُضيع أوّل العمر أبت ... أعجازه إلا اعوجاجاً والتوا

قيل: ورجع الإسكندر من بابل وقد أحاطت به البلابل وظهرت به آثار السقام، حتى ثقل لسانه بالكلام وكان قد رأى في منامه وطيب لذيذ أحلامه أنه سيموت فوق أرض من حديد وتحت سماء من حديد، ثم أخذه العطش والحمى والتلهب والظمأ ففرشوا تحته دروع الحديد وظللوا فوقه بالجحف الفولاذ استجلاباً للتبريد، فأفاق بعد زمان من الغشوة واللهف، فرأى دروع الحديد تحته وفوقه الجحف، فأيقن بارتحاله، فكتب كتاباً إلى أمه بصورة حاله وأوصاها بأن تعمل له وليمة عجيبة الأسلوب، وأن لا يحضرها إلا من لا أصيب بخليل ولا محبوب.

فلما مات رحمه الله وضع في تابوت من ذهب ليحمل إلى أمه بالإسكندرية، واجتمعت له هذه النعم وعمره ست وثلاثون سنة. وكان مدة ملكه تسع سنين. فقال حكيم الحكماء: ليتكلم كل منكم بكلام ليكون للخاصة معزياً وللعامة واعظاً. فقام أحدهم وقال: لقد أصبح مستأسر الملوك أسيراً. وقال آخر: هذا الإسكندر كان يخبأ الذهب فصار الذهب يخبؤه. وقال آخر: العجب كل العجب أن القوي قد غلب والضعفاء مغترون. وقال آخر: قد كنت لنا واعظاً ولا واعظ أبلغ من وفاتك. وقال آخر: رب هائب لك لا يقدر أن يذكرك سراً وهو الآن لا يخافك جهراً. وقال آخر: يا من ضاقت عليه الأرض في طولها والعرض، ليت شعري كيف حالك في قدر طولك؟. وقال آخر: يا من كان غضبه الموت هلا غضبت على الموت؟ وقال آخر: سيلحق بك من سره موتك. وقال آخر: مالك لا تحرك عضواً من أعضائك وقد كنت تزلزل الأرض؟


(1/389)


فلما ورد على أمه في التابوت شرعت في عمل الوليمة، وهيأت المآكل والمطاعم ونادت: لا يحضر الوليمة إلا من لا فجع في الدنيا بمحبوب ولا خليل؛ فلم يحضر الوليمة أحد. فقالت: ما بال الناس لا يحضرون الوليمة؟ قالوا: أنت منعتهم من الحضور. قالت: كيف ذلك؟ قيل لها: قد أمرت أن لا يحضرها من فقد محبوباً ولا من فجع بخليل، وليس في الناس أحد إلا وقد أصيب بذلك مراراً. فلما سمعت بذلك خف ما بها من الحزن وتسلت بعض تسلية وقالت: رحم الله ولدي لقد عزاني بأحسن تعزية، وسلاني بألطف تسلية.

يا هذا أين القرون الأُول والأُخر؟ أين من ملك وقهر؟ أين من حشد وحشر؟ أين من أمر وزجر وخرب آخرته، ودنياه عمر، وأمن الموت المنتظر، هل كان له من الموت مفر؟ فلما جاءه المنون بالأمر الأمر حطه من القصور إلى الحفر، وعوضه عن الحرير بالمدر، وسلط عليه الدود إلى أن اضمحل واندثر، ولم يبق منه عين ولا أثر إلا ذل وفتر، ووهن وخور، وعنف على ذنبه المحتقر، ونبئ بما قدم وأخر من العجر والبجر.

تبني وتجمع والآثار تندرس ... وتأمل اللّبث والأرواح تختلس

ذا اللب فكّر فما في الخلد من طمع ... لا بد أن ينتهي أمر وينعكس

أين الملوك وملاّك الملوك، ومن ... كانوا إذا الناس قاموا هيبةً جلسوا

ومن سيوفهم في كل معركة ... تخشى، ودونهم الحجّاب والحرس

أصمّهم حدثٌ وضمّهم جدثٌ ... باتوا وهم جثث في الرمس قد حبسوا

أضحوا بمهلكة في وسط معركة ... صرعى، وماشي الورى من فوقهم نطس

كأنهم قطّ ما كانوا وما خلقوا ... ومات ذكرهم بين الورى ونسوا

والله لو شاهدت عيناك ما صنعت ... يد البلاء بهم والدود تفترس


(1/390)


لعاينت منظراً تشجى القلوب به ... وعاينت منكراً من دونه البلس

من أوجهٍ ناظرات حاز ناظرها ... ورونق الحسن منها كيف ينطمس

وأعظمٍ باليات ما بها رمقٌ ... وليس تبقى بهذا وهي تنتهس

وألسنٍ ناطقات زانها أدب ... ما شأنها؟ شانها بالآفة الخرس

تبسّهم ألسنٌ للدهر فاغرةٌ ... فاها، فآها لهم إذ بالردى وكسوا

عروا من الوشى لما أُلبسوا حللاً ... من التراب على أجسامهم وكسوا

وعاد ترب المنايا من ملابسهم ... جون الثياب، وقدماً زانها الورس

إلام يا ذا النّهى لا ترعوي أبداً ... ودمع عينك لا يهمي وينبجس

هذا آخر الكلام عن أخبار الملوك الماضية. والله سبحانه وتعالى أعلم.


(1/391)


يتبع


الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
مسائل عبد الله بن سلام للنبي
فصل في ذكر الكلام في مسائل عبد الله بن سلام لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام

وفيها فوائد كثيرة وعلوم غزيرة تزيد هذا الكتاب رونقاً وبهجة وتفيد الناظر فيه استدلالاً وحجة روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأُمر أن يكاتب ملوك الكفار وأن يدعوهم إلى عبادة الملك الجبار، كتب كتاباً إلى يهود خيبر، حيث كانوا أقرب الكفار إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما الذي أكتبه إليهم؟ فأملاه جبريل فقال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى يهود خيبر، أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والدين الخالص لله والعاقبة للتقوى، والسلام على من اتبع الهدى وأطاع الملك الأعلى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فكتب ثم ختمه وأرسل به إلى يهود خيبر. فلما وصل إليهم أتوا به شيخهم وكبيرهم وحبرهم وعالمهم عبد الله بن سلام وكان اسمه قبل اسلامه أشماويل، فقالوا: يا ابن سلام هذا كتاب محمد قد أتانا فاقرأه علينا. فقرأه عليهم، ثم قال لهم: ما ترون؟ وقد علمتم أن في التوراة علامات تعرفونها وآيات لا تنكرونها، تظهر على يد محمد الذي بشر به موسى بن عمران؛ فإن


(1/392)


يك هذا أطعناه: فقالوا: إذاً ينسخ كتابنا ويحرم ما هو محلل لنا. فقال ابن سلام: يا قوم لقد آثرتم الدنيا على الآخرة والعذاب على الرحمة. ثم قال لهم إن محمداً رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب وأنتم بين أظهركم التوراة وتكتبون وتقرؤون، فأنا أستخرج من التوراة ألفاً وأربعمائة مسألة وأربع مسائل من غوامضها، وأتوجه بها إليه فإن عرفها وأجاب عنها وكشف الالتباس فهو الذي بشر به موسى بن عمران فنؤمن به حقيقة الايمان، وإن تلكأ وعجز عن حلها فلا نرجع عن ديننا ولا نتبعه لحظة من زمان. فأجابه اليهود إلى ما قاله واستخرجوا من التوراة ما قدروا عليه من غوامض لا تصل إليها أفهامهم، وجهزوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: فلما وصل إلى المدينة ودخل من باب المسجد ورأى أنوار النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من حوله حن قلبه إلى الإسلام فقال: السلام عليك يا محمد، أنا أشماويل بن سلام، والسلام على أصحابك الأعلام. فقالوا: وعلى من اتبع الهدى السلام ورحمة الله وبركاته على الدوام، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس فجلس، فقال له: ما تريد يا بن سلام؟ فقال يا محمد أنا من علماء بني إسرائيل وممن قرأ التوراة وفهمها وعلمها، وأنا رسول اليهود إليك، وقد أرسلوا معي رسائل لا نفهمها عن يقين، وقد سألوك أن تبينها لهم وأنت من المحسنين. فقال عليه الصلاة والسلام: قل ما بدا لك من المسائل يا بن سلام فقد أخبرني بها جبريل عن الملك العلام، وإن شئت أخبرتك بها قبل أن تفوه بالكلام.

فقال: يا محمد أعلمني بها لكي أزداد يقيناً. فقال: يا بن سلام لقد جئتني بألف مسألة وأربعمائة مسألة وأربع مسائل، استخرجتموها من التوراة ونسختها بخطك.

قال: فنكس عبد الله بن سلام رأسه وبكى وقال: صدقت يا محمد، وأنت الصادق الأمين، يا محمد أنت نبي أم رسول الله؟ فقال: إن الله جل وعلا بعثني نبياً ورسولاً وخاتم النبيين، أما قرأت في التوراة: محمد رسول الله والذين معه أشداء على


(1/393)


الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً قال: صدقت يا محمد أمكلم أم موحى إليك؟ قال: يا بن سلام إن هو إلا وحي يوحى، ينزل به جبريل الأمين عن رب العالمين. قال: صدقت يا محمد، كم خلق الله من نبي؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، قال: صدقت يا محمد، فكم من مرسل فيهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر. قال: صدقت يا محمد، فمن كان أول الأنبياء؟ قال: آدم عليه السلام، قال: فمن كان أول المرسلين؟ قال: آدم أيضاً، كان نبياً مرسلاً.

قال: صدقت يا محمد. فأخبرني عن رسل العرب كم كانوا، قال: سبعة: إبراهيم، وإسماعيل، ولوط، وصالح، وشعيب، ومحمد. قال: صدقت يا محمد. فأخبرني كم كان بين موسى وعيسى من نبي؟ قال: ألف نبي. قال: صدقت يا محمد فعلى أي دين كانوا؟ فقال: على دين الله الخالص ودين ملائكته ودين الإسلام قال: صدقت يا محمد، ما الاسلام وما الإيمان؟ قال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان والحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً، والايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كم ديناً لله تعالى؟ قال: يا بن سلام دين واحد وهو الإسلام. قال: صدقت يا محمد، كم كانت الشرائع؟ قال: كانت مختلفة في الأمم الماضية. قال: صدقت يا محمد، فأهل الجنة يدخلون الجنة بالإسلام أم بالإيمان أم بأعمالهم؟ قال: يا بن سلام استوجبوا الجنة بالإيمان، ويدخلونها برحمة الله ويقتسمونها بأعمالهم. قال: صدقت يا محمد فأخبرني كم كتاباً أنزل الله تعالى؟ قال: يا بن سلام أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب. قال: صدقت يا محمد، فعلى من أُنزلت هذه الكتب؟ قال: أنزل الله عز وجل على شيث بن آدم خمسين صحيفة، وأنزل على


(1/394)


إدريس ثلاثين صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشرين صحيفة، وأنزل الزبور على داود، والتوراة على موسى، والانجيل على عيسى، والفرقان على محمد.

قال: صدقت يا محمد، لم سمي الفرقان فرقاناً؟ قال: لأن آياته وسوره مفرقة لا كالصحف والتوراة والإنجيل. قال: صدقت يا محمد، فهل في القرآن شيء من الصحف؟ قال: نعم. قال: وما هو يا محمد؟ فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: " قد أفلح من تزكّى، وذكَر اسمَ ربّهِ فصلّى، بل تُؤْثِرونَ الحياةَ الدنيا، والآخرةُ خيرٌ وأبقَى، إن هذا لَفي الصحُف الأولى، صُحفِ إبراهيمَ وموسى " قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما ابتداء القرآن وما ختمه؟ قال: ابتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم، وختمه صدق الله العظيم.

قال: صدقت يا محمد. فأخبرني عن خمسة خلقها الله بيده. قال: جنة عدن خلقها الله بيده، وشجرة طوبى غرسها الله بيده، وصور آدم بيده، وبنى السماء بيده، وكتب الألواح لموسى بيده. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني من أخبرك بما أخبرت؟ قال. أخبرني جبريل؛ قال: صدقت يا محمد، عمن؟ قال: عن ميكائيل. قال: عمن؟ قال:


(1/395)


عن إسرافيل، قال: عمن؟ قال: عن اللوح المحفوظ. قال: عمن؟ قال: عن القلم، قال: عمن؟ قال: عن رب العالمين، قال: وكيف ذلك؟ قال: يأمر الله فيكتب على اللوح، وينزل اللوح على إسرافيل، ويبلغ ميكائيل جبريل.

قال: صدقت يا محمد. فأخبرني عن جبريل في زي الذكران هو أم في زي الإناث؟ قال: في زي الذكران. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما طعامه وشرابه؟ قال: يا بن سلام، طعامه التسبيح وشرابه التهليل. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما طوله وما عرضه، وما صفته وما لباسه؟ قال: يا بن سلام، الملائكة لا توصف بالطول والعرض لأنهم أرواح نورانية لا أجسام جثمانية، ضوءه كضوء النهار في ظلمة الليل، له أربعة وعشرون جناحاً خضراء مشبكة بالدر والياقوت، مختومة بالدر واللؤلؤ والمرجان، عليه وشاح، بطانته من استبرق وهي تأخذ بالبصر، وطهارته الوقار وإزاره الكرامة ووجهه كالزعفران، لا يأكل ولا يشرب ولا يسهو ولا يمل ولا ينسى، وهو قائم بأمر وحي الله تعالى إلى يوم القيامة.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن بدء خلق الدنيا، وأخبرني عن بدء خلق آدم. قال: نعم، إن الله سبحانه وتعالى تقدست أسماؤه، وجل ثناؤه ولا إله غيره، خلق آدم من طين بيده وخلق الطين من الزبد، وخلق الزبد من الموج، وخلق الموج من الماء.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن آدم لم سمي آدم؟ قال: لأنه خلق من طين الأرض وأديمها. قال: صدقت يا محمد، قال: فآدم خلق من طينة واحدة أم من الطين كله قال: يا بن سلام: بل خلق من الطين كله، ولو خلق من طينة واحدة لما عرف الناس بعضهم بعضاً ولكانوا على صورة واحدة قال: صدقت يا محمد، فهل


(1/396)


لذلك مثل في الدنيا؟ قال: نعم، أما تنظر إلى الدنيا محشوة من تراب أبيض وأحمر وأصفر وأغبر وأسود وأزرق، وفيه عذب وملح ولين وخشن ومتغير ومنتن، وكذلك بنو آدم. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني لما خلق الله آدم، من أين دخلت فيه الروح؟ قال: دخلت من فيه قال: صدقت يا محمد، أدخلت فيه رضاً أو كرهاً؟ قال: بل أدخلها الله كرهاً وأخرجها كرهاً.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما قال الله لآدم؟ قال يا بن سلام، قال الله لآدم: " اسكُن أنتَ وزَوْجُك الجنةَ وكُلا منها رغَداً حيث شئتما ولا تقْربا هذه الشجرةَ فتكونا من الظالمين " قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كم حبة أكل من الشجرة؟ قال: حبتين. قال: وكم أكلت حواء؟ قال حبتين. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما صفة الشجرة وكم غصناً كان لها، وكم كان طول السنبلة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان للشجرة ثلاثة أغصان، وكان طول كل سنبلة ثلاثة أشبار. قال: وكم حبة كان في السنبلة؟ قال: خمس حبات. قال: صدقت يا محمد، وكم سنبلة فرك. قال فرك سنبلة واحدة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن صفة الحبة كيف كانت؟ قال: يا بن سلام كانت بمنزلة البيض الكبار. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الحبة التي بقيت مع آدم، ما صنع بها؟ قال: نزلت مع آدم من الجنة فزرعها في الأرض، فتناسل منها الحب في الأرض وبورك فيها.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن آدم، أين أهبط من الأرض قال: أهبط بأرض الهند. قال: صدقت يا محمد، فأين أُهبطت حواء؟ قال: بجدة. قال: صدقت يا محمد، فأين أُهبطت الحبة؟ قال: بأصبهان. قال: صدقت يا محمد، فأين أُهبط إبليس؟ قال: ببيسان. قال: صدقت يا محمد، ما أغزر علمك وما أصدق لسانك، فأخبرني ما كان لباس آدم لما أهبط من الجنة؟ قال:


(1/397)


ثلاث ورقات ومن ورق الجنة، وكان متشحاً بالواحدة متزراً بالأخرى معتماً بالثالثة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني في أي مكان اجتمعا؟ قال: بعرفات. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أول بيت وضع للناس؟ قال: بيت الله الحرام.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن آدم، خلق من حواء أم حواء خلقت من آدم؟ قال: يا بن سلام، بل حواء خلقت من آدم، ولو خلق آدم من حواء لكان الطلاق بأيدي النساء. قال: صدقت يا محمد.

قال ابن سلام: فمن كله خلقت أم من بعضه؛ قال عليه الصلاة والسلام: خلقت من بعضه، ولو خلقت من كله لكان القضاء في النساء ولم يكن في الرجال، قال: صدقت يا محمد، فمن باطنه خلقت أم من ظاهره، قال: من باطنه، ولو خلقت من ظاهره لكشفت النساء عن وجوهن كالرجال وما استترن. قال: صدقت يا محمد، فمن يمينه خلقت أم من شماله؟ قال صلى الله عليه وسلم. من شماله، ولو خلقت من يمينه لكان حظ الأنثى مثل حظ الذكر، وشهادتها كشهادته. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني من أي موضع خلقت منه؟ قال: من ضلعه الأيسر.

قال: صدقت يا محمد. فأخبرني من كان يسكن الأرض قبل آدم؟ قال: الجن. قال: فبعد الجن؟ قال: الملائكة. قال: فبعد الملائكة؟ قال: آدم وذريته. قال: صدقت يا محمد، كم بين الجن والملائكة؟ قال: سبعة آلاف سنة. قال: صدقت يا محمد، كم بين الملائكة وآدم؟ قال: سبعة آلاف سنة. قال صدقت: يا محمد، هل حج آدم بيت الله الحرام؟ قال: نعم. قال: يا محمد من كور رأس آدم؟ قال: جبريل كوره. قال: صدقت يا محمد، هل اختتن آدم؟ قال: نعم ختن نفسه بيده.

قال: فأخبرني يا محمد، لم سميت الدنيا دنيا؟ قال: لأنها خلقت دون الآخرة، ولو خلقت مع الآخرة لم تفن كما لا تفنى الآخرة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن القيامة لم سيمت قيامة؟ قال:


(1/398)


لأن فيها قيام الخلائق للحساب. قال: صدقت يا محمد؛ فالآخرة لم سميت آخرة؟ قال: لأنها متأخرة بعد الدنيا لا توصف سنينها ولا تحصى أيامها ولا ينقضي أمدها.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أول يوم بدأ الله فيه خلق الدنيا قال: يوم الأحد. قال: لم سمي أحداً؟ قال: لأنه خلق الواحد الأحد وأول الأيام. قال: صدقت يا محمد، فالاثنين لم سمي اثنين؟ قال: لأنه ثاني يوم من أيام الدنيا، وكذلك الثلاثاء والأربعاء والخميس. قال: صدقت يا محمد، فلم سميت الجمعة جمعة؟ قال: لأنه يوم مجموع فيه الخلق، وهو سادس يوم من أيام الدنيا. قال: صدقت يا محمد فالبست لم سمي سبتاً؟ قال: يوم وكل فيه مع كل من المخلوقين ملكان عن يمينه وشماله يكتبان الحسنات والسيئات، فالذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن شماله يكتب السيئات.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني أين مقعد الملكين من العبد؟ وما قلمهما وما دواتهما وما لوحهما وما مدادهما؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا بن سلام مقعدهما بين كتفيه، وقلمهما لسانه، ودواتهما ريقه، ولوحهما فؤاده، يكتبان أعماله إلى مماته. قال: صدقت يا محمد، قال: أخبرني كم طول القلم؟ وكم عرضه، وكم أسنانه وما مداده وما أثر مجراه؟ قال: طول القلم خمسمائة عام، وله ثمانون سناً يخرج المداد من بين أسنانه، ويجري في اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة بأمر الله عز وجل.

قال: صدقت يا محمد، فاخبرني كم لله من نظرة في خلقه في كل يوم وليلة قال: ثلاثمائة وستون نظرة، في كل نظرة يحيي ويميت، ويمضي ويقضي، ويرفع ويضع، ويسعد ويشقي، ويذل ويقهر، ويغني ويفقر. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما خلق الله بعد ذلك؟ قال: خلق السماء السابعة مما يلي العرش وأمرها أن ترتفع إلى مكانها فارتفعت، ثم خلق السادسة ثم الخامسة ثم الرابعة ثم الثالثة ثم الثانية ثم سماء الدنيا


(1/399)


كذلك، وأمر كلاً منها فاستقرت بمكانها دون الآخرى. قال: صدقت يا محمد، فما بال لون سماء الدنيا اخضر؟ قال: اخضرت من لون جبل قاف. قال: صدقت يا محمد، فمم خلقت سماء الدنيا؟ قال: خلقت من موج مكفوف. قال: يا محمد وما الموج المكفوف؟ قال: يا بن سلام ماء قائم لا اضطراب له. قال: صدقت يا محمد، فلم سميت سماء؟ قال: لأنها خلقت من دخان.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن السموات ألها أبواب؟ قال: نعم وهي مقفلة ولها مفاتيح وهي مخزونة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أبواب السماء ما هي؟ قال: من ذهب. قال: فما أقفالها؟ قال: من نور. قال: فما مفاتيحها؟ قال: اسم الله الأعظم. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن طول كل سماء وعرضها وسمكها وارتفاعها وما سكانها؟ قال: طول كل سماء خمسمائة عام، وعرضها كذلك، وسمكها كذلك، وبين كل سماء إلى سماء كذلك، وسكان كل سماء جند وصنوف من الملائكة لا يعلم عددها إلا الله تعالى. قال: صدقت يا محمد. قال: فأخبرني عن السماء الثانية التي فوق سماء الدنيا مم خلقت؟ قال: خلقت من الغمام. قال: فالثالثة مم خلقت؟ قال: من زبرجدة خضراء. قال: فالرابعة. قال: من ذهب أحمر. قال: فالخامسة. قال: من ياقوتة حمراء. قال فالسادسة: قال: من فضة بيضاء. قال: فالسابعة. قال: من نور ساطع.

قال: صدقت يا محمد، فما فوق السماء السابعة؟ قال: بحر الحيوان؛ قال: فما فوقه؟ قال: بحر الظلمة قال: فما فوقه؟ قال: بحر النور. قال: فما فوقه يا محمد؟ قال صلى الله عليه وسلم: فوقه الحجب قال: فما فوق الحجب؟ قال: سدرة المنتهى. قال فما فوق سدرة المنتهى؟ قال: جنة الماوى. قال: صدقت يا محمد فما فوق جنة الماوى؟ قال: حجاب المجد قال: فما فوق حجاب المجد؟ قال: حجاب الجبروت. قال: فما فوق حجاب الجبروت قال: حجاب العزة. قال: فما فوق


(1/400)


حجاب العزة؟ قال: حجاب العظمة. قال: فما فوق حجاب العظمة قال: حجاب الكبرياء. قال: فما فوق حجاب الكبرياء؟ قال: الكرسي.

قال: صدقت يا محمد، لقد أوتيت علوم الأولين والآخرين وإنك لتنطق بالحق المبين، فأخبرني ما فوق الكرسي؟ قال: العرش العظيم. قال: ما فوق العرش؟ قال: تعالى الله علواً كبيراً، أمره فوق العرش وعلمه تحت العرش. قال: صدقت يا محمد، هل يستوي مخلوق على العرش؟ قال: معاذ الله يا بن سلام، الأدب الأدب. قال: صدقت وأصبت. أخبرني عن الشمس والقمر، أهما مؤمنان أم كافران؟ قال صلى الله عليه وسلم: هما مؤمنان طائعان مسخران تحت قهر المشيئة. قال: صدقت يا محمد، فما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور؟ قال: لأن الله تعالى محا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة، نعمة من الله وفضلاً، ولولا ذلك لما عرف الليل من النهار. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الليل لم سمي ليلاً؟ قال: لأنه منال الرجال من النساء، جعله الله ألفة وسكناً ولباساً، قال: صدقت يا محمد، ولم سمي النهار نهاراً، قال: لأنه محل طلب الخلق لمعايشهم ووقت سعيهم واكتسابهم.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن النجوم كم جزءاً هي؟ قال: ثلاثة أجزاء، جزء منها بأركان العرش يصل ضوءها إلى السماء السابعة، وجزء منها في السماء الدنيا كالقناديل المعلقة تضيء لسكانها وترمي الشياطين بشررها إذا استرقوا السمع، والجزء الثالث منها معلق في الهواء وهي تضيء على البحار وعلى ما فيها. قال: صدقت يا محمد، ما بال النجوم تبين صغاراً وكباراً؟ قال يا بن سلام لأن بينها وبين السماء بحاراً تضرب الريح أمواجها فتضطرب فتبين صغاراً وكباراً، ومقادير النجوم كلها واحدة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كم بين السماء والأرض من ريح؟ قال: يا بن سلام، ثلاث: الريح العقيم التي أرسلت على قوم عاد وهي ريح سوداء مظلمة


(1/401)


يعذب الله بها من يشاء من أهل النار، وريح حمراء يعذب الله بها الكفار يوم القيامة، وريح أهل الأرض تغدو في جوانبها، ولولا تلك الريح لاحترقت الأرض والجبال من حر الشمس. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن حملة العرش كم هم صفاً؟ قال: ثمانون صفاً، كل صف منها طوله ألف ألف فرسخ، وعرضه خمسمائة عام، رؤوسهم تحت العرش وأقدامهم تحت الأرض السابعة، ولو كان طائر يطير من أذن أحدهم اليمنى إلى اليسرى ألف سنة من سني الدنيا لم يبلغ مدى ذلك، ولهم ثياب من در وياقوت، شعورهم كالزعفران وطعامهم التسبيح وشرابهم التهليل، ومنها صف نصفه من ثلج ونصفه من نار، ومنها صف نصفه رعد ونصفه برق، ومنها صف نصفه من ماء ونصفه من مدر، ومنها صف نصفه من ماء ونصفه من ريح.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن طائر ليس له في السماء ملجأ ولا في الأرض مأوى، ما هو؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك حيات بيض أعرافها كأعراف الخيل، تبيض في الجو على أذنابها وتفرخ في الهواء إلى يوم القيامة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن مولود أشد من أبيه قال: يا بن سلام ذلك الحديد، مولد من الحجر وهو أشد من الحجر. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن بقعة أصابتها الشمس مرة واحدة فلا تعود إلى يوم القيامة إليها. قال: ذلك الموضع الذي


(1/402)


أغرق الله فيه فرعون حين انفلق البحر وانطبق عليه. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن بيت له اثنا عشر باباً خرج منه اثنتا عشرة عيناً لاثني عشر قوماً. قال النبي صلى الله عليه وسلمك إن أخي موسى عليه السلام لما جاوز ببني إسرائيل البحر ودخل بهم إلى البرية شكوا العطش فمر بحجر مربع فأوحى الله عز وجل إليه أن اضرب بعصاك الحجر، فضربه موسى فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً لأثني عشر سبطاً من إسرائيل.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن شيء لا من الجن ولا من الإنس، ولا من الطير ولا من الوحش، أنذر قومه، قال يا بن سلام: النملة أنذرت قومها حين قالت: " يا أيُّها النملُ ادخلوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمنَّكم سليمانُ وجنودهُ وهم لا يشعرون ". قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عمن أوحى الله إليه من الأرض. قال: أوحى الله إلى طور سيناء أن يرفع موسى نحو السماء ليأخذ الألواح المنزلة عليه. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن مخلوق أوله عود وآخره روح؟ قال: ذلك عصا موسى بن عمران عليه السلام، أمره الله ان يلقيها في بيت المقدس، فألقاها فإذا هي حية تسعى.

قال صدقت يا محمد، فأخبرني عن ثلاث ذكور لم يولدوا من فحل قال: هم آدم عليه السلام، وعيسى بن مريم عليهما السلام، وكبش إسماعيل عليه السلام.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن وسط الدنيا، أي موضع هو؟ قال: بيت المقدس. قال كيف ذلك؟ قال: لأن فيه الحشر والصراط والميزان. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الفلك المشحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: السفن المبنية، أما قرأت في التوراة: وحملناه على ذات ألواح ودسر قال: ما الألواح؟ قال: الأشجار التي شقت طولاً هي


(1/403)


الألواح، والدسر: المسامير، والعوارض من الحديد. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كم كان طول سفينة نوح عليه السلام، وكم كان عرضها وارتفاعها؟ قال: يا بن سلام كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها مائة وخمسون ذراعاً، وارتفاعها مائتا ذراع. قال: صدقت يا محمد، فمن أين ركبها نوح عليه السلام؟ قال: من العراق. قال: وأين بلغت؟ قال: طافت بالبيت العتيق أسبوعاً، وبالبيت المقدس أسبوعاً، واستوت على الجودي.

قال صدقت يا محمد، فأخبرني عن البيت المعمور، أين كان لما أغرق الله الدنيا؟ قال: لما أغرق الله الدنيا رفع البيت الحرام من الأرض إلى السماء السابعة؛ ومن ثم سمي البيت المعمور. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني أين كانت الصخرة وبيت المقدس وقت الطوفان؟ قال: أودعهما الله عز وجل في بطن جبل أبي قبيس. قال: صدقت يا محمد. فأخبرني عن المولود الذي لم يشبه أباه، وربما أشبه خاله أو عمه؛ قال: إذا جامع الرجل امرأته فإن غلبت شهوة الرجل شهوة المرأة خرج الولد بأبيه أشبه؛ وإن غلبت شهوة المرأة شهوة الرجل خرج الولد بأمه أشبه؛ وإن استويا خرج شبيهاً بهما، وإن سبقت شهوة الرجل خرج الولد بعمه أشبه، وإن سبقت شهوة المرأة كان الولد بخاله أشبه.

قال: صدقت يا محمد، هل يعذب الله خلقه بلا حجة؟ قال: معاذ الله، إن الله تبارك وتعالى ملك عادل لا جور في قضائه. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أطفال المشركين، أين يكونون أفي الجنة هم أم في النار؟ قال: يا بن سلام، الله أولى بهم، إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلق لفصل القضاء أمر الله تعالى بأطفال


(1/404)


المشركين فيؤتى بهم فيقول لهم عز وجل: عبادى وأبناء عبادي وإمائي، من ربكم وما دينكم وما عملكم؟ فيقولون: اللهم أنت ربنا، وأنت خالقنا ولم نك شيئاً، وأمتنا، ولم تجعل لنا ألسنة تنطق بها، ولا عقولاً نعقل بها، ولا قوة في الأعضاء نتعبد بها، ولا علم لنا إلا ما علمتنا. فيقول الله عز وجل: فالآن لكم ألسنة وعقول وقوة للحركة في الأعضاء، فإن أمرتكم يا عبادي بأمر تفعلونه؟ فيقولون: إلهنا تباركت وتعاليت، لك السمع والطاعة، مر بأيما شئت. فيأمر الله ملكاً فيزجر جهنم حتى تفور، ويأمر بأطفال المشركين أن يلقوا فيها، فمن كان منهم قد سبق في علم الله له السعادة ألقى بنفسه في الحال بلا إمهال، فتكون النار عليه برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم عليه السلام، ومن سبق في علم الله له الشقاوة وامتنع من إلقاء نفسه في النار فأولئك يتبعون آباءهم، والفرقة الأخرى يخرجون إلى الجنة مع المؤمنين.

قال: صدقت وبررت وبينت وأزلت الشك يا محمد، فزدني يقيناً، فأخبرني عن الأرض لم سميت أرضاً؟ قال: لأنها أرض يداس عليها. قال: صدقت يا محمد، فمم خلقت؟ قال: من الزبد، قال: فالزبد مم خلق؟ قال: من الموج. قال: فالموج مم خلق؟ قال: من البحر. قال: صدقت يا محمد، فكيف كان ذلك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لما خلق البحر أمر الريح أن يضرب الأمواج بعضها في بع، فاضطربت الأمواج حتى ظهر الزبد فأمره أن يجتمع فاجتمع، ثم أمره أن يلين فلان، ثم أمره أن يعتدل فاعتدل، ثم أمره أن يمتد فامتد، فسطحها أرضاً ومهدها. قال صدقت يا محمد. قال: فأخبرني بم أمسكها؟ قال: بجبل قاف المحيط بالعالم، وهو أصل أوتاد الأرض التي نحن عليها.

قال: صدقت يا محمد. قال: فأخبرني ما تحت هذه الأرض؟ قال: تحتها ثور، والثور على صخرة. قال: وما صفة ذلك الثور؟ قال: له أربع قوائم وأربعون قرناً وأربعون سناماً، رأسه بالمشرق. وذنبه بالمغرب، ومسيرة ما بين قرن وقرن من قرونه


(1/405)


خمسون ألف سنة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما تحت الصخرة التي عليها الثور؟ قال: تحتها جبل يقال له صعود. قال: ولمن أعد ذلك الجبل يوم القيامة؟ قال: لأهل النار، يصعد المشركون في النار في مدة خمسين ألف سنة، حتى إذا بلغوا أعلاه نفضهم الجبل فيتساقطون إلى أسفله ويسحبون على وجوههم. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما تحت ذلك الجبل؟ قال: أرض. قال: وما اسمها؟ قال: هاوية. قال: وما تحتها؟ قال: بحر. قال: وما اسمه؟ قال: السهيل. قال: صدقت يا محمد، فما تحت ذلك البحر؟ قال: أرض. قال: وما اسمها؟ قال: ناعمة. قال: وما تحتها؟ قال: بحر. قال: وما اسمه؟ قال: الزاخر. قال: وما تحته؟ قال: أرض. قال: وما اسمها. قال: فسيحة. قال: فصف لي يا محمد تلك الأرض. فقال صلى الله عليه وسلم: يا بن سلام، هي أرض بيضاء كالشمس وريحها كالمسك، وضوءها كالقمر ونباتها كالزعفران، يحشر عليها المتقون يوم القيامة.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني أين تكون هذه الأرض التي نحن عليها اليوم؟ قال صلى الله عليه وسلم: تبدل بأرض غيرها. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما تحت تلك الأرض؟ قال: بحر. قال: وما اسمه؟ قال: القمقام. قال: وما فيه؟ قال: النون. قال: وما النون؟ قال: الحوت. قال: وما اسمه؟ قال: بهموت. قال: صدقت يا محمد، فصف لي الحوت قال؛ يا بن سلام، رأسه بالمشرق وذنبه بالمغرب. قال: فما على ظهره؟ قال: الأراضي والبحار والظلمات والجبال. قال: فما بين عينيه؟ قال: بين عينيه سبعة أبحر، في كل بحر سبعون ألف مدينة، وفي كل مدينة سبعون ألف ملك. قال: فما يقولون؟ قال: يقولون لا إله إلا الله وحده لا شريك له: له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما تحت الحوت؟ قال: ريح تحمل الحوت بإذن الله تعالى. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما تحت الريح؟ قال: الظلمة. قال: فما تحت الظلمة؟ قال: الثرى. قال: وما تحت الثرى؟ قال: لا يعلم


(1/406)


ذلك إلا الله تبارك وتعالى قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن ثلاث رياض في الدنيا هن من رياض الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: أولها مكة، وثانيها بيت المقدس، وثالثها يثرب هذه، قال: صدقت يا محمد.

ثم قال عبد الله بن سلام: يا محمد: أخبرني عن أربع مدن من مدائن الجنة في الدنيا. قال: أولها إرم ذات العماد، والثانية المنصورة من بلاد الهند، والثالثة سارية بساحل بحر الشام، والرابعة البلقاء من أرض أرمينية. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أربع منابر من منابر الجنة في الدنيا. قال: أولها القيروان وهي إفريقية بالمغرب، الثانية باب الأبواب من أرمينية، الثالثة عبادان بأرض العراق، الرابعة خراسان خلف نهر جيحون.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أربع مدن من مدائن جهنم في الدنيا. قال: أولها مدينة فرعون في أرض مصر، الثانية أنطاكية بأرض الشام، الثالثة بأرض سيحان من أرمينية، الرابعة المدائن من العراق. قال: صدقت يا محمد. فأخبرني عن أربعة أنهار في الدنيا من أنهار الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أولها الفرات وهو في حدود الشام، الثاني بأرض مصر وهو النيل، الثالث نهر سيحان وهو نهر الهند، الرابع نهر جيحان وهو بأرض بلخ. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن شيء لا شيء، وعن شيء بعض شيء، وعن شيء لا يفنى منه شيء. قال: يا بن سلام أما شيء لا شيء فهي الدنيا، يذهب نعيمها ويموت أهلها ويخمد ضوءها، وأما شيء بعض شيء فوقوف الخلائق في صعيد واحد للحساب، وأما شيء لا يفنى منه شيء فهي الجنة لا يفنى نعيمها، والنار لا ينقضي عذابها.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن جبل قاف وما خلفه وما دونه. قال صلى الله عليه وسلم: خلفه سبعون أرضاً من ذهب وسبعون أرضاً من فضة وسبعة أراض من مسك. قال: ما سكان هذه الأراضي؟ قال: الملائكة. قال: كم طول كل أرض وكم عرضها؟ قال: طول كل أرض عشرة آلاف عام وعرضها كذلك. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما


(1/407)


وراءه؟ قال: حجاب من الريح. قال: فما وراء ذلك؟ قال: كنف محيط بالدنيا كلها. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أهل الجنة، يأكلون ويشربون فكيف لا يبولون ولا يتغوطون؟ وما مثل ذلك في الدنيا؟ قال: مثله في الدنيا الجنين الذي في بطن أمه يأكل مما تأكل ويشرب مما تشرب، ولا يبول ولا يتغوط، ولو بال أو راث لا نشق بطن أمه ولماتت أمه من تصاعد بخار ذلك إليها.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أنهار الجنة ما هي؟ قال: يا بن سلام، من لبن لم يتغير طعمه، وخمر وماء وعسل مصفى. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني أجامدة هي أم جارية؟ قال: بل جارية بين أشجار وثمار ورياض. فقال: هل تنقص تلك الأنهار أم تزيد؟ قال: لا تنقص ولا تزيد. قال: فهل لذلك مثل في الدنيا؟ قال: نعم، أما تنظر إلى البحار وما ينزل فيها من الأمطار وما يمدها من الأنهار منذ خلقت إلى الآن، ولا يؤثر فيها زيادة ولا نقصان. قال صدقت يا محمد، قال فأخبرني بأسماء أنهار الجنة وصفاتها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: في الجنة نهر يقال له الكوثر، رائحته أطيب من المسك الأذفر والعنبر، حصباؤه الدر والجوهر والياقوت الأحمر، عليه خيام من اللؤلؤ الأبيض، وهو منزل أولياء الله تعالى.

قال: صدقت يا محمد، فصف لي أشجار الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بن سلام، في الجنة شجرة يقال لها طوبى، أصلها در وأغصانها من زبرجد وثمرها من جوهر، ليس في الجنة غرفة ولا حجرة ولا قصر ولا خيمة إلا وهي مطلة عليها. قال: صدقت يا محمد. فهل الدنيا لها من مثل؟ قال: نعم، الشمس المشرقة، تشرق على بقاع الدنيا ولا يخلو من شعاعها مكان. قال: صدقت يا محمد، فهل في الجنة ريح؟ قال: يا بن سلام، ريح واحدة خلقت من نور مكتوب عليها: الحياة واللذة لأهل الجنة، ويقال لها البهاء، فإذا اشتاق أهل الجنة أن يزوروا ربهم في الجنة هبت


(1/408)


تلك الريح عليهم تنفخ في وجوههم النور والنضرة والسرور، وتطيب قلوبهم ويزدادون نوراً على نورهم، وتضرب أبواب الجنان وحلق المصاريع، وتسبح الأنهار بخريرها والأطيار بتغريدها والأغصان بتصفيقها، فلو أن من في السموات والأرض قيام يستمعون لتلك اللذة لماتوا جميعاً من طيبها وشوقاً إلى مشاهدتها، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، دار الثواب.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أرض الجنة ما هي؟ قال: يا بن سلام، أرضها ذهب وترابها مسك وعنبر، ورياضها الدر والياقوت والزعفران وسقفها عرش الرحمن، قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن طعام أهل الجنة إذا دخلوها. قال: يأكلون من كبد الحوت الذي يحمل الدنيا والأراضي والجبال، واسمه بهموت. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أهل الجنة، كيف ينصرف ما يأكلون من ثمارها وأطيارها من أجوافهم؟ قال: يا بن سلام، ليس يخرج شيء من أجوافهم بل يعرقون عرقاً طيباً أطيب من المسك وأعبق من العنبر، ولو أن عرق رجل من أهل الجنة مزج به البحار لعطر ما بين السماء والأرض من طيب ريحه.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن لواء الحمد ما صفته وكم طوله وارتفاعه؟ قال: يا بن سلام، طوله ألف سنة، أسنانه من ياقوتة حمراء وياقوتة خضراء، قوائمه من فضة بيضاء له ذوائب من نور، ذؤابة بالمشرق وذوابة بالمغرب، والثالثة بوسط الدنيا. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الأسطر المكتوبة عليه وكم عدة ذلك؟ قال: ثلاثة أسطر، الأول: بسم الله الرحمن الرحيم، الثاني: الحمد لله رب العالمين، الثالث: لا إله إلا الله


(1/409)


محمد رسول الله.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الجنة والنار وأيهما خلق قبل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة خلقت قبل النار، ولو خلقت النار قبل الجنة لسبق العذاب الرحمة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الجنة أين هي؟ قال: في السماء السابعة، والنار في تخوم الأرض السفلى. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كم للجنة من باب وكم للنار من باب؟ قال: للجنة ثمانية أبواب والنار سبعة أبواب. قال: وكم بين الباب والباب من الجنة؟ قال: ألف سنة. قال: وكم ارتفاعها؟ قال: خمسمائة عام، وعلى شرفاتها سرادق من ذهب بطانته من الزمرد، وعلى كل باب جند من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله تبارك وتعالى. قال: فما تقول تلك الملائكة؟ قال: يقولون: طوبى لأهل الجنة وما يلقون من النعيم وكرامة الله تعالى. قال: في أي الأعمار وأي الصفات يدخل أهل الجنة الجنة؟ قال: يدخلونها أبناء ثلاث وثلاثين في حسن يوسف عليه السلام، وطول آدم، وخلق محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فصف لي بعض نعيم أهل الجنة. قال: إن أدنى ما فيه الجنة وليس في الجنة دنيء، ولو نزل به جميع من في الأرض من العوالم لوسعهم طعاماً وشراباً وفاكهة وقرىً ولم ينقص مما لديه شيء، ولو أن رجلاً من أهل الجنة بصق في البحار المالحة لعذبت، ولو أدلى ذؤابة من ذوائبه من السماء إلى الأرض لغلب ضوءها ضوء الشمس ونور القمر.

قال: صدقت يا محمد، فصف لي الحور العين. قال: يا بن سلام، الحور العين بيض كاللؤلؤ، مشربات بحمرة الياقوت الأحمر. قال: صدقت يا محمد، صف لي النار. قال: يا بن سلام، إن النار أُوقد علها ألف سنة حتى احمرت، وألف سنة حتى ابيضت، وألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة ممزوجة بغضب الله لا يهدأ لهيبها ولا يخمد جمرها، يا بن سلام لو أن جمرة من جمرها ألقيت في دار الدنيا لألهبت ما بين المشرق والمغرب من حرارة جمرها وعظم خلقها، وهي سبع طباق: الطبقة


(1/410)


الأولى للمنافقين، والثانية للمجوس، والثالثة للنصارى، والرابعة لليهود، والخامسة سقر، والسادسة السعير، وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر السابعة وبكى حتى جرت دموعه على لحيته الكريمة ثم قال: وأما السابعة وهي أهونها فلأهل الكبائر من أمتي.

قال: صدقت وبررت يا محمد، فأخبرني عن يوم القيامة وكيف يقوم الخلائق؟ قال: يا بن سلام، إذا كان يوم القيامة كورت الشمس واسودت، وطمست النجوم وخمدت وانتثرت، وسيرت الجبال وعطلت العشار وبدلت الأرض غير الأرض. قال: صدقت يا محمد: كيف تقوم الخلائق؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقيم الله الخلائق لفصل القضاء، ويمد الصراط، وينصب الميزان وينشر الدواوين ويبرز الرب للحكم بين الخلائق. قال: صدقت يا محمد، فكيف يميت الخلائق إذا قامت الساعة؟ قال يأمر ملك الموت فيقف على صخرة بيت المقدس ويضع يمينه على السموات ويده اليسرى تحت الثرى، ويصيح بهم صيحة عظيمة، وينفخ صاحب الصور في صوره فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا إنس ولا جان ولا طير ولا وحش إلا خر ميتاً ميتة رجل واحد، فتبقى السموات خالية من سكانها والأرض عاطلة من قطانها، والعشار معطلة والبحار جامدة والجبال مدكدكة، والشمس منكسفة والنجوم منطمسة.

قال: صدقت يا محمد. فأخبرني عن ملك الموت هل يذوق الموت أم لا؟ قال: يا بن سلام إذا أمات الله الخلائق ولم يبق شيء له روح يقول الله لملك الموت: من بقي من خلقي؟ وهو أعلم بمن بقي، فيقول: يا رب أنت أعلم، لم يبق إلا عبدك الضعيف ملك الموت. فيقول الله: يا ملك الموت قد أذقت رسلي وأنبيائي وأوليائي وعبادي الموت، وقد سبق في علمي القديم وأنا علام الغيوب أن كل شيء هالك إلا


(1/411)


وجهي، وهذه نوبتك. فيقول: إلهي ارحم عبدك ملك الموت، فإنه ضعيف وأنت ألطف به. فيقول سبحانه: ضع يمينك تحت خدك الأيمن، واضطجع بين الجنة والنار ومت قال عبد الله بن سلام: بأبي أنت وأمي يا محمد، وكم بين الجنة والنار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: مسيرة ثلاثة آلاف سنة من سني الدنيا فيضطجع ملك الموت بين الجنة والنار، على يمينه، ويضع يده اليمنى تحت خده واليسرى على وجهه ويصرخ صرخة، فلو أن أهل السموات والأرض أحياء لماتوا من شدة صرخته، قال: صدقت يا محمد، فما يصنع الله بالسموات إذا مات سكانها؟ قال: يطويها بيمينه كطي السجل للكتاب، ثمي قول جلا جلاله وتقدست أسماؤه ولا إلا غيره ولا معبود سواه: أين مدعي الملك والقوة؟ فلا يجيبه أحد. ثم يقول: " لِمَنِ المُلْك اليومَ " فلا يجيبه أحد، فيرد سبحانه على ذاته المقدسة: " لله الواحدِ القهار، اليومَ تُجزى كلُّ نفسٍ بما كسبت، لا ظُلْمَ اليومَ إن الله سريع الحساب ".

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كيف يحشر الخلائق بعد موتهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا بن سلام، يحيى الله إسرافيل وهو أول من يحيى من المقربين، وهو صاحب الصور، فيأمره أن ينفخ في الصور نفخة البعث. قال ابن سلام: فما يقول إسرافيل في الصور؟ قال صلى الله عليه وسلم: يقول: أيتها العظام البالية النخرة والأوصال المتفرقة المنفصلة هلموا للعرض على الله، هلموا إلى جبار السموات والأرض. ثم ينفخ فيه مرة أخرى فإذا هم قيام ينظرون، قال: فكم طول كل نفخة؟ قال: مدة أربعين سنة، قال: فكم كلمة يتكلم إسرافيل في الصور وقت النفخ؟ قال: ست كلمات، الكلمة الأولى: يكون الناس طيناً، الثانية: يكونون صوراً، الثالثة: تستوي الأبدان، الرابعة: تجري الدماء في العروق، الخامسة: تنبت الشعور، السادسة: قوموا. فإذا هم قيام ينظرون. قال: صدقت يا محمد. فكيف تقوم الخلائق يوم القيامة؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا بن سلام، يقومون حفاة عراة وألسنتهم


(1/412)


يتبع


الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي



جافة وبطونهم مظلمة وأبصارهم وجلة. قال ابن سلام: الرجال ينظرون إلى النساء والنساء ينظرن إلى الرجال. قال: هيهات يا بن سلام، " لكلّ امرئٍ منهم يَوْمئذٍ شأنٌ يُغْنيه " من شدة هول يوم القيامة. قال صدقت يا محمد.

ثم أمسك ابن سلام عن الكلام، فقال صلى الله عليه وسلم: سل عما شئت ولا تهب. فقال: الحمد لله الذي من علي بالنظر إلى وجهك يا محمد وأهلني لخطابك، فأخبرني إذا كان يوم القيامة أين يحشر الله الخلائق؟ قال: يحشرون إلى بيت المقدس. قال: وكيف ذلك؟ قال: يأمر الله عز وجل ناراً فتحيط بالدنيا وتضرب وجوه الخلائق، فيهربون ويمرون على وجوههم، فيجتمعون إلى بيت المقدس. قال: صدقت يا محمد، فما يصنع الله بالطفل الصغير والشيخ الكبير؟ قال: من كان مؤمناً سارت به الملائكة وانتفضت النار عن وجهه، ومن كان كافراً تلفح وجهه النار حتى يؤتى به إلى بيت المقدس.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كم تكون يومئذ صفوف الخلائق؟ قال يا بن سلام: مائةً وعشرين صفاً. قال: كم طول كل صف وكم عرضه؟ قال: طوله مسيرة أربعين ألف سنة وعرضه عشرون ألف سنة. قال: صدقت يا محمد، كم صفاً من المؤمنين وكم صفاً من الكافرين؟ قال: المؤمنون ثلاثة صفوف، ومائة وسبعة عشر صفاً للكافرين. قال: يا محمد فما صفة المؤمنين وما صفة الكافرين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أما المؤمنون فغر محجلون من أثر الوضوء والسجود، وأما الكافرون فسود الوجوه، يأتون الصراط. قال: وكم طول الصراط؟ قال: مسيرة ثلاثين ألف سنة. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني كيف تمر الخلائق على الصراط؟ فقال: يكسو الله الخلائق نوراً، فأما نور المسلمين والمؤمنين والموحدين فمن نور العرش، ونور


(1/413)


الملائكة من نور الكرسى فلا يطفأ لهم نور أبداً، وأما الكافرون فمن نور الأرض ونور الجبال.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن أول فئة تجوز على الصراط، من هم؟ قال: المؤمنون قال: صدقت يا محمد، فصف لي ذلك. قال: يا بن سلام، من المؤمنين من يجوز في عشرين عاماً على الصراط، فإذا بلغ أولهم الجنة تدلت الكفار على الصراط حتى إذا توسطوا أطفأ الله نورهم فيبقون بلا نور، فينادون بالمؤمنين " انظرُونا نقتبسْ مِن نُورِكم " أليس فيكم الآباء والأصحاب والإخوان " ألم نكُنْ معكم " في دار الدنيا " قَالوا بلى، ولكنكم فتنتُم أنفُسَكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيُّ حتى جاء أمرُ الله وغرّكم بالله الغَرُورُ فاليوم لا يؤخذُ منكم فدبة ولا من الذين كفروا، مأواكم النار، هي مولاكم وبئس المصير " ويقال لهم: " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضُرب بينهم بسُورٍ ". ويأمر الله جهنم فتصيح بهم من تحتهم صيحة فيسقطون على وجوههم ورؤوسهم في النار حيارى نادمين، وتنجو عصابة المؤمنين ببركة الله ولطفه بهم.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني ما يصنع الله بالموت حينئذ؟ قال: فإذا صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، أُتي بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال لأهل الجنة: يا أولياء الله هذا الموت هل تعرفونه؟ فيقولون: نعرفه يا ملائكة ربنا، اذبحوه حتى لا يكون موت أبداً. ويقولون لأهل النار: يا أعداء الله هذا الموت هل تعرفونه؟ فيقولون: نعرفه، فتقول الملائكة: نذبحه؟ فيقولون: يا ملائكة ربنا، لا تذبحوه ودعوه لعل الله يقضي علينا بموت فنستريح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيذبح الموت بين الجنة والنار، فييئس أهل النار من الخروج منها وتطمئن أهل الجنة بالخلود فيها.

فعند ذلك قال ابن سلام: صدقت يا رسول الله.


(1/414)


ونهض قائماً على قدميه وقال: امدد يدك الكريمة لتشملني بركتها، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك محمد رسول الله، وأن الجنة حق وأن النار حق، وأن الحساب حق وأن الثواب حق، وأن ما أخبرت به حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. فكبرت الصحابة رضي الله عنهم عند ذلك، وسماه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام، وصار من أكابر الصحابة رضي الله عنهم والنقمة على اليهود.

تمت المسائل بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وهذه نبذة منقولة من كتاب البدء لأبي زيد البلخي، رحمة الله تعالى.


(1/415)


فصل

فيما ذكر من المدة قبل خلق الخلق

روى حماد بن زيد عن طاوس، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت بنو إسرائيل لموسى بن عمران عليه السلام: سل ربك منذ كم خلق الدنيا؟ فقال موسى: يا رب أما تسمع ما يقول عبادك؟ فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه: يا موسى إني خلقت أربعة عشر ألف مدينة من فضة، وملأتها خردلاً وخلقت لها طيراً، وجعلت رزقه كل يوم حبة من ذلك الخردل، فأكل الخردل حتى فني ما في الخزائن ومات الطير بعد استيفاء رزقه، ثم خلقت الدنيا، فقيل لابن عباس: فأين كان عرشه؟ قال: على الماء فقيل: فأين كان الماء؟ قال: على متن الريح.

وروي مثل هذا عن طاووس مرفوعاً، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: هذا شيء غامض صعب موكول إلى علم الله تعالى، إذ ليس يدرى ما الذي كان قبل هذا الخلق؟ أمثل هذا الخلق أم على خلافهم؟ وهل يعيد الدنيا بعد فناء هذه الدنيا أم لا. والأخبار واردة بأشياء عجيبة، والقدرة صالحة لأضعاف أضعاف ذلك.

وزعم بعض الناس أنه عد قبل آدم هذا الذي ننسب إليه ألف آدم ومائتي آدم، والله أعلم. وكله جائز لكونه تحت الإمكان ودخل في حد الإيجاد، فأما الذي لا يسوغ القول إلا به، ولا يلزم إلا اعتقاده، هو انفراد الله سبحانه جل جلاله عن خلقه سابقاً من غير شريك ولا جوهر قديم، وإبداعه الأشياء لا من شيء، سبحانه، لا إله إلا هو.


(1/416)


ذكر مدة الدنيا: واختلاف الناس فيها:

قال الله تعالى: " الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام " فزعم قوم أن مدة الدنيا ستة آلاف سنة، مكان كل يوم ألف سنة. روي عن كعب الأحبار رضي الله عنه أن الله وضع الدنيا على سبعة أيام، مكان كل يوم ألف سنة، وروي أبو المقوم الأنصاري عن ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة. وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأبان وعكرمة، في قوله تعالى: " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " قال: هي الدنيا من أولها إلى آخرها. وجاء في خبر آخر أنه مائة ألف سنة وخمسون ألف سنة.

قال البلخى رحمه الله: أخبرني هريد المجوسي وهو أعلم من الموبذان بفارس أن في كتاب لهم أن مدة الدنيا أربعة أرباع، فأولها: ثلاثمائة ألف سنة وستون ألف سنة، عدد أيام السنة، وقد مضت. والربع الثاني: ثلاثون ألف سنة، عدد أيام الشهر، وقد مضت أيضاً. والربع الثالث. اثنا عشر ألف سنة، عدد شهور السنة، وقد مضت أيضاً. والربع الرابع سبعة آلاف سنة، عدد أيام الأسبوع، ونحن فيها.

قال البلخي رحمه الله: وجدت في كتاب راويةً عن وهب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: منذ كم خلقت الدنيا؟ فقال: أخبرني ربي أنه خلقها منذ سبعمائة ألف سنة إلى اليوم الذي بعثني فيه رسولاً إلى الناس. وزعم أيضاً أن مما يدل على ذلك ما جاء في الخبر أن إبليس عبد الله قبل أن يخلق آدم


(1/417)


خمسةً وثمانين ألف سنة، وخلق عد ما خلق السموات والأرض من المدد ما شاء الله. والله سبحانه وتعالى أعلم.


(1/418)


ذكر ما وصف من الخلق قبل آدم عليه السلام

روي في الحديث أن كل شيء خلقه الله من الخلق كان قبل آدم، وأن آدم وجد بعد إيجاد الخلق، لأنه خلق آدم آخر الأيام التي خلق فيها الخلق. وروى بقية بن الوليد عن محمد بن نافع عن محمد بن عبد الله بن عامر المكي أنه قال: خلق الله خلقه من أربعة أشياء: الملائكة من نور، والجان من نار، والبهائم من ماء، وآدم من طين، وذريته كذلك بالتبعية، فجعل سبحانه الطاعة في الملائكة والبهائم لأنهما من النور والماء، وجعل المعصية في الجن والإنس لأنهما من الطين والنار.

وروي عن شهر بن حوشب أنه قيل: خلق الله في الأرض خلقاً وأسكنهم فيها، ثم قال لهم: " إني جاعلٌ في الأرض خليفةً " فما أنتم صانعون؟ قالوا: نعصيه فلا نطيعه، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم. ثم خلق الجن فأمرهم بعمارة الأرض، فكانوا يعبدون الله حق عبادته، حتى طال عليهم الأمد فعصوا وقتلوا نبياً لهم يقال له يوسف وسفكوا الدماء، فبعث الله عليهم من الملائكة جنداً، وجعل عليهم إبليس رئيساً وكان اسمه عزازيل فأجلوهم من الأرض وألحقوهم بجزائر البحور. وسكن إبليس ومن معه من الملائكة الأرض، فهانت عليهم العبادة وأحبوا المكث فيها. فقال الله عز وجل لهم: " إني جاعلٌ في الأرض خليفةً " فصعب عليهم العزل ومفارقة المألوف، وقالوا " أتجعل فيها " على طريق الاستفهام من الله سبحانه " مَن يفسِدُ فيها ويَسْفِك الدماءَ ".

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الله تعالى لما خلق الجان من نار السموم، جعل منهم المؤمن والكافر؛ ثم بعث إليهم رسولاً من الملائكة وذلك قوله


(1/419)


تعالى: " اللهُ يَصطفي من الملائكة رُسلاً ومن الناس " قال: فقاتل الملك المرسل بمؤمني الجن كفارهم فهزموهم وأسروا ابليس، وهو غلام وضيء اسمه الحارث أبو مرة، فصعدت الملائكة به إلى السماء ونشأ بين الملائكة في الطاعة والعبادة وخلق الله خلقاً في الأرض فعصوه، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فنفوهم عن الأرض، ثم خلق الله آدم فأشقى إبليس وذريته به.

وزعم بعضهم انه كان قبل آدم في الأرض خلق لهم لحم ودم، واستدلوا بقوله: " أتجعلُ فيها مَن يُفسد فيها ويسفِكُ الدماء " فلم يقولوا ذلك إلا عن معاينة. واحتجوا أيضاً بقول جويبر: إنهم كانوا خلقاً فبعث إليهم نبي اسمه يوسف فقتلوه. والذين سكنوا الأرض قبل آدم ثلاث أمم: الذين إبليس من نسلهم، والذين قتلوا نبيهم يوسف، والذين أجلاهم إبليس من الأرض، مع ما قيل إنه كان قبل آدم ألف آدم ومائتا آدم، ونوح آخر الآدميين. وروي أن آدم لما خلق قالت له الأرض: يا آدم جئتني بعد ما ذهبت جدتي وشبابي وقد خلقت، قال عدي بن زيد مفرداً:

قضى لستة أيام خلائقه ... وكان آخر شيءٍ صوّر الرجلا


(1/420)


ذكر عدد العوالم كم هي

منقول من المشارع للرقي. في عدد العالمين ثمانية أقول: الأول: أنهم مائة وثمانية وعشرون عالماً. قال الضحاك: ثمانية وستون عالماً حفاة عراة لا يدرون من خلقهم، وستون عالماً يلبسون الثياب.

الثاني: ألف عالم، عن سعيد بن المسيب قال: لله تعالى ألف عالم ستمائة منها في البحر، وأربعمائة في البر.

الثالث: ثمانية عشر ألف عالم؛ قال وهب: لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد، وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء، يعني أن المعمور من الأرض بالحيوان هو القليل كالخيمة المضروبة في الفلاة.

الرابع: أربعون ألفاً، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن الله أربعين ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد.

الخامس: سبعون ألفاً، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " الحمد لله رب العالَمين " قال: الذي فيه الروح، قال: والجن والإنس عالم، والملائكة والكروبيون عالم، وسبعون ألف عالم سوى ذلك لا يعلمهم إلا الله سبحانه وتعالى.

السادس: ثمانون ألفاً، قال مقاتل بن حيان: العالمون ثمانون ألف عالم، أربعون ألف عالم في البر، وأربعون ألف عالم في البحر.

السابع: أن الرؤساء المتبوعين ثمانية عشر ألفاً، والأتباع لا يحصون. وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: العالمون ثمانية عشر ألف ملك، منهم أربعة آلاف وخمسمائة بالمشرق، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك


(1/421)


بالكنف الثالث من الدنيا، وأربعة آلاف بالكنف الرابع من الدنيا، مع كل ملك من الأعوان ما لم يعلم عدده إلا الله، ومن ورائهم أرض بيضاء كالفضة، عرضها مسيرة الشمس أربعين يوماً، ولا يعلم طولها إلا الله، مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون، لهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته، فهم العالمون منتهاهم العرش.

الثامن: أن عددهم لا يحصى. قال كعب: لا يحصى عدد العالمين إلا الله تعالى. قال الله تعالى: " وما يعلَم جنودَ ربّك إلاّ هو ". وقال مقاتل بن سليمان: لو فسرت " العالَمين " لاحتجت إلى ألف مجلد، كل مجلد ألف ورقة. والله تعالى أعلم.


(1/422)


ذكر التواريخ من لدن آدم عليه السلام

روى عبد الله بن قتيبة في كتاب المعارف أن آدم عاش ألف سنة، وكان بين موته والطوفان ألفا سنة ومائتا سنة واثنتان وأربعون سنة، وبين الطوفان وموت نوح ثلاثمائة وخمسون سنة، وبين نوح وإبراهيم عليهما السلام ألفا سنة وأربعون سنة، وبين إبراهيم وموسى تسعمائة سنة، وبين موسى وداود خمسمائة سنة، وبين داود وعيسى ألف سنة ومائتا سنة، وبين عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ستمائة سنة وعشرون سنة، فيكون من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة آلاف سنة وثمانمائة سنة وسنتان، ومن مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامنا هذا: ثمانمائة وثلاث وستون سنة، فيكون جملة التاريخ من عهد آدم إلى يومنا هذا وهو عام ثمانمائة واثنين وعشرين سنة من الهجرة ثمانية آلاف سنة وستمائة سنة وثلاثاً وستين سنة.


(1/423)


ذكر ما جاء في أشراط الساعة

روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبر به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه. والحديث طويل، في آخره: وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لم يبق من الدنيا إلا كما بقي من يومكم هذا.

وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثلي. ومثلكم كقوم خافوا عدواً فبعثوا ربيئة لهم فلما فارقهم إذا هو بنواصي الخيل فخشي أن يسبقه العدو إلى أصحابه، فلمع بثوبه وقال: يا صباحاه. وإن الساعة كادت أن تسبقني إليكم.

وعن حذيفة بن أُسيد رضي الله عنه قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الساعة فقال: أما إنها لا تقوم حتى تكون قبلها عشر آيات. فذكر الدخان والدجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاث خسوفات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب. وآخر ذلك: نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، فيقال: غدت النار فاغدوا، وراحت النار فروحوا، وتغدو وتروح ولها ما سقط.

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء: إذا اتخذوا المغانم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم العلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وأدنى صديقه، وأقصى أباه وأمه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القيان، والمعازف، وشربت الخمور،


(1/424)


ولبس الحرير، ولعن آخر الأمة أولها، فتوقعوا عند ذلك ريحاً حمراء، وخسفاً ومسخاً وقذفاً.

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن جبريل عليه السلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن أمر الدين فقال: متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: ما أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله رفع إلي الدنيا وأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة، كما أنظر إلي كفي هذه. ومنه خبر الهاشمي والسفياني والقحطاني، والترك والحبشة والدجال، ويأجوج ومأجوج، وخروج الدابة والدخان، ونفخة الصور وعيسى، وطلوع الشمس من مغربها.


(1/425)


ذكر الفتن والكوائن في آخر الزمان

عن أبي إدريس الخولاني عن حذيفة بن اليمان قال: أنا أعلم الناس بكل فتنة كائنة إلى يوم القيامة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر لي في ذلك شيئاً لم يحدث به غيري، ولكنه حدث مجلساً أنا فيه عن الكوائن والفتن التي يكون منها صغار وكبار، فذهب أولئك الرهط غيري.

وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعدد ستاً بين يدي الساعة، أولهن موتي فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني، ثم قال: قل إحدى، فقلت: إحدى. والثانية فتح بيت المقدس، قل: اثنتان. فقلت. قال: والثالثة موتان يكون في امتي كعقاص الغنم. قال: ثلاثة فقلت ثلاثة. قال: والرابعة: فتنة عظيمة تكون في أمتي لا تبقي بيتاً في العرب إلا دخلته. قل: أربعة. والخامسة: هدنة بين العرب وبين بني الأصفر، ثم يسيرون إليكم فيقاتلونكم. قل خمس. والسادسة: يفيض المال فيكم حتى يعطى أحدكم المائة من الدنانير فيسخطها. قل: ست.

وعن أبي إدريس عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول الناس هلاكاً فارس، ثم العرب على أثرهم.

وفي رواية معاوية بن صالح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النجوم أمان لأهل الماء، فإذا طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمان لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون، والجبال أمان لأهل الأرض فإذا انشقت الجبال أتى أهلها ما يوعدون.


(1/426)


وقد روى عطاء عن ابن عباس وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلائق، يتسافدون على ظهر الطريق تسافد البهائم.

وفي رواية أبي العالية: لا تقوم الساعة حتى يمشي إبليس في الطرق والأسواق يقول: حدثني فلان عن رسول الله بكذا وكذا، افتراءً وكذباً.

وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى: " حمعسق " إن الحاء حرب في آخر الزمان، والميم ملك بني أمية، والعين عباسية، والسين سفيانية، والقاف القيامة. فمن ذلك ما مضى، ومنه ما هو منتظر.


(1/427)


ذكر خروج الترك

روى أبو صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمين الترك. قوم وجوههم كالمجان المطرقة، صغار الأعين خنس الأنوف يلبسون الشعر. وقيل إن هلاك سلطان بني هاشم على أيدي الأتراك الإسلامية؛ وهلاك الأتراك الإسلامية على أيدي كفرة الترك، وقيل: هم أهل الصين يستولون على الأقاليم. والله سبحانه وتعالى أعلم.


(1/428)


ذكر الهدة في رمضان وهي من أشراط الساعة

حكى البيروني عن الأوزاعي، عن عبد الله بن لبابة، عن فيروز الديلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تكون هدة في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان. وفي رواية الأوزاعي: يكون صوت في نصف شهر رمضان يصعق له سبعون ألفاً، ويخرس له سبعون ألفاً، وتتفتق له سبعون ألف بكر، قال: ثم يتبعه صوت آخر. فالأول صوت جبريل، والثاني صوت إبليس، وقيل: الصوت في رمضان، والمعمعة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة. ويغار على الحاج في ذي الحجة. والمحرم أوله بلاء وآخره فرج؛ قالوا: يا رسول الله من يسلم منه؟ قال: من يلزم بيته ويتعوذ بالسجود.

وفي رواية قتادة: تكون هدة في رمضان، ثم تظهر عصابة في شوال، ثم تكون معمعة في ذي القعدة، ثم يسلم الحاج في ذي الحجة، ثم تنتهك المحارم في المحرم، ثم


(1/429)


يكون صوت في صفر، ثم يتنازع القبائل في شهر ربيع الأول، ثم العجب كل العجب بين جمادي ورجب، ثم فيه مغنية خير من دسكرة مائة ألف.


(1/430)


ذكر الهاشمي الذي يخرج من خراسان مع الرايات السود:

روي عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا رأيتم الرايات السود من قبل خراسان فاستقبلوها مشياً على أقدامكم لأن فيها خليفة الله المهدي. وفي هذا أخبار كثيرة، هذا أحسنها وأولاها. وروي فيه عن عباس بن عبد المطلب أنه قال. إذا أقبلت الرايات السود من المشرق يوطئ أصحابها للمهدي سلطانه.

وقال قوم: قد نجزت هذه بخروج أبي مسلم، وهو أول من عقد الرايات السود وسود ثيابه وخرج من خراسان فوطأ لبني هاشم سلطانهم.

قال آخرون: بل هذه تأتي بعد، وإن أول الكوائن ملك يخرج من الصين من ناحية يقال لها حتن بها طائفة من ولد فاطمة من ظهر الحسين بن علي رضي الله عنهم، ويكون على مقدمته رجل كوسج من تميم يقال له شعيب بن صالح، مولده بالطالقان. مع حكايات كثيرة وأخبار عجيبة من القتل والأسر. والله أعلم.


(1/431)


ذكر خروج السفياني:

روي عن مكحول، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية.

وفي رواية أبي قلابة، عن أسماء عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر ولد العباس، فقال: يكون هلاكهم على يد رجل من أهل بيت هذه، وأومأ إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان.

ومما أخبر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذكر الفتن بالشام قال: فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي. ثم ذكر السفياني وأنه من ولد زيد بن معاوية، بوجهه آثار الجدري، وبعينه نقطة من بياض، يخرج من ناحية دمشق ويبعث خيله


(1/432)


وسراياه في البر والبحر فيبقرون بطون الحبالى وينشرون الناس بالمناشير، ويحرقون ويطبخون الناس في القدور، ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويحرقون، ثم ينبشون عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر فاطمة رضي الله عنها؛ ثم يقتلون كل من كان اسمه محمداً وفاطمة، ويصلبونهم على باب المسجد، فعند ذلك يشتد عليهم غضب الجبار فيخسف بهم الأرض، وذلك قوله تعالى: " ولو ترى إذ فَزعوا فلا فَوْتَ وأُخذوا من مكانٍ قريب " أي من تحت أقدامهم. وفي خبر آخر أنهم يخربون المدينة حتى لا يبقى بها رائح ولا سارح.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لتتركن المدينة كأحسن ما كانت حتى يجيء الكلب فيشغر على سارية المسجد؛ قالوا: فلمن تكون الثمار يومئذ يا رسول الله؟ قال: لعوافي السباع والطير، قال: ثم تسير سرية السفياني تريد مكة حتى تنتهي إلى موضع يقال له بيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء بيدي بهم، فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب، تقلب وجوههما في أفقيتهما، يمشيان القهقرى على أعقابهما حتى يأتيا السفياني، فيخبرانه، ويأتي للمهدي وهو بمكة فيخرج معه اثنا عشر ألفاً فيهم الأبدال والأعلام، حتى يأتي المياه فيأسر السفياني ويغير على كلب لأنهم أتباعه ويسبي نساءهم. قالوا: فالخائب يومئذ من غاب عن غنائم كلب. كذا الرواية مع كلام كثير. والله أعلم.


(1/433)


ذكر خروج المهدي

قد روي فيه روايات مختلفة وأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم. وأحسن ما جاء في هذا الباب خبر أبي بكر بن عياش عن عاصم بن ذر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تذهب الدنيا حتى يأتي على أمتي رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ليس فيه تواطؤ اسمه اسمي.

وللشيعة فيه أشعار كثيرة وأسطار بعيدة، منها قول عامر بن عامر البصري:

طغى الجور والعدوان فاض، فهل لكم ... بني العزم في فكرٍ لتحصيل آلة

لنبني قبل الغرق منها سفينةً ... فننجو بها من هلك أمواج فتنة

فكن عالماً بالوقف فكراً وفتنة ... أخيّ، فهذا الوقت وقتٌ لفطنة

إمام الهدى حتى متى أنت غائب ... فمنّ علينا يا إمام بأوبة

مللنا وطال الإنتظار فجد لنا ... بحقّك يا قطب الوجود بزورة

وقوّم بعدلٍ منك ظهراً قد انحنى ... وعدّل مزاجاً، مال، منك بحكمة


(1/434)


فأنت لهذا الأمر قدماً معيّن ... لذلك قال الله: أنت خليفتي

ومن حلية المهدي أنه أسمر اللون كث اللحية أكحل العينين براق الثنايا، في خده خال، يرفع الجور عن الأرض ويفيض العدل على الخلق ويسوي بين الضعيف والقوي في الحق، ويبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ويفتح القسطنطينية، ولا يبقى أحد في الأرض إلا دخل في الإسلام أو أدى الجزية؛ وعند ذلك يتم وعد الله ليظهره على الدين كله.

واختلفوا في مدة عمره، فقيل: يعيش سبع سنين؛ وقيل: تسعاً، وقيل: عشرين، وقيل: أربعين، وقيل: سبعين. والله أعلم.


(1/435)


ذكر خروج القحطاني

روي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة حتى تقفل القوافل من رومية، ولا تقوم الساعة حتى يسوق الناس رجل من قحطجان. واختلفوا فيه من هو؟ فروي عن ابن سيرين أنه قال: القحطاني رجل صالح، وهو الذي يصلي خلفه عيسى، وهو المهدي. وروي عن كعب أنه قال: يموت المهدي ويبايع الناس بعده القحطاني. وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رجل يخرج من ولد العباس.


(1/436)


ذكر فتح القسطنطينية

روي عن السدي في قوله عز وجل: " لَهُمْ في الدنيا خِزْيٌ ولهم في الآخرة عذاب عظيم " قال: فتح القسطنطينية وخروج الدجال. وبعض المفسرين ذهب في تفسير " ألم غُلِبَتِ الروم " أنه كائن، وعني به فتح القسطنطينية، وذكر أنه تباع الفرس بدرهم ويقتسمون الدنانير بالجحف. قالوا: وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين. فبينما هم كذلك إذ جاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلفكم في داركم. قال: فيرفضون ما في أيديهم من ذلك وينفرون إليه، وهي كذابة.


(1/437)


ذكر خروج الدجال

الأخبار الصحيحة متواترة بخروجه بلا شك ولا ريب، وإنما الأختلاف في صفته وهيئته. قال قوم: هو صائف بن صائد اليهودي، ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أحياناً يربو في مهده وينتفخ في بيته حتى يملأ بيته. فأُخبر صلى الله عليه وسلم بذلك فأتاه في نفر من أصحابه، فلما نظر إليه عرفه فدعا الله سبحانه وتعالى، فرفعه إلى جزيرة من جزائر البحر، إلى وقت خروجه.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه وهو يلعب مع الصبيان فقال ابن صياد: أشهد أني رسول الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اشهد أني رسول الله. فقال له ابن صياد أشهد اني رسول الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خبيئاً.

قال: ما هو؟ قال: الدخ، يعني الدخان. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو طورك. قال عمر رضي الله عنه: أئذن لي فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلا تسلط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاختطف.

وجاء في الحديث أنه أغم جفال الشعر مكتوب بين عينيه: ك ف ر، يقرؤه كل أحد، كاتب وغير كاتب.

واختلفوا في موضع مخرجه، فقال قوم: يخرج من المشرق من أرض خراسان، وقالت طائفة: يخرج من يهود أصفهان، وقال قوم: يخرج من أرض الكوفة. واختلفوا في أتباعه. قالوا: النساء والأعراب والمومسات وأولادهن. وأختلفوا في العجائب التي تظهر على يديه، فقال قوم: يسير حيث سار جنة ونار، فجنته نار وناره


(1/438)


جنة، ويدعي أنه رب الخلائق فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت، ويبعث الشياطين في صور الموتى، ويقتل رجلاً ثم يحييه. فيفتتن الناس ويؤمنون به ويبايعونه. قالوا: ولا يتبعه من الدواب إلا الحمار.

واختلفوا في هيئة حماره فقالوا: ما بين أذني حماره اثنا عشر شبراً، وقيل: أربعون ذراعاً، تظل إحدى أذنيه سبعين رجلاً، وخطوته مدى البصر ثلاثة أيام، يبلغ كل منهل إلا أربعة مساجد: مسجد الله الحرام، ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومسجد الأقصى، ومسجد الطور. ويمكث أربعين صباحاً ويقصد بيت المقدس، وقد اجتمع الناس لقتاله، فتعمهم ضبابة من غمام ثم تنكشف عنهم مع الصبح فيرون عيسى بن مريم عليه السلام قد نزل على المنارة البيضاء في جامع بني أمية فيقتل الدجال.


(1/439)


يتبع



الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
ذكر نزول عيسى بن مريم



عليهما السلام

المسلمون لا يختلفون في نزول عيسى بن مريم عليهما السلام آخر الزمان. وقد قيل في قوله تعالى: " وإنه لَعِلْمٌ للساعة فلا تَمتَرُنَّ بها " إنه نزول عيسى. وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عيسى نازل فيكم وهو خليفتي عليكم، فمن أدركه فليقرئه سلامي، فإنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحج في سبعين ألفاً، فيهم أصحاب الكهف فإنهم يحجون، ويتزوج امرأة من الأزد، ويذهب البغضاء والشحناء والتحاسد، وتعود الأرض إلى هيئتها وبركاتها على عهد آدم عليه السلام حتى تترك القلاص فلا يسعى إليها أحد، وترعى الغنم مع الذئب، وتلعب الصبيان مع الحيات فلا تضرهم، ويلقي الله العدل في الأرض في زمانه حتى لا تقرض فأرة جراباً، وحتى يدعى الرجل إلى المال فلا يقبله وتشبع الرمانه السكن.

قالوا: وينزل عيسى عليه السلام وفي يده مشقص فيقتل به الدجال، وقيل: إذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص، واتبعهم المسلمون يقتلونهم، فيقول الحجر والشجر: هذا يهودي خلفي إلا الغرقد من شجر اليهود، قالوا: ويمكث عيسى عليه السلام أربعين سنة، ويقال: ثلاثاً وثلاثين سنة يصلى خلف المهدي ثم يخرج يأجوج ومأجوج.

بقية من خبر الدجال: عن فاطمة بنت قيس قالت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو الظهيرة، فخطبنا فقال: إني لم أجمعكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن لحديث حدثنيه تميم الداري منعني سرور القائلة: حدثني أن نفراً من قومه ركبوا في البحر فأصابتهم ريح عاصف ألجأتهم إلى جزيرة. فإذا هم بدابة، قالوا لها: ما أنت؟


(1/440)


قالت أنا الجساسة. قلنا: أخبرينا الخبر. قالت: إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير، فإن فيه رجلاً هو بالأشواق إليكم. فأتيناه فأخبرناه فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: تدفق الماء من جانبيها. قال: ما فعل نخل عمان ويبسان. قلنا: يجنيها أهلها. قال: فما فعلت عين زغر؟ قلنا يشرب أهلها منها. قال: فلو يبست هذه نفذت من وثاقي ثم وطئت بقدمي كل منهل إلى مكة والمدينة.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال. وقال: إنه لم يكن نبي إلا أنذر قومه فتنة الدجال ووصفه، وإنه قد بين لي ما لم يبين لأحد أنه أعور، وكيت وكيت، فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجتكم، وإن لم يخرج إلا بعدي فالله خليفتي عليكم، فما اشتبه عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور.

والدجال تسميه اليهود مواطيح كوائيل؛ ويزعمون أنه من نسل داود؛ وإنه يملك الأرض ويردها إلى بني إسرائيل؛ فيتهود أهل الأرض كلهم.


(1/441)


بقية من خبر عيسى عليه السلام

قال بعض المفسرين في قوله تعالى: " وإنْ من أهلِ الكتابِ إلا لَيؤْمِنَنَّ به قبلَ موته " إنه عند نزول عيسى؛ وقال عز وجل: " وما قتلُوه وما صلَبوه ولكنْ شُبِّه لهم " ثم قال: " بل رفعه الله إليه ". ثم اختلف المتأولون له؛ فقال أكثرهم وأحقهم بالتصديق: هو عيسى عليه السلام بعينه يرد إلى الدنيا؛ وقالت فرقة: نزول عيسى خروج رجل يشبه عيسى في الفضل والشرف؛ كما يقال للرجل الخير ملك وللشرير شيطان، تشبيهاً بهما، ولا يراد الأعيان. وقال قوم: ترد روحه في رجل اسمه عيسى، والآخران ليسا بشيء. والله أعلم.


(1/442)


ذكر طلوع الشمس من مغربها

قال بعض المفسرين في قوله تعالى: " يَوم يأتي بعض آياتِ ربِّك لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنتْ من قبلُ أو كسَبتْ في إيمانها خيراً " قيل: هو طلوع الشمس من مغربها. وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: ثلاث إذا خرجت لا ينفع نفساً إيمانها: طلوع الشمس من مغربها؛ والدابة والدجال. وقالوا في صفة طلوعها من مغربها: إنه إذا كانت الليلة التي تطلع الشمس في صبيحتها من مغربها حبست فتكون تلك الليلة قدر ثلاث ليال. قالوا: فيقرأ الرجل جزءه ثم ينام، ويستيقظ والنجوم راكدة والليل كما هو. فيقول بعضهم لبعض: هل رأيتم مثل هذه الليلة قط؟ ثم تطلع من مغربها كأنها علم أسود حتى تتوسط السماء، ثم تعود بعد ذلك فتجري في مجراها الذي كانت تجري فيه. وقد أُغلق باب التوبة إلى يوم القيامة.

وروي عن علي أنه قال: تطلع بعد ذلك من مشرقها مائة وعشرين سنة، لكنها سنون قصار، السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة. وكان كثير من الصحابة يترصدون طلوع الشمس من مغربها، منهم حذيفة بن اليمان وبلال وعائشة، رضي الله عنهم.


(1/443)


ذكر خروج الدابة

قال الله عز وجل: " وإذا وقع القولُ عليهم أخَرجْنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم " قال كثير من أهل العلم بالاخبار: إنها ذات وبر وريش وزغب، فيها من كل لون ولها أربع قوائم، رأسها رأس ثور وآذانها آذان فيل، وقرونها قرون أُيل، وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد، وقوائمها قوائم بعير، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، وترفع الأسماء فلا يعرف أحد باسمه وهي تجلو وجه المؤمن بالعصا فيبيض، وتختم على أنف الكافر فيفشو السواد فيه، فيقال: يا مؤمن يا كافر.

وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: هي الدابة التي أخبر تميم الداري عنها. وعن الحسن أنه قال: سأل موسى ربه أن يريه الدابة، فخرجت ثلاثة أيام ولم يدر أي طرفيها خرج؟ فقال موسى: يا رب، رد هذا المتاع النفيس إلى مكانه لا حاجة لنا فيه. ويقال إنها تخرج بأجنادين عقيب الحاج، تسير بالنهار وتقف بالليل، يراها كل قائم وقاعد، وإنها لتدخل المسجد وقد عاذ به المنافقون فتقول: أترون المسجد ينجيكم مني؟ هلا كان هذا بالأمس؟ والله أعلم


(1/444)


ذكر الدخان

قال الله عز وجل: " فارْتَقِبْ يومَ تأتي السماءُ بدُخان مُبين ". وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: يجيء دخان فيملأ ما بين السماء والأرض حتى لا يدرى شرق ولا غرب، ويأخذ الكفار فيخرج من مسامعهم ويكون على المؤمن كهيئة الزكمة، ثم يكشفه الله عز وجل بعد ثلاثة أيام، وذلك بين يدي الساعة. وأكثر أهل التأويل على أنه الجوع الذي أصابهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.


(1/445)


ذكر خروج يأجوج ومأجوج

قال الله عز وجل: " فإذا جاء وعدُ ربي جعله دَكّاءَ " يعني السد. وجاء في الأخبار من صفاتهم وعددهم ما الله به عليم، ولا يختلفون في أنهم بين مشارق الأرض وشمالها.

وروي عن مكحول أنه قال: المسكون من الأرض مسيرة مائة عام، ثمانون منها ليأجوج ومأجوج، وعشرة للسودان، وعشرة لبقية الأمم. ويأجوج ومأجوج أمتان، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا تشبه أمة أخرى، وعن الزهري أنهما ثلاث أمم: منسك، وتأويل، وتدريس. فصننف منهم كأمثال الشجر الطوال من الأرز، وصنف منهم عرض أحدهم وطوله بالسواء، وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى.

وروي أن طول أحدهم شبر وأكبر. ويكون خروجهم بعد قتل عيسى الدجال. وإذا جاء الوقت جعل الله السد دكاً، كما ذكره عز وجل في كتابه، فيخرجون وينتشرون في الأرض. وروي أنهم يكون أول مقدمتهم بالشام وساقتهم ببلخ. قال: ويأتي أولهم البحيرة فيشربون ماءها، ويأتي أوسطهم فيلحسون ما فيها من النداوة، ويأتي آخرهم فيقولون: لقد كان هنا مرةً ماء ويكون مكثهم في الأرض سبع سنين. ثم يقولون: قد قهرنا أهل الأرض فهلموا نقاتل سكان السماء، فيرمون


(1/446)


بنشابهم نحو السماء فيردها الله عليهم ملطخة بدم، فيقولون: قد فرغنا من أهل السماء، فيرسل الله عليهم النغف في رقابم فيصبحون موتى. ثم يرسل الله عليهم السماء فتجرفهم إلى البحر.

وفي رواية كعب أنهم ينقرون السد بمناقيرهم كل يوم، فيعودون من الغد وقد عاد لما كان، حتى إذا بلغ الأجل المعلوم ألقى الله على لسان أحدهم: إن شاء الله فيخرجون حينئذ. وروي أنهم يلحسون السد. وقيل إن فيهم طائفة، لكل منهم أربعة أعين، عينان في رأسه وعينان في صدره، ومنهم من له رجل واحدة يقفز بها قفزاً، ومنهم من هو ملبس شعراً كالبهائم. ومن طوائفهم طائفة لا تأكل إلا لحوم الناس ولا تشرب إلا الدماء، ولا يموت الواحد منهم حتى يرى لصلبه ألف عين تطرف. وفي التوراة مكتوب: إن يأجوج ومأجوج يخرجون في أيام المسيح، ويقولون: إن بني إسرائيل أصحاب أموال وأوان كثيرة، فيقصدون أورشليم وينتهبون نصفها ويسلم النصف الآخر، ويرسل الله عليهم صيحة فيموتون عن آخرهم. وتصيب بنو إسرائيل من أدوات عسكرهم ما يستغنون به سبع سنين عن الحطب. وهذا المقدار من حديثهم في كتاب زكريا عليه السلام، قيل: ويمكث الناس بعد هلاك يأجوج ومأجوج عشرين سنة يحجون ويعتمرون. والله أعلم.


(1/447)


ذكر خروج الحبشة

قال أصحاب هذا العلم: ويمكث الناس بعد هلاك يأجوج ومأجوج في الخصب والدعة ما شاء الله تعالى. ثم تخرج الحبشة وعليهم ذو السويقتين، فيخربون مكة ويهدمون الكعبة، ثم لا تعمر أبداً، وهم الذين يستخرجون كنوز فرعون وقارون. قال: فيجتمع المسلمون ويقاتلونهم فيقتلونهم ويسبونهم، حتى يباع الحبشي بعباءة، ثم يبعث الله ريحاً عقيماً فتقبض روح كل مسلم. والله تعالى أعلم.


(1/448)


ذكر فقدان مكة المكرمة

روي عن الحسن، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حجوا قبل أن لا تحجوا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ليرفعن هذا البيت من بين أظهركم حتى لا يدري أحدكم أين كان مكانه بالأمس؟ وقال: كأني أنظر إلى أسود أحمش الساقين قد علاها، ينقضها طوبةً طوبة.


(1/449)


ذكر خروج الريح التي تقبض أرواح أهل الإيمان

روي أن الله عز وجل يبعث ريحاً يمانية ألين من الحرير وأطيب نفحة من المسك، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا قبضته. ويبقى الناس بعد مائة عام لا يعرفون ديناً ولا ديانة، وهم شرار خلق الله، وعليهم تقوم الساعة وهم في أسواقهم يتبايعون. وفي رواية عبد الله بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقوم الساعة حتى لا يعبد الله في الأرض مائة سنة. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: يؤمر صاحب الصور أن ينفخ في صوره، فيسمع رجلاً يقول: لا إله إلا الله، فيؤخر مائة عام.


(1/450)


ذكر ارتفاع القرآن

روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: القرآن أشد نقصياً على قلوب الرجال من النعم في عقلها قيل: يا أبا عبد الرحمن، كيف؟ وقد أثبتناه في صدورها ومصاحفنا قال: يسرى عليه ليلاً فلا يذكر ولا يقرأ.


(1/451)


ذكر النار التي تخرج من قعر عدن فتسوق الناس إلى المحشر

روى حذيفة بن أُسيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عشر بين يدي الساعة، هذه إحداهن وفي رواية أخرى: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى. وفي رواية أخرى: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من حضرموت، مع اختلاف كثير في الروايات.


(1/452)


ذكر نفخات الصور

وهي ثلاث مرات، اثنتان منها في آخر الدنيا، وواحدة في أول الآخرة؛ قال الله عز وجل: " ما يَنظُرون إلا صَيْحةً واحدة تأخُذهم وهم يَخِصِّمُون، فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يَرجعون ".

وروي عن الحسن بن شيبان، عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تهيج الساعة والرجلان يتبايعان، قد نشرا أثوابهما فلا يطويانها، والرجل يلوط حوضه فلا يستقي منه، والرجل قد انصرف بلبن نعجته فلا يطعمه، والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يأكلها، ثم تلا: " تأخُذهم وهم يَخِصِّمُون "، " لأتاتيكم إلا بغته ".


(1/453)


ذكر النفخة الأولى

صاحب الصور هو السيد إسرافيل عليه السلام، وهو أقرب الخلق إلى الله عز وجل وله جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، والعرش على كاهله، وإن قدميه قد مرقتا من الأرض السفلى حتى بعدتا عنها مسيرة مائة عام، على ما رواه وهب. ومثل هذا مما يزيد في يقين العامي ويبلغ في تخويفه وتعظيمه لأمر الله تعالى. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كيف أنتم وصاحب الصور قد التقمه، ينتظر متى يؤمر له فينفخ؟.


(1/454)


ذكر ما جاء في الصور وهيئته

روي أنه كهيئة قرن، فيه بعدد كل روح ثقب. وله ثلاث شعب: شعبة تحت الثرى تخرج منها الأرواح وترجع إلى أجسادها، وشعبة تحت العرش منها يرسل الله الأرواح إلى الموتى، وشعبة في فم الملك ينفخ فيها. فإذا مضت الآيات والعلامات التي ذكرناها أُمر صاحب الصور أن ينفخ نفخة الفزع ويديمها ويطولها، فلا يبرح كذا عاماً. وهي المذكورة في قوله تعالى: " ما ينظُرون إلا صيحةً واحدة تأخذهُم وهم يخِصِّمون ". وكذلك في قوله تعالى: " ما ينظُرون إلا صيحة واحدةً ما لها من فَواقٍ ". وفي قوله تعالى: " ويومَ يُنفَخ في الصور ففزِع مَن في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ".

وإذا بدت الصيحة فزعت الخلائق وتحيرت وتاهت، والصيحة تزداد كل يوم مضاعفة وشدةً وشناعة. فينحاز أهل البوادي والقبائل إلى القرى والمدن، ثم تزداد الصيحة وتشتد حتى تتجاوز إلى أمهات الأمصار، وتعطل الرعاة السوائم وتفارقها، وتأتي الوحوش والسباع وهي مذعورة من هول الصيحة، فتختلط بالناس وتستأنس بهم، وذلك قوله تعالى: " وإذا العِشار عُطّلتْ، وإذا الوحوش حُشرت ". ثم تزداد الصيحة هولاً وشدة حتى تسير الجبال على وجه الأرض وتصيرَ سراباً جارياً، وذلك قوله تعالى: " وإذا الجبال سُيّرتْ " وقوله تعالى: " وتكون الجبالُ كالعِهْن المنفوش "


(1/455)


وزلزلت الأرض وارتجت وانتفضت، وذلك قوله تعالى: " إذا زُلزلت الأرضُ زِلزالَها " وقوله تعالى: " يوم تَرجُف الأرضُ والجبال ".

ثم تكور الشمس وتنكدر النجوم وتسجر البحار، والناس حيارى كالوالهين ينظرون إليها. وعند ذلك تذهل المراضع عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، ويشيب الولدان، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، من الفزع، ولكن عذاب الله شديد.

حكى أبو جعفر الرازي عن ربيع، عن أبي العيالة عن أبي بن كعب قال: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهبت الشمس، وبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، وبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، وبينما هم كذلك إذ تحركت الأرض فاضطربت لأن الله تعالى جعل الجبال أوتادها؛ ففزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجن، واضطربت الدواب والطيور والوحوش فماج بعضهم في بعض؛ فقال الجن: نأتيكم بالخبر اليقين. فانطلقوا فإذا هي نار تتأجج. فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأهلكتهم. وهذه من نص القرآن ظاهرة، لا يسع لأحد مؤمن ردها والتكذيب بها.

وفي هذه الصيحة تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، ولا يسأل حميم حميماً، وفيها تنشق السماء فتصير أبواباً، وفيها يحيط سرادق من نار بحافات الأرض فتطير الشياطين هاربةً من الفزع، حتى تأتي أقطار السماء والأرض فتتلقاهم الملائكة يضربون وجوههم حتى يرجعوا. وذلك قوله تعالى: " يا معشرَ الجنِّ والإنس إن استطعتم أن


(1/456)


تنفذوا من أقطارِ السموات والأرضِ فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان "، والموتى في القبور لا يشعرون بهذه.


(1/457)


ذكر النفخة الثانية في الصور

وذلك قوله تعالى: " ونُفخ في الصور فصَعِقَ مَن في السموات ومن في الأرض إلاّ مَن شاء الله "، فيموتون في هذه النفخة إلا من تناوله الاستثناء في قوله: " إلاّ مَن شاء الله ".


(1/458)


ذكر ما بين النفختين من المدة

يقال: إن ما بين النفختين أربعون سنة، تبقى الأرض على حالها مستريحة بعدما مر بها من الأهوال العظام والزلازل، وتمطر سماؤها، وتجري مياهها وتطعم أشجارها، ولا حي على ظهرها من سائر المخلوقات.


(1/459)


ذكر ما ورد في قوله تعالى: هو الأول والآخر

قال الله عز وجل: " كما بَدأْنا أولَ خَلْقٍ نُعيده " وقال سبحانه: " كُلّ مَن عليها فانٍ ". وقال عز من قائل: " كلُّ شيءٍ هالك إلا وجهه " وقال جل وعلا: " كلُّ نفسٍ ذائقة الموت ". فدلت هذه الآيات على هلاك كل شيء دونه. قال جل وعز: " ونُفخ في الصور فصَعِق مَن في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله " دل على أن الصعقة لا تعم جميع الخلائق. فالتمسنا التوفيق بين الآيات بعد أن أمكن أن تكون آية الاستثناء مفسرة لتلك الآي، فقلنا: الاستثناء عند نفخة الصعق، وعموم الفناء بين النفختين، كما جاء في الخبر، لئلا يظن ظان أن القرآن متناقض.

وروى الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه " قال: كل شيء وجب عليه الفناء إلا الجنة والنار والعرش والكرسي والحور العين والأعمال الصالحة. وقيل في قوله تعالى: " إلا مَن شاء الله " الشهداء حول العرش سيوفهم بأعناقهم؛ وقيل: الحور العين؛ وقيل: موسى عليه السلام لأنه صعق مرة؛ وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل، صلوات الله عليهم أجمعين. وقيل: ملك الموت عليه السلام، وقيل: حملة العرش عليهم السلام. قالوا: فيأمر الله تعالى ملك الموت فيقبض أرواحهم، ثم يقول له: مت، فيموت فلا


(1/460)


يبقى في الملك حي إلا الله؛ فعند ذلك يقول: " لمَنِ المُلك اليوم؟ " فلا يجيبه أحد، فيقول: " للهِ الواحدِ القهار ". هكذا روي في الأخبار. والله أعلم.


(1/461)


ذكر المطرة التي تنبت الأجساد

قالوا: فإذا مضى من النفختين أربعون عاماً أمطر الله سبحانه من تحت العرش ماء خاثراً كالطلاء وكالمني من الرجال، يقال له ماء الحيوان، فتنبت أجسامهم كما ينبت البقل. قال كعب: ويأمر الله الأرض والبحار والطير والسباع برد ما أكلت من أجساد بني آدم حتى الشجرة الواحدة، فتتكامل أجسامهم. قالوا: وتأكل الأرض ابن آدم إلا عجب الذنب فإنه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف، فينشأ الخلق من ذلك العجب، وتركب عليه أجزاؤه كالهباء في شعاع الشمس، فإذا تم وتكامل نفخ فيه الروح ثم انشق عنه القبر، ثم قام خلقاً سوياً.


(1/462)


ذكر النفخة الثالثة وهي نفخة القيامة

وذلك قوله تعالى: " ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون " وقوله: " إن كانت إلا صيحةً واحدة فإذا هم جميع لدينا مُحْضَرون ". ويجمع الله أرواح الخلائق في الصور، ثم يأمر الله الملك أن ينفخ فيهم قائلاً: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة والأعضاء المتمزقة والشعور المنتثرة، إن الله المصور الخلاق يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. فيجتمعن ثم ينادي: قوموا للعرض على الجبار. فيقومون، وذلك قوله تعالى: " يخرجُون من الأجداثِ سِراعاً " وقوله تعالى: " يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشرٌ، مُهْطِعين إلى يسير ". فإذا خرجوا من قبورهم تلقى المؤمنين بمواكب من رحمة الله كما وعد سبحانه وتعالى: " يومَ نحشُر المتّقين إلى الرحمن وَفداً " والفاسقون يمشون على أقدامهم سوقاً وهو قوله: " ونَسوق المجْرمين إلى جهنمَ وِرْداً ".


(1/463)


ذكر الموقف وأين يكون

روى المسلمون أن الناس يحشرون إلى بيت المقدس. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هو المحشر والمنشر. ووافقت اليهود على ذلك.

وروي عن كعب: أن الله نظر إلى الأرض وقال: إني واطئ على بعضك، فانتسفت الجبال وارتجت الصخرة وتضعضعت وارتعدت؛ فشكر الله لها ذلك فقال: هذا مقامي ومحشر خلقي، هذه جنتي وهذه ناري، وهذا موضع ميزاني، وأنا ديان يوم الدين؛ وقيل: يصير الله الصخرة من مرجانة طباق الأرض، ويحاسب عليها الخلق. والله أعلم.


(1/464)


ذكر يوم القيامة والحشر والنشر

وتبديل الأرض غير الأرض وطي السماء، وأحوال ذلك اليوم

قال الله عز وجل: " يومَ تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض والسمواتُ، وبرزُوا لله الواحِد القهّار ". فأول من يحييه الله جل جلاله يوم القيامة إسرافيل لينفخ النفخة الثالثة لقيام الخلق كما تقدم. ثم يحيي رؤساء الملائكة ثم أهل السماء، ويأمر جبريل وميكائيل وإسرافيل أن انطلقوا إلى رضوان خازن الجنان وقولوا له: إن رب العزة والجبروت والكبرياء مالك يوم الدين، يأمرك أن تزين البراق وترفع لواء الحمد وتاج الكرامة وسبعين حلة من حلل الجنة الفاخرة، واهبطوا بها إلى قبر البشير النذير حبيبي محمد صلواتي وتسليمي عليه، فنبهوه من رقدته وأيقظوه من نومته وقولا له: هلم إلى استكمال كرامتك واستيفاء منزلتك وارتفاعك على الأولين والأخرين، وشفاعتك في المذنبين.

قال: فينطلقون إلى باب الجنة فيقرعونه فيقول رضوان: من بباب الجنة؟ فيقول: جبريل وميكائيل وإسرافيل وأتباعهم، ويبلغ جبريل الرسالة، فيقول: وأين القيامة؟ فيقول جبريل: هذا يوم القيامة. قال: فيقبل رضوان بالبراق ولواء الحمد وتاج الكرامة والحلل وتستبشر الحور والولدان، ويرتفعن إلى أعالي القصور ويمجدن الملك الغفور ويفرحن بلقاء الأحباب ويشكرن رب الأرباب. ثم يأتي النداء من قبل الله عز وجل: يا رضوان زخرف الجنان ومر الحور العين أن يتزين بأكمل زينة


(1/465)


ويتهيأن لقدوم سيد الأنبياء والمرسلين وقدوم أزواجهن من المؤمنين فما بقي غير الوصال والاجتماع والاتصال.

ثم يقبل إسرافيل وميكائيل وجبريل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف إسرافيل عند رأسه وميكائيل عند وسطه وجبريل عند رجليه فيقول إسرافيل لجبريل: نبهه يا جبريل فأنت صاحبه ومؤنسه في دار الدنيا؛ فيقول له جبريل: صح به يا إسرافيل فأنت صاحب النفخة والصور. قال: فيقول له إسرافيل: أيتها النفس المطمئنة البهية الطاهرة الزكية عودي إلى الجسد الطيب، يا محمد قم بإذن الله وأمره. فيقوم صلى الله عليه وسلم وهو ينفض التراب عن رأسه ووجهه، ثم يلتفت عن يمينه وإذا بالبراق ولواء الحمد وتاج الكرامة وحلل المجد، فتسلم الملائكة عليه ويقول له جبريل: يا محمد هذه هدية إليك وكرامة من رب العالمين. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: بشرني. فيقول جبريل: إن الجنان قد زخرفت والحور العين قد تزينت وهن في انتظار قدومك أيها المختار، فهلم إلى لقاء الملك الجبار. فيقول: سمعاً وطاعة لرب العالمين. أخبرني أين تركت أمتي المساكين؟ فيقول: يا محمد وعزة من اصطفاك على العالم ما انشقت الأرض عن أحد سواك من بني آدم.

قال: فيسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلبس تلك الحلل ويتقدم فيركب البراق وتضع الملائكة على رأسه تاج الكرامة ويسلمونه لواء الحمد، فيأخذه بيده ويسير في موكب الكرامة والعز فرحاً مسروراً مبجلاً معظماً محبوراً، حتى يقف بين يدي الله عز وجل ثم يرسل الله الأرواح ويأمرها أن تلج في الأجساد بنفخة إسرافيل، فإذا الخلائق قيام من قبورهم، عراة ينفضون التراب عن وجوههم ورؤوسهم، وقد عقدوا أيديهم في أعناقهم وشخصوا بأبصارهم مهطعين إلى الداع سكارى وما هم بسكارى، متحيرين والهين حيارى لا يعرفون شرقاً ولا غرباً،


(1/466)


الرجال والنساء في صعيد واحد، لا يعرف الرجل من إلى جانبه: أرجل أم امرأة؟ ولا تعرف المرأة من إلى جانبها: أمرأة أم رجل؟ قد شغل كل منهم بنفسه.

ثم يوكل الله عز وجل بكل نفس ملكاً يسوقها إلى الموقف وشاهداً من نفس، فالسائق هو الملك الموكل والشاهد جملة أعضائه وجسده. قال: ثم يؤتى بهم إلى أرض المحشر والموقف، وهي أرض بيضاء من فضة أو كالفضة، لم يسفك عليها دم حرام ولم يعبد عليها وثن، يظهرها الله سبحانه بأرض بيت المقدس، وقد نصبت عليها منابر للأنبياء وكراسي للأولياء والصالحين والشهداء، ويصف الخلائق على تلك الأرض صفوفاً من المشرق إلى المغرب. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أهل الجنة يومئذ مائة وعشرون صفاً، ثمانون من أمتي، وأربعون من سائر الأمم. ثم تقرب الشمس من رؤوس الخلائق ويزداد في حرها سبعين ضعفاً، وتبرز جهنم وذلك قوله تعالى: " وُبّرزَتِ الجحيمُ لمن يَرى " فتغلي أدمغتهم في رؤوسهم، ويرشح العرق من أبدانهم فيسير في الأرض ثم يأخذهم العرق على قدر ذنوبهم: فمنهم من يأخذه إلى كعبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى إبطيه، ومنهم من يأخذه إلى عنقه، ومنهم يعوم فيه عوماً.

ثم يقومون كذلك ما شاء الله حتى يطول الوقوف ويشتد بهم الكرب، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم فنسأله أن يشفع فينا إلى ربنا، فمن كان من أهل الجنة فيؤمر به إلى الجنة، ومن كان من أهل النار فيؤمر به إلى النار. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم قد طال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها. فيقول آدم: ما لي وللشفاعة؟ ويذكر ذنبه انطلقوا إلى غيري.


(1/467)


فيأتون نوحاً فيقولون مقالهم. فيقول: كيف لي بالشفاعة وقد أهلك الله بدعوتي من في الأرض وأغرقهم؟ ولكن انطلقوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ويذكرون له الحال ويسألونه الشفاعة، فيقول: ما لي وللشفاعة؟ ولكن انطلقوا إلى موسى بن عمران الذي كلمه الرحمن. قال: فيأتونه فيقول: كيف لي بالشفاعة؟ وقد قتلت نفساً وألقيت الألواح فتكسرت، ولكن انطلقوا إلى عيسى بن البتول. فينطلقون إليه ويقولون مقالهم. فيقول: ما لي وللشفاعة؟ وقد اتخذني النصارى إلهاً من دون الله وإني لعبد الله، ولكن أدلكم على صاحب الشفاعة الكبرى، انطلقوا إلى أبي القاسم محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.

فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، ووجهه يضيء على أهل الموقف، فينادونه من دون منبره العالي: يا حبيب رب العالمين وسيد الأنبياء والمرسلين، قد عظم الأمر وجل الخطب وطال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا في فصل الأمر، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها، ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها، الغوث الغوث يا محمد، فأنت صاحب الجاه، والمبعوث رحمة للعالمين، قال: فيبكي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي أمام العرش فيخر ساجداً فينادى: يا محمد ليس هذا يوم سجود فارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع: فيقول: يا رب مر بالعباد إلى الحساب فقد اشتد الكرب وعظم الخطب.

فيجاب إلى ذلك ويأمر الله عز وجل بالعرض للحساب، ثم تزفر جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا أخذه الرعب والجزع، وكل ينادي: نفسي يا رب، فآدم يقول: يا رب أسألك حواء ولا هابيل، ولا أسألك إلا نفسي، ونوح ينادي: لا أسألك ساماً ولا حاماً بل أسألك نفسي، والخليل ينادي: لا أسألك


(1/468)


إسماعيل ولا إسحق ولكن أسألك نفسي يا رب، وموسى ينادي: لا أسألك هرون أخي بل أسألك نفسي يا رب، وعيسى ينادي: يا رب لا أسألك مريم أمي وأسألك يا رب نفسي وذلك قوله عز وجل: " يومَ يَفِرُّ المرءُ من أخيه، وأمِّه وأبيه، وصاحبتِه وبنيه، لكل امرئٍ منهم يومئذ شأن يُغنيه ".

قال: ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينادي: يا رب لا أسألك فاطمة ابنتي ولا بعلها ولا ولديها، ولا أسألك اليوم إلا أمتي ولا أسألك غيرها، فينادي المنادي من قبل الله عز وجل: يا رضوان زخرف الجنان، يا مالك سعر النيران، يا كسرون مد الصراط على متن جهنم. وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف، وهي ألف عام صعود وألف عام استواء وألف عام هبوط، وقيل أكثر من ذلك. وهو سبع قناطر، فيسأل العبد عند القنطرة الأولى عن الإيمان وهي أصعب القناطر وأهواها قراراً، فإن أتى بالايمان نجا، وإن لم يأت به تردى إلى أسف سافلين. ويسأل عند القنطرة الثانية عن الصلاة فإن أتى بها نجا وإن لم يأت بها تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الثالثة عن الزكاة فإن أتى بها نجا وإن لم يأت بها تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الرابعة عن صيام شهر رمضان فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الخامسة عن الحج فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة السادسة عن الأمر بالمعروف، فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة السابعة عن النهي عن المنكر، فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار.

قال: ثم تحمل الخلائق على الصراط، فمنهم من يجوزه كالبرق الخاطف، ومنهم من يجوزه كالريح العاصف، ومنهم من يجوزه كالفرس الجواد، ومنهم كالرجل


(1/469)


الساعي، ومنهم من يجوزه وهو يحضن الصراط بصدره، ومنهم من تأخذه النار. وإذا وقف الخلائق بين يدي الله عز وجل تطايرت الصحف بالأيمان والشمائل " فأمّا من أُوتيَ كتابه بيمينه فسوف يحاسَبُ حساباً يسيراً، وينقلبُ إلى أهله مسروراً، وأما من أُوتيَ كتابَهُ بشِماله فسوف يدعُو ثُبوراً ويصلَى سعيراً ".

وسئل بعض العلماء: كيف يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره؟ قال: تدخل يده الشمال في صدره وتخرج من وراء ظهره، فيدفع إليه كتابه بشماله من وراء ظهره، فيدعو بالويل والثبور ويصلى سعيراً فيقال: " لا تَدْعُوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعُوا ثبوراً كثيراً ". ثم يأتي النداء من قبل الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم ولا جور جائر ولأقتصن من الشاة القرناء إذا نطحت الشاة الجماء، ولأسألن العود لم خدش العود؟ ولا يدخلن أحد من أهل الجنة الجنة ولا من أهل النار النار وفي قلبه مظلمة. فيقتص حينئذ للمظلومين من الظالمين ويؤخذ من حسنات الظالم فتوضع في صحيفة المظلوم، فإذا استوعبت حسناته وبقي عليه مظالم بعد، أُخذ من سيئات المظلوم فتوضع في سيئات الظالم، ثم يلقى في النار، وكذلك أمثاله.

قال أبي بن كعب: يجيء الرب جل جلاله يوم القيامة في ملائكة السماء السابعة وتعالى عن الرحلة والمقام فيؤتى بالجنة مفتحةً أبوابها وهي تزف بين الملائكة، يراها كل بر وفاجر، وقد احتفت بها ملائكة الرحمة، فتوضع عن يمين العرش، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة، ويؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام يقبض عليه سبعون ألف ملك، مصفدة أبوابها، عليها ملائكة سود غلاظ شداد، معهم السلاسل الطوال وأطواق الأغلال والأنكال الثقال، وسرابيل القطران


(1/470)


يتبع



الصورة الرمزية يناير
يناير
عضو
°°°
افتراضي
ومقطعات النيران، لأعينهم لمعان كالبرق، ولوجوههم لهيب كنار الحريق، وقد شخصت أبصارهم نحو العرش، ينتظرون أمر رب العزة، فتوضع حيث شاء الله، فإذا بدت النار للخلائق ودنت وبينها وبينهم مسيرة خمسمائة عام زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا وجثا على ركبتيه وأخذته الرعدة وصار قلبه معلقاً إلى حنجرته، ويخرج ولا يرجع إلى مكانه، وذلك قوله تعالى: " إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين ".
وقيل: توضع النار على يسار العرش ثم يؤتى بالميزان فيوضع بين يدي الجبار، ثم تدعى الخلائق للعرض والحساب. قال كعب الأحبار: لو أن رجلاً كان له مثل عمل سبعين نبياً لخشي في ذلك اليوم ألا ينجو من شر ذلك اليوم. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وددت أن حسناتي فضلت سيئاتي بمثقال ذرة ثم أُترك بين الجنة والنار، ثم يقال لي: تمن، فأقول: تمنيت أن أكون تراباً. وفي هذا القدر كفاية.
(1/471)
ذكر أسماء يوم القيامة
هو يوم تعدد أساميه لكثرة معانيه: يوم القيامة. يوم الحسرة والندامة. يوم السابقة. يوم المناقشة. يوم المنافسة. يوم المحاسبة. يوم المسألة. يوم الزلزلة. يوم الندامة. يوم الدمدمة. يوم الآزفة. يوم الراجفة. يوم الرادفة. يوم الصاعقة. يوم الواقعة. يوم الداهية. يوم الحاقة. يوم الطامة. يوم الصاخة. يوم الغاشية. يوم القارعة. يوم النفخة. يوم الصيحة. يوم الرجفة. يوم الرجة. يوم الزجرة. يوم السكرة. يوم البقاء. يوم اللقاء. يوم البكاء. يوم القضاء. يوم الجزاء. يوم المآب. يوم المتاب. يوم الثواب. يوم الحساب. يوم العذاب. يوم العقاب. يوم المرصاد. يوم الميعاد. يوم التناد. يوم الانكدار. يوم الانفطار. يوم الانتشار. يوم الانفجار. يوم الافتقار. يوم الاعتبار. يوم الحشر. يوم النشر. يوم الجزع. يوم الفزع. يوم السباق. يوم التلاق. يوم الفراق. يوم الانشقاق. يوم الفلق. يوم الغرق. يوم العرق. يوم اليقين. يوم الدين " يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين ".
فكيف يا بن آدم المغرور، إذا نفخ في الصور، وبعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، وكورت الشمس وخسف القمر، وانتثرت النجوم، وعطلت البحار، وحشرت الوحوش، وزوجت النفوس، وسيرت الدبال، وعظمت الأهوا، وحشروا حفاةً ووقفوا عراة، ومدت لهم الأرض، وجمعوا فيها للعرض، من الهول حيارى، ومن الشدة سكارى، قد أظلهم الكرب، وأجهدهم العطش، واشتد بهم الحر، وعم الخوف، وجل العناء، وكثر البكاء، وفنيت الدموع، ولازموا الخضوع، ودهمهم القلق وعمهم العرق، وطاشت العقول؛ وشمل الذهول؛ وتبلبلت الصدور؛ وعظمت الأمور؛ وتحيرت الألباب وتقطعت الأسباب، ورأوا العذاب، وركبهم الذل، وخضعت رقاب الكل، وزلزلت الأقدام، وتبلدت الأفهام، وطال القيام، وانقطع الكلام، ولا شمس تضيء ولاق مر يسري ولا كوكب دري، ولا فلك
(1/472)
يجري، ولا أرض تقل، ولا سماء تظل، ولا ليل ولا نهار، ولا بحار ولا قفار. يا له من يبر تفاقم أمره وتعاظم ضره وعظم خطره، يوم تشخص فيه الأبصار بين يدي الملك الجبار " يوم لا ينفعُ الظالمين معذرتُهم ولهم اللعنةُ ولهم سوء الدار " قد خشعت لهوله الأصوات، وقل فيه الالتفات، وبرزت الخفيات، وظهرت الخطيات، وأحاطت البليات، وسيق العباد ومعهم الأشهاد، وتقلصت الشفاه وتقطعت الأكباد، وشاب الصغير، وسكر الكبير، ووضعت الموازين، ونشرت الدواوين، وتقطعت الجوارح، وارتعدت الجوانح، واتضحت الفضائح وأُزلفت الجنان، وسعرت النيران، ويؤمر بعد الخطب الجسيم والهوا العظيم للمقعد المقيم؛ إما بدار النعيم والرضوان، وإما بدار الجحيم والنير.
(1/473)
وهذه قصيدة جامعة لغالب ما تقدم من أحوال يوم القيامة
واسمها قلادة الدر المنثور في ذكر البعث والنشور
الله أعظم مما جال في الفكر ... وحكمه في البرايا حكم مقتدر
مولىً عظيم حكيم واحد صمدٌ ... حيٌّ قديم مريد فاطر الفطر
يا ربّ يا سامع الأصوات صلّ على ... رسولك المجتبى من أطهر البشر
محمد المصطفى الهادي البشير هدى ... كلّ الخلائق بالآيات والسور
وآله والصحاب الكائنين به ... كأنجمٍ حول من يسمو على القمر
أشكو إليك أموراً أنت تعلمها ... فتور عزمي وما فرّطت في عمري
وفرط ميلي إلى الدنيا وقد حسرت ... عن ساعد الغدر في الآصال والبكر
يا رّبنا جد يتوفيق ومغفرة ... وحسن عاقبةٍ في الورد والصدر
قد أصبح الخلق في خوفٍ وفي ذعر ... وزور لهوٍ وهم في أعظم الخطر
وللقيامة أشراط وقد ظهرت ... بعض العلامات، والباقي على الأثر
قلّ الوفاء فلا عهدٌ ولا ذمم ... واستحكم الجهل في البادين والحضر
باعوا لأديانهم بالبخس من سحتٍ ... وأظهروا الفسق بالعدوان والأشر
وجاهروا بالمعاصي وارتضوا بدعاً ... عمّت، فصاحبها يمشي بلا حذر
وطالب الحق بين الناس مستتر ... وصاحب الإفك فيهم غير مستتر
والوزن بالويل والأهواء معتبرٌ ... والوزن بالحقّ فيهم غير معتبر
وقد بدا النقص في الإسلام مشتهراً ... وبدّلت صفوة الخيرات بالكدر
(1/474)
وسوف يخرج دجّال الضلالة في ... هرجٍ وقحطٍ كما قد جاء في الخبر
ويدّعي أنه ربّ العباد، وهل ... تخفى صفات كذوبٍ ظاهر العور
فناره جنّةٌ، طوبى لداخلها ... وزور جنّته نارٌ من السعر
شهر وعشر ليالٍ طول مدّته ... لكنها عجبٌ في الطول والقصر
فيبعث الله عيسى ناصراً حكماً ... عدلاً، ويعضده بالنصر والظفر
فيتبع الكاذب الباغي ويقتله ... ويمحق الله أهل البغي والضرر
وقام عيسى يقيم الحقّ متبعاً ... شريعة المصطفى المختار من مضر
في أربعين من الأعوام مخصبةٍ ... فيكسب المال فيها كلّ مفتقر
وجيش ياجوج مع ماجوج قد خرجوا ... والبغي عمّ بسيلٍ غير منهمر
حتى إذا أنفذ الله القضاء دعا ... عيسى فأفناهم المولى على قدر
وعاد للناس عيد الخير مكتملاً ... حتى يتمّ لعيسى آخر العمر
والشمس حين ترى في الغرب طالعةً ... طلوعها آية من أعظم الكبر
فعند ذلك لا إيمان يقبل من ... أهل الجحود ولا عذرٌ لمعتذر
ودابةٌ في وجوه المؤمنين لها ... وسمٌ من النور والكفار بالقتر
والخلف: هل فتنة الدّجال قبلهما ... أو بعد؟ قد ورد القولان في الخبر
وكم خرابٍ وكم خسفٍ وزلزلة ... وفيح نار وآياتٍ من النّذر
ونفخة تذهب الأرواح شدّتها ... إلا الذين عنوا في سورة الزّمر
وأربعون من الأعوام قد حسبت ... نفخاً تبثّ به الأرواح في الصّور
قاموا حفاةً عراة مثل ما خلقوا ... من هول ما عاينوا سكرى بلا سكر
قوم مشاةٌ وركبان على نجب ... عليهم حللٌ أبهى من الزهر
(1/475)
ويسحب الظالمون الكافرون على ... وجوههم، وتحيط النار بالشرر
والشمس قد أُدنيت والناس في عرقٍ ... وفي زحام وفي كربٍ وفي حصر
والأرض قد بدّلت بيضاء ليس لها ... خفضٌ ولا ملجأ يبدو لمستتر
طال الوقوف فجاءوا آدماً ورجوا ... شفاعةً من أبيهم أول البصر
فردّ ذاك إلى نوحٍ فردّهم ... إلى الخليل، فأبدى وصف مفتقر
إلى الكليم، إلى عيسى، فردّهم ... إلى الحبيب، فلبّاها بلا حصر
فيسأل المصطفى فصل القضاء لهم ... ليستريحوا من الأهوال والخطر
تطوى السموات والأملاك هابطة ... حول العباد لهولٍ معضلٍ عسر
والشمس قد كوّرت والكتب قد نشرت ... والأنجم انكدرت ناهيك من كدر
وقد تجلى إله العرش مقتدراً ... سبحانه جلّ عن كيفٍ وعن فكر
فيأخذ الحقّ للمظلوم منتصفاً ... من ظالمٍ جار في العدوان والبطر
والوزن بالقسط والأعمال قد ظهرت ... ووزنها عبرةٌ تبدو لمعتبر
وكلٌ من عبد الأوثان يتبعها ... بإذن ربّي، وصار الكلّ في سقر
والمسلمون إلى الميزان قد قسموا ... ثلاثةً، فاسمعوا تقسيم مختصر
فسابقٌ رجحت ميزان طاعته ... له الخلود بلا خوفٍ ولا ذعر
ومذنب كثرت آثامه فله ... شفعٌ بأوزاره، أو عفو مفتقر
وواحد قد تساوت حالتاه، له ال ... أعراف حبسٌ وبين البشر والحصر
ويكرم الله مثواه بجنّته ... بجود فضلٍ عميمٍ غير منحصر
وفي الطريق صراط مدّ فوق لظى ... كحدّ سيف سطا في دقة الشعر
(1/476)
والناس في ورده شتّى، فمستبق ... كالبرق والطير، أو كالخيل في النظر
ساعٍ وماشٍ ومخدوش ومعتلق ... ناج، وكم ساقط في النار منتثر
للمؤمنين ورودٌ بعده صدرٌ ... والكافرون لهم وردٌ بلا صدر
فيشفع المصطفى والأنبياء ومن ... يختاره الملك الرحمن في زمر
في كل عاصٍ له نفسٌ مقصّرة ... وقلبه عن سوى الربّ العظيم بري
فأوّل الشّفعا حقاً وآخرهم ... محمدٌ ذو البهاء الطيّب العطر
مقامه ذروة الكرسيّ ثم له ... عقد اللواء بعزٍّ غير منحصر
والحوض يشرب منه المؤمنون غداً ... كالأري يجري على الياقوت والدّرر
ويخلق الله أقواماً قد احترقوا ... كانوا أولي العزة الشنعاء والنجر
والنار مثوىً لأهل الكفر كلهم ... طباقها سبعةٌ مسودّة الحفر
جهنمٌ ولظى والحطم بينهما ... ثم السعير كما الأهوال في سقر
وتحت ذاك جحيمٌ ثم هاويةٌ ... يهوى بها أبداً، سحقاً لمحتقر
في كل باب عقوبات مضاعفة ... وكل واحدة تطوى على النفر
فيها غلاظ شداد من ملائكة ... قلوبهم شدّة أقوى من الحجر
لهم مقامع للتعذيب مرصدةٌ ... وكل كسرٍ لديهم غير منجبر
سوداء مظلمة شعثاء موحشة ... دهماء محرقة لوّاحة البشر
فيها الجحيم مذيبٌ للوجوه مع ال ... أمعاء من شدة الإحراق والشرر
(1/477)
فيها الغساق الشديد البرد يقطعهم ... إذا استغاثوا بحرٍّ ثمّ مستعر
فيها السلاسل والأغلال تجمعهم ... مع الشياطين قسراً جمع منقهر
فيها العقارب والحيات قد جعلت ... جلودهم كالبغال الدّهم والحمر
والجوع والعطش المضني ولا نفسٌ ... فيها ولا جلدٌ فيها لمصطبر
لها إذا ما غلت فورٌ يقلّبهم ... ما بين مرتفع منها ومنحدر
جمع النواصي مع الأقدام صيّرهم ... كالقوس محنيّةً من شدة الوتر
لهم طعام من الزقوم يعلق في ... حلوقهم شوكةً كالصّاب والصبر
يا ويلهم عضّت النيران أعظمهم، ... والموت شهوتهم، من شدة الضجر
ضجّوا وصاحوا زماناً ليس ينفعهم ... دعاء داعٍ ولا تسليم مصطبر
وكلّ يوم لهم في طول مدّتهم ... نوع شديد من التعذيب والسعر
كم بين دار هوانٍ لا انقضاء لها ... ودار أمنٍ وخلدٍ دائم الدهر
دار الذين اتّقوا مولاهم وسعوا ... قصداً لنيل رضاه سعي مؤتمر
وآمنوا واستقاموا مثل ما أُمروا ... واستغرقوا وقتهم في الصوم والسهر
وجاهدوا وانتهوا عما يباعدهم ... عن بابه، واستلانوا كل ذي وعر
جنّات عدن لهم ما يشتهون بها ... في مقعد الصّدق بين الروض والزهر
بناؤها فضة قد زانها ذهبٌ ... وعينها المسك والحصبا من الدّرر
أوراقها ذهبٌ، منها الغصون دنت ... بكل نوع من الرّيحان والثمر
أوراقها حلل، شفافةً خلقت ... واللؤلؤ الرطب والمرجان في الشجر
(1/478)
دار النعيم وجنّات الخلود لهم ... دار السلام، لهم مأمونة الغير
وجنة الخلد والمأوى، وكم جمعت ... جنات عدن لهم من مونقٍ نضر
طباقها درجات عدّها مائةٌ ... كلّ اثنتين كبعد الأرض والقمر
أعلى منازلها الفردوس عاليها ... عرش الإله فسل واطمع ولا تذر
أنهارها عسل ما فيه شائبة ... وخالص اللبن الجاري بلا كدر
وأطيب الخمر والماء الذي سلمت ... من الصّداع ونطق اللهو والسّكر
والكلّ تحت جبال المسك منبعها ... يجرونه كيف شاؤوا غير محتجر
فيها نواهد أبكار مزيّنة ... يبرزن من حلل في الحسن والخفر
نساؤها المؤمنات الصابرات على ... حفظ العهود مع الإملاق والضّرر
كأنهنّ بدور في غصون نقا ... على كثيب بدت في ظلمة السحر
كلّ امرئ منهم يعطى قوى مائةٍ ... في الأكل والشرب والإفضا بلا خور
طعامهم رشح مسكٍ كلما عرقوا ... عادت بطونهم في هضم منضمر
لا جوع لا برد لا همٌّ ولا نصبٌ ... بل عيشهم عن جميع النائبات عري
فيها الوصائف والغلمان تخدمهم ... كلؤلؤٍ في كمال الحسن منتثر
فيها غناء الجواري الغانيات لهم ... بأحسن الذكر للمولى مع السمر
لباسهم سندس، حلاّتهم ذهب ... ولؤلؤ ونعيم غير منحصر
والذكر كالنفس الجاري بلا تعب ... ونزّهوا عن كلام اللغو والهذر
(1/479)
وأُكلها دائم لا شيء منقطع ... كرّر أحاديثها يا طيّب الخبر
فيها من الخير ما لم يجر في خلدٍ ... ولم يكن مدركاً للسمع والبصر
فيها رضا الملك المولى بلا غضب ... سبحانه، ولهم نفع بلا غير
لهم من الله شيء لا نظير له: ... سماع تسليمه، والفوز بالنظر
بغير كيفٍ ولا حدٍّ ولا مثلٍ ... حقاً كما جاء في القرآن والخبر
وهي الزيادة والحسنى التي وردت ... وأعظم المورد المذكور في الزّبر
لله قومٌ أطاعوه وما قصدوا ... سواه إذ نظروا الأكوان بالعبر
وكابدوا الشوق والأنكاد، قوّتهم ... ولازموا الجدّ والأذكار في البكر
يا مالك الملك جد لي بالرضا كرماً ... فأنت لي محسن في سائر العمر
يا ربّ صلّ على الهادي البشير لنا ... وآله وانتصر يا خير منتصر
ما هبّ نشر صبا واهتز نبت ربا ... وفاح طيب شذا في نسمة السحر
أبياتها تسع عشرٍ بعدها مائةٌ ... كلامها وعظه أبهى من الدّرر
تم الكتاب بعون الله تعالى
(1/480)


منقووووووووووووووووووووول




الصورة الرمزية الجدار
الجدار
مشرف
علوم الطاقة والمارائيات
°°°
افتراضي
بارك الله لكم حبيبى يناير وحبيب الشامليين
درة ثمينة وغالية من مجموعة مجوهراتك وهداياك للمنتدى
تحياتى القلبية

صورة رمزية إفتراضية للعضو dr_sosi
dr_sosi
عضو
°°°
افتراضي
شكرا اخي

صورة رمزية إفتراضية للعضو د.محمد
د.محمد
محظور
°°°
افتراضي
اللهم اغفر له ولوالديه ما تقدم من ذنبهم
وما تأخر
وقِهم عذاب القبر وعذاب النار
و أدخلهم الفردوسالأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين
واجعل دعاءهم مستجاب في الدنيا والآخرة
اللـهم آميـن
أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمد رسول الله

صورة رمزية إفتراضية للعضو وسيلون
وسيلون
عضو
°°°
افتراضي
بارك الله فيك


مواقع النشر (المفضلة)
خريدة العجائب وفريدة الغرائب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
مخطوطة حاوي العجائب و مظهر الغرائب للشيخ أحمد بن زنبل
مخطوط خريدة العجائب وفريدة الغرائب
كتاب حاوي العجائب ومظهر الغرائب
ذكر الأحجاروخواصها ومعرفة منافعها نقلا عن خريدة العجائب وفريدة الغرائب
خريدة العجايب وفريدة الغرايب

الساعة الآن 10:35 AM.