المشاركات الجديدة
مواضيع مختلفة : أي موضوع لم يعنون سابقا

رواية المفاتيح السبعة

Qesah رواية المفاتيح السبعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رواية نشرت لي منذ بضع سنين من خلال دار المحجة البيضاء ـ بيروت ـ لبنان للوطن العربي
ومن خلال دار الرؤية لسلطنة عمان
وقد حصلت على عدة عروض لعملها فلم سينمائي مثل فلم ملك الخواتم .
ولكني رفضت لأني ما زلت أبحث عن الأفضل في مجال الإنتاج السينمائي
أرجو أن تنال إعجابكم

المفاتيح السبعة
رواية
أنور خلفان المشايخي
الفصل الأول



قبل 333سنة ق .م تنقشع سحابة مظلمة لتظهر من السماء تلك البلاد البعيدة. مملكة (زيتا) .التي أنهكتها حروب الطمع والجشع والتنافس على السلطه. حيث يظهر قصر تضيء نيرانه ظلمة الليل الحالك. ندخل من خلال تلك الشرفة الكبيرة في غرفة أعلى ذلك القصرلنرى الملك أجمنون يجلس على كرسيه الكبير داخل مكتبة قصره الضخمة. تحيط به أرفف الكتب والقراطيس والأجهزة العلمية والمخطوطات. يتنهد من كرسيه ناظراً إلى أرفف الكتب الملونة . فحمل جسده إلى رف الكتب شارد الذهن ووقف أمامها ومد يده ليأخذ إحدى الكتب قائلاً:إذا كم حصيلة اليوم ؟ خمسون قتيلاً رد عليه أخوه الأصغر حيث كان واقفا خلفه ببضع خطوات وبينهما منضده خشبية كبيرة عليها بعض الكتب. خمسون قتيلاً هكذا أجابه الأخ الأصغر متحسراً.
أقفل الملك راجعاً إلى كرسيه وبيده ذلك الكتاب وعلامات الأسى بادية عليه . وكأنه فقد رغبته بالمطالعة. جلس على كرسيه ماسكاً بالكتاب على فخذيه وقال بصوت ملؤه السخط والغضب: لم يجلب علينا حكم الملك سليمان إلا الخراب, منذ ثلاث مائه سنة ونحن على هذه الحال مات وترك وراءه سبعة مدن يقتل بعضنا بعضاً, يقتلون فنقتل فيقتلون . ولبرهه كان الملك ينظر إلى الأرض فرفع رأسه وهو يقلب كفيه قائلاً: حتى يفني بعضنا بعضا ... وصرخ قائلاً:إنها نقمه ..ثم هدأ وقال : نعم ليست إلآ نقمة .
قال الأمير وهو يسير في طريقة إلى الشرفه ناظرا من هناك إلى فناء القصر العشبي تحته : نعم هي كذلك ... ثم استدار إلى حيث يجلس الملك وانحنى باتجاه جانب الكرسي عند رأس الملك قائلاً: أو درساً منه في الحكمة مقدرعلينا أن نتعلمه بأنفسنا بهذه الطريقة. استدار الأمير إلى الباب وهو يقول عندما وصل إليه : تصبح على خير. خرج الأمير وأحكم إرداف الباب ثم إستدار ليكمل طريقه فإذا كاد أن يصطدم بأحدهم وهو في وجهه فرفع الأمير بصره ليراه ولكن ذلك الرجل ذو الزي العسكري لم يقل شيئا. بل تجاوز الأمير الواقف أمامه ومد يده إلى باب المكتبة ملتفتاً إلى الأمير بنظرة ازدراء واحتقار والأمير واقفا هناك ينظر إليه باستغراب ويقول في نفسه: كيف لرجل من رحم إمرأة أن يحمل هذا الحقد كله في صدره , تكاد عيناه تخرقان جسمي إلى العظم .
دخل الرجل على الملك ومنذ رآه الملك داخلاً بادره الملك بالقول وهو مستبشراً مبتسماً رافعاً كلتا يديه إليه مرحبا : آه هاتان العينان تحملان خبراً ساراً, إني بحاجة إلى الأخبار السارة بعدما سمعته من الأمير من الأخبار السيئة. قل يا وزيرنا ماذا لديك؟ في هذه الأثناء كان ما يزال الوزير يخطو باتجاه الملك وهو يقول : أجمنون سيدي ومولاي لقد
إكتمل بناء المرصد ويمكنكم إستعماله بدأ من اللحظة . إلتفت الملك ناظرا إلى كتاب ضخم مفرد على تلك الطاولة الخشبية الكبيرة التي تتوسط المكتبة وقال : في الوقت تماماً, لدينا ثلاثة أيام حتى يحين وقت الرصد الذي وصفه كتاب الملك سليمان العظيم . الوقت الكافي لنختبر دقة عمل المرصد . ثم قام الملك ووضع يده على كتف الوزير الأيسر وقال : قل لي ؟ ثم أمسك الملك بيده اليسرى على ذقنه هو ناظرا إلى الأرض نظره المتفكر واتجه بخطى بطيئة إلى أمام الشرفة واستطرد قائلاً: لماذا يكون الماء ثلجاً أحياناً؟ فكر الوزير لبرهة مدركاً أن الملك يختبر سرعة بديهته بهذا السؤال الغريب المخادع وما لبثت أن لمعت عينا الوزير الماكرتان حينما تيقن أن الجواب سيكون من جنس السؤال ورد قائلا: الماء يا مولاي يكون ثلجا عندما لا يستطيع أن يكون بخارا أحيانا ... فاستدار إليه الملك ضاحكا بقهقهة قوية وأمسك بالوزير من جهة رقبته اليسرى وهزه قائلا : هذا ما يعجبني فيك ... ابتعد الوزير خطوة إلى اليمين قائلاً: مولاي لماذا غادر سيدي الأمير مبكراً هذه الليلة ؟ رد الملك قائلاً: لقد أصبح لديه من ينتظره الآن, زوجة جميلة, دافئة, حنونة, في ليلة مظلمة باردة ... واستدار إلى الوزير قائل له من خلفه : غداً بعد غروب الشمس حيث السماء صافية سنجربه .
في هذه الأثناء كان الأمير يشق طريقة عبر ممرات قصر الملك حتى خرج ونزل من على سلم بوابة ومدخل قصر الملك. وسار في حديقة القصر متجها إلى الفاصل العشبي الذي يفصل قصره عن قصر الملك حيث فتحة صغيرة في ذلك الفاصل العشبي زينت بقوس حديدي نمت عليه الأعشاب. فتحة تؤدي بين القصرين .وعلى بعد أمتار من تلك الفتحة حيث الظلام أكثرحلكه وبين الأحراش وقف الأمير مكانه ووقف شعر رأسه . إثر اشتباهه حركة مريبة وصوت خشخشة عند الفتحة فبدأ قلبه بالخفقان بسرعة ورأسه ملئتها الوساوس . حينها سمع صوتا صادرا من هناك : سيدي سيدي الأمير هذا أنا بستاني القصر . عندها تقدم الأمير بحذر وهو ما زال لا يرى شيئاً أمامه . حتى ظهر له من تحت الأشجار رجل تبدو عليه هيئة من ألمت به مصيبة من السماء وقال : سيدي الأمير أعذرني أرجوك أطلب منك الصفح .. ونزل الرجل على يدي الأمير يقبلهما بحركة فجائية أجفلت الأمير وظن به الغدر وقال البستاني: سيدي لقد انتظرت لقائك طيلة اليوم. ولم أجد فرصة أحسن من هذه بعيداً عن الجميع... وإذا بالبستاني يقبل يد الأمير قائلاً: أرجو أن تغفر لي وتسامحني ... عندها أخذ الأمير يلاطفه ويهديئ من روعه لكي يفهم منه. حيث كان الرجل يتلعثم ويكاد أن يبكي. ترتفع رأتيه بالهواء فلا يخرج من فمه شئ مفهوم. فأمنه الأمير على نفسه وأخذه من يده وقال له : تعال معي وسنتكلم بالداخل ... وإذا بالبستاني يجر الأمير إلى الخلف رافضاً الذهاب معه وقال وهو فزعا : لا أرجوك لا ينبغي لمن بالقصر أن يعلموا بهذا .. قال الأمير : لقد أشغلتني ما عندك ؟ تكلم . قال البستاني: سيدي الأمير أعلم فضلك وكرمك بل هذا لا يخفى على أحد من رعيتك, الجميع يصفك باللطف والرحمة , وحبك لمساعدة الضعفاء والمساكين لذلك لجأت إليك وليس أحد سواك يخلصني من هذه المحنة . قاطعه الأمير وقد فقد صبره قائلاً: قل ما عندك إن الهواء بارد هنا, هيا تكلم فقد أنهكتني. قال البستاني : أحببت فتاة من قصر مولاي الملك أجمنون , وقد كنا نلتقي خلسة عندما ينام الجميع . عندها هجم عليه الأمير ممسكاً بعضدية و شد عليه مخنقه وقال بحنق : إحدى الأميرات ؟ ورد عليه البستاني مفزوعاً : لا ...لا ... إنها إحدى عاملات المطبخ الملكي ياسيدي . عندها تركه الأمير وانبسطت ملامح وجهه إذ ظن أنه تجرأ على إحدى فتيات الأسرة المالكة وقال الأمير : إذ ما المشكلة ؟ قال البستاني : إنها حامل وعلى وشك أن تلد ...الليلة ! قال الأمير مندهشاً : وكيف استطاعت أن تخفي حملها كل هذه الفترة عن الجميع ؟ قال البستاني :الفتيات والطباخات في المطبخ الملكي كن يساعدنها على ذلك, ويساعدن في عدم ظهورها. قال الأمير: وأين هي الآن؟ قال البستاني: إنها في المنومة . قال الأمير وهو يجر البستاني خلفه : هيا خذني إليها .
أخذ البستاني يجر الخطى والأمير خلفه إلى الغرف الخاصة بخدم الملك خلف قصره . وعندما وصلا إلى حيث السكنات تقدم البستاني وفتح باب إحدى الغرف فإذا يخرج من الغرفة صوت تأوه وتألم . تقدم الأمير إلى داخل الغرفة حيث كانت امرأة مستلقية على السرير وهي في المخاض وحولها نسوة من الخادمات فوقفن مباشرة مدهوشات لدى دخول الأمير عليهن الغرفة . وأحنين رؤسهن احتراما وخوفاً.
أمر الأمير النسوة بأخذ المرأة إلى مساكن خدم قصره . وذهبوا جميعاً إلى الجانب الأخر من قصر الملك حيث مساكن خدم قصر الأمير محاولين عدم إصدار أصوات تسترعي انتباه حراس أيا من القصرين. أدخل الأمير المرأة إلى غرفة من مساكن خدمه. وأوصى خادمات قصره بكتمان الأمر والاعتناء بالمرأة. ثم أخذ بيد البستاني إلى خارج المساكن وقال له : تعلم أنك ستعاقب على فعلتك هذه من قبل كبير الخدم. فأجابه البستاني : لا أبالي بنفسي سيدي الأمير, ولكني أخشى عليها هي من العقاب أو ما هو مصير أبننا المولود؟ ترى ماذا سيفعلون ببوجابت؟ قال الأمير : هل هذا هو أسمها ؟ أجابه : نعم سيدي. وخر البستاني ساجدا يقبل قدم الأمير وهو يبكي ويستجدي الأمير والأمير يحاول منعه من ذلك. فرفعة وقال له هل تحبها ؟ هز البستاني رأسه إجابة بنعم وقال : كثيراً سيدي لم أحب إمرأة من قبل ولا يمكن أن أحب غيرها. حينها قال الأمير : لا عليك دعها معي حتى تلد وعندها أكلم كبير الخدم في أمرها لا تخف أنت و هي في حمايتي لا تقلق عندها قبل البستاني يدي الأمير وذهب شاكراً داعياً حتى دخل الأمير قصره .
دخل الأمير غرفة نومه الواسعة وهو ينادي حيث لم يشاهد زوجته : ماري ... ماري... لن تصدقي ما حصل معي هذه الليلة .

في الصباح ومع إرتفاع الشمس في الأفق وقد عكست أشعتها الذهبية على المروج الخضراء في حدائق القصور ,لاح الأمير وهو يعبر الحدائق والممرات من قصره حتى دخل قصر الملك. فمن ثم الى ديوانه حيث كان يجلس الملك على عرشه وحوله حراسه الأشداء وندمائه وحكمائه ومستشاريه وبالأخص عن يمينه وزيره الماكر الذي كان يكره الأمير ويناصبه العداء . وعند دخول الأمير للديوان ألقى التحية والسلام فأذن له الملك بيده أن يجلس فجلس عن يسار الملك وهو ينظر إلى وزير الملك كيف يجلس هناك مزهواً مغروراً ولم تزغ عيناه عن النظر إلى الأمير منذ دخوله حتى جلوسه, ولم يقاطع ذلك إلا صوت الملك يقول للأمير : كيف كانت أحداث الأمس ؟ فالتصقت شفتا الأمير وامتص لعابه حيث كان سؤالاً مفاجأ, فاستمسك الأمير حتى أجاب : مولاي لم أعي سؤالكم ,عذرا منكم ... أعني أنك حضرت مجلسنا متأخراً هكذا قال الملك للأمير وهو يتجه برأسه ناظراً إلى وزيره بابتسامه خبيثة فقال: لابد وأنها كانت ليلة مثيرة . فقال الأمير بتردد: سيدي الملك... فقاطعه الملك بإشارة من كفه أي لا داعي للإجابة وقال الملك : هذه هي حال المتزوجين الجدد. وأدار الملك وجهه إلى الحاضرين قائلاً : أليس كذلك؟ وضحك الملك فتضاحك معه الحاضرون. أما الأمير فرسم على شفتيه إبتسامة صفراء مجاملة ولاذ بالصمت .

عند الظهيرة إنفض مجلس الملك فتوجه كل من الحاضرين إلى شأنه .عندها خرج الأمير متوجها إلى قصره. وعند تلك الفتحة العشبية الفاصلة بين القصرين كان ينتظره البستاني فلما رأى البستاني الأمير توجه إليه والفرحة تقفز من صدره وقال : لقد أنجبت يا سيدي.. أنجبت ليلة البارحة لقد أصبحت أباً. وارتسمت الفرحة في وجه الأمير وذهبا معا عبر البوابة لرؤية الصغير ولم ينتبها إلى من كان واقفا على سلم مدخل قصرالملك يراقبهما. إنه الوزير كان ينظر إليهما من بعيد, ورأى ذلك منهما ولم يسمع كلامهما لبعد المسافة فأخذت الأفكار تتدافع في رأسه حيث لم يكن يسمح لخدم قصر الملك بالذهاب إلى القصر الآخر, ثم تلك الطريقة التي كانا يتحدثان بها وسرعة ذهابهما معاً.
في الطريق إلتقى الأمير والبستاني بزوجته الأميرة جالسة في حديقة قصرها على طاولة تنتظر قدومه هناك . فتوجه اليها الأمير وأمسك بيدها وأطلق كلمه واحده من فمه في عينيها قائلاً : أنجبت. وإذ تلاقت عيناهما أغنت عن التفسير فقفزت ماري من كرسيها تعدو والأمير خلفها يتسابقان إلى سكنات الخدم ومن ورائهما البستاني. دخل الثلاثة تتقدمهم الأميرة ماري يدفعها الفضول إلى حيث ترقد زوجه البستاني بوجابت. فإذا هي راقدة على سريرها وبجانبها طفل صغير ملفوف بخرقة. فتقدمت ماري من الصغير وحملته. عندها استيقظت بوجابت لتنظر إلى الأميره بنظرة تعبة فابتسمت لها ماري وهي تمسك بالمولود بين ذراعيها وقالت لها : صبية ؟ هزت رأسها بوجابت بنعم عندها قبلت ماري الصغيرة وخلفها زوجها الأمير يداعب أنف الصغيرة. فخلعت ماري من صدرها سلسلة ذهبية تنتهي بقلادة مرصعة بحجر كريم أخضر كبير وألبستها للرضيعة وذلك كان كل ما تتمناه زوجة لم تكمل ثلاثة أشهر من زواجهاوهو أن تصبح أماً.

في اليوم التالي إستدعى الأمير كبير الخدم وعرض أن يشتري بوجابت لتخدم في قصره ولكن كبير الخدم رد قائلاً : لم أعد مسؤولاً عن ذلك القسم من أمور الخدم, إنما أصبح الوزير هو من يحدد ملكية خدم قصر الملك ياسيدي. عندها ضاق صدر الأمير لعلمه أن الوزير بالتأكيد سيرفض طلبه لما يكنه له من بغض وعدم توافق. فقال لكبير الخدم : حسناً لا بأس أكتم هذا الأمر وسأحدث أخي الملك في الأمر. وانصرف عنه الأمير دونما يبدي مخاوفه لكبير الخدم .
الوزير استطاع أن يشتري أحد خدم قصر الأمير ليأتيه بالأخبار عن علاقة بستاني قصر الملك بالأمير, فوعده ذلك الخادم بالأخبار الكاملة. إنقضى ذلك اليوم على ذلك وفي اليوم التالي ما بين اجتماعات الملك ومحادثاته وكالعادة حتى الظهيرة رجع الأمير إلى قصره وذهب هو وزوجته ماري للاطمئنان على ضيفتهما الصغيرة .
خرج بالليل أحد خدم الأمير لملاقاة الوزير فأخبره بالموضوع وما حدث من أمر البستاني مع الأمير, ومن نية الأمير الطلب من الملك نقل ملكية بوجابت إليه. فأجزل الوزير له العطاء وانصرف الخادم مسروراً. وبعد قليل خرج الأمير لملاقاة الملك كالعادة يتسامران قليلاً قبل أن يفترقا للنوم. فدخل على الملك المكتبة فقال له الملك : هل رأيت المرصد الذي بنيته ؟ رد الأمير : ليس تماما سيدي . فقال الملك : إذا تعال نذهب لتفحصه. تقدم الملك والأمير من خلفه حتى خرجا إلى ربوة عند احدى زوايا حديقة القصر حيث شيد هناك برج عالي. وإذهما في الطريق قريبا من البرج لحق بهما الوزير فتسلق الثلاثة سلم ذلك البرج من داخله حتى أعلاه حيث غرفة المرصد. فتوجه الملك إلى قطعة نحاسية كبيرة ذهبية اللون ذات حلقات ومسننات مطلة من فتحة كبيرة في الغرفة نحو السماء. فقال الملك للأمير : هل تعلم ما هذه يا نحميا ؟ تقدم الأمير يتفحص تلك الدائرة الذهبية ذات الدوائر الداخلية الصغيرة وعليها نقوش ورموز وأعداد. والوزير ينظر إليه من خلفه فقال الأمير : أظنها هذه هي التي يقرأ بها كتاب السماء سيدي. فتقدم الملك الى حيث يقف الأمير بجانب القطعة وهو يقول فرحاً بالإجابة :أصبت, إنها ما نسميه الإسطرلاب, بها نعرف المسافة بين النجوم والكواكب, وإرتفاعها وهبوطها, وكلها معلومات مسجلة منذ القدم, وعن طريق هذه الأداة نستطيع تحديد إسم ذلك النجم أو الكوكب. ثم قال الأمير للملك : الحقيقة هناك ما أريد أن أسالك أن تلبيه لي يا مولاي, وأرجو ألا يخيب رجائي... وكان يريد أن يفاتحه في موضوع بوجابت ولكن الوزير قاطعهما بسرعه قائلاً : مولاي الملك هذه الكتب التي أمرت أن نحضرها من مكتبة قصركم, كلها هنا. وكانت هناك طاولة وأرفف وضعت عليها بعض الخرائط السماوية والأوراق. فتنبه الملك إليها وأخذ يتفحصها فقال : نعم كلها هنا. ثم وقف الملك عند الطاولة حيث وضع عليها ذلك الكتاب الضخم . ففتحه وقلب صفحاته والأمير من خلفه ينظر إليه مندهشاً من عدم مبالاته بشيء آخر غير كتبه. ثم قال الملك : ياأخي الصغير هل تعلم من صاحب هذا الكتاب العظيم ؟ أجابه الأمير بتحفظ : تعلم يا مولاي أنه ليس لدي شغف بالنجوم وكواكب السماء كما لمولاي الملك الخبرة الواسعة في هذا المجال وخبرة أوسع بالكتب. رفع الملك بصره من على الكتاب ونظر إلى وزيره وكأنه يحول السؤال إليه. فتنبه الوزير و قال : إنه كتاب سليمان يا مولاي ... سليمان الملك. فقال الملك : نعم نستطيع أن نقول أنه لسليمان, أو الا صح أنه أحد كتبه, لقد كان للملك سليمان وزيراً يقال له آصف بن برخيا بن شمويل, وكان يعلم الاسم الأعظم ويكتب كل شئ بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسي عرش سليمان, فلما مات سليمان أخرجت الشياطين تلك الصحائف والكتب فكتبوا بين كل سطرين سحراً, وقالوا للناس هذه كتب سليمان. ووضع الملك أجمنون يده على الكتاب قائلاً : وهذا أحدها , وقد كان خاتم سليمان الذي حكم به الإنس وخضعت له الجن به, وسخر به الطير والوحش والرياح والأمطار, يحتوي على سبعة أحرف هي سر ذلك الخاتم, وقبل موته وزع تلك الأحرف على سبعة مدن, وضع في كل مدينة حرفاً في مفتاح منها. وأشار الملك بيده إلى الإسطرلاب قائلا: وهذا سبب بناء هذا المرصد. ورجع الملك إلى الكتاب وفتح فيه صفحة وقال : فقد ذكر هنا أن بإجتماع هذا الكوكب مع هذا النجم وذلك لا يحدث إلا كل عدة قرون من السنين, فإذا حدث وجامع الرجل زوجته في ساعة إفترانهما فإنها تنجب ولداً يستطيع أخذ وفك تلك المفاتيح السبعة, وهو فقط الوحيد الذي يستطيع أن يخرج تلك المفاتيح من أقفالها, ولا غيره يمتلك تلك المقدرة. وكان الملك يقول ذلك وأعين الأمير والوزير مستغرقه بين تكذيب وتشويق حتى صدمهما الملك بالقطع قائلا : وذلك الرصد هو الليلة, بعد منتصف الليل في الساعة السادسة تماما. وأشار بيده إلى القطعة النحاسية قائلا : كما أوضح ذلك كتاب السماء بهذا الإسطرلاب. ثم توجه الملك إلى الحائط وكانت هناك خريطة معلقة للمدن السبعة من ضمنها مدينته زيتا. فوضع الملك إصبعة على مدينة( زيتا) وكانت أول الخريطة وقال : هذا نحن. وأشار بيده إلى المدن الستة الأخرى قائلاً: وهذه المدن السته, فبعد أن يتم لنا ذلك نزحف على هذه المدن ونأخذ مفاتيحها. والتفت الملك إلى الاثنين من خلفه وهما كأنهما يستمعان إلى قصة خرافية حتى قال الأمير : وهل نملك نحن أحد هذه الأقفال ,أعني المفاتيح السبعة ؟ قال الملك : نعم ومن يملكها كلها يملك الملك السليماني. وفتح الملك ذراعية بوسع قائلا : أي العالم كله تحت تصرفه . هبط الجميع من البرج وانصرف الملك إلى قصره واثقا مما خطط له. ولم يكن حال صاحبية كذلك. فقد بدت في رأسيهما وكأنها قصة أسطورية مبالغ فيها .
ذهب الأمير إلى قصره وبفارغ من الصبر كي يخبر زوجته بتلك القصة المسليه حتى يتسامرى بها. أما الوزير فوجدها فرصة سانحة للقضاء على خصمه الأمير, فذهب واتفق مع احدى خدم قصر الملك أن تضع المنوم للملك في تلك الليلة, فوضعت له المادة في إبريق شرابه ووضعته بداخل غرفته. وعندما إنتهى الملك من مكتبته دخل غرفته وغير ملابسه وارتشف من ذلك الابريق وقبل نومه حدث امراته وأوصاها بأن توقظه بعد منتصف الليل لأمر بغاية الخطورة, وشدد عليها في ذلك حتى أنه احتاط ونادي إحدى الوصيفات وأمرها بأن توقظه في تلك الساعة وعلى ذلك نام الملك.
أما الوزير فقد كان في الحديقة يبحث عن البستاني. فوجده في الإسطبل فدخل عليه وقال له : إسمع يا هذا : إقترفت ذنبا لا يغتفر في حق خدم قصر الملك, لا تحاول الإنكار فأنا أعلم بأمر المولودة الصغيرة .عندها خرجت روح البستاني من عينيه عندما تيقن أنه هالك لا محالةحتى قال الوزير : ولكن أستطيع وأنا وحدي أن أخرجك من هذا المصير. عندها دبت الحياة في البستاني من جديد لوهله وقاطعة الوزير قائلا: ولكن بشرط. فأطرق البستاني رأسه وجشأ بالبكاء فصفعه الوزير صفعه قوية رمته أرضاً. وأخذ البستاني يصيح ويقول : أي شئ...أي شي ياسيدي آمرني أنفذه في الحال .عندها قال الوزير وهو يرفع أنفه : إذا إسمعني جيداً .

الأمير نحميا دخل غرفته وكانت ماري بانتظاره فساعدته في خلع ثيابه وقالت : لقد تأخرت هذه الليلة بعض الشيء. وارتمت ماري على عرض السريرعلى بطنها فتبعها الأمير وارتمى بجانبها قائلا : لن تصدقي هذا, فقد ذهبنا لرؤية المرصد الذي بناه أجمنون. فقالت ماري : وما العجيب في ذلك ؟ فقال : العجيب هو القصة التي خرج بها أجمنون علينا, فقالت مستنكره: علينا ! من أنتم؟ قال : أنا ووزيره ذلك الشيطان. قالت : لكن أتعلم أن الملك طيب القلب ويحبك ولكن الوزير هو من يوغر عليك عنده ويفسد بينكما. قال الأمير: هذا أمر طبيعي, فالوزير يعلم أني أستطيع أن أخبرأخي عن قسوته في معاملة الناس وتسلطه وجبروته وظلمه ليس ذلك فقط بل ونصبه وجمعه الأموال لحسابه الخاص, بل حتى وسرقته من أموال المملكة, لذلك هو يكرهني ويشوه صورتي عند أخي حتى إذا ما حاولت فضحه لا أجد أذن صاغية عند أخي الملك. ثم نهض نحميا عن السرير وتوجه ليسكب كأسين من الشراب. وإذ هو يصب الشراب استقبل باتجاه ماري وأكمل يقول : ليس هذا العجيب, بل ان أجمنون يدعي أن من عاشر زوجته الليلة أنجبت إبنا يملك قوى خارقة وقصةهناك عن مفاتيح.. وخاتم سليماني.. وامتلاك العالم.. لا أدري أعتقد أن أجمنون قد أكلت الكتب رأسه فبدأ يخرف قبل أوانه. قال الأمير ذلك بعدم مبالاة وهو يتقدم إلى السرير وفي يده كأسين من الشراب, وإذ يمد الأمير كأسا لزوجته فإذا هي قد سرحت تفكر فيما قاله بشده ثم أخذت الكأس من يده وقالت : لعله اختبار من الملك. رد عليها بتعجب : وكيف ذلك؟ قالت : ليعلم أيا منكما سيحاول فعل ذلك فمن فعل علم أنه طامع بالسلطة. فكر الأمير قليلا وقال : معك حق يمكن أن يكون الامر كذلك ,لا بد وأنها خدعة, وإلا لماذا يفصح لناعن سر خطير كهذا , وبتلك الأهمية, وإلا احتفظ به لنفسه إن كان ينوي امتلاك العالم, لماذا يريد أن يسبقة أحدالى ذلك. ودق الأمير كأسه بكاس ماري وارتشفا من الشراب وهما ينظران إلى بعضهما بتغزل ثم قالت : ولما لا نفعلها ؟ قال : هل تصدقين أمرأ كهذا ؟ فقالت : نحن نفعلها في مطلق الأحوال فلم لا نفعلها؟ قال : ولكنه إشترط أن يكون ذلك بعد منتصف الليل أي في الساعة السادسة تماما. قالت : لا بأس نتسامر إلى حين ولم يبقى إلا القليل. وفعلا فعلآ ما خططا له في الساعة السادسة بعد منتصف الليل .

أما الملك أجمنون فإنه صحا من نومه فاذا قد تجاوزت الساعة السابعة ,أي فات الوقت المطلوب بساعة فجن جنونه وضرب زوجته واستدعى الوصيفة واراد قطع رأسها لولا أن زوجته أخبرته أنها حاولت إيقاظة بكل الطرق فلم يستيقظ . فلم يصدق حتى أن زوجته أخذته إلى سريره وأرته أثر بلل الماءعلى فراشه والذي رشته عليه في محاولة أخيره لايقاظه ولكنه لم يستيقظ. فتحسس الملك السرير فوجده فعلا رطبا وإذ ذاك فتح الملك الكتاب السليماني ونظر فيه ثم ذهب إلى زوجته قائلا : لا بأس الكتاب يشير إلى أنه بعد ذلك الكوكب يقترن بكوكب بعده بساعة فمن عاشر زوجته فيه ولدت أقوى الرجال. وهكذا فعل راضيا بأقل القليل مما كان يطمح إليه ومما كان ينتظره زمنا طويلاً.

في تلك الليلة والجميع نيام ما عدى بوجابت وحبيبها البستاني. فها هي وهو في الإسطبل يعرض عليها ما شرطه عليه الوزير فقال البستاني لبوجابت : لقد طلب مني الوزير أن أذهب في الصباح إذا ما رأيت الأمير قد دخل على ديوان الملك وأخبره أن الأمير نحميا طلب منك وضع منوم في شراب الملك ليلة البارحة أي هذه الليلة وذلك كي يفوت على الملك فرصة إنجاب ولد يحكم العالم ويستأثر هو بذلك من دونه فيؤل إليه الحكم في المملكة من دون الملك وأولاده من بعده, وأن تشهدي معي على ذلك, عندها سيعتقك الوزير لنتزوج. لا.. لا يمكن. قالت بوجابت ذلك وأعطت ظهرها للبستاني ثم قالت : هل تريدني أن أخون من أحسن إلينا بل.. وأكذب.. وأشهد زوراً,هل هذا ما أنت عليه؟ هل هي كذلك أخلاقك التي أحببتك من أجلها؟ رد البستاني : الوزير أقوى مكانه عند الملك من أخيه الأمير. قالت : وكيف سيصدق الملك ما نقول؟ قال : سندعي أنه هددنا بفضح أمرنا لدى الملك وبالقتل إن لم نفعل, عندها من غير المعقول أن لا يصدق الملك إدعائنا عليه. قالت : ولما نؤذي من ساعدنا؟ الامير وزوجته من أطيب الخلق ,لا يستحقان ذلك , وخاصة منا, أنا وأنت من إستضافانا. قال : أنت لا تفهمين, لقد هدد الوزير بقتلي وقتلك, بل وقتل الطفلة قبل ذلك ,هل تريدين أن تشاهدي طفلتك تقتل أمامك؟ عندها ترددت بوجابت وهي تفكر في مشهد إبنتها الصغيرة تذبح أمام ناظريها فصكت وجهها بكفيها وأخذت بالبكاء من فضاعة المشهد . ثم هزت رأسها بالانكار وهي تقول لا ... لا وانطلقت تجري باكية إلى السكنات بينما ظل البستاني بالاسطبل فوق كومه القش يفكر ويقول لنفسه لوفعلنا ما طلب الوزير لا أظن أن الملك يعاقب أخاه هم ملوك وأمراء مع بعضهم أما نحن فنحن مستضعفون من سيدافع عنا لا أظن أن يلحق به الأذى إنهم كبراء ونحن صغار جدا. وقضى البستاني ليلته ساهرا بتأنيب الضمير. مره يراه مناسبا ومره أخرى تغلب عليه أخلاقه الكريمة فيستنكر ويرفض .
طلع الصباح والجميع عند الملك في مجلسه. إذ دخل عليه أخوه الأميرنحميا فحياه وجلس في مكانه المعتاد. لاحظ الأمير نحميا أن الملك واجما وكأن الطير على رأسه والوزير كالمعتاد على يمين الملك أجمنون قبالة الأمير ينظر إليه واثقا من مخططه الذي أعده له. تكلم الأمير نحميا وكسر السكون في المجلس وقال : مولاي الملك, إن مطابخ قصر مولاي أجمنون العظيم تزخر بأفضل الطباخين في البلادين كلها, بل وتفخر بأكثرهم عددا, فلو يأذن لي مولاي بإحدى الطباخات تنضم إلى مطبخ بيتي المتواضع من فضله ومنه. نظر الملك أجمنون إلى نحميا وقطب حواجبه باستغراب لطلبه السخيف ذاك ولإن شيئا أكبر من ذلك يشغل باله فلم يهتم كثيراً وقال : حسنا أذنا لك. وتوجه الملك بالكلام إلى الوزير قائلا : فليضم الأمير من يشاء من المطبخ إلى قصره ولم يتم الملك كلامه حتى دخل عليهم المجلس البستاني ووقع في وسطه ساجدا متضرعا صائحا: مولاي عفوك وحلمك يا مولاي الملك العظيم أجمنون. نظر إليه الملك وقال : قف وتكلم يا هذا من أنت ؟ ولأي شيء جأت ؟ وكيف دخلت ؟ وقف البستاني بذلة وخضوع وقد اندهش الأمير نحميا منه ومن فعله وأصبحت عينا الأمير في رأسه بينما إتسع صدر الوزير وانشرح ببدأ مخططه بالتنفيذ فقال البستاني : مولاي الملك أرجو أن تأمنني بعفوك إن تكلمت. فقال الملك لضيق ما ألم به تلك الليلة : تكلم لا ضرر عليك. فقال البستاني : لقد نشأت علاقة بين عبدك وخادمك الفقير هذا وطباخة من مطبخ قصركم العظيم فولدت منها بنتا قبل ثلاث ليالي يا مولاي, في سكنات خدم قصر أخيكم الأمير نحميا .عندها نظر الملك إلى نحميا فاحمرت عينا الملك واشتط غضبا فرجع إلى البستاني وقال : أكمل قبل أن أقطع رأسك. فقال البستاني : الفتاة أم إبنتي تدعى بوجابت فاستدعاها الأمير بعد أن ولدت طفلتها وهددها بفضحها لديكم إن لم تضع... فسكت البستاني خوفا ونظر إلى الأمير نحميا فقال له الملك بغضب وقد إصطكت أسنانه : تضع ماذا ؟ فقال البستاني:أمرها مقابل تستره علينا أن تضع لجلالتكم المنوم في أبريق الشراب, وسمعت بوجابت الأمير نحميا وزوجته يقولان الملك لم ينجب غير ثلاث إناث, كما سمعتهما يتآمران على نقل الملك في ذريتهما وأن وضع المنوم لمولاي جزأ من الخطة . عندها التفت الملك إلى أخيه الأمير الذي إنعقد لسانه من صدمة الخيانة وقال له الملك: هل كنت تعلم بأمر هذا البستاني وتلك الفتاة ؟ هل هي هذه الطباخة التي سألتنيها قبل قليل ؟ فأجاب الأمير متلعثما خائفا : نعم يا مولاي ولكن... ولم يتم حديثه حيث دخل على الملك طبيب القصر وبيده الإبريق الذي شرب منه الملك في تلك الليلة وقال : صحيح ما ظننته يا مولاي إن هذا الشراب يحتوي فعلا على المنوم. في تلك الأثناء كانت بوجابت في قصر الأميره ماري تخبرها عن المؤامره فتقدم الملك من الأمير نحميا ولم يعطه فرصة للدفاع عن نفسه واستل خنجرا من وسطه حتى أن وصل الملك إلى الأمير فإذا ماري تدخل المجلس مسرعة, فرآها الملك وهي تبكي زوجها فرق قلبه على أخيه وأمر الجند بأخذه إلى السجن وتكفل الوزير بذلك بكل سرور. أما الأميره ماري فقد حاولت التدخل لمنع الجند من أخذ زوجها واسترحمت الملك في أخيه الأمير الذي وقف هناك بأيدي الجند يجرونه وهو يرى زوجته في الذل والمهانة. رجع الوزير من السجن حيث إطمأن على حبس الأمير نحميا فقال له الملك : فلتسجن الأميرة ماري في قصرها لا يدخل عليها أحد ولا تخرج منه حتى تلد, وبعد أن تلد نأخذ ولدها فنربيه فلا يعرف أباه ونقضي به حاجتنا. فقال الوزير للملك: هل تأمر بقتل الأمير نحميا يا مولاي؟ رد عليه الملك مباشرة لا .. لا ليس الأن دعني أنظر في أمره إلى حين إذهب وأفعل ما أمرتك به. إنصرف الوزير وجلس الملك على كرسيه وقد زاد همه وغمه. الوزير خاف من أن الملك بعد حين يعفو عن أخيه الأمير فدبر مكيدة مع البستاني لمحاولة تهريب الأمير من سجنه فطلب البستاني وقال له : لم تنتهي مهمتك بعد لكي تنجو بجرمك عليك أن تمثل وسيله لتهريب الأمير من سجنه وعند ذلك يكون الجند بإنتظاره فيقتلوه ونتخلص منه للأبد. وافق البستاني الوزير. واتفق مع بوجابت على وضع المنوم للحراس في تلك الليلة ولكن البستاني لم يكن ينوي إرسال الأمير إلى حتفه وإنما كان فعلا ينوي إنقاذه وعندها يمكن أن يقول أنه قد نفذ الجزأ الخاص به من مهمته بتسهيل فرار الأمير ولكن الخطأ ليس خطاه وإنما خطأ الجند وبذلك يتخفف من ألم تعذيب الضمير لدية. فاحضر عربة ووضعها خارج بوابة المدنية .
ذهبت بوجابت إلى مطبخ قصر الملك واتفقت مع زميلاتها على وضع المنوم للحراس وأن تقدمه لهم إحدى الخادمات . وبعد أن نام الحرس كانت بوجابت تحمل طفلتها ومعها ماري عند العربة ينتظران, بينما دخل البستاني السجن وحررالأمير وإذا هما لدى باب السجن قابلهما الوزير فاستل البستاني سيفا من أحد الحراس النيام ودارت بينهما معركة سرعان ما حسمها الوزير المتمرس على حمل السلاح وليس كالبستاني الذي لم يتعود إلا على قص الحشائش فضربه على رأسه فشجه صريعا وأراد أن يبطش بالأمير ولكن الوزير تلقى ضربة قوية على رأسه من الخلف, لقد كانت تلك بوجابت إستخدمت عصى قوية فأوقعته مغشيا عليه وألبست بوجابت الأمير لباس النسوة وانطلقا إلى البوابة متخفيان. وإذا هما في لحظة خروجهما من الباب الكبير حيث الأميرة ماري في العربة تحمل طفلة بوجابت يصرخ عليهم الوزير وهو يجرى بإتجاههم والدماء قد سالت من رأسه قائلا : أوقفوهم . وحالما سمع الفارين ذلك أركب الأمير نحميا بوجابت في العربة وإذ يهم الأمير بالقفز إلى العربة أطلق أحد حراس السور سهما بإتجاههم فأصاب الأمير نحميا فوقع على الأرض ثم توالت السهام عليهم فجفلت خيول العربة وانطلقت مسرعه بينما تنظر ماري إلى زوجها ملقا على الارض وقد غرز السهم ظهره وهو ينظر إليهم يبتعدون مشيرا إليهم بيده مودعا زوجته ماري التي أخذت تراقبة و تبكي إذ العربة تبتعد بهم وتنطلق وراءهم ثله من الخياله يقودهم الوزير وتجري المطاردة عبر الغابات المظلمة وقلب الأميرة ماري مع زوجها متأملة أن يكون قد نجى من ذلك السهم القاتل وقد غسلت الدموع وجهها.
أخذت العربة مجرى جانبيا من الطريق. وعلى بضعة أميال في أخر ذلك الطريق علمت بوجابت التي أمسكت بلجام الخيل أن أفضل وسيلة لهم الإبتعاد عن الطريق العام والاختباء وإلا عثروا عليهم إذا ما استمروا بالحراك. فأوقفت العربة عند مفترق طريق و ترجلتا عنها. ثم ضربت بوجابت الخيول لتعدوا في الغابة الكثيفة وهما بدورهما نزلتا منحدرا كثيفا مليء بالأشجار. بعده شاهدتا كوخا في أسفل المنحدر فتوجهتا إليه مسرعتان. ودخلتا من باب الكوخ على سرعة ووجل فإذا هو كوخ مليء بالحاويات الزجاجية الصغيرة والمتوسطة وبعض الأجهزة الغريبه والأوراق والقراطيس والمناضد الخشبية وكأنه مستودع بل وكأنه مختبر .
دفعت بوجابت باب الكوخ بقوة دخولاً إلى غرفته وتبعتها ماري ورائها ممسكة بذيل ثوبها حتى أصبحتا على بضع خطوات من الباب بداخل تلك الغرفة الرثة. فالتصقتا بجدار الغرفة وقد إنقطعت أنفاسهما من الجري وشخصت أبصارهما حينما رأتا رجل ذو شعر كثيف وقد على بعض البياض شعر رأسه وفي بعض جوانب لحيته خصلات بيضاء. واقفا أمام إحدى المناضد يعمل على شيء وقد إلتفت إليهما لفتة دفاعية. توجه إليهما الرجل وقال متفحصا هاتان السيدتان اللتان قد بدتا من ملابسهما أنهما ليستا من العامة. وأحدهما قد بدت ملابسها وحليها تنطق بوضوح على ثرائها. من أنتما ؟ وماالذي أتى بكما علي هكذا ؟ ردت عليه بوجابت : هناك من يطاردنا من الرجال خلفنا, أرجوك ألا يوجد مكان نختبأ فيه عندك حتى رحليهم؟ نظر الشيخ نظرة سريعة إلى المكان. والتفت وراءه ناظراً إلى بعض المداخل من تلك الغرفة حيث بعض الغرف الأخرى ولكنه علم أنهم إذا ما فتشوا المكان لن يجدوا صعوبة في إيجادهما حيث لا يوجد مخبأ عنده لهما. فتوجه مسرعا إلى بعض أوانيه الزجاجية وفتح إحداها وأخذ بعض من ما يشبه الدقيق وأغلق فم الزجاجة على عجل وتوجه إلى السيدتان وقد سمع ضجة الخيل مقبلة على الكوخ من الخارج وقال لهما : مهما يحدث إلزما مكانكما ولا تتحركا ولا تأتيا بأي صوت. وأخذ ينشر بعض من ذلك الدقيق على رأسيهما قائلا : لا تخافا فقط إلزما السكون التام. دخل الجنود باب الكوخ بقوة حيث لزم الشيخ مكانه واقفا بلا حراك وكانت السيدتان على يساره مباشرة خائفتان تترقبان ولكن الجنود لم يبدوا أي إنتباه إليهما فلم يكونوا يستطيعون رأيتهما . عندها تقدم الوزير داخلا إلى الغرفة عبر جنوده إلى أن وصل إلى منتصف الغرفة ثم إستدار وواجه الشيخ وقال له متتفحصا المكان بنظره: هل جاءك زوار منذ دقائق ؟ رد الشيخ : نعم سيدي الفارس. عندها كادت السيدتان أن يغشى عليهما عندما سمعا الشيخ يقول نعم. فقال الوزير : وأين هما ؟ فقال الشيخ مشيرا إليهم والى الوزير ؟ أنتم ياسيدي . نظر إليه الوزير بخبث وهو يتمشى متفحصا الغرفة ورد وجهه إلى الشيخ قائلا : ألم تأتك سيدتان مع طفلهما إلى هنا منذ قليل ؟ إنهما مجرمتان فارتان من العدالة وإيواء المجرمين عقوبته الإعدام. وقد أشار الوزير بأصبعه إلى الشيخ عندها قامت الصغيرة من نومها وبدأت تتحرك بعض الشيئ في يد بوجابت. فخافت من أن تبدأ الصغيره بالبكاء فوضعت بوجابت إصبعها بهدوء على فم الصغيرة فأخذت الصبية تمص إصبع أمها وراحت في سبات عميق. رد الشيخ على الوزير : سيدي المكان ملكك وهو كما ترى لا أحد سوانا هنا. أمر الوزير الجنود بتفتيش المكان بينما بقي هو مع الشيخ فدخل الجند إلى الغرف المجاوره ثم رجعوا فلم يجدوا أحد. فنظر إليهم الوزير وهم خالين الوفاض ثم قال وهو يخرج من الكوخ مسرعا: هيا بنا لا يمكن أن يكونا قد ابتعدا. وخرج جميع الجند من الكوخ وانطلقوا في إثر ماري وبوجابت. بعد فترة بسيطة من خروجهم قالت ماري : شكراً لك إيها الشيخ الطيب لقد أنقذتنا من موت محقق. عندها تحركت بوجابت فظهرتا للشيخ عيانا فقالت ماري للشيخ: ما هذا الذي رششته علينا فأخفانا عن العيون ؟ هل أنت ساحر؟ فقال الشيخ وهو يبتسم: ساحراً! بالتأكيد لست ساحراً يا سيدتي وإنما أنا طبيب, لست إلا طبيب القرية.
رجع الوزير بالجنود بعد تفتيش مضني بعد الفجر بقليل إلى المدينة فدخل الوزير قصر الملك أجمنون مسرعا ليحمل إليه الأخبار. إستأذن الوزير على الملك باب غرفته فخرج إليه الملك قائلا: ما الذي أتى بك مبكرا يا لوذا؟ قال الوزير : اخبار سيئه مولآي أجمنون. فقال الملك: قل ما عندك لم تزل الأخبار سيئه منذ إقتران تلك النجوم. قالها الملك مستسلما. فقال الوزير لوذا : يجب أن تراها بنفسك مولاي. قال أجمنون : حسنا إنتظرني عندك. دخل الملك وارتدى ملابسه وخرج مع الوزير فأخذه الوزير إلى سجن القصر. وعندما وصلا شاهد الملك الحرس ممددين على الأرض وقد ضرحوا بدمائهم فحزن لذلك المنظر. ولكن ما أن رآ أخيه الأمير ممددا بقربهم بلا حراك وقد غرس سهم في ظهره حتى إشتد حزن الملك وأقبل على أخيه فوضع رأسه على حجره متألما له وقال: ما الذي حدث ؟ قال لوذا وهو يشير إلى البستاني الممدد هناك وقد شق رأسه إلى نصفين : بمساعدة هذا الخائن مولاي لقد ساعد هو وفتاته الطباخة مع زوجة أخيكم الأمير على قتل الحراس, وصادف أني كنت في الجوار فاستطعت التغلب على البستاني ولدى محاولة أخيكم وزوجته والطباخة الهروب والفرار من البوابة أطلق الجند عليهم السهام فأصابوا الأمير فأردي قتيلا كما ترى يا مولاي. قال الملك وقد انسابت الدموع من عينيه: وماذا حل بزوجته ؟ قال الوزير: لقداستطاعتا هي والطباخة ومعها طفلتها الفرار مولاي. قال الوزير ذلك وقد كان خلف الملك واقفا وقد ارتسمت فرحة غامرة على محياه.














غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: مواضيع مختلفة


...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
الفصل الثاني
أما من حال ماري وبوجابت ورضيعتها فقد باعتا ما لديهما من حلي وثياب, واشترتا ثياب أخرى كحال الرعية, حتى أن بوجابت أرادت بيع تلك القلادة التي أعطتها الأميره ماري لمولودتها يوم ولادتها, ولكن ماري منعتها من ذلك. وعاشتا معا في كوخ ذلك الشيخ الطبيب الطيب. وكون أن الأميرة ماري لم تعتد على الأعمال اليدوية فقد كان صعبا عليها أن تتعود على الطبخ والغسل و الأعمال المنزلية الأخرى. ولكنها تعودت عليها بعد فترة بمساعدة بوجابت التي لم تسمح للأميرة في البداية أن تعمل بيديها, ولكن مع إصرار الأميرة ماري قامت بوجابت بتعليمها كل ما يلزم من متطلبات ربات البيوت كما تناوبتا الاعتناء بالصغيرة التي أسمتها روث .
كان الشيخ يكسب رزقة من تطبيب أهل القرية. فقد كان عالما متمرسا في مهنة الطب والأعشاب. قبل طلوع الشمس وظهورها تناول الشيخ سكينا ذات نصل كبير عريض معلقة بخيط على مسمار في الحائط . وسار بها ووضعها على الطاولة وتناول القلم وكتب على نصلها بالطول هذه الأحرف كل حرف لوحده . ط ل ق ض ر ا ط ثم خرج من باب الكوخ يحمل السكين. وأمسك بالسكين بكلتا يديه ورفعها معامدا جسمه بامتداد ذراعية أمام وجهه ,وقابل بالكتابة ناحية شروق الشمس وأخذ يتمتم ويردد إذ الشمس تظهر من الأفق وتصيب بأشعتها ذلك النصل : بيوهن بيوهن بسمسيم بسمسيم بيلهن بيلهن سبريوش سبريوش شيموش شيموش صعي صعي كعي كعي أرميال أرميال. عندها إكتمل ظهور الشمس عند إنتهاءه من كلامه فدخل إلى الكوخ ووضع السكين معلقة في مكانها على الجدار وتوجه إلى نافذة تطل على خلف الكوخ. الكوخ الذي أصبح أكثر نظافة وترتيبا. فشاهد من النافذة ماري وبوجابت وهما تعتنيان بمزرعة قد أنشأتاها هناك بالخلف للحصول على خضار المطبخ حيث يجري ينبوع ماء صغير بجانب تلك المزرعة الصغيرة. وراح الشيخ يطالع ماري وهي تفتش عن الخضروات وقد إنتفخ بطنها وكبر. فتوجه الشيخ الى الغرفة المجاوره وأخذ يلاعب روث .
في أخر ذلك النهار دخل الشيخ الكوخ فإذا ماري هناك تجهز لإعداد العشاء. وعند جدار الغرفة تجلس بوجابت وهي ترضع روث فتوجه الشيخ إلى الجدار حيث تلك السكين وأخذها وذهب بها إلى مسافة قريبة من الكوخ في الغابة حيث حقل دوار الشمس. فبحث بينها عن واحدة وجهتها إلى المغرب حتى وجدها, فربط خيطا رفيعا عند آخر نصل السكين مما يلي المقبض, فقاس بطرف نصل السكين من وسط دائرة دوارالشمس حتى انتهاء النصل عند الخيط, ثم مد الخيط عموديا باتجاه ساق دوارالشمس زاوية مستقيمة, ثم مد الخيط عموديا باتجاه تلاقي الخيط بالساق وعلمه بشطبة صغيرة خطا بالسكين ووضع السكين بالطول أمام دوار الشمس بحيث ظل طرف السكين عند تلك الشطبة التي بالساق فإذا بسقوط الشمس غربا يطول ظل السكين ويمتد كلما زاد سقوط الشمس في الغروب حتى وصل ظل السكين إلى منتصف دائرة دوار الشمس المكان الذي قاس منه أولا. عندها أخذ الشيخ يقول والسكين في تلك الوضعية : بيوهن بسمسيم بيلهن سبريوش شيموش صعي كعي أرميال. ثم أخذ السكين وأخذ يقطع رأس دوارالشمس وهو يقول بيوهن بسمسيم بيلهن سبريوش شيموش صعي كعي أرميال فما أتم ذلك حتى قطعها تماما. فأخذ الرأس ودخل الكوخ فاذا بوجابت قد تبادلت مع ماري تطبخ الطعام بينما تجلس ماري هناك تشاهدها وتلاعب روث. وضع الشيخ رأس دوار الشمس على المنضدة وقام بإخراج بذرة بينما تطالعه بوجابت وهي تحرك القدر على النار وتنظر بابتسام إلى ماري التي شاركتها الابتسامة من حيث الشيخ لا يراهما خلفه. قام الشيخ بدق البذر ناعما طحينا ثم وضعه في زجاجة وأحكم إغلاقها وكتب عليها ( للحالات الصعبة ) واتجه بالزجاجة إلى الارفف فمر ينظر إلى ما كتب على القنائن الزجاجية المصفوفة وهو يقرأها : هذا آلوسن وهذا أطريال وهذا إبهل وهذا أبو فايس وهذا أترج وهذا أثل أين أين وهذا الإجاص. الأحيون. إذخر. أذان الأرنب. أرقيطون أسارون أسل آس أسد العرس أستيون أشنة أشخيص أشراس أثرار أشنان أصابع صفر أصابع هرمس إكليل الجبل فمر على الجميع لا يعلم أين يضعها حتى أخرها حيث وضعها في أخر الصف. وفي صباح اليوم التالي جاءه أحد القرويين يبكي وقد كسرت ذراعة فاقعده الشيخ على الكرسي ومد الشيخ يده على ساعد الرجل وتمتم وهويمسح بيده عليها ثم لواها فخرج صوت طقطقة فرجعت اليد سليمة معافاة ففرح القروي الفقير وأعطى بعض النقود للشيخ رغم إمتناع الشيخ عن أخذ المال إلا أنه أخذه عند إصرار القروي. أخذ الشيخ يراقب القروي وهو واقف بخارج الكوخ حتى إختفى الرجل. سموطان..سموطان.. سمع الشيخ من يناديه من خلفه فالتفت الشيخ خلفه فإذا رجل أخر مقبل عليه وعليه ثياب الرخاء وزينة الاثرياء فقال الرجل وهو يمشي باتجاه الشيخ : سموطان أيها المخادع. حتى إقترب الرجل من الشيخ والشيخ في دهشة من أمر الرجل. فقال الثري للشيخ : سموطان لست إلا مخادع كذاب الدواء الذي أعطيتني إياه البارحة عندما جأتك أشتكي عسر هضم معدتي لا يزال الالم كما هو ولم يفدني دوائك في شيء, تأخذ مالي وتسرقني ولا تفعل لي شيئا. فغضب الشيخ وكتم غيضة ثم دبر فكره لحظة وقال له : لا بأس عندي لك دواء شافيا هذه المرة. فقال الرجل : ولكني لن أدفع لك من جديد. فقال الشيخ : لا داعي أن تدفع شيئ . ودخل الشيخ إلى الداخل والرجل ينتظره بالخارج. فتح الشيخ قنينة الحالات الصعبة وأخذ منها بطرف أصابعه وأغلقها وماري تراقبة يفعل فتبعته وهو يخرج للرجل ووقفت لدى الباب تراقب. وصل سموطان إلى عند الرجل ونثر ذلك الدقيق على وجهه قائلا : بيوهن بسمسيم فما أن وصل ذلك الغبار إلى أنف الرجل حتى بدأ بالظراط الشديد رغم محاولته منعه بلا جدوى. فأخذ الرجل يقعقع بأنغام شتى وهو موليا مدبرا يصيح من شدة الضراط. وماري وبوجابت يضحكان وهما ينظران إلى الرجل يبتعد يصيح من شدة ما ألم به .

بعد عدة أشهر ولدت ماري صبيا وفرح الجميع بالفرد الخامس في العائلة الصغيرة وفي نفس اليوم ولدت زوجة الملك أجمنون صبيا ففرحت به أخواته الثلاث الأكبر منه كما كانت سعادة الملك أجمنون بأول اولاده الذكور لا توصف ولم يعادلها شيئ إلا عندما ولدت له زوجته بعد سنتين ونصف مولودا أخر و كذلك كان صبيا .
أخذ الصبي ابن ماري والذي أسمته ديفي يكبر ويلعب مع إبنت البستاني روث التي تكبره بسنة. فكانت تعتني به حتى ظهرت على ديفي علامات التخلف الجسمي الخلقي فلقد كان ديفي من ذوي الاحتياجات الخاصة لقد كان منغوليا, ينموا عقله ببطأ شديد.
كبر الاولاد مع مضي السنين وأصبحوا الأن في سن المراهقة فأخذت روث لعبة من العاب ديفي وأخفتها عنه فإذا هو يبحث عنها ويصيح فحاولت أم روث بوجابت معرفة مكان الخبيئة من روث وروث ترفض الإدلاء عن مكانها. حضر سموطان من الغابة من خلف الكوخ وسار بإتجاه مدخل الكوخ يمسك بيده حبلا تتدلى منه أربعة أرانب مذبوحة الرأس. فنظر إلى ماري وبوجابت وديفي يجادلون روث هناك في الساحة الخارجية للكوخ فرأوه وهم يكملون محاولتهم معرفة مكان لعبة ديفي المفضلة الذي لم يسكت عن الصراخ والبكاء وهي ترفض إخبارهم. فدخل سموطان الكوخ وخرج والارانب ليست معه بل معه قطعة خشب مستوية مربعة الشكل وقلم و مداد حبر. فمشى حتى وصل إليهم فتوقف الجميع عن الكلام حينها. بل ينظرون إليه وحتى ديفي توقف عن الصراخ وخفت الضجة. وضع الشيخ الخشبة على الارض وقعد وبدأ يرسم في قطعة الخشب هذا الشكل .
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

وقعد ديفي بجانب سموطان يشاهده. وقعدت معهما روث تنظر إلى ما يفعل بفضول بينما بقيتا ماري وبوجابت واقفتان مندهشتان مما يفعل سموطان. فما أن أتم الشيخ رسمه ذهب إلى الكوخ وهم بانتظاره. فحضر إليهم وبيده خيطا قدر ذراع ونصف ومسمارا صغيرا ومطرقة ووضع المسمار على الخشبة في وسط الشكل حيث الدائرة وضرب عليه قليلا بالمطرقة حتى ثبته ثم ربطه بالخيط والتفت إلى ديفي وأعطاه طرف الخيط وهو يقول له هل تريد لعبتك؟ فهز ديفي رأسه بالإيجاب وهو زعلاً. فامسك ديفي طرف الخيط عندها بدأت الخشبة تدور دورانا عجيبا مصدرة صوتا من دورانها كالزوبعة. فاستغرب الجميع من صنع سموطان وفاجأتهم عندما انطلقت تدور وتزحف فشدت ديفي معها وهو يتبعها غير مفلت للحبل من يده. فتبعته روث تهرول وراءه وكذلك ماري وبوجابت والشيخ خلفهم ليعلموا أين يذهب اللوح فساقهم إلى مكان خلف الكوخ ثم توقف عن الزحف وعن الدوران. فنظروا إليه بإمعان ونزل الشيخ إلى مكان اللوح وأزاحه ثم حفر قليلا مكان ما وقف. فاذا سموطان يخرج بيده لعبة ديفي التي خبأتها روث فقفز ديفي عند رؤيته لعبته وأصدر صفيرا وصرخة فرحة قوية وأفلت الحبل من يده وتناول لعبته من سموطان والجميع يضحك من ذلك الموقف الظريف .
كذلك كان هيرود وهو الاسم الذي أطلقه الملك أجمنون على إبنه. كان في حديقة القصر يتبارز مع الجند بسيفه فيغلبهم. وقد برزت عضلاته وبانت رجولته في سن مبكرة والملك يجلس مع زوجته ووزيره على طاولة في الحديقة غير بعيد من إبنه. يراقب شجاعته وبراعته في القتال مسرورا به فضرب هيرود بسيفه أحد الجند بقوة فصدها الجندي ولكن من قوة الضربة وقع الجندي أرضا وبقي هناك يراقب هيرود مندهشا من قوة هذا المراهق. فرمى هيرود عليه بسيفه فصرخ الجندي خوفا من أن يغرز السيف فيه ولكن السيف غرز في الأرض بالضبط بين فتحة صغيرة بين رجلي الجندي الذي التقط أنفاسه عندما علم أن السيف لم يصبه فسر الملك لدى مشاهدته ذلك وضحك بصوت عالي فالتفت هيرود إلى أبيه الملك وكان هيرود مقتضبا فأنشرح غرورا عندما سمع أبيه يضحك فرحا . ونادي على أخيه الأصغر الذي كان معهم في التدريب يقف منعزلا وقد لبس لباس المحاربين مثلهم وقال له هيرود : سامويل هيا أهجم علي بسيفك. وأخذ هيرود يخاثله مقتربا منه بيديه العاريتين. ولكن سامويل كان يمسك سيفه برخاوة إلى الارض ويتراجع إلى الوراء بينما هيرود يتقدم منه متحفزا لقتاله قائلا : هيا إطعني به إضرب سامويل إضرب. وسامويل عيناه تدوران من الخوف كلما زاد هيرود من الاقتراب منه حتى وصل هيرود إليه ولم يفعل سامويل شيئا غير ارتعاد فرائصه. فنظر هيرود بتركيز في عينا أخيه الخائفتان وهو يقرب وجهه من وجه أخيه حتى كاد ان يلمسه بانفه وفاجأه هيرود بضربة من كفه على صدغ وجهه أدارت برأسه فأوقع سامويل سيفه ووقع أرضا, ونهض متعثرا يركض بإتجاه أبيه الملك يبكي بينما هيرود يضحك عليه ويصيح وراءه قائلا : أركض سامويل أركض. بينما كان الملك وزوجته يشاهدان ذلك وحيث سامويل قادم إليهما يبكي قالت الملكة لزوجها: سوف يقتله في يوم من الأيام. فقال لها الملك أجمنون واثقا : إنه ليس كأي فتى, إن السماء اختارت ولادته, ومن معه السماء لا تهزمه الأرض. صرخ هيرود قائلا : شهلون. عندها حضر أحد الفتية الذين من سن هيرود وهو يلبس اللباس العسكري ومحملا بشتى أنواع الاسلحة .لا يكاد يبان جسمه من كثرتها عليه وهي تقلقل بصوت إثر اصطدامها ببعضها أثناء جرية ليلبي نداء سيده هيرود . وهيرود يشاهده حتى وصل إليه شهلون ووقف عنده قائلا : مولاي الأمير، شهلون السريع في خدمتكم. عندها تقدم منه هيرود وخلع من ظهر شهلون النشاب بغضب وقوة.
في ضحى يوم من الايام سمع سموطان صوت خيول تصهل متوقفة خارج كوخة حيث كان يجلس بالداخل. فخرج ليرى من هناك. وعند وصوله إلى باب الكوخ وهو يمشي إلى الخارج شاهد عربه تجرها أربعة خيول ويقودها راهب يلبس لباس الرهبان أسود اللون, ويضع على صلعته البيضاء طاقية سوداء صغيرة وقد ظهر من هيئة عربته وخيوله أنه قادم من مكان بعيد ففرح به سموطان وحياه قائلا : قيسوس الرومي, يا صاحبي مرحبا بك مرحبا. وبدا ذلك الراهب فرحا بلقاء سموطان فنزل عن عربته وتقابلا بحرارة وقال له سموطان : أين كنت كل هذه الفترة لم نرك منذ زمن؟ فقال قيسوس وهو يتوجه إلى عربته ويشير إلى ما بداخلها : كنت أجمع لك ما طلبته مني من قبل أربع سنين فتقدم سموطان إلى العربة ينظر إلى ما أشار إليه قيسوس بداخلها. فنظر في العربة هناك جونية بيضاء كبيرة وقطع جلود مرصوصة فوق بعضها مربوطة بحبل فأشار سموطان إلى الجونية قائلا : هل تعني ما تقول أم هي مزحة ؟ فابتسم قيسوس الرومي وقال لسموطان وهو يشير بكفه إلى الجونية : أنظر بنفسك. عندها أخذ سموطان يفتح الجونية وهو يضحك حتى فض فوهتها ونظر بداخلها ثم أدخل يده وأخذ يقلب الأشياء بداخلها فأصدر أصوات زجاج وقوارير وخشخشة أكياس صغيرة تحتوي على أعشاب وعقاقير ثم التفت سموطان إلى قيسوس الذي ينظر إلى شدة تلهف الشيخ سموطان وقال سموطان له : إذا فأنت تستحق الضيافة تعالى لندخل . عندها أخذ سموطان الجونية وحملها على ظهره وحمل قيسوس مجموعة الجلود ودخلا الكوخ وجلس كلا منهما على الطاولة منتاظران. فقال له سموطان : هل تذكر تلك الايام عندما كنا تلامذه عند شيخنا الكبير ؟ فتبسم قيسوس قائلا: وكيف أنسى وتلك الايام هي السبب فيما نحن فيه الآن. فقال سموطان: ولكنها كانت طريقة حياة. فقال قيسوس متنهداً : وأي حياة هذه ؟ حياة الرهبنة والانعزال؟ فقال سموطان : ولكنها بثمن, فالجميع بحاجة إلينا ولسنا بحاجة لأحد أليس كذلك ؟ فهز رأسه قيسوس قائلا : نعم هذا صحيح. ثم غير قيسوس الموضوع عندما نزع من جيبه طاقية مصنوعة من جلود مختلفة ولوح بها لسموطان قائلا : هل تعرف هذه ؟ فنظر إليها سموطان وقيسوس يعرضها عليه عاليا بيده ويريه ما كتب بداخلها من طلاسم ونقوش. ثم تبين سموطان ماهي وابتسم غير مصدق وأمسك بها من يد قيسوس الذي أفلتها وهو يضحك وقال سموطان: لقد فعلتها إذا. فضحك قيسوس قائلا: تماما كما أخبرتني أن أصنعها جلد البوم وجلد الأسد وجلد التمساح وأسمائها السرية منقوشة بداخلها, هل تريد أن تجربها ؟ فقال سموطان وهو يقلبها بين يديه : لا أنا أثق بك وفجاة أمسك سموطان بساعد قيسوس الذي كان على الطاولة وهزه بحرارة قائلا : مرحبا بك يا صديقي القديم .
عند الظهيرة ماري وبوجابت كانتا تمشيان في طريقهما إلى الكوخ, و تحمل ماري على راسها سلة من الخضار وبعض الاغراض كما تحمل بوجابت سلة من الخضار قداسندتها على خاصرتها, وروث وديفي يتقافزان أمامهما يمرحان. وتوقفتا أمام ساحة الكوخ تنظران إلى سموطان من خلفه وهو يودع راهبا يركب على عربه. ولوح بيده لسموطان الذي كان يقف أمام الكوخ. ولوح سموطان لذلك الراهب الذي إنطلق بعربته مسرعاً. ثم ا لتفت سموطان إليهما. فاتجة الجميع للدخول إلى الكوخ. فقال سموطان ومارى تمشي خلفه وخلفها الصبية وبوجبات تمشي أمامه: كيف كان بيعكم في السوق اليوم؟ فقالت بوجابت من أمامه: مثل المعتاد, ولكان بيع الفائض من خضروات المزرعة خيرٌ من الاحتفاظ بها فتفسد علينا . دخلت بوجابت ووضعت سلتها في الغرفة. بينما كانت تمشي ماري وراء الشيخ, وهي تنظر إلى يده التي تحمل تلك الطاقية الغريبة الشكل حتى دخل سموطان أمامها ووضع الطاقية على الطاولة. وخلفه ماري فقالت له : ما هذه ؟ وأشارت إلى الطاقية فنظر سموطان إلى الطاقية وحملها قائلا: هذه طاقية جدتي ! فقالت ماري مندهشة : طاقية جدتك ! لم تخبرنا أبدا عنها. فقال سموطان : جدتي كانت تحكي لنا حكاية عن طاقية إذا لبستها تختفين . وعندما سمعت بوجابت ذلك خرجت إليهما يدفعها الفضول, ووقفت عند باب غرفتها تنظر إلى تلك الطاقية كما تجمعت عندهم روث التي قالت لسموطان : هل أختفي إذا لبستها ؟ فقال سموطان بثقة تامة: نعم. فقالت بوجابت : هل تذكر يا سموطان أول لقائنا بك وذلك المسحوق الذي رششته علينا فأخفيتنا ؟ عندها نظرت روث إلى أمها بإنتباه وإمعان فقال سموطان نعم ولكن ذلك المسحوق لإخفاء الأشياء الساكنة لا تستطيعين الحراك وإلا ظهرتي للعيان. وأشار سموطان بالطاقية قائلا: أما هذه فمختلفة, تلبسينها وتذهبين إلى أي مكان فلا يراك أحد . فقالت ماري وهي تضع السلة على الطاولة وذهبت لتجلس مع بوجابت على الكرسي الخشبي الطويل: هذا ما لا يمكن .عندها سار سموطان ووقف قبالتها وأمسك بالقبعة واستدار بقوة إلى خلفه وهو يلبس الطاقية على رأسه فلم يكمل دورته حتى إختفى فشهقت ماري وغطت فمها واسغربوا من ذلك وبدأ ديفي يبحث عن الشيخ من حيث مكان ما إختفى وكذلك روث وبوجابت وماري يبحثون ويتحسسون الهواء وتحت الأشياء. فإذا تلك السلة التي على الطاولة ترتفع في الهواء فشاهدوها وتعجبوا مبهورين غير مصدقين أعينهم ثم إندفع ديفي بقوة إلى تحت السلة الطائرة واصطدم بشيء في الفراغ تحتها فاهتزت السلة عندها ظهر الشيخ وفي يده القبعة وفي اليد الأخرى كان يحمل السلة.

* * *

مرت ثماني سنوات, وها هي بوجابت وماري تجلسان في السوق باسطتان سلتاهما أمامهما. والعامة تجول في السوق تشتري من كل مكان إلا منهما, وقد بدا عليهما البؤس وتقدمت بهما السنون ومن بين العامة كان الوزير يتفقد حال السوق وحده يمشي بين الباعة, وفجأة توقف الوزير لوذا عندما رأى تلك المرأتان جالستان هناك وأخذ يتفقدهما ويركز فيهما, فإذا هو يتعرف على ماري فاختبأ بسرعة بين الباعة.
في كوخ الشيخ, قد تغيرت أحوالهم للأحسن, إذ نستطيع رؤية الدخان يخرج من سقف الكوخ حيث صنعوا مدخنة تقيهم البرد. وبداخل الكوخ كان سموطان يجلس على الأرض وقد كثر الشيب في رأسه ولحيته, وبجانبه طاحونة حجرية وقد أحضر بعض الأقداح المصفوفة بجانبه. وهناك روث وقد كبرت وأصبحت إمراة جميلة ترقد مستلقية على بطنها بجانب طاحونة الشيخ تراقبه وديفي يقف أمامها يشاركهما التحضير لشيء ما فسالته روث قائلة : ماذا تحضر ؟ فقال سموطان وهو يتناول تلك الاقداح الواحد تلو الأخر ويضعها بداخل الطاحونة: أوقية من ألأدخر, ثم درهمين ماء بابونج مع ثلاثة دراهم فربيون, حبة الفرصاد خمسة دراهم , عشرة دراهم من شحم التمساح ومثلها شحم الدلفين, وكذلك شحم الحوت. ثم قام الشيخ بتدوير الطاحونة, ثم أخذ ما طحنه وصنع منه أقراص على شكل دراهم فقالت له روث : والآن ماذا؟ عندها دخلت ماري وبوجابت عليهما راجعتان من السوق بسلتيهما فركض ديفي واحتضن أمه ماري فرحا بعودتها. فقالت روث وهي ما تزال مستلقية: تعالوا شاهدوا هذا. وأشارت إلى أقراص الشيخ فقال الشيخ : إذا دخنت إحدى هذه الأقراص في النار توهم الجميع أنهم على النهر وقد خرج عليهم تمساح عظيم يريد أن يلتهمهم. فتقدمت بوجابت من الشيخ بعد أن وضعت سلتها على الطاولة. وتناولت أحد الاقراص تنظر إليه وقالت وهي ترجعه: سموطان إن لك أشياء عجيبة. فنهضت روث قائلة بفضول وهمه : لنجربها. فمنعتها أمها ولكن روث أصرت كما الاطفال. عندها تقدم ديفي من الأقراص وأخذ واحدا وبسرعة رمي به في المدخنة حيث النار وهم يشاهدون صنع ديفي ويترقبون فإذا الدخان يبدأ بالتصاعد من المدخنة. وإذا يتوهم لهم مثل ما قال الشيخ ويخرج عليهم تمساح عظيم من النهر من جانب المدخنة حيث حرق القرص فاتح فمه الكبير يريد أن يلتهمهم فتدافع الجميع إلى الباب جريا مفزوعين حتى صار الجميع خارج الكوخ يلتقطون أنفاسهم, يتأكدون من الباب كي لا يتبعهم ذلك التمساح الضخم الذي بحجم الغرفة. وإذا الشيخ يلتقط أنفاسه قال: نصف قرص تكفي لكان التمساح على ألأقل أصغر حجما من هذا. ثم نظر إلى الباب وتقدم ببطأ والجميع من خلفة وجلين من محاولة سموطان فتح الباب قليلا ليرى ما بداخل الكوخ. ففتحه سموطان ونظر فلم يرى شيئا فدخل ببطأ وتبعه الجميع عندما تبين لهم زوال ذلك التمساح. كان بين الأشجار الكثيفة من يراقب ذلك, إنه الوزير وقد ربط خيله خلفه على شجرة وأزاح الأشجار بيديه متلصصا عليهم فشاهدهم جميعا هناك حيث كانوا بالخارج, فرجع إلى جواده بهدؤ. و بعد فترة وقف الوزير قبالة باب الكوخ ثم دفعه بقوة داخلا ودخل وراءه جنوده مباغتين الجميع, ودخل الجند على سموطان الذي تحفز لهم, ولكن لم تكن لديه فرصة حيث تكاثروا عليه واقتادوه, وإذاهم يريدون القبض على روث أخذت قرصا من تلك الاقراص من على الطاولة واقتادوها إلى الخارج, وقبض جندي على ديفي وسحبه من يده يجره فإذا هو لدى الباب رأى ديفي طاقية الإخفاء فسحبها فقال الجندي : لا بأس أن تأخذ قبعتك معك فقد تحتاجها. ولكن ديفي أخفى القبعة في ملابسه.

أحضر الجميع إلى بلاط الملك أجمنون وأخذ الملك يتفقد المجموعة ولم يتعرف على أحد منهم. فقال الوزير وهو يشير إلى ماري: مولاي الملك هذه ماري زوجة أخيكم نحميا واللذان تآمرا على ملككم ,وهذا إبنها منه وهذه زوجة البستاني ومعها إبنتها, وقد أخفاهم هذا الشيخ عنده كل هذه السنين. نزل الملك من على كرسيه وأخذ يتفقد ماري فعرفها وقد تغيرت ملامحها وأخذ ينظر إلى ملابسها الرثة ومنظرها الشحيح وقال : ماري بعد أربع وعشرون عاما. ثم قال الوزير للشيخ سموطان: ألم أقل لك حينها أن جزاء المتستر على المجرمين القتل. وحاول الوزير أن يقترب منه لقتله فصاح به الملك قائلا: توقف. وأمر الملك أحد قواده وقال : خذوه إلى السجن, وكان يشير إلى سموطان: أما البقية فخذوهم واحصروهم في قصر الأمير أخي الراحل وشددوا عليهم الحراسة. وعندما هم القائد بأخذهم قال له الملك: لا أبقها معي بعض الوقت. وقد كان يعني ماري. وعندما خلي المجلس إلامن الملك والوزير وماري قال لها الملك : لقد أحسنت إليك وزوجك وكانت مكافأتي أن حاولتما السيطرة على مملكتي والقضاء علي, لابد وأن هذا من تدبيرك ودفعك له للقيام بما قام به. فقالت ماري : لسنا بخونة لقد أحبك وأخلص لك ولكنها مكيدة دبرها له هذا الحقود. وأشارت إلى الوزير الذي أطلق ابتسامه حاقده. فأسكتها الملك وقال: لقد حزنت على موته, على كل حال ما تقولين لو تزوجتك . عندها رفعت ماري رأسها مستغربة سؤال الملك وقالت : حزني على زوجي يمنعني ولطالما منعني من الزواج من بعده. عندها غضب عليها الملك وأمر الجند بأخذها إلى المعتقل فأخذوها وتوجه الملك إلى الوزير ووقف إلى جانبه الأيسر وقال : إبن نحميا ما هو إلا مسخ. ونظر الملك إلى الوزير وهو يقول : كان يمكن أن يكون ابني ,إنهما بنفس العمر, ولكن هيرود لم يستطع انتزاع المفتاح من القفل رغم قوته وسطوته. إذا سنحاول أن نجعل هذا المسخ إبن نحميا المحاولة في المفتاح, فكل ذي عاهة جبار.
أخذ الجند الشيخ إلى غيابت السجن وعند باب غرفة السجن وقف الشيخ وهو ينظر إلى داخلها عبر القضبان حيث سلاسل أربعة تمتد من الجدار, وكل سلسلة بطول ثلاثة أمتار تنتهي بحلقة ذات قفل. والسلاسل متدلية ومتكدسة على الأرض. فتح الجند الزنزانة وأدخلوا الشيخ ووضعوا الأغلال في يديه ورجليه وأخذ الشيخ ينظر إلى تلك الغرفة المظلمة الرطبة الواسعة ويتحرك بداخلها حيث كان طول السلاسل يسمح بذلك. أما ماري وبوجابت وروث وديفي فقد ادخلهم الجند إلى قصر الامير الراحل نحميا وأغلقوا الباب ورائهم وشددوا الحراسة عليهم, فدخلت ماري وهي تمسك بديفي وأخذت تمشي به وهي تنظر وتتأمل المكان فقالت لها بوجابت من ورائها: هل عادت اليك الذكريات؟ فقالت ماري بحزن وهي تنظر إلى المكان وتتأمله: هذه رواية قصر كنت أسكن فيه .
في صباح اليوم التالي دخل الوزير لوذا واضعا يده على كتف ديفي يسوقه إلى حيث يقف الملك بقرب كرسي عرشه وهو ينظر إليهما يقتربان, واستقبل الملك أجمنون ديفي بالترحيب والملاطفة وقال له : إبن أخي الحبيب, عمك يريد منك خدمه صغيرة, لعبة هل تحب اللعب؟ فهز ديفي رأسه بنعم عندها نظر الملك إلى وزيرة ووضع يده على كتف ديفي وأداره ناحية المخرج وخطى به إلى خارج الديوان والملك يحادث ديفي والوزير من ورائهما .
فتح الجندي الزنزانة وبيده صحن من الطعام وقربة ماء, ودخل حتى وصل إلى سموطان الذي يجلس على الأرض مادا رجليه والأغلال عليها, غير مباليا بمن دخل, ينظر إلى الأرض بتركيز. فدخل الجندي ووضع الطعام والماء بجانبه وانصرف وأغلق الباب وهو ينظر إلى الشيخ الذي لم يتحرك ولو قليلا, ثم إنصرف. زحف سموطان إلى الوراء قليلا حتى أسند ظهره على الجدار وأخذ يتمتم بصوت منخفض وعزيمة قوية قد بانت من حدة عينيه: برهتيه كرير تتليه طوران مزجل بزجل ترقب برهش غلمش خوطيرقلنهود برشان كظهيرنموشلخ برهيولآ بشكيلخ قزمزأنغلليط قبرات غياها كيدهولآ شمخاهر شمخاهير شمهاهير بكهطهونيه بشارش طونش شمخا باروخ اللهم بحق العهد القديم كهكهيج يغطشي بلطشغشغويل أمويل جلد مهجما هلمج وروديه مهفياج بعزتك ألا ما أخذت سمعهم وأبصارهم سبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
عاد الملك إلى ديوانه مسرع الخطى وهو في أشد الغضب والحيرة, ومن وراءه ديفي و
الوزير فالتفت إليهما الملك قائل: ا لم ينجح في الاختبار, لم يستطع إخراج المفتاح من قفله, هل يعقل أن ما في كتاب سليمان ما هو إلا خرافة ؟ ووجه الملك كلامه إلى الوزير وقال : ما العمل الآن؟ وقد بدا الملك يائسا فأجابه الوزير : لا أدري يا مولاي العظيم لعلنا لم نستوفي شروط العمل, أو هناك خلل ما لم نحط به. حينها صرف الملك الغلام وقال للجند : خذوه إلى أمه خذوه وصرخ بهم .
كانت ماري تدق على الباب ليفتح لها الجند بقوة وغضب ومن ورائها بوجابت وروث ولكن الجند لم يبالوا بها حتى فتح الباب ودخل ديفي وارتمى في حضن أمه تضمه بقوة فرحة تتأمله إذ لم يمسه سؤ. ودخل من خلفه من الباب الوزير لوذا وقال شامتا : لم يستطع إخراج المفتاح هذا المتخلف, لقد قتلتي زوجك نحميا للاشيء, ليست إلا خرافة وكذبة كبيرة. فنظرت إليه ماري وهي تحتضن إبنها باحتقار وخرج من الباب وأشار إلى الجند فاغلقوا عليهم. تقدمت بوجابت من ماري وديفي واحتضنتهم فقالت روث من خلفهم : سموطان ؟ فقالت بوجابت : أرجو ألا يلحقوا به الآذى. فقالت ماري : إنه لا ذنب له في هذا كله. فقالت بوجابت : يجب أن نجد طريقة لإنقاذه. ففكرت ماري في قول بوجابت .
حضر قائد الجند إلى ديوان الملك واستأذن ودخل وقال : مولاي الملك ذلك الشيخ سموطان, لم يذق الطعام ولا الشراب منذ سبعة ايام. عندها قال الوزير فرحا: لقد حكم على نفسه إذا بالموت بنفسه, وهذا جزاءه. فقال كبير الجند : ثم إنه يتمتم بكلام غير مفهوم لا ينقطع عن التمتمه لا بالليل ولا بالنهار يا مولاي. فنظر الملك إلى وزيره ثم صرف القائد بحركة من رأسه فانصرف عنهم. في حين دخل الحاجب على الملك وقال : مولاي, الأميره ماري ومعها إبنها تطلب مقابلتكم. فصرفه الملك بيده سامحا لهافدخلت عليه ماري بحلة جديدة ويدها على كتف ديفي تمشي إليه وهو يقول لها : هل غيرتي رأيك؟ بعد سبعة أيام تذكرتي فيها أيام العز والرخاء والدعه مما كنتي فيه سابقا. فتوقفت ماري وقالت : مولاي الملك إن الشيخ سموطان طبيب متعلم, ولدية الكثير من الحكمة, ولعله يساعد مولاي بطريقة لاستخراج المفتاح. عندها فكر الملك قليلا وقال : ولمالا, لن نخسر من المحاولة.
في تلك الأثناء كان الشيخ في تمتمته في مكانه لم يغيره, يركن إلى الحائط بظهره ناظرا إلى الأرض أمامه ويقول : اللهم بحق العهد القديم كهكهيج يغطشي بلطشغشغويل امويل جلد مهجما هلمج وروديه مهفياج بعزتك ألا ما أخذت سمعهم وأبصارهم سبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, عندها تغير الجو في الغرفة وساد السواد في الزنزانة وأظلمت ولم تبن الجدران ولا القضبان ليس غير كوة سوداء وكأنه إنتقل إلى مكان آخر, ثم ظهر في منتصف الغرفة على بعد خطوات من الشيخ في مقابلته رجل أسود على رأسه طربوش أحمر وعباءة ذهبية اللون لا تصل إلى كعبه, مخططة بخطين كبيرين على جانبيه من فوق كثفه إلى أخرها عند كعبيه باللون الأحمر الدموي, هزيل وقد ظهرت عظام صدره حيث لا يلبس شيئا غير بنطال يصل إلى بعد ركبتنيه بقليل, ذو عينين دائريتين كبيرتين, وظهرت عظام وجنتية, ذو وجه نحيل طويل ينتهي بشفتين عريضتين, و شعر خفيف مجعد على رأسه ويداه طويلتان تكادان تلمسان قدميه, كما أن أصابع كفيه طويله بالمقارنه مع طول يده وكذلك قدمه طويلة عريضة بالمقارنة مع طول رجله وحجم عظامه, طوله فوق ركبه الرجل العادي بقليل, أي ما يقرب من خمسة وأربعون سانتي مترا,ً وقال بصوت مخنوق طفولي وعيناه البريئتان الخاليتان من أي تعبير تشخصان إلى الشيخ : سيدي ماذا تأمرني ؟ فقال الشيخ وهو في سلاسله: أكنس. عندها مد الرجل يده اليمنى أمامه فظهرت في يده مكنسة صغيرة وأخذ يمشي في الغرفة دائريا وكأنه البطريق يكنس الغرفة حتى عاد إلى مكانه الأول . واختفت المكنسة ووقف وقفة العبيد وقال للشيخ بنفس الطريقه السابقة: سيدي ماذا تأمرني ؟ قال الشيخ : رش. فمد يده وظهرت فيها دلوا فخارية فأخذها ودار تلك الدورة السابقة وهو ينضح بكفه من ذلك الدلو الماء المخلوط بماء الورد والياسمين والعنبر والكافور حتى رجع مكانه الأول فاختفت الدلو ووقف وقفه العبيد وقال : سيدي ماذا تأمرني؟ فقال سموطان: إبسط البساط. فرفع يديه أمامه ونفضهما وكأنه ينشف خلقه مبلولة من الماء فظهر بساط أحمر من عند قدمي الشيخ الممدودتان فأخذ ينفرد باتجاه ذلك القزم حتى وصل عنده فنط الرجل عاليا وانفرد البساط من تحته حتى أخر الغرفة فنظر وهو يقف فوق البساط إلى الشيخ وقال : سيدي ماذا تأمرني؟ فقال سموطان: أحضر كراسي الملوك. فمشي ذلك القزم باتجاه يسار الشيخ, ثم وقف وظهره للشيخ ومد يده اليسرى بمحاذاة كتفه إلى الجانب مستقيمة وكفه إلى الارض وقال : مجلس السبت. فظهر كرسيا ملوكيا ذو قماش مخملي أحمر حيث كف القزم, وتقدم إلى الامام ويده كماهي مبسوطة ووقف وقال: مجلس الخميس. فظهر كرسي مثله ومشى قليلا ثم قال : مجلس الثلاثاء. فظهر كرسي أخر مثله ومشى قليلا إلى الامام وقال : مجلس الاحد. فظهر آخر ومشى قليلا وقال : مجلس الأثنين. فظهر الكرسي هناك ثم مشى قليلا وقال : مجلس الاربعاء. فظهر كرسي مثل الأول ومشى قليلا وقال: مجلس الجمعة. فظهر كرسي أخر هناك, ورجع القزم ووقف مكانه قبالة الشيخ وتلك الكراسي قد شكلت حدوة بشكل نصف دائرة في الغرفة فقال القزم : سيدي ماذا تأمرني ؟ فقال سموطان : أحضر ملوك الايام السبعة القائمين بالكواكب. فتحرك الرجل إلى أول كرسي من اليسار و قفز فوقه جالسا ينظر إلى الشيخ . فقال الشيخ : أحضر ملك يوم السبت ملك زحل بحق أزراز. فقال الرجل بصوت عالي : كيواااان, ثم صاح مثل الديك صيحة واحدة وأعلى بها ذقنه إلى فوق صيحة طويلة ثم توقف هناك عن الصياح ثم ظهر بسرعة جالسا على الكرسي الذي يليه ينظر إلى الشيخ منتظرا الإشارة فظهر رجل يجلس على ذلك الكرسي الذي كان القزم فيه أولا, يجلس مستقيما وقد وضع كفيه على فخذيه ينظر أمامه وكأنه صنم, ويلبس لباسا من الصوف الأسود الخشن وبإصبع يده اليمن في بنصره خاتما من الرصاص, عليه كهرمانة سوداء كبيرة. وكان القزم ملتفتا إلى الشيخ ينتظره وهو يطالع كيوان فقال الشيخ : أحضر ملك يوم الخميس ملك المشتري بحق جلجميش. فقال القزم بصوت عالي : برجيييييس. ثم صاح صياح الديك مثلما فعل أولا وظهر في الكرسي الذي يليه يجلس هناك ينظر إلى الشيخ. فظهر في ذلك الكرسي الذي كان فيه رجلا يجلس مستقيما ينظر أمامه وقد وضع يديه على فخذية يلبس لباسا ابيضا ناصع البياض, ويضع في بنصره خاتما من القصدير عليه ياقوته بيضاء كبيرة. فقال الشيخ: أحضر ملك يوم الثلاثاء ملك المريخ بحق دمليخ. فقال القزم بصوت عالي : بهراااام. وصاح مثلما فعل وظهر في الكرسي الذي يلية ينتظر إشارة الشيخ فظهر رجلا يجلس على الكرسي مثل أخويه يلبس لباسا أحمر قاتما, ويضع خاتما من حديد, عليه حجر عقيق أحمر كبير فقال الشيخ : أحضر ملك يوم الأحد ملك الشمس بحق ياه. فقال القزم: أفتاااااب. ثم فعل مثلما فعل سابقا فظهر على الكرسي رجلا مثل إخوته يلبس لباسا ذهبيا مشعا كأشعة الشمس ويضع خاتما من ذهب عليه زمردة ذهبية اللون كبيرة. فقال الشيخ : أحضر ملك يوم الإثنين ملك القمر بحق سام. فصاح القزم: ماهتااااب, وصاح كالديك وظهر في الكرسي الذي بعده فظهر رجل كمثل إخوته يلبس لباسا من كتان فضي اللون, وفي إصبعة خاتم من فضة علية لؤلؤة كبيرة فقال الشيخ : أحضر ملك يوم الأربعاء ملك عطارد بحق تمليخ. فتبسم القزم وهو ينظر إلى الشيخ يأمره أن يأتي بملك يوم الأربعاء حتى ظهرت أسنانه البيضاء ثم قال بصوت عالي: هرمووووس, وصاح كالديك وظهر في الكرسي الأخير فظهر على ذلك الكرسي رجل مبتسم قليلا ينظر إلى أمامه بلا حراك ويلبس لباسا من كل ألألوان فيه, وعلى بنصره خاتم من الزئبق. فقال سموطان: أحضر ملك يوم الجمعة ملك الزهرة بحق نوخ فقال القزم : أناهييييد, وصاح صياح الديك وظهر في وسط حلقه الكراسي السبعة في مكانه الأول قبالة الشيخ ووقف وقفة الخدم وشابك بيديه امامه فظهر في ذلك الكرسي الأخير مثل إخوته, رجل يلبس لباسا ورديا من حرير وفي بنصره خاتم من نحاس أصفر عليه ماسة كبيرة وردية. ثم أحنى ذلك القزم الأسود رأسه للشيخ قائلا : سيدي. ثم أدار جسمه عدة دورات سريعة مع صوت يخرج من فمه وأختفى من تلك الغرفة المظلمة فقال سموطان لملوك الكراسي : اقسمت عليكم يا ملوك الزمان بحق آهيا شراهيا أدوناي أصباؤت آل شداي بحق إلوهينا يهوه الطاعة الطاعة .

في ذلك الوقت كان الملك اجمنون يسير في ممرات السجن ومعه وزيره وديفي وأمه ماري وكبيرالجند. فدخل الجميع إلى الزنزانه واندهشوا من خلوها من أحد, فنظر الملك في المكان وقال لكببر الجند الذي بدى مرتبكا: أين هو؟ تلعثم كبير الجند ولم يعلم ما يقول ثم صرخ على الحارس فحضر بين يديه وهو ينظر في الغرفة الفارغة فقال له كبير الجند: أين سموطان؟ فنظر الجندي في الغرفة وقال لقد كان هنا منذ قليل فتقدم الجندي وحمل القيود فإذا هي لم تفتح فأراها للملك قائلا: هذه قيوده لم تفك فكيف هرب؟ عندها هجم عليهم من خلفهم كالبرق الخاطف شيء واختطف ديفي معه بسرعه فوقف فنظروا إليه فاذا هو سموطان وقد إحتفظ بديفي وقال للملك: لقد أخطات بالعبث مع من هو مثلي, الآن تدفع ثمن تكبرك. فتبسم الملك وقال له : إذا فهو صحيح ما قالته عنك. واشار إلى ماري وقال: ولكن لن ينفعك هذا فقد ربطت مصيري بمصير من تحمي. فقال له الشيخ: بماذا تخرف وتجزف ؟ قال الملك واثقا مغرورا: لست وحدك من يقوم بما قمت به هنا. وأشار الملك بيده إلى ألأغلال ونظر إلى الشيخ قائلا: ألا تصدقني؟ وقرص الملك نفسه بقوة في ساعده فصاح ديفي وهو في يد الشيخ من الالم فتعجب سموطان فقال له الملك: إذا مت أنا يموت هو معي. وأشار إلى ماري بيده قائلا: عندما جاءت إلي تطلب منا الاستفادة منك, شككت بالامر لذلك لجأت إلى حيلة قديمة في الكتاب لأضمن تعاونكما. وأشار الملك إلى سموطان وماري بيده وقال : وإلا كيف أضمن أنك ستبقى معنا إذا ما وافقت على مساعدتنا ولن تهربوا عنا كما فعلتم من قبل. فنظر الشيخ إلى ماري التي كانت تنظر إليه بأسف مؤكدة ما قاله الملك. فقال الملك: تساعدنا على استخراج المفاتيح, وأظنك تعرف قصتها؟ فقال الشيخ : نعم أعلم بأمر مفاتيح سليمان. فقال اجمنون الملك : إذا تساعدني على استخراجها. وأشار إلى ديفي الذي عند الشيخ قائلا: وإلا حياة الصبي في يدي نظر الشيخ إلى ديفي الذي يحتضنه من وراءه ونظر إليه ديفي إلى أعلى حيث كان أقصر من سموطان فتلاقت عيناهما ورأى سموطان الأمل في عيني ديفي البريئتان فتنفس وهو يرفع رأسه إلى الملك قائلا: أين هو القفل؟ فرح الملك وخرج من الزنزانة وتبعه الجميع خلفه, ثم دخلوا في سرداب يؤدي إلى غرفة خالية إلا من بعض الرماح التي تزين الجدران وفي وسطها قفل أسود ضخم ذو حلقة فضية اللون في وسطه غرز مفتاح. فتقدم الشيخ بديفي إلى القفل وأمسك المفتاح وحاول إدارته فلم يدر, ثم اشار إلى ديفي قائلا: خذ المفتاح, افتح هذا القفل كما فعلت أنا, فأمسك ديفي بالمفتاح وحاول ادارته ولكنه لم يدر فاندهش الشيخ وابعد ديفي قليلا عن القفل وجلس الى المفتاح ينظر الى حلقته الفضية وراح يتتبع الاعداد المنقوشة في الحلقة باصبعه ويتأمها, ثم نظر الى نهاية أسفل القفل تحت فتحة المفتاح و راح يمرر اصبعه على الحروف المحفورة فيه, فعرف سموطان العائق فقام مستويا قائلا: نعم هذا هو السبب. واشار الى القفل بيده وهو يكلم الملك فقال : هذا القفل السابع ,ولا بد أن تحصل على المفاتيح بالترتيب التصاعدي من الاول الى السابع.
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

نظرالملك اجمنون الى الشيخ متشككا وقال : هل هذه خدعة أم ماذا؟ فنظر الشيخ الى الملك مستنكرا وقد غضب سموطان وقال للملك : أحضر قرطاس وأداة كتابه. فاشار الملك للجند بيده فذهبوا ليحضروها.ثم ركع الشيخ على ركبة واحدة يتأمل القفل وتقدم منه الملك ينظر معه. فحضر الجند وأعطوا سموطان ما طلب. فأمسك سموطان بالقلم وتوسد بالقرطاس على القاعدة التي وضع عليها القفل والملك واقفا ينظر الى ما يخط سموطان على الورق . فرسم سموطان هذا الشكل:
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]
ثم خط سموطان على الورقة هذه الحروف وتحت كل حرف عدد
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

وعندما انتهى سموطان نظر الى الملك من فوقه وقال له وهو يشير بالقلم الى تلك الحروف الاخيرة التي خطها: هذه الحروف السليمانية واستخرجنا اعدادها من جدول حروف ابينا آدم هذا. واشار سموطان للجدول بالقلم والملك يتتبعه ثم قال سموطان: فالعدد الاول هو80 وهذا شكله ف . والعدد الاخير 7 وهذا شكله ز. ثم اشار سموطان الى حلقة القفل قائلا : والعدد الاول هنا 7 . ثم اشار الى قاعدة القفل قائلا : وهذا شكله ز مما يعني أن هذا القفل هو القفل السابع وهو اخرها اذ لو كان الاول لكان العدد الاول في القفل هو80 وهذا شكله ف. حينها اقتنع الملك وقال : لا بأس نذهب ونحضر المفاتيح ونرجع اليه وفجاة ظهرت ملوك الجن السبعة داخل الغرفة, ففزع منهم الجميع وتحفز الجند لقتالهم بينما الملوك ثابته تنظر اليهم. فمنع الشيخ الجند قائلا : هؤلاء عندي. ثم تقدم كيوان ملك يوم السبت بضع خطوات باتجاه القفل وهو يمسك قلادة معلقة على صدره بسلسلة حول رقبته, ثم توقف وهو ينظرالى القفل خلف الملك بحسرة. وسموطان بين كيوان والملك. فتقدم منه سموطان تاركا الملك خلفه فأمسك بتلك القلادة فأفلتها كيوان من قبضته فنظر فيها سموطان فاذا هي قطعة معدنية مستطيلة فضية اللون تلمع كمثل لون سلسلتها, وحفر بداخلها شكل مفتاح وكتب في اعلاها المفتاح ز وتحت الحرف هذا الشكل 7 وفي أسلفها عند حفرة حلقة
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]
. فرفع الشيخ نظره من القلادة الى كيوان عندما علم ان كيوان هو صاحب ذلك المفتاح الذي عند الملك أجمنون. وهو فعلا آخر المفاتيح لآخر يوم في ألأسبوع السبت. فربت سموطان على كتف كيوان ليهدأ ويطمأن. ونظر سموطان من خلف كيوان الى الملوك السته وقد لمعت على صدورهم قلآئد مثل تلك التي عند كيوان.
عند غروب الشمس جلس الملك أجمنون على كرسي عرشة والجميع من حوله والملوك السبعة من خلف سموطان. فأشار الملك أجمنون الى كبير جنده قائلا: أعد الجند للخروج غدا صباحا وهات الخرائط حتى نعرف على من سنقدم. انصرف كبير الجند ثم التفت الملك الى ابنه هيرود واشار اليه بيده قائلا : هذا ابني هيرود فنظروا اليه شاب قوي الملامح ذو عضلات مفتولة صلب الطلعة جاف المنظر وقد تقلد سيفا وضع بيده عليه يلبس درعا. ثم أكمل الملك وهو يشير الى رجل وسيم بجانب هيرود وقال : وهذا أصغر ابنائي سامويل, هيرود لما لا تأخذ إبن عمك ديفي وصاحبته لتريهم المملكة. هكذا أمره أبوه الملك فقبل هيرود وهز رأسه بالطاعة على مضض فقد كان يفضل ان يكون مع الرجال. خرج هيرود متقدما غير مبالي بروث وديفي اللذان يحاولان مجاراته ثم صرخ هيرود بغضب: شهلون فجاءه رجل يركض يحمل معداته الحربية حتى وصل عنده فقال وهو يمشي متأخرا عن هيرود قليلا: شهلون السريع في خدمتكم. ابتعد عنهم ديفي يلعب ويتراقص بين الاعشاب فلحقت روث بهرود فنظر اليها هيرود شزرا ثم نظر الى ديفي وقال : إبن الخائن. فغضبت روث وقالت : ليس خائنا. فتوقف هيرود عن المشي ينظر الى روث وهي تبتعد عنه ذاهبة الى ديفي وهو متعجبا من تصرفها. دخل كبير الجند على الملك والجميع عنده وقال: مولاي كل شيئ جاهز وهذه هي الخريطة. وأفردها كبير الجند على الطاولة بينما ينزل الملك أجمنون يسير إليها ثم نظر إليها وقال : هذه الخريطة قديمة جدا, لا نعلم عن هذه المدن الكثير. ونظر في الخريطة بإمعان قائلا: نعلم أكثر عن المدن الاقرب إلينا أما البقية فهي ليست الا دوائر على الخارطة بمواقعها, وقد رسمت منذ قديم الزمان, عندما كان حال الجميع في سلم وأمان. ونظر أجمنون الى الشيخ قائلا : ان الحروب بين هذه المدن السبعة منعت الناس من الانتقال بينها, فكل مملكة تحارب المملكة التي تطالها أيديها ممن بجوارها, لذلك معظمها لا يعرف شيئا عن تلك التي ابعد ممن يقاتلون. اقترب الشيخ من الخريطة ونظر فيها فقال له الملك و هو يضع اصعبه على الخريطة :هذا نحن هنا وبهذا الاتجاه نذهب. ثم إلثفت الملك الى كبير جنده الذي كان بجواره فقال كبير الجند ليبين ما أشار إليه الملك على الخريطة : إنها مملكة( في) ويحكمها الملك ميشا, لديهم قوات عتيدة وجند كثر, وهم ذو بطش وقوة. فقال الملك لكبير الجند بإستخفاف : هذا وقد علمناه, فهم مازالوا يقتلون منا ونقتل منهم منذ سنين ما الجديد؟ هل يستعينون بشيء من العلوم أو قوة خاصة ما ؟ قال كبير الجند: لا سيدي ليس إلا بعددهم الكبير. حينها إلتفت الملك أجمنون الى الحضور وقال : إذا غدا عند الفجر ننطلق اليهم .

في وقت العشاء جلس الشيخ وديفي وبوجابت وماري وروث على الطعام يأكلون في قصر الامير الراحل نحميا, وملوك الجن من حولهم وقوف, فالتفتت روث اليهم وهي تأكل قائلة : الا تأكلون ؟ فأراد بهرام ملك الثلاثاء ان يجيبها ولكن الشيخ سبقه قائلا: إنهم لا ياكلون كما نأكل لذلك لا يتوصل بني آدم الى إمتلاك طاعتهم له إلا بالجوع. فقالت روث للشيخ : ماذا تعني لا يأكلون كما نأكل؟ وكيف اذا يأكلون ؟ فقال بهرام نحن نأكل من رائحة العظام التي يأكلها البشر, وكذلك دوابنا تأكل من روث دوابكم. وحينما سمعت روث ذلك اشمأزت حيث كانت تأكل فضحك الشيخ وقال : عندما ننتهي من الاكل ضعي هذه العظام خارجا فقال أناهيد: وكذلك نأكل من رائحة الطعام الذي يبقى على أيدي بني آدم, فنلحسه وعندها يمرض ذلك الشخص, وإذا كانت رائحة الطعام في فمه نلحسه فتخرب أسنانه ,عندها زاغت عيون الصبية في من حولها على الطاولة وكان بجانبها ديفي فأصدر صوتا قويا من فمه علامة على الشبع وأخذ ينفض يديه على صدره من بقايا الطعام وفي الحال أخذته روث إلى الماء وراحت تغسل يديه جيدا ثم أخذت بغسل فمه وكان هناك بهرام يراقبهما .
عند فجر اليوم التالي , أخذ الجميع يستعدون للخروج وكل يحزم أمتعته وها هو شهلون يحزم أمتعة الامير هيرود ويرتب له رحلة, وكانت هناك روث تحزم أمتعتها مع ديفي وترتب له حصانه, فحضر إليها الشيخ وقال : أين تظنين أنك ذاهبة؟ فقالت: مع أخي طبعا. فقال : لا ..لا لا حاجة لك بالذهاب معنا ,إنها ليست بنزهة, كل واحد منا قد يقتل في اية لحظة, لن أغامر بأخذك معنا. فقالت : إذا من سيعتني بأخي ومن سيمتطي معه فوق الحصان, إنه لا يعرف كيف يمتطي حصانا وقد يسقط أو يؤذي نفسه أو ينطلق به الحصان كيفما شاء .عندها فكر الشيخ قليلا ونظر إلى هرمس ملك الاربعاء وقال له : هرمس أريدك أن تلازمهما طوال الوقت ولا تفارقهما ابدا ,ولا تدع أحدا أن يصل اليهما مهما كان. فقال هرمس وهو ينظر الى روث الفرحة: أمرك سيدي .
في إسطبلات قصر الملك أجمنون كان الملك يتفقد جواده فتقدم الوزير لوذا من الملك وقد إرتآها فرصة لا تفوت فقال للملك : سيدي الملك لا يعلم بشؤن المملكة بعدكم مثلي فإن تركناها نحن الاثنين فسدت. تجاهله الملك وأخذ دابته وخرج يمشي بها حتى وصل إلى ساحة القصر حيث كان هناك روث وديفي يودعان وهيرود كذلك يودع أهله فتقدم الملك من إبنه الاصغر بعد أن أعطى حبل خيلة للوزير لوذا ووقف قبالته ووضع يده على كتفه قائلا : سامويل المملكة تحت يدك الأن وربت على كتفه وشده و إحتضنه قائلا : أحسن التصرف في غيابي يا بني. فهز الأبن رأسه وقال : لا تقلق يا أبي أنا كما علمتني أن أكون ثم إنصرف الملك ليودع أهله بينما أركبت روث ديفي فوق الحصان وركبت خلفه وأنطلقا. فتقدم هيرود من أخيه ووقف ونظر إليه بشده وإبتسم بوجنتيه ثم ضرب على عضد أخيه بخشونه وانصرف دون أن يقول شيئ وركب حصانه. وقصد الملك حصانه منتهيا من توديع أهل بيته فناوله الوزير حبل اللجام فأخذه الملك قائلا له : سأحتاج إلى مشورتك معنا فليس هناك من أثق به غيرك. وركبا وأنطلقا إلى بوابة المدينة حيث تنتظرهم الجيوش والجموع بعددهم وعدتهم في إنتظار الملك للمسير .
سار الجيش عبر الغابات الكثيفة أيام ثلاث وفي اليوم الرابع وإذ هم في الركب وقبل غروب الشمس بقليل تقدم سموطان بفرسه حتى ساير الملك وقال له : مولاي إنه كما تعلم عدد جنود مملكة( في) كبير فلا بد من الحيلة لمنع إراقة الكثير من الدماء, فهدفنا في الأخير ليس الإستيلاء على المدينة وإنما المفتاح. فقال الملك : إذا ماذا تقترح ؟ قال الشيخ: أقترح أن ندخل عليهم بصمت وأن تأمر الجند فيتوقفوا عن قرع الطبول حتى نفاجأهم وثم أنا اتكفل بالباقي. فنادى الملك على كبير جنده فتقرب منه بفرسه فقال له الملك : آمر الجند بالتوقف عن قرع الطبول والهدؤ ما إستطاعوا نريد أن نباغتهم. فقال كبير الجند مولاي إننا قريبون جدا منهم الأن, ليست الا بضع أميال. عندها توقف الملك وتوقف الركب خلفه فنظر الملك الى المكان المحيط بهم ثم قال لكبير الجند : لنعسكر هنا. وقال لكبير الجند قبل أن يذهب :لا تجعل أحدا يشعل نارا والزموا الحذر. فانطلق كبير الجند لما أمر الملك. عسكر الملك وجيشه هناك وفي منتصف الليل نادى الملك على الجن فحضروا عنده فأمرهم بإقتحام مملكة( في) ورد عليه ملوك الجن بعدم استطاعتهم ذلك. حينها غضب الملك وزمجر وأمر بإحضار الشيخ ولكن الجند بحثوا عنه في كل مكان فلم يجدوه .عندها صرخ الملك أجمنون في الجن وقال : إذهبوا لا حاجة لي بكم, غداً صباحا نقتحم عليهم بجندي. نام الجميع تلك الليلة إلى أن أصبح الصباح فأخذ الجند بالتجهز وإعداد خيولهم وتفقد أسلحتهم وقد زاد الملك تحيرا بإختفاء سموطان وظن به السوء وهو لا يدري ما يصنع بعد أن وعده الشيخ بالتكفل بهم وحيث أن جند الاعداء كثر وهم أقل. وفيما هو كذلك إذا يسمع جلبة وتراكض بالخارج فخرج من خيمته ليرى الجند يتحفزون للقتال فنظر ورأى ثلة من الفرسان تقترب, فركض إلى جنده وحثهم على الاستعداد ثم وقف وتمعن في أولائك الفرسان فإذا الشيخ سموطان يتقدمهم على فرسه وبقي الملك أجمنون ينظرهم متعجبا حتى وصلوا إليه فنزل أحد الفرسان من خيله وقبل يد الملك أجمنون وهو يقول: أنا الملك ميشا يا سيدي. فتعجب الملك من ذلك وصافح الملك ميشا وأخذه إلى خيمته هو وحكماءه وقادته, والشيخ معهم وقد كان الملك أجمنون يرمق سموطان بنظرات تعجبيه في طريقهم إلى الخيمة القيادية, وبعد أن جلس الجميع تكلم الملك أجمنون وقال أيها الملك ميشا تعلم أنا جأنا لقتالك... فقاطعه الملك ميشا وقال : أعلم ذلك ولكن ما حدث ليلة البارحة ينبأني أنكم منتصرون علينا لا محاله, فلماذا نريق دماء بعضننا بعضا ؟ تريدون المفتاح ؟ خذوه ولكن دعنا نكون صحبه وأصدقاء مسالمين. تعجب الملك أجمون من ذلك ونظر إلى الشيخ سموطان ثم توجه للملك ميشا قائلا : قلت بعدما ليلة البارحة ما معنى ذلك ؟ قال الملك ميشا: بينما أنا نائم في قصري ليلة البارحة إذا بهذا الشيخ الفاضل. وأشار إلى سموطان. قد رفعني بيديه من سريري وطاربي من شرفة قصري إلى السماء حتى رأيت الارض كبر رأسي, وتعلقنا هناك وقال لي : ألقيك الان إلى الارض فتصبح رمادا ويختلط مخك بالتراب, ماجأناكم الا لأجل المفتاح, أحقن دماءكم وسلم للملك أجمنون. فقلت أنه يفعلها, ثم يفعل أكثر من ذلك بجندي, فلا حاجة للقتال, وهذا ما حدث. عندها بدى الملك أجمنون مسرورا من فعل الشيخ وقد أنجز وعده. حتى رأى الملك أجمنون الجن وقد أقبلوا على الخيمة. ففزع الملك ميشا من منظرهم وصاح بهم الملك أجمنون : ألم أقل لكم أني لست بحاجة إليكم لماذا عدتم ؟ عندها تدخل الشيخ وقال : لا بأس يامولاي أنا أمرتهم بعدم الحراك وما كانوا ليخالفوا لي أمرا. عندها قال الملك ميشا : تفضلوا معنا يا مولاي فهي مملكتكم تحلون علينا أصدقاء وأصحاب مكرمون. توجه الملك وجيشه إلى داخل المملكة وضيفهم الملك ميشا فأكلوا واستراحوا حتى طلب الملك أجمنون القفل, فأخذه الملك ميشا إلى مكانه وقال:ها هو سيدي تحت تصرفكم.
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
[COLOR=#000000]أخذ الشيخ سموطان ديفي إلى القفل وقد وقف الملك أجمنون هناك ينظر متأملا هل سيقدر الصبي على إخراجه أم لا ؟ هل ماذكر في الكتاب السليماني صحيح أم هو خرافة ؟ هل أضاع جهده ووقت إنتظاره وصبره سدى ؟ وأخذت الافكار ترقص في رأسه سلبا وإيجابا حتى تقدم ديفي من المفتاح بمساعدة سموطان ومد يده وأداره فإذا المفتاح يدور وخرجت حلقة القفل وأصدرت صوتا لدى قفزها للاعلى وأنفتح القفل و جميع من حضروا مبهورين من ذلك الموقف المهيب. حيث لم يفتح ذلك القفل منذ أقفله سليمان وأخذوا بتلك الإضاءة المشعة التي خرجت من ثقب المفتاح ولم تنطفئ شعلتها حتى أخرج ديفي المفتاح تماما من القفل, وأصبح في يده, ولم تتملك الملك أجمنون الفرحة وقهقه من الفرح, وأخذ يقبل ديفي والصبي مندهشا منه. عندها تقدم الوزير لوذا ليأخذ المفتاح فقطع سموطان عليه الطريق وكاد أن يوقعه أرضا وأخذ المفتاح وجعله داخل خيط قوي وألبسه قلاده حول ديفي. فقال الملك أجمنون لسموطان وهو ينظر لما حصل لوزيره: لا بأس ولكن تأكد من أنه لن يضيعه وإلا ضعنا معه.
أخذ جيش الملك أجمنون يأكلون ويختلطون بشعب مملكة( في) حتى دخول الليل وهم في مرح وفرح. شاهد الوزير لوذا الملك ميشا يقف فوق قنطرة عالية يطالع الجند في أسفل ساحات القصر وهم يمرحون. يقف منتصبا ويديه إلى خلفه بهدؤه ومنعزل. فمشى الوزير إلى أن وقف بجانبه, ووقف وقفته ثم بدأ لوذا يقول: الملك أجمنون خرج من مملكته وهو ينوي غزو الست ممالك كلها. والتفت لوذا إلى ميشا ينتظر اجابة فأجابة ميشا دون أن ينظر إليه ببساطة قال : لديه القوة التي تجعل من عزم كذاك هينا ولم لا ؟ وهو يحارب بقوة الجن. فقال الوزير : ما الذي يدفع ملكا إلى ترك مملكته وأهله دونما حماية من أجل تحقيق هدف ساذج ؟ بل وأي هدف مهما كان لا يستحق التضحية. فنظر ميشاإلى لوذا ونظر اليه لوذا قائلا : نعم لم يترك الا بعض الحراس, فغزوا بهذا الحجم يحتاج فيه إلى أضعاف أضعاف من خرجوا معه. فقال ميشا : ذلك الشيخ الذي معه, لولاه لما تجرأ على الخروج في طلب المفاتيح. فقال الوزير : هذا صحيح ولكنه ليس وحده القادر على الاتيان بتلك الخوارق. فلقد سمعت أن له أخان يفوقانه قدرة. فقال ميشا وقد ساوره الظن في الوزير : لالا لقد أصبحنا أصدقاء الان بل وأعز من الأخوة. فقال له الوزير: في مملكة الملك أجمنون كتاب نادر. فانتبه إليه ميشا وشد تفكيره وأكمل الوزير قائلا : يمكن لمن يعرف طريقة إستعماله فعل أكثر مما يفعل الشيخ, الطيران والاختفاء وغيره. فنظر اليه ميشا قائلا : وما مصلحتك في إخباري كل هذه المعلومات ؟ فقال الوزير : أساعدك على دخولها بجيشك وأحكمها بالنيابة عنك ,أنت هنا وأنا هناك, بإسمك طبعا. تردد ميشا من أن تكون تلك خدعة من الملك أجمنون, إمتحانا لوفاءه فقال للوزير: الخيانه طبع دنيء , لن توصل صاحبها إلا للهلاك. فقال الوزير : كذلك الجبن, يوصل إلى الهلاك أحيانا. فقال ميشا وهو ينصرف ويديه خلف ظهره ونظر إلى الوزير بإحتقار: لا أتمنى أن يكون معي وزيرا مثلك. وسار عنه ميشا بينما صرخ عليه لوذا من وراءه قائلا: بل قل, لا تتمنى أن يكون لك عدوا مثلي. في نفس الوقت أخذت روث ديفي إلى الاجنحة الملحقة بالقصر ودخلت معه إلى غرف الحريم, حريم الملك ميشا, فامتنع هرمس عن الدخول معهما. وفي غرف وأجنحة الملكات والأميرات وحيث المكان يضج بالجواري لم تتأقلم روث مع ذلك الجو الغريب عليها, فأحست بالضجر فأخذت ديفي وخرجت من باب خلفي أفضى بهما الى حدائق ومتنزهات القصر الخلفية الخارجية. وإذ هما بين الاشجار رأت روث بعض الفرسان بالجوار وهم يبحثون في الظلام من بين الاشجار, وسمعت أحدهم يقول لأصحابه من على ظهر جواده: لقد كانا هنا منذ قليل, يجب إلا يفلتا منا, وإلا لن نجد فرصة مماثلة. عندها تحرك ديفي فرآه ذلك المتكلم فصرخ على زملائه فأخذت روث يد ديفي وركضت به إلى أسطبلا مهجورا منزويا تداورت عليه الاشجار الكثيفة. فدخلت هي وديفي فيه, فشاهدا أحد الرعاة وقد أوقد على النار يعد طعام العشاء هناك قريبا من الزاوية, فأفزعهما منظره المتشرد المخيف وبخاصة عندما إبتسم وبانت أسنانه. فلجأت الى الجدار مع ديفي بينما وقف هو ينظر إليهما بطمع, وقاطع طمعه أن سمع أصوات خيول تتوقف بالخارج عندها ركضت روث وديفي بيدها وهي تتنفس بسرعة إلى تلك النار التي أوقدها الرجل الملتهي ينظر الى القادمين من الباب, وأخرجت روث من جيبها قرصا بحجم الدرهم وشطرته إلى نصفين وهي تسمع وقعات أقدام لجند عند الباب, وألقت بنصف قرص في النار وهي تنتفض من الخوف, فانتبه ذلك الرجل إلى ما القته روث في النار, ووقف لا يعلم من يهبط عليه, وقد بدأت النار يتصاعد منها دخانا مختلفا, فدفعت روث ديفي إلى الزاوية وغطته بجسمها وأغلقت عينيه بكفها كما أغمضت عينيها وذلك الرجل مستغربا مما يحصل له بسرعة وفجأة, ودخل عليه الجند بقوة وهو واقف متسمر مكانه فرأى الجند نهرا من خلف الرجل الذي ينظر إليهم غير مدركا لما خلفه, وإذا بتمساح كبير يخرج من النهر فاتح فكه العظيم فصعق الجند من هول ما رأوا, وانتبه الراعي خلفه ورأى ذلك المنظر المرعب , عندها هجم عليهم التمساح بصوت المفترس النهم, فتدافع الجميع إلى الخارج يسقطون فوق بعضهم البعض, وهربوا وبعضهم لم يأخذ جواده في الهرب, ولم يرد الا الابتعاد عن ذلك التمساح قدر المستطاع, و بعد قليل خرجت روث وديفي معها تترقب الطريق فإذا هي خاوية, إلا من حصان واحد واقف هناك بالخارج يرعى العشب, فتحركت إليه ودفعت بديفي فوق ظهره وركبت وراءه وانطلقت مسرعة إلى القصر. وفي ردهات القصر كانت روث ومعها ديفي يخبران الشيخ سموطان ما كان من أمر جنود ميشا, فتقدم سموطان إلى حيث كان يجلس الملك أجمنون وجماعته يضايفهم الملك, فإستأذن الملك أجمنون من الملك ميشا لبعض الوقت, فإذن له ميشا متوجسا. وعندما إختلى بالملك أجمنون أخبره سموطان أن الملك ميشا حاول أخذ المفتاح فبعث بجنوده لمهاجمة الصبي ولم يفلح, عندها دخل الملك أجمنون على الملك ميشا وعنفه على فعلته فاضطرب المجلس وتغيرت أحوالهم من لهو الى جد, فنزل ميشا من كرسيه ووقف قبالة الملك أجمنون متظاهرا بالجهل وهو ينظر الى ملوك الجن المتحفزة, فدار عليه سموطان ووقف وراءه, وقال للملك أجمنون بحزم ونية: ماذا تأمرني فيه يا مولاي؟ عندها خر الملك ميشا أمام قدمي الملك أجمنون متباكيا, مستميحا, متوسلا, وهو يعلم من هو الشيخ وكيف فعله وقال للملك وهو يمسك بقدميه: لدي ما يهمكم أن تعلموه. عندها زاغت عيني الوزير لوذا, وظن أنه يفضحه, فبدأ يجهز نفسه لكذبة أخرى ينقذ بها نفسه. فقال الملك ميشا : أنتم متوجهون إلى مملكة( جاما) أليس كذلك ؟ فقال الملك أجمنون: نعم ولكن ما دخل هذا فيما فعلت جنودك؟ فقال الملك ميشا: ماذا تعلمون من أمرهم ؟ قال الملك أجمنون: نعلم ما نعلم وما دخلك في هذا ؟ قال الملك ميشا وهو ينظر إلى وراءه مستعطفا سموطان : يمكنني أن أمدكم بالمعلومات الكافية عنهم وعن مليكهم مقابل أن تصفحوا عني. هز سموطان راسه للملك أجمنون وقال : لا بأس نسمع أولا فقال الملك أجمنون: تكلم ما لديك ؟ فقال الملك ميشا : ملكهم ملك قوي يدعى شمشون وهو ملك جليل القدر عظيم الجاه له جنود لا تحصى, وله إبنه ذات حسن وجمال وفصاحة وفروسية, وقد خطبها ملوك كثر فلم يسمح لهم بها, لكونه مغرما بحبها وصار كل من يخطبها يمنعه ويرده بغير فائدة, فيرجع الخاطب غضبان إلى أن يجمع العسكر ويعود إليه محاربا ومقاتل,ا فينكسر عسكر الملك القادم لأن الملك شمشون صاحب عساكر كثيرة, ثم أنه لما طال عليه الامر وعلم أنه تحارب مع جميع الملوك ضاق صدره وقد ذهبت منه بعض أمواله, فأشار عليه وزيره أن يدبره. فقال له الوزير : أبعدها عن هذه الديار وكل من جاءك خاطبا قل له ما هي عندي بل إنها سرقت وكل من فتش عنها ولقيها فهي له. عندها قال الاميرهيرود لميشا : إذا لماذا لم تجد أنت في طلبها طالما أنك تعرف سرها؟ قال الملك ميشا لهيرود : أنا رجل عجوز مالي والزواج, كما أنني لدي نسوة كثيرات وإنما ذلك من طبع الشباب من مثلك أيها الامير بأن يركبوا الصعاب ويطلبوا المستحيل, كما أن الملك شمشون ملك شرير ماالذي يضمن لي أن حصلت عليها ألا يحاربني عليها, وهو ذو مملكة عظيمة.. فقاطعهما الملك أجمنون قائلا: أكمل أيها الملك حكايتك ولا أرى لها فائدة عندنا غير أننا عرفنا قوة خصمنا أكمل. فقال الملك ميشا: وافق الملك شمشون وزيره وبنى لها قصرا على جزيرة بين البحور ورتب لها الخدام والحرس هناك, ولها عشر جوار كأنهن الاقمار يضربن على الالات, مطربات ماهرات وعليهن واحدة وهي كبيرة الوصيفات ذات حسن وبهاء, وللملك شمشون عشرة أبناء ذكور, وكل واحد منهم يحكم على مدينة من المدن القريبة من المملكة بجنودهم وعتادهم.. ثم توقف الملك ميشا عن الحديث فوقف الملك أجمنون متفكرا ثم سار إلى الشيخ سموطان وقال : ما تقول في هذا؟ قال سموطان : هذه معلومات لا بأس بها ولكنها ليست بتلك الاهمية ولكنا لا نستفيد شيئ من قتله وقد نوغر علينا جند مملكته من بعده بلا فائدة. فقال الملك أجمنون يساسر الشيخ والملك ميشا راكع على الارض ينتظر ردهم : إذا ما العمل؟ فقال الشيخ وهو يتوجه الى الملك ميشا : لا بأس هذه معلومات مفيدة وقد أنقذت بها رأسك هذه الليلة, ولكن لا يمكن ان نثق بك بعدما فعلت. وتوجه الشيج إلى برجيس ملك الخميس وقال له : لازم الملك ميشا في نومه ويقظته, فاذا علمت منه الغدر إقطع رقبته. عندها فرح الملك ميشا وشكر سموطان على صنيعه وفزع عندما رأى برجيس قد إختفى من أمامه عندما أشار سموطان للملك ميشا بيده وهو يقول لبرجيس : هو معك . رافق برجيس الجني الملك ميشا حتى خارج ممرات القصر وهو في الطريق تقدمه برجيس إلى إحدى الجرار المزخرفة التي تزين الممر حيث الملك ميشا قادم باتجاهها, فأوقعها برجيس أمام الملك ميشا فجفل الملك وأغمض عينيه تحسبا لانكسارها وفتح عينيه ليراها لم تنكسر ولكنها مائلة الى الارض. ثم رفعت لتقف على قاعدتها مرة أخرى, عندها تأكد الملك ميشا أن ذلك الجني يرافقه كظله فعلا , فأسرع الخطا إلى غرفته دون أن ينظر خلفه ولم يخرج من غرفته, إنصرف الشيخ من مجلس الملك أجمنون يبحث عن هرمس حتى وجده فقال له : لقد وكلتك بحراستهما. وقالها الشيخ بطريقة توبيخية حتى أن الجني أطرق رأسه وقال : سيدي لقد دخلا إلى حريم الملك. فقال الشيخ : ألم يكن بوسعك الاختفاء والدخول معهما ؟ قال الجني هرمس : سيدي لم أشا أن أنظر إلى ما لا ينبغي النظر اليه. عندها سامحه سموطان وقال له : مرة أخرى لا تسمح لهما بالدخول في مكان لا يمكنك انت الدخول اليه. فقال هرمس : أمرك سيدي. في تلك الأثناء اقترب الأمير هيرود من أبيه الملك وقال: لقد أعجبني ما وصف الملك ميشا لتلك ألأميرة الحسناء. فقال الملك : نعم وأنا كذلك. عندها قال هيرود: اريدك يا أبي أن تزوجنيها. فقال الملك: ما بالك هل ترانا نملكها أو نملك أباها؟ فقال هيرود أعني بعد أن نتغلب عليهم. فقال الملك وهو فرحا : هذه بشارة جيدة هي لك إذا ما ظفرنا بهم .
في صباح اليوم التالي تجمع حشد الملك أجمنون وخرجوا من المدينة محملين بالزاد والشراب وكان هناك الملك ميشا على الشرفة يلوح اليهم يودعهم مبتسما, وبعدما توقفوا عن النظر اليه وواصلوا التقدم بقليل كشر الملك ميشا وأخذ يسب ويلعن, فاذا من وراءه قد إرتفع من على الطاولة طشت به ماء لغسيل الايدي إرتفع حتى فوق راس الملك ميشا وهو منشغل باللعن والسب ولم يتوقف حتى انسكب عليه الماء فشهق متجمدا, ثم نزل الطشت على رأسه واصبح رأسه بداخله وقد غطاه حتى رقبته وهو جامد لا يأتي بأي حركة فلقد علم أن برجيس الجني ما يزال في الجوار .




الفصل الثالث

تقدمت الجيوش وساروا في الغابات الكثيفة بضعة أيام حتى وصلوا إلى سهل من السهول فعسكروا عند غروب الشمس واستراحوا وقاموا بطبخ الطعام حتى أن الدخان علا وكثر, فأكلوا وشربوا, بعدها أخذت روث ديفي وغسلت له يده وفمه من الطعام وهي تنظر الى فوق كتفها حيث هرمس واقف ينظر اليها تغسله, وإذ هي كذلك رأت هيرود ينطلق من المخيم بفرسه يعدو إلى الغابة خارج المعسكر فقامت مسرعة ثم رجعت حيث نست ديفي وقالت لهرمس : إعتني به حتى أعود فأجابها هرمس برأسه بنعم مستغربا من عجلتها, وراقبها تأخذ حصانها وانطلقت تعدو به وراء هيرود حتى إختفت في الغابة. وبعد مسافة في الغابة هدأت روث من سرعة الحصان حيث لمحت فارس يتمشى في الغابة فلحقت به بهدؤ متسللة حتى وقف الفارس ونزل عن فرسه وأخذ سيفه وراح يضرب به في الهواء, ثم قام بضرب كل ما حوله من الاشجار وكأنه في عراك عنيف ثم لوح بسيفه مستديرا الى صوت أحدهم يقترب منه فاذا هي روث وقد اشار اليها بسيفه بعزم فأنزل هيرود سيفه لما رآها وقال : أنت!! تقدمت روث منه قائلة : لما كل هذا الغضب ؟ فقال هيرود وهو يعاين سيفه ممسكا به بكلتا يديه : لقد خرجنا للغزو, ومع هذا لم أستعمله حتى الان, اني متشوق للقتال, لقتال حقيقي. فقالت روث مستنكرة : وهل ينبغي أن يموت احدهم لتشعر بالتحسن؟ قال هيرود: إنك فتاة لا أتوقع منك فهم ذلك. فقالت : نعم في الحياة التي عشتها لم نكن نختلط بالكثيرمن الناس. فرق قلب هيرود لها قائلا : هل كنت وحيدة ؟ وعندما قال لها ذلك وكأنه غرز سيفه في جرح قديم تحاول إلمامه فتنهدت وقالت : أعني من هناك ؟ أمي أو ماري أو ديفي و سموطان, في مكان معزول بعيد عن الناس, كنت أفرح كثيرا عندما يأتي أحيانا أحد القرويين للتطبب لدى سموطان,وأستغل الفرصه للتحدث الى كل من يزورنا, ولكنهم ليسوا بكثير ونادرا. عندها شعر هيرود كما شعرت روث في ظلمه تلك الليلة وفي تلك الخلوة ببعضهما بشيء يتحرك نحو بعضهما البعض. فقاطع هيرود ذلك الاحساس الغريب على شخص يحاول ان يكون صلبا طوال الوقت وقال وهو ينظر الى طريق العودة الى المخيم: غدا أمامنا مسير شاق آخر, ينبغي أن ننال قسطا من الراحة. وعندما قال هيرود ذلك تنفست روث وخر بنيان ذلك الشعور الجميل متكسرا على الارض, وكأنها لا تريد الذهاب فقفز هيرود على جواده وقال : أسابقك في العودة. عندها قفزت هي الاخرى على جوادها وأخذا يتسابقان الى المخيم. في تلك الاثناء وإذ هيرود وروث يتحادثان في الغابة إفتقد ديفي صديقته روث فظن أنها قد أختفت, فأخرج طاقيتة ولبسها على رأسه فاختفى, فجزع هرمس عندما إختفى ديفي وأخذ يبحث عنه في المكان فلا يجده, ولكنه يمكنه أن يسمع ضحكاته, وإذ هو كذلك ذهب ونادى سموطان فحضر الشيخ إلى تلك البقعة المعزولة من المخيم حيث إختفى ديفي وأرشده هرمس إلى حيث كانا, وكان سموطان يسمع صوت ضحكات ديفي ولا يراه, فأخذ سموطان يلاطفه ويتكلم معه طالبا منه أن يظهر نفسه ثم أخذ سموطان قطعة من قماش الخيم ووضعها على رأسه وأخذ الشيخ يخلع قطعة القماش من رأسه عسى أن يقلده ديفي, وبعد برهه ظهر ديفي وصرخ صرخة الظهور والطاقية في يده , فهجم عليه الشيخ وأمسك به وحاول إفهامه ألا يفعل ذلك مره أخرى, وأمسك سموطان بالطاقية في يدة وقال : إنها الطاقية لقد أحضرتها معك. وفكر سموطان قليلا ثم خبأها في مخباء ديفي وقال وهو ممسكا بديفي من عضدية: لعلها تفيدك في وقت ما. في تلك ألأثناء وصلت روث ومن مظهر سموطان وهو ممسكا بديفي علمت روث بوقوع أمر ما فركضت إليهما وجلة وقالت : ما الذي حصل ؟ نظر إليها الشيخ بغضب ووبخها قائلا: قلتي من سيعتني بديفي أليس كذلك ؟ لا أراك تعتنين به. ثم إنصرف عنها الشيخ فسألت روث هرمس فقال وهو يشير إلى ديفي: لديه طاقية إذا لبسها إختفى. تحققت روث من جيبه وديفي يضحك, فإذا هي الطاقية وقد تعرفت عليها. فقال لها هرمس: لعله يعتقد أنك تلعبين معه لعبة الاختفاء عندما إختفيتي عنه.
في صباح اليوم التالي سار الجيش في مسيرة طويلة بين كثائف الاشجار حتى خرجوا الى سهل من السهول منبسط واستطاعوا رؤية نيران مدينة قابعة على مدى النظر, فعسكر الجيش هناك. وبعد أن أكلوا عشائهم تجمعوا في خيمة الملك أجمنون فقال كبير الجند: مولاي أظن أنهم قد علموا بمجيئنا منذ فترة طويلة. فقال الملك: وكيف عرفت ذلك؟ فقال: ذهبت إلى أقرب مكان من أسوار المدينة فرأيت العدد التي على الأسوار والتجهيزات, ومثل تلك التجهيزات تتطلب أياما لتجهيزها, ثم إن قسم كبير من الجيش يعسكر من حول اسوار المدينة, مما يعني أنهم قد استجلبوا المدد لعلمهم بمجيئنا اليهم. فقال الملك أجمنون: أتمنى أن تكون هذه المدينة كمثل سابقتها فلم تكلفنا مدينة الملك ميشا رجلا واحدا. فتكلم هيرود وقال : مولاي الملك , إذا كان صحيحا أن الملك شمشون يمتلك عددا كبيرا جدا من الجنود ألا ترى أنه من الأفضل اللجوء الى حل غير الاشتباك الجماعي.. وتردد هيرود قليلا ثم قال : لا أقصد نفسي وإنما اقصد جندنا الأقل عددا. تكلم الوزير لوذا وقال : مولاي الملك, ألا يستطيع سموطان تكرار فعلته التي فعلها مع الملك ميشا ويخطف لنا الملك شمشون؟ نظر الشيخ الى الوزير وفهم مقصده وقال : هذا صحيح وقد فكرت في ذلك ولكن حينما عسكرنا بعثت أحد الجان الى هناك ليستقصي أمرهم, فوجده ملكا لا يهاب شيئا ويمكن أن يضحي بنفسه فدية لشعبه, الملك شمشون ليس كالملك ميشا الضعيف, وإنما هو ملكا متمكنا لا يهاب الموت, وافرض أني قتلته, فوراءه من يحل محله وهم ليسوا بأقل منه شأنا, وإنما جميع من حوله على شاكلته. حينها خسيئ الوزير لوذا وأصبح وجهه يابسا فقال هيرود : مولاي الملك أرى أن ندعوهم للقتال فردا فردا لكي نجنب انفسنا مذبحة عظيمة سواء بنا أوبهم. فقال الملك : هذا هو الرأي, ولكن لنرسل اليهم كتابا أولا ندعوهم فيه للاستسلام لعلهم يقبلون. ونادى الملك على شهلون فحضر فقال له الملك: أكتب للملك شمشون. فكتب وبعثه بالكتاب فانطلق شهلون من فوره. في تلك الاثناء كانت روث وديفي يتمشيان بين الجند فإذا جندي مع أصحابة وهم يهزؤن بهرمس ويقولون : أنظروا إلى هذا الحارس المستعبد. فنظر إليهم هرمس وزمجر فهدأته روث وقالت له : لا تكترث لهم أنت صديقي وهم يغارون منك فقال الجند وهم يضحكون: جليس الفتيات والاطفال والمسوخ. عندها غضبت روث وقالت في غضب لهرمس: أريهم قوتك ياهرمس. حينها نفخ عليهم هرمس نفخة قوية طيرتهم كلهم وأوقعتهم على قفاهم متألمين متأوهين, فأخذت روث تضحك عليهم فسايرها في الضحك ديفي ثم هرمس وانصرفوا عنهم وهم يتضاحكون . وصل شهلون رسول الملك أجمنون إلى الملك شمشون وألقى الكتاب بين يديه ففضه الملك وقرأه وهزأ به. وقد جلس شمشون بين أشد القواد و الحكماء من حوله فنظر الملك شمشون إلى أبناءه الملوك العشرة من حوله وقال : يا أبنائي هذا الملك أجمنون يدعونا للاستسلام ماذا ترون ؟ فقالوا كلهم بصرخة واحدة وضربوا على سيوفهم المغمودة : الحرب... الحرب. حتى خاف شهلون الرسول من تلك الصيحة المدويه في القصر. فتبسم الملك شمشون ونظر إلى شلهون الرسول وقال: هل سمعت؟ ثم تردد الملك ووضع سبابته على فمه كمن يطلب الصمت وقال : لا , ردي سيكون أفضع من هذا, خذوا هذا الرسول واقتلوه واصلبوه ثم أبعثوا به على حصانه إلى الملك أجمنون. حينها ارتجف شهلون الرسول وعول وصاح وقال : وماذنبي أنا يا مولاي, هو من يحاربك ولست أنا, أنا لست إلا شهلون السريع في خدمتكم يا مولاي. فضحك الملك شمشون وقهقه فقاطعه حكيمه ووزيره وقال له في أذنه : مولاي ان الرسل لاتقتل, فإن فعلت تحدثت بذلك الملوك إلى أبد الدهر, وليس بمثل سيرتك أن تتحدث فيه الأمم بما يعيب. كان الرسول شهلون ينظر إليهما خائفا وباهتمام فنظر إليه الملك عند إعتدال الحكيم وقال : خلوا سبيله, إذهب وأخبر مليكك بما حصل, اذهب وقل له نلقاكم غدا في النزال. خرج الرسول شهلون يهرول من شدة الخوف وقد ارتعدت مفاصله بعد أن ظن أن لا نجاة له من الصلب. دخل شهلون على الملك أجمنون وأخبره بالامر فقال الملك أجمنون وهو ينظر إلى إبنه هيرود: إذا ندعوهم إلى النزال المفرد. ففرح هيرود بذلك .
في صباح اليوم التالي إصطفت الجموع وكل ملك في مقدمة جيشه. أما روث وديفي فقد بقيا في المعسكر في حماية هرمس. واصطف الاخوة الستة بعد الشيخ ثم من قبله الملك وهو ينظر إلى جيش الملك شمشون وقد سد البسيطة بل أن ذلك ليس كل الجيش فمنهم من يعسكر خلف المدينة, ومنهم على جوانبها لم يقوموا للمعركة بعد, فقد كانت النيران هناك مشتعلة وهم وكأن الامر لا يعنيهم, فقال سموطان: مولاي هل ترى هذا العدد الذي امامنا ؟ قال الملك: نعم يا سموطان ليس لنا الا أن نخرج لهم بأفضل ما عندنا. فقال سموطان وهو ينظر إلى ما بعد الملك حيث الوزير على فرسه على يسار الملك : ربما يرينا الوزير مهارته في استعمال السلاح. فبلع الوزير لوذا ريقه وقال : وهل يعقل أن أتقدم شجعان وأتباع الشيخ الكبير سموطان. حينها نظر الشيخ الى يمينه فاذا هو ملك يوم الاحد أفتاب ملك الشمس. حينها انطلق افتاب على الفور ودونما كلام الى وسط الميدان ولوح بسيفه البتار, فخرج له من جموع الاعداء فارس عملاق تخاف منه الاسود, زنده بزند ثلاثه رجال, مطرز بالدروع, يلمع تحت أشعة الشمس مترصص بالعضلات لا يكاد حصانه يحمله من ثقله, وسار حتى وصل إلى أفتاب و أخرج من بينيه بكلتا يديه, سيفين عظيمين عريضين ولكنهما ليسا حادين وإنما كلا منهما بعرض الخشبة, بشق في المنتصف, فتعجب أفتاب من ذلك وأخذ ينظر إلى مافي أيدي هذا الفارس, فنهز اليه أفتاب على غفلة وتقدم منه بخيله وهوى عليه بسيفه, فلما تلاصقت السيوف خرج من سيف الفارس كرات مسامير, اخترق أحدها صدر أفتاب وطبق فيه والاخريات لم تصبه فرجعت إلى داخل السيف مرة أخرى بسلسلة عجيبة, فشد الفارس سيفه نحوه وخرجت كرة المسامير من صدر أفتاب راجعة إلى داخل السيف العملاق, فوقع أفتاب من ظهر جواده على الارض مدميا, فوجل إخوته من المنظر وخافوا على أخيهم الاكبر الهلاك حينما نزل الفارس من على فرسه وتقدم من افتاب المجروح الذي حاول القيام ولم يقم من على الارض, ولما أراد الفارس ضربه مرة أخرى قفز عنه فأخطاه السيف ولكن لم تخرج منه أية كرات هذه المره, نهض أفتاب على قدميه وهو ممسكا بيده اليسرى مكان الضربة متألما متفحصا ذلك السيف, فعلم أن الكرات لا تخرج الا اذا ما إصطك سيفه على شيء بقوة, واذ هو يفكر في ذلك قاطعه صوت قرع جنود الملك أجمنون على دروعهم, فتبعه الفارس وهوى بيساره بالسيف على رأس أفتاب فانحنى أفتاب, وناوله الفارس مباشرة بيمينه فكاد أن يصيب بطنه لولا أن قفز أفتاب للوراء وهو في كل ذلك يؤلمه جرحه في صدره. عندها صرخ أخوه بهرام بقوة وقال : أفتاب. فنظر إليه أفتاب فاذا بهرام يقذف بإتجاهه درعا طار في الهواء فامسكه افتاب بيمينه من الهواء وهجم عليه الفارس مرة أخرى بسيفه فصده أفتاب بالدرع, فناوله مباشرة الفارس بيمينه من تحته فما كان من أفتاب الا أن يصده بسيفه عن يساره, وعندما إصطك السيفين خرجت تلك الكرات من السيف, وأصابت كرتان فخذ وساق أفتاب فخر أرضا وأخذ يزحف راجعا للوراء والفارس يتقدم نحوه بثقة, خاصة عندما سمع صوت الطبول من معسكره يحيوه وقد علموا نهاية خصمه, عندها ألقى أفتاب بسيفه بعد أخر طعنه واحتفظ بدرعه وأخذ يزحف للوراء حتى وصل إلى مكان قريب من الاشجار عند طرف اتصال السهل بالغابة المحيطة, والفارس يتبعه وكأنه أضحى فريسه سهله غير مستعجل عليه, فنفخة أفتاب نفخة قوية أرجعت ذلك الفارس الضخم الى الوراء قليلا ولكنه لم يقع من قوته, فتقدم الفارس مرة أخرى نحو أفتاب غير مكترث, حينها رأى أفتاب جذع شجره صغيرة مقطوعة ما زال رطبا, فقام اليه أفتاب وهو يعرج وحمله كدرع بعد أن القى درعه, وتقدم منه الفارس وهوى عليه بسيفه فصده أفتاب بذلك الجذع فخرقت مقدمة السيف الجذع مما سمح للكرات التي بداخله من الخروج ولكنها التصقت بجذع الشجرة بقوة حيث كانت الضربة هاوية وأفتاب ما زال ممسكا بالجذع, فحاول الفارس شد سيفه لتخليصه فلم تخرج الكرات من الجذع, ولم يرد الفارس جذب السيف بقوة لكي لا تخرج الكرات باتجاه آخر غير السيف, فهوى الفارس بسيفه ألأيمن ناحية خاصرة أفتاب فقفز عنه تاركا الجذع من يده ليقع أرضا والسيف مركوزا فيه والفارس مازال يمسكه منحنيا معه, حينها أراد الفارس إخراج تلك الكرات من الجذع فألقى سيفه الايمن على الأرض وتوطأ الجذع بقدمه وانحنى لكي يخرج سيفه بيمينه فقفز أفتاب بكل قوته وهوى برجليه الاثنتين على السيف فإصطكت يد الفارس بين قبضة السيف والجذع فصرخ متألما, وأراد أن يمد يده اليمنى ليأخذ سيفه ألأخر الملقى بجانبه, فأسرع أفتاب ونطحه على وجهه برأسه نطحه قوية رمته الى الخلف تاركا سيفه على جذع الشجرة والأخر بجانبها. فأخذ أفتاب سيف الفارس الممدد بجانب جذع الشجرة وتقدم منه بسرعة وهو على الارض وهوى أفتاب بالسيف على جبينه فخرجت تلك الكرات وخرقت جسمه وتناثرت أجزاء رأسه ولم يحرك ساكنا, وتعالت صيحات أخوانه وجندهم, فانطلق أخويه ماهتاب وأناهيد اليه وحملوه الى صفوفهم, فتقدم الملك شمشون قليلا بخيله وصاح قائلا : إلى الغد يا أجمنون, الى الغد. وقفل راجعا يخترق صفوف جنده الى المدينة. فدخلت بعض جيوشه وراءه وبعضها إلى المعسكرات حول المدينه, وأصبحت الساحة خالية. أخذ الشيخ أفتاب الى خيمتة وبدأ بتطبيبه. أما الملك شمشون, فدخل قاعة ملكه وهو يزمجر ويقول : الجن, ماذا عسانا نفعل معهم وهم يحاربونا بالجن, جن ضد البشر ؟ آه كدنا نظفر به لولا ذلك الاخرق, لم يستطع التخلي عن سيفه مقابل سيف آخر بيده, فتخلى عن الاثنين. فتقدم الى الملك شمشون حكيمه الوزير وقال: مولاي شمشون, سمعت أن الجن يخافون الزئبق. عندها لمعت في عيني الملك شمشون بارقة أمل وأخذ الحكيم من كتفه قائلا : هل هذا صحيح؟ فهز رأسه الحكيم بالايجاب. فقال بعض من حضر من الحكماء من حوله: صحيح.. صحيح يا مولاي. فردهم الملك قائلا: هل سألتكم؟ أنا أسأله هو. فأطرق الحكماء رؤسهم خجلا خائبين. ثم قال شمشون للحكيم الذي ما يزال يحيط كتفه بيديه : أعد لنا ما تستطيع من هذه المادة لنلقاهم بها غدا, فإذا كسرنا شوكت جنهم هان علينا أمرهم بعدهم. في معسكر الملك أجمنون وقد دخل عليهم الليل دخل هيرود خيمة الشيخ فوجده يطبب أفتاب وهو مستلقي على السرير. فتوجه هيرود إلى أفتاب قائلا: كيف تشعر الأن ؟ فقال أفتاب : لا يمكن أن أشعر أحسن وأنا طبيبي الشيخ سموطان رئيس الاطباء. عندها أصاب الشيخ سموطان بعض الغرور فتركهما هيرود وخرج من الخيمة فلمح وراءها نارا وبعض الاصوات, فإلتف حول الخيمة فإذا هي روث وديفي ومعهما هرمس وشهلون يصطلون بالنار, فتقدم منهم وشعروا به يقترب, فتبسمت روث في وجه هيرود وقعد معهم على النار وقال هيرود وهو يتمعن في سيفه: وأخيرا سأجرب هذا السيف. فنظرت إليه روث بإعجاب, ثم حول هيرود نظره إلى هرمس قائلا : ظننت الجن يخافون من النار. فنظر بعدها هيرود إلى شهلون وتضاحكا فقال هرمس : لقد خلق الله آدم من طين كما خلق الجن من النار فقال شهلون : هل يعني هذا أن النار لا تضرك؟ فنظر هرمس إلى شهلون بتعجب ثم أخذ شهلون قطعة من خشب النار وقربها من هرمس وقال : هل نجرب ؟ خذ إمسك هذه النار إذا, ألم تخلق من النار؟ عندها نزع هرمس قطعة من طين العشب تحته وضرب بها وجه شهلون بقوة فوقع على ظهره متألما وأتبعه هرمس بقوله : وأنت خلقت من طين فلماذا تألمت منه؟ فضحك الجميع على شهلون.
في صباح اليوم التالي تجهز الجميع للخروج ونادى هيرود على حامل أسلحته شهلون وقال: شهلون. فإذا شهلون يأتي مسرعا بالأدرعة والسيوف, فلبس هيرود ما عنده وصعد على جواده ولحق بالملك إلى ساحة القتال. وهناك كانت روث واقفه تشاهده, فحياها هيرود على طريقه وهو يعدوا بفرسه فتبسمت له ثم نظرت روث إلى هرمس قائلة : ألا تشعر برغبه بالذهاب مع إخوتك؟ فقال هرمس : أنا أقوم بما كلفت به وهم سيقومون بما كلفوا به, لا تخافي عليهم إنهم أشداء, إخوتي وأعرفهم إنهم لم يتحمسوا بعد, تعالي لنشاهدهم من بعيد. وذهب الثلاثة إلى مرتفع حيث يمكنهم مشاهدة المعركة. إصطف الفريقان فخرج من فريق الملك شمشون رجل صنديد وفي يده فأس كبيرة ذو قبضة دائرية كبيرة وفي صفوف الملك أجمنون وحيث إصطف الجميع سمع الشيخ صوتا من يمينه يقول : سيدي. فالتفت الشيخ فإذا هو ماهتاب ينظر اليه, فهز سموطان رأسه بالايجاب. فانطلق ماهتاب لملاقات الفارس في وسط الميدان, وعندما وصل إليه ماهتاب إذا بالفارس يترجل عن فرسه, فترجل ماهتاب هوأيضا, ودارا حول بعضهما, كل يتأمل خصمة, فهجم عليه ماهتاب بسيفه فرده الفارس بدرعه وبادله بفأسه,وتبادلا الضربات والصدات فأراد ماهتاب إظهار قوته فنفخ الفارس نفخة قوية طيرته مسافة إلى الخلف, ولكن الفارس نهض وهرول باتجاه ماهتاب وعند وصوله عنده فتح الفارس بإصبعه فتحة من الفأس ولوح بالفأس في الفضاء بإتجاه ماهتاب فخرج من داخل تلك الفأس الزئبق وأصاب ماهتاب في يده التي بها السيف, فبدأت يده يخرج منها دخانا من أثر الحرق, وبدأ ماهتاب يتألم فوقع سيفه على الارض, فتقدم منه الفارس وأراد التأكد من إضعاف ماهتاب فرشه من ذلك الزئبق مرة أخرى فرفع ماهتاب درعه ليتقي وجهه فأصاب الزئبق قدميه, فبدأتا تخرجان الدخان فتعثر ماهتاب وسقط وعاجله الفارس بأخرى فنثر عليه الزئبق في صدره وبطنه وماهتاب يتلوى من الالم والدخاخين تخرج من جسده تأكل لحمه, فإضطرب إخوته, وخاصة هرمس عندما علم أن ما يلقيه الفارس على أخيه هو الزئبق فقال لروث: لا تتحركي من مكانك وانتبهي جيدا إلى ديفي واعتني جيدا بأخي ماهتاب حتى أعود. إستغربت روث من وصيته الاخيرة حيث ماهتاب كان في المعركة. إختفى هرمس من أمام روث وتلبس بجثة أخيه ماهتاب حيث كان يتلوى من الالم في ساحة المعركة, وظهر في نفس الوقت ماهتاب عند روث حيث كان هرمس, وأخذ ماهتاب يتلوى أمام روث وهي لا تعلم ماذا حدث ولا ما تفعل, عندها إنطلق الشيخ مباشرة من الصفوف مما أدهش الملك وجميع الجند ماعدى أخوة الجن لم يدهشهم إلتفافه ورجوعه إلى أخر الصفوف حتى وصل إلى حيث روث وأخذ يعتني بماهتاب ولم يعلم أحد ما يحدث, وتقدم الفارس من هرمس الذي يبدوا على شكل ماهتاب وأطلق عليه رشات من الزئبق فتظاهر هرمس بالألم, والملك شمشون أعلى يده
وأطلق صرخة النصر لنجاح الطريقة التي أشار عليه بها حكيمه, وتعالت صيحات الجنود من خلفه فنظر الفارس الى ذلك وانشرح واقترب من هرمس الذي أصبح تحت رحمته, وعندما وصلت قدما الفارس عند رأس هرمس وأراد رفع فأسه ليقطع عنقه نهض هرمس مستقيما صحيحا معافيا فصعق الفارس من سرعة من كان قبل قليل جثة هامدة فأخذته صعقة المفأجاة فتيبس وبهت, فأمسك هرمس بيد الفارس التي تمسك الفأس ولواها إلى وسط الفارس بقوة والفارس ما يزال ممسكا بالفأس وأغمده بين فخذيه فشقه إلى بطنه, وفتح الفارس فمه من ألألم ولم يستطع الصراخ من شدة الضربة فوقع صريعا. هلل جند الملك أجمنون المندهشين مما حصل بينما جن جنون الملك شمشون وسحب قواته إلى داخل أبواب المدينة, ودخل قصره مزمجرا غضبانا وهو يجر برأس الحكيم الذي أشار عليه بالزئبق ويقول : هل قلت الجن تخاف الزئبق ؟ نعم رأيتهم يرتعشون ويتساقطون خوفا. ثم دفع بالحكيم فاستجمع الحكيم نفسه وقال للملك شمشون : مولاي, لابد وأننا قد خدعنا. قال الملك وهو مغاضبا: خدعنا.. خدعنا نعم, ألم ترى كيف قصم ذلك الجني الحقير فارسنا إلى قطعتين. فلاذ الحكيم بالصمت. ثم تقدم من الملك شمشون أحد أبناءه وقال : لما لا نهجم عليهم مرة واحدة فنفنيهم, لقد رأيت كم هو عددهم, إنهم لا شيء مقارنة بعددنا الكبير, نكاد أن نكون عشرة أضعافهم عددا. فقال الملك شمشون لإبنه : يا بني لولا أولائك الجن ما كنت اعترضت, هذا من رحمتهم بنا, أو حتى رحمتهم بأنفسهم.. ثم تردد الملك وقال : ولكن إجمع لي المجلس للتشاور في الامر. في معسكر الملك أجمنون حمل الشيخ ماهتاب ودخل به الى حيث يرقد أخيه أفتاب, وعندما رأى أفتاب ماهتاب على تلك الحال جزع له ولكنه كتم ذلك وقال له : إذا أتيتم لي بمن يسليني. فضحك ماهتاب وهو يتكأ على الشيخ حتى دخل وأرقده الشيخ بجانب أخيه وأخذ في تطبيبه وحيث دخل عليهم إخوتهم الاخرين يطمأنون عليهما .
خرج بعد قليل هرمس وراء روث عندما شاهدها تخرج من خيمة الشيخ ليكمل مهمته الموكل بها, فسارت وسار ورائها ثم سألته روث : ما الذي حدث هناك؟ لم استوعب شيء مما حصل. فقال هرمس : ذلك الفارس كان يلقي بالزئبق على ماهتاب ونحن معشر الجن لا نطيق من المعادن الزئبق. زاد ذلك الكلام دهشة روث فقالت : لقد رأيت الفارس يلقي عليك مثل ذلك ورغم هذا لم تتأثر. فضحك هرمس وقال : نعم أنا مختلف, لقد خلقني الله من أرواح عطارد والزئبق هو معدننا المفضل. ثم أراها هرمس خاتم الزئبق الذي يلبسه واستطرد قائلا : الزئبق معدن متشكل يمكن أن يتشكل في أي قالب أردت لهذا تشكلت بشكل أخي وأخذت شكله فلم يضرني من ذلك الزئبق شيء, بل على العكسي استمتعت به وهو يرشني به وتمنيت لويزيدني منه . فضحكت روث من قوله.

في قصر الملك شمشون تجمع الجميع في مجلس الملك وتكلم فيهم فقال : يا قوم, إنا في أمر جلل , فكما رأيتم ما نرسل إليهم احد إلا ولم يرجع إلينا, فما تقولون ؟ إقطعوا لي برأي سديد. فقال أحد أبناء الملك : أرى يا أبي أن نهاجم الجن بالنار فهي تخافها وتخشاها. فنظر إليه الملك وقال : هذا رأي. والتفت الملك إلى الجموع وأكمل : وآخر. ثم قال أحد الحكماء : لا أرى إلا أن نهجم عليهم دفعة واحدة فنبيدهم عن أخرهم وليحصل ما يحصل. فقال الملك : وغيره. فقال أخر: أرى مولاي أن نحتال عليهم بحيلة ما. حينها قال ألابن ألأكبر للملك : أرى يا مولاي أن نبعث بمكتوب إلى الملك أجمنون, أن يحاربنا بما نحاربه به, آدمي لآدمي. فاستمع اليه الملك باهتمام وقال : أكمل أكمل. فقال الابن : لقد سمعت عن الملك أجمنون أنه ملك عادل وقد يوافق. حينها أطرق الملك شمشون رأسه أرضا وقال : هذا رأى حسن أكتبوا له بذلك. فكتبوا بذلك كتابا وبعثوا به إلى معسكر الملك أجمنون. أخذ الملك أجمنون الكتاب و قرأه ثم أعطاه إلى الشيخ الذي بدوره قرأه ثم طواه ونظر الشيخ الى الملك الذي كان ينظر إليه بانتظار الجواب, فهز الشيخ رأسه بالايجاب. عندها التفت الملك أجمنون إلى الرسول وقال : نعم قد قبلت. فانصرف الرسول راجعا الى المدينة بالخبر.
تجمعت الجموع في صباح اليوم التالي كل في صفة وخرج من جموع الملك شمشون رجل عظيم الخلقة أشعث أغبر متقلدا جميع أنواع الأسلحة, ذو صدر عريض ومنكبين وكأنهما وتدا خيمة, ولم يكد يصل ويتوقف في منتصف المضمار حتى جفل حصان هيرود وانطلق مسرعا من بين الصفوف الاماميه للملك أجمنون وفي لحظة كان هناك قبالته. والتحم الاثنان يهويان على بعضهما البعض, وبعد بضع ضربات غرز الأمير هيرود سيفه في صدر الفارس وأرداه. فانطلق أخو ذلك الفارس إلى الأمير فضرب عنقه وفصل رأسه, حينها انطلقت ثلة من صفوف شمشون ناحية الأمير وأخذ يناوشهم حتى سقط هيرود عن فرسه, ثم أخذ هيرود يسقطهم من على ظهور خيولهم, ولكنه كان يسقطهم قتلى, فيضرب هنا ويضرب هناك وكلما قضى على ثلة تتابعه ورائها ثلة أخرى وهو يفعل فيهم مثل ذلك, وكانت الجموع في صفوف الملك أجمنون يحيونه بضرب الدروع وتعالى صراخ الهتافات, فأمر الملك شمشون من ضيق صدره أن يهجموا عليه, فهجم عليه الصف الأمامي كله جريا إليه, فأخذ يناوشهم تارة وتارة يسقطهم قتلى حتى تكاثرت عليه الجند, فقفزالى ظهر جواده وأخذ بالضرب فيهم يمينا ويسارا وأظهر شجاعة ومهارة وقوة فائقة أعجبت الجميع, فلما ارتأى الجان ذلك نظر الإخوة بهرام وكيوان إلى بعضهما البعض ثم إختفيا من على ظهر جواديهما, وبينما كان الأمير يكثر الطعن في جنود العدو, كان أحيانا عندما يتجه إلى ضرب أحدهم يراه يسقط على الارض مدميا دونما أن يلحقه بشيء فكان يستغرب لذلك فيبارز الذي أمامه فيطعنه ويرى أخر على يمينه يسقط ميتا وهكذا أخذت جنود العدو تتناهش من جوانبه كلما إلتفت إلى جهة, حتى فنيوا فرجع إلى صفوفه منهكا. وإذ هو ينضم إلى صفوف الملك أجمنون لا حظ إختفاء بهرام وكيوان من على ظهر جواديهما فأخذ موقعه على يسار الملك, فلما إستقر في موضعه لمح شيئا يتحرك عن يمين الملك فطل رأسه لينظره وإذا بالأخوة بهرام وكيوان على جواديهما فعلم من أمرهما فتبسم. زمجر الملك شمشون وركل جواده وأفلته للريح قافلا إلى داخل المدينة وتبعه من شاء من جنده, فمد الملك أجمنون يده إلى إبنه وكذلك فعل الإبن فقال له الملك وهو ينظر إليه نظرة افتخار وإذ هما يشاهدان الملك شمشون يفر من أرض المعركة: هذا أبني. فامتلأ صدر الفتى بالاعتزاز.

تراجعت الجموع كل إلى مكانه, وإذا كان وقت الليل وبعد تناول العشاء اجتمع الملك أجمنون بأعوانه وقال : ما ترون من أمر الملك شمشون ؟ فقال الشيخ : إذا ما استمرت الحال على ما نحن عليه الأن سينتهي بنا العمر ها هنا قاعدين, كل يوم نقتل منهم واحدا. فتكلم الوزير وقال : مولاي, لماذا لا نرسل أحدا من الجن فيقتحم المكان وهم لا يرونه فيسرق لنا القفل ويأتينا به, وتحل المشكلة بلا قتال. أطرق الملك رأسه ثم رفعه ونظر إلى الشيخ حيث كان صامتا والجن من حوله صامتين وقال الملك : ما تقول في هذا يا سموطان ؟
تكلم الشيخ وهو يخطوا إلى حيث يقف الجني كيوان : هذا ليس باستطاعتهم فعله, إذا ما لمس أحد من الجن ذلك القفل احترق الجني في الحال, ولا لمس المفتاح كذلك, تلك المفاتيح السبعة في السبعة مدن تخص هؤلاء السبعة الجان, هل تذكر يا مولاي عندما كنا عند القفل الذي في سرداب قصرك, عندما ظهر كيوان هذا, وأشار سموطان إلى الجني بجانبه وقال : وأراد أن يتقدم من القفل فاعترضته أنا؟ قال الملك أجمنون : نعم نعم أذكر ذلك. فأكمل الشيخ وقال وهو يمد يده إلى صدر كيوان وأمسك بالقلادة : أنظر إلى هذه القلادة, هذا هو شكل المفتاح مطبوع فيها ومكتوب فوقها إسم المفتاح وحروفه ورموزه. فاندهش الجميع وأصدروا أصوات استغراب ثم قال الشيخ : هذا الجني.. كيوان ..ملك على قبائل الجان التي تخدم في يوم السبت, وهو لا يستطيع حمل ذلك المفتاح إلا داخل هذه القلادة, وإلا إحترق به, كما أنه ولا بد أن يضعه أحد ما داخل قلادته حيث لا يستطيع كما قلت من لمسه بيده وهذا حال إخوته السته. وأشار سموطان بيده إلى الجن وقال : ولهذا السبب لا يمكن لهؤلاء الملوك السبعة أن يقتربوا من تلك المفاتيح. حينها قال الملك أجمنون يائسا للحضور: إذا وما هوالبديل؟ فقال الوزير لوذا : مولاي الملك أجمنون شديد القوة والبأس, وحسبما رأيت أن الملك شمشون ليس يجاريكم في قوتكم فما القول في أمر فصل من ملك إلى ملك وتنتهي عند أقدام الملوك الأمور. ففرح الملك بما قال الوزير وأجابة مباشرة: لا بأس أدعوه للنزال أحضروا الرسول فحضر شهلون وقال له الملك: أكتب. فجلس للكتابة . فقال الملك أجنمون : من الملك العظيم أجمنون الى الملك شمشون, إعلم أن الامر بيني وبينك فإن أنا ظفرت بك كأني قد ظفرت بمملكتك, والحال معي على ذلك سواء, أدعوك للمبارزة مني إليك, وغدا ألقاك في ساحة المعركة. ثم قال الملك للرسول شهلون : إذهب بكتابي للملك شمشون وعد بالجواب. فقال شهلون وقد خاف وارتعد مما سمع : مولاي الملك أجمنون أن تعفيني من إرسالي بهذا الكتاب فإني أكون شاكرا لك مدى الدهر, فإن كل مرة لا تسلم الجرة, قال الملك: لا تخف إن قتلك خربت بلاده وأهلكت عساكره وجنده. قال شهلون : أيها الملك العظيم إذا أنت أهلكت كل من في الدنيا بعدي فما ينفعني؟ فضحك الملك وجلسائه ثم قال له الملك : لا بد من مسيرك. فتقدم شهلون من إبن الملك الأمير هيرود ليذهب عنه فرد الأمير قائلا : لا أعارض أبي. فطلب شهلون من الشيخ وقال له الشيخ : لا تخف إذهب وأنا أرسل أحد الجن معك فان أراد قتلك يخطفك إلينا. فقال شهلون وهو يدور حول المجلس بالكتاب : يا سادات المجلس, أنا مستجير بكم جمعيا, يا أهل المقامات الرفيعة, لا تتكلوا على مولانا الملك, لم يجد فيكم من يتحكم به إلا أنا, فهل فيكم من يجعلني معتوقة ويتعرض لمولانا الملك ويأخذ الكتاب ويعتقني أنا من هذه القضية. عندها تقدم الشيخ وقال : نا أذهب إليه فإن رفض قتلته في مكانه فقال شهلون : هذ هو الصواب. فضحك من بالمجلس. حمل نفسه سموطان بدون حصانه وطار, وفجأة دخل على الملك شمشون في مجلس حكمه ولم يكن عند الملك شمشون أحد في مجلسه بل كان مطرقا مهموما ماسكا رأسه والبدلة الحربية ما زالت عليه, وفجأة رفع رأسه ليرى الشيخ سموطان أمامه فجفل و قال في فزع : من أنت ؟ قال الشيخ : أيها الملك أنا سموطان وقد أتيتك من عند الملك أجمنون رسولا, مولاي يطلب حقن الدماء, فقد طلبتنا رجل لرجل ففعلنا من دون تدخل الجن, ولكنك أمرت جنودك بالهجوم على فارسنا دفعة واحدة ولم يتحرك احد منا, وقد رأيت فوتنا ورأينا قوتك, وكما ترى كيف دخلت عليك بلا إستإذان ولا حصان, فتنبه الملك شمشون وقال : صحيح كيف دخلت إلى هنا متجاوزا كل الحراس؟ إن ملككم هذا عجيب, نعم بل لديه أعوان غريبين. قال الشيخ : ولم ترى شيئا منا بعد, لا يغرنك عددنا أيها الملك, إن عندنا ما لا تطيقة كل جيوش الدنيا, وسأخبرك من علمنا ما يطير به صوابك. فتنبه إليه الملك بإمعان فقال الشيخ : مع احتراماتي أيها الملك فإنا نكن إليك كل الاحترام والإعجاب مما سمعناه عنك من همتك وشجاعتك وسطوتك, وكما عايناه ورأيناه منك ومن جنودك حتى الان, ولكنا نعلم الجزيرة التي أخفيت فيها جوهرتك المصونة. عندها صرخ الملك فيه قائلا : ماذا تعني ؟ فقال سموطان أنت تعلم ما أعني, إبنتك الفائقة الجمال, ولوأردنا التضييق عليك لأخذناها معنا ولن تستطيع بدونها صبرا حتى تستسلم, ولكنا أردناك فردا لفرد, شجاع لشجاع. عندها أخذ الملك يضحك و يضحك, ويسيرفي الغرفةأمام الشيخ وكلما نظر إلى الشيخ ضحك. وقد كانت تلك مناورة من الشيخ أن يهدده بإبنته, حيث كان يعلم بأمرها من الملك ميشا ولكنه لا يعلم مكان تلك الجزيرة, فاستخدم المعلومة لاقناع الملك. فتوجه إليه الملك, ووقف أمام وجه الشيخ وقد بدا جادا وقال له : قلت أنك رسول الملك فما هي رسالتك ؟ رفع الشيخ المكتوب وأعطاه للملك شمشون, فتناوله من عنده وحله من مربطه وقرأه وقال الملك: هذا يناسبني قل لمليكك أني لا أكاد أطيق الانتظار حتى ألقاه غدا, وأيا منا ظفر بالثاني عليه الامان هو وجنده من كلينا. فهز الشيخ رأسه بالإيجاب ثم نظر الملك إلى الشيخ نظرة متفحصه جانبية وقال : سوف يسرني أن يكون في مملكتي حكيما مثلك بعد أن أقضي على مليكك غدا. فقال الشيخ وهو ينصرف : لكل حادثه حديث. ذهب عنه الشيخ ودخل على الملك أجمنون وأخبره بذلك.

جلس الملك أجمنون في خيمته أمام بعض الشموع, وشابك بأصابع يديه امام صدره وأغمض عينيه وبدأ يتمتم بشدة انتفضت معها يديه, ثم رفع رأسه إلى الأعلى وهو مغمض العينين وقال : أربطاليس أربطاليس هبالس هبالس مبروس مبروس سباليس سباليس ككليم ككليم لطاليس لطاليس عباطيس عباطيس يبطيش يبطيش صحابيش صحابيش, ثم فتح عينيه وأخذ سيفه من الأرض بجانبه الأيمن وأخذ قلما ذا حبرا أحمر من النوع الذي لا يمكن إزالته بعد أن يجف, وبدأ يكتب بطول السيف هذه الأحرف بتركيز وإهتمام.
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]
وبعد أن إنتهى من الكتابة أمسك السيف بكلتا يديه أمام وجهه وحد السيف عند أنفه وكأنه يريد أن يقطع به شيئا ثم أغمض عينيه وقال: أربطاليس كن معي. ومد السيف الى ألأمام وأرجعه الى عند أنفه ثم قال: هبالس كن معي, ثم فعل مثل ذلك وقال :مبروس كن معي, وفعل كذلك وقال: سباليس كن معي,وفعل كذلك وقال: ككليم كن معي, وفعل مثل ذلك وقال : لطاليس كن معي, وفعل مثل ذلك وقال : عباطيس كن معي, ومده إلى الأمام وأرجعه وقال : يبطيش كن معي, وفعل ذلك مثل الأول وقال : صحابيش كن معي, وفعل مثل ذلك ثم فتح عينيه وقال : لا غالب لكم إنكم أنتم الغالبون, لا عالي عليكم إنكم أنتم العالون, بحق هذه الحروف وهذه الأسماء أرفعكم بها بقوة, فترفعوني بها أقوى.
في صبيحة اليوم التالي تجمعت الجموع والكل متشوق لمتابعة قتال الملوك. فتقدم الخصمان إلى الساحة على خيلهما وكل نظر إلى خصمه, وبدأ الطعان واشتد بهما والتحم, حتى قبض أجمنون بشمشون وقبض شمشون بأجمنون وجذبا بعضهما فسقطى عن جواديهما ولكن الملك أجمنون كان ظاهرا بينما سقط شمشون على ظهره وأجمنون فوقه ممسكا به, فترك أجمنون سيفه وأخذ بخنجره ووضعه على عنق شمشون, وأخذ الملك شمشون يزفر والملك أجمنون من فوقه يضيق عليه الخناق حتى ظن الملك شمشون أنه هالك فتوقف عن المقاومة, وقام به الملك أجمنون وسحبه إلى جهه صفوفهم موجها وجه شمشون إلى صفوف مملكته, وعندما رآهم ورأوه على حاله تلك تقدم بعض الجند لنجدة مليكهم من قبضة أجمنون, ولكن شمشون رفع يده لهم وصرخ فيهم ليرجعوا فرجعوا وهم متحفزين, خاصة عندما رأو أن صفوف الملك أجمنون كانوا ليتقدموا لصدهم حينذلك. أخذ الملك أجمنون شمشون إلى صفوفه وألقاه إلى جنده بقوة فقبضوا عليه وانحلت الصفوف ليروا من أمرهم وما سيحل من شأنهم. في خيمة الملك أجمنون والجميع حضور أمر الملك وقال : أحضروا الملك شمشون. وأتبعها بضحكة قائلا: شمشون ألأسير. فتضاحك من حوله. حضرالملك شمشون بين يدي الملك أجمنون مقيدا بالسلاسل. ووضعوه تحت قدمي الملك أجمنون فنظر إليه الملك أجمنون وقال : والان يا شمشون هل رأيت نتيجة غرورك واعتدادك بنفسك؟ ثم نظر إلى الجند وقال : أضربوا رقبته. وقالها بشدة, فتوجه شهلون للملك شمشون وبيده سيف وقال له : أنا الرسول الذي أتيتك وأردتهم أن يصلبوني أتذكر؟ فنظر الملك شمشون إليه من مكان سجوده على يساره وأكمل شهلون: والان وقعت في يد مليكي والذي يضرب رقبتك أنا. فنهره الملك شمشون وقال : أسكت يا فضولي, يا قليل الأدب, مالك أن تتكلم في شيء. والتفت إلى الملك أجمنون وقال : أيها الملك العظيم ان الحروب سجال, والملوك إن قدرت عفت, ومالك في قتلي من فائدة, وأني لأعلم أن مقصودك المفتاح, فخذه وأنا أعينك على أخذه. فرد عليه شهلون وقال : دع عنك المزاح والزور والبهتان, لا يخلصك من يدي اليوم أحد. فأهمله الملك شمشون حيث كان ينظر إليه من طرف عينه وسفهه والتفت إلى الملك أجمنون وقال : أيها الملك أجمنون, ان كنت قد ظفرت بي, فلم تظفر بمقصودك الحقيقي المفتاح, وإن ورائي ممالك وأولاد وأتباع يمنعونك عنه ويقتلون من جنودك ما استطاعوا, وخاصة إنتقاما لي. عندها أراد شهلون الكلام فما فتح فمه حتى رده الملك أجمنون باشارة من يده أي امتنع ثم قال: إنك ملك لا يستهان به, قد قبلت مصافحة رجل مثلك. ثم أشار إلى الجند بفتح قيوده, وتقدم الملك أجمنون وحاضن الملك شمشون وأخذه ليجلس بجانبه, عندها تقدم منهما الأمير هيرود وقال : أيها الملك. وكان ينظر إلى ابيه فالتفت إليه وفهم الملك أجمنون إبنه هيرود وقال للملك شمشون: أيها الملك لي طلب عندك وأرجو ألا تردني. فقال الملك شمشون أطلب وتمنى فلقد أصبحت لك معزة في صدري من أعز الرجال. ثم قال أجمنون : ليس قبل أن تستضيفنا عندك فلقد سأمت من حياة التخييم هذه كل هذه الأيام. فتضاحك الملكان.
ذهب الجميع إلى قصر الملك شمشون ودخل جنده المدينة وأكلوا واستراحوا. وفي مجلس الملك شمشون حيث الأغاني والمغنيات والملكان يشاهدان ويتابعان ويأكلان من الفواكه ما طاب, أدنى الملك أجمنون من الملك شمشون وأسره وقال : هل تذكر طلبي ذاك ؟ قال شمشون : مازلت عند وعدي ما عليك سوى الكلام. قال أجمنون : لقد علمت من أمر ولدي ذاك. وأشار إلى هيرود حيث كان واقفا في الجموع المتفرجة على رقص الغانيات. فنظر الملك شمشون إليه وقال : هيرود نعم وإنه لنعم الرجل, لقد رأيت قتاله واختبرت شدته. فقال الملك أجمنون : إذا فإنه ليسرني مصاهرتك في إبنتك الحسناء... عندها تغيير الملك شمشون وطقطق بكفيه للغانيات فتوقفن عن الغناء وانصرفن فإنتبه الجمهور إلى ما يحدث من أمر الملكين. ثم قام الملك شمشون من كرسيه وسار إلى الأمام والتفت إلى كرسي الملك أجمنون خلفه وقال : إن هذه البنت أحببتها حبا شديد ومنعتها من الزواج عن سائر الملوك ومن كثرة خوفي عليها بنيت لها بستانا في جزيرة وسط البحوروأمنت عليها من سائر الملوك ولما علمت بقدومكم علي أرسلت وأحضرتها عندي خوفا عليها, ومعها عشر جواري, فلما حضرن عندي وجدنا الجارية العاشرة رجلا . حينها تفاجأ جميع من في الحضور. ثم أكمل شمشون قائلا : نعم, رجلا بين الجواري, يلبس كما تلبس الحريم, وقد أعلن زواجه منها وأقرت إبنتي عليه ذلك. فقام الملك أجمنون من كرسيه وقال للملك : وأين هو الآن؟ قال شمشون وهو يشير إلى أحد حراسه بإحضاره بيده : انه في السجن. فأحضر الجند الرجل فلما حضر ودخل على المجلس زادت دهشة جموع الملك أجمنون, إذ أن ذلك الرجل ماهو إلا إبن الملك أجمنون, سامويل الذي ترك المملكة عنده إلى حين عودته. تقدم الملك أجمنون منه وهزه من عضديه وقال مغاضبا : كيف تركت المملكة؟ ما قصة تلبسك بلباس الجواري هذه ؟ هل صرت تلبس ملابس النساء الآن ؟ قل هل فعلت ما قاله الملك شمشون ؟ وأخذ يهزه ممسكا بعضديه فأطرق الابن رأسه أرضا خجلا ثم قال على حياء : عندما خرجتم من المدينة خرجت في بعض من أسواقنا فشاهدت جارية حسناء جميلة تعرض في الأسواق, فاشتريتها من التاجر, وإذهي بالقصر معي أحببتها وأعجبت بجمالها وحسن خلقها ولطافة معشرها, كما أنها تجيد الغناء والعزف على الآلات و بالجملة فيها كل المواصفات التي يرغب بها أي رجل, فأطريت عليها ذلك كله, فنظرت إلى وقالت: هذا ليس بشيء, فأنت لم ترى سيدتي الأميرة بعد. فتعجبت من قولها و سألتها : سيدتك الأميرة ؟ فقالت نعم فأخبرتني من أمر الملك شمشون مع إبنته الأميرة وأنها كبيرة الوصيفات لدى الأميرة, حتى بعث أحد إخوتها إلى الأميرة يطلب منها أن ترسل إليه هذه الوصيفة, وكانت الأميرة لا تستغني عنها, وأعطتها إلى تاجر الرقيق وقالت له : احتفظ بها إلى أن أطلبها منك, وقد باعني التاجر إليك. عندها سألتها عن التاجر فأحضر ودفعت له المال ليأخذني إلى تلك الجزيرة, وعندما نزلت الشاطئي إذا بالأميرة قادمة مع وصيفاتها التسع, فاتخذت مخبأ في الصخور, فقالت الأميرة لوصيفاتها: من منكم يغلبني في المصارعة جعلتها كبيرة وصيفاتي. فبدأن يصارعنها فأخذت الأميرة تصرعهن الواحدة تلو الأخرى, فأعجبت بها و تقدمت إليها ففزعت عند رؤيتي فقلت للأميرة عندما سألتني من أكون أني رجل ضائع وقد غرقت سفينتي في مكان قريب من هنا, فاسترحمتني الأميرة وضايفتني, ولكي لا يعلم الحرس بوجودي ألبستني لباس الجواري, وهكذا دخلت إلى قصرها متنكرا, فأحببتها وتزوجنا, حتى حضر جنود الملك أبيها لأخذهن فأخذوني معهم, وأنا على تلك الحال حتى كشفوا أمري. ثم نظر سامويل إلى الارض وقال : ثم ها أنا أمامك أطلب منك الصفح والغفران يا أبي. فدهش الملك شمشون عند سماع ذلك وتقدم إليهما وقال : أبيك ؟ قال أجمنون متأسفا: نعم إنه أصغر أبنائي. وعندما سمع الأمير هيرود ذلك من أخيه أمسك بمحزم سيفه واشتاط غضبا وعض على أسنانه من الحنق. فلاحظ الملك أجمنون غضب ابنه هيرود فاستدار وقال موجها كلامه إلى كيوان ملك السبت : خذ هاذين, ابني وابنت الملك شمشون واقتلهما وآتني بدمهما. عندها غضب الملك شمشون وعارض وكذلك الجموع اضطربت فصرخ بهم الملك أجمنون وهو يغمز للملك شمشون : هذا أمر نافذ. وأشار إلى كيوان وقال : هيا ماذا تنتظر؟ فقام كيوان واختطف الفتى واختفى به. ثم تقدم الشيخ وقال للملك أجمون : ولكن يا مولاي لم يفعلى ما يستحقان عليه القتل. فرد عليه الملك أجمنون قائلا : وهل أصبحت تمارس الملك الأن يا سموطان؟ فأطرق سموطان ساكتا. ثم خرج الملك شمشون من المجلس فتبعه الملك أجمنون الى ساحة القصر وأخذ بكتفه وقال له : لا تحزن انما هي خدعة, لن يضرإبنتك شيء يا صهري العزيز. عندها تبسم الملك شمشون وهو ينظر في عيني الملك أجمنون .
في نفس الوقت خرج هيرود من المجلس وتبعته روث مع ديفي وأخذت تسايره في ممرات القصر وقالت له وهما يتمشيان: لقد كانت تلك وحشية قاسية من الملك أجمنون أيقتل إبنه ؟ وما ذنب الفتاة ليقتلها ؟ أحبا بعضهما فتزوجا, لا أدري ما هي مشكلة الرجال؟ حينها نظر اليها هيرود والتقط أنفاسه و أسرع الخطى فوقفت هي مكانها تشاهده يمشي مسرعا بغضب.
خرج الشيخ سموطان إلى بعض غرف القصر فدخل في احداها فإذا الأخوان أفتاب وماهتاب مستلقيان هناك, فتقدم منهما وجلس على حافة سرير ماهتاب ينظر إليهما وقال: كيف حال جروحكما الآن ؟ فقال ماهتاب : أنا أحسن حالا الآن بفضل دواءك العجيب. ونظر ماهتاب إلى سرير أخيه حيث يستلقي و قال : أفتاب يحتاج إلى بعض العناية. فتقدم منه الشيخ وتفقد ضمادات جروحه ثم قال : لا بأس انها تتحسن, الحرارة كفيله بأن تشفي كل شيء. ونزع عنه الضمادات وقال له : أبقها مكشوفة حتى يصيبها الهواء فلا تترطب, لقد توقفت الدماء عن التدفق الآن. وطبطب على كتفه قائلا : لا بأس عليك. وخرج عنهما. ذهب الملك أجمنون ليستريح بعض الوقت في الغرفة التي خصصت له, فقد كان يوما شاقا, وحيث كان يخلع عنه رداء الحرب ظهر أمامه كيوان وبيده جرة مليئه بالدماء, فالتفت إليه الملك و قال : الا تستأذن قبل الدخول ؟ فقال كيوان : هذا ما طلبت يا مولاي. وأعطاه جرة الدماء فقال الملك وهو يمسك الجرة مفزوعا ناظرا إلى داخلها فرأى الدماء: لقد فعلتها إذا ؟ فقال كيوان : نعم يا مولاي. فصرخ الملك به وأمسك برأسه وهوى به على فخذيه جزعا قائلا : ليس هذا ما أردت ليس هذا ما أردت ألم تفهمني ؟ فقال كيوان وهو يبتسم : أفهمك! لقد فهمت أنك تريد قتلهما وأجلب لك شيء من دمائهما دليلا على ذلك, وها هي الجرة مليئة بالدماء. فاقترب الملك من كيوان وهو يقول : هذا ليس ما حدث, اني أراك تبتسم. فقال كيوان: كلام الملوك أوامر يا مولاي, ولقد فعلت ما أمرت به. قالها كيوان وهو يبتسم مرة أخرى فقال الملك وقد غضب واستل سيفه من حيث تركه فوق عدته الحربية : أراك تبتسم مرة أخرى, لقد قلت ذلك لأمنع هيرود من أن يبطش بأخيه, لإنه أخذ منه ما كان قد طلبه قبله, لا أن تقتلهما. ثم تقدم إليه بسيفه وهدده قائلا : إن لم تقل لي الصدق الأن قطعت رأسك. حينها قال كيوان : ما كنت لأقتل نفسا بريئه يامولاي, ولو علمت أنك تريد قتلهما ما طاوعتك ولإعترضتك في المجلس, إنما هما في أمان الفتاة وإبنك في قصر مملكتك مع زوجتكم الملكة في أحسن حال, وسرت إلى البر فاقتنصت غزالا وذبحته وجأتك ببعض دمه. أمسك أجمنون بكتف كيوان قائلا : أحسن ما فعلت أشكرك على صنيعك, لا تخبر بهذا أحدا, بل أكتمه. فانصرف عنه كيوان. واذ الملك في سريره إذ هناك من يقرع الباب, فقام الملك وقال : أدخل. وإذا بالشيخ سموطان يفتح الباب ويدخل ويغلق الباب وراءه وهو يسند ظهره على الباب ناظرا إلى الملك واقفا هناك عند سريره فقال الشيخ : لماذا أمرت كيوان أن يفعل ما فعل ؟ فقال الملك ذاك شأني. فقال الشيخ : ليس هذا ما أعني فذاك شانك في إبنك أعني منذ متى تأمر الجان وهم في طاعتي. لك مني الاحترام أيها الملك أجمنون ولكن ليس لك أن تأمر فيمن هم طوع أمري. فلاذ الملك بالصمت, وتنفس الشيخ وفتح الباب من وراءه وخرج عنه.
وبينما الجميع في سكون كان هناك في القصر من يتحرك تحت جنح الظلام وبين زواياه, إنه الوزير لوذا وهو يقول لنفسه الآن: أدس السم للملك أجمنون فيتهموا به الملك شمشون بأن قتله جزاء ما فعل في ابنته, وبذلك يقتل الشيخ الملك شمشون. بعدها لن يبقى في مملكة( زيتا) غيري, أما أبناءه فهم صغار على الحكم لن يكون من الصعب التخلص منهم إذا ما تخلصت من أبيهم الحكيم. وذهب وأحضر إبريق من الشراب ونثر بداخله السم وأخذه إلى أحد الحراس من جنوده واستفرد به وقال له : هذه هدية من الملك شمشون يقدمها للملك أجمنون خذها إلى غرفته هيا. انطلق الحارس بذلك الشراب ودق الباب على مولاه وكان الملك أجمنون يهم بالنوم على سريره وقد غضب لأن تلك ثالث دقة في نفس الليلة, فقام وقال : لن أنام الليلة ... أدخل. فدخل الجندي على الملك وبيده الإبريق وقال : مولاي هذه هدية من عند الملك شمشون ويتمنى لك ليلة هانئة. فطلب منه الملك أجمنون وضع الأبريق على المنضدة وسرالملك أجمنون لذلك. وانصرف الحارس. وإذ الملك أجمنون يسكب من الأبريق قدحا سمع طرقا على الباب فرد الكأس من فمه قبل أن يشرب منه وزاغت عيناه تضايقا وقال بصوت عالي : ألا يمكن أن ينال المرأ قسطا من الراحة أم ذلك من المحال. وقال بصوت عال. أدخل كائن من تكون. فدخل من الباب الملك شمشون فاستحى الملك أجمنون من رفع صوته, وقد إندهش الملك شمشون منه وهو يدخل عليه, فبادره الملك أجمنون إلى الباب وهو يقول : إعذرني أيها الملك لم أعلم انه أنت إنما... فتردد أجمنون ثم قال : تفضل تفضل مرحبا بك. فقال الملك شمشون : جأت أتسامر معك لبعض الوقت قبل النوم. فرحب به الملك أجمنون فبادره الملك شمسشون قائلا : لم تخبرني بما حصل من أمر ذلك الجني الذي إختطف إبنتي وزوجها, إبنك, الأمير, فقال الملك أجمنون : لا تقلق أيها الملك, إنهما بخير يعيشان في مملكتي برفاء وسعادة. فقال شمشون : لابد وأن أزوركم هناك بعد أنتهاء رحلتكم الموفقة هذه. فقال أجمنون: مرحبا بك متى تشاء, فقد أصبحنا أنسابا. فقال الملك شمشون : لقد علمت أن لك من البنات ثلاث, أمر مشجع لنقوي هذه المصاهرة بيننا. فضحك الملك أجمنون وهو يأخذ الملك شمشون من ذراعه إلى حيث طاولة الشراب قائلا : أشكرك على هذه الهدية الرائعة لا بد وأنه شراب مميز. فأستغرب الملك شمشون ولم يلقي للأمر بال. ثم أخذ الملك يسكب من الإبريق كأسا أخر للملك شمشون فمنعه الملك شمشون قائل: إذا كانت هذه الكأس لي فأنالا أشرب شيئا قبل النوم أشكرك على كل حال. فأرجع الملك أجمنون الكأس إلى مكانها وأخذ بكأسه التي سكبها أولا وقربها إلى فمه ليشرب, وكان الملك شمشون قريبا منه وفجأة دفع الملك شمشون بيد الملك أجمنون بقوة فأوقع الكأس من يده, فجفل أجمنون مستغربا حتى أتبعه الملك شمشون قائلا : هذه الكأس مسمومة. فقال أجمنون وكيف عرفت ؟ حينها قرب الملك شمشون كفه من الآبريق وقد لبس في اصعبه الخنصر خاتما ذو حجر مزعفر وبجانبه في بنصره كذلك مثله فأخذ الحجران يهتزان, و كلما قرب يده من الإبريق يزيد من اهتزازهما وأجمنون ينظرالى الخاتمين متعجبا. ثم إلتفت الملك شمشون إليه وقال : هذان حجران عجيبان, لقد حصلت عليهما من الجزر البعيدة, يكشفان السم في أي مكان قريب منهما كما ترى, وأشار إلى أصابعه وهو يقربهما من الإبريق مرة الأخرى وقال : فلا يمكن لأحد أن يدس لي السم في شيء, حتى لو كان الرجل يحمل السم في جيبه هذان الخاتمان يضطربان كما رأيت. فتعجب الملك أجمنون من ذلك ثم توجه الملك شمشون إلى حراس الباب وقال : أحضروا من جاء بهذا الشراب في الحال وأحضروا كلبا من كلاب الإسطبل إلى الساحة. ثم رجع إلى الملك أجمنون بداخل الغرفة وقال : أنا لم أرسل إليك بهذا الشراب. ثم سارا معا إلى الساحة, وقد إضطرب كل من بالقصر, وأحضر الحرس الجندي الذي أحضر الشراب وهو لا يعلم ما الذي يحدث, وبجانبه أحد كلاب الاسطبل ينبح, فلحق بالملك أجمنون وشمشون وهما ما يزالان يشقان طريقهما إلى الساحة الوزير لوذا, فساير الملك أجمنون وسأله : ماذا يحصل يا مولاي ؟ فقال له وهو يجد السير مع الملك شمشون : أحدهم حاول قتلي. فأطلق الوزير شهقة من هول الفكرة وقال : من هذا الملعون ؟ من أراد أن يفجعنا بك يا مولاي ؟ فقال له الملك: لا ندري بعد. وأشار بكفه إلى الساحة قائلا : سنعلم الأن. وعندما وصلوا أخذ شمشون ذلك الكأس ووضعه للكلب فشرب منه فوقع الكلب ميتا في الحال وجحضت عينا الملك أجمنون عند رؤية فعل ذلك الشراب في الكلب. عندها اندفع الوزير لوذا مسرعا إلى ذلك الجندي وطرحه أرضا وأخذ يركله وهو يقول : يا خائن يا غدار. والجندي يصيح من الألم لا يعلم لماذا أصبح خائنا. فاستل الوزير سيفا من أحد الجنود القريبين منه وأجهز على الجندي البريء قبل أن يتقدم الملك أجمنون لإستجوابه فيمن يكون وراء تلك الخيانة. وتنفس الجميع الصعداء عندما توقف ذلك الجندي عن الصراخ, فتقدم الملك أجمون من الوزير لوذا وقال : لماذا قتلته ؟ وقبل أن نعلم منه لماذا فعل ما فعل ؟ فقال الوزير : مهما كانت قصته فإن فعلته تلك عقوبتها الموت على كل حال ,لا بد وأنه حاقد عليكم يا مولاي لسبب ما. فنظر إليه الملك فقال الوزير : وهل يهم ذلك السبب؟ هل هو أهم من حياة مولاي؟ أنا لا أصدق أن أحدهم قد يفكر بإلحاق الأذى بمولاي. فاستدار الملك أجمنون منصرفا عنه قائلا : تدهشني تصرفاتك أحيانا يا لوذا. ورجع كل إلى محل نومه وخلدت مرة أخرى جوانب القصر في هدؤ وسكينه .
في صباح اليوم التالي خرج الملك أجمنون من غرفته يسير في بهو القصر, وإذا بالملك شمشون قد كان قادما إليه فوقف عنده وقال للملك أجمنون : إلى القفل مولاي الملك؟ فرد عليه أجمنون وهو يلتقي معه ويسيرا معا : إلى القفل. أخذ الملك شمشون أجمنون حتى وصل إلى الجمع الذين كانوا بانتظاره, فاخترقهم شمشون وأجمنون خلفه فساروا جميعا وراء شمشون حتى وصلوا إلى المعبد, فدخلوا المعبد الكبير وساروا داخله حتى وصلوا إلى المذبح حيث تقام الصلوات وحيث البخور صاعدا من كل جهه والكهان في كل زاويه, وعند الحائط الأمامي طبقة مرتفعة ببعض الدرجات وقد وضع فوقها قفل أسود كبير يتوسط المعبد فقال الملك أجمنون موجها الكلام إلى شمشون :
[SIZE=5]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]
أتعبدون القفل؟ فضحك منه شمشون وقال: لا وإنما نعبد إله سليمان, ولكن إرتأينا أن هذا أنسب مكان لوضع القفل, مع كل الحراسة المشددة حول المعبد, كما أن الناس هنا يتباركون بقفل سليمان, ما عليك من هذا خذوا مفتاحكم واتركوا لنا قفلنا. عندها دفع الشيخ ديفي من ظهره بلطف وهو يتقدم به إلى القفل, فصعدا إلى الدرجة الأولى ثم تركه الشيخ, فالتفت ديفي إلى وراءه لينظر إلى الشيخ ومن وراءه من الجموع بنظرة مستفهمة بريئه, فأشار إليه الشيخ بيده وبرأسه أن تقدم إلى القفل,
فأدار ديفي وجهه ناحية القفل ونظر إليه ثم صعد الدرجة التي بعدها فمد يده إلى المفتاح وأداره, فانفتح القفل محدثا صوتا قويا في المعبد الهادئ وخرجت تلك الإضاءة القوية من ثقب القفل حتى أخرج ديفي المفتاح فاستبشر الجميع من وراءه وخر كهنة المعبد يسجدون ويبكون, فاستدار ديفي بالمفتاح وأعطاه للشيخ فأخذه ووضعه في قلادة ديفي مع المفتاح الأول, ونزل به من المنصة إلى الملك أجمنون الذي تقدم إلى القلادة ولمس المفاتيح وانحنى وقبلها ثم إستقام وقد تنفس بعمق وقال للملك شمشون : حسنا أظن أنها ساعة الرحيل فصافحه الملك شمشون ووضع يده الأخرى على كتفه وهزه قائلا : إلى أن نلتقي مرة أخرى, تجاوزه الملك أجمنون إلى جموعه وأمرهم بالرحيل .
خرج الجميع من أبواب القصر وإذا الملك أجمنون مع جماعته خارج الأبواب كانت هناك جموع الملك شمشون في وداعهم . وشمشون في مقدمتهم وهو يشير إليهم بكفه ملوحا, فاستدار أجمنون بفرسه إليهم وقال ملوحا : إلى اللقاء يا صهري العزيز, عندها انتبهت عينا الأمير هيرود وكأنه قد سمع شيئا ثم صرف ذهنه إلى الطريق ومضى. وتقدم الجميع في خطتهم إلى المملكة التي تليها .

صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
الفصل الرابع

أخذت الجموع تسير عبر سهول ممتدة, وكان الأخوان أفتاب وماهتاب محمولان على عربة تجرها الجياد, وأناهيد وكيوان وبهرام وبرجيس على ظهور خيولهم يسيرون بمحاذات العربة, وفي عصر ذلك اليوم رق قلب بهرام على أخويه من هزالعربة ومشقة الطريق وهما على تلك الحالة من الإصابات الجسيمة, فانطلق مسرعا بإتجاه الصفوف الأمامية حيث الملك والشيخ وكبار جنده مخترقا ومتقدما عبر حشود الجند أمامه, حتى وصل إلى الشيخ وسايره ثم قال له : سيدي سموطان إني أخشى على أخوي مشقة الطريق. فبدت علامات القلق على الشيخ واقتضبت حواجبه ثم قال بهرام : إذا سمحت لنا بأن نأخذ أخوينا إلى مملكتنا, هناك سترعاهما أمنا ثم نعود إليكم مسرعين قبل أن يحس أحد بغيابنا. فقال الشيخ وقد هز رأسه بالإيجاب : أبلغ تحياتي إلى الملكة دبوره. حينها رجع بهرام إلى إخوته وترجلوا من على ظهور خيولهم أمام عربة أخويهم, وفي لحظة اختفى الإخوة الستة في غمضة عين, حتى أن العربة التي كانت تحمل الأخوين المصابين انطلقت فجأة تعدوا خفيفة الحمل دونما يعلم سائقها بالذي حصل لها. بعد فترة قرر الملك أن يعسكروا عندما لمح من أخر تلك السهول جبال عالية وأرضا جافة على ما تبدوا من بعيد, وخاصة أن الظلام بدأ يسدل ستارته على المكان. خيم الجند وبدأت نيران قدورهم تظهر, فمنهم من أضرب الخيام ومنهم من يعتني بالخيل والعدد وأحدثوا ضجة هناك. وعند العشاء, في مائدة الملك أجمنون, حيث جلس يتناول الطعام ويأكل معه قادته وكبار جنده, وكذلك الشيخ وروث وديفي والحكماء. وهم كذلك قال ألأمير هيرود لأبيه الملك وهو يأكل: مولآي ان الجند... ثم توقف هيرود عن الكلآم حيث رأى أباه يشير إليه بإصبعه بالصمت قائلا : لا كلام ولا نقاش عن القتال على الطعام آجلا آجلا. وعندما إنتهى الجميع من الأكل و أحضروا الشراب, تناول الملك أجمنون كأسا ونظر إلى ابنه وقال : إن للحرب أوقات وليس كل الأوقات, تعلم مني هذا يا بني, قل الآن ما عندك نحن نسمعك. فقال الأمير وهو يتناول كأسا هو الأخر : إن الجند منذ خروجهم من المملكة لم يقاتلوا أحدا ولم يقاتلهم أحد حتى ألآن, ولاحظت أنهم بدؤا يشعرون بالفتور. فقال الملك له : وكيف ذلك ؟ فقال هيرود:لاحظت أنهم قد أصبحوا عدائين لبعضهم البعض. فقال الملك : أليس لهذا خرجوا معنا ؟ فقال الأمير : نعم ولكنهم لم يجدوا من يحاربوه فأخذوا يقتتلون فيما بينهم, أخشى أن نفقد السيطرة عليهم يا مولاي. عندها فتح الملك أجمنون كلتا عينيه بوسعهما مدركا خطورة الأمر وقال : إذا نتحكم في عدائيتهم تلك وندربهم على القتال, أجري بينهم بعض المسابقات في الفروسية. فنظر هيرود إلى أبيه الملك مدركا ما يرمي إليه الملك فتابعه الملك قائلا وهو يشير إليه بإصبعه: هذه فرصتك للتدرب على قيادة الجند, هيا أرني ما تستطيع. فسر ذلك الكلام من الأب إلى أبنه وانشرح صدر هيرود, فخرج هيرود إلى الجند ونضم المسابقات بينهم في القتال بالسلاح وبدون السلاح, وفي الجري وسباقات الخيول والمصارعة والرماية, فأشغل الجميع وأخرج الجند كل ما عندهم من قوة وفروسية, حتى أن الأمير هيرود شارك بنفسه في بعض تلك المسابقات وأختلط بالجند. نام بعدها الجميع نوما عميقا من التعب. وفي صباح اليوم التالي خرج الشيخ من خيمته وإذا أمامه كل من بهرام وبرجيس وأناهيد وكيوان, فحيوا الشيخ سموطان برؤسهم, فنظر إليهم الشيخ وتوجه إلى حصانه يسرجه قائلا : من الأفضل لكم الإسراع إلى خيولكم. فانصرف الاخوة من وراءه إلى خيولهم. ركب الجميع وبدؤا بالمسير من جديد حتى وصلوا إلى الوادي العظيم. فنزلوا فيه يتتبعون مجراه الجاف نزولا. وسارت الجيوش والفيالق والأجناد القوية بعددهم وأسلحتهم وخيولهم و مؤنهم فيه, وهم على ذلك الحال بضعة أيام. وفي صباح يوم مشرق وهم ما يزالون يسيرون في ذلك الوادي الذي لا تبدوا له نهاية, وعندما تجاوزت الصفوف لأمامية من المسيرة منحنى من منحيات الوادي, فإذا بأشعة قوية تعمي عيونهم فاتقوها بسواعدهم وأكفهم لينظروا سببها, فإذا هي تنبعث من فوق جزيرة على شكل جبل عالي وسط الوادي. حينها تكلم برجيس ملك الخميس وقال مشيرا بيده إلى قمه الجبل : إنها مملكة( تاو). فنظر الجميع وبالكاد إستطاعوا وهم يضعون أكفهم على جباههم إلى حيث أشار برجيس, فتقدم الملك وتقدمت الجموع خلفه حتى وصلوا إلى حفرة كبيرة في منتصف الوادي, قطرها ما يقرب من خمسة أمتار. وقد أصبحت تلك الجزيرة, الجبل المشع من فوقه على بعد ميلين منهم, فوقف الملك بخيله عند الحفرة ونزل لينظر بداخلها, ونزل وراءه الأخوة الجن الأربعة وسموطان وهيرود, وأنصت الملك قليلا وقال وهو ينظر إلى سموطان : هل تسمع خرير الماء؟ فقال سموطان وهو ينظر إلى داخل الحفرة المظلمة : نعم ولكن لا أرى قعرها. ورفع سموطان رأسه وحاول النظر باتجاه ذلك الجبل المرتفع وسط الوادي, ونظر من حوله حيث بدأت جوانب الوادي تنساب ارتفاعا بسلاسل جبلية, ثم قفز سموطان فوق جواده وتقدم به وتبعه من كان حول الحفرة التي سورت بحلقة من طين من حولها, وتبعوه بحذر ومن خلفهم الجيش. وعلى مسافة الميل من تلك الحفرة, تقدم سموطان ووقف بجواده يتأمل كرة حجرية كبيرة, تقريبا بحجم قطر تلك الحفرة التي شاهدوها, البئر التي لا قعر لها, وتقدمت منه جماعته والملك ينظرون إليها بتعجب كيف تقبع هناك في منتصف الوادي مستديرة بيضاء وكأنها نحتت بالأيدي وصقلت. فأخذ الشيخ بلجام فرسه وسار متجاوزا الصخرة العملاقة وتبعوه من خلفه متحفزين لأي شيء. وبعد مسافة من تلك الصخرة بدأت حجارة الوادي وصخوره الجافة تنتفض من تحت أرجل الخيل وتتزحزح, وكأنها حيات قد نهضت لما وطؤا عليها, وتزلزلت الأرض وبدأت خيول الجند بالاضطراب من تلك الهزهزة, والجنود يحاولون السيطرة عليها وعمت الفوضى الجيش. وقد كان معظم الجيش قد تجاوز البئر إلا بعض الفيالق في المؤخرة مع المؤن, ثم بدأت حجارة الوادي صغيرها وكبيرها تتطاير من تحت أرجلهم, وترميهم في كل اتجاه وصوب فتضرب الجند بقوة فتوقعهم أرضا, ومن لم تقضي عليه الضربة التي أسقطته تقضي عليه المجموعة الأخرى من الحصيات المتقاذفة عليهم وكأنها موجهة, فصرخ الشيخ على هرمس لحمايه روث وديفي, فقام هرمس بصد ما استطاع من الحجارة القادمة باتجاههم بسيفه وبعضها كان ينفخ عليها فتسقط ولكن ما تلبث أن تعود, وهكذا فعل إخوته بينما هم يشاهدون تلك الحجارة التي أحدثت غبارا كثيفا تقضي على الجيش وهم في ذهول المفأجاة غير مصدقين ما يحدث لهم. وقام الجندي منهم إذا ما صد حجارة تأتيه أخرى فتضربه بقوة وتتكاثر عليه فيموت. وشاهد سموطان الملك أجمنون وقد أصابته بعض الحجارة الصغيرة فأدمت رأسه, وقد كان حراسه يصارعون الموت عن أنفسهم, وقد اضطرب حصان الملك وكاد أن يوقعه, فصرخ الشيخ على أناهيد وأشار إلى الملك فتقدم أناهيد ناحية الملك بصعوبة وهو يدافع الحجارة عنه, وأخذ بزمام فرس الملك أجمنون وجرى بها رجوعا إلى الخلف وهو ينفخ الحجارة القادمة من كل صوب, ومنها ما يضرب ظهر الملك ومنها ما يسقط على ظهر أناهيد وهو يفر بالملك إلى مؤخرة الجيش وكذلك فعل الجميع, فبدأوا يلحقون بمليكهم إلى الوراء, وتراجع من إستطاع الوصول منهم إلى ما بعد تلك الحفرة حيث لا تتحرك حجارة الوادي هناك, وأخذوا يشاهدون كيف تفعل الحجارة بمن تبقى هناك وهي تمطرهم وكأنها موكلة بمهمة عليها القضاء عليهم, والحجارة لاتصل إلى أولائك الجند الذين خلف الحفرة. ولما تجاوز الجميع تلك البئر أخذ الشيخ يطوف بفرسه بين الجند وهم يتأوهون ويتألمون فلم يبقى أحد منهم الا والحجارة قد دقدقت عظامه, فمن لم تقتله هناك كانت الدماء تسيل منه من كل قطعة من جسمه. وأخذ الجند الذين تخلفوا وراء البئر مع المؤن يعالجون الجرحى من رفاقهم, فتقدم الشيخ بفرسه إلى حيث البئر ينظر إليها بتمعن فإذا الدماء تسيل من جبينه على عينه, فأخذ سموطان يمسح الدم عن عينه بكمه وهو ينظر باتجاه تلك الكرة العملاقة البيضاء التي تبدوا من بعيد محاولا فهم ما جرى لهم على حين غرة دونما سابق إنذار عندما تجاوزوا تلك الصخرة الدائرية. فتقدم الأمير هيرود بفرسه من الشيخ, فنظر الشيخ إلى ركبة هيرود التي تسيل دما ونظر إلى شعر هيرود و ملابسه وقد كساها الغبار من جراء تحرك الحصى, فقال هيرود بغضب للشيخ : ما أمر تلك الحجارة اللعينة؟ فربت الشيخ على صدره فإذا كمية من الغبار تخرج من ملابسه على وجهه فعلم أن حالة ليس أحسن من منظر الأمير, والتفت الشيخ خلفه حيث سمع صوتا فإذا هو الملك يقترب وقد حاول أن يقول شيآ ولكن حلقه قد جف من شدة الغبار وقد وضع يده على فمه يسعل بشدة, ثم قال بصوت مبحوح للشيخ لما وصل عنده : لماذا حال الوادي هنا... عند هذه البئر ليس كمثل هناك. وأشار إلى المكان الذي هاجمتهم فيه الحجارة ولكن سموطان لم يرد عليه بل نظر إلى البئر وهو ما يزال يبحث عن جواب. فقال له الملك: هل من حيلة لنا ؟ أم ما الذي حدث لهذه الحجارة ؟ فقال الشيخ : لا سبيل للوصول إلى مملكة( تاو) إلا عبر هذه الحجارة, فالوادي يحيط بالمملكة من كل مكان. فقال هيرود : ولكن كيف ؟ فنظر إليه الشيخ وهو يفكر في حل ما فقطع تفكيره وصول الوزير لوذا إليهم فوق خيله وقال الوزير : لماذا لا نرسل الجن طيرانا إليهم؟ فنظر إليه الشيخ باحتقار وقال بهدؤ: الجن لا يمكنها أن تدخل تلك القلعة. فقال الملك : ولماذا ؟ فرد عليه الشيخ : الم تسمع برجيس عندما قال إنها مملكة( تاو). فقال الملك : نعم وما في ذلك؟ قال الشيخ : المملكة من زجاج, ولا يستطيع الجن النظر إلى الزجاج لذلك فهم يعلمون بأمر هذه المملكة كما أخبرنا برجيس عن أسمها. حينها قال الوزير : وما فائدة هؤلاء الجن الذين لا يستطيعون شيئا؟ فنظر إليه الشيخ فأكمل الوزير قائلا له: ولكنك أنت تستطيع الطيران إلى هناك, أم لا تستطيع النظر إلى الزجاج أنت الآخر؟ فاصطكت أسنان سموطان من الغضب وأطلق نفسا وقال وهو ينفض التراب عن ثيابه : لم أرك في المقدمة عندما تقدمنا اليها. وتقدم سموطان بفرسه إلى الوزير ونفض ثياب الوزير فلم يخرج شيء من الغبار وأكمل سموطان قائلا : أيها الوزير المخلص. حينها إنحرج الوزير وقال بتردد: لقد.. توقفت لبعض حاجتي. فقال له سموطان: ما أكثر حاجاتك أيها الشجاع.. فقاطعهما الملك أجمنون قائلا : والآن ما العمل إذا ؟ توجه سموطان إلى البئر ونزل عن حصانه ونظر إلى داخل البئر فسمع خرير الماء فقال : بئر بها ماء. ثم توجه بنظره إلى الوادي قائلا : ووادي جاف .
وبالليل حيث عسكروا بجانب البئر وقد صنعوا لها حبلا وأخذوا ينزفون منها الماء, ومنهم من أوقد النار على القدور لتجهيز الطعام, ومن الجند من كانوا يعالجون الجرحى. فجلس الملك واتباعه وقد أحضروا لهم الطعام واذ هم يأكلون قال الملك : إذا ما ترون أننا صانعون ؟ حينها توقف هيرود عن الأكل ونظر إلى أبيه الملك, فنظر إليه الملك وقال: حسنا أنا الملك ويحق لي الكلام عن القتال متى أشاء, هيا تكلموا آتوني بحل لهذه المشكلة العويصة. فقال الشيخ : الجن لا يستطعون الذهاب, أنا أستطيع ولكني, أظن أن المدينة مغطاة بالزجاج حتى سقفها, فلا سبيل إلى دخولي إليها. فقال الأمير هيرود: لآبد وأنهن يعلمون أننا هنا, لما لا نرسل إليهم بكتاب كما فعلنا مع الملك شمشون ؟ ونرى ماذا يردون. فقال الملك : هذه فكرة صائبة سنحاول فعل ذلك. بعد الطعام نادى الملك على الكاتب شهلون وقال له : أكتب. فجلس شهلون وجهز أدواته ونظر إلى الملك. فقال الملك: إلى... ثم سأل الملك : ما هو إسم مليكهم ؟ فقال برجبيس حيرام. ثم أكمل الملك قائلا : إلى الملك حيرام, ملك مملكة( تاو), ماجأناك لقتال, سلمنا ما نريد نسلمك على ما أنت عليه. من ملك الملوك أجمنون العظيم, ملك مملكة (زيتا). ثم نظر الملك إلى شهلون وهو خائف يرتعص وقال له الملك : لا تخف سيذهب معك الشيخ إلى باب القلعة. فاعترضه الوزير بعد أن كان ينظر ويراقب بعينين ماكرتين وقال : إذا سمح لي مولاي أن أذهب بالكتاب,فأنا أقدر من الرسول على تفحص المملكة إذا ما دخلت عليهم. فقال الملك وقد زاد إعجابه بالوزير وشجاعته : أحسنت يا لوذا هذه شجاعة منك. فقال الوزير: أشكرك يا مولاي ولكن كيف سأذهب إليهم ؟ فقال الشيخ سموطان متأسفا: أنا سأحملك إلى هناك. فأخذ الشيخ الوزير ومعه الكتاب وطار به وأنزله أمام بوابة القلعة وعندما فتحت الأبواب لهما أراد الشيخ أن يتبعه فصده الوزير قائلا متذرعا : سوف يشكون بأمرنا ويشددون علينا الحراسة إذا ما رؤنا اثنين, ومنذ متى ترسل الرسل بالكتب إثنين ؟ إبقى هنا حتى أعود. فأقنعه الوزير ودخل بنفسه حتى صار بين يدي الملك حيرام وأخفى كتاب الملك أجمنون في وسطه وقال الوزير في حضرة الملك حيرام وقد انحنى له : أيها الملك العظيم حيرام, خادمك المخلص لوذا. فقال الملك حيرام وهو ينظر إلى أتباعه من حوله : وبماذا يمكنك أن تخدمني وقد عجز مليكك عن فعل شيء. وأخذ الجميع يضحكون فقال الوزير : لا شأن لي بما يصنع الملك أجمنون, إنما جأتك خادما مطيعا. فأخذت الملك حيرام الجدية فاعتدل في جلسته وقال : وبماذا يمكنك أن تخدمني ؟ اقترب منه لوذا وقال : لدى الملك أجمنون حتى الآن مفتاحان, أستطيع أن أحضرهما لك, وأنت لديك المفتاح الثالث وسوف أخرجه لك, أما البقية, فلا أظن أن همة مولاي حيرام في تحصيلها أقل من همة الملك أجمنون, وخاصة أن المفتاح السابع تحت يدي. فرد عليه الملك حيرام قائلا : وأين هو هذا المفتاح ؟ فقال لوذا انه في مملكة أجمنون. ثم سكت لوذا قليلا وأكمل وهو يبتسم: بالطبع بعد أن أستولي عليها بمساعدة مولاي الملك حيرام العظيم. فقال حيرام : إنك تتكلم بالألغاز كثيرا, وأنا صابر عليك, أنصحك بالإسراع في تفسير وتوضيح كلامك, فأنا صبري قليل. حينها بلع لوذا ريقه وقال على عجل : أستطيع أن أحضر لك ليس المفاتيح فقط, بل ما تهدد به الجن فلا يستطعون مساعدة الملك أجمنون, وبهذا تردهم بلاشيء. قال الملك حيرام : وما الذي يضمن لي أنك لا تحاول خداعي ؟ فقال لوذا : وكيف لي حيلة عليك وأنا واحد؟ انما سأحضر لك الفتى الذي يمكنه أن يخرج المفاتيح, وبدونه البقية لا تساوي شيئا, وبه تستطيع نزع جميع المفاتيح من المدن التي تحتفظ بالأقفال, فما عليك يا مولاي إلا أن ترشدني إلى طريقة أسلمك بها الولد ومعه المفتاحين ويصبح تحت تصرفك. قام أحد الحكماء إلى الملك حيرام وساسره في أذنه ثم رجع إلى مكانه, فقال الملك حيرام : انصرف لبعض الوقت حتى نتشاور. فقال لوذا وهو يرجع إلى الخلف منحنيا: سمعا وطاعة يا مولاي. وذهب لوذا يتفرج على أسواق المدينة فقال أحد الحكماء لحيرام : هل نثق به يا مولاي ؟ وقال آخر : لا يبدوا كلامه منطقيا, لا بد وأنها حيلة ما. فقال الملك حيرام : وما الضير في مسايرته, سنرشده للطريق الذي بداخل البئر الذي يخرج من تحت القلعة. فاضطرب المجلس من حول الملك حيرام وأخذوا يتهامسون مع بعضهم فقال الملك حيرام : لا تخشوا شيئا, إن طريق البئر ضيقة وصعبه على شخص واحد فكيف سيغامرون بإدخال جيش عن طريقها, كما أن البوابه المنتهيه إلى القلعة من هناك تحت تصرفنا, وموقعنا فيها محكم, لن يدخل أحد من هناك إلا إن كان منتحرا. وبعد أن نحصل على ما نريد نقتل هذا الوذا, فالخائن لا أمان له. ونادى الملك على الحراس وقال : يا حرس نادوا على رسولهم. وكان لوذا آنذاك يتمشى في الأسواق بين الناس ويراقب سقف المدينة الزجاجي, ووراء لوذا اثنين من حرس الملك حيرام الأشداء, حتى وصل إلى حانوت فإذا اثنين يتكلمان مع بعضهما داخل الحانوت, فاستمع إليهما لوذا مديرا ظهره إليهما وكأنه لا يقصد الاستماع إليهما, فقد سمعهما يتكلمان عن الجيش المعسكر خارج المدينة, وانشغل الحارسان وهما أمام لوذا بمغازلة بعض النسوة في الحانوت المقابل, فسمعهما يقولان : إذا ما وضعت الكرة الحجرية داخل البئر فاض البئر بالماء على حجر الوادي, عندها لن تعود الحجارة غاضبة, و سيعبرون إلينا بجيشهم, ماذا سنفعل عندها وماذا سيحل بنا ؟ آنذاك لا حظ أحد الحراس سكون لوذا فإذا هو يدفعه للتقدم وقتها وصل حراس الملك وأخذوا لوذا إلى الملك حيرام, فبادره الملك بقوله : حسن قد قبلت خدمتك لنا, هل رأيت تلك البئر في الوادي؟ قال نعم : قال حيرام : لو أشعلت نارا في حبل ودليتها في البئر لرأيت على مسافة بطول رجل غار في جدار البئر, منه تسير نزولا إلى قعر البئر, ومن هناك طريقا ضيقا بمحاذات سير مياه البئر حتى تصل إلى تحت الجبل هذا الذي تحتنا, ومن هناك سترى الحراس بانتظارك, هل وعيت ما وصفت لك ؟ فقال لوذا : على أكمل وصف يا مولاي. فقال حيرام ولكن تعطينا عهد وميثاق منك بعدم الخيانة. فقال لوذا: أعطيكم أعطيكم يا مولاي عهدا بأن أكون عبدكم المخلص كما تعاهدوني بمساعدتي على الظفر بمملكة (زيتا). فقال الملك حيرام : لك ذلك. حينها أخرج لوذا كتاب الملك أجمنون وقال: إذا لا حاجة لكم بهذا بعدما تعاهدنا. وأخذه منه حرس الملك وانصرف لوذا إلى الشيخ الذي كان ينتظره بالخارج فسأله سموطان : إذا كيف كان اللقاء ؟ لقد تأخرت. فقال لوذا بصرامة : حملت رسالة الملك أجمنون وأعود برسالته إليه. عندها تضايق سموطان وقبض به من رجليه وأنكسه وطار به منكوسا على رأسه وهو يصيح إلى أن وضعه عند الملك أجمنون. فلقط أنفاسه وقال للملك أجمنون : لم يوافق يا مولاي, بل كاد أن يبطش بي لولا أشاروا عليه أن يبقي على حياتي لأرجع بالرسالة لكي لا يضطروا لإرسال أحد منهم.
بعد ساعة متأخرة من الليل والجميع قد ذهبوا للنوم ما عدى واحد منهم. تسلل الوزير لوذا وذهب إلى البئر ومعه حبل وشعلة من النار فربط الشعلة بالحبل وأنزل الحبل إلى البئر المظلمة فإذا يشاهد ثقب في الجدار كما قال له الملك حيرام, حينها رفع الشعلة إليه وتلمس في جوار البئر فوجد حجرا كبيرا فأخذ حبل دلو البئر بعد أن فكه من دلوه وربطه حول ذلك الحجر ورجع إلى المخيم وتسلل إلى خيمة روث وديفي فحمل ديفي وهو نائم بهدؤ وبعد مسافة أتعبه الحمل فوضعه أرضا فإذا بديفي يقف على رجليه صاحيا ينظر إلى الوزير, فأخذ يلاطفه وأمسكه من يده واقتاده إلى البئر, وهناك أخذ الوزير يفكر كيف سيجعل ديفي ينزل إلى البئر في ذلك الغار, ففتش الولد فلم يجد معه في مخبأه الإ طاقية, فأخذ لوذا الشعلة ودلاها من البئر وربط طرف حبلها في حجر صغير فوضحت الثقبة التي بجدار البئر, وقال لديفي هل تريدنا أن نلعب ؟ فهز ديفي رأسه بالإيجاب ثم قذف الوزير بطاقية ديفي داخل الثقبة برمية قوية والولد ينظر إليها وهو يقذفها, فبدأ ديفي بالصياح فقال له الوزير : هل تريد استرجاعها ؟ فهز رأسه بنعم, فربطه الوزير بحبل دلو البئر ودلاه بمشقة إلى تلك الثقبة فدخل ديفي ليجلب طاقيته, ولكن الوزير قصّر عليه في الحبل, وكانت الطاقية بعيدة فمد ديفي يده ليجلبها ولكن يده لم تصل إليها, فحاول الزحف ليصل إليها بينما الوزير ممسكا بالحبل ولا يمده له عمدا, عندها فك ديفي الحبل عن صدره فعلم الوزير أن ديفي قد تحرر من الحبل فتدلى الوزير على الحبل ولما وصل إلى فم الثقبة كان ديفي يهم بإخراج رأسه منها فأمسك الوزير بشعلة النار ودفع بديفي إلى الخلف وهو يدخل في تلك الثقبة, وأخذ لوذا بقفى ديفي إلى أن وصل به إلى قعر البئر, وديفي يصيح من تلك المعاملة الخشنة, ثم أخذ يدفعه في الطريق المحاذية لجريان ماء البئر مستضيئا بالشعلة, وديفي في ذلك كله يصرخ ويصيح حتى وصلا إلى حيث فرجة أوسع, فشاهد الوزير حراس مملكة( تاو) فعبر ماء البئر إليهم بينما دخل أحدهم مسرعا إلى الداخل عندما شاهدوه ليخبر الملك. أخذ الحراس الوزير وديفي في ممرات من تحت الجبل صعودا إلى فوق, وفي آخر الممرات الملتوية بوابة ما أن وصلا إليها فإذا الملك حيرام عند الباب يتلقاهما مسرورا, فقال الوزير للملك : هذا هو الفتى الذي يستطيع إخراج المفاتيح. ففرح به الملك حيرام وقال وهو يأخذهم إلى الداخل : سنرى صدقك ألان. ساق بهم الملك حيرام في ممرات قصره إلى غرفته الخاصة. وفي داخل غرفته فتحة أسفل الجدار مع الأرض على شكل نفق دائري يصغر حجمه كلما زاد طوله حتى ينتهي بالمرأ أن يحبوا مسافة ليصل إلى كوة بيضاء صافية ارتفاعها أطول من قامة الرجل واقفا بقليل,حجمها يتسع لعشرة أشخاص متراصين, يستعملها الملك حيرام للتأمل والتعبد ووضع القفل فيها, فانحنى الملك عندها وهو يشير إلى الوزير بيده قائلا : اتبعاني. ثم دخل الملك فيها وقال الوزير لديفي الذي لا يعلم ما يحدث له : تعال ديفي لندخل إنها لعبة جميلة تعال : ثم انحنى الوزير ليتبع الملك حيرام فلما دخل الوزير قليلا لبس ديفي طاقيته فاختفى فلم يسمع الوزير أحدا خلفه, فنظر فلم يجد أحدا خلفه فخرج الوزير راجعا بخلفه حتى غرفة الملك ولم يرى ديفي في أي مكان, وإذا بالملك يخرج هو أيضا ولم يجد الفتى فأمسك الملك حيرام بخناق الوزير قائلا : أين الفتى ؟ فقال الوزير :لقد كان هنا لا بد وأنه رجع من حيث أتينا. فقال الملك وقد زمجر وبرهت وبانت أنيابه: لقد خدعتني. فصاح الوزير قائلا : وكيف خدعتك وأنا في قبضتك ولم آخذ منك شيئا؟ دعنا نبحث عنه قبل أن يبتعد. فتركه الملك وراحا يبحثان عن ديفي. في تلك الأثناء كان ديفي يتخبط طريقه قي القصر, والجند يمرمن عندهم فلا يرونه, حتى سمع ديفي الملك يصيح على الجند وهم يبحثون عنه في كل مكان, فشاهد ديفي ذلك الباب الذي يؤدي إلى الطريق الذي أتي منه من تحت القلعة وعليه الحرس واقفين, فركض ديفي باتجاهه وكان مفتوحا ثم بدأ ينزل السلم ببطأ وتخوف حيث المكان هناك أكثر ظلمه وضيقا بالنسبة لديفي, فأخذ ينزل بحذر حتى سمع صوت الملك من داخل القصر فوقف ونظر إلى الأعلى, فإذا يشاهد الملك والوزير يطلان من الباب يهمان بالنزول على السلم, فوقف ديفي مكانه يشاهدهما ينزلان والوزير يتقدم الملك والملك من خلفه يزفه ويصرخ عليه والوزير يقول للملك : يجب أن أعود, لا تخف سأجد طريقة لآتيك بما وعدتك, أنا لا أخلف عهودي. فنظر إليه الملك حيرام من خلفه وهما ينزلان نظرة إحتقار وهو يعلم أنه خائن لمليكه. حتى وصلا عنده فرص ديفي جسمه على الجدار الجبلي بظهره فمرا من جانبه ولم يشاهداه.
عندها رجع ديفي هروبا منهما إلى فوق متجها إلى القصر, وسار حتى وصل إلى غرفة الملك ودخل في ذلك السرداب الضيق ثم حبى حتى كوة القفل, وأخذ ديفي ينظرويتأمل القفل وهو يقترب منه ببطأ, ثم مد ديفي يده إلى المفتاح وأداره فأصدر القفل صوتا قويا لدى انفتاحه وخرجت تلك الإضاءة اللامعة من ثقب المفتاح على وجه ديفي فأطلق ديفي إبتسامه تبعتها ضحكه مبهرة وخرج المفتاح في يده بسلاسة ويسرففرح به ديفي.
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

أما الوزيرفقد تسلق الحبل وذهب مسرعا وقبل أن يصل إلى خيمته لاحظ بعض الحركات عند خيمة الملك وأصوات وضجة فذهب إليهم كي لا يفتقدوا غيابه, وعندما وصل إليهم رأى الشيخ يقول
لهرمس يوبخه هو وروث: كيف أضعته ؟ ألم أمرك أن تحرسه كظله ؟ فأخذ هرمس الشيخ من يده بعيدا عن روث وقال له وهو ينظر إلى روث: إنها لا تفارقه حتى في منامه. فقال الشيخ له : إذا؟ فقال هرمس : ماذا تريد مني ؟ هل أنظر إليهما وهما نيام ؟ فقال الشيخ ممتعضا: ولما لا ؟ قال هرمس: إنها فتاة فاتنة لا يحل لي النظر إليها, وإنما أتفقده من حين لآخر بنظرة سريعة. حينها هدأ الشيخ وآخذوا يبحثون عن ديفي في كل مكان حتى وصلوا إلى البئر وهم يبحثون. فلاحظ الشيخ الحبل المربوط على الحجر وكان هناك الوزير ينظر إلى تلك الحجارة التي ربط بها الحبل ويلوم نفسه بأن نسي أمرها في ساعة عجلة. حينها أمر الشيخ أحد الحراس بإحضار شعلة نار وأنزلها بالحبل فبان الثقب وانكشف, وأخذ الجميع يتفكرون في ذلك ويقولون : هل ذهب من هنا؟ فقالت روث : أو قد يكون أحد ما خرج من هناك. فنظر الجميع إليها وقال الملك : انها محقه, قد تكون هذه طريق إلى القلعة. وبينما هم يتشاورون إذا بصوت يأتي من داخل البئر فركز الشيخ شعلة النار على الثقبة واستطاعوا أن يروا يد ديفي وهو يلوح لهم مطلا برأسه من داخل تلك الثقبة فأسرع إليه هرمس فاختطفه إلى السطح. أخذ ديفي يشير بيمينه بالطاقية فلم يستطع الشيخ فهم شيء منه, ثم لوح ديفي بيساره فإذا هو مفتاح مملكة (تاو). وقبل أن يفرح به الملك أو أي أحد أخر قطعت عليهم الفرحة أن ديفي عندما لوح بالمفتاح وشاهده الجميع ركض يلوح به بسرور في وجه الوزير لوذا الذي كان واقفا معهم. ودهش الجميع لذلك ولم يستطع الوزير أبداء أي تعبير بل ظل متسمرا يطالع ديفي وهو يقفز بالمفتاح أمام وجهه كمن ضربته صاعقة من السماء والجميع ساكن يطالعون ذلك التصرف الغريب من ديفي. فتقدم منه الملك وأخذ المفتاح الذي يلوح به ديفي وهو ينظر في وجه الوزير وقد بقي في وجه الملك شيء بسيط من إبتسام الفرح لدى مشاهدته المفتاح فأعاد ابتسامته وضحك وارتفع بديفي يحمله وينزله عن ألأرض وهو يقهقه, وكسر بذلك السكون المخيف الذي خيم على المجموعة وتحول الجوإلى جو فرح من جديد للجميع وانصرفوا للنوم مسرورين جميعا ما عدى واحد ليس منهم.
في صباح اليوم التالي نادى الملك الجميع إلى خيمته فحضروا بين يديه فقال لهم : ان عددنا الآن أصبح أقل بكثير بعدما مات جل الجيش في وادي الحجارة المجنونه هذا, فما تقولون لو نبعث إلى صهرنا... ثم توقف الملك وهو ينظر إلى إبنه هيرود كيف نظر إليه فاستطرد الملك وقال: نبعث بطلب نجده من صديقنا الملك شمشون فهو أقرب إلينا من مملكتنا ولديه عدد لا يحصى وقوة كبيرة وقد عرض علينا عندما كنا هناك معه بأن يمضي معنا, فما تقولون بطلب نجدة منه؟ فقال الوزير : مولاي لا نستطيع طلب نجده من مملكتكم فلم نبقي أحدا هناك بما يكفي لدعمنا. فقاطعه هيرود قائلا : ونعم الرأي يا أبي. وقال الشيخ حيث نظر إليه الملك : أرى أن نبعث أحد الجان إليه, فذلك أسرع لنا بوصوله إليهم ثم يبقى معهم يرشدهم الطريق إلينا. فقال الملك: نعم الطريق إلينا, أحضروا الخريطة. فاحضروا له الخريطة فنظر إليها و قال : الآن نحن هنا, علينا التوجه شمالا من هذا الوادي فنتركه خلفنا وعبر هذه الطريق الجبلية نرجع إلى طريق الغابات الكثيفة مرة أخرى, وهذا في صالحنا, فهناك لن نعدم الماء, ثم بعد الغابات بمسافة يوم تقريبا صحراء الرمال, ومن الصحراء مباشرة أمامنا مملكة (ثيتا), ومن نفس النقطة يمينا مملكة (دلتا) ,إلا أن مملكة دلتا التي على يميننا ترجع بنا إلى ملتقى هذا الوادي مرة أخرى, ومملكة( ثيتا) الرملية أقرب من هناك من مملكة (دلتا) بقليل, فماذا ترون ؟ فقال الشيخ : هو ما تراه يا مولاي. قال الملك : إذا نمضي إلى (ثيتا) أولا في وسط الرمال الصحراوية, وسوف نعسكر عند نهاية الغابات الكثيفة الطريق المفضية إلى الرمال, وهناك سننتظر المدد. فقال هيرود: إذا علينا التزود عند تلك النقطه بالماء الكافي, فقد لا نجده في الصحراء. فقال الملك محييا إبنه : أحسنت يا بني, بدأت تفكر مثل قائد عظيم. ففرح بذلك هيرود. ثم توجه الشيخ إلى أناهيد ملك الجمعه وقال له : هل عرفت الخطة ؟ فقال : نعم سيدي. فقال الشيخ : إذا تتوجه من فورك إلى الملك شمشون تخبره بما حصل وتطلب منه العون, وتأتي بهم إلى حيث سنعسكر بانتظاركم. فقال أناهيد: سمعا وطاعة ياسيدي. واختفى من أمامهم. بعدها نادى الملك كبير جنده وقال له : كيف حال الجند؟ قال : ليس جيدا يا مولاي, فقد مات الكثير منهم حتى ممن كانوا جرحى لنقص في العلاج, ومن تبقى منهم بين جريح وكسيح. فقال له الملك : وكم من الجند ممن تأخروا عن الدخول في منطقة البئر؟ قال : ما يقرب من مئتين يا مولاي. قال الملك : إجمع من استطعت معنا واحزموا فإنا ما ضون الساعة.
أخذ الجيش أوما تبقى منه بالزحف فخرجوا عن يسار الوادي ومشوا في طريق وعر خلف تلك الجبال بمحاذات الوادي تاركين مملكة (تاو) الزجاجية خلفهم. ويظهر فوق الحصان ديفي الذي أردفته روث أمامها يسيران وقلادة ديفي تشع بانكسار أشعة الشمس على المفاتيح الثلاثة في صدره.




صعد جميع من تبقى من الجيش تلك التلال الوعرة فاقترب الأمير هيرود من روث وتكلم معها وهما يسيران بجواديهما وديفي راكب أمام روث فقال هيرود : ماذا تعتقدين قد حدث هناك؟ مع ديفي في تلك البئر ؟ فقالت وهي تنظر أمامها بجدية: وكيف لي أن أعلم وكنت مثلكم؟ قال هيرود: كيف حصل على المفتاح؟ ألم يقل لك شيئا؟ قالت باستغراب : وهل يقول ديفي شيئا؟ أو أي شيء ؟ اساله بنفسك. وقد بان على روث العصبية والخشونة في ردها على هيرود فقال لها : ما بالك تكلميني هكذا ؟ فقالت له : وكيف تريدني سموكم أن أكلمك؟ وقالتها روث باستهجان. عندها هز هيرود رأسه استنكارا وانطلق بفرسه بعيدا عنها وهي ترمقه بنظرات من العناد واللهفة معا.
ورغم سيرهم البطئ بسبب الجرحى والمصابين إلا أنهم وصلوا إلى الغابات الكثيفة في أخر وقت العصر. فساروا فيها يشقون طريقهم فإذا هي بضع دقائق ولاح نهر من بين الأشجار فتوافدوا عليه, وقفز من استطاع أن يقفز فيه وشربوا واغتسلوا وقطعوا عطش وحرارة تلك القفار الموحشة التي أتوا منها, وعسكروا حينما كانت الشمس متوجهة إلى بيتها, وتوسدوا الأشجار بالقرب من النهر وهم بين سمار ومتأنن من ألآمة وجراحه. وإذ قد تأخر الليل نام أولآئك الجنود المساكين وفجأة قام الجنود النيام وأخذوا بالصياح والعويل وأفاقوا من نومهم فزعين, وتنادوا فيما بينهم والشيخ كذلك والملك وابنه وروث وديفي والوزير الجميع كانوا يتصايحون وينعقون, ومن الجنود من يبكون فزعين متخوفين, ورأى الشيخ بهرام وهرمس وبرجيس وكيوان وسط أولائك الجنود واقفين ينظرون إليهم وكأنهم كانوا يراقبونهم أثناء نومهم فتوجه إليهم الشيخ وتوجه الملك وتوابعه وراءه لعلهم يجدون جوابا عند الجن لما حصل لهم, فقال الشيخ موجها كلامه للجن : هل تعلمون شيئا عن ما ألم بنا ونحن نيام ؟ قالوا: نعم, لقد رأينا كل شيء, حضرت بعض الأطياف إلى كل منكم وهو نائم ودخلت فيه, منها من كان يأكل من ذلك الشخص, ومنها من يضربه ومنها من يقتله, وهم بأشكال مفزعة وأفعال مخيفه, نحن كنا هناك فأحسسنا بهم فجأنا ووقفنا حيث نحن ألآن وشاهدنا كل شيء. ولما كانت الجن تتحدث كان الجند يستمعون إليهم ويهزون برؤسهم بالإيجاب على كل ما قالوه. فتكلم الشيخ وقال : هذا ما قلتم هو بالضبط ما رأيته في حلمي. وقال هيرود : وأنا كذلك وقال كل من الملك وروث وأنا كذلك. وكان بجانب روث ديفي فأشار بإصبعه على صدره محاولا أن يقول : وأنا كذلك. فقال بهرام : هذه الأطياف تسكن بجانب الينابيع والأنهار كون المياه تخرج من الأرض, والأطياف هذه كما رئيتموها في أحلامكم إنما هي من العفاريت, وتسمى بالعفاريت الغواصة تسكن تحتنا مباشرة, فحيث نسكن نحن الجن القشرة الأرضية الغواصة يسكنون في طبقات المياه تحتنا, وإذا ما وجدت المياه منفذا إلى الخارج تخرج معها هذه العفاريت فتسكن قريبا من مخارجها, أي على مقربة من الأنهار والينابيع وتفعل ما فعلت معكم هذه الليلة في أحلامكم, ولكن ليس هذا هو ضررها, وإنما في الصباح وعند ظهور الشمس على كل من دخلت فيه يحصل لذلك الشخص بالضبط في الواقع كما حلم به. عندها تخوف الجميع ونظروا إلى بعضهم البعض وتقدم الوزير من الجن وقال: لا بد وأنكم تمزحون. فرد عليه برجيس قائلا : نحن لا نحب المزاح. فقال الشيخ : وهل من مخرج من هذا ؟ فقال كيوان: يجب أن نذهب ونبحث عن الفتحة التي يخرج منها هذا النهر ونسدها, وبذلك نقتل كل تلك العفاريت الغواصة التي هاجمتكم الليلة, وإلا مع وصول ضوء الشمس لأجسادكم تكونون قد أصبحتم طعاما للغواصة. فتقدم شهلون وقال لكيوان : وإذا لما لم تضركم أنتم وأنتم أمامها ؟ فقال هرمس : لأننا على السطح وهنا ليس هو طبيعتنا فلا تستطيع أن ترانا إلا ونحن في طبيعتنا تحت سطح الأرض. حينها تقدم الملك أجمنون منهم قائلا : إذا هيا هيا ماذا تنتظرون ؟ اذهبوا وابحثوا عن مخرج هذا الماء في الحال. فنظر الشيخ سموطان إلى الملك بنصف عين حيث حذره من تأمير الجن, ثم نظر سموطان إلى الجن وهز رأسه بالإيجاب آذنا لهم, فاختفت الجن ما عدى هرمس. وقال الملك لكبير الجند : نبه على الجند بأن لا يناموا الليلة حتى اشعارآخر هيا إذهب. فذهب كبير الجند لينبههم. أما البقية فقد تجمعوا حول النار وقال الشيخ : يجب أن نضل أيقاظ إلى أن يعودوا. فجلس الجميع حول النار فقالت روث حيث يجلس بجانبها هيرود : كيف يحكم الإنسان الجن ؟ وتابعها هيرود قائلا : نعم احكي لنا يا سموطان حتى لا ننام. نظر إليهم سموطان وقال: إذا لم تتكلم معي الآن كيف يمكنني أن أفهم ما تريد يا هيرود ؟ فنظر الملك إلى ابنه وهو يجيب : فقال هيرود : لا يمكن أن تفهمني إذا لم أتكلم معك. فقال سموطان : بالضبط, فباللغة نتفاهم, لذلك سجدت المخلوقات جميعها لأبينا آدم لإنه أول من استخدم وسيلة تخاطب راقية, وكان الصوت الذي أطلقه لأول مرة, كان بمثابة السحر, كمثل ما نشعر به من رهبة الآن إذا ما أتى أحدنا بعمل خارق للطبيعة, وكان ذلك شيئا راقيا علمه إياه ربه, فعظمته المخلوقات جميعها لإجل تلك المعرفة التي لم يعرفها سواه ولا حتى الملائكه أقرب العارفين بالله, واللغة تتضمن حروف, وحروف كل شعب هي ما يحمل أفكار ذلك الشعب, ولكل لغة حروف مميزة. فقال الملك أجمنون: وكيف ذلك ؟ فأجاب سموطان : أي أن كل لغة لا بد وأن لها حروف معلومة تبدأ بحرف وتنتهي عند حرف, فإذا سألتك كم عدد حروف لغتك ؟ قلت كذا, وإذا قلت لك عددها ؟ قلت هي كذا وكذا أي لها بداية ونهاية, فكذلك الجسد فجسدك هذا يا روث إذا قلت لك من أين يبدأ ؟ قد تبدئين من أعلى رأسك وتنتهين عند إخمص قدميك, وشخص آخر قد يبدأ من يده إلى بطنه, والمهم أنه معلوم له بداية ونهاية, فكذلك الحروف, وعلى هذا فإن الحروف كالجسد لها أول ووسط وأخر, وإذا سألتك إيها الملك كيف تحيا ؟ قلت بالروح فإذا ماتت يعني أنك مت, ولكن إذا سالتك وما هي الروح ؟ قال الملك : الروح هي الروح. فقال الشيخ : بالضبط, كما أننا لا ندري أين تبدأ أو أين تنتهي, فقط ما نعلمه عنها أنها موجودة, ولكن كيف؟ لا نعلم, وأين؟ لا نعلم, وإنما هي مجرد صورة في أذهاننا عنها, وإذا قلت لك يا شهلون : ما أول الاعداد ؟ قال شهلون : الواحد. فقال الشيخ: خطأ, فإن هناك أعداد قبل الواحد وهي الكسور, وإذا عددت من الكسور مهما عددت لا تنتهي إلى الواحد, وإذا قلت لك يا هيرود ما هو أكبر عدد ؟ قال هيرود : لا أعلم لا نهاية للاعداد. فقال الشيخ : قد تستمر بالعد من واحد إذا شأت أو من الكسور ولا تصل إلى نهاية الى أبد الدهر, وكذلك هي الروح, إذا فإن الروح تشبه الاعداد, ما هي إلا صورة ذهنية. فقالت روث : نفهم من هذا أن الحروف هي الجسد والأعداد هي الروح. قال الشيخ : نعم يا روث. فقالت: ولكن ما دخل هذا بالجن ؟ فقال الشيخ : وإذا فهمنا ماهية الروح والجسد إستخدمنا الأعداد والحروف في إستخدام الجن وذلك بالأقسام والعزائم. حينها تبسم هرمس للشيخ وهو ينظر إليه من حيث جلس بجانب روث. ثم أصاب الجميع بعض السكون حتى كسره شهلون عندما قال : إحكي لنا قصة. موجها كلامه إلى سموطان الذي نظر إليه قائلا : سأحكي لكم قصة نبي الله سليمان. وعندما سمع الملك أجمنون ذلك إنشرح وانبسط في جلسته, كما ارتخى الجميع وتجهزوا لسماع القصة, وحضر بعض قادة الجند وتحلقوا معهم حول النار يستمعون بينما نهض سموطان واقفا متجها إلى الوسط حيث النار فوقف عندها وبدأ يحكي قائلا : وكذلك فعل النبي سليمان, فقد كان رجلا عابدا فآتاه الله الملك, وكان ملكا على الإنس والجان, والطير والحيوان, بل وعلى الحشرات, والاشجار والنباتات, فالله قد أفهم سليمان ما تتخاطب به الطيور في الهواء, وما تنطق به الحيوانات على إختلاف أصنافها والحشرات كالنمل, كانت تتحدث مع الملك سليمان دونما مشقه في فهمه لما تقوله له, بل وكانت كل المخلوقات تطيعه وتأتمر بأمره ولا تخالفه, ومنهم الجن والإنس وفي حشود غفيره على مد النظر حضر من كل فرقة من فرق الجن سلطانها, ومن كل فرقة من الحشرات سلطانها, ومن كل فرقة من أنواع الطيور كبيرها, وكذلك الحيوانات واصطفت بمئات الآلاف, وأخذوا يتقدمون إلى سليمان وهو يأخذ من زعيم كل فرقه العهد والمواثيق, ووضع سليمان عهودهم ومواثيقهم في خاتم من سبعة أحرف, وكان الجميع يهاب ذلك الخاتم لما إحتوى على عهودهم وكلامهم فيه, فأينما طلب سليمان فرقة ما, تلى عليها عهودها فتحضر وإلا أحرقها بكلامها الذي أعطته له وعذبها به, ولم يكن أحد يتجرأ على عصيانه, ومن الجن من كانوا يعملون عنده وتحت إمرته, فمنهم البناؤن المهرة الذين يبنون له المساكن العجيبة والمحاريب ويشقون قنوات المياه التي لا يمكن للإنسان أن يشقها, كالتي داخل صدوع الجبال, وأبدعوا له هندسة لم تكن في متناول علم الإنس, وأقاموا له السدود المائية الهائلة, ومنهم الغواصة الذين كانوا يغوصون له في أعماق المحيطات يستخرجون اللآلي والجواهر والدرر النفيسة, ومنهم من يجلب له أنواع المعادن الثمينة من داخل بطون الجبال ومن تحت سطح الأرض, ومنهم من يصنع له القدور بأنواعها ومعادنها, فمنهم من يستخدم النحاس أو الحديد أو الطين أو الزجاج والحجارة الضخمة لصناعة الأواني بأشكالها والمعدات بأنواعها, وحرسه الله من أن يناله أحد من الجن أو العفاريت بسؤ, بل كل في قبضته وتحت قهره لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه, بل هو يحكم فيهم إن شاء أطلق وإن شاء حبس منهم من يشاء, وقد أمره الله أن يبني بيتا للصلاة والعبادة, فأراد سليمان أن يبنيه من دون إستخدام الحديد في أي جزء من بناءه, وسأل عن طريقه ما تمكنه من ذلك, فلم يجد جوابا عند أحد, فتفكر سليمان ثم أحضر بيضة الهدهد وأدخلها بداخل قارورة زجاجية, فجاء الهدهد وحط ومشى بجانب القارورة وهو ينظر إلى بيضته يطلبها, وأخذ يتفقد الزجاجة فلم يستطع أن يجد طريقة لأخذ بيضته, فطار ثم رجع بعد قليل وفي يده حجر الماس, واقترب من الزجاجة وأخذ يقصها بالماسه فقصها ودخل وأخرج بيضته وطار بها, وسليمان كان يشاهد حيلته, فأخذوا الماس وقاموا يقطعون به الحجر الضخم عوضا عن الأزاميل الحديدية فبنى له الجن هيكلا كبيرا من الحجارة المقطوعة بالماس دونما إستخدام الحديد في تشكيلها, ومما بنى له الجن كرسيه, فقد كان كرسي عرش الملك سليمان مهيبا, كان من أنياب الفيلة مرصعا بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ, وقد جعل له درجه منها مفصصا بالدر والياقوت والزبرجد, ثم أمر بالكرسي فحف من جانبيه بالنخيل, نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ, وجعل على رؤوس النخل التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب, ثم جعل على رؤوس النخل التي على يسار الكرسي نسورا من ذهب مقابلة الطواويس, وجعل على يمين الدرجة الاولى شجرتين صنوبر من ذهب عن يسارها اسدان من ذهب, وعلى رؤوس الأسدين عمودان من زبرجد, وجعل من جانبي الكرسي شجرتين كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي, وجعل عناقيدها درا وياقوتا أحمرا, ثم جعل فوق درج الكرسي أسدان عظيمان من ذهب مجوفان محشوان مسكا وعنبرا, فإذا أراد سليمان أن يصعد على كرسيه إستدار الأسدان ساعة ثم يقعان فينضحان ما في جوفهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان, ثم يوضع منبران من ذهب واحد لخليفته والأخر لرئيس أحبار المعبد, ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا وعالما ومن أهل الشرف, ومن خلف تلك المنابر السبعون خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد, فاذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجه السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد سليمان على الدرجه الثانية فيبسط الاسد يده اليسرى وينشر النسرجناحه الأيمن فإذا إستوى سليمان على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم الحجم تاج سليمان فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه إستدار الكرسي بما فيه . وكانت الجن تصعد السماء فتقعد منها مقاعد للسمع, فيستمعون من كلام الملائكه ما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر, فيأتون إلى الكهنة فيخبرونهم فتحدث الكهنة به الناس فتجده الناس كما قالوا صحيحا, فلما أمنتهم الكهنة كذبت الجن عليهم وأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة يسمعونها من السماء سبعين كلمة, فأكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب وفشى ذلك في الناس أن الجن تعلم الغيب, فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه, ولم يكن أحد من الجن يستطيع أن يدنوا من الكرسي وإلا إحترق, وقال لهم سليمان لا أسمع أحدا يذكر أن الجن يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه .
ثم إستدار سموطان إلى الناحية الأخرى من النار متوجها إلى الحضور بالقول : ولكن أعجب ما في ملك سليمان هو أنه كان يملك الريح التي ماملكها أحد من قبله ولا من بعده, فهي تجري بأمره كيفما شاء, مثل الذي عنده جارية فيأمرها مهما يأمرها تفعله, وكذلك الريح فهي جارية بأمر سليمان فيأمرها فتجتمع كالجبل, ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها, ثم يدعو بفرس من ذوات الأجنحة فترتفع حتى يصعد على فراشه, ثم يأمر الريح فترتفع به حتى تضعه الريح حيث يشاء أن تضعه, وكان للملك سليمان بساط من خشب يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة والخيل والجمال والخيام والجند ثم يأمر الريح أن تحمله, فتدخل تحت البساط ثم تحمله وترفعه وتسير به في الفضاء وتطير فوقهم الطير لتظلهم من الشمس وتقيهم الحر, وتسير بهم الريح إلى حيث يشاء سليمان فتنزلهم .
وكان الملك سليمان إذا رأى شجرة نابته يقول لها: ما إسمك؟ فتقول: كذا. فيقول: لأي شيئ أنت؟ فإن كانت لغرس غرسها, وإن كانت تنبت دواء قالت : نبت دواء كذا وكذا فيجعلها كذلك حتى في يوم من الايام وقد دخل نبي الله سليمان إلى الهيكل ليتعبد وشاهد نبته فسألها : ما إسمك ؟ قالت : أنا الخروبة قال : ولأي شئ أنت ؟ قالت : لخراب هذا المعبد. فأخذها سليمان وجعل منها عصى يستخدمها وفي يوم من الأيام وقد جلس سليمان على كرسي عرشه يراقب الجن وهم يعملون تحت وطأت العذاب والأعمال الشاقة المتعبة وقد إتكأ بذقنه على عصاته تلك التي أسند بها على الأرض ممسكا بها بكلتى يديه, فإذا هوقد قبضت روحه فمات ولم تعلم الجن خبر موته فهم يعملون ويراقبونه ويظنون أنه قد نام, فإذا الدودة آكلة الخشب قد بدآت تأكل عصاته مما يلي الأرض, وبعد أن أكلت بعضها وصارت العصى غير مستوية القاعدة سقطت وسقط الملك سليمان على الأرض معها, فعلمت الجن أنه قد مات وتحررت, ولما جاءه الناس وشاهدوا عصاته وقد أكل طرفها السفلي علموا أنه قد مات منذ فترة فتأكدوا أن الجن لو كانت تعلم الغيب لما لبثوا في العذاب الاليم وهم يعملون في مشقة وهوان. فما أتم الشيخ قصته حتى نهض الجميع من حول النار لدى سقوط الجن الأخوة الثلاثة عليهم .






صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
الفصل الخامس
قام كل من كان حول النار ينظرون إلى إخوة الجن وقد رجعوا وحطوا من الفضاء مسرعين أمام سموطان. بهرام وبرجيس وكيوان. فقال بهرام: لقد وجدنا الفتحة التي يخرج منها الغواصه وسددناها, سيجف هذا النهر عما قريب, ينبغي لكم التزود منه بالماء قدر المستطاع, إن الفتحة تلك على مسافة قريبة من هنا, ليست ببعيدة, لقد كان غواصة هذا المكان يخرجون من تلك الفتحة, أنتم بأمان الآن تستطيعون النوم لابد وأنكم مرهقون من السهر. أمرالملك كبيرالجند وقال : إجعل الجند يتزودون بالماء في جميع ما يستطعيون حمله. فقال: حاضر مولاي. وانصرف اليهم ثم إنصرف الجميع إلى خيامهم. في صباح اليوم التالي إستيقظ الجميع متأخرين بعض الشيئ وبدأوا بإعداد أمتعتهم وخيولهم للرحيل. فسار الجميع بمحاذاة النهر وهم ينظرون إليه وهو جاف من المياه. واصلوا المسيرإلى أن وصلوا إلى حيث شاهد الملك الرمال الذهبية فتوقف ووقف من كان وراءه من الجند. ثم أمر الملك بضرب المعسكر وكانت هناك بجانب المعسكر بركة راكدة فضرب الملك خيمته بجانبها. وإذ هو يطالع حاجياته في الخيمة لمح بعض الجنود وقد أرادوا التزود من تلك البركة لخيولهم فصاح فيهم الملك أجمنون قائلا : توقفوا.. فوجل الجند منه وتسمروا في مكانهم فذهب إليهم الملك, وعندما وصل إلى جانب البركة مد يده فإذا هو يلبس خاتمي الملك شمشون الحجرين المزعفران, فتحرك الحجران في الخاتمين واهتزا إهتزازا سريعا وقال لهم : لا تأخذوا من هذا الماء إنه سام. فتعجب من ذلك هيرود حيث كان وراء الملك ينظر ويسمع فتقدم إليه وقال: ما هذا يا أبي؟ فالتفت إليه الملك وما زال هيرود ينظر إلى خواتم أبيه فقال له الملك: هدية صغيرة من صديقنا الملك شمشون, درعلى الجنود وأخبر الجميع أن هذه البركة مسمومة فلا يستسقوا منها. فانصرف هيرود ثم دخل الملك إلى خيمتة ليكمل ما كان عليه. ديفي كان يلعب هناك في بعض الشجيرات وإذ فجأة يتوقف عن اللعب ويحدق في شيئ ما من وراء الأشجار, إنه يحاول تبيان أمر ما هناك, فلاحظته روث وهي بجانب خيمتها تعد أغراضها فتركت ما عندها وذهبت بإتجاه ديفي وتبعها هرمس وهي متوجسه من الذي شد إنتباه ديفي بتلك الطريقة الغريبة التي يطالع فيها وكأنه يترقب شيئا, حتى إذا ما وصلت على مسافة قريبة منه هرول ديفي إلى ما كان ينظر إليه وهي بدورها تبعته حتى وصلوا إلى معبد قريب قديم مهجور, فاقترب الثلاثه من أمام المعبد يترقبون بحذر ويتقدمهم ديفي وهم يطالعون من عبرذلك المعبد الصغير المتهدم وقد نمت عليه الأشجار, وعبر مدخله لا يشاهدون شيئا غير الظلام بداخله, فتنبه بعض الجنود لما يحدث وهم ينصبون خيامهم ويضعون قدورهم وسروج خيلهم, فإذا ديفي لدى المدخل وروث من خلفه ومن خلفهم هرمس سمعوا أصوات ضحكات أطفال تأتي من الداخل, ففزع ديفي وركض إلى خلفه واصطدم بروث خائفا وهو ينظر إلى مدخل المعبد مترقبا لمصدر تلك الأصوات بأن تخرج منه, وفعلا بعد قليل خرج من المعبد عدد كبير من الصبية منهم الآولاد ومنهم البنات يركضون بإتجاه روث وديفي وهم يضحكون فرحين, وحيث روث وديفي كانا واقفين مكانهما وروث تحتضن ديفي تضم رأسه إلى صدرها تجاوزتهم تلك الثلة من الاولاد إلى المخيم حيث الجند ينظرون اليهم, فذهب الاولاد بإتجاه الجند وكل واحد منهم يصيح: بابا.. بابا واحتضن كل ولد وكل بنت جنديا وهو يصيح فيه بابا بابا. فتعجب الجميع مما يحدث حتى أن سموطان كان يخرج من خيمته ليتبين الضجة فإذا احدى البنات تلتحم به فجأة وتمسك فيه وهي تصيح بابا بابا. تعجب الجميع منهم وتجمعوا في مكان واحد وأولائك ألأولآد يركضون حولهم يلعبون, وثم بعضهم يصطدم في أي منهم وهو ينادى بابا بابا. تحلق الجميع حول الملك الذي أمسك أحد الأطفل برجله ولم يفلته فأعجزه عن المشي ثم أن الملك جثى على ركبته وهو ينظر إلى ذلك الصبي وقال : من أين أتوا هؤلاء الفتية والفتيات؟ فقالت روث: من هناك. وأشارت إلى المعبد ثم أكملت: من ذلك المعبد المتهدم. فنظر الجميع حيث أشارت روث ثم سأل الملك ذلك الصبي : من أنت ؟ والصبي لا يجيبه ثم سأله من أتى معك ؟ والصبي لا يجيب. ثم سأله : أين أبوك ؟ فأشار الصبي بإصبعه إلى الملك وعانقه بحرارة وهو يقول : بابا بابا حتى شعر الملك بحنان حزين فنظر الملك إلى الشيخ الذي بدوره تلك البنت متشبثه برجله بقوة وجال بنظره فيهم وهم يحومون حولهم وقال الملك موجها كلامه إلى سموطان : هل من تفسير ؟ فرفع سموطان كتفيه متعجبا. وحاول بعض الجند أن يستخلص من الصبية أي فائدة عن هويتهم ولكن دون جدوى. وقف الملك قائلا للجميع: إعتنوا بهم إلى أن نعلم لهم أصل ولا تؤذوهم. عندها كان الوزير قد خرج ووصل إليهم فإذا أحد الصبية يندفع إليه ويحتضن رجله قائلا : بابا بابا. فركله الوزير بإشمئزاز ونظر الوزير إلى الملك الذي وقف ينظر إليه وما فعل بشدة فمثل الوزير أنه يلاطف الصبي وظمه إليه فمسك فيه الولد بقوة وحرارة والوزير ممتعظ صابر عليه. ثم أوقد لجنود على الموقد طعامهم وأطعموا الصبية معهم, ونشأت بين الجنود والصبية عاطفه وتآلف. وبعد العشاء حضر الجميع إلى خيمة الملك ومن الصبية من لم يستطع أحد أن يفلت منه مثل هيرود الذي طبق في رجله أحدهم فهو يمشي به راكبا على رجله, وكذلك شهلون طبقت في رجله احدى البنات ولا تنفك تقول بابا بابا. دخل الجميع إلى خيمة الملك وحال من هو حاله كذلك حتى جلسوا فقال الملك: هل علمتم شيئا عن هؤلاء الصبية؟ فقال كبير الجند وقبل أن يقول مولاي تفلت الصبي الذي كان في رجل هيرود حتى أن هيرود تنفس الصعداء وطبق في رجل كبير الجند وهو يقول بابا بابا. فأكمل كبير الجند كلامه وهو على تلك الحال قائلا : إنهم ستون صبيا وصبية أعمارهم متقاربة جدا. ثم قالت روث : وأكلوا من الطعام كأنهم لم يأكلو منذ سنة. ثم نظر الملك إلى سموطان فتكلم الشيخ وقال: هرمس هل علمت شيئا عنهم؟ فهز رأسه هرمس بالنفي فتنفس الشيخ وقال : ماذا عسانا أن نفعل معهم ونحن لا نعلم عنهم شيئ, هذا ما كان ينقصنا. فقال هيرود : أرى يا مولاي أن لا يشغلنا أمرهم عما نحن هنا لأجله. فقال الملك وهو يشير إلى هيرود بيده : صدقت. ثم أكمل هيرود قائلا : لما لانرسل برسالة إلى مملكة (ثيتا) كما فعلنا مع سابقاتها إختصارا للوقت ريثما ننتظر المدد من الملك شمشون. فقال الوزير: إن فعلنا ذلك يا مولاي هاجمونا ونحن ضعاف العدد, لعلهم لايعلمون بقدومنا إليهم فلما نكشف أنفسنا لهم ونحن لسنا في موضع القوة؟ فقال الملك : هذا صحيح. فرد عليه هيرود : ولعلهم لا يعلمون أننا ننتظر المدد فينتظرون قدومنا إليهم في كل الاحوال. فقال الشيخ : وهذا أيضا صحيح. فقال الملك: إذا نكتب إليهم. حينها دخل الاخوة الجن بهرام وبرجيس وكيوان إلى خيمة الملك وقال برجيس : إن هؤلاء الصبية لا يتعبون, بل هم في نشاط دائم عجيب. نظرالملك إلى الاخوة الجان واتجه بنظره إلى شهلون وقال له: أكتب كتابا. ثم قال الملك : إلى ملك مملكة (ثيتا). ثم توقف الملك وقال لوزيره : ما إسمه ؟ فقال الوزير: لا أعلم يا مولاي. ثم توجه إلى الجموع قائلا : هل تعلمون له إسما ؟ فلم يجبه أحد والتفت الملك إلى الكاتب وقال : إلى ملك مملكة (ثيتا) إبعث إلينا براية السلام من قبل أن نأتيك بما لا طاقة لك على رده. من ملك الملوك ملك مملكة (زيتا) آجمنون العظيم. ثم قال للرسول شهلون : خذ كتابي هذا إليهم وانظر بما يرجعون إلينا من جواب. فأطرق الرسول رأسه وخرج من الخيمة وفي يده الكتاب وانطلق من فوره. فض المجلس فخرج كل واحد من خيمة الملك إلى خيمته, وسارت روث وديفي بين الجنود تتأمل كيف إستلقى الصبية فوق الجنود وهم يتسندون تحت أشجار الغابة والصبية كل واحد مع جندي رابظ تحته, حتى قام أحد الجنود ليبول فقامت معه الصبية ممسكة برجله وهو يحاول إفلاتها دونما جدوى, فذهب إلى مسافة وفتح بنطاله محاولا إخراج ذكره لكي يبول والبنت ماسكه في رجله وهو ينظر إليها بتأفف ويلوح برجله لكي تفلته فلا تفعل, فاضطر الجندي إلى أن يبول من حصرته وهي تشاهده فضحكت روث من الموقف وجلست وديفي تحت شيئ من الأشجار وهي تنظر إلى أحد الصبية كيف عانق أحد الجنود الذي غلبه النوم وراح الجندي يشخر في سبات عميق. وفجأة تحول ذلك الصبي إلى عروق شجر إلتفت حول الجندي وغاصت به في الأرض بهدؤ, ففزعت روث مما حدث أمام عينيها وكذلك شاهد ذلك ديفي وألصقت روث جسمها بالشجرة خلفها من الخوف, وعينيها كمن شاهد ملك الموت, وبعد برهه نفس الصبي الذي غاص في الأرض بالجندي يأتي مهرولا من إتجاه المعبد ويلتصق في ديفي وديفي يحاول صده عنه والصبي يقول بصوت حنون بابا بابا, عندها صرخت روث بقوة فنقلت الغابة الكثيفة الهادئه المظلمة صدى صوتها فاستيقظ كل من بالمعسكرإلا الجنود الذين كانوا على مسافة أبعد وقد أتعبهم السفر فراحوا في غياب النوم ولم يستيقظوا, فتراكض الشيخ إلى حيث روث وما هي إلا لحظه وصار الجميع عندها, فدنا منها الشيخ يسألها: ما بك صرختي. فلم تستطع روث التقاط أنفاسها لكي تجيب من الفزع, واذا الشيخ يحاول استجوابها ولكنها ما زالت شاخصة تنظر إلى ذلك الصبي الملاصق لديفي بجانبها وقد تملكها الخوف, عندها صرخ الشيخ : هرمس أين أنت؟ إنه ضعيف لسوف أستبدله. عندها جاء صوت من فوق الشجرة التي تحتها روث قائلا : أنا هنا سيدي. فرفع الشيخ رأسه إلى فوق فإذا هو هرمس جالس هناك بهدؤ فقال الشيخ : ماذا تفعل عندك؟ أمرتك أن تحرسهما فإذا أنت تفشل كل مرة. عندها حط هرمس على الأرض بسرعة وقال : إنما أعطيتهم بعض المساحة والحرية ياسيدي, لقد رأيت بالضبط مارأته وأفزعها. ثم توجه هرمس إلى حيث كان الجندي يجلس ووقف فوق أرض قد إرتفعت قليلا وقال : كان الرجل ينام هنا متكأ على جذع الشجرة وفوق رجله أحد الصبية, وأشار هرمس إلى الغابة قائلا : كما هو الحال مع بقية الجند, فإذا الصبي تحول إلى جذور نباتية إبتلعت الجندي إلى الأرض في غمضة عين, ثم خرج نفس الصبي يركض من هناك إلى هنا. وأشار هرمس إلى طريق المعبد فقال الشيخ : وأين هو الآن ؟ فقال هرمس وهو يشير إلى الشيخ باصبعه : إنه هناك خلفك تماما يا سيدي. فنظر الشيخ خلفه إلى ذلك الصبي فإذا كبير الجند يأتي إليهم مهرولا و يقول للملك الذي كان حاضرا بجانبهم: لقد فقدنا بعض الجند يا سيدي. عندها قال الملك : أين أرني ؟ وذهبا معا وكبير الجند يتفدمه ولحق بهم الشيخ, فإذا كبير الجند يريهم بعض الأشجار وكل شجرة يريهم إياها يلاحظون إنتفاخ الأرض تحتها, وإذهم كذلك إذ يخرج عليهم الوزير وهو يتثائب قائلا : ألا يستطيع أحد النوم في هذه الغابة الملعونه ؟ وأشار إليه الشيخ بغضب وقال : أصمت. فتجمد الوزير واقفا في مكانه, ثم نهض الشيخ من حيث كان يعاين التربة واتجه إلى أحد الصبية وقال : لا بد من التخلص منهم. فقال الوزير مباشرة: هذا أحكم ماقلت. فنظر إليه الشيخ بغضب وإذا هم كذلك إذا بأحد الجند على مسافة منهم لم يبن من جسمه خلف الشجرة الكثير يغوص إلى تحت الأرض وهو مستند إلى شجرة, فتراكض الجميع إليه فوجدوا مكانه هضبة مرتفعه فحفر الشيخ بيديه المكان بسرعة فإذا هي قطع من لحم صلصال ودماء وعظام ممضوغة, فرفع سموطان يديه تسيلان بالسوائل والدماء, وبعد قليل شاهدا أحد الصبية يركض من ناحية المعبد ويلتصق في أحد الجنود وهو نائم مستند إلى شجرة, فركض إليه الشيخ فأوقظه برفسه قوية وقام الجندي مفزوعا ليرى الصبي قابض فيه والشيخ سموطان فوق رأسه, فقال له سموطان : إحذر أن تنام هل تسمع؟ هز رأسه الجندي بالإيجاب من الخوف وقال الملك من وراء سموطان : يا كبير الجند, أيقظ جميع الجند وحذرهم أن يناموا. فانصرف كبير الجند إلى ما أمره الملك, وذهب الشيخ ليغسل يديه وتقدم الملك إلى حيث يجلس ديفي و روث ثم حضرهم الشيخ بعد قليل وهو ينشف يديه من الماء بخرقة وقال : كيف قلت أيها الملك ؟ فنظر اليه الملك قائلا: في ماذا؟ فقال الشيخ مستنكرا: نقتلهم. فرد الملك: لا يمكنني قتلهم ونحن لا نعلم عنهم شيئا. فقال الشيخ: ألا يكفيك أن تعلم أنهم يقتلون جنودك؟ فقال الملك: هذا شيء لم نتأكد منه بعد. فقال الشيخ :هرمس. روث. شاهدا ذلك. فقال الملك : أنظر إليهم إنهم صغار لطفاء, لا أطاوعك على قتلهم. والملك بعد أن قال ذلك إنصرف إلى خيمته فقعد الشيخ بجانب روث حيث تستند ووضع كفه على وجهه يمسحه فإذا هو ينظر إلى كفيه فتذكر الدم والمواد العضوية فأنزل يده بتقزز. وقضوا الليل كله وهم سهارا حتى إذا ما غفى أحدهم أيقظه الآخر. طلع الصبح واستيقظ الملك وخرج من خيمته وبيده كوب ساخن يشربه. وأخذ يمشي بين الجند كأن لم يكن بالأمس شيئ وهو يظن أن الجميع قضوا ليلتهم مثله, حتى بدأ يلاحظ التعب والإرهاق على جنده إلى أن وصل إلى الشيخ حيث تركه بالأمس وقال : الم تنالوا قسطا من النوم ؟ فنظر الشيخ إلى الملك من فوق كتفه حيث كان قاعدا والملك خلفه يرتشف كوبه ولم يجبه. وكانت هناك روث تنظر إلى الملك وقالت : يجب أن تجدوا حلا لهؤلاء الصبية. فلم يجبها الملك واتجه في مسيره إلى الجهة الأخرى حيث لاقاه كبير الجند و قال : مولاي لقد فقدنا عددا من الجند ليلة البارحة, إن عددنا نقص كثيرا. عندها بدت علامات الجد والحزم على الملك وقال وهو يلتفت ينظر إلى الشيخ هناك : حسنا قيدوهم, قيدوا جميع الفتيان والفتيات بالسلاسل, ومن ثم إهتموا بإطعامهم وضعوا لهم الماء. وربت الملك على كتف كبير الجند وانصرف عنه إلى الشيخ مرة أخرى, والشيخ لم يغير من جلسته تلك تحت الشجرة بجانب روث وديفي وهرمس. أخذ الجند يجمعون الصبية في السلاسل والصبية تصيح وتستعطف وتسترحم حتى رقت الجند لحالهم, وكبير الجند من ورائهم يدفعهم, والملك يحتسي ويشاهد حتى جمعوهم جميعا مقيدين في السلاسل, ثم أشار إليهم الملك بيده إلى تلك الشجرة التي شاهدت روث عندها ذلك الرجل يغطس به الصبي إلى الأرض وقال : قيدوهم حول الشجرة, وأشار الملك إلى خيمته قائلا : حتى أتمكن من رؤيتهم من خيمتي. ساق الجند الصبية رغم عنادهم وصياحهم ومقاومتهم, فساقوهم بقوة إلى تلك الشجرة وأوثقوا السلاسل بهم هناك واتجه بعدها الملك إلى الشيخ وقال : هل يرضيكم هذا؟ سنرى الآن من يختطف الجند؟ فلم يجبه الشيخ ولم يتحرك من مكانه فانصرف عنه الملك ثم أن الشيخ نادى وقال : يا كيوان. فحضر كيوان عنده فقال الشيخ : هرمس. قال : نعم. وقال الشيخ له : لقد أمرت كيوان بمهمتك, ليس عليك أن تحرسهما بعد الآن. فقال هرمس: سمعا وطاعة يا سيدي. وانصرف عنه. وحينما قال الشيخ ذلك تضايقت روث وقالت للشيخ : لم يقصر في شيئ. وقالتها بإستنكار فرد عليها الشيخ وهو يقوم من مكانه معتدلا : سلامتكما أهم من كل شيئ. وانصرف الشيخ إلى خيمته فنام الجميع بعدما قيدوا الصبية بالسلاسل نوما عميقا حتى أوقظوهم الجند لتناول وجبة الغداء, فأحضرت روث صحنها وقربته إلى ديفي حيث المكان الذي قضت فيه ليلتها وأخذا يأكلان وهي تشاهد الصبية بالقرب منها, وقد قرب الجند إليهم الطعام والشراب. وبعدما إنتهوا من الأكل أخذت روث ديفي وغسلت يديه وجعلته يغسل فمه ورجعت به إلى نفس مكانها تحت تلك الشجرة, وأخذت تحادث ديفي وبعد فترة إذا بعض تلك الصبية قد أصابة النعاس فنام وبعضهم مازال صاحيا ينظرون إليها فأدارت روث ظهرها لهم, حيث كانوا يحدقون بها بلا كلل ولا ملل حتى أنها خافت منهم ومن عيونهم الواسعة الباردة, وإذا بعد قليل أحست روث بحركة ورائها فنظرت فإذا هو كيوان يزحف على أحد الصبية الذين ناموا وقد بقى على يديه أثر من طعام فأخرج كيوان لسانا طويلا من فمه كلسان السحلية وقبل أن يلمس يد الفتى ليلعقها صرخت به روث ونهرته, فأدخل لسانه بسرعه واستقام مستحيا وهي تنظر إليه بغضب. في تلك الأثناء دخل شهلون رسول الملك أجمنون على مملكة (ثيتا) فحيا الملك وسلمه الرسالة. سلم الملك الرسالة بعد أن فتحها ونظر فيها نظرة سريعه إلى من كان بجانبه فأخذها تابعه وقرأها ثم ساسر الملك في أذنه فاستشاط الملك على غفلة ونزل من كرسيه بإتجاه الرسول فخاف وارتعب شهلون. وإذا بذلك الذي خلفه يقول له شيئا بلغة غير مفهومة لشهلون. وفي الحقيقة فإن الملك أراد أن يرد عليهم برد قبيح ولكن تابعه قال له : دع أمره لي وأنا آتيك به مسجونا مقيدا, وكما عهدتني لا تنقصني الحيلة ولا الدهاء, فأسرقة لك من وسط عسكره وآتيك به في أسرع وقت. وافق الملك وكان الرسول شهلون لا يفهم ما يقولان. وقد وعد الملك تابعه بالهدايا والعطايا إن هو فعل ما وعد. التفت الملك إلى الرسول وقال له : أريد مهلة للرد على مليكك ولو بضعة أيام فلم يفهم الرسول شيئا مما قال : فتبعه تابعه وراءه بترجمة ما قال الملك للرسول : فأجابة شهلون قائلا : إني لست إلا رسول, وأنتم ملوك مع بعضكم, وإنما تعطيني رد الجواب. ساسر التابع الملك قليلا ثم قال التابع : أنا سأذهب معك لمقابلة ملككم العظيم. فانطلقا في الصحراء الرسول وذلك التابع.
في عصر ذلك اليوم دخلت روث وديفي يتبعهما كيوان كظلهما إلى خيمة أجمنون حيث كان يجلس الملك وهيرود وكبير الجند وبجانبهم الشيخ و وراءه بهرام وبرجيس. فقالت للشيخ : سموطان. ل فإنتبه الشيخ لها فقالت له : أريد أن ترجع هرمس لحمايه ديفي. ونظرت روث إلى كيوان ورائها قائله : أنا لا أطيق هذا الجني, وكذلك ديفي, أليس كذلك با ديفي ؟ رد ديفي بصوت غير واضح قائلا : همس. يعني هرمس, وكان الشيخ ينظر إلى ديفي فقال : حسنا ولم يتم سموطان قولته حتى ظهر هرمس من وراء الخيمة ودخل سريعا الخيمة ووقف وراء روث فنظر إليهم كيوان وهو يخرج من الخيمة. فقال الملك : كنت أظن أن ذلك في بني البشر فقط, أنظروا حتى الجن لا يختلفون عنا في شيئ. عندها خرج سموطان وخرجت وراءه روث وديفي يتبعهم هرمس وراءهم. فذهب الشيخ إلى حيث الأطفال مقيدين ونظر إليهم يتفحصهم ثم سار قليلا وجلس مستندا على شجرة وتبعته المجموعة التي وراءه بالجلوس معه, وأخذوا يدردشون حتى نزل الظلام وإذهم يتحدثون مع بعضهم إلتفت الشيخ بسرعة ناحية المعبد فسمع ضحكات أطفال تأتي من هناك فإذا مجموعة من الأطفال تأتي بإتجاههم مهرولة وهم يضحكون فرحين, فنظر الجميع إلى حيث الأطفال المقيدين فلم يروا شيئا غير السلاسل, وانطلق الأطفال وفعلوا مثلما فعلوا أول مرة كل واحد منهم إتجه إلى جندي, وجاء فتى والتصق بالشيخ وآخر صبية إلتصقت بديفي وهي تقول بابا بابا فإستحى ديفي منها وابتسم ينظر إليها كيف تمسك به, وتنفس الشيخ وهو يفكر في هذه المصيبة, وإذا بذلك الصبي الممسك بالشيخ يقول له : إحكي لنا يا بابا قصة لطيفه. وقالت الصبية الممسكة بديفي : لا بل أرجوك يا بابا إحكي لنا عن قانون الطبيعة. فاستحملهما الشيخ وقال مستسلما : وأخيرا أصبح سموطان يسلي الاطفال, لابد وأن نجمي صاعدا لامعا في السماء. ثم قال وهو ينظر إليهم : في مدينة من المدن كان هناك رجل فقير... ولم يكمل سموطان لإن الصبية غضبت عليه وضربته بقبضة يدها فسكت سموطان وقالت له : قانون الطبيعة. تنفس الشيخ بعمق وقال: حسنا كل ما في الطبيعه لابد وأن يرجع الى قانون واحد... ولم يكمل سموطان حتى ضربه الصبي بقبضة يده قائلا : قصة لطيفه. فقال الشيخ : إن مثلي معكما كمثل رجل تزوج بإثنتين, احداهما شابة والاخرى عجوز, فاقتلعت الزوجة الشابة جميع شعره ألأشيب حتى يبدو شابا, واقتلعت الزوجه العجوز جميع شعره الأسود حتى يبدوا عجوزا, والنتيجة أن أصبح الرجل أصلعا. فضحك كل من روث وهرمس وتبعهما ديفي عندما شاهدهما يضحكان.
في منتصف الليل كان الرسول شهلون وتابع الملك يدنوان من المعسكر في الرمال. فسارا حتى وصلا إليهم والجميع متحلقون حول بعضهم البعض وتلك الاطفال تنتظرهم أن يناموا. حضر جندي إلى الشيخ وهو يجلس مع روث وديفي وهرمس وقد جلس معهم كيوان وبرجيس وبهرام فقال : الملك يطلبكم إلى خيمته. فنهض الجميع وانصرفوا إلى خيمة الملك فقال التابع : أنا رسول مملكة (ثيتا) وإسمي أوريا, الملك سايروس قد أرسلني لكي أعلمكم أنه ليس لديه مانع, ويعلم سبب مجيئكم ولكنه يخشى أهل دولته, وخاصة ولده مرقس, وفي الحقيقة إني أنصح بينكم, فالملك سايروس ضعيف في مملكته, وإنما المسيطر الحقيقي هو إبنه, فإن أردت أيها الملك أن تأتي أنت والصبي معي فتأخذوا المفتاح دونما يعلم أحد بدخول الملك أجمنون إلى المدينة, وإنما كرجل من العامة, وأنا أضمن لكم الدخول والخروج سالمين, وبهذا تجنبونا حربكم ونجنب أنفسنا غضب مولاي الامير مرقس إبن سايروس. تعجب جميع الحضور من هذا العرض الغريب فقال له الملك : وما الذي يضمن لي أن عرضك هذا ليس بخيانه وغدر. قال التابع أوريا : أنا أضمنه لك, وإن كنت متشككا يمكنك أن ترسل مع الصبي من تشاء. قال الملك وهو يفكر في ذلك: دع هذا الامر إلى الصباح وفي الصباح نرد عليك. ثم أمرله الملك بخيمة ينزل فيها, فأخذه هيرود إلى خيمة وعين حارسا عليها. قال الملك للشيخ : ماذا ترى في كلام الرسول ؟ قال الشيخ : لا يبدوا لي طبيعيا, هناك ريبة في الموضوع. فقال الوزير و أشار إلى الجن : لما لانبعث بأحد هؤلاء الذين ورائك ؟ فقال الشيخ : هذا كلام معاد. قلت إنهم لا يستطيعون لمس القفل وإلا إحترقوا في الحال. فقام الملك من كرسيه منزعجا قائلا : إذا ما فائدتهم معنا؟ فقال الشيخ : قبل كل شيئ إن الجن لا تعلم الغيب, فحتى لو إختفى عن الأعين وبحث عن القفل حتى وجده لا يستطيع لمسه. فقال الوزير لوذا : إذا يأخذ ديفي معه. فرد عليه الشيخ : ولكني أخاف أن يقتنصه أحد الرماة بسهم, وأنتم كما ترونه, لا يمكن التحكم به, فقد يصدر صوتا في أي وقت وكيفما يشاء. وفي تلك الأثناء والتابع أوريا في خيمته أخرج عشبة, وأوقد نارا وأحرقها وبخربها وجهه, فاذا وجهه يصبح على شكل هيرود, وتلصص من خيمته وقتل الحارس ولبس لباسه وخرج وأخذ جوادين وحبل,ا وأخرجهما إلى خارج المعسكر بإتجاه الرمال, ثم عاد وتلصص على خيمة الملك أجمنون يترقب, فاذا بعد قليل خرج الجميع من عند الملك, ورأى هيرود يتوجه إلى خيمته عندها دخل على الملك وقال له : أبي تعال معي أريك شيئا خطيرا. فخرجا من الخيمة وساربه إلى موضع الجياد, عندها إلتف أوريا من وراء الملك وفاجأه بضربة على قفاه وأغمي عليه وقيده بالحبل وأركبه الجواد وركب جواده وانطلق به في الظلام. عند طلوع الشمس كان الملك أجمنون في الصحراء مع التابع أوريا على الرمال, والملك مكتوف الايدي والتابع أوريا أمامه يشوي أرنبا إصطاده, والملك ينظر إليه فقال للتابع : ما الذي يحدث يا هيرود؟ لما فعلت ذلك يا بني؟ والتابع أوريا يأكل اللحم ولا يكلمه, ثم عرض على الملك بعض اللحم فأكل الملك معه فقال له أوريا : إنني أريدك حيا بكامل صحتك, فإنك لا تدري كم تساوي عندي. وضحك التابع أوريا .
في معسكر الملك أجمنون دخل الامير هيرود خيمة أبيه فلم يجده, فتفقد المعسكر ولم يجده فاتجه إلى الشيخ سموطان وقال له : هل رأيتم أبي؟ فلم يجبه أحد ثم إتجه إلى خيمة أبيه وسأل الحرس : هل خرج أبي هذا الصباح؟ فقال الحارس :منذ خرجتم أنتما الاثنان ليلة البارحة لم يرجع يا سيدي. فأخذ هيرود القلق وذهب إلى خيمة التابع أوريا فوجد الحارس مقتولا وبدون ملابسه, فخرج من هناك مسرعا إلى الشيخ وهو ينادي كبير الجند : يا كبير الجند, يا كبير الجند, واتجه هيرود إلى سموطان حتى وقف أمام الشيخ وكبير الجند مسرعا إليه من الجهة الأخرى في وجل, فقال هيرود للشيخ : لقد إختفى أبي الملك, ذلك التابع قتل الحارس الذي يحرسه, وحراس خيمة أبي يقولون أنه خرج معي ليلة البارحة ولم يعد وأنا لم أره منذ كنا أخر الليل معه. فقال الشيخ: لعله قبل عرض الرسول بالذهاب إلى الملك سايروس. فقال هيرود : إذا ما الداعي لقتل الحارس؟ ولماذا يذهب وحده؟ قبدون ديفي لا يستطيع شيئا اني خائف على أبي أن يكون قد أصابه مكروه. .
في الصحراء وقد إرتفعت الشمس والتابع يقود الملك على جواده وما يزال وجهه وجه هيرود, إذا التابع أوريا ينظر إلى الشمس فتبدل وجهه وعاد كما كان, وكان الملك ينظر إليه من وراءه فتعجب من ذلك وقال له : إذا هو أنت, يالك من عيار ماكر, كيف إستطعت هذا ؟ فنظر التابع خلفه إليه بوجهه وابتسم إبتسامه غرور ومضى به .
في المعسكر قال هيرود للجماعة : يجب أن نذهب ونلحق به, لابد وأنه أخذه إلى مملكته. فقال الوزير لوذا لقد فقدنا البارحة عددا أخر من الجنود, ولم يبقى معنا الا القليل, ولن نلحق به وهو يتقدمنا, عندها سنقتل جميعا من قبل جنود مملكة (ثيتا). فغضب هيرود وقال : إذا هل نجلس هكذا دونما حراك ؟ أيها الشيخ لا بد أن نفعل شيئا. فقال الشيخ : إطمأن لن نترك أباك, على الأقل إن لم يكن من أجله فمن أجل ديفي, فحيات ديفي مرهونة بحياته. وتوجه الشيخ إلى كبير الجند وقال له : كم من الوقت تقدر حتى تصل نجدة الملك شمشون ؟ فقال هيرود : وهل سننتظر وصولهم؟ قد يستغرق ذلك أيام, عندها يكون قد فات الاوان, وما أدرانا أنهم قادمون. فقال الشيخ : أناهيد الذي أرسلته لطلب النجدة لم يعد, مما يعني أنه تأخر معهم وهم قادمون يرشدهم إلينا. ثم توجه الشيخ لبرجيس قائلا : برجيس إذهب من فورك مسرعا فتفقد النجدة القادمة من قبل مملكة (جاما). فقال برجيس: حاضر يا سيدي. واختفى ونظر الشيخ إلى هيرود الجزع وقال له : لا عليك إهدا, سيظهر الملك ولم يمسه سؤ. ذهب هيرود مغاضبا وأخذ بسرج حصانه ألأبيض وحضر عدته يساعده في ذلك شهلون. وذهب الشيخ إلى مكانه تحت تلك الشجرة ومعه روث وديفي وهرمس و كيوان وبهرام. ثم رجع إليه هيرود وهو يقود جواده حتى وصل عندهم وقال وهو يشير إلى الجن : الا يستطيع أحد هؤلاء أن يأتي به أو أن يعرف مكانه؟ فقال الشيخ : إنهم لا يعلمون أكثر مما نعلم نحن, الجن لا تعلم الغيب, ولسنا متأكدين من أنه قد ذهب إلى مملكة (ثيتا), وإن فعل فقد يكون في أي مكان في الصحراء. فقال هيرود : إذا أرسلهم للبحث عنه. فقال الشيخ: لا يستطيعون الذهاب هكذا, لابد لهم أن يعلموا إلى أين يذهبون, مثل برجيس أو أناهيد أرسلناهما إلى مملكة شمشون وهما يعلمان الطريق, وإلا لن يصلا, متى تفهمون هذا. فزمجر هيرود غضبانا وبرهت البرهته القوية واراد امتطاء حصانه فنهضت إليه روث حيث كانت تجلس بجانب الشيخ وقالت له : هل هكذا يتصرف القادة عند الشدائد. فقال لها زاجرا بغضب : بالطبع وما يهمك, ستفرحين إذا ما قتل أبي أو أصابه سؤ. وامتطى هيرود فرسه وأطلقها مسرعا بإتجاه الرمال تاركا روث هناك تنظر إليه خائبة من إقناعه بالعدول والتريث. وبعد فترة هبط عليهم برجيس وقال للشيخ : إنهم على مسافة ثلاثة أيام, جموع وحشود غفيرة يقودهم أخي أناهيد وفي مقدمتهم الملك شمشون, حضرمعهم. فقال سموطان : إذا لعله كان محقا هيرود في تصرفه الارعن ذاك.
في وسط الصحراء الرملية كان التابع أوريا والملك أجمنون يسيران. فإذا الملك يقول للتابع: إذا حدثني ما أنت من الملك سايروس ؟ فقال التابع : أنا كبير مستشاريه. والتفت أوريا إلى وراءه محدثا الملك وهو مربوط على فرسه وقال: وكما ترى, صاحب المهمات المستحيلة. فقال الملك : أهنأ مليكك بك, فلا يقدر على ما فعلت إلا ذو قلب ميت, وداهية الدواهي. وإذ هما يتحدثان فإذا هما الإثنان يرتفعان في الفضاء, وقاما بالصراخ, ونظر كل منهما إلى من فوقه فإذا كل منهما فوقه يد كبيرة ضخمة ممسكه به من قفاه, فإذا هو مارد عملاق قد إختطفهما من على جواديهما وطاربهما في الجو. فقال أوريا إلى من فوقه : أنت من أين أتيت لنا, ومن الذي رماك علينا ؟ فقال المارد وهو طائر بهما : إخرس, أنا طالب الملك هذا الذي معك, ولما رأيتك حامله قلت آخذ الإثنين, وأنا يقال لي جلجلان, خادم الكاهن حنباثا صاحب صومعة( دلتا) عابد النار, و قد أرسلني أحضر له الملك أجمنون هذا لإنه بلغه أمر خروجه إليه, وأمرني بإحضاره, فقلت له : أنا أعلم أن حوله حكماء الجان وأخاف أن يهلكوني. فقال لي : إن إنسيا سرقه من خيمته واتجه به إلى مملكة (ثيتا) فأتني به. فقال أوريا : قال لك آتني به أوبالذي سرقه؟ قال العفريت جلجلان : يا أخ الإنس ما فهمت طلبه, فقلت أخذ الإثنين فإن شاء يطلقكما وإن شاء يهلككما.
هناك في الصحراء القاحلة يبدوا فارسا على فرس بيضاء يمشي ببطأ وقد أسدل بطنه ورأسه على عنق جواده تحت الشمس الحارقة, إنه هيرود وقد أعيته الصحراء ولهيبها المحرق, واشتد عليه العطش فلقد خرج مسرعا دونما ماء ولا زاد, وبعد بضع خطوات توقف الحصان إذ سقط من عليه هيرود على الرمال الملتهبة, وحاول جاهدا النهوض وقد تقطعت شفتاه اليابسة, وحاول النهوض بصرخه قويه أجفلت الحصان ففر بعيدا عنه, ثم استجمع قواه وبدأبالمسير لبضعة أمتار ثم سقط مرة أخرى, وإذ هو في الرمال مستلقي على ظهره أخذته ذكرياته إلى أيام طفولته, وكيف كان أبوه سعيدا به وكيف كان دائم الاهتمام به ولا يرفض له طلبا ويقدمه على جميع إخوته في كل شيئ, ويأخذه دون سواه في كل مجالسه ويقدمه في المجالس على الجميع ودائم الافتخار به وبأعماله حتى الصغيرة التافهة منها, وإذا هو كذلك سمع صوت, فتميزت أذناه الصوت, ومن شدة العطش والتعب لم يعلم ما هو, ففتح عيناه فإذا هي سحابة صغيرة فوق رأسه تظله من السماء, ولكنها سحابه تتحرك حركه عجيبة فقد كانت تروح وتجئ, وتدور وتعلو وتنخفض, ففتح عيناه أوسع ما استطاع, فإذا تلك السحابة ما هي إلا سرب من الطيور. عندها أحييت تلك النظرة في نفسه الرغبة في الحياة. فمعنى ذلك أن تلك الطيور ترعي في مكان قريب, ولابد أن يكون به ماء, وسرعان ما فقد الأمل مرة أخرى واسترخي من جديد على الرمل مستسلماً كلياً عندما كادت أطرافة أن تنشط, وذلك لإنه تذكر تلك الصحراء القاطعة لكل أمل التي مربها, فكيف تكون بها حياة؟ ومن جديد استجمع جسمة وارتكز على ركبتيه ناظراً لبعيد, فإذا هو منخفض في الرمل ليس ببعيد, فظن أنه السراب حتى أراد أن يهوي إلى الرمل مرة أخرى إلا أنه في أخر طرفة عينه عند نزوله إلى الرمل لمح حركه في أعلى ذلك المنخفض, فإذا هي طيور تهوي بداخلة تارة وتارة ترتفع وكأنها تقع على شيء ما هناك, عندها استبشر الأمير وحاول جاهداً الوصول إلى طرف ذلك المنخفض وكأنة إستمد العافية والقوة من الأمل, وعند وصوله أعلى ذلك المنخفض شاهد واحة عجيبة مليئة بالأشجار والطيور تربع فيها الأرانب البرية, فدعك عينيه اللتان كذبهما, فإذا خرير الماء يصل إلى مسمع أذنيه مصدقاً عينيه, عندها ركض مهرولأ إلى ذلك النبع وسقط فيه يغتسل و يشرب طرباً ناظرا إلى ما حوله مستمتعا باللون الأخضر الذي لم يعرف من قبل أهميته, ولم يعرف له ذلك القدر من الشوق والجمال, وأخذ يغرف الماء على رأسه ويدعك به صدره ووجهة ويطشطش به في كل جهة بكفه, وإذا به يسكن حيث سمع صوت طرطشة الماء آتيه من أسفل الينبوع, مع أصوات صراخ إمرأة, فإذا ينقشع بين الأشجار ثلاثة فرسان يعدون في الينبوع بخيولهم وراء امرأة شابة, وقد أقبلت تركض ناحيته, فعلم أنها في ورطة فغلبت عليه الفروسية, وناداه واجب الشجعان ونبل الأصل, حتى وصلت إليه ارتمت بين يديه من التعب, فأقصاها وراءه وأراد أحد الفرسان ضربه بالسيف وكان قد فقد كل ما معه في الصحراء, فاستناوله الأمير من يده وألقاه على الينبوع وهو ما يزال ممسكا باليد التي بها السيف بيساره وبادره يضربه قوية من يمينه على عنقه أفقدته وعيه, وأخذ منه سيفه وأغمده في بطنه, ثم أغمده في صاحبيه فلم يأخذ فيهم وهلة حتى ضرحهم بدمائهم على الغدير, ثم التفت الأمير إلى الشابة فإذا هي ما زالت مذعورة, تظن الشر في مراد الأمير, وعندما تقدم إليها بخطوة واحدة, زحفت إلى الوراء حيث كانت مستلقية على الغدير محركة حصى الغدير تحت قدميها, عندها توقف الأمير مكانه والسيف مايزال بيده يقطر دماً وهي تنظر إليه وإلى تلك الدماء المتساقطة, وظنت أنه واقع بها لا محالة, فقد كان ينظر إلى جمال رجليها على الماء وهي لاتلبس إلا ملابس رقيقة بالية قصيرة من قطعة واحدة بمشد في وسط بطنها, وقد أظهر بلل الماء محاسن فحواها, وإذ هو مبهور بها يتأملها من طولها وعرضها أمسكت الفتاة بشيء من الحصى من تحتها ورفعت الحصاة في يدها إلى عند صدرها ناظرة إليه نظرة القطة الشرسة, وما فتأ صدرها يرتفع تنسماً زهيقاً وشهيقا ً من تلك المطاردة المميتة إلى مرت بها مما زاد جمال صدرها وكان بريد المحبة إلى قلب الأمير, فهدأت عيناه, وارتخى جسم المقاتل, وأطلق انقباض شفتيه, وذهب ليجلس على ضفة الغدير الذي لم يكن إلا خمس خطوات أمامه فغرز سيفه في الرمل. هدأت الشابة لما رأت من تراجع هذا الشاب الصنديد, فوقفت ولكن مازالت الحصاة بيدها وسارت بخطا حذره إلى حيث يسير الماء ومن حيث أتت هاربة. وفجأة سمعت من خلفها ووقفت : ما إسمك أيتها الفتاة؟ فالتفتت إلى الوراء وقالت وهي متوجسة : هاداساه. ماحكايتك وهؤلاء الرجال. سألها الأمير فردت قائلة: أنقذتني منهم وأعلمتك عن إسمي وقد تعادلنا. فقال الأمير: هل كانوا يطاردونك لأجل هذا ؟ فردت عليه مستنكرة : هذا؟ وماهو هذا ؟ قال: لطفك أو إنكارك للجميل, أو للإثنين معا. ثم تبسم الامير بتلك الإبتسامة التي ألمعت عيني الفتاة لها بالشرر عندما صدرت من ذلك الفم الذي صفت أسنانه صف اللؤلؤ في العقد. فابتسمت وهي ناظرة إليه, فنظرت إلى الأرض حياءً مما شعرت به. فإذا هي تقبض ابتسامتها مرة أخرى وترفع رأسها وتقول : ومن تكون أنت؟ قال: أنا الأمير هيرود إبن الملك أجمنون. فقالت وهي تندفع نحوه بلهفة: إذا صحيحٌ ما سمعت. فوقفت متداركة الموقف وقد أصبحت قريبة منه فتماسكت وقد أمسكت الحصاة بكلتا يديها في منتصف صدرها مثلما الراجي سؤالا ومطلبا. فقال الأمير : وما الذي سمعتية ؟ قلت : لقد سمعت من الجنود الذين يأتون إلى هنا من مدينة الملك سايروس عن خروج الملك أجمنون لمحاربة أهل المملكة, فقد كنا أناو أبي نتتبع أخباركم كل يوم. قال الأمير : أباك ؟ وأين هو ؟ وما بال هؤلاء الفرسان ورائك؟ قال الأمير ذلك وبانت علامات الأسى على الشابة وبدأت بالبكاء فنهض الأمير وحاول أن يواسيها ولكن ما أن لمست أطراف أنامله عضديها حتى جفلت الفتاة إلى يمينه فأنزل يده عن مرامها وقال لها : اجلسي, اجلسي هنا وأخبريني ما بالك تبكين؟ فجلست الشابة على ظفاف الغدير بقرب مجلسه السابق وجلس هو بعدها في مكانة الأول بجانبها وهي مازالت تبكي وتحتضن ذلك الحجر بين نهديها ناكسة رأسها علية وتجشأ بالبكاء. ثم رفعت رأسها لتقول : لقد قتل هؤلاء السفلة جنود الملك سايروس أبي منذ قليل. قالتها الشابة وهي تذرف دموعاً من الحزن. فسألها مباشرةً الأمير : وأين هذه المدينة ؟ إني خرجت في طريقها ولكني لاأرى لها أثراً. قالها الأمير وهو ينظر إلى نواحى الغدير نحو الكثبان الرملية متبصراً أثر المدينة . فقالت هاداساه : هل جأت من طريق الغابات الكثيفة؟ قال : نعم وسلكت الصحراء بطولها فلسعتني شمسها وقطع حلقي عطشها وقد كنت أظن أنها قريبة حتى وصلت إلى هنا بعد أن ظننت أني هالك في هذه الصحراء الواسعة. قالت هادا ساه: لابد وأنك قد إنحرفت يساراً في الصحراء لتصل إلى هنا, من حيث جأت من الغابات الكثيفة يجب أن تسلك طريقاً مستقيما في الصحراء لتصل إلى المدينة . وأشارت هاداساه بيدها اليمنى باتجاه مصب الغدير إلى أعالي ضفافه أخرما يظهر منه بانحداره وهي تقول : إنها هناك ليست ببعيدة من هنا.
ساد الصمت بينهما بعد تلك العبارة من هاداساه للحظات. وبادرها الأمير بالسؤال : إذا ما الذي أتا بك وأبوك إلى هذا المكان مع هؤلاء الجند ؟ قالها الأمير وقد أعاد إليها الحزن عند تذكر أبيها فقالت: لم نأتي إلى هنا, نحن نعيش هنا. فقال الأمير : من أنتم ؟ قالت : أناوأبي فقط نعيش على ضفاف هذا الغدير من يوم أن وعيت على الدنيا, وقد كانت أمي تعيش معنا, ولكنها ماتت منذ بضع سنين, أبي وأمي كانا مصابين بمرض الجذام, وقد طردا من المدينة فجاؤا بي للعيش هنا بعيداً عن قومنا الذين أساؤا معاملتنا. قالت ذلك وبدأت بالبكاء مرة أخرى وقد رمت بالحصاه إلى الغدير ووضعت كفيها على وجهها وظمت به بين ركبتيها تبكي. فمد الأمير يده إلى شعر رأسها يهدأها ثم قال : ما قصة هؤلاء الجنود الثلاثة ؟ رفعت هاداساه رأسها وأجابت : لقدإعتاد أن يكون هناك كل يوم ثلاثة من الجنود بالنهار وغيرهم بالمساء يحرسون المكان عند نهاية الغدير بأمر الملك سايروس, أو بالأصح بتدبير من إبنه الساحر الجبار البغيظ , الذي يسيطر على حكم المدينة من دون أمر الملك أبيه الضعيف, إنه متغطرس شخص غير محبوب, لايحبه أحد من سكان المدينة, ظالم فاجر. سكتت الشابه لهنيهة وهي تنظر إالى الغديرثم إستطردت قائلة : وقد اعتادهؤلاء الجنود عند مجيئ نوبه حراستهم أن يضايقونا ويتحرشون بنا واليوم....ثم أخذت بالبكاء من جديد ووضعت رأسها بين ركبتيها تبكي, ورفعت رأسها والدموع تنهمر منها وقالت بصوت مخنوق : واليوم تصدى لهم أبي ونهرهم لكثرة تحرشهم بي فاغتالوه بسيوفهم وأرادوا بي السؤ فهربت منهم إلى أن لقيتنا. وضع الأمير يده عى ظهرها وراحت هي تتأمل الغدير وأعادت شريط الاحداث وتلك المشاهد ثم سألها : ماذا كان يحرس هؤلاء الجنود؟ فقالت : كانوا يحرسون آخر هذا الغدير هل ترى هذه المياه كلها ؟ إنها تذهب إلى جوف حفرة هناك في آخره, وتنتهي هذه المياه من تحت الرمال إلى تحت المدينة, لقد بنا الملك سايروس بأحسن الصناع المهرة أرضية المدينة كلها طبقة واحدة, وهذا الماء كله يذهب إلى هناك فيرفع المدينة فوق الرمال, وفي وسط المدينة فتحة لهذه المياه تمتد منها قناة بطول المدينة إلى آخر جدارها لتخرج المياه منها إلى خارج المدينة من الجهة الأخرى, أي أن المدينة تقع في معبر هذا الغدير, وبهذا يستطيع سكانها إستعمال الماء من تلك القناة... وقاطعها الأمير قائلا : وما فائدة أن ترفع المياه المدينة ؟ لما لم يبني مدينتة فوق الرمال الثابته ؟ عندها قامت هاداساه وواجهت الأمير حيث يجلس وقالت : هذا سر لا يعرفه الكثير من سكان المدينة. فوضع الأمير كوع يده على ركبته وأسند بأصابعه على ذقنه وقال : وكيف ذلك ؟ قالت : نعم إني إخبرك, إذاهاجم أحد ما المدنية فإنهم يشعلون نارا فيراها من يكون هنا من الحرس.. ثم توقفت الفتاة مذعورة وقالت : الحرس .... سيحين قريبا نوبه حرس الليل إذا كنا سنرحل عن هنا فعلينا الإسراع قبل وصولهم فلا يجدون أصحابهم. قالت هاداساه ذلك وهي ممسكة بيدي الأمير وتشده لتحمله على الوقوف من جلسته. وعندما رأى الأمير مشقتها وهي تحاول ذلك وقف قائلا : أنا ذاهب إلى المدينة ؟ عندها فتحت الشابة هاداساه عينيها الواسعتين مذهولة وقالت : المدينة ؟ قال : نعم لقد إختطفوا أبي الملك أجمنون ولابد أن أتبعه . قالت هاداساه : لا إن أبيك ليس في المدينة. فتفأجا الأمير ودهش مما سمع وقال : هل أنت متأكدة ؟ قالت: نعم, فإن الأخبار تأتينا إلى هنا كل يوم مرتين عن كل ما يحدث هناك, أنا متأكدة هيا علينا الإسراع, أمسك بهذين الجوادين. وقد كان هناك جوادين من جبياد أولائك الجنود الذين قتلهم يرعيان في الجوار, فأخذ الأمير الجوادين ومرا على ضفاف الغدير إلى حيث مسكن الفتاة.
وصل المارد جلجلان إلى وادي كبيروبجانبه جبل عظيم معانقا للوادي, وفي أعلاه صومعه, فدخل المارد حتى وضع الإثنين الملك أجمنون ورسول الملك سايروس قدام الكاهن حنباثا, فسجد التابع أوريا للملك حنباثا حيث كان يجلس على كرسي أمام شرفة كبيرة من خلفه في تلك الغرفة الخاوية, والتي أرضيتها من رأس الجبل, وبجانب أوريا الملك أجمنون مكتوفا ينظر إلى الملك الكهين حنباثا فقال أوريا : تحياتي للملك حنباثا العظيم, كاهن الكهان. ولكن الكهين لم يعره إنتباها وكان ينظر إلى الملك أجمنون وقال له : هل أنت من سيقضي على ملكي؟ أنت يا هذا تأخذ مني مفتاح ملكي؟ سترى عما قليل ما أفعل بك. فأمر الأرض وهو يشير إليها بيده وقال إقبضيهم ياأرض.. وقاطعه أوريا و قال فزعا : وأنا ما ذنبي؟ لما قبضت علي؟ فالتفت الكهين إلى التابع وقال له : من أنت ؟ قال أوريا : أنا رجل عيار, ولص محتال, من أتباع الملك سايروس, ملك مملكة (ثيتا) وقد أرسلني أسرق له هذا الملك, فتحايلت عليه وسرقته وحملته وسرت به قاصدا إلى سيدي ومولاي حتى أسلمه إياه, فما أشعر إلا وهذا المارد إختطفنا وأتى بنا إلى هذا المكان, فالصواب أن تطلقني, وأنا أسير إلى سيدي سايروس أعلمه بما فعلت بالملك أجمنون, فقال الكاهن حنباثا : لا خلاص لك مني. فقال التابع : أنا والملك سايروس نعبد النار مثلك, وهو خصم لهذا الملك. عندها قال الكاهن حنباثا : حسنا إذهب وأحضره معك إلي لنتشفى أنا وهو من خصمنا هذا. وقال الكاهن حنباثا وهو يشير بيده إلى الارض تحت الملك أجمنون: بغقان واحد فرد ياأرض ضميه. فبلعت أرضية الغرفة الملك أجمنون إلى صدره وضيقت عليه مما آلمه قبض الأرض عليه. والتابع زحف عنه بعيدا خائفا وهو ينظر إلى الملك أجمنون وهو محشور في الأرض. ثم توجه حنباثا بنظره إلى التابع وقال له : لماذا مازلت هنا؟ هل تريد أن تلقى نفس مصيره ؟ إذهب وارجعا معا. فتقدم أوريا من الشرفة الكبيرة وراء كرسي الكاهن حنباثا ونظر منها إلى سفح الجبل وقال : ولكن يا مولاي كيف لي أن أنزل من هنا؟ ثم إني قد فقدت خيلي عندما إختطفنا المارد. حينها قال الكاهن : يا جلجلان . فظهر المارد من الخارج إلى داخل الغرفة, لا يلبس شيئا سول بنطال قصير ضيق, يمتد إلى أبعد من ركبته بقليل, ففرع منه التابع أوريا وقال الكاهن للمارد : خذ هذا الصعلوك إلى مملكة الملك سايروس, وانتظره حتى تعود به وبملكه إلى هنا. فقال المارد جلجلان وهو يحني رأسه : الطاعة يامولاي : فأخذ التابع من قفاه وطاربة .
وصل هيرود وهاداساه إلى كوخ صغير على ضفة الغديروأخذا ما يحتاجان إليه من الأغراض على عجل, وملآ ما يستطيعان ملئه من مياه الغدير وكمية لآ بأس بها من الطعام, ثم إلتفتت هاداساه إلى أبيها المغدور و اتجهت نحوه وجلست عنده تبكيه وهي تنظر إلى ما حولها من أماكن لهو طفولتها وترعرع شبابها وهي تذرفه بدموع قلبها, وقد كان الأمير خلفها ممسكا بالجوادين وهو ينادي عليها بالاسراع وقد ركبت عليه الهموم وزادت عند رؤيته الشابة تبكي أباها فتذكر الأمير مصير أباه المجهول. ثم ركبا حصانيهما وانطلقا بهما إلى حيث الغابة الكثيفة بإتجاه معسكر الملك آجمنون وحيث الشمس تغيب من أمامهم خلف الرمال وهما يسيران ويتجاذبان أطراف الحديث .
أخذ المارد جلجلان يطير بالتابع حتى رأو مدينة (ثيتا) فقال التابع أوريا : أنزلني على مسافة من المدينة حتى لا يخافك أهلها ويرفض سيدي الذهاب معي إلى سيدك. فأنزله المارد على مسافة قريبة في الرمال وقال له التابع : إنتظرني هنا لبعض الوقت حتى نخرج إليك, وذهب وانصرف عنه ودخل أبواب المدينة وقبّل الأرض تحت أقدام سيده.
أما هيرود وهاداساه فقد توقفا لبعض الوقت وجلسا يأكلان بعض الطعام ويتجاذبان أطراف الحديث فقالت له : هل أنت متزوج ؟ فقال الأمير وهو يبتسم خجلا: لا ليس بعد. فقالت : ألا توجد أميرات جميلات في مملكتكم ؟ فقال: بلى ولكني ما زلت صغيرا على الزواج. فقالت باستغراب: صغيرا على الزواج ولست صغيرا على صرع الرجال .

قال الملك سايروس لتابعة : حسنا نذهب إليه ولكن هل أنت واثق أنه لن يمسني سؤ منه ؟ قال أوريا : إنه عدو عدوك كما أنه يعبد النار مثلنا و ليس له جيشا ولا عددا ولا أحد. قال سايروس: حسنا إذا. ولبس عدة الحرب والجلاد وركب على جواد من الخيل وقال للتابع: أنت تعرف هذا الكهين في أي أرض مقيم؟ فقال أوريا: ما أعرف إسم الأرض وإنما هو في صومعه على جبل عال مسيرة نصف يوم فقط. فقال الملك : هل ينبغي الأمر أن نأخذ معنا العساكر والجند ؟ فقال أوريا : يا مولاي ما أنت سائر لحرب ولا لقتال إنما أنت ذاهب إلى خصمك وهو في يدخصمه تتفرج عليه حتى يقتله و ينزل به النكال وتعود أنت إلى مملكتك في الحال. فقال الملك سايروس : صدقت صدقت فسر بنا على بركة النار وما فيها من الأسرار. فخرج الملك وتابعه من أبواب المدينة وبعد مسافة قاده التابع إلى حيث ينتظره المارد, فلما رآه الملك فزع منه فطمأنه التابع وقال له : يا مولاي إن ذلك الجبل لا مدخل ولا طريق فيه إلى الصومعه, فالملك حنباثا من لطفه أرسل لنا هذه السفينة الجوية السريعة والبسيطة. عندها أشار التابع للمارد بالقدوم فطار المارد واختطفهما إلى الجو وسار بهما إلى أن بأن لهم صومعة عالية على رابية فوق سن جبل شاهق فقال التابع أوريا : أيها الملك هذه هي الصومعة التي فيها الكاهن الذي نحن سائرون إليه, وإن الملك أجمنون الذي أنت طالبه هو عنده في أليم العذاب يعاقبه عقابا شديدا. فلما سمع الملك سايروس ذلك سر سرورا عظيما. وألقاهما المارد بين يدي الكاهن وهو على كرسيه فقبلوا الأرض بين يديه فرحب بهم وأكرمهم وسأل الملك عن دينه فقال له أنه يعبد النار. ونظر الملك سايروس إلى الملك أجمنون وهو مشبوح في الأرض ففرح غاية الفرح واتسع صدره من ذلك وانشرح. ثم طلب الكاهن كرسيا فأتا به المارد جلجلان ووضعه على يمين الكاهن حنباثا. ورحب حنباثا بالملك سايروس ودعاه للجلوس للفرجة, ثم طلب حنباثا طعاما وشرابا فأحضر جلجلان صينية كبيرة بها أنواع الطعام والشراب ووضعها أمامهما. فقعدوا يأكلون الطعام ويرمون على الملك أجمنون العظام والفضلات, والملك أجمنون صابر. وشربوا الخمر من الكؤوس ويصبون على الملك أجمنون فاضل الكاسات .


في معسكر الملك أجمنون جلس الجميع حول الشيخ والصبية معهم على حالهم يتربصون بمن ينام. والشيخ سموطان يحاول إيقاظهم وقد أوقدوا نارا وسطهم. فقام الشيخ إلى خيمته وجلس هرمس بين ديفي وروث ووقف الإخوة كيوان وبهرام وبرجيس خلف هرمس وبعض الجند تحلقوا هناك فقالت روث : هل تراه يلحق بأبيه؟ فقال شهلون : أرجو ذلك. عندها قال هرمس : سأسليكم بقصة جميلة. فنظر الأخوة من فوقه إلى بعضهم البعض استغرابا من كلام أخيهم الأوسط هرمس. وتشجعت الأطفال وانتبهوا واعتدلوا لسماع القصة . فقال هرمس : لقد كان يعيش في بلدة من البلدان صديقان, وارادا السفر بحثا عن الرزق, وأخذ كل منهما زاده وشرابه, وفي الطريق إذ هما معا قال أريم لصاحبه : لما لا نأكل ماعندك من طعام وشراب أولا ونبقي ما عندي للآخر؟ .فقال تميم : حسنا, أنت بمثابة أخي, كما أننا رفيقا درب ويجب أن نتعاضد. فأخذ أريم يأكل ويشرب من زاد تميم كلما توقفا للراحة, حتى نفذ طعام تميم وفضيت قربته من الماء, فجلسا للراحة وأخرج أريم طعامه وشرابه وجلس يأكل وحده, فلما إقترب منه تميم ليأكل معه منعه, فقال له تميم : لقد كان اتفاقا بيننا يا صاحبي, ولقد أكلت وشربت مما معي حتى خلص, فلو كنت آكل وأشرب وحدي من متاعي لكان ما يزال متوفرا لي الآن. فضحك أريم قائلا : ذلك شأنك, فلقد كان ذلك بموافقتك لم أغصب عليك شيئا, والآن تريد أن تأكل من طعامي غصبا عني. فقال له تميم : لالا يا أخي ليس بغصبا عنك ولكن إذا ما سمحت لي؟ فقال له أريم : تدفع المال ثمنا لأكلك وشرابك إذا. فقال تميم مندهشا منه ومستسلما: أدفع.. أدفع. واضطر تميم أن يدفع المال لآريم ثمن كل وجبة يأكلها ولكل شربه ماء يشربها حتى نفذت أموال تميم القليلة التي جمعها للسفر. وعندما اراد أن يأكل لم يجد ما يدفعه لأريم فقال : لم يبقى معي شيئ أدفعه لك, ونحن في مكان قفر لا طعام ولا شراب, أدفع لك عندما أجد عملا حيث سنذهب. فلم يوافق أريم على طلبه ولم يعطه شيئا من الطعام. واشتد الجوع والعطش بتميم وكاد أن يهلك فقال له أريم: إذا أردت بعض الطعام والشراب أعطيك. ففرح تميم وتأمل خيرا في أريم ولكن أريم قال له : ولكن أفقع احدى عينيك مقابل الزاد الذي أعطيك. فاندهش تميم من قسوة صاحبه ومن عرضه الذي لا يستفيد منه شيئا, ولكن مع إلحاح الجوع والعطش وخوف الموت الذي أعجزه حتى عن المشي وافق تميم مغلوبا على أمره, ففقدان عين واحدة خير من فقدان حياته كلها. ففقع أريم له عينه وأعطاه بعض الطعام والشراب فأكلا وشربا ثم سارا مرة أخرى في طريقهما مسافة بعيدة. وأرادا الأكل مرة أخرى. فقرب تميم من أريم ليأكل فنهره أريم ولم يسمح له فقال تميم : لقد أخذت عيني مقابله. فقال أريم : نعم وقد أكلت وشربت بها. فقال تميم: ولكنها عيني يا رجل. فقال أريم : نعم, وتدفع العين الأخرى مقابل سد جوعك هذه المرة أيضا. فقال تميم : وكيف سأتمكن من رؤية طريقي في هذه القفار ؟ فقال له أريم : لا بأس, أنا اقودك حيث نذهب. فوافق تميم بلا حول ولا قوة مستسلما لقضاء الله. ففقع له عينه الأخرى وأكلا وشربا ثم مضى يقوده في الطريق ولكن لمسافة قصيره فقط, بعدها ترك يده ومضى عنه, فصاح تميم به قائلا : أريم أين أنت يا صديقي؟ أتتركني هنا و حدي يا أخي؟ فضحك أريم وهو يبتعد عنه قائلا : لا تخف إن الله معك, أم أنا فالطعام والشراب معي, وأنت تبطأ سيري. ومضى أريم عنه في طريقه. فأخذ تميم المسكين يمشي ويسقط متعثرا, ثم ينهض يتلمس طريقه حتى إصطدم بشجرة فتسلقها خوفا من الحيوانات الضارية. وجلس فوقها داعيا منتظرا الفرج وعدل الله القاضي العادل. وكانت تلك الشجرة مكانا مفضلا لدى الجن , يتناولون عشاءهم عندها كل ليلة, وقد دخل على تميم الليل فحضر الجان تحت تلك الشجرة بقدورهم وأغراضهم وأحدثوا ضجة, فسبط تميم في مكانه لا يتحرك, فوضع ثلاثة من الجان قدرهم تحت الشجرة مباشرة ومن حولهم الجان يتسامرون, فقال أحد هؤلاء الثلاثة الذين تحت الشجرة متفاخرا بعلمه : أتريان هذه الصخرة التي أجلس عليها ؟ فقال صاحبيه : نعم نراها. فقال : في هذه القفار اليابسه بني البشر يطوفونها عطشى ولا يعلمون أن بها المياه متوفرة بكثرة. فقالا له : وكيف ذلك ؟ فقال : تحت هذه الصخرة التي أجلس عليها إذا ما حفر أحدهم مسافة ذراع يجد الماء غزيرا لا نهاية له. وقال أحد أصحابه وأراد أن يظهر علمه عليه : أمرالماء شيئ هين متوفر ويمكن أن يحمله الإنسان معه أينما ذهب. فقام الجني الثالث ليرى ما في القدر الكبير من الطعام ويتأكد من نضجه ويقلبه وقد أو قدوا نارا تحته. ثم أكمل الجني الثاني قوله قائلا : أما ما لا يمكن لبني البشر أن يعلموه هو هذه الشجرة التي نحن تحتها. فدق قلب تميم بسرعة خوفا من أن يروه ويكتشفوه. ثم أكمل الرجل الثاني قائلا : إذا ما أخذت من أوراقها وفركتها في يديك ثم وضعتها على عين الأعمى رد له بصره ولو كان أعمى منذ خمسين سنه بقدرة الله القدير على كل شئ, فإن تلك الخاصية موجودة في هذه الشجرة التي لا يعيرها أحد أي إهتمام. فقال الجني الثالث الذي يتفقد الطعام بالقدر وقد أراد أن يزيد على صاحبيه: وهذا أيضا سهل,ا فإن من الأدوية أنواع كثيرة من يحمل تلك الخاصية وليست هذه الشجرة وحدها تفعل ذلك. أترون أسفل هذه الشجرة ؟ وأشار بيده إلى تحت الشجرة قائلا : إذا ما حفرتم تحت جذعها مسافة تجدون كنزا عظيما كانت قافلة متوقفة هنا منذ مئات السنين, وعندما رأوا اللصوص قادمين إليهم دفن صاحب القافلة أمواله من ذهب وجواهر ونقود فضية تحتها ظانا أن اللصوص عندما يأخذون ما يجدون ويرحلون يستخرجها بعد ذهابهم, ولكن اللصوص عندما لم يجدوا شيئا ثمينا يأخذوه قتلوا كل من بالقافلة إنتقاما ومضوا في حال سبيلهم. ثم نضج الطعام وبدأ الجن الثلاثه بالأكل فأكلوا وشربوا ورمسوا وضحكوا حتى منتصف الليل. وتميم في مكانه صابر لم يتحرك. ثم نام الجان هناك حتى قبيل الصبح ثم إختفوا. وعندما أحس تميم باشعة الشمس أخذ بعض أوراق الشجرة وفركها بكفه ثم وضعها على عينيه فرد الله له بصره ففرح برؤيه الدنيا مرة أخرى أيما فرح, ثم نزل من على الشجرة فرأى الصخرة التي كان يتحدث عنها الجني فحفر تحتها مسافة ذراع فوجد الماء هناك غزيرا فشرب حتى إرتوا, ثم ذهب إلى تحت الشجرة وحفر حفرة تحتها حتى وجد الكنز في صندوق قديم قد أكلت الرمة بعض أجزائه فأخذه. وبعد سنين طويلة رجع أريم من تلك الطريق فتفاجأ بوجود مدينة كبيرة ذات بنايات وبساتين وأسواق وبها قصر عظيم كبير, وهذا كله ليس بعيدا من تلك الشجرة الوحيدة. فدخل أريم الاسواق وسأل عن ذلك. حيث لم تكن تلك المدينة هناك في الماضي. فأرشدوه الى القصر الكبير الذي بوسط المدينة وقالوا له : ذلك هو من بنى هذا المكان, وقد بناه في البدأ إستراحة للقوافل حتى كبرت كما ترى, وهو سلطان على هذه المدينة, وهو رجل متواضع كريم محسن للناس. ففرح أريم بهذه المعلومه وقرر الذهاب لطلب المساعدة من السلطان فدخل عليه حتى جلس بين يديه ولم يعرفا بعضهما البعض. وها يتحدثان قص تميم لآريم قصته بالكامل فعرفه أريم ولكن تميم لم يعرفه بعد تلك السنين الطويلة فقال أريم: هل لك أن تسديني خدمة أيها السلطان الكريم؟ فقال له تميم : تمنى علي بأي شيئ, هل تريد بعض المال؟ فقال له أريم : لا, وإنما أريد منك أن تفقع لي عيناي الإثنتين وتضعني أمام تلك الشجرة فقط هذا ما أريد منك. فاستغرب لأمره تميم. ومع إلحاحه ومحاولة تميم إرضائه بالمال والجواهر ولكنه أصر على طلبه. فنفذ له طلبه ووضعه عند تلك الشجرة مفقوع العينين. فصعد متسلقا الشجرة وجلس أريم فوقها ينتظر. وبالليل حضر الجان مجلسهم وجلسوا يتسامرون ويأكلون وقد بنيت بجانب الشجرة بئر بناها تميم لما حفر هناك أول مرة فوجد الماء فبناها للقوافل والدواب. فتكلم أحد أولائك الجان قائلا : هذه البئر وقد حفرها بني البشر, وقد كنت تقول أنه لا يعلم أحد بوجود الماء الغزير هنا. فقال الأخر : لست بأحسن حال مني فقد إستخرج بني البشر كنزهم الذي كنت تتفاخر بمعرفتك وحدك عن مكانه. ثم سكتت الجان وقاموا يتحدثون بأشياء أخرى ويضحكون وأريم يستمع لهم فلم يقولوا شيئا يستفيد منه. فصرخ عليهم من فوق قائلا بقوة : والمال, الكنز, أين خبيء الكنز؟ عندها رفع الجن بصرهم إلى فوق الشجرة فرأوه, فتطايرت الجن عليه كالزنابير وتناهشته هناك فوق وهو يصيح ويستغيث....
قاطع شهلون قصة هرمس قائلا : نعم , نعم أنا أعرف تلك السلطنة. فنظر الجميع إلى شهلون مندهشين. فنظر إليهم قائلا : ألا تصدقوني ؟ لقد قال لي أبي أن جده الأكبر كان سلطانا من السلاطين على مدينة ما هناك في الصحراء, وأذكر أنه قال شيئا عن كنز أجدادي العظماء. فنظر إليه الجميع مكذبين. فنظر شهلون في وجوههم قائلا : ألا تصدقوني؟ نعم إنه جدي الأكبر أريم هذا إسمه, أريم الكبير. فضحكوا عليه وقهقه الجميع وهو يحاول إقناعهم أنه إبن السلاطين فقالت له روث : إنه تميم السلطان وليس أريم. وتضاحكوا عليه وأخذت الجميع الجدية لما سكت هرمس وإخوته عن الضحك وقام هرمس بكل جدية فنظر الجميع إلى حيث ينظر الجان فإذا شيئ كمثل النور يقع عليهم من السماء وتحط على الأرض مخترقة حلقتهم سيدة وقورة معتدلة القوام جميلة حليبية البشرة ذات هيبة. وحط ورائها أفتاب وماهتاب فتقدمت تمشي نحو هرمس وأفتاب وماهتاب يمشون ورائها وهي تقول : أصبحت تجيد قص الحكايات إذا يا هرمس. فاستنحى هرمس وأطرق رأسه ثم تقدم منها وورائه إخوته فقبل يدها قائلا : مرحبا أمي. وكذلك فعل الأخوة من وراءه بينما فرح هرمس بإخوته أفتاب وماهتاب وهنأهما على السلامة وكذلك فعل الأخوة من وراءه فرحين بلم شملهم مع أمهم. وقد كان الشيخ سموطان يخطوا إليهم فشاهد منها ذلك فوقف برهة ثم تقدم إليها وهي تنظر إليه فخطت نحوه وخطا نحوها فلما تلاقيا أخذ يدها يقبلها قائلا : الملكة دبورة أم ملوك الجان, مرحبا بك, لقد جأتينا في أوقات عصيبة. فنظرت الملكة إلى الأطفال المتشابهين من حيث الملبس من حولها فقال الشيخ : هذه إحدى الصعاب. ثم قالت الملكة دبورة: جند الملك شمشون لن يصلوا إليكم قبل ثلاثة أيام, حيث إنه جيش كبيركثير العتاد. فقامت روث من حيث تجلس من خلف الملكة وهي تنظر إلى لباس الملكة الملكي الفخم فستانا أسودا طويلا مخصر, يتدلا من فوق رأسها إلى كعبي رجليها حجاب أسود يخفي وراءه ظفيرتان طويلتان كبيرتان من شعرها, كل واحد منها ملتويا مشكلا حلقه تصل إلى مقعدتها ثم يرجع طرفه مرة أخرى ويختفي عند بدايته عند رأسها خلف الحجاب, وهما على جوانبها كأنهما جناحا فراشة, ثم شهقت قليلا روث عندما خرجت أطراف ظفيرتاها قليلا من وراء الحجاب من عندرأسها لتنظر إلى روث ثم عادت بسرعة واحتجبتا. فقالت روث : ثم إن الملك أجمنون قد إختفى ولا نعلم ما حل به. فإستدارت الملكة إلى من يتكلم من خلفها بنصفها الفوقي وسموطان أمامها فنظرت روث بإعجاب إلى وجه الملكة الصافي الطويل, وفي شق صدرها جوانب حمراء دموية وقلادة غريبة مدلاة بسلسلة على صدرها. فقالت الملكة وهي تشير بأصابع يدها التي لم تزد خواتهما الثلاثة في أصابعها على جمال أناملها الرقيقة : نعم الملك أجمنون. ثم إستدارت معتدلة إلى سموطان وسارت إلى البركة المسمومة وتبعوها. وقفت الملكة دبورة على ضفة البركة وفتحت كفيها على الماء وحركتهما, فإذا البركة أصبحت مثل الشاشة الكبيرة ووضح فيها طريق إنتهى إلى صومعه الكاهن حنباثا, وبان بداخل الصومعه الملك في الأرض محشور والكاهن حنباثا والملك سايروس وتابعه أوريا بجانبهما والملكان يأكلان ويلقيان الطعام على أجمنون. فقالت الملكة دبورة : إنه الكاهن حنباثا في مملكتة مملكة (دلتا) وقد إحتجز الملك أجمنون معه, وهذا الملك سايروس بجانبه. عندها رجعت البركة على ما كانت عليه فقال سموطان للملكة : وما قصة هؤلاء الصبية أيتها الملكة ؟ ففعلت الملكة مرة أخرى ذلك وهي تنفخ بإتجاه البركه فإنتشر الهواء من فمها على البركة ووضحت في الماء صورة وصفتها لهم قائلة : هذا إبن الملك سايروس الساحر المشعوذ مرقس, في كل سنة يختار ستة من الاولاد الذين بلغوا الحادية عشرة في تلك السنة, ويأتي ليذبحهم هنا على هذه البركة قربانا للمعبد فيعطي الشيطان أرواح تلك الصبية للجنود الذين يذبحونهم, وبذلك لا يمكن لأحد أن يقتل أولائك الجنود, وقد أصبح لديه ستين جنديا بعدد هؤلاء الصبية هنا. حينها إنطفأت الصورة من البركة وأرادت الملكة الكلام مع الشيخ فقاطعتها على حياء روث قائلة : وكذلك الأمير هيرود, تبع بأبيه إلى مملكة (ثيتا). ثم نظرت روث بحزن إلى الملكة التي إلتفتت تسمع منها. فالتفتت الملكة إلى البركة ومدت كفيها وحركتهما فوضحت صورة هيرود وهو مستلقي على الرمال يتحدث إلى فتاة جميلة بثوب واحد قصير وهي تبتسم من كلامه وهما منسجمان مع بعضهما كما إنسجم الظلام من حولهما. فاستدارت روث عندما شاهدت ذلك ومضت ببعض الحزن مما رأت. فقالت الملكة دبورة للشيخ : يجب أن نذهب لإنقاذ الملك أجمنون. فقال الشيخ : أنا أتكفل بذلك. وتكلم الوزير لوذا وقال : بل يجب قتل هذه الصبية أولا , فلسنا في أمان وهم حولنا. فقال الشيخ : هذه خطوة جيدة يا لوذا, لقد بدأت تتدرب على قول الصدق. فإعترضت الملكة وذهبت إلى أحد الصبية وأمسكت بذقنة ونظرت إلى عينيه البريئتان وقالت : ولكنهم ليسوا إلا ضحايا أبرياء. فقال الشيخ : ولكنهم يقتلون من الجنود كل ساعة بل كل لحظة. فقالت الملكة وهي تنظر في عيني الصبي : إن أرواحهم لم تجد طريقها للهدؤ والسكينة, أقل ما نفعله لهم أن نترك أرواحهم تعيش بين هذه الأشجار, وضحكاتهم تسلي الطيور. عندها نظر الشيخ إلى الملكة بإعجاب ونظرت إليه من حيث كانت منحنية إلى ذلك الصبي ممسكة بذقنه ورمقت سموطان بنظرة جانبية قبل أن تعتدل إليه مستديرة قائلة : سنذهب إلى جيش الملك شمشون. فقال الشيخ : وماذا ستفعلون هناك؟ قالت: دع هذا لي, هل ستتكفل بإنقاذ الملك أجمنون؟ فقال الشيخ : دعي هذا لي. حيا الشيخ الملكة تحيه برأسه وطار من ساعته. فتوجهت الملكة إلى هرمس وقالت له : سنذهب أنا واخوتك لتسريع النجدة القادمة من الملك شمشون إبقا هنا واحرس البقية. هز رأسه هرمس بالطاعة وطارت ألأم وطار معها أبنائها أفتاب وماهتاب وبهرام وبرجيس وكيوان.

صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
الفصل الساد س


وإذا بسموطان يدخل عليهم الصومعة مسرع الخطى نحو الملكين حنباثا و سايروس على الكراسي. فنظر سموطان إلى الملك أجمنون وهو بداخل أرض الغرفة وقد أغمي عليه من التعب. وتوجه سموطان بالكلام إلى حنباثا بشدة قائلا : أما تستحي يا خنزير أن تتجرا على ملك الملوك بعلم السحر والأعوان. فنظر إليه حنباثا مغتاظا وأشار بيده إلى الأرض وقال : بغقان واحد فرد يا أرض ضميه فقال الشيخ : لن تضمني أرضك ولا سمائك بل تضمني أرض الله الطاهره وسماءه القاهره التي بغير عمد مرفوعه. فقام حنباثا من كرسيه وقام كذلك سايروس الذي إبتعد إلى الزاوية اليسرى تاركا لهما المجال للنزال. وقد أشتد التحدي بينهما كما لآحظ ذلك الملك وتابعه المتفرجان الوحيدان. فقال حنباثا يعزم : قهريا يا مقهريا يشكوت يا شكوته يا خنجر يا طستل. فرأى حنباثا الشيخ لا يتأثر بما يعزم عليه بل يبتسم وهو يتقدم ناحيته ببطأ. فرجع حنباثا يزحف على وراءه ناحية الزاوية اليمنى وقال: يا شمخا يا شمطيثا يا سلمطيثا يا خيملوثيا والشيخ سموطان يضحك غير مبالي حتى تيقن حنباثا أنه لا يستطيع له حول ولا قوة فقال حنباثا : من أنت؟ ومن أين أتيت وماذا تريد مني ؟ فقال الشيخ : أراك يا كلب إجتهدت في سحرك حتى صرت مثل الجرة الفارغة وأنا صابر عليك لعلك تحترم كها نتك وعلمك, فاعلم أني لا يجوز في أقلام ولا أسماء ولا عزائم ولا أسحار وإذا الشيخ يتقدم ليبطش بحنباثا فإذا يدفعه شيئ كبير ضخم من خلفه إلى جدار الصومعة فيقشعاه ويسقطا من على الجبل. وإذا هو جلجلان المارد فتبادلا اللكمات نزولا من على الجبل والشيخ يحاول الطيران ليرتفع فيدفعه المارد إلى الأسفل بقوة والشيخ يحاول دفعه عنه حتى تمكن الشيخ من قلبه في الآونه الأخيرة فيقع والشيخ يقع فوقه على الأرض فقام عنه الشيخ منهكا والمارد لا يتحرك ممددا, فإلتقط سموطان أنفاسه وأمسك بخاصرته متألما وإذا المارد يلكمه لكمة قوية ترجع سموطان إلى الخلف بقوة فيصطدم ظهره على حجر كبير مسطح, وتبعه المارد حيث أسند الشيخ ظهره على تلك الصخرة من القذفة وأمسك بسموطان من خناقة فلم يستطيع سموطان التنفس فتذكر سموطان ونظر إلى جيبه وأخرج منه كيسا بيده اليمنى وأمسك بيده اليسرى على أنفه فتعجب منه المارد إذ هو مخنوق ثم يمسك بأنفه كيف ذلك؟ وهو لا يعلم ما يخطط له الشيخ فقذف الشيخ بيده اليمنى ذلك الكيس في وجه المارد, والمارد حين ذاك لم يفلت الشيخ ماسكا بخناقه. وكان المارد لا يلبس شيئا سوى بنطال قصير ضيق فضرط المارد ضرطه شديدة نفخت التراب من على الصخور المجاورة لهم من خلفه التي في سفح الجبل وكأنها قذيفة. ولم يبالي المارد بذلك فرفع يده ليدق الشيخ بيده التي كأنها مطرقة ضخمة وإذا بالمارد يضرط عدة ضرطات متتابعة, طلقات كلها تذهب في الصخور بصوت الرعد في ذلك الوادي الصخري, فتوقفت يد المارد في الهواء وانزعج وأمسك بطنه الذي بدأ يتلوى, فإذا هو يبدأ بالضراط المستمر الشديد فترك الشيخ وذهب في الوادي راكضا وهو يضرط الشديد حتى إختفى في آخر منحنيات الوادي بين الصخور. أمسك سموطان خاصرته التي آلمته وبدا وكأن جسمه قد تدقدق. وحنباثا كان يراقبهما من فوق صومعته هو وصاحبه الملك سايروس عند الشرفة, وكان الشيخ شديد الإعياء فطار من فوره إلى الصومعه وبالكاد سحب الملك أجمنون من حفرته وطار به بمشقة شديدة, وما يكادان يصلان المعسكر حتى وقعا أرضا هما الإثنين من الالم والاصابات والتعب. فتدافع الجميع إلى حملهما إلى داخل الخيام وأخذوا بتطبيبهما. أما الملك سايروس فقال للملك حنباثا: لقد أفلت من بين أيدينا. وكان الكاهن حبناثا ينظر من شرفتة مترقبا. ووراءه سايروس ثم وراءه تابعه. فأخذ تابعه يشده من رداءه ليسكت ولكن سايروس تابع تعنيف حنباثا قائلا : كله بسببك وضعف سحرك وقوتك, وقد تغلب عليك ولم تفعل له شيئا, وذلك المارد الغبي الذي أرسلته وراءه وقد هرب كالدجاجة. وهذا كله والتابع يجر برداء سيده سايروس لكي يصمت. فالتفت إليه الكاهن حنباثا وقد إشتد حنقه فدفع بيديه الملك سايروس على صدره دفعة قوية فدفر وراءه تابعه وارتميا أرضا. ثم أمر الأرض وقال : بغقان واحد فرد يا أرض ضميهما. فضمتهم أرض الغرفة وأخذ حنباثا يدور في أرض الغرفة شابكا يديه خلف ظهره يفكر, وكلما مر بالاثنين في الأرض وقف ينظر فيهما ولا ينظر إليهما. بل باله مشغول في شيئ أكبر. والتابع يندب حضه. أما الملك سايروس فكان محشورا أيضا إلى صدره في التراب يسب ويلعن تارة وتارة يستحلف الملك حنباثا بالنار المقدسة. فوقف حنباثا عن سيرة أمامهما ويديه خلف ظهره ينظر فيهما ويفكر في الشيخ. فأدار وجهه بسرعة الى يمينه ناحية الشرفة حيث سمع صوتا. ضرطة قويه أتت من أسفل الجبل ثم إلتفت إلى سايروس عندما علم مصدر ذلك الصوت وقال مشيرا بعينه إلى ناحية الشرفة : إنه جلجلان, يغذي نباتات الوادي بالأسمدة.
كان جموع وجيوش الملك شمشون يسيرون فإذا بهم تنزل عليهم الملكة الام وأبنائها. فخاف الملك شمشون وتحرك جنده فمنعهم أناهيد وتقدم وقبّل يد أمه الملكة باحترام وخلفها أولادها الخمسة وقال أناهيد للملك شمشون: هذه أمنا الملكة دبورة. ثم توجه أناهيد إلى أخويه أفتاب وماهتاب يهنئهم على السلامة وصافح إخوته. فتقدمت الملكة إلى شمشون وقالت : أيها الملك شمشون, نشكرك على تقديم المساعدة, ولكن مساعدتكم ستكون متأخرة حيث أنهم بحاجة إليها الآن. فقال شمشون : هانحن كما ترين نسير حتى في الظلام, ماذا نصنع أكثر من ذلك ؟ وقال بتهكم : نطير . وضحك شمشون وهو ينظر إلى كبير جنده الذي سايره في الضحك فقالت الملكة دبورة : هذا ما ستفعلونه. فاندهش الملك وظن أنها تمازحه حتى قالت له: أحضروا ما إستطعتم من المحابر والأقلام, هل معكم أحد ممن يستيطعون الكتابة ؟ فنظر الملك شمشون إلى كبير جنده محولا السؤال إليه فقال كبير الجند : نعم هناك منهم من يستطيع الكتابة. فقالت الملكة : أحضروا من إستطعتم وكل ما طلبت. فنظر الملك إلى كبير جنده وسمح له بيده فذهب وأحضر مجموعة مما يقرب من خمسة وخمسين جنديا ممن يعرفون الكتابة. وذلك كله والملك والجند لا يعلمون لما كل هذا ؟ فلما أحضروا الاقلام والمحابر عند الملكة وأبنائها الستة قال الملك شمشون للملكة وهو يقف بجانبها: سنحارب بهذه الاقلام ؟ فنظرت إليه الملكة بطرف عينها مستهزأة وقالت: سنكتب على كل ظفر من أظافر ألأيدي حرفا, ونبدأ من ظفر الإبهام الأيمن حتى ننتهي من اليد اليمنى, خمسة حروف بخمسة أصابع, وكذلك نفعل باليد اليسرى, هكذا. وأخذت الملكة يد الملك وكتبت في أظافر أصابع يده اليمنى ت ط ل خ و ثم أخذت يد الملك اليسرى وكتبت بداية بالابهام هذه الأحرف ت ط ل خ و وكبير الجند يشاهدها, ثم قالت دع الجنود الذين يعرفون الكتابة يتقدمون إلى كل واحد منا نحن السبعة واحدا واحدا, ونحن نكتبها لهم ونعلمهم طريقتها ثم هم يكتبون للبقية. فذهب كبير الجند وجعل الجند الخمسة والخمسين يتقدمون على الجن وهم يكتبون لهم. وقالت الملكة للملك: وإذا أردت الهبوط بعد أن تطير إمسح من أصابع يديك حرفا حرفا, فكلما مسحت حرفا نزلت قيلا وهكذا واحدا تلو الأخر. فقال الملك شمشون: أمركم عجيب معشر الجان غريب. فقالت له الملكة : أما أنت فلك أن تجرب وأنت في الفضاء أن تمسحها كلها من أظافرك دفعة واحدة. فارتعش الملك مستنكرا وقال : لا لا كما تقولين نفعل لا نخالفك أمرا. دخلت روث على الشيخ في الخيمة وهو يتألم فجلست على طرف فراشه وقالت : هل أنت بخير سموطان؟ وقد بدت حزينة فقال الشيخ وهو ينظر إلى ديفي الذي دخل وألقى بنفسه على الشيخ فتألم منه عندما لمس صدره ووضع رأسه عليه : آه لا أنا أحسن الآن إذ رأيتكما, هل عاد هيرود ؟ فقالت لا لم يعد بعد, أظن أنه يفضل البقاء في الصحراء مع تلك الفتاة وحدهما. فضحك الشيخ من قولها متألما وقال : آه يا إبنتي, كتب عليك أن تعيشي وحيدة لم تختلطي بالرجال. فقالت روث : بل لقد فعلت, لقد إختلطت برجل الرجال , أنت. عندها إبتسم الشيخ لها وضم ديفي إليه. في صومعه الكاهن حنباثا كان جالسا على كرسيه وهو يأكل العنب ويضحك وهو يرمي به على الملك سايروس وتابعه أوريا وهما في أرضية الغرفة محشورين.وإذا بضرطة قوية من وراء كرسيه تأتي من سفح الجبل فإنتقز حنباثا قليلا ثم لم يبالي وأخذ يأكل العنب ويضحك ويرميه في وجه سايروس.
إصطف جميع جيش الملك شمشون على طول الطريق خلف الملكة دبورة وأبنائها الستة. وقد حملوا ما إستطاعوا حمله من متاعهم معهم. ثم صرخت الملكة بقوة قائله : أخلا كاغ زرطلة أخلاكاغ زرطله أخلاكاغ زرطلة عندها ويا لعجب الجنود حيث بدأوا يرتفعون مذهولين فرحين. وأخذوا يتقون أغصان الأشجار أثناء إرتفاعهم ومنهم من يصطدم بها فتوجعه ثم يعود فيرتفع إلى أعلى حتى أصبح الجميع في السماء عاليا. وقد سدوا وجه السماء لكثرتهم. وانطلقت الملكة وأبنائها متوجهين وتبعهم جيش الملك شمشون والذي كان في المقدمة يطير خلف الملكة وهو ينظر إلى تحت حيث تركوا جميع معداتهم الثقيلة وأجهزتهم الحربية ورائهم. والجميع غير مصدقين أن ذلك حدث فعلا وأصبحوا كالطيور.
كان الملك أجمنون غاطا في النوم وقام فجأة يهذي ويصرخ فدخل عليه وزيره لوذا وأقامه من نومه. وعندما فتح الملك عينيه سأله : أين ابني هيرود ؟ فقال الوزير : مولاي عندما إختفيت ولا نعلم ما حل بك, رفض القوم أن يذهبوا في إثرك لقلة عددهم, ووجدنا حارس خيمة الرسول مفتولا في خيمته, فأردت الذهاب للبحث عنك ولكن الأمير هيرود منعني وقال : أنه أولى بالخروج للبحث عن والده العزيز, فخرج إلى مدينة (ثيتا) للبحث عنك. تنهد الملك مفجوعا في إبنه وقال: أهـ سيهلك الأمير, لابد من الذهاب للبحث عنه. وأراد القيام من فراشه ولكن جراحه أثقلته فاستلقى في فراشة متأننا من آلآمه. فقال الوزير : لا عليك يا مولاي, بعدها حضرتنا الملكة دبورة وأرتنا في البركة أن ابنك بخير, وأنه قادم إلى هنا, لقد كان منظرا عجيبا في تلك البركة. فنظر إليه الملك من تحت جفونه وهو لا يفهم شيئا, وظن أن الوزير فقد عقله. فقال له : ملكة. بركة. ماذا تقول ؟ فقال الوزير : لا عليك يا مولاي إن إبنك بخير. ثم راح الملك في غيبوبه مرة أخرى. في هذه الأثناء كانت الملكة دبورة مع أبنائها الستة يقودون المدد في السماء, وإذ هم قريبين من معسكر الملك أجمنون قالت الملكة دبورة : ذاك هو معسكرنا, ما تقولون يا أبنائي لو نذهب إلى صومعه الكاهن مباشرة, فلعل سموطان بحاجة إلينا هناك, وإن لم يكن هناك فالمسافة ليست ببعيدة من الصومعة إلى المعسكر يمكن للجيش الزحف إلى هناك في غضون ساعات ونخلص الناس من شر ذلك الكاهن الخسيس. رد عليها إبنها الكبير أفتاب بهز رأسه بالإيجاب وقال كيوان : نحن قادرون عليه يا أماه. وإذ هم كالطير في السماء وورائهم ذلك المدد الكبير وكأنه سرب من الجراد كسرت ألأم طيرانها يمينا وتبعها أبنائها ومن خلفهم القطيع. وهم كذلك يطيرون حتى لاحت لهم صومعة الكاهن من بعيد فتنبه الكاهن حنباثا إلى صوت أزيز يقترب. فاقترب من شرفته وشاهد ذلك السرب الضخم. حينها دخل حنباثا مسرعا إلى بعض الحجرات في الصومعة وخرج إلى الشرفة ومعه حزمة كبيرة من أعواد الخشب كل عود بطول سلعد اليد. وذهب مرة أخرى وعاود ومعه حزمة كبيرة من الحبال المقطعة, وهي بنفس أطوال أعواد الخشب , وأخذ يصفها تحت الشرفة ويجهزها وهو يطالع من الشرفة إلى ذلك الزحف المقترب. وأخذ يفك أربطة رزمة الخشب على عجل ويصف حباله بجانبها مفردة, ثم إستقام حنباثا على الشرفة وهو ينظر إليهم وقد إقتربوا, وأخذ ؤيتمتم ببعض الكلمات سرا ثم يشير بفمه إلى قسم من ذلك الجيش وينفخ فإذا نفخ تساقطت الآحرف من أصابع ذلك القسم من الجند الذين نفخ عليهم فيسقطون ويهوون أرضا, ومرة أخرى يتمتم إلى قسم أخر وينفخ والجند ينظرون إلى تلك الحروف المكتوبة على أظافرهم تتساقط كما لو أن أصابها المطر فيسقطون ويهوون في الوادي. وتكسرت عظامهم على الأحجار التي في الوادي. وأصبح الجند في بلبلة عظيمة وخطب جسيم. وأخذت الملكة دبورة تنظر إليهم يتساقطون ويأتي من هو خلفهم فلايعلم ما يكون هناك ويلقى نفس المصير. فأصاب الملكه الحزن والغم والغيض وهي تنظر إليهم صرعا يهوون إلى الأرض كما يهوى الذباب. وأخذت تصيح بهم امسحوا واحدا تلو الآخر وانزلوا إلى سفح الجبل. بعضهم سمعها ونجح بالنزول وبعضهم كان يسقط. وأخذ أولادها يصيحون بهم بالنزول وذلك الكاهن الأفاق ينفخ فيهم من كل إتجاه. فاضطرت الملكة إلى النزول ونزل خلفها أبنائها ثم قام الجنود بالنزول وبعضهم كان ما يزال في النزول فيسقط ويموت حتى نزل الجميع إلى سفح جبل الصومعة وقد هلك أكثر من ثلث الجيش. وأخذت الملكة وأبنائها يراقبون الجثث الملقاة على الصخور في كل مكان. وتقدم منها الملك شمشون غاضبا وهي في الاسى مهمومة وصاح فيها قائلا : هذه معركة الجن وليست حرب البشر. فأجابته بسرعة مشيرة بعينيها إلى الصومعة فوقها: وهل ذاك الذي قتلهم من الجن؟ انه منكم. فهدأ الملك شمشون وقالت الملكه: ولكن مع هذا أنا ألوم نفسي على هذه المذبحة, كيف لم أنتبه إلى أمر الكاهن وأنا أعلم أنه ذو عزائم ومتمرس في السحر الأسود؟ عندها أخذ الكاهن أحد العصي وقرأ عليه وتفل فيه ثم ألقاه من الشرفة فإذا هو يسقط وقبل أن يلمس الأرض تحولت العصى الى عقرب عملاق أخذ يلدغ الجند والجند حوله يحاولون قتله وهو يصيبهم من هنا وهناك. وبعض الجند من يحاول تسلق الجبل إلى الصومعه فما زال الكاهن يلقي عصيه وتتحول إلى عقارب عملاقة في كل الوادي. والجند يحاولون قتلها فتقتلهم وتصطادهم من كل صوب. واجتمع الجند على أحد العقارب فقتلوها وغرسوا رماحهم في أخرى وممن قتل من الجند أخذت الملكة تشير إلى رماحهم الملقاة فتنطلق الرماح في الهواء فتقتل عقرب هناك وتقتل أخرى بجانبها واولاد الملكة يفعلون مثلها. ودارت حرب طاحنة. وعندما فرغ حنباثا من العصي أخذ أحد الحبال وعقده عقدة واحدة وتمتم في تلك العقدة ورماه, وقبل أن يصل الحبل إلى الأرض تحول إلى ثعبان هائل أخذ يجتاح البشر وتوالت من بعده الثعابين من فوق فكانت حربا عظيمة من ثعابين وعقارب. واجتهد الأبناء في مساعدة الجند على قتلها. وقتل عدد كبير من الجند وتخلصوا من عدد كبير من الأفاعي والعقارب. وإذهم يقاتلون إذا بصوت وقعات كبيرة تأتي من أخر الوادي وبعدها ظهر المارد جلجلان من بين الصخور يجري بسرعة وانقض على بهرام وطرحه أرضا وأخذ يضربه بضربات قويه لها دوي عالي فيؤلمه. والكل في قتال في كل مكان. وهاجم أناهيد ذلك المارد وخلص أخاه منه وتعارك الآخوة مع ذلك الوحش المكسو بالعضلات المفتولة صاحب الرأس الكبير وكأنه رأسين من رؤوس الثيران القوية, وقد بلغت عضلات كتفيه إلى أذنيه. وإذهم في صراع كان الجند منهم من يستجمع قوته ومنهم من يقتل الافاعي ومنهم من تقتله العقارب السوداء. ثم سمعوا صوتا من الصومعة. الكاهن يصرخ من شرفته لمن هم تحت السفح بصوت عالي تناقل الوادي صداه قائلا : سأريكم قوتي سأريكم قوتي. ودخل إلى داخل صومعته حيث كان الملك سايروس وتابعه ما يزالان هناك في أرض الغرفة محشوران وقد إنهارت قواهما. وبعد أن ألقى الكاهن نظرة عليهما توجه إلى أحد أبواب الغرفة المجاورة والتي ليس لها باب يغلق شأن الصومعه كلها. ودخل إلى ألاسطبل وحالما دخل وقفت ثلاثة كلاب سوداء وديعة كانت مستلقية مربوطة, ووقفت متلهفة تنظر إليه وهي تلهث فتقدم الكاهن من أحدها وفك رباطة فإذا الكلاب الآخرى تداعبه وتلعق يده بلطف, وأخذه معه يسوقه من حبله لبضع خطوات هناك واستل سكينا كبيرة كانت معلقة في الجدار مكتوب عليها هذه الأشكال على نصلها العريض .
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]
وجر حنباثا سكينه في بطن ذلك الكلب وشقه بقوة, وأخذ يخرج أمعائه قبل حتى أن ينتظره أن يموت, والكلب يعوي ويصيح. وأخذ حنباثا مصارينه الطويله وجزأها بالسكين, وأخذ ثلاثة قطع منها, كل مصرون بطول الشبر, وأخذ يفرغ ما في تلك المصارين ويشدها بيده وهو يقول ويتمتم: سأريهم من أنا, سيعلمون من أكون ... نعم هكذا هكذا أسرع أسرع. ثم ربط كل مصرون من تلك المصارين من طرفه وهو يقول عند ربطها : هذا من طرفه, وهذا من طرفه, وهذا من طرفه, نعم هكذا. وأخذ تلك المصارين الثلاثة واتجه إلى ناحية باب يفضي إلى خارج ذلك الإسطبل, حيث ساحة خارجية من خلف الصومعة مما يلي الجبل, يحيط بها جدار قصير وليس لها سقف, وفي وسطها شجرة ذات أوراق كبيرة مزروعة في الأرض بطول قامة رجل, وحول غصنها صحن يدور بها وغصنها يخترق الصحن إلى الأرض, والصحن منكس إلى جهة انسيابيه قليلا به صنبور, ومعلق بالشجرة عدة خطاطيف من طيور الخفاش مذبوحة تقطر دما إلى الصحن الذي به ماء الندى الذي يقطر من أوراق الشجرة, فيلتقي الدم والندى في الصحن. فاقترب الكاهن من الصنبور وأخذ يملأ تلك المصارين من ذلك الصنبور ماء أحمرا. وكلما ملأ واحدا علقه في معلاق متنقل بجانبه حتى علقها بثلاثتها. فأخذ المعلاق وأخذ بيده الأخرى ثلاثة خفافيش من تلك المعلقة على الشجرة, ورجع إلى زاوية في الأسطبل حيث فرن نار, ووضع المعلاق بجانبه ورمى بتلك الخفافيش في الفرن وانتظرها.
الملكة دبورة عندما رأت ذلك المارد العملآق جلجلآن يدفع بأبنائها يمينا وشمالا أخذت من تحت حجابها من رأسها مشطا من حديد, ورمته بقوة على جلجلان وهو يقاتل أحد أولادها, فأصاب المشط رأس جلجلان من قفاه وركز فيه فألمه رأسه وأمسكه وهو يصرخ, فتقدمت منه دبورة وهو يدور على رأسه وإذا بعقوصها بعد أن سحبت المشط تخرج وتتحرك من حولها كالأيدي الطويلة أو كالحيات, وتقدمت منه وأمسكته من وراءه بظفيرتاها فالتوت العقوص حول رقبته وعلى رأسه فعصرته وسمع صوت تهشم رقبته, وزادت عليه العصر حتى وقع أرضا ميتا. ونظرت الملكة من حولها إلى الجند وهم يصارعون الأفاعي والعقارب العملاقة والتي لم يبقى منها إلا القليل, وصاحت في أبنائها قائلة : عليكم بهذه العقارب والحيات. فانتشر أبنائها على المخلوقات الشرسة يساعدون الجند على قتلها.
فتح الكاهن حنباثا الفرن فإذا الخفافيش قد أصبحت رمادا. فأخذ من ذلك الرماد في قارورة صغيرة بجانبه, ورفع معلاق المصارين وتوجه إلى الشرفة ونظر إلى تحت الجبل فلم يرى من مخلوقاته سوى عقربه واحدة وأفعى. فأطلق ضحكة قوية. ونظرت الملكة دبورة إلى فوق فشاهدت الكاهن مطلا من الشرفة. فصرخت قائله للجند الذين يصارعون الحية والعقرب : لا تخافوا منها, ماهي إلا خيالات ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى, كلها وهم يلاعب بها عقولكم. ثم همت الملكة بالطيران للكاهن فتناول حنباثا أحد تلك المصارين ونثر بعض من رماد الخفافيش داخله وعقده بربطه واحدة وقال وهو يرميه من الشرفة: نهكططقلعسلسينا يا شمعون. وإذا ذلك المصران وهو يسقط من فوق إرتفع إلى أعلى متحولا إلى حيوان غريب مخيف عظيم. يطير بجناحين كجناح الخفاش ووجهه وصوته الذي يطلقه كمثل الخفاش. وبقية جسمه كالكلب الاسود. فتفاجأت به دبوره وهي طائرة إلى الأعلى وهو أمامها فجلدته بعقوصها كالجلاد فرفسها بيديه فسقطت تهوي إلى الأرض. ثم تمالكت وهي قريبة من السطح فسقطت واقفة يؤلمها صدرها من تلك الضربة. ففزع إليها أبنائها حيث نزل ذلك المخلوق الكلب خفاشي ليكمل عليها. فحاولوا إستمالتة إليهم فتبعهم ودخلوا معه في عراك. وجاء أحد الجند وطعنه من خلفه برمح فاستدار عليه المخلوق الذي كان بحجم ثلاثه عقارب عملاقة وغرز أنيابه في الجندي يمتص دمه. والأخرين يرمونه بالسهام والرماح فتغرز في جسمه ولا يبالي بها. وحرك ذيله يضرب به الجند من خلفه حتى أفرغ الجندي من كل ما فيه من دم. ونظرت الملكة دبورة إلى الأعلى وهي تستند على حجر كبير ممسكة بصدرها متألمه حيث سمعت الكاهن يقول من فوق : يا زيتون. وبعد قليل ظهر من الجو كلب خفاشي آخر وكأن الأول لا يكفيهم. وأخذ هذا الأخير يطيرويحوم فوقهم ويتخطفهم ويقذف بهم والجند في كل صوب يصارعون الموت وقد قتلوا تلك العقربة الأخيرة, فتوجه تركيزهم كله على ذينك الوحشان المخيفان ولكن الغلبة كانت للوحشين اللذين لا تؤثر فيهم أسلحة الجن فكيف بالجند المساكين المتقاذفين في كل مكان. ونظروا إلى أعلى حيث سمعوا صرخة أخرى تقول : يا سيمون. وبعد قليل ظهر كلب خفاشي آخر في الجو. عندها شهقت الملكة دبورة ونظرت إلى أبنائها والجند وهم في البلاء والعذاب والصراع ولم تبقي تلك المخلوقات أحدا إلا وجرحته ولا تضرب أحدا إلا قتلته. فتعاظم عليها أن تكون تلك المخلوقات البشعة بتلك القوة ثم يزاد فوقهم ثالث, وتيقنت أن أبنائها هالكون. عندها نفذ صبرها ونظرت إلى السماء ممسكة بصدرها الذي يؤلمها وأخذت تدعوا من قلبها بحرقة وتقول بقوة وعزم : بسم الله الرحمن الرحيم, أقسمت عليكم يا ملائكه السماء النورانية بسم من سبح الرعد بحمده, ورفع السماء بكلماته, وحط الأرض بفعله, واستنارت الكواكب بنوره, وزين الليل بوجهه, أقسمت عليك أيتها الروح الطائفه الطائعه الراضية المرضية بالإسم الذي خلق الله به البحر العجاج, فهاج وماج, وتلاطم بالأمواج, وصار كالليل الداج, فسبحت حيتانه, واضطربت أركانه, من هيبة الله ذي الجلال والاكرام, أين روحانية السماء الأولى هيا يا هعقوك, أين روحانية السماء الثانية هيا يا قحخاك, أين روحانية السماء الثالثة هيا يا غقطص, أين روحانية السماء الرابعة هيا ياطصشبم, أين روحانية السماء الخامسة هيا يا قجيذون, أين روحانية السماء السادسة هيا يا هصقحص, أين روحانية السماء السابعة هيا يا دصرز, أين الروحانية الذين عند سدرة المنتهى هيا يا قومذدع, أين الروحانية الذين عند جنة المأوى هيا يا صقاع. ثم نظرت الملكة إلى حيث سمعت صرخة أحد أبنائها وهو يتألم فتوجهت الملكة الام إلى السماء تقول والدموع تنهمر منها خشية واسترقاقا : يا قاف حل الاقفال والتيقاف, وامددني بروحانية الإسعاف, بحق إسم الله العظيم الأعظم هغقجسائيل, الذي جل وارتفع هغقجسائيل, وأتقن ماصنع هغقجسائيل, وشتت وجمع هغقجسائيل, وأمر البرق فلمع هغقجسائيل, والغيث فهمع هغقجسائيل, وكلم موسى فسمع هغقجسائيل, وتجلى للجبل فجعله دكا دكا هغقجسائيل, وخر موسى صعقا صعقا يا هغقجسائيل .
فلم تتم الملكة عزيمتها حتى هبت ريح قوية من أعلى الوادي فعصفت بهم, وغطى السحاب الكثيف نور القمر فأظلمت الدنيا, وأنارها وبقوة برق شديد تبعه رعد هزهز الوادي وكأنها قد قامت القيامة إرتهبت له قلوب الشجعان من الرجال, ونزل البرق يقصف تلك الخطاطيف في الوادي, منها ما كان نازلا فيه ومنها من يحوم فنالت منها الصواعق من دون الجند حتى تحولت إلى رماد كما كانت من رماد, ثم غسلت السماء الجميع بمطر غزيرهادئ مما تعالت صيحان الجنود بالنصر في الوادي المظلم, وفرحوا بذلك الغيث القضائي والمائي من السماء. وطارت ألأم وطار معها كيوان. وإذ الملكة تدخل من شرفة الصومعة أطلقت عقوصها فقبضت بالكاهن حنباثا ولوت به وهي تدخل أرض الغرفة وتبعها ورائها كيوان, وشدت على الكاهن وهي تسير به إلى الشرفة خلفه, ورفعته بعقوصها معلقا ونظرت إلى عينيه باحتقار واشمئزاز, ثم رمت به من على الشرفة إلى الخارج وهي تنظر إليه يسقط, ولكن الكاهن الساحر القديروهو يهوي إلىالأرض مطمأنا عزم وقال : تال تال شجن شجن توك توك ثهص ثهص إحملني ياغضة. فإذا به يرتفع يطير في الهواء. فهمت الملكة أن تلحق به وتطير من الشرفة, ولكن بينما الكاهن وهو يطير خلال المطر مبتعدا فرحا بنجاته إذا بصاعقة تصعق به فتحرقة فسقط في الحال إلى سفح الوادي على الحجارة ومات من لحظته, والملكة تشاهده من شرفه الصومعة ثم التفتت إلى ورائها حيث سايروس وتابعه في الأرض محشوران وتقدمت منهما قائله : هذا مصير ألأنذال. ولكن سايروس وتابعه لم يستطيعا سماعها لشدة تعبهما وما هما فيه من العذاب فقالت الأم لكيوان : إذهب وأحضر ديفي ليأخذ المفتاح . فطار كيوان إلى المعسكر في حين كانت ألأم تبحث في الصومعة عن القفل ورجعت إلى الأثنان اللذان في الغرفة فسألتهما : أين القفل ؟ فلم يستطيعا الحراك ولا الكلام, ثم حضر أولادها أفتاب وماهتاب وبهرام وبرجيس وأناهيد إلى الغرفة وأخذوا يبحثون في المكان, حتى أن بهرام صعد إلى فوق الصومعة يبحث ولا أثر للقفل, وبعد قليل حضر كيوان ومعه ديفي ثم نظرت الملكة دبورة إلى كرسي حنباثا فدفعته برجلها وأزاحت البساط الرث الذي تحته فإذا باب سري تحته, فأرادت ألأم فتح الباب فتقدم منها إبنها أفتاب وفتح عنها الباب جانبا فدخلت إلى درج ينزل إلى تحت, ودخل معها أفتاب والبقية ينظرون من فوق إلى أمهم وأخوهم الأكبر وهما داخل الغرفة السرية. فقالت ألأم احضروا ديفي, فأحضروه وجعلوه ينزل من الدرج فتلقاه أفتاب وقدمه إلى حيث تقف الملكة دبورة وهي تنظر إلى القفل فقالت :

[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]
لا أظن أنه القفل المطلوب. حينها تقدم ديفي وأمسك بالمفتاح وحاول إدارته فلم ينفتح. فاقتربت الملكة من القفل وألقت عليه نظرة فاحصة وقالت: انه ليس المفتاح الرابع بل الخامس, لابد من فتح الاقفال بالترتيب الذي رتبها به سليمان الحكيم. فخرج الجميع من الغرفة السريه وقالت الأم وهي تشير إلى الملك سايروس وتابعه:أخرجوهما وخذاهما إلى المعسكر. فأخذ أفتاب يسحب الملك سايروس وطاربه. ثم سحب أناهيد التابع أوريا ولحق
بأخيه. ونزلت الملكة دبورة إلى سفح الجبل وتبعها أولادها فتقدمت من الملك شمشون وقالت : هذا إبني برجيس يظل معكم يرشدكم إلى طريق المعسكر, إنه ليس ببعيد من هنا, وإذا كنت تريد أن تأتي معنا فمرحبا بك. فقال الملك شمشون لكبير جنده: اعتني بالجند سنراكم عما قريب. وأخذ كيوان الملك شمشون وطار به ولحقت به الملكة وأبنائها ومعهم ديفي حتى وصلوا إلى المعسكر فنزلوا إلى أرضه. وكانت هناك روث فقالت لها الملكة : أين الشيخ سموطان؟ قالت روث : إنه في خيمته. فقالت الملكة : إذهبي ونادى عليه ليأتي. فقالت روث : إنه مصاب ونائم في فراشة. فهلعت الام وقالت : أين هي خيمته ؟ فذهبت روث أمامها والام مسرعة من ورائها تدفع مسيرها حتى وصلتا. فدخلت عليه في خيمته وقد كان صاحيا مستلقيا فنظر إليها فدخلت عليه وهي حزينة وجلست بجانبه ثم تبعها إبنها أفتاب. فالتفتت إليه وقالت : أفتاب إذهب وفتش عن تلك العشبة وآتني منها. فقال أفتاب : نعم أماه. وذهب. فالتفتت إلى الشيخ وقالت : ماذا حدث لك ؟ قال : بعض العراك هنا وهناك. فقالت الملكة : لقد كبرت على العراك أيها العجوز. فضحك سموطان من قولها. في الخارج كان الملك شمشون يبحث عن الملك أجمنون فأخذه الوزير إلى خيمة الملك : فدخل عليه وكان الملك مستيقظا ففرح أجمنون عند رؤيته وقال : آه يا صديقي أنت هنا؟ قال شمشون : نعم أنا هنا, وما فائدة المصاهرة إذا ؟ كيف حالك ؟ وما الذي تسبب لك بهذا؟ قال أجمنون إنها قصة طويلة أحكيها لك ونحن في رحلة صيد. قال شمشون: أحسنت القول فلا أمتع عندي من رحلة صيد زاخرة بالغزلان. فتضاحكا معا.
حضر أفتاب وبيده العشبة ودخل خيمة سموطان وكانت هناك روث وديفي والملكة فأعطاها أمه فقالت لأفتاب : أحضرلي موقعا. فقالت روث وهي تنهض خارجه من الخيمة مهرولة : أنا أحضره. فقالت الملكة للشيخ : لم يكن ذلك القفل الذي في مملكة (دلتا) القفل الرابع بل هو الخامس, لذلك لم يستطع ديفي فتحه, ولكننا قضينا على حنباثا فلا شيئ يمنعنا من العودة إليه فقد بات أمره سهلا. قال الشيخ للملكة : هل أحضرتم الملك شمشون وجنده ؟ قالت : نعم. فقال : وكيف فعلت ذلك ؟ قالت : هذا أخبرك به عندما نكون لوحدنا. فاحمر الشيخ خجلا فدخلت عليهم روث وبيدها الموقعة وقالت لها الملكة وهي تأخذها من يدها : وأحضري بعض الماء للشرب. فذهبت روث لتحضر الماء. وأخذت الام تدق العشب وتطحنه في الموقعة حتى رجعت روث بالماء فأخذت منه الملكة وصبته داخل الموقعة وخلطته مع بعضه وسقت منه الشيخ وقالت : يجب أن تنام الان فالوقت متأخر, غدا صباحا تقوم وكأن لم يكن بك شيئ, ثق بي, فقال الشيخ : أنا أثق بك حتى لو مت. فتبسمت روث فأخذتها الملكة للخارج. وفي الخارج قالت روث للملكة : الملك أجمنون كذلك مصاب. وأشارت إلى خيمته فقالت الملكة: حسنا أين هو ؟ فدخلتا على الملك أجمنون وهو يحدث الملك شمشون ففزع منها المك أجمنون وقال : من أنت بحق السماء ؟ فقال شمشون وهو ينظر إلى خلفه حيث الملكة لدى الباب : انها.. إنها الملكة دبورة أم ملوك الجان, وقدساعدتنا في السير إلى هنا, كما ساعدتنا في أشياء كثيرة أخرى. وتبسم شمشون في وجه الملكة ضاحكا ورجع بوجهه الى أجمنون وقال بصوت خفيف قريب: أشياء أخرى أحكيها لك في رحلة صيد. وتضاحك الملكان فقال الملك أجمنون : لم أعلم أن للجان أمهات. فقالت الملكة دبورة وهي تتقدم منه : لا ليست لهم أمهات, بل يخرجون من ثمرات الاشجار المتساقطة. فضحك الملكان مرة أخرى فتقدمت الملكة من الملك أجمنون ودقت بعض من العشبة وأعطته يشرب وهي تقول سوف تكون أحسن حالا الآن, ووجهت كلامها للملك شمشون قائلة : يجب أن تدعه ينام الآن. فقال شمشون وهو ينهض : حسنا. ثم خرج الجميع من عند الملك أجمنون وتوجهت الملكة إلى الملك سايروس وتابعه حيث وضعهما الجنود تحت المراقبة وهما مقيدان بالسلاسل حول شجرة كبيرة جالسان على الأرض. والملك سايروس أسند بظهره على الشجرة. فدقت الملكة من العشبة وأسقت كلا منهما منها.
في صحراء الرمال وقبل بزوغ الشمس كانت هاداساه مستلقية نائمه فوق صدر هيرود. وفتح هيرود عينه فانتبهت هاداساه فقامت فزعة وأحست بالخجل من نفسها كما أحس هو بالخجل أيضا. قاما ورتبا نفسيهما وجواديهما وركبا وانطلقا.
خرج الملك شمشون من خيمته فإذا هو يرى كبير جنده قادم ناحيته فاستقبله الملك شمشون بالترحاب وقال له : متى وصلتم؟ قال كبير الجند : منذ ساعة. فقال الملك شمشون : دع الجند ولا توقظهم لابد وأنهم متعبين, دعهم ينامون. فقال كبير الجند : هذه هي المشكلة ياسيدي, هناك أطفال مزعجين, وعندما ينام الجند يخطفونهم فيختفون. فسارع الملك شمشون إلى الجند وقد بدت على ملامحه الجدية القصوى وتبعه كبير الجند. ولما توقفا بين بعض الجند رأى الملك شمشون أولائك الأطفال في كل مكان متشبثين بالجند. فقال له كبير الجند : لقد تلقيت الكثير من الشكاوي وكلها تؤكد أن هؤلاء الأطفال يتحولون إلى أغصان تسحب الرجال إلى باطن الأرض ولا يعودون. عندها كانت خلف الملك شمشون وكبير جنده الملكة دبوره وبيدها تلك الموقعة فقالت من خلفهما: لقد أعطيت لكل من أستطيع الدواء, أما الجند الذين حضروا من جندك لم أعطهم لإني لو أعطيتهم منه سينامون, هل سستتحركون أم أعطيهم منه فينامون قليلا ؟ التفت إليها الملك شمشون حيث تكلمت وقال : يقولون أن هناك مشكلة في نومهم. قالت : نعم تقصد الصبية؟ فقال الملك وهو يتمعن في الملكة : ماذا تعلمين من أمرهم ؟ قالت : ما قيل لك صحيح. قال: إذا نقتلهم جميعا. قالت: لم نقرر قتلهم بعد. قال: ولم لا, إذا كانوا خطرا علينا ؟ قالت الملكة وهي تذهب مستديرة بعيدا عنه : سنرى ماذا يقررون. عندها لمحت الملكة الشيخ يخرج من خيمته وهو يمشي بإتجاهها فخطت الملكة نحوه وقالت له: كيف تشعر هذا الصباح؟ فتبسم الشيخ وهو يلتحف بلحاف وقال : ألآ يبدو علي النشاط والقوة؟ فإذا هو يقول ذلك إذ خرج الملك أجمنون أيضا وسار إليهما وهما ينظران إليه حتى وصل إليهما وقال : الم تعلموا شيئا من أمر ابني هيرود ؟ فقالت الملكة: لابد وأنه أصبح قريبا الآن, ماذا ستفعلون ؟ فقال الملك وهو ينظر إلى الشيخ : لنجمتع كلنا أولا ثم نقرر. ثم ذهب الملك أجمنون بإتجاه مكان ما حبس الملك سايروس تحت شجرته حتى وصل إليه وتابعه يقبع تحته. فتح التابع أوريا عينه ليرى الملك أجمنون فوق رأسيهما فقال الملك أجمنون للتابع وهو ينظر إلى الملك سايروس الغاط في النوم : لديك ملامح تختلف عنه, وتتكلم لغتنا فكيف تعلمتها ؟ قال التابع أوريا : مولاي الملك العظيم أنا نفسي لا أدري, أذكر أنه كان لدي أب وأم وعائله ولكني لا أذكرهم تماما, فقط تربيت في مملكة الملك سايروس مع الصبية والعيارين واللصوص حتى فقتهم بالذكاء والفراسة فأصبحت من مستشاري الملك, وأنا أتكلم لغتهم هذه منذ صغري. وأشار أوريا بوجهه للملك سايروس النائم قائلا: كما أن الملك يتكلم بلغتي فقط عندما يريد, كما هو حال كثيرين في مملكة (ثيتا) يتكلمون اللغتين ولكن لغة الملك سايروس هي لغة مملكة (ثيتا) الأصلية. حينها صحا الملك سايروس من نومه وشاهد الملك أجمنون فوق رأسه فقال للملك أجمنون: سيدي الملك الحليم. فاعتدل الملك أجمنون وبدت عليه الشدة وهو ينظر إلى الملك سايروس بنظرة ثاقبة. فقال له الملك سايروس بقوة : عليك اللعنة. عندها غضب الملك أجمنون ونادى كبير جنده وقال له وهو يشير إلى الملك سايروس : إقطعه نصفين ..لا .. بل ثلاثة أو خمسة أجزاء, إقتلع عينيه أولا .ً والملك يقول ذلك فزع الملك سايروس واصطك إلى الشجرة خلفه هلعا وأكمل الملك أجمنون قائلا : بل ألقي به في هذه البركة الملوثة المسمومة ليتعفن شيئا فشيئا. فقال الملك سايروس : سيدي الملك الحليم. وانعقد لسانه فقال تابعه أوريا : مولاي الملك ماتستفيد من قتله شيئ ولا تخسر من تركه شيئ. فجذب كلام التابع الملك أجمنون وشد إنتباهه وأكمل أوريا قائلا : بل على العكس, لابد وأنكم ذاهبون للإستيلاء على مملكته أو على الأصح ماتريدونه.. المفتاح.. وفي هذه الحال المفتاح لديكم هنا, فلم تضيعه بالجهد والمشقة؟ فقال الملك أجمنون للتابع : ماذا تقصد ؟ قال أوريا : أقصد أنه يمكنه تمكينكم منه طالما هو حي معكم. فقال الشيخ سموطان وكان خلف الملك قادما: هذا صحيح, سيكون ذا فائدة لنا وهو حي أكثر منه ميتا. فهز الملك سايروس رأسه بالإيجاب ثم التفت الملك أجمنون إلى كبير جنده وقال له : أحضر الجميع للإجتماع في خيمتي. وانصرف الملك أجمنون إلى خيمته ولحق به الجميع وجلسوا فتكلم الملك أجمنون وقال : لا نستطيع أن نتحرك من مكاننا هذا قبل معرفة أمر ولدي هيرود وما آل إليه, فقد يرجع إلى هنا فلا يجدنا. قالت الملكة وقد إصطف أولادها واقفين ورائها حيث تجلس : ليس لذلك السبب فقط, إن الجنود متعبين من ليلة البارحة ومن سيرهم طوال الليل. فقال الملك شمشون: ولكن إن بقينا هنا مازالت تلك الصبية تأكل منا ونحن نيام. فقال الوزير لوذا : مولاي يجب قتل الصبية والتخلص من شرهم فنستريح من همهم. قال الملك أجمنون : لا تطاوعني يدي قتل أطفال. ثم نظر إلى سموطان وقال : أراك صامتا ياسموطان, ما تقول في هذا ؟ فقال سموطان : يمكننا أن نترك له هنا احدى خيامنا أو حرسنا مع رسالة وننطلق إلى مملكة (ثيتا) ونكون قد إبتعدنا عن هؤلاء الصبية, وبعد مسافة ما في الرمال يمكن للجند أن يناموا, ومما يعطي فرصة لهيرود إذا علم بوجهتنا أن يلحق بنا, وبذلك لا نضطر لقتل أحد. ونظر سموطان إلى أجمنون وقال : وإذا لم يجد هيرود رسالتنا فلا بد وأنه في مكان ما, غالبا ذلك المكان هو نفس وجهتنا.. (ثيتا).. اليس كذلك ؟ فقال الملك أجمنون : هذا أحسن الآراء. فقالت روث: لماذا لا ترينا الملكة دبورة أين هو الآن في الماء فيذهب كيوان لإحضاره ؟ قالت الملكة : قد يكون في أي مكان في الصحراء غير معروف, والصحراء كلها متشابهه, لو كان في بيت ما أو في مكان معروف لدينا أو معلم بارز لتمكنا من إحضاره. فقال الشيخ: لا بأس من المحاولة. فنهض الجميع تتقدمهم الملكة دبورة متجهه إلى بركة الماء الراكدة وخلفها الملك شمشون يقول للملك أجمنون : هذا شيئ يجب علي أن أراه. حتى وصلواإلى البركة فمدت الملكة دبورة يديها مستويتان في الفضاء وكفيها بإتجاه الماء وحركتهما فإذا البركة قد أصبحت مرآة. فتعجب كل من الملك أجمنون وشمشون ونظرا إلى بعضهما بدهشة وهما ينظران في الماء هيرود فوق حصانه يسير وبجانبه امرأة على حصانها. فقالت الملكة دبورة: هذان هما. وقالت بلهفة والجميع ينظر ذلك في البركة رؤية صحيحة ليس عليها غبار : إنتظروا, إنهما يخترقان بعض الخيام والجند حولهما, وأرى نيران قدور الجند هناك. وصرخت الملكة دبورة: إنهما هنا. وإذا بصوت من ورائهم يقول : هل تبحثون عني؟ وإذا هو هيرود قد أقبل بحصانه فانطلق إليه أباه الملك وركض هيرود مترجلا وعانقا بعضهما بحرارة. وانطلقت روث ووقفت ورائهما بلهفة وفرح تنظر إليهما متعانقان تنتظر دورها لتسلم عليه. فنظرت روث خلفه فرأت تلك الفتاة قصيرة الملابس فحزنت وانصرفت بعيدا. عانق الأب إبنه بحرارة وهو ينظر من فوق كتف هيرود إلى الشابة الحسناء الواقفه بحياء خلفه. فتركه وقال متجها إليها : ومن هذه ؟ قال هيرود وإذ هي تتقدم لتصافح الملك أجمنون : هاداساه. فصافحت الملك ونظر إليها أجمنون من إخمص قدميها إلى شعر رأسها متعجبا منها, منبهرا بحسنها. ثم أخذ الملك إبنه تحت إبطه وهي تتبعهما ببطأ و قال أجمنون لإبنه بصوت خفيف : كيف تعرفت عليها ؟ من أين جأت بها ؟ فقال هيرود: هذا أخبرك به في رحلة صيد. فضحك الأب عاليا وقهقه وضحك الإبن معه. ثم توقف الملك أجمنون فجأة واستدار وراءه وقال للجميع : لقد حلت المسألة, وإذ قد رجع إبني أعدوا للرحيل عن هذا المكان المشؤوم .



صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
الفصل السابع
حمل الجند أنفسهم متثاقلين ومضوا إلى الصحراء الرملية ومشوا مسافة ساعتين ثم توقف الملك أجمنون وقال للشيخ الذي بجانبه يسير: هل هذا يكفي ؟ هل إبتعدنا عن أولائك الصبية بما يكفي ؟ فقال الشيخ وهو ينظر إلى الملكة دبورة عن يمينه : أظن ذلك. فتوجه الملك إلى من خلفه وقال : سنعسكر هنا إلى غدا صباحا. وتهلل جميع من خلفه من الجند ممن سمعوه حيث كانوا بالفعل بحاجة للراحة .
عسكروا هناك وضربوا الخيام رغم الشمس المحرقة. ولكن التعب قد نال منهم فلم يأبهوا بالشمس الساخنة وانحشر جند الملك شمشون داخل خيام جند الملك أجمنون حيث لم يحضروا معهم معداتهم عندما طاروا بهم الجن, وحيث كان عددهم أكبر من عدد جند الملك أجمنون فلم تكفهم الخيام للإستظلال من الشمس. واستظل بعضهم بوضع الألحفة فوق رؤسهم في الخلاء. وأخذت الملكة دبورة تدق الكثير من تلك العشبة واعطت منها قدورا إلى كبير جند الملك شمشون الذين لم يناموا وكانوا معها في قتالهم صومعه الكاهن. فناموا جميعهم بعد شربهم من ذلك الشراب الذي أعدته ولم يشعروا بشمس ولا حر. حتى المساء الذي راق فيه الجو وبردت الصحراء فاوقدوا نيرانهم وطبخوا طعامهم فأكلوا وارتاحوا وترمسوا. وتجمع في الرمال الملك أجمنون والملك شمشون وهيرود وكبير جند الملك أجمنون وكبير جند الملك شمشون والشيخ وروث وديفي وأم الجن وملوك الجن السبعة ومعهم بالطبع الوزير لوذا وشهلون . فأوقدوا نارا كبيرة وسطهم ومن حولهم الجند في كل مكان على تلك الرمال الناعمة فتجاذبوا أطراف الحديث كلا مع الذي بجانبه. وملوك الجن مع أمهم صامتين ينظرون إليهم. فنظر إليهم الملك أجمنون بعد أن كان يتحاور مع الملك شمشون صهره الجديد وقال للملكة دبورة : لما أنتم صامتون ؟ ألا يعجبكم مجلسنا ؟ فقالت الملكة: ليست كل بعرة خنفساه, وليست كل سوداء صخرة. فقال الملك شمشون : ماذا يعني هذا ؟ ونظر شمشون إلى أجمنون قائلا : ماذا تعني بهذا ؟ فتابعت الملكة قائله : إجتاز نبي الله موسى في سفره وترحاله... عندها إنتبه الجميع وانصتوا لها وهي تقول : إجتاز بعين ماء يجري بين صخور الوادي في الجبال, فاغتسل وشرب ثم طلع الجبل كي يصلي, وإذ هو فوق إذ شاهد فارس قد أقبل على العين وترك كيس نقوده وشرب من العين وركب فرسه ونسي كيسه, فجاء بعده راعي غنم مع غنمه إلى العين فرأى الكيس فأخذه وأخذ غنمه وانصرف بها, ثم جاء بعده شيخ عليه أثر البؤس والمسكنه وعلى ظهره حزمة حطب فحط حزمته هناك واستلقى ليستريح, فعاد الفارس يطلب كيسه, وفتش عنه في المكان فلم يجده فأقبل على الشيخ يطالبه به, فلم يزل يضربه حتى قتله, فقال موسى: يا رب كيف وأنت العادل يكون ما رأيت؟ فأوحى الله إليه أن الشيخ كان قد قتل أبا الفارس, وكان على أبي الفارس دين لآبي الراعي مقدار ما في الكيس فجرى بينهم القصاص وقضي الدين الذي على كل منهم وأنا حكيم عادل. فقال الملك أجمنون : نعم, العدل أساس الملك. فقال شهلون لمن بجانبه : من الذي عليه دين قتل أبا من منهم, كيف حدث؟ لم أفهم شيئا. فسمعه الحاضرون فضحكوا عليه. عندها قال الملك أجمنون لكبير جنده: أحضرلنا تابع الملك سايروس وفك قيده قبل أن تحضره. إنطلق كبير الجند واستغرب الحاضرون وقال الملك شمشون للملك أجمنون : ما تبغي به ونحن سائرون لغزوهم؟ فقال الملك أجمنون : إني أرى فيه شيئ, لقد أعجبني ذلك الماكر, إنه يصلح لأمور السياسه, عقل كمثل عقله يحفظ دائما رأس صاحبه. فإذا تم كلامه وقد حضر التابع بين يديه فأفسح له مجلسا بجانبه وقال له : إجلس هنا. فجلس متعجبا محتارا ثم قال له الملك : ألا تذكر شيئ عن مدينة آبائك وأجدادك؟ قال : أذكر ولكن ليس تفصيلا واضحا يا مولاي, ولا أجزم بصحته حيث كنت ما أزال صغيرا جدا. ثم توجه الملك بالكلام إلى الملكة دبورة وقال : هل تستطيعين عمل شيئ لمعرفة قصة هذا الرجل كيف إنتهى مع أولائك القوم؟ فقال الملك شمشون : لقد عملت ذلك في الماء ولا ماء هنا غير هذه الرمال الكثيفة. فقالت الملكة دبورة: لا أحتاج إلى الماء. فقال الملك أجمنون : عملك هناك في البركة كان لمعرفة الحاضر, فهل تعرفين الماضي ؟ فقامت الملكة وقام معها أبنائها السبعة وتقدمت وخطّت في الرمل بإصبعها .
[SIZE=5][COLOR=blue] العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

والملكة بعد أن رسمت الأشكال وأخرجت الضمير أخذت تمرر إصبعها على الأشكل تقرئها و ترفع رأسها إلى الملك تخبره بما تقوله الرمال فقالت : انه إبن أخيك. فتعجب الملك ولكن التابع أوريا كان أكثر عجبا فنظرت الملكة دبورة إلى التابع أوريا وقالت : إبن أخيك الذي هو أكبر منك, كان متزوجا وأنجب منها إبنا واحدا ثم ذهب هو وعائلته وعسكره للصيد ولم يعودوا. عندها قام الملك أجمنون وقال : هذا صحيح لقد حدث هذا منذ زمن بعيد. فقالت الملكة دبورة وهي تنظر إلى الرمل وتشير إلى التابع أوريا : هذا هو إبنه, أما بقية عائلته فقد قتلهم جند الملك سايروس وأسروه وأخذوه معهم. عندها فرح الملك أجمنون فوقف التابع على رجليه ينظر إلى الملك أجمنون وقال الملك وهو يمسك بعضدي أوريا : لقد عرفت منذ رأيتك أن هناك شيئ بداخلك يشدني إليك, ثم إحتضنه .
في الصباح إستيقظ الجميع وجدوا في السير وسار إلى جانب الملك أجمنون إبن أخيه أوريا والملك مسرور بلقائه وبحصوله على رجل سياسي مثله في ركبه.

في مملكة (ثيتا) كان إبن الملك سايروس يستعد للقائهم . فها هو إبنه مرقس يراقب جنده وهم ينقلون الالواح الكبيرة الضخمة ويضعون الأعمدة في ساحة المدينة ثم يضعون الالواح فوقها, لوح وبجانبه لوح يمده للذي بعده حتى سدوا فضاء المدينة وظللوها بالالواح القوية المتينه. ثم أخذ مرقس وهو فوق سطح المدينة المظلل قدر من الماء وصبه عليه فلم يتخلل الماء اللوح ففرح بذلك ونزل إلى خارج أسوار المدينة ودخل إليها.
وصل ركب الملك أجمنون إلى أسوار مدينة (ثيتا) وتوقفوا على مسافة بعيدة عن مرمى السهام. ثم نادى الملك أجمنون كبير جنده و قال : أحضروا سايروس. فأحضروه إليه مربوطا فوق فرس فقال سايروس : يمكننى مساعدتكم. فقال له الملك أجمنون : وكيف تفكر أن تساعدنا؟ فقال سايروس : أذهب إلى المدينة وأقنعهم بالاستسلام. فقال الملك أجمنون: ليس بهذه الطريقة تساعدنا. واستدعى الملك إثنين من جنده وقال لهم : تقدموا به إلى أبواب المدينة إلى حيث يستطيع من بالمدينة سماع صوته. وتوجه الملك أجمنون بالكلام إلى سايروس قائلا له : يمكنك أن تكلمهم, ولكن من خارج أسوارها. فتوجه به الجنديان فقال لهما الملك أجمنون وهما يتقدمان به : إذا أحسستم منه الغدر إقتلوه, وإذا لم يجيبوه أرجعوه. فقال سايروس وقد تقدما به : أيها الملك الحقير . وتقدم به الجنديان إلى حيث فتحة في الجدار تفتح وتغلق بإحكام فتكلم سايروس وقال : يا بني ليس لنا مفر هنا اليوم, لديهم ما ليس لدينا, لديهم الجن السفلة, فادخر دمك ودمائنا, لا يريدون سوى المفتاح أنا ضامن لك هذا دعهم يأخذوه ويمضوا في سبيلهم, وإلا أضعت أنت اليوم ما بناه أجدادنا منذ مآت السنين. فأجابه إبنه مرقس من تلك الفتحة حيث كان ينظر إليه قائلا : ونحن لدينا ما ليس لديهم. وأمر الجند فاطلقوا سيلا من السهام من تلك الفتحة أصابت الجنديين والملك سايروس أبيه معهم حتى أنها خرقت أجسادهم جميعا قبل أن يسقطوا إلى الأرض. وأتت على خيولهم كذلك فوقهم. حينها أطلقوا من الفتحة سهما كبيرا إلى الفضاء وفيه شعله نار كبيرة. بعدها سدوا تلك الفتحة وأحكموا إغلاقها والملك أجمنون وجماعته يشاهدون ما حصل. فإذا بالمدينة تبدأ تغوص في الرمال رويدا رويدا وأحدث ذلك جلبه في جنود الملك أجمنون وأخذ الجميع يتكلمون مع بعضهم عن ما يحدث أمامهم غير مصدقين أن تلك المدينة الكبيرة تتحرك إلى تحت الرمال حتى إختفت المدينة تماما في الرمال. بل وغاصت إلى أبعد من مستوى الرمال وأخذت الرمال تزحف عليها من الجوانب فأردمتها تحتها حتى لم يبن منها شيئ. ولم يتجرأ بعد ذلك أحدا من جانب الملك أجمنون بالتحرك من مكانه غير الشيخ سموطان حرك فرسه متجها إليها حتى وقف فوق رمالها ونزل عن فرسه وحفر قليلا في الرمال فلم يجد لها أثرا. فركب فرسه وعاد إلى صفوف الملك أجمنون وقال له : أي نوع من السحر هذا؟ صحيح ما قيل عن ابن الملك سايروس ولم أظنه بهذه البراعة. فتكلم الملك أجمنون مع التابع إبن أخيه أوريا وقال له : كيف ذلك ؟ فقال التابع : لا علم لدي. حينها تقدم هيرود إلى الملك والشيخ وقال لهما : أنا أخرجها لكم, وإذا خرجت وظهرت بادروا بالهجوم عليها. ثم اختار هيرود ثلاثه من الجان وقال : أناهيد أفتاب بهرام تعالوا معي. وانطلق هيرود بهم إلى الينبوع الذي إلتقى عنده بهاداساه. وإذا هم يصلون هناك شاهدوا ثلاثه فرسان عند رأس الينبوع فمضوا إليهم وقاتلوهم وقضوا عليهم دونما صعوبة. ونظر هيرود إلى الينبوع فإذا مياهه قد ارتفعت وعلت إذ لم تجد لها مخرجا. فقفز هيرود إلى الماء فوصل الماء إلى صدره وسار حتى دخل النفق وسار فيه قليلا وقبل أن يصل إلى السدة كان النفق قد إمتلأ بالماء إلى عنق هيرود فخاف الغرق فرجع ولم يصل إلى أول النفق حتى غطاه الماء تماما وامتلأ النفق بالمياه عن آخره .فرجع سباحة وبالكاد خرج ليتنفس فوق الماء. وكان الجن هناك فوق على رأس النفق فقال أفتاب : ماذا حصل ؟ فرد عليه هيرود وهو يعوم في الماء قائلا : في آخرهذا النفق سد ينبغي فتحه لتدخل مياه الينبوع إليه. عندها قفز أناهيد إلى الماء ودخل في ذلك النفق حتى وصل إلى السد الحاجز فتأمله ثم رجع. وعندما خرج من النفق كان هيرود خارجا واقفا مع الجن على رأس النفق فقال لهم أناهيد وهو يعوم : إذا فتحته دفعني الماء إلى الداخل, كيف إستطاعوا إغلاقه ؟ فقال هيرود : لم تكن المياه بهذا العمق حينها, هي كذلك الآن لإنهم سدوا مخرجها فتجمعت, قريبا ستعلو ذاهبه إلى الرمال, هل نربطك بحبل وتدخل في النفق ونمسك بالحبل ؟ فقال أفتاب : لا أظنه يصمد مع قوة الماء وقد ينقطع الحبل. فقال هيرود : ظننتكم معشر الجان تسكنون تحت الأرض؟ فقال بهرام : وأنتم تسكنون فوقها هل تطيرون في الهواء. فقال أناهيد وهو في الماء : أولائك يدعون بالغواصة, نحن لا نسكن الماء. فقال هيرود : نربط المغلاق بحبل ونشده من هنا. فقال أناهيد: إن مغلاق السدة ليس عموديا وإنما على الجانب. حينها نظر الأخوة الثلاثة إلى بعضهم البعض وقال أفتاب لأناهيد الذي بالماء : هل ممكن هذا ؟ فقال أناهيد : بل ليس غيره, لما لم نفكر في هذا من قبل وقد أتعبنا أنفسنا بالقفز في الماء؟ فقال بهرام : ربما لإنه هناك غيرنا هنا من يفكر لنا. وتضاحك الأخوة الثلاثه وهم ينظرون إلى هيرود فقال لهم هيرود : ماذا ؟ نفكر في ماذا ؟ فقفز أناهيد من الماء خارجا ووقف عند إخوته على رأس النفق وأخذ يعصر ملابسه من الماء فقال له أفتاب: إذا هيا. فنظر إليه أناهيد قائلا : لقد خرجت لتوي من الماء. فنظر إليه أفتاب بشدة وحزم قائلا له : نحن أخويك الأكبر منك سنا. فتقدم أناهيد من أعلى رأس النفق وهو غاضبا ومد يده إلى داخل النفق فطالت و امتدت يده حتى قبض بالسد الحاجز وتلمس المغلاق فأمسكه وفتحه فتدافعت المياه إلى داخل النفق وبدأ منسوب المياه في الينبوع بالإنخفاض فركبوا جيادهم راجعين .
إقتربت الملكة دبورة من الشيخ سموطان على ظهر جوادها فقال لها سموطان: أصدق أن المدينة تغوص ولكن إذا غاصت المدينة فلا بد أن تخلف ورائها حفرة, وإلا ما الذي غطاها من فوقها بالرمال وكيف سترتفع وكل ذلك الرمل عليها من فوقها لأصبح الوزن ثقيلا جدا ؟
داخل مملكة (ثيتا) وقد أصبحت مظلمه دخل إبن سايروس الأمير مرقس غرفة خاليه من كل شيئ. وأردف الباب وراءه وجلس وسطها ووضع كفيه متلاصقان أمام صدره ثم بدأ يقسم ويزيد من القسم ويعلو صوته بالتلاوة ويتمتم ويقول : آج أهوج جل جليوت جلجلت هي هل هلهلت طيطغت غلمهت شماخ أشمخ سلمه صمصام مهراش طمطام بازخ شرنطخ برهوت ياه يوه نموه أصاليا نجا عاليا صلصلت حوسمت حوسم دوسم براسم شلمهت أرمخت تعداد أيزام سنداد كاهر تشمخت يمليخ شمياثا يانوخ داميخ يشموخ على مانرم حقا يرون بقنضب تناو كماه أواه هشكاخ هشكاخ سمخثا شلمخا شلمخ عيطلا .

في صفوف الملك أجمنون تكلم أوريا وقال لهم وهم ينتظرون : مرقس إبن سايروس ليس رجلا عاديا ويستمد قوته مما حوله.. الرمال.. فما أتم كلامه حتى بدأ ذلك الرمل الذي المدينة تحته يهتز. وتجمع فوق بعضه من جميع الجوانب إلى الوسط حتى شكل هيئه رجل ضخم يجلس القرفصاء راصا بكفيه أمام صدره مغمض العينين جسمه من الرمل. وبدأت المدينة ترتفع من تحته وترفعه معها وهولا يتحرك من وضعيته وجموع الملك أجمنون يشاهدون ما يحدث حتى وصل اليهم هيرود وأفتاب وبهرام وأناهيد وأخذوا يطالعون ذلك التمثال الرملي الذي ظهرت المدينة تحته إلى أخرها. وهو لم يتوقف عن الإرتفاع حيث توقفت المدينة بل واصل بالارتفاع إلى أعلى بجلسته تلك لا شيئ تحته. وبعد قليل توقف عن الارتفاع وفتح عينيه فانتقز الجند من ذلك المنظر المهيب وقفز إلى الرمل واقفا فإذا هو رجل عملاق بطول عشرين مترا من الرمل على هيئة وشكل الأمير مرقس. فقال أوريا وهو بجانب الملك : لا مفر من الرمال في الرمال. وأطلق أوريا حصانه هاربا فصرخ عليه الملك أجمنون قائلا : أيها الخائن الجبان. ثم أخذ الملك أجمنون ينظر الى أوريا يبتعد بحصانه وتحسف عليه. وأخذ العملاق الرملي يلوح بيده على الجند فتكشطهم الرمال ويقاذفهم في كل مكان. ورجليه تحدث الزوابع الرملية القوية الدوران فتلقي بالجند وعتادهم على بعضهم داخل تلك الزوبعه. وأخذت أسلحه الجند تتطاير فتصطدم بالجند فتهلكهم فصرخ بهم الملك أجمنون قائلا : تفرقوا .. تفرقوا واخذ الجميع كل ينجو بنفسه. وأمسك هرمس بروث وديفي وطار بهما بعيدا في معزل وطارت الملكة في السماء ويد ذلك العملاق تتبعها من تحتها وهي تطير وتنظر الى تحتها الى أرجل العملآق الذي أحدث الزوابع إلى بطنه. فلحقت بها يده فأمسكها وسحبها إلى بطنه حيث الزوبعه الرميلة فارتطمت الملكة بقوة على الرمال عندها تهافت الأخوة الستة إليها ودخلوا في بطن الزوبعه وأخذوا يدورون بسرعة حول أمهم ثم أمسكوا بها وقفزوا بها بعيدا عن العملاق الرملي. في تلك ألأثناء إقترب أوريا من نافذة جدار المدينة على فرسه وطقطق على النافذة وهويقول بلغتهم : أنا أوريا إفتحوا لي أنا مستشار الملك سايروس أوريا افتحوا. ففتح من بالداخل النافذة فرأوه وعرفوه فقال لهم : إفتحوا لي البوابة بسرعة. فقالوا له : هات يدك فناولهم يده فسحبوه من النافذة عن ظهر جواده إلى الداخل. وهو بالداخل أخذ ينفض الغبار عن نفسه وسألهم : أين الأمير مرقس فقالوا له : أنه في خلوته. فتوجه إليه أوريا والجند في الخارج يتقاذفون في كل جهه. ومن يضربه العملاق بيده تلتصق تلك الرمال وتخرق جسمه. وقام يحصدهم مع خيولهم دونما أي مقاومة من الجند سوى محاولة الهرب من أمامه. ودخل أوريا على الأمير مرقس الغرفة وهو جالس هناك جلسه القرفصاء مغمض العينين وكفيه أمام صدره, ومن شدة تركيزه لم يحس بأحد يدخل عليه فدار أوريا خلفه وعندما إستل سيفه سمعه مرقس وفتح عينيه ولكنه كان متأخرا فجر عليه أوريا سيفه بضربه قويه فصلت له رأسه عن جسمه متدحرجا على أرض الغرفة وفي نفس اللحظة تهاوى ذلك العملاق الرملي الذي يصرع الجند, وتلاطمت رماله بالأرض وتهدم فرجعت مرة أخرى مجرد رمال ذهبية في الصحراء. وانكشف جو المعركة عن تلك المذبحة العظيمة والكل جرحى أو مقتولين مغبرين متألمين. إلا من تمكن من الهرب منهم فقد سلم. وأخذ الملك أجمنون يسير ويتفقدهم عن يمينه وشماله وأمامه. وتوقف لحظة حيث رأى الملك شمشون راقدا هناك. فأسرع الخطى نحوه فإذا هو قد أصيب بفأس على رقبته, فأس طيرته الزوبعة فثبت مرتكزا على رقبه الملك شمشون وجلس الملك أجمنون عند رأسه وأمسك بيده ينظر إليه وهو راقدا على ظهره مدميا وهو مازال فاتح عينيه لم يمت بعد, وانما يحاول أن يقول شيئا. والملك أجمنون حزينا عليه يحاول سماع ما يريد أن يقول. ثم قال شمشون بصعوبه والدم يخرج من فمه: هل تستحق رغباتك كل هذه الدماء؟ وفارق شمشون الحياة فبكاه الملك أجمون وقال له وهو ممسكا بيده: سأخبرك يا صديقي عندما نخرج للصيد معا .. سأخبرك. عندها حضر إليه هيرود فرأى أباه في تلك الحال فأخذ الملك أجمنون ينظر إلى إبنه متعزيا به حتى وصل هيرود عند أبيه فقال له الملك أجمنون بحزن : لقد بدأت التعود على أن يكون لدى صديق. ثم قاطع لحظتهما تلك عندما نظرا إلى حيث صوت يأتي من المدينه. فاذا هم يفتحون البوابات والملك وابنه والجند ينظرون إلى من يقدم عليهم بعد ذلك العملاق الرملي. فإذا ستين فارسا مدرعين بالادرعة السوداء, ويركبون خيول سوداء وكل ما لديهم من أسلحة هي باللون الاسود اللامع, واختلطوا بالسواد حتى صار جزء منهم. وتقدم أولائك الفرسان الذين لا تظهر وجوههم من الخوذ السوداء التي يلبسونها. تقدموا في ثلاثة صفوف كل صف عشرين فارسا يخرجون على ظهور خيولهم من البوابة متجهين إلى جند الملك أجمنون. فتحفز الجند للقائهم ولملموا ما يستطيعون وتجمعوا استعدادا لهم. ثم تراكض أولائك الجند السود هاجمين عليهم فاستهان جند الملك أجمنون بقله عددهم ولكن عندما وصلوا إليهم وبدأوا بقتالهم علموا أنهم جند لم تكتب لهم أن يموتوا بأسلحة البشر. فأخذوا يقتلون من جند الملك أجمنون. وساعدت الجن في قتالهم وردهم ولكن كلما حاولوا قتل أحدهم لا يموت. وسموطان يقاتل معهم وإذا ما وجد فرصة صعبة أغرز سيفه في الجندي ولكن تلك الفرصة الصعبة تذهب هباء, حيث لا تؤثر فيهم. فقال الشيخ لمن حوله من الجن والجميع في صراع مع أولائك الفرسان السود قال : لابد من قتل أولائك الصبية, ان أرواحهم تسكن هؤلاء الجند لذلك لا يمكن قتلهم. فقالت الملكة دبورة: لا بد وأن هناك طريقة أخرى. فقال الشيخ وهو يبارز: لا توجد طريقة أخرى وإلا أجهز هؤلاء الفرسان على من تبقى من الجيش, أرواح الصبية ستكون فداء لأرواحنا كما كانت أرواحهم فداء لهؤلاء. عندها طار الشيخ وطارت معه دبورة ولحق بهم كيوان وبهرام فطاروا حتى وصلوا إلى عند المعبد حيث الأشجار الكثيفة وحطوا هناك وإذا بالمكان ساكن في الغابة. تقدم الشيخ من المعبد وقريبا من مدخله سمعوا أصوات ضحكات ثم ظهر بعض الصبية يركضون إليهم, منهم من يركض من داخل المعبد ومنهم من وراءه وأولهم من جاءت من داخل المعبد بنت جميلة خرجت فرحة تركض باتجاه سموطان وهي تقول : بابا بابا والشيخ ينظر إليها حتى إذا ما وصلت مهرولة تريد أن تحتضنه قطع رأسها بسيفه والشيخ يتألم لها. فإذا أحد أولائك الجنود السود الستين يقع على الأرض ميتا في أرض المعركة دونما أن يمسه أحد. ثم أخذ بهرام وكيوان والأم الملكة والشيخ يقتلون أولائك الصبية ونفطرت لهم قلوبهم وهم يتألمون لهم من منظرهم وهم مضرحين بدمائهم, وكلما قتلوا واحدا منهم يموت من أولائك الفرسان السود واحدا وهكذا حتى قضوا على جميع الصبية وكذلك بالمقابل مات جميع الفرسان السود الستين فارسا. عندها فتحت أبواب المدينة وإذا يظهر منها أوريا وقد تقدم قومه إلى أن وصل إلى حيث الملك أجمنون فنظر إليه الملك أجمنون وكتفه ينزف مستندا بركبته على الأرض فقال له أوريا : أنا لم أهرب وانما إستعملت الحيلة, ولو لم أفعل ذلك لكان ابن سايروس قتلنا جميعا, لقد قتلته لهذا إختفت تلك الزوبعه الرملية. فنظر إليه الملك غير مصدق. فقال له أوريا : تصدق أولا تصدق هذه هي الحقيقة, وهؤلاء هم حكماء المملكة وقد أقنعتهم بالإستسلام.
بعدها دخل الجميع إلى المدينة وقد حضر الشيخ والملكة وأبنائها فدخل آجمنون المدينة وعند دخوله القصر والجماعة كلهم وراءه تلفت إلى خلفه حيث أوريا يسير مع الحكماء خلفه فقال له : أين القفل ؟ فقال أوريا : لا أعلم. والتفت أوريا إلى الحكماء من حوله ثم نظر إلى أحدهم وسأله : هل تعلم أين القفل ؟ فتقدم إليه وقال : لا علم لي به. فنظر الملك أجمنون إلى ذلك الشخص يتفحصه وقال لآوريا : ومن هذا ؟ فقال أوريا : هذا من مستشاري ومرافقي الأمير مرقس ابن سايروس ومن المقربين منه, وهو من أعز أصدقائي, أحد القلائل الذين أثق بهم. فنظر الملك أجمنون إلى الشيخ سموطان في عينيه ثم نظر سموطان إلى كيوان فتقدم كيوان من صديق أوريا تابع الأمير مرقس وقبضه من قفاه وحمله عاليا إلى أن أوصل رأسه إلى سقف القصر وهو يقول له : أين القفل والا رميتك الى ألأرض؟ فقال التابع وهو يصرخ : صدقني صدقني لا علم لي وكل شيئ تحت أمركم فتشوا عنه كما تشاؤن. عندها أشارت الملكة إلى كيوان بيدها وقالت: أنزله فنزل به كيوان من هناك إلى الإرض ثم تقدمت الملكة دبورة من حائط أبيض من حيطان القصر ورفعت يدها إليه وحركت بكفيها بإتجاهه وهي تنفخ على الجدار فظهر في الجدار إبن الملك سايروس مرقس وهو في غرفة وسطها القفل ومعه بعض الرجال, فحمل أربعة من الرجال القفل ووضعوه على عربة, فساق رجل يلبس كالكهان تلك العربة. عندها تقدم الشيخ إلى حيث الحائط وقال : قيسوس الرومي. فتنبه إليه الجميع ثم نظروا في الجدار فإذا ذلك الكاهن يعدو بالعربة المحمل بها القفل إلى كهف ودخل فيه. بعدها إختفت الصورة من الجدار فالتفتت الملكة إلى الشيخ وقالت : إنهم صادقين. لقد أبعد مرقس القفل قبل مجيئنا عند ذلك الكاهن. وقالت للشيخ وهي تقترب منه : هل تعرف ذلك الكاهن؟ فقال الشيخ سموطان وهو ينظر إلى الأرض : نعم إنه قيسوس الرومي, أحد معارفي. إقترب الملك أجمنون من الملكة دبورة وقال : أنظري لي ما حال هذا التابع معنا ساعة ما خرج علينا ذلك العملاق الرملي. ونظر الملك إلى أوريا وهو يقول ذلك إلى الملكة. فاقتربت الملكة مرة أخرى إلى الجدار وعملت كذلك فخرجت الصورة بذلك العملاق يضرب الجميع والتابع يخرج من الصفوف ويدخل من فتحة المدينة ويدخل على ابن سايروس ويقتله فينتهي ذلك العملاق الرملي في الحال وانتهت الصورة. عندها تلفت الملك إلى أوريا وأوريا ينظر إليه بأسى وقال له: ألآن صدقتني يا عماه؟ فقال الملك أجمنون : نعم يابني. واقترب منه وأمسك بكتفه وقال : سامحني, مثلي يجب أن يشك في كل أحد. فهز أوريا رأسه بالأيجاب والتسامح ثم إلتفت أجمنون للشيخ والملكة وقال : والآن ما العمل ؟ فقال الشيخ: أرى أن نستريح هنا لبعض الوقت حتى يستجمع الجنود صحتهم ونحن كذلك معهم ثم ننطلق وراء قيسوس الرومي. إلتفتت الملكة ثم سارت إلى أفتاب وقالت له : هل تذكر تلك العشبة من أين أتيت بها ؟ فقال : بلى. فقالت: إذهب وآتني منها بكمية كبيرة, فالمصابين كثر. فهز رأسه وانطلق. خرج هيرود من تلك الغرفة وخرجت وراءه هاداساه فشاهدتهما روث وتبعتهما, بينما كان أوريا وصاحبه ينظران إلى روث وهي تتبعهما خارجه من الغرفة. وكان هيرود يسير يرافق هاداساه حينما إقتربت منهما روث على عجل ودخلت تسير بينهما وقالت لهاداساه : إذا لما لا نتعرف على بعضنا أكثر. وأمسكت بيدها هاداساه ومشت بها وهي تنظر إلى هيرود الذي وقف ينظر إليها تأخذ منه هاداساه. فقالت روث لهاداساه وهي ما تزال ممسكة بذراعها تمشيان معا وخلفهما ديفي وهرمس : إذا كيف إلتقيتما؟ قالت هاداساه : من تعنين ؟ قالت روث : هيرود. قالت هاداساه: إلتقينا بالصدفة عندما كان يبحث عن أبيه الملك. وسكتت فقالت روث لها : ثم ؟ فقالت هاداساه : ثم ماذا ؟ قالت روث : صفي لي بالتفصيل. فضحكت هاداساه وقالت : حسنا ولكنها قصة طويلة. فقالت روث : أنا أحب القصص الطويلة. ومضتى مع بعضهما.
بعد غروب الشمس دخل هيرود على أبيه الملك أجمنون وهو في غرفته يستريح وقال له الملك وهو ينظر إليه : آه يا بني, لقد إشتقت إلى ديارنا. فقال هيرود : نعم لقد إشتقت إلى أمي وإخوتي. وجلس الملك متفكرا على سريره ومن خلفه لدى الباب إبنه هيرود. وراح خياله في مملكته وماله هناك من حياة الراحة والدعة .

صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
الفصل الثامن
في نفس الوقت في مملكة الملك أجمنون التي جلس الملك يفكر فيها دخل الحاجب على إبنه الأمير سامويل وقال : شيخان بالباب يودان مقابلتك سيدي. فأذن لهما بالدخول فدخل عليه شيخان كل منهما ذولحية طويلة بيضاء. واحد طويل القامة والثاني قصير. فتقدما من مجلس الأمير سامويل يمشيان والأمير يراقب تقدمهما حتى إذا ما وصلا إلى منتصف المجلس قال لهما الأمير سامويل من كرسيه حيث يجلس على العرش : هل أعرفكما ؟ لابد وأننا قد تقابلنا من قبل, فملامح وجهيكما ليست بغريبة, من أنتما ؟ فقال الشيخ الطويل : نحن لم نلتقي من قبل سيدي الأمير ولكن ثق بأنك لن تنسى وجهينا بعد اليوم. فارتاب في أمرهما الأمير وأمرحرسه بالقبض عليهما فتحرك الجند للامساك بهما ولكن الشيخان لم يتحركا من مكانيهما بل أخذا ينظران إلى الحرس بتركيز شديد. فأخذ الحرس يتهاوون إلى الأرض يتألمون ويعتصرون والأمير في ذلك ينظر مذهول مصعوق من أمرهما حتى أن الزبد أصبح يخرج من أفواه الحرس وكأن ثعبان قد لسعهما. فقام الأمير سامويل من كرسيه ونزل ينظر إلى حرسه وهم صرعا بلا حراك والزبد يملأ وجوههم وأفواههم. ثم توجه الشيخ القصير إلى الأمير سامويل وقال له : إطمان هذا فقط لتعلم قدراتنا أما أنت فلن يصيبك ما أصاب حرسك, كل ما نريده منك أن تأمر جنودك بفتح بوابة المدينة لاستقبال جنودنا الذين بالخارج ينتظرون, وقل لهم أنهم ضيوفك جاؤا لزيارة المدينة, ونحن نعدك بأن لا يصيبك مكروه وكذلك جندك. فغضب الأمير سامويل وأراد الهجوم عليهما ولكنه أمسك ببطنه وأخذ يعصره ألما ثم أخذ الزبد يخرج من فمه. حينها توقف الشيخان عن التركيز عليه فاسترد بعض عافيته واختفى ألمه فعاجله الطويل قائلا : هذا بالضبط هو مصير حرسك ومصير جندك من بعدك إن إردت المعاندة, إنما أنا وأخي قادران على أن نبيد عسكرك كله, ولكنا لسنا بقتله بل نحن من العلماء فأشفق على نفسك ونادى كبير جندك وافعل ما طلبنا منك فعله. فنادى سامويل كبير جنده مغلوبا بعد قليل من التفكير لأنه علم أنهم هالكون في كل ألأحوال. في الخارج وعلى مسافة من مدينة (زيتا), وبين ألأحراش, كان جيشا كبيرا يتربص بالمدينة ينظرون الى بوابتها, ينتظرون ألاشارة مرابطين. فاذا البوابة تفتح على مصراعيها. ففرح الجنود الرابظين هناك, وبدؤا يخرجون من بين ألأشجار يسيرون في صفوف منتظمة بخيولهم في طريق المدينة وقد بانوا لحراس البوابة. فساروا بكل هدؤ ودخلوا المدينة بسلام, حتلى اذا ما استقروا داخلها أخذوا يحصدونهم بأسلحتهم وهم عزل وعلى حين غرة, وقتل من قتل بالقصر ونجى من هرب, والأمير سامويل يراقب من شرفته متحسفا على شعبه ذلك الهلاك, واستدار سامويل إلى الشيخان وقال بحنق : لقد وعد تماني أهكذا يعد العلماء؟ فقال القصير : ليس لنا حول ولا قوة عليهم. حينها دخل أميرا المجلس مسرعا فإذا هو الملك ميشا ملك مملكة (في) وقد تقلد بزته الحربية, وتوجه إلى الأمير الذي يقف بجانب الشرفة وناوله بسيفه على رقبته فأخذ الدم يتدفق من رقبة سامويل وكأنه شلال وهو يمسك بيده على جرحه. والشيخان ينظران إليه متأسفان على مصيره الذي لا ذنب له فيه إلا أنه وثق بهما. فرفسه الملك ميشا في بطنه فوقع من أعلى الشرفة وارتطم بفناء القصر ميتا بلا حراك مخضبا بالدماء التي إنتشرت حول ملقى جثته. والملك ميشا بعد أن كان ينظر من الشرفة متشفيا في سامويل المغدور إلتفت إلى الشيخان وراءه وقال : الآن فقط برد فؤادي منك يا أجمنون. وتوجه إلى كبير جنده وقال له : إجمع جميع من بالقصور الملكية وكبار حكمائهم وحاشيتهم وأدخلهم السجن .

وصل أفتاب بالعشبة وأعطاها لأمه الملكة دبورة وقد كانت حزمة كبيرة من أوراق تلك العشبة فأخذتها لتداوي بها الجرحى .
في أفنيه القصر في مملكة (ثيتا) كان يجلس بعض من الجند ووجد الجن الأخوة الستة مكانا للجلوس بينهم متفرقين ولكن قريبين من بعضهم بحيث يتخلل بينهم الجند. وأخذ جند سايروس ينظرون إلى الجن مستعجبين من هيآتهم وأشكالهم فقال أحد الجند لهم : إذا تحت إمرت من أنتم ؟ ووجه كلامه إلى الجن وهو يلتفت إلى رفاقه ويبتسم فنظر الأخوة الجان إلى أخيهم الكبير أفتاب. حينها قال أفتاب لذلك الجندي وهو يشتمل بالحكمة : نحن لسنا تحت إمرت أحد إنما قدمنا للمساعدة فقط. وأشار أفتاب إلى إخوته واحدا تلو الأخر قائلا : كل واحد منا ملك على قبائل وشعوب من بني جنسنا, وتحت إمرت كل واحد منا فيالق وجيوش عظيمه وقواد. فقال ذلك الجندي مستهينا: ملوك ! هرمس الذي يحرس الفتيات والمخابيل ملك. والتفت إلى أصحابه وراحوا يضحكون.

في داخل بهوات القصر خرج الملك أجمنون وهو يرتدي ملابس خفيفة ووراءه إبنه هيرود فقامت الملكة دبورة عنما شاهدت الملك أجمنون يقف هناك بالقرب منها ينظر إليها وهي تعالج الجرحى فقالت: الملك أجمنون ! ظننتك خلدت للراحة ؟ ثم التفتت الملكة إلى يسارها حيث أقبل الحكماء وتبعهم هرمس وديفي وروث ومعهم أوريا وبعض الجند فقاطعها الملك أجمنون قائلا : لم أستطع النوم لقد خسرنا أناس شجعان كنا نحبهم. فقالت الملكة دبورة بأسى : تقصد الملك شمشون, نعم لا يمكن لأحد الإحتفاظ بكل ما يريد ويحب .
في الخارج كان إخوة الجن قد تضايقوا من جند سايروس ولهوهم وتحرشهم فنظر أفتاب إلى الأرض فشاهد خنفساه تجر شيئ من غوط البهائم فأشار إليها أفتاب بيده وقال للجندي ورفاقه : مثل هذه الخنفساه, الخنفساه تعيش في القذارة لذلك تتمنى أن حياتها وكل ما حولها قذارة, ولكن هل تعلم هي أن تلك قذارة؟ بالطبع لا ولكن ما عندنا قذارة عندها أجمل ما في الوجود. ونظر أفتاب إلى الجند وهم ينظرون إلى بعضهم البعض غير مدركين المغزى من الحديث وقال أحدهم وكان يجلس بجانب برجيس : هل تعني أن هرمس مثل هذه الخنفساه ؟ وضحك عندها رفاقه بصوت عالي. عندها برجيس الذي بجانب ذلك الجندي تحول إلى قطة سوداء كبيرة وقد لمح ذلك الجندي بطرف عينه حيوانا كبيرا بجانبه دونما أن يجد الشجاعة للإلتفات إليه فتجمدت ضحكتة وكذلك عيون أصحابه وهم ينظرون إلى تلك القطة السوداء الضخمة التي بدأت تقفز عاليا وعندما تصل أرجلها الأرض تقفز مرة أخرى وهكذا بجانب ذلك الجندي, واقشعرت جلودهم عندما تحول الأخوة الآخرين إلى سباع ونمور وفهود كبيرة تزأر. فنهض الجند مسرعين يركضون إلى داخل غرف القصر يصيحون وتلك الحيوانات المفترسة تركض خلفهم والجند تتراكض ويكاد الواحد منهم أن يلفظ قلبه من فمه من الخوف. قبل ذلك بقليل حيث كان الملك أجمنون يقف قبالة الملكة دبورة يتحدثان بينما الجميع يستمعون إلى حديثهما نظر الملك أجمنون إلى خلف الملكة دبورة يتبين شخص قادم من أبواب تلك الردهة وقد لبس الاسود وربط وسطه بحبل وأسدل على رأسه الغطاء فلا يبان وجهه. فتقدم الملك أجمنون متجاوزا الملكة إليه والتفتت الملكة مستديرة لترى ما أدهش الملك وجذب إنتباهه خلفها. فإذا ذلك الشخص يتقدم الجند واستنفر الجند لردعه ولكنه ضل ماشيا إلى هدفه حتى وصلت أيدي الجند إليه فصرخت بهم الملكة دبورة مشيرة إليهم بيدها قائله : دعوه. عندها توقف ذلك الغريب ووقف الجند بالقرب منه متأهبين لآي حركة منه. فقام الغريب بمد يده السوداء المخيفة التي كأنها يد الغوريلات ورفع غطاء وجهه فما أن رفع الغطاء حتى شهق الجميع من ذلك المنظر القبيح والمخيف لوجه ذلك الشخص. فتقدمت الملكة دبورة متجاوزة للملك أجمنون أمامها وقالت لذلك الضيف: ما الذي أتى بك؟ فقال: مولاتي, الغواصة. ونظر اليها ذلك الجني ونظرت الملكة إلى عينيه الصفراوتان فعلمت منه ما حدث. حينها دخل عليهم المكان أولائك الجند الخائفين مسرعين محدثين ضجة وجلبه أثارت الجميع حتى وصلوا إلى عند ذلك الجني الذي يلبس لباس الكهان فزاد خوفهم عندما رأوه وتوقفوا وأرادوا الرجوع إلى الخلف فدخلت خلفهم السباع. وعندما وصلت الحيوانات إلى أولائك الجند شاهدوا الملكة أمهم فتحولوا فورا على ما كانوا عليه ووقفوا ينظرون إلى ذلك الراهب فعرفوه. فتوجهت الملكة إلى الشيخ وقالت: إنهم الغواصة, ما أن يجدوا ثغرة للدخول إلى مملكتنا حتى يهاجمونا منها, يجب أن نذهب للمساعدة, وعلى كل حال أنتم أيضا ستحتاجون لبعض من الراحة في هذا المكان. ونظر في عينيها سموطان بتركيز كما نظرت هي وهي تتقدم منه وقالت : سأعود سريعا. عندها أطرق سموطان رأسه بالإيجاب. فالتفتت الملكة ووضعت الماعون الذي كانت تداوي به ذلك الرجل واعتدلت ومضت إلى أبنائها ثم إختفت واختفى بعدها أولادها الستة. ونظر ذلك الجني الذي يشبه الغوريلا إلى ذلك الجندي الذي كان يستهزأ بهرمس نظرة مخيفة أفزعته وارتد الجندي إلى الوراء. ثم التفت الجني إلى الخلف وخطى بضع خطوات بإتجاه الباب واختفى هو ايضا .
خرج هيرود من القصر يتمشى وإذا به يشاهد نارا موقدة فتقدم إليها حيث يجلس حول النار روث وهاداساه وديفي وهرمس وشهلون وأوريا وتابع الأمير مرقس آرميا. تقدم منهم هيرود حتى جلس بينهم متدفأ بالنار. فالصحراء الرملية باردة ليلا ولكن الجماعة كانوا صامتين ينظرون إلى هرمس الذي ينظر إلى النار وهو واجم. وعندما شاهد هيرود ذلك سأل هرمس وقال : لما أنت عبوس على غير عادتك؟ ألأنك لم تذهب معهم؟ فرفع هرمس رأسه قائلا : هم يعلمون ما عليهم فعله ولكن لم أرى شعبي منذ فترة. فقال شهلون لهرمس : من ذلك القبيح الأسود ؟ فنظر إليه هرمس وقد ابتسم ابتسامة إمتعاض من سؤاله وقال : إنه كبير جند المملكة, وأعتقد أنه أختير لذلك المنصب لإنه أجمل واحد فينا. فاستغرب الجميع واندهشوا فقالت هادساه باستغراب : أجمل واحد فيكم!! قال هرمس: نعم إن ما ترونه من أشكالنا هذه هي ليست أشكالنا وما نحن عليه, وانما نتشكل بها لنستطيع أن نقترب منكم, والا لفزعتم منا كما خفتم لدى رؤيتكم كبير الجند, وهذه الملابس نحن لسنا بحاجة إليها, وإنما نلبسها من أجلكم. فقالت هاداساه : ألا تلبسون شيئا؟ كم هو من الممتع أن يعيش الشخص بينكم. وابتسمت هاداساه خجله عندما نظر الحاضرون إليها باستغراب لأمنيتها تلك. فقاطعهم هرمس قائلا : خلق الله الجن على هذه الأرض وهم لا يلبسون شيئا, ثم خلق بعدهم بأربعين ألف سنة أدم وحواء وهما هناك في الجنة كانوا عراة, حتى عصى آدم ربه فأنزله وحواء إلى الأرض عندما ألبسه ابليس هناك في الجنة فلبسه الله هنا في الأرض, لذلك سمي إبليسا, وعندما نزلوا ظننا أنه يرانا حتى علمنا أنه لا يستطيع أن يرانا, وذلك لإنه عصى ربه فأعمى الله بصره إلا عما يستطيع أن يلمسه, ولإنه لم ينظر بقلبه إلى أمر الله ونظر بشهوته المادية حكم عليه بان يكون ماديا, لذلك كان لزاما عليه أن يرتدي شيئا ليواري سؤته وهو بمثابة الرداء كما وضع على عينيه الرداء. فقال شهلون : لماذا لانستطيع أن نراكم ؟ فقال هرمس : إن الإنسان سيرى الجن إذا قهر نفسه وماديته واستطاع أن ينظر داخله بداخله وتخلص من شهواته وتجرد من عيوبه ومعاصيه, حينها ينظر كل شيئ حوله. فقال شهلون : مثل الشيخ سموطان؟ قال هرمس : نعم مثل الشيخ, ولكن سرعان ما يشتغل ابن آدم بملذاته فينسى نفسه ولا يستطيع أن يراها ثم لن يستطيع أن يرى أخاه الذي يجلس بجانبه, حينها كيف يستطيع أن يرانا, عندها سيكون الجن في أمان .

في صباح اليوم التالي خرجت هاداساه بفرس وبجانبها هيرود فوق فرسه يسيران من بوابة المدينة. فسارا حتى وصلا إلى نبع النهر حيث كانت هاداساه تسكن مع أبيها وأمها, وحيث تربت طوال حياتها وحيث التقت بهيرود أول مرة. وعندما وصلت إلى العريش شاهدت قبرا بجانب الضفة فنزلت من على فرسها بإتجاهه وتبعها هيرود مترجلا حتى انكبت على القبر وراحت تتأمله وهي فرحة وحزينة. ونظرت إلى هيرود من خلفها وقالت له : لابد وأنه قبر أبي. ثم وضعت رأسها محتضنة القبر وأخذت بالبكاء ولم يقطع بكائها وخلوتهما الا صوت روث من خلفهما وهي تقول : هل هذا هو قبر أبيك ؟ فنظر كلا من هيرود وهاداساه إلى الخلف فاذا هي روث وقد ترجلت من على فرسها وخلفها تابع الأميرمرقس أرميا يجر فرسه. فاغتاظ هيرود من تدخل روث وقطعها خلوته بهاداساه وقال لروث : ما الذي أتى بكما إلى هنا ؟ هل تبعتمانا ؟ فقال تابع مرقس أرميا: لا وإنما إقترحت روث أن نذهب للنبع فقد قالت أنها سمعت بوجود نبع قريب من المملكة فقلت نعم, فطلبت مني ارشادها الطريق إليه وأن نقضي بعض الإستجمام عنده. ثم تقدمت روث من هاداساه وأنهضتها من على القبر وقالت لها وهي تنظر الى النبع: هيا لنمرح قليلا فالنبع جميل حقا بين هذه الكثبان الرمليه القاحلة. ثم جرتها من يدها وركضتى بإتجاه الماء يتضاحكان وتبعهما هيرود على حنق وخلفه آرميا مبتسما وأمضيوا النهار كله وهم في النبع حتى مغيب الشمس .
دخل هيرود وهاداساه وروث وأرميا إلى مجلس المملكة فإذا الجميع مجتمعين من حول كرسي العرش الذي يجلس عليه الملك أجمنون, وعند دخولهم توجه أوريا إلى صاحبه آرميا وشد على يده قائلا بحنق : أين كنت طوال اليوم؟ عندها تكلم الملك أجمنون وقال لهم : أعدوا العدة للخروج غدا صباحا بكل ما تحتاجون من العدد والمؤن. عندها تكلم كبيرجند الملك شمشون الراحل وقال : سيدي الملك أجمنون, اسمح لي بالرجوع بالجند إلى مملكتنا. فتفاجا الجميع من هذا الكلام حتى أن الملك أجمنون قطب حاجبيه وقال : لقد جاء بكم الملك شمشون لمساعدتنا والانضمام إلينا وحتى أنه وللأسف قد فارقنا لكانت هذه هي رغبته, أنةتكونوا معنا. فقال كبير جند شمشون : نعم يا مولاي, ولكن هناك من يجب أن نأتمر به الآن, وإذ الملك قد رحل يجب أن نعلم أبناءه بذلك, فقد يكون لديهم أمر آخر لنا وذلك من شانهم, بل هو إذا توافقني الرأي بحكمتك هو من حقهم إرث أبيهم. فأطرق الملك أجمنون رأسه ونظر إلى الشيخ سموطان الذي هز برأسه له بالإيجاب ثم مد الملك أجمنون يده باسطا كفه بإتجاه كبير جند شمشون قائلا : ولكنا بحاجه اليكم, فعددنا قليل. ولكن كبير جند شمشون أراد أن يحاجه فقاطعه الملك أجمنون وهو ما يزال باسطا كفه وأشار بها إليه بالإنصراف قائلا : حسنا ذلك وما تريد. فأحنى كبير جند شمشون رأسه قائلا : شكرا لتفهمكم يا مولاي. ثم إنصرف من المجلس ليعد جنده للرحيل باكراً. نظر الملك أجمنون إلى سموطان وقال : وما العمل الآن؟ لقد أصبحنا....ونظر أجمنون إلى كبير جنده متسائلا : كم نحن الآن ؟ فقال كبير جنده : أقل من فيلق واحد بقليل, ومعظهم جرحى. فقال سموطان : هذا ونحن بدون الجن. وبدى عليه الأسى فقال أوريا : مولاي, يمكننا أن نجمع فيلق أو إثنين من الجند من هنا. فقال الملك أجمنون : تعني من جند (ثيتا) ؟ فقال أوريا : نعم, هناك منهم من هو متشوق للمغامرة وللقتال حيث لم يقاتلوا أحدا منذ زمن طويل, بل لم أشهد لهم قتالا منذ وجودي بينهم. فقال الملك : حسنا إذا إذهب أنت وابن عمك هيرود واجمعا ما تستطيعان من الجند. فخرج هيرود وأوريا وقد إنبسط أوريا من وصفه إبن عم لهيرود فخرج به ولحق بهم شهلون وصاحب أوريا تابع مرقس آرميا حتى وصلوا إلى الجند. التفت الملك أجمنون إلى الحكماء من حوله وحيث روث وهاداساه وديفي وهرمس وسموطان, وجال ببصره فيهم ثم قال : لم أكن أعلم أن هذه الرحلة ستكلفني كل هذه الخسائر. فقال سموطان : مولاي خرجت في مطلب عظيم, والعظيم لابد وأن ثمنه من جنسه, ليس لك الأن إلا الصبر أو ... الرجوع إلى مملكتك والإكتفاء بما قد خسرت إلى الآن. فقال الملك أجمنون وهو ينظر إلى سموطان وقد علت همته وتجددت رغبته : هذا مستحيل, أن أرجع !! لا يمكن, بعد لم أبذل حياتي في سبيله, لقد إنتظرت تحقيق هذا الحلم بجمع هذه المفاتيح السبعة طوال عمري, وكان هذا حلم أبي وأجدادي من قبله, لقد كان أبي يعدني لتحقيق هذا الهدف منذ أصبحت أستطيع إستخدام رجلي, أما الصبر فهذا نعم. وابتسم الملك أجمنون وهو ينظر إلى سموطان وقال : هل لديك شيئ عن الصبر أيها الشيخ الحكيم ؟ وتوجهت أنظار الحكماء من حول الملك إلى سموطان. والجميع في لهفة لسماع ما سيقول مما أجبر سموطان للرد على الملك قائلا : لا توجد قصة, أحكم في الصبر من صبر نبي الله أيوب. فقالت هاداساه بصوت عالي ملهوف أدهشت الجميع اليها : إحكها لنا. ثم سكتت خجلة عندما نظر الكل إليها فقاطعهم سموطان قائلا : كان أيوب رجلا طويلا عظيم الرأس جعد الشعر وحسن العينين والخلق, قصير العنق غليظ الساقين والساعدين, وكان الله إصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا, وكان له من أصناف المال كله, من الإبل والغنم والخيل والحمير ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة, وكان له خمسماية فدان, يتبعها خمسماية عبد لكل عبد امرأة وولد ومال, وكان الله أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء, وكان إمرء تقيا رحيما بالمساكين يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل, وكان شاكرا لأنعم الله مؤديا لحقه وقد امتنع من عدو الله إبليس أن يصيب منه ما أصاب من أهل الغنى من العزة والغفلة والتشاغل والسهو عن أمر الله بما هو فيه من الدنيا, فقال إبليس: يا الهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك, وعافيته فحمدك, ثم لم تختبره لا بشدة ولا بلاء, وأنا لك ضامن لإن ضريته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك. فقال الله : إنطلق إليه, فقد سلطتك على ماله. فجمع إبليس عفاريت الشياطين وعظمائهم فقال لهم : ماذا عندكم من القوة والمعرفة؟ فإني قد سلطت على مال أيوب, وزوال المال هو المصيبة الفادحة والفتنة التي لا تصبر عليها الرجال. فقال عفريت من الشياطين : أعطيت من القدرة ما لوشأت تحولت إعصارا من نار فأحرقت كل شيئ آتي عليه. فقال له ابليس : فأتي الإبل فاحرقها ورعاتها. وإذا الرعاة في المرعى ومعهم إبلهم ترعى ما يشعرون حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار تنفخ فيها رياح السموم, لا تدنوا من أحد إلا أحرقته, فلم يزل يحرقها ورعاتها حتى أتى على آخرها, فلما فرغ منها تمثل إبليس على صفة راعي إبل ثم إنطلق إلى أيوب حتى وجده يصلي فقال له : يا أيوب. فقال : لبيك. فقال إبليس : هل تدري ما صنع بك ربك الذي إخترته وعبدته بإبلك ورعاتها ؟ فقال أيوب : إنها ماله أعارنيها وهو أولى بها إن شاء تركها وإن شاء أخذها, وقد تيقنت وطابت نفسي أني ومالي للفناء والزوال. فقال إبليس : فإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فأحرقت كلها, وبقي الناس مبهوتين وقوفا عليها يتعجبون منها, فمنهم من يقول: ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور. ومنهم من يقول : لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه من حريق مواشيه. ومنهم من يقول : بل هو الذي فعل ما فعل فشمت به عدوه, وفجع به صديقه. فقال أيوب : الحمد لله الذي أعطاني وحيث شاء نزع مني, عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى القبر وعريانا أحشر إلى ربي. فرجع إبليس إلى أصحابه خائبا ذليلا وقال لهم : ماذا عندكم من القوة ؟ فقال عفريت من عظمائهم : عندي من القوة مالو شأت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه. فقال إبليس : فأت الغنم ورعاتها. فانطلق ذلك العفريت حتى توسط الغنم فصاح صوتا ماتت منه الغنم جميعا وماتت رعاتها. وتمثل إبليس بصورة كبير الرعاة حتى جاء إلى أيوب وهو قائم يصلي فقال له مثل قوله الأول فرد عليه أيوب مثل ما قال في المرة الاولى فرجع إبليس إلى أصحابه فقال : ماذا عندكم من قوة ؟ فقال عفريت من عظمائهم: عندي من القوة ما إذا شأت تحولت ريحا عاصفا تعصف كل شيئ تأتي عليه حتى لا يبقى منه شيئ. فقال له إبليس : فأت الفدادين والحرث. فانطلق حتى قرب من الفدادين واستوى في الحرث ومزارعيها فيها فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيئ حتى كأنه لم يكن. تم تلبس إبليس بكبير الزراع حتى جاء إلى أيوب وهو يصلي فقال له مثل الاول فأجابه أيوب بمثل جوابه الاول. فجعل إبليس يصيب من ماله الاول حتى أتى على آخره. وأيوب كلما إنتهى إليه هلاك مال من ماله حمد الله وأحسن الثناء عليه ورضي بقضاءه حتى ما بقي له مال. فلما رأي إبليس أنه قد أفنى ماله ولم يتأثر إيمانه ولا نجح إبليس في شيئ من أفعاله قال إبليس : إلهي ان أيوب يرى أنك إذا ما حفظت عليه نفسه وولده فأنت معطيه المال, فهل أنت مسلطي على ولده فإنها الفتنة المظلمة والمصيبة التي لا تقوم لها قلوب الرجال ولا يقوى عليها صبرهم؟ فقال الله : إنطلق فقر سلطتك على ولده. فنزل إبليس على قصر أيوب وأولاده بداخله ولم يزل يزلزله حتى تداعى القصر من قواعده, ثم جعل يناطح جدرانه بعضها ببعض فرماهم بالخشب والجدران حتى أصبحوا تحت الأنقاض, ثم رفع بهم القصر وقلبه فصاروا منكسين ثم نطلق إبليس متمثلا بصورة المعلم الذي كان يعلم أولاده الحكمة وهو جريح مشدوخ الرأس والوجه يسيل دمه من رأسه فأخبره بذلك وقال له: يا أيوب, لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلب بهم القصر وكيف نكسوا على رؤسهم تسيل دماؤهم و أدمغتهم من أنوفهم وشفاههم ,ولو رأيت كيف شتتت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك. فلم يزل إبليس يقول هذا ويردده حتى رق أيوب عليهم وبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه ففرح إبليس بذلك ولكن فرحته لم تتم إذ أن أيوب تذكر الله وأنزل قبضة التراب ورضي بقضاء الله فوقف إبليس خاسئا ذليلا فقال إبليس : يا إلهي, إنما هون على أيوب ضر المال والولد أنه يرى أنك حفظت عليه نفسه والمال والولد معوض فهل أنت مسلطي على نفسه وبدنه؟ فإني لك ضامن إن إبتليته في جسده لينسينك وليكفرن بك وليجحدن نعمتك. فقال الله انطلق فقد سطتك على جميع جسده ولكن ليس لك أسلطان على لسانه وقلبه ولا على عقله. فذهب إبليس إلى إيوب فوجده ساجدا وقبل أن يرفع رأسه أتاه من قبل الأرض في موضع وجهه ونفخ في منخرة نفخة إشتعل منها جسدة فذهل وخرج به من ترقوته إلى قدمه ثآليل مثل الياث الغنم, ووقعت فيه حكه لا يملكها ولا يتماسك عن حكها. فحك بأظافره حتى سقطت كلها, ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها, ثم بالفخار الخشنة فلم يزل يحكها حتى نزل لحمه وتقطع وتغير وأنشق فأخرجه أهل القرية فجعلوه على المزبلة وجعلوا له عريشا هناك, فرفضه خلق الله كلهم غير إمرأته كانت تأتي إليه بما يصلحه وتكرمه وبما كانت تخدم به عند الناس. وأيوب صابر لحكم الله راضي ولا ينتقطع لسانه عن ذكر الله ولا عقله بالتفكير في عظمته. فصرخ إبليس في أعوانه وقال : أعياني هذا الصيد, لم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزده ذلك إلا صبرا وثناء على ال,له ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقى على المزبلة لا يقربه أحد إلا أمراته فاعلموني ماذا أفعل أكثر من ذلك؟ فقالوا له : نشير عليك أن تأتيه من حيث أتيت أبيه آدم وأخرجته من الجنة, من قبيل امرأته, فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها. فقال : أصبتم. وانطلق حتى أتى إمراته وهي تطلب الصدقة فتمثل لها في صورة رجل فقال لها : أين زوجك ؟ فقالت له : هو ذاك يحك قروحه وتتردد الدواب في جسده منذ سبع سنين. فلما سمع منها ذلك طمع أن تكون وسيلته إلى أيوب فوسوس لها وذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال وذكرها بشباب أيوب وجماله وما هو فيه اليوم من الضرر وأن ذلك لا ينقطع عنه أبدا. فصرخت فلما سمعها تصرخ أتاها بغنمة وقال لها ليذبح أيوب هذه لي وسيبرأ. فجاءت إلى أيوب تصرخ وقالت : إلى متى يعذبك ربك ولا يرحمك؟ أين المال والماشية ؟ وأين جسمك الحسن ؟ قد بلي وهو يتردد فيه الدود, إذبح هذه الغنمة واسترح. فقال لها أيوب : أتاك عدو الله فنفخ فيك فأجبتيه, أتريدينني أن أذبح لغيرالله؟ فإني لن أذق منك طعاما ولا شرابا بعد اليوم, أغربي عني لا أراك. فطردها فذهبت. ثم كان لأيوب في أيام الرخاء والعز ثلاثة أصدقاء : اليقين ومالك وظافر وكلهم كهول فأتوه حيث هو في المزبلة والدود يأكل لحمه فلما رأى أصحابه الثلاثة ما إبتلاه الله به وقفوا بعيدا عنه لنتانة ريحته, واتهموه ورفضوه وبكتوه ولا موه وقالوا له : تب إلى الله من الذنب الذي عوقبت به. فقال لهم أيوب : أتيتموني غضابا, ولو نظرتم فيما بينكم وبين ربكم ثم صدقتم لوجدتم عيوبا سترها الله عليكم بالعافية التي ألبسكم لله اياها, وقد كنت فيما خلا, الرجال توقرني وأنا مسموع كلامي معروف حقي منتصف من خصمي, فأصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم, فأنتم اليوم أشد علي من مصيبتي. ثم أعرض عنهم أيوب وأقبل على ربه مستغيثا متضرعا إليه فقال : رب, لأي شيئ خلقتني؟ ليتني إذ كرهتني ما خلقتني, ياليتني كنت حيضة القتني أمي, أو ليتني قد عرفت الذنب الذي أذنبت والعمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني, لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أحمد لي, يا إلهي, كنت للغريب دارا وللمسكين قرارا ولليتيم وليا و للأرملة قيما, الهي, عبد ذليل إن أحسنت فالمنة لك وإن أسأت فبيدك عقوبتي, جعلتني للبلاء غرضا وللفتنة نصبا, وقد وقع علي بلاء لو سلطته على جبل لضعف عن حملة فكيف يحمله ضعفي ؟ الهي تقطعت أصابعي فإني لا أرفع الأكلة من الطعام الإ بيدي الإثنتين فما يبلغان فمي إلا على الجهد مني, إلهي تساقطت لهواتي ولحم رأسي فما بين أذني من سداد بل أحدهما ترى من الأخرى, وإن دماغي ليسيل من فمي, إلهي تساقط شعري كأنما أحرق بالنار وجهي وحدقتاي متدليتان على خدي وورم لساني حتى ملأ فمي, فما أدخل فيه طعام الا غصني, وورمت شفتاي حتى غطت العليا أنفي والسفلى ذقني, وتقطعت أمعائي في بطني وإني لأدخل الطعام فيخرج كما دخل ما أحسه ولا ينفعني, وذهبت قوة رجلي فكأنما قد يبستا ولا أطيق حملهما, وذهب المال فصرت أسأل بكفي ويطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمن بها علي ويعيرني, إلهي هلك أولادي ولوبقي واحد منهم أعانني على بلائي ونفقتي, قد ملني أهلي وعفني أرحامي وتنكرت لي معارفي, ورغب عني صديقي وقطعني أصحابي وجحدت حقوقي ونسيت صنائعي, أصرخ فلا يصرخونني وأعتذر فلا يعذروني, دعوت غلامي فلم يجبني وتضرعت لأمي فلم ترحمني, وإن قضائك هو الذي أذلني وأدناني وأهانني وأقامني, وإن سلطانك هو الذي أسقمني وأنحل جسمي, ولو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري فأطلق لساني لأتكلم بملء فمي, ولو كان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن يعافيني عند ذلك مما بي, ولكنه أنفاني وتخلص عني فهو يراني ولا أراه ويسمعني ولا أسمعه, ولا نظر إلي فرحمني ولا أدنى مني ولا أدناني فأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي .
فلما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده أظلته غمامه حتى ظن أصحابه أنه عذاب. ثم نودي يا أيوب إن الله يقول لك : ها أنا ذا قد دنوت منك, فلم أزل منك قريبا فقم فادل بعذرك وتكلم ببرائتك وخاصم عن نفسك واشدد عليك إزارك وقم مقام جبار, فإنه لا ينبغي أن يخاصمني الا جبار مثلي, ولا ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل الزمام في فم الأسد والسخال في فم العنقاء واللحم في فم التنين, ويكيل مكيالا من النور ويزن مثقالا من الريح ويصّر صرة من الشمس ويرد أمس, لقد منتك نفسك أمرا ما يبلغ بمثل قوتك, و لو كنت إذ منتك نفسك ذلك ودعتك إليه تذكرت أي مرام رامت بك, أردت أن تكاثر فيّ بضعفك ؟ أم أردت أن تخاصمني بغيك ؟ أم أردت أن تحاجني بخطأك ؟ أين كنت يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها ؟ هل علمت بأي مدار قدرتها ؟ أم كنت معي تجر بأطرافها ؟ أم تعلم ما بعد زواياها ؟ أم على أي شيئ وضعت أكتافها ؟ أبطاعتك حمل الماء والأرض ؟ أم بحكمتك كانت الأرض على الماء غطاء ؟ أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء ؟ لا معالق تمسكها ولا تحملها دعائم من تحتها, هل يبلغ من حكمتك أن تجري وتسير نجومها ؟ أم هل بأمرك يختلف ليلها ونهارها ؟ أين كنت مني يوم سجرت البحار ؟ وأنبعت الأنهار ؟ أقدرتك حبست أمواج البحار على حدودها ؟ أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها ؟ أين كنت مني يوم صببت الماء على التراب ؟ ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل لك أن تطيق حملها ؟ أم كنت تدري كم من مثقال فيها ؟ أين الماء الذي أنزلته من السماء ؟ هل تدري كم من بلدة أهلكتها ؟ وكم من قطرة أحصيتها ؟ وقسمت الارزاق ؟ أم قدرتك تسير السحاب ؟ وتنثر الماء ؟ هل تدري ما أصوات الرعد ؟ أم من أي شيئ لهب البرق ؟ وهل رأيت عمق البحر ؟ أم هل تدري ما بعد الهوى ؟ أم هل تدري أين خزانة النهار بالليل ؟ وأين طريق النور ؟ وبأي لغة تتكلم الأشجار ؟ وأين خزانة الريح ؟ وأين جبل البرد ؟ أم هل تدري من جعل العقول في أجواف الرجال ؟ ومن شق الاسماع والابصار ؟ ومن ذلت الملائكة لملكة ؟ ومن قهر الجبارين بجبروته ؟ وقسم أرزاق الدواب والعباد بحكمته ؟ ومن قسم للأسد أرزاقها ؟ وعرف الطيرمعاشها ؟ وعطفها على أفراخها ؟ ومن أعتق الوحوش من الخدمة ؟وجعل مساكنها البرية ؟ لا تأنس بالأصوات ولا تهاب السلاطين , بحكمتك عطف عليها أمهاتها حتى أخرجت لها من أجوافها طعاما ؟ وآثرتها بالعيش على نفسها ؟ أم بحكمتك يبصر العقاب الصيد البعيد واضحا في أماكن الفلا ؟ أين كنت يوم خلقت البهموت في مكانه في منقطع الثرى ؟ هل لك في خلقها من شرك ؟ أم لك بالقوة التي غلبتها يدان ؟ أم هل يبلغ من قوتك أن تضع يدك على رؤسها ؟ أم تقعد على طريق فتحبسها أو تصدها عن قوتها؟ أين كنت يوم خلقت التنين؟ رزقه في البحر ومسكنه في السماء, وعيناه تتوقدان نارا ومنخراه يثوران دخانا, أذناه مثل قوس السحاب يثور منهما لهب كأنه إعصار العجاج, جوفه يحرق ونفسه يلتهب وزبده حجر كأمثال الصخور, ضرب أسنانه كأنه أصوات الصواعق وكأن نظر عينيه لمع البرق, تمر به الجيوش وهومتكيء لا يفزعة شيئ, ليس فيه مفصل زبر الحديد عنده مثل التبن والنحاس عنده مثل الخيوط, لا يفرغ منه النشاب ولا يخشى وقع الصخور على جسده, يطير في الهواء وكأنه عصفور فيهلك كل شيئ يمر به, هل أنت آخذه بأحبولتك وواضع اللجام في شدقه ؟ هل تحصي عمره ؟ أم هل تعرف أجله ؟ أم تعرف رزقة ؟ أم هل تدري ماذا خرب من الأرض ؟ وماذا يخرب فيما بقي من عمره ؟ أم هل تطيق غضبه حين يغضب ؟ أم تأمره فيطيعك ؟ تبارك الله أحسن الخالقين .
عندها ندم أيوب أشد الندم على مخاصمته ومحاجته لربه, فاستغفر ربه ثم إنصرف عن أيوب أصحابه فأوحى الله له : أيا أيوب, نفذ فيك حكمي سبقت رحمتي غضبي, إذا أخطأت فقد غفرت لك ما قلت ورحمتك, ورددت عليك أهلك ومثلهم معهم لتكون عبرة لأهل البلآء وعبرة للصابرين. فركض أيوب برجله فانفجرت له عين فدخل فيها واغتسل فأذهب الله عنه.....وإذا بهيرود يدخل المجلس ومعه أوريا وآرميا وورائهم شهلون فاندفع هيرود إلى أبيه وقاطع الشيخ بقوله : جمعنا ما.... فأسكته الملك أجمنون بوضع إصبعه على فمه وهسه عندما توقف سموطان عن سرد القصة لدى مقاطعة هيرود له. فتوجه الملك إلى سموطان وقال : أكمل يا سموطان أكمل. فقال سموطان : إغتسل أيوب في العين فأذهب الله عنه ما كان فيه من البلاء فلم يبقى من دائه شيئ ظاهر, وأذهب الله منه كل ألم وكل سقم وعاد إليه شبابه وجماله أحسن مما كان. ثم أنه ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها ولم يبقى في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسي حلة جميلة فجعل يلتفت يمينا وشمالا فلا يرى شيئا مما كان له من أهل وولد ومال إلا وقد ضاعفه الله له, فخرج وجلس على مكان مشرف ثم أن امراته قالت لنفسها إن كان قد طردني أدعه يموت جوعا وعطشا أو يضيع فتاكله السباع؟ فوالله لأرجعن أليه. فرجعت ولم تره في المزبلة فأخذت تبحث عنه كالوالهه وتطوف وتبكي وأيوب ينظرها فقال لها أيوب : من تريدين ؟ فبكت وقالت : أريد ذلك المبتلي المنبوذ على هذه المزبلة لا أدري ضاع أم ماذا حصل له ؟ فقال لها أيوب : ما كان منك ؟ فقالت زوجي هل رأيته ؟ فقال : وهل تعرفينه إذا رأيته ؟ فقالت : فهل يخفى علي ؟ ثم أنها جعلت تنظر إليه وهي تهابه وقالت: أما أنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا. فقال : فأنا أيوب أمرتني أن أذبح لأبليس فاني أطعت الله وعصيت الشيطان فرد علي ماترين . فتبسم أيوب وقال : ها أنا ذا هو. فعرفته لما ضحك فاعتنقته .

نظر سموطان إلى من حوله بالمجلس وإذ الجميع مبهورين مازالوا مندمجين في أحداث القصة وكأنها لم تنتهي. مأخوذين بوقائع حدوثها وحوارات أصحابها وكأنهم كانوا معهم. فقطع عليهم سهيهم الملك أجمنون عندما قال : ماذا لديكم ؟ فتنبه الجميع إلى ما حولهم وأين هم. وتقدم هيرود إلى الملك وقال : لقد إستطعنا جمع فيلقين من أشد الرجال, وكلهم متحمسين للخروج معنا غدا, بل انهم يتجهزون ويستعدون للخروج منذ الآن. ففرح الملك أجمنون وقال وهو ينهض من كرسيه ذاهبا بإتجاه أوريا وهيرود : أحسنت يا بني, وقد كان يوجه كلامه إلى أوريا ثم وضع الملك يده على كتف هيرود قائلا : هكذا هم أبناء الملوك. ثم ذهب الملك للراحة والجميع ذهب كل منهم في ناحية. ولكن أحد الحكماء من مملكة (ثيتا) تقدم من سموطان وهو يهم بالخروج فسار معه ثم قال له : سيدي الشيخ هل لك أن تعلمني مما علمت؟ فتوقف سموطان ونظر إليه مندهشا متثاقلا طلبه وقال له: ولكني... ولكن هذا يستغرق سنوات, ثم أننا في معارك وقتال يومي. فقال الحكيم : سأكون لك ياسيدي كما تحب وترضى, فالحقيقة أنني لم التقي يوما بمن هو بمثل حكمتك وعلمك, ولن أكون لحوحا فأنا تلميذ نبيه, فقط دعني أتبعك وأطلب مني مهما أردت, فإن مثلك ياسيدي لا يقدر بالمال والذهب. عندها إحمر الشيخ سموطان خجلا وقال : حسنا. ففرح الحكيم غاية الفرح فقال له سموطان : ولكن ينبغي عليك أن تتعلم الضرب بالسيف, فإن من يتبعني لا بد وأن يكون مقاتلا وإلا مت في يومك الأول معي. عندها قال الحكيم: لا بأس هذا أمرهين ياسيدي. ثم مشى عنه سموطان بضع خطوات وتوقف ليستدير إلى خلفه قائلا : ما اسمك؟ فرد عليه الحكيم من حيث يقف قائلا تلميذك يوقاس يا سيدي يوقاس. فانصرف عنه سموطان إلى مخدعه .
في الليل والجميع نيام هاداساه كانت تحلم. فحلمت أنها تتقدم في حفرة مظلمه بإتجاه رجل عجوز كهل يجلس على كرسي ذهبي وبيده عصى معقوفة طويلة ممسكا بها بيده اليسرى ويمدلها بيده اليمنى خاتم ذهبي وكأنه يناولها إياه لتأخذه. فحاولت أن تتبين بشدة النقوش التي على ظهر الخاتم ولكنها لم تميزها فقد كان الحلم ضبابيا.

في الصباح ومع إنقشاع الظلام شيئا فشيئا كان الجند يتجمعون خارج مدينة (ثيتا) في صفوف بمؤنهم وعددهم. وخرج الملك بزيه الحربي إلى ساحة القصر حيث الجميع كانوا يتوافدون ويتجمعون إلى حيث وقف هو من حكمائه وخاصته. وبالطبع كان هناك شيخهم سموطان, حتى إذا ما تجمع الجميع قال الملك : هل الجميع جاهزون ؟ وأخذ الملك يتحسس صدريته الحديدية فقال الشيخ سموطان جميع الجند بالخارج بإنتظارنا. فنظر إليه الملك مستنكرا حيث كان يتوقع أن يقول أنهم بإنتظاره هو ولكنه كتم ذلك وقال: إذا لنذهب. فتحرك الجميع كل إلى فرسه . والتفت سموطان إلى هاداساه راكبة على فرسها. وكان قد وضع رجلأ واحدة في ركبه فأنزلها وتوجه إليها قائلا : إلى أين أنت ذاهبة؟ فردت عليه هاداساه : حيث تذهبون. عندها الجميع وقف في مكانه ينظرون إلى هاداساه فقال لها الشيخ : ما مشكلة نساء هذه الايام يردن خوض المعارك بدلا من حياكة الملابس الصوفية ؟ أنت تبقين هنا. عندها حزنت هاداساه ونظرت إلى هيرود ليشفع لها. لكن هيرود قال لها بأسف : هذا صحيح, يجب أن تبيقي هنا. وأرادت الكلام والاحتجاج ولكن هيرود الذي أمسك بلجام حصانها عاجلها قائلا : سوف أبعث لك عندما نعود إلى الوطن. فقالت هاداساه : إذا لما تسمحون لروث بالذهاب ولا تسمحون لي ؟ فقال الشيخ : روث هناك من يتولى حمايتها وهذا فية من العبأ الكفاية لنا جميعا عوضا عن المخاطرة بحياتها. حينها فرحت روث مما حصل فاغتاظت هاداساه وأرادت الكلام فقاطعها الملك أجمنون ناهرا لها : هذا أمر إبقى ولا تتبعينا. وانطلق الملك بفرسه قائلا لمن حوله : هيا. فركب هيرود فرسه بسرعة وذهب يلحق بأبيه وهو ينظر إلى وراءه بحزن حيث هاداساه التي بدت ستنفجر كمدا. بينما إختالت روث التي وضعت ديفي أمامها في الفرس وهي مدبرة فرحة وراء الركب وبجانبها يسير على فرسه هرمس. فلحق هيرود ليجاري أباه الملك الذي كان عن يمينه يركب الشيخ سموطان وبجانبه تلميذه الجديد يوقاس ثم أوريا وآرميا, ومن ورائهم الصفوة من أقوى رجال مملكة (ثيتا), ممن اختاروهم وجربوهم ليلة البارحه في المنافسات التي أقاموها بين الفيلقين اللذين سيخرجان معهم. وراقبتهم هاداساه من مكانها حتى أغلقوا أبواب المملكة ورائهم .
وفي خارج الأسوار تقدم كبير جند الملك شمشون على فرسه من الملك أجمنون وقال له: مولاي, إلى أن نلتقي أتمنى لكم كل التوفيق. وكان ما تبقى من جيش الملك شمشون مصطفون هناك في الخارج على جنب. فقال له الملك وهو ينظر إلى ذلك الجيش: بلغ تعازي لأبناء الملك شمشون, أما شكري لهم ولكم وللجند فهذا لا تكافؤه الكلمات. فأحنى كبير الجند رأسه إحتراما للملك ومضى إلى جنده : كما مضى الملك أجمنون إلى جنده وكلا منهما تحرك في اتجاه عكس الأخر .
وبعد فترة قصيرة من السير تقهقر هيرود عن المقدمة حتى إختفى عن نظر أبيه الملك فأدبر بفرسه راجعا إلى المدينة. وقد لآحظته روث فأنزلت ديفي بسرعة وقالت لهرمس : خذه معك, إندهش هرمس منها فرفع ديفي بيد واحده من على الأرض وأردفه في مقدمة فرسه وهو ينظر إليها مدبرة في إثر هيرود فقال : النساء !! النساء هن النساء سواء بنات آدم أو بنات الجن لا فرق .
انطلق هيرود مسرعا في الرمل ناحية المدينة وقبل أن يصل إليها إذا بفارس يعدوا نحوه. فلما وصل الفارس إليه إذا هي هاداساه. فنزلت كما نزل هيرود بسرعة عن فرسه واحتضنها فرحا وقال لها : لن أنساك, سأعود من أجلك لكن.. يجب أن تبقى هنا هذا أفضل لسلامتك لن أحتمل أن أفقدك. فقالت هاداساه : لما رجعت إذا ؟ فقال لكي أخذ تذكارا... ولم يكمل حديثة حتى وصلت إليهم روث واسترجلت فرسها وسارت نحوهما قائلة : سوف تتسبب بقتلك أو بقتل... ولم تكمل كلامها حيث أنها وقفت معهما فإذا الأرض الرملية التي يقفون عليها لم تحتمل وزنهم الثلاثة معا وانخشفت بهم الأرض فتهاوى صارخين جميعا داخل حفرة عميقة وارتطموا بقعرها. ولحسن حظهم أن قعرها كان مغطى بالرمال المتساقطعة من فوق من قبل. فوقف هيرود متوجعا وسار إلى هاداساه التي كانت مرتميه متأننة فتفحصها وأقامها. ثم تبعتهم روث وقالت وهي تنظر من حولها : ما هذا المكان ؟ فقال هيرود : بيدوا أنه مبنى قديم قد طمرته الرمال. وقالت هاداساه : كأنه سرداب أو غرفة ما. وأخذوا ينظرون من حولهم فإذا هي جدران منقوش عليها رسوم وأشكال لم يفهموا منها شيئ. وأشارت روث إلى صندوق عند الحائط وقالت وهي تندفع إليه : أنظرا, إنها حلي ذهبية وجواهر. فذهبت إليها هاداساه وأخذتا يتأملان ذلك الصندوق الثمين. بينما أخرج هيرود سيفه تحسبا لمفآجأت غير سارة. وقالت هاداساه وهي تشير وتندفع بجانب الحائط : وهذا غيره. ثم إندفعت إلى صندوق أخر قائلة: وهذا غيره. وأخذت تنظر إلى تلك الصناديق المليئة بالجواهر على جانبي حائط الغرفة. وكلها ملآ بالآلي والمجوهرات الثمينة. وكان المكان مظلما لا يدخل إليه النور الا من تلك الكوة التي خشفت بهم. ومليء بالعنكبوت ويكسوه الغبار في كل مكان. وصرخت روث فالتفت إليها هيرود حيث كان ينظر في المكان فإذا هو ثعبان خرج من تحت إحدى الصناديق الثمينة التي كانت تتأملها ولكنه ذهب واختفى. فتقدم هيرود متخوفا مستلا سيفه بكلتا يديه وتبعته الفتاتان من وراءه وهو يسير إلى الامام حيث يبتعدون عن نور الكوة فيزداد الظلام حلكة. فإذا هم عند نهاية حائط الغرفة شاهدوا كرسي كبير مهيب من الذهب على مسافة شبر من الحائط الذي خلفه, وفي زاوية الغرفة كتب وقراطيس مكومة فوق بعضها البعض. فأخذت هاداساه تركز في الكرسي الذهبي وتنظر إليه بإمعان. بينما كان هيرود يسير ويتقدم من الكرسي وهما خلفه وهو ينظر إلى رفين من حديد في الحائط. المسافة بين الرفين بعرض الكرسي. وعلى كل رف قارورة زجاجية. وتحت كل رف تمتد سلسلة تتدلى حتى تلمس أرض الغرفة. فأخذت هاداساه تتذكر ذلك الكرسي الذي شاهدته في حلمها, ومما زادها يقينا وجود عصى كبيرة معقوفة تحت أقدام الكرسي وقد أكلت الرمة جزء كبير من آخرها. وإذا هم بجانب إحدى تلك السلاسل ويتقدمهم هيرود وهو ينظر الى القارورة التي في أعلى الرف ومد يده ليأخذها فإذا بالارض تخشف بهم من تحتهم فقفز هيرود وأمسك بالسلسلة تاركا سيفه من يده ممسكا بالسلسلة الحديدية بكلتا يديه, ومن بعده روث أمسكت برجله وتبعتها هداساه التي أمسكت برجل روث وتداعت تلك الغرفة بالكامل بصناديقها الثمينة وكرسيها وكتبها لتظهر تحتهم وهم معلقين في بعضهم البعض هوة كبيرة مظلمة سحيقة لا يرى قعرها. فتملكهم الخوف وتعبت أيديهم وهم متعلقين كلهم في تلك السلسلة يصارعون للبقاء متمسكين بالحياة. فإذا تلك السلسلة قد بدأت تتزعزع من الجدار مما زاد خوفهم من السقوط في المجهول. فأراد هيرود ألامساك والوصول إلى السلسلة الأخرى فلم يفلح فلقد كانت بعيدة, وخاصة أنه يفعل ذلك بيد واحدة وهو يحمل وزن روث وهاداساه. فتيقنوا من الهلاك المؤكد. ثم نظرت هاداساة الى ألأعلى فشاهدت شيء يلمع لمعانا خفيفا في عنق تلك القارورة الزجاجية التي فوق الرف الذي تتدلى منه تلك السلسلة التي يتمسكون بها. عندها وبكل همة تسلقت هاداساه روث, وروث تصيح وتتذمر غير مدركة هدف هاداساه من ذلك غير النجاة بنفسها . ثم تسلقت هاداساه هيرود إلى ن وصلت إلى الرف فبدأت السلسلة تتزعزع أكثر نتيجة حركة هاداساه. فصرخ الجميع خوف الوقوع فأخذت هاداساه تلك القارورة ومدت إصبعها في عنق الزجاجة وأخرجت خاتم ذهبي, عليه نقوش في ظهره, ففرحت به ولم ينغص عليها إلا أن السلسلة قد إنخلعت حيث كانت تقف بركبتيها فوق كتفي هيرود, ولتوها ترجع القنينة إلى الرف ولم تحضى بالوقت لترى تلك الأشكال المنقوشة على الخاتم
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

كما لم ترها في الحلم. فوقع الجميع وهم يتصارخون. ومازالوا يقعون إلى مسافة في تلك الفوهة المظلمة التي يبدوا أنها لا نهايه لها إلا لتخرق الكرة الأرضية من الجهة الأخرى. وفجأة إذا روث ترتفع إلى الأعلى بدل أن تسقط إلى أسفل فإذا هو الشيخ سموطان يطير بها إلى أعلى. ومن وراءه فعل هرمس حيث أمسك بهيرود بين ابطه وأمسك بهاداساه باليد الأخرى وارتفع بهما خلف سموطان صعودا فإذا تلك الجرة تسقط على رأس هرمس فتؤلمه فسقطت هاداساه من يده قليلا حيث كان يمسك بها من بطنها وأمسك بها من صدرها وارتفع بهما وهي متحملة صابرة حتى خرجوا من تلك الفوهة إلى سطح الأرض .فإذا الملك أجمنون يتوجه بالتعنيف إلى هاداساه قائلا : ألم نأمرك بالبقاء ؟ لما لحقتي بنا؟ وقد كدتي تسببين هلاك ولدي. وتقدم منها كبير الجند ليمسك بها فقذف إلى الوراء بقوة عندما أشارت إليه هاداساه باليد التي تمسك الخاتم الذهبي. وأخذ كبير الجند وهو ملقى على ظهره ينظر إلى درعه الذي يلبسه وقد أحدثت به شرخا عميقا كاد أن يصل القطع إلى لحم صدره. فتقدم منها الشيخ وأمسك بيدها وفتحها فشاهد ذلك الخاتم الذهبي وتأمله وقال مجللا: إنه خاتم سليمان الحكيم. فقالت هاداساه : لقد حلمت به الليلة الماضية وحلمت أنه يحميني ممن يريد بي السؤ. فقال الملك أجمنون : إن كنتي تحتالين علينا بسبب كي تذهبي معنا فابحثي عن حيلة أخرى, ليس لدينا الوقت لألعاب الفتيات هذا. فتوجهت هاداساه وهي غاضبة إلى حرس الملك الذين يرافقونه, ولما وصلت عندهم قدمت يدها التي بها الخاتم بإتجاههم فإذا شيئ يدور سريعا من حولها دائريا وكأنه سيف ذا نصل دائري لا يلمح إلا لمعان دورانه يقذف بؤلآئك الجند بعيدا فوقعوا على ظهورهم وقد شرخت دروعهم التي يلبسونها. فاستغرب الملك منها وذهل. فتقدمت هادساه من الملك بثبات وثقة وهي تشير إليه بيدها التي بها الخاتم قائلة : هل تجرب ؟ فارتعد الملك وتراجع مشيرا بيده النفي قائلا : لا ... لا, أنتي لا تحتاجين من يحميك, ربما نحن من نحتاج من يحمينا منك. وذهب الملك ليركب فرسه وتقدم منها الشيخ قائلا : إذا كنت أعلم أنك عندك هذا هناك لما لحقت بك لأنقذك, بل أنت تطيرين بنفسك. وانصرف الشيخ إلى فرسه وتركهم مستغربين من كلامه وخاصة هاداساه. حيث لم تكن تعلم من قوة ذلك الخاتم شيئ ولا من طرق إستعماله. بعدها كل ركب فرسه وجدوا في السير ليلحقوا بالجيش. وسارت هاداساه بجانب هيرود الذي لم تسعه الفرحة بوجودها قربة على عكس روث التي كانت في أشد الضيق والغضب .



الفصل التاسع
في مملكة (زيتا) كانت تجلس إبنة شمشون زوجة إبن الملك أجمنون سامويل المغدور وهي تبكي زوجها الحبيب داخل الزنزانة حيث جميع نساء القصر, بمن فيهن زوجة الملك أجمنون الملكة. التي تقدمت لتواسي زوجة ابنها وتربت عليها. ثم رفعت الزوجة الشابة رأسها ونظرت الى الملكة زوجة آجمنون وقالت: يجب أن نجد طريقة لنبعث برسالة نجدة إلى أبي الملك شمشون وإخوتي. عندها نهضت الملكة واقتربت ممسكة بقضبان الزنزانة وقالت وهي تنظر الى الخارج: كيف ونحن قابعات هنا بلا حول ولا قوة؟ عندها إقتربت منهن إحدى الطباخات وقالت : ممكن. فالتفتتا الام وإبنه شمشون إليها وقد أحيت بصيص من النور بداخل يأسهما المظلم. وقالت إبنة شمشون :ممكن ؟ كيف ؟ فقالت الطباخة : لقد أبقوا على بعض الخدم في القصر ممن يحتاجون إليهم, ومنهم أخي يعمل خبازا. فقالت الملكة : ولكن كيف سنوصل إليه الرسالة؟ قالت الطباخة: سنرسلها مع الذي يحضر إلينا الطعام. عندها فرحت الإبنه والملكة وتقدمت من الطباخة وحيتها وعلى ذلك كان إتفاقهن.

في وسط رمال الصحراء وحرها القاتل كان جيش الملك أجمنون الصغير يتقدم بعزم وثبات. وأخذت هاداساه وهي تسير بفرسها تعاين خاتمها وما عليه من أشكال ورموز غير مفهومة. وحاولت وضعه في إصبع خنصرها ولكن الخاتم كان كبيرا, فحاولت وضعه في الوسطى والسبابة ولم تفلح, فوضعته في الإبهام فمسك بعض الشيئ ففرحت به حيث هو. وأخذت تتأمل أصابع يديها والخاتم يزينها تحت أشعة الشمس التي جعلته يلمع, وفكرت وهي تنظر في الخاتم الذي في إصبعها ثم تحركت مسرعة بفرسها إلى أن جارت الشيخ سموطان وأخذت بمجاراته بالسير وهو لا يبالي بها. ثم توجهت إليه بالسؤال وقالت : ماذا تقصد بكلامك هناك عند الحفرة ؟ أعني عن الطيران. فقال الشيخ وهو ما يزال ينظر أمامه : تستطيعين أن تستخدمي خاتمك لأشياء كثيرة ان أردتي. فقالت مستفهمة : مثل ماذا أشياء كثيرة ؟ قال الشيخ : مثل أن تحركي الأشياء من مكانها, وترفعينها أو.. تنزلينها دون الحاجة للمسها, كما يمكن أن تكون تلك الأشياء التي ترفعينها بالخاتم لا يمكن أن يرفعها عشرة من الرجال. عندها فتحت هاداساه عينيها متخيلة القوة الكامنة في ذلك الخاتم. وأخذت تنظر إليه في إصبعها بإعجاب كما نظر إليه الشيخ سموطان من طرف عينه وأكمل قائلا : ثم أن تطيرين هذه ليست بمسألة صعبة بوجوده في إصبعك الجميل هذا. عندها تبسمت هاداساه والتفتت إلى الشيخ الذي بدا جديا وشديدا فاحمرت خجلا وقالت بعد أن أطرقت رأسها فرفعته: ولكن ما السبيل إلى ذلك ؟ قال الشيخ بحزم : يجب أن تكون رغبتك حقيقية مثل ما كانت رغبتك في الدفاع عن نفسك حقيقية... وتردد سموطان قليلا ثم أكمل : عندها ستسخدمينة. ثم أسرع بالخطا بعيدا عنها حيث ظلت هي تسير خلفه طائله التفكير فيما قاله .
وظل الجميع يسيرون لبعض الوقت. حتى توقف ركب الملك أجمنون ونظروا خلفهم. حيث كانوا في مقدمة الجيش عندما سمعوا ضجيج خيول قادمة إليهم مسرعة مخترقة صفوفهم من الخلف حتى وصلت إليهم. فإذا هم الستة أخوة الجان. فتبسم الشيخ فرحا عندما إقتربوا منه فبادرهم الملك أجمنون بالسؤال : وأين الملكة دبورة ؟ فنظر إليه الأخوة ولم يجيبوه. فنظر الملك أجمنون إلى الشيخ عن يساره وقد كان الشيخ ينظر إلى الملك بإمتعاظ فتعجب الملك أجمنون من ذلك فقاطعه الأخوة عندما أشار إليهم الشيخ برأسه للإنضمام إليه بالمسير. فتوجهوا إلى جانبه وبعضهم يمشي خلفه وأكمل الجميع تقدمهم. هذا كله كان بداخل المرآه التي كان يشاهدها قيسوس الرومي داخل كهفة. فقد كان يتجسس عليهم من خلال مرآته الكبيرة التي وقف أمامها يطالعهم وانتهت الصورة وظهر لقيسوس في المرآة عجوزا هرما كان يقف وراء قيسوس. فالتفت قيسوس إلى وراءه بثقة وتمكن وقال له : هل رأيت ذلك ؟ أريدك أن تكمن لهم في الطريق وتأتيني بظلالهم, وأشار بإصبعه منبها العجوز قائلا : وخاصة زعمائهم وأولي القوة والحكم منهم هل فهمت ؟ فقال العجوز : مازلت أخدمك منذ فترة, ولكنك لا تفي بوعودك. فقال قيسوس : هذه المرة ستكون خدمتك لي كبيرة, وعلى قدر ما تأتيني به سأريحك من همك وأقضى حاجتك. وأشار إليه بكفه ناهرا آمرا : هيا إذهب فقد كادوا يصلون إلى هنا .

تقدم ركب الملك أجمنون حتى قرب مغيب الشمس وهم يتأملون مكانا جيدا للتخييم في الرمال. فإذا هم يسيرون شاهدوا دخانا من بعيد فقال الوزير لوذا : إنه دخان, لابد وأنهم جيوش جرارة. فقال هيرود وهو يضحك مستهزأ : جيوشا جرارة, إنها ليست إلا واحدة, ولعلة مكانا مناسبا للتخييم والآ لما اختاره هؤلآء القوم . فنظر اليه الملك أجمنون موافقا على كلآمه . فتقدم الجيش إلى أن وصلوا إلى خيمة في الرمال وقد هبط الظلام فترجلوا عندها حيث رجل عجوز أعمى عند النار أمام خيمته. فتوجه إليه الملك وجنده قد طوقوا الخيمة. فنهظ العجوز الهرم لدى سماعه أصواتهم وتظاهر بالخوف والهلع فقال له الملك أجمنون : لاعليك أيها الشيخ ما أردنا بك الضرر. فقال العجوز : إذا ماذا تريدون ؟ فقال الملك أجمنون : إنما نحن في طريقنا فرأينا نارك وطلبنا التخييم بالجند هنا. فقال العجوز مستنكرا : الجند ! هل أنتم من مملكة (ثيتا) ؟ فقال الملك أجمنون مترددا : نعم نحن كذلك, ولكن قل لي, ماذا يفعل عجوز ضرير مثلك في مكان كهذا ؟ فقال العجوز وهو يعود للجلوس أمام النار: أنا وأبنائي الثلاثة ذاهبون إلى مملكة (ثيتا) فقرر الأولاد التخييم هنا وذهبوا لإصطياد عشائنا منذ قليل, لقد شح الصيد مؤخرا في هذه الأنحاء. وقالها الشيخ العجوز من صدره الهش مبحوحا وقد بدت عليه وعلى صوته علامات الهرم. فقال الملك أجمنون : لا عليك, لدينا الكثير من الطعام وسيأتيك الجند ببعضه حالما ينتهون من بناء المعسكر. وانصرف عنه الملك إلى جنده. وأخذ الجميع بإعداد خيمهم وتجهيز قدور الطبخ وما إلى ذلك وذلك العجوز يمشي ويتنقل بينهم من هنا وهناك. يفتح عينه قليلا أحيانا ليرى أمامه ثم يرجع يغمضهما متظاهرا بالعمى حتى اصطدم في طريقة بأفتاب فقال له أفتاب ممسكا به لكي لا يقع إثر إصطدامه به : لا بأس عليك أيها الشيخ لا عليك, انما لا ينبغي لك ن تتنقل هكذا فالمعسكر مليء بالأخشاب والنيران والمخاطر لعجوز ضرير مثلك دونما مساعد. فقال له العجوز: هل هم كثر إلى هذا الحد؟ فقال أفتاب : نعم, ينبغي عليك لزوم مكان واحد. فقال العجوز وهو يمشي يدور خلف أفتاب : ولكني سأمت الجلوس يا بني, فعلي أن أحرك قدمي من وقت لآخر وبسرعة حرك العجوز وهو خلف أفتاب يده في ظل أفتاب فتبع الظل يد العجوز وسحبه وأدخله في قنينة كان يخفيها داخل الملابس الرثة في وسطه. واختفى ظل أفتاب ولم يعد له ظل انما تحول إلى دخان أسود داخل قنينة العجوز. فقال أفتاب وقد شعر بالتعب وترنح قليلا: حسنا أيها العجوز أظنني أحتاج لبعض الراحة. وانصرف عنه وهو يشعر بدوخة .

في كهف قيسوس الرومي كان قيسوس على الأرض يصف فيالق من الشمع الصغيرة على شكل جنود في سطور مستقيمة وكأنها تشكيلة حربية وهو مبسوطا فرحا واثقا مما يعمل. فقد صف مجموعة كبيرة في أرضية غرفة مبنية من غرف في ذلك الكهف الذي تحيط به الأشجار من كل جهه في مرتفع جبلي في الغابة .

وعند لحظة طلوع الفجر حضرت الملكة دبورة إلى المعسكر لتشاهد الشيخ ملقى على سريره تعب وقد ألمت به حمى أعرقته. وكذلك حال الجميع الملك وأبنه وأصحابه وحتى أبنائها الستة. وأخذت الملكة دبورة تسرع بالتنقل لتفحص كل واحد منهم فإذا هم حال الواحد أسؤ من الأخر إلا بعض الجند الذي لم يصبهم شيء ولا يعلمون ماذا حصل لهؤلاء. فتقدمت الملكة من الشيخ وسألته : ماذا حصل هنا يا سموطان ؟ فلم يستطع سموطان الإجابة لشدة مرضة فهزته الملكة دبورة وقالت بصوت الخائف الجزع: ماذا حصل لأبنائي يا سموطان ؟ ففتح سموطان عينه قليلا وقال بصعوبة : ربما ... ربما بسبب ما أكلنا, إنه قيسوس. وأغمض عينه وراح في غيبوبة مرة أخرى. فخرجت الملكة دبورة من خيمته غاضبة شرسة كاللبوة التي أخذ منها صغارها لا تعلم ماذا تفعل حتى شاهدت ذلك العجوز يقف بجانب ناره فأنكرته : ثم طارت بعيدا حتى دخلت الكهف على قيسوس. فارتاع قيسوس منها قليلا ثم نهض قائلا بكل ثقه: مرحبا. وأحنى رأسه إحتراما وأكمل: مرحبا أم الملوك. ولكن الملكة لم ترد عليه بل وقفت مكانها متوجسة من ألآعيبه مترقبه له. فتقدم منها قليلا قائلا : لقد أتيتي متأخرة فلقد كنتي هنا قبل أن تأتي !! فقطبت الملكة حاجبيها مستنكرة ما قال وقالت : ما هذه اللعبة التي تلعبها, إذا ما أصاب أبنائي مكروه أخرجت قلبك من صدرك وهو ينبض وأعطيتك إياه في كفك, الآن أدخل فيك وأنتزع أحشائك. ولكن قيسوس لم يخف من تهديدها وضحك وهو يشير إلى يمينها بيده. فنظرت هناك فإذا هي تنظر إلى نفسها, امرأة ما تشبهها تماما نسخة طبق الأصل عنها وقد تقدمت إليها مندفعة وأخذت تصارعها وطرحتها أرضا. وقبضتا في بعضهما والتفت عقوص بعضهما ببعض وطارتا متشابكتان إلى الأعلى حتى سقف الكهف ثم في كل مكان منه حتى هويتا أرضا. وتلك شبيهتها فوق صدرها تنازعها الحياة. ودخل قيسوس إلى تلك الغرفة حيث الجنود الشمعية وأخذ يعزم عليها ويقول بتركيز : لياخيم ليالغو ليافور لياروث لياروغ لياروش لياشلش عال متعال في علوه أين الأجناد القوية أين الشمهامرية أين الأجناد المسرعة أين السماوية أين الشمردانية أين السحابية أين النارية أين الهوائية أين الترابية أين المائية أين بني غيلان أين الغيلانية أين دردم أين كردم أين حمير أين صاحب جبل الدخان أين الراكب على الفيل المتعمم بالثعبان, أجيبوا وأحضروا بعلشاقش مهراقش أقشامقش شقمونهش هلطف أين زمزم أين زمزوم أين أنتم وبنوكم ونسلكم وأصحابكم وأعوانكم وجنودكم وأتباعكم وأشياعكم وخدامكم أين أنتم وجميع السقالبة والطماطمة, أجب يا حيطانه الخديم ويا مدحرج الطويل ويا حندس الأمين ويا منكل الوزير أجيبوا يا أصحاب السباسب والأرواح الروحانية بربر يا نلاش آل يه بعجمولاش أكلاش أبركهاش موش كلموش .

وفي الخارج على أرض الكهف مازالتا الملكتان تتبادلان اللكمات والضربات وهذه توجع هذه حتى نهضت بها الملكة دبورة بعزيمة وقوة ودفعت بها وهي ورائها حتى أسندتها على الجدار فخافت شبيهتها كون شعلة من النار كانت على يمينها عند وجهها على الجدار ونظرت مثيلتها إلى تلك الشعلة بطرف عينها خائقة فلاحظت الملكة دبورة ذلك فعرفت نقطة ضعفها وهي ما زالت تضرب بها على الجدار وأسندتها على الجدار بصدرها وهي مازالت تمسك بعضدها بيدها اليمن وثبتتها جيدا على الجدار, وتناولت بيدها اليسرى الشعلة من الجدار وقالت وهي تضع شعلة النار على عقوص مثيلتها: لم أكن أظن أني أفعل بكما هذا في يوم من الأيام. ووضعتها على عقوصها فتحارقت وذابت وانتشر الذوبان إلى رأسها فذاب وانحل جسمها بالكامل وتهاوى على الأرض كومة من الشمع المحروق والملكة دبورة تنظر إليها بإشمازاز. ثم إلتفتت إلى تلك الغرفة التي دخل إليها قيسوس فأسرعت إليها داخلة وعندما شاهدها قيسوس وقد إختفت من أمامه تلك الجنود الشمعية الصغيرة وقد أكمل عمله تحول قيسوس إلى فار صغير وركضت إليه الملكة ولكنه أسرع بالإختباء داخل شقوق الكهف العميقة فلم تظفر به. فتضايقت الملكة وأسرعت بالخروج من الكهف وطارت إلى المعسكر الذي ليس ببعيد .
حيث كان أبناء الملكة بلا حراك والجميع مرضى إلا تلك القلة من الجند الذين حولهم لا يعلمون ماذا حل بهم. تقدمت الملكة من أبنائها تقلبهم ثم فكرت ونهضت إلى خارج الخيمة عند الباب. ونظرت إلى ذلك العجوز الجالس قرب باب خيمته ثم نظرت إلى أبنائها داخل الخيمة ثم نظرت إلى العجوز مرة أخرى ثم نظرت الى الجند الذين لم يصبهم شيء فلاحظت أن العجوز لا ظل له خلفه وكذلك الذين مرضوا بينما الجنود الصحاح كل بظله, فعلمت بالمكيدة فتقدمت بيقين إلى ذلك العجوز وأقامته من جلسته واجتثته بعقوصها من جانبيه واقفا بقوة فاصطكت عظامة الهشة وأخذ يبكي ويقول : هل يعتدى على ضرير عجوز مثلي؟ أين الرحمة في قلوب الناس ؟ فقالت الملكة وهي تمد يدها إلى وجهه : أنا لست من الناس. وظهر للملكة ظفرين طويلين من حديد في سبابتها والوسطى فأغمدتهما بقوة في عيني العجوز فتفتق الدم منهما وأخذ يغرغر ويصارع الموت وهي مازالت تمسكه مرفوعا بعقوصها لم تفلته, وأخرجت إصبعيها من عينيه المفقوعتان ولمحت تلك القنينة داخل ملابسه فمدت يدها إليها وشدتها بقوة قاطعة الحبل الذي يربطها بوسط العجوز وتأملتها وهي ممسكة رافعة العجوز, فإذا هو بداخلها أدخنة سوداء تموج وتتحرك فأخذت تتأمل تموج تلك الأدخنة وهي ترمي بالعجوز جثة هامدة قائلة :الآن أصبحت ضريرا حقا. وأخذت القنينة وتوجهت إلى حيث خيام المصابين وأطلقت سدادة فم القنينة, فخرج ذلك الدخان كل واحد من الظلال إلى صاحبه, وكلما يدخل ظل إلى صاحبه يفوق من وقته. وأخذت ألأم تراقبهم وهم يفوقون الواحد تلو الآخر وهي تزداد فرحا, ومن الجند من إرتد إليه ظلة في كل جهه وصوب حتى صحا الجميع. فأقبلت الملكة فرحة الى أشبالها ثم توجهت فرحة إلى سموطان. فقال سموطان لها : علي أن أذهب. فنظرت إليه الملكة وابتسامة فرحتها تتضائل لتركز النظر على وجهه محاولة فهمه فقال لها : هناك حساب على أن أصفيه مع قيسوس. فخرج من خيمته سموطان وطار بعيدا والملكة من ورائه تنظر إليه عند باب الخيمة والتفتت بسرعة إلى حيث شاهدت جيش يتقدم منهم مهرولا في الرمال بسرعة شارعين أسلحتهم. فتنبه الجند بالمعسكر لهم. وخرج الملك أجمنون وهو يتقلد سيفه ومعه هيرود وحراسه. وسارع الجند الذين كانوا على حين غفلة إلى أسلحتهم فإذا ذلك الجيش يهجم عليهم في معسكرهم. فدارت بينهم معركة غريبة حيث كان أولائك الجند يشبهون جند الملك أجمنون تماما, بل هم بنفس العدد والعدة والشكل. فاستقبل الملك أجمنون شبيه إبنه هيرود وأخذ يبارزه وهيرود إستقبل شبيه أبيه وتبارزا. وكلا من الآب والابن ينظر إلى الأخر وهما يتبارزان مع شيبهيهما. والجند في كل مكان يتبارزون مع أشباههم حتى الجن السبعة كان لهم من يشبههم ولكنهم لم يكونوا يشبهونهم إلا في الجسم والشكل فقط ولا يملكون شيئا من خصائصهم الخارقة. فأخذت الملكة دبورة والتي لم يكن هناك من يشبهها حيث قد قتلتها في الكهف أخذت شعلة من النار وسارت بها بإتجاه الأعداء وكلما تقدم منها أحد نفخت في تلك الشعلة فامتدت النيران يحملها الهواء الذي تنفخه فتحرقهم فيتكومون ذائبين. وعندما شاهد أبنائها ذلك منها فعلوا مثلها فأصبحت الألهبة تخرج من أفواههم تحصد في تلك الجموع. وهاداساه أخذت تتقدم بلا توقف وبلا خوف مادة بيدها التي بها الخاتم مستقيمة. وأخذ ذلك النصل الدائري يخرج من حولها فيحصد كل من تصادفه من أمامها أو من أي جهه تتقدم إليها فتقطعة إلى أنصاف غير مبالية من أي نصف بالتحديد, ولكنها أينما تذهب تكوم ورائها الكثير من الجثث الشمعية المقطعة. وأبلا شجعان مملكة ثيتا بلاء حسنا وأظهروا قوة يحسدون عليها في قتال أولائك الجند الشمعية في كل مكان من حول المعسكر. وأمسك هرمس بشعلة نار في يده وحجز وراءه ديفي وروث وكلما تقدم منه أحد يريد ايذائهم نفخ فيه الشعلة حتى أذابته وروث وديفي يحتميان وراءه .
وصل سموطان إلى الكهف وحط بداخله من الفضاء. فشاهده قيسوس الرومي وقد أمسك بخنجر ووقف خلف ديفي مسلطا الخنجر على رقبة ديفي. فرجع الشيخ قليلا متفاجا حيث ترك لتوة ديفي بالمعسكر. ثم تشكك سموطان بأمر ديفي. فقال الشيخ لقيسوس : لماذا يا صديقي القديم ؟ فقال قيسوس : لقد كان ابن سايروس مرقس تلميذي. فقال الشيخ له : أهو الطمع الذي غيرك ؟ أم كنت دائما هكذا وأنا مخدوع بك ؟ فقال قيسوس : الطمع ! نعم انه الطمع, ولكن ما هو عذرك أنت ؟ فقال الشيخ : أنا مجبر بسبب هذا الذي بين يديك الآن. فنظر قيسوس إلى ديفي وقال : وبسبب هذا الآن سوف تستسلم. فنظر سموطان بإمعان إلى جيب ديفي وكأن بداخله شيء. فقال سموطان يكلم ديفي مشيرا إلى رأسه : ديفي الطاقية هل هي معك ؟ هيا أخرج طاقيتك, أخرجها. فتحرز قيسوس من محاولة سموطان ورجع بديفي إلى الخلف وهو لايعلم ماذا يحاول أن يفعل سموطان. وعندما لم يعلم ديفي عن ماذا يتحدث سموطان علم سموطان أن ذلك ليس ديفي فتقدم منهما مندفعا فدفع قيسوس بديفي بإتجاه الشيخ لما عرف أن سموطان قد كشف حيلته وتحول بسرعة إلى فأر وهرب بين الشقوق بينما عندما دفع بديفي إلى سموطان واصطدم به أخرج ديفي سكينا من جيبه فانتبه سموطان ولكن ديفي ضربه بالسكين في ساعده فجرحه جرحا عميقا. فتألم سموطان وأخذ بيد ديفي وأفلت السكين منه وجرها على عنقه فسقط رأس من الشمع على الأرض ولحق به جسده واقعا تمثالا شمعيا بلا روح. فتعجب منه سموطان وهو ينظر إليه كيف أنه يشبه ديفي تماما وهو يمسك بساعده الذي لونت دمائه كم ثوبه وأخذ يؤلمه .
في ساحة المعسكر والجن يحصدون في الأعداء غرز الملك أجمنون سيفه في شبيه هيرود فقطعه. وكذلك فعل هيرود في شبيه أبيه فشطفه. وفي ذلك الوقت لم يبقى من الجنود الشمعية أحد فتقدم الملك أجمنون من إبنه ووضع يده حول خاصرت هيرود قائل: وهل طاوعتك نفسك على قتل أبيك؟ فقال هيرود مبتسما : لم يترك لي خيارا آخر, كيف وجدت قتالي ؟ أعني ذلك الذي كنت تبارز. هل هو بنفس قوتي وبراعتي؟ فقال الملك وهو يهز رأسه بالنفي لآفا يده حول إبنه يمشي به : لا ... ولا يأتي شيء بجانب قوتك وبراعتك وإلآ ما إستطعت الإنتصار عليه. فتضاحك الاب وابنه بقهقهة عالية وهما يمران ينظران إلى جندهم وهم يطفؤن خيامهم من النار التي لحقتها ومنهم من يقيم الجرحى ويعدلون معسكرهم المتناثر والملك وابنه متوجهان إلى حيث تقف الملكة دبورة تنظر إلى أبنائها القادمين إليها. وإذا بسموطان يحط من الجو وسطهم وهو ينظر إلى ما حوله من خراب مستغربا حيث ترك المعسكر بصورة أخرى. وأخذ ينظر إلى تلك الأصنام والتماثيل الشمعية المقصصة على الرمال وبقايا الشمع المحروق المختلط بالرمل وقد خرجت منه الفقاقيع. فقال للملكة والملك وابنه وأبنائها حولها : ماذا حدث هنا؟ فقالت له الملكة : أحدهم قرر أننا بحاجة إلى شموعه في وضح النهار. وتضاحك من كان حولها والشيخ لم يفهم شيء مما حدث ولكنه سايرهم فقال : أين ديفي ؟ عندها كان ديفي بيد روث يتقدمون إليهم من وراء الملكة ومعهم هرمس. فلما رأى ديفي سموطان ركض إليه مندفعا والشيخ يبتسم له فاحتضنه وأخذ سموطان يطالع فيه فقاطعهما الملك قائلا : ذلك الكهف, حيث القفل, هل هو بعيد من هنا ؟ فقالت الملكة : لا ليس ببعيد. فاستغرب منها الشيخ سموطان حيث كان يتوقع أن يجيب هو على ذلك السؤال لإنه قد ذهب إلى الكهف. فبينما كان سموطان يريد الاجابة فسبقته الملكة دبورة إلى ذلك فسكت وأكتفى بأن يطالعها مدهوشا ثم قال سموطان : نعم إن الكهف أصبح آمنا. فقال الملك : إذا لنذهب لنأخذ مفتاحنا. وذهبوا إلى خيولهم. بينما كان هناك شهلون في الرمال يتفقد التماثيل الشمعية المتقطعة الاوصال فرأى تمثالا شمعيا مقطوع من صدره. فاندفع إليه وحمله حيث كان ذلك شبيهه. وجلس به في الرمل يحتضنه ويطالع في وجه التمثال النصفي. ثم أخذ بالبكاء والعويل وهو يحتضن التمثال حزنا على نفسه التي قتلت.

وعندما وصل الملك أجمنون وجماعته من خاصته وحرسه إلى الكهف ترجلوا ودخلوا إلى داخله وتتبعوا طريقهم في مغاراته حتى إحدى المغارات التي أحسوا بوجود تيار هوائي يأتي منها. فدخلوا فيها فمشوا حتى آخرها حيث لم يستطيوا أن يكملوا لإنها نهاية الطريق. وحيث وقفوا عند حافة الهاوية يشاهدون ذلك الكهف الكبير الذي إنتهوا إليه. ونظروا إلى أسفله حيث القفل الأسود الكبير موضوع فوق قاعدة مبنية وسط بركة مائية بحجم الكهف. تحيط بها من جوانبها على ضفافها الأشجار المائية. ثم أشار الشيخ سموطان إلى البركة وقال : ولكن يوجد هناك من يحرسه, إنها التماسيح. فقالت هاداساه : أول مرة أشاهد هذه المخلوقات, انها ضخمة, قد تبتلع رجلا كاملا بلقمة واحدة. فقال هيرود : إذا نمطرها بالأسهم حتى نقتلها كلها ثم نهبط إلى المفتاح. فقال آرميا : لما لا يطير شيخنا بديفي إلى هناك ويخطفه بسرعة. فقال الشيخ : إن القفل جزء من قاعدته في الماء, وهذا يعني أننا أو هو على الأقل سيحتاج إلى أن يغوص إلى بطنه في الماء, هذا خطير جدا بوجود تلك الوحوش حتى إذا ما أمطرناها بالسهام قد يكون هناك منها من يتربص في أسفل البركة فلا تناله السهام. عندها روث قالت : أنا لدي طريقة. فتفاجأ الجميع ونظروا إليها والتفت إليها ديفي وأطلق ضحكة على شكل صرخة وهو يشير إليها بيده. فأكملت قائلة : أشعلوا بعض النار وضعوها على شيء فالقيها في البركة فلا يصل الماء إلى النار. فتوجه الملك إلى جنده وأمرهم بفعل ذلك وهم متحيرون من خطتها. فلما أوقدوا لها النار قالت للشيخ : عندما أرمي هذه النار في البركة وترى أن التماسيح قد ابتعدت أسرع بديفي وأحضروا المفتاح. فقال آرميا مستهزءا: هل تتوقعين أنها تهرب من هذه النار ؟ فنظرت إليه روث بإشمازاز والتفتت إلى الشيخ وقالت : مستعدون ؟ وأخرجت نصف قرص من جيبها وعندما رأى الشيخ ذلك فهم خطتها فقال متأكدا : نعم. فألقت بنصف القرص في النار ودفعت بها من فوق إلى أسفل الحفرة فاستقرت على سطح ماء البركة. فخرج بعدها تمساح ضخم كبير يعدل حجمه عشرة من تلك التماسيح وفتح فمه مما أفزع جميع التماسيح وخرجت من البركة إلى جوانبها حيث الأشجار كما أفزع من كان هناك فوق من الملك وجماعته. عندها طار سموطان مسرعا بديفي وأخترق ذلك التمساح الضخم الذي مازال مزمجرا بأصوات عالية ولم يبالي به سموطان فما هو الآ خيال. وحط بديفي أمام القفل فسكع ديفي إلى عنقه في الماء ومن خلفه سموطان حيث وصل الماء إلى صرته. فرفع ديفي من إبطيه يقدمه بإتجاه القفل كي يتمكن من الإمساك بالمفتاح وهو يعجل به ثم إختفى ذلك التمساح الضخم فبدأت التماسيح بالزحف إلى الشيخ وديفي.

صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
ونظر إليها سموطان قادمة فأسرع بديفي وأمسك بيده وهو يرفعه من إبطه بيده الاخرى بإتجاه القفل حتى أمسك ديفي بالمفتاح, وما أن أمسكه حتى صرخ به الشيخ بقوة : هيا إفتحه خذه يا ديفي إفتحة.
[SIZE=5][COLOR=blue]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]


[COLOR=#000000]والجميع هناك فوق يراقبونهما بحماس كما يراقبون التماسيح وهي تقترب منهما بخوف. فأدار ديفي المفتاح فخرجت تلك الإضاءة من ثقب المفتاح وأصدر القفل صوت إنفتاح مدوي. ولم ينتظر الشيخ بل إرتفع عاليا بديفي وبيده المفتاح مفوتا الفرصة على ذلك التمساح الذي كاد أن
يفتك بهما ويتلذذ بوجبتين مؤكدتين. وصعد به الى فوق حيث إستقبله الجميع بالفرح والسرور. ثم أخذ الشيخ المفتاح من يد ديفي الذي كان مستمتعا بالتهليل والتشجيع ووضعه في قلادته ونظر الملك إلى روث مبتهجا بها ثم نظر إلى مفاتيحه الأربعة في قلادة ديفي .

الجند كانوا ما يزالون في المعسكر يجمعون شتاتهم حتى وصل الملك أجمنون ومن معه وبصحبتهم المفتاح الرابع. فقال الشيخ لإفتاب : خذ ديفي إلى صومعه الكاهن حنباثا واجلبوا المفتاح الخامس فهوالتالي بعد هذا. فقال الملك للشيخ : أرى أن تذهب أنت معه, فإذا لم يتمكن أفتاب من السيطرة على ديفي لن يستطيع هو مع المفتاح شيئا. فكر قليلا الشيخ وقال : نعم هذا رأى حسن. وأراد سموطان الذهاب بديفي حتى سمع صوت يقول من وراءه : سأذهب معكما. فنظر سموطان خلفه فإذا هي الملكة دبورة وقدنظرإليها الجميع مستغربين من سبب طلبها الذهاب مع الشيخ وديفي وبالخصوص إستغرب أبنائهاالسبعه فقال لها : هل من ضرورة؟ قالت : نعم, فأنت لاتعلم مكان القفل في الصومعه, إن إيجاده أمر صعب. فنظر الاخوة الجان إلى بعضهم البعض. فقال لها الشيخ: حسنا إذا لنذهب. فانطلق الشيخ يحمل ديفي وطارت تتبعهم الملكة دبورة .
بعدها دخلت هاداساه إلى خيمتها وومعها روث وهرمس ومع هاداساه عصى قصيرة. قطعة من أعواد الخشب فألقتها على أرض الخيمة الرملي وجلست قبالتها, وأخذت تشير إلى العصى بكفيها ترفعهما وتنزلهما قائله : طيري..طيري أيتها العصى والعصاة لا تتحرك فضحكت روث وتبعها بالضحك هرمس ثم إبتسم هرمس إبتسامة لم يقوى على امساك ضحكته عندما رفعت هاداساه بصرها من العصاة إليهما وهي خائبة .
وفي خيمة القائد كان يجلس الملك ومن معه حوله فقال الملك إليهم : كيف هي طريقنا الآن من هنا : فقال كبير الجند : ليست ببعيدة يا مولاي. وتقدم كبير الجند من الملك وبيده لفافة ففضها فإذا هي خارطة, وأشار للملك بإصبعة على الخارطة وهو يريه إياها قائلا : نحن هنا, سنتوجه بإتجاه كهف قيسوس الرومي, ونتجاوزه من حوله وبعد إن ندور عليه سنتخلل الغابة ثم منحدرات جبلية خضراء, وعبر السهول إلى مملكة (كابا) عند سفح الجبل العظيم جبل الينابيع الحارة. ثم طوى كبير الجند الخارطة وتراجع إلى مكانه فقال الملك أجمنون : إذا نمضي غدا باكرا عند طلوع الشمس .

وصل الشيخ سموطان ومعه ديفي وخلفهم الملكة دبورة إلى صومعه الكاهن حنباثا فدخلوا الصومعة. وتقدمت الملكة دبورة من كرسي حنباثا فدفعته. فاذا تحته باب سري فانحنت لتفتحه وهي تقول ناظرة إلى الشيخ بإبتسام : ألم أقل لك إنه صعب إيجاده ؟ وجذبت الباب الصغير وأفردته الى الجهة الأخرى من الأرض, فبان تحته درج فنزلت وتبعها الشيخ يمشي ديفي أمامه حتى نزلوا جميعا وشاهدوا القفل هناك.
[SIZE=5]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

فقدم الشيخ ديفي إلى القفل فمد ديفي يده إلى المفتاح وأداره فأصدر القفل صوت إنطلاق مغلاقه وخرجت تلك الأشعة المبهرة من ثقب المفتاح. وخرح المفتاح في يد ديفي بسهولة. أخذ الشيخ المفتاح ووضعه في قلادة ديفي الذي أخرج لسانه علامة على الإنبساط فضحك سموطان من ذلك وهو ينظر إلى الملكة دبورة التي بدورها كانت تضحك منه. ثم خرجوا جميعا من السرداب. وعند شرفة الصومعه وقفت
الملكة تنظر منها إلى الفضاء حيث الهواء القادم من الخارج كان يطاير بملابسها ويتخللها. وقد كان هواء ونسيما منعشا فأغمضت عينيها وسمحت للهواء النقي أن يدخل إلى رئتيها بعمق فأصدرت الملكة صوت إسترخاء. وكان الشيخ مع ديفي خلفها ينظر إليها وكأنه يعلم ما تحس به. فتحت الملكة عينيها ونظرت إلى الأرض ثم استدارت إلى الشيخ وفاجأته قائلة : ما رأيك بنزهة قبل العودة؟ وقبل أن يصحوا سموطان من صدمة الطلب المفاجأ أمسكت بيده وجرته وهو بدوره إلتقط ديفي وطاروا جميعا وهي مازالت ممسكة بيده وانطلقوا في الفضاء, ويمكن سماع ضحكات الملكة دبورة من شرفة الصومعة حتى إختفى الصوت ثم إختفيا . وإذا بها تنزل بهما بين الاشجار تحت سلسلة من الجبال المتراصة إلى ثقبه في ألأرض يظهر منها ماء جاري كالفلج الشديد الجريان, يغوص المرأ فيه الى بطنه بعرض المتر, ولا يظهر منه على سطح الأرض سوى ثلاثة أمتار تقريبا ثم يختفي الماء حيث يذهب إلى داخل الجبل بين الصخور. فنزلت بهما على أدراجه السبعه وهي ما زالت تمسك بيد الشيخ وهو لا يعلم أين تتوجه بهما. فنزلت بهما الدرجات السبع حتى عند الماء والشيخ وهو يمسك بيد ديفي يجره خلفه ينظر إلى شدة جريان ذلك الماء الجارف ومتعجب منه كيف شق مجراه إلى بطن الجبل فقالت له الملكة دبورة : أتعجب من هذا ؟ لم ترى أعجب منه بعد إذا ؟ هذا لم يحفره الإنسان وإنما أمرت الحفارين به. وقالت وهي تبتسم: تعال ودع الماء يأخذك إلى حيث يشاء. والشيخ وهو مستسلم تماما لرغباتها القوية لا يقوى على الرد أو الإمتناع أو المناقشة وكأنه مسحور تبعها فنزلت إلى الفلج وأمسكت بقوة بجانبيه ونزل وفعل مثلها مادا رجليه ممسكا بهما في جوانب الفلج كما فعل بمرفقيه حتى تناول ديفي ووضعه جالسا على الماء مادا رجليه ما بين رجلي سموطان وظهر الملكة دبورة أمامهما كمن ينزل من جبل ثلجي على مزلاقة. ثم نظرت الملكة دبورة إليهما خلفها وقالت مبتسمه : مستعدان ؟ فهز الشيخ رأسه بالإيجاب فأفلتت الملكة نفسها للماء يجرفها وتبعها الشيخ وذهبوا جميعا يجرفهم الماء إلى داخل بطن الجبل وديفي يصرخ من شدة جريانهم داخل تلك الظلمة في ذلك المجرى. وتزحلقوا على الماء داخل تلك الساقية الباطنية الملتوية مسافة حتى ظهرلهم شيء من البريق وكأنه المخرج ثم تقاذفوا من خلال شلال مياه تلك الفتحة التي تصب مائها بقوة على تجمع مائي تحتها فسقطوا يصرخون في الماء الغريز ثم طفوا فوقه, وأسرع سموطان بالتقاط ديفي بينما الملكة فرحة مسروره بتلك القفزة تنظر إلى الشيخ وهو ينقذ ديفي من الغرق, ثم نظر سموطان إلى ما حوله فإذا هي قبة فسيحة على شكل كهف واسع في داخل الجبل مليء بالمياه المتساقطة من ذلك الفلج, ثم شاهد سموطان بالقرب منه بعض الصخور البيضاء الظاهرة على سطح الماء من صخور الصفا المستديرة. فسبح بديفي حتى صعد بة فوقها فاستراح عليها معه, وأخذ يقلب ناظرية في ذلك المكان الغريب كالقبة الضخمة في بطن الجبل لا مخرج لها, وتتطلع في جدرانها الدائرة من حوله حيث النقوش من الأشكال العجيبة والصناعة الباهرة ورفع رأسه ليرى مدى الكهف في الأعلى فشاهد تلك العناقيد من البلورات الصخرية من الكوارتز والنتؤات العسلية والبرتقالية اللون المتدلية من سقف الكهف, ثم تتطلع إلى أعمدة الكهرمان الموضوعة على جوانب البركة وبعضها على شكل مسنات منصوبة ترتفع من قعر البركة, وتنتشر التماثيل المصنوعة من البلور الصخري على شتى الوانه البنفسجية والارجوانية ومنها ما هو عديم اللون وقد نحتت ونصبت موزعة في ذلك الكهف, والتي لا يمكن للبشر أن ينحت مثلها في التصوير والجمال والدقة. وكل ذلك والملكة تسبح في المياه ناظرة إلى سموطان المبهور بذلك المنظر البديع. وشاهد ذلك الماء الذي يخرج من تلك البركة في سبع منافذ دائرية في الجدار الصخري على مسافات وأحجام متساوية, وبعدها بمسافة واحد كبير يختلف عن تلك السبعة المتشابهة حيث أن فتحة مياهه أكبر وأوسع, كما أن فتحته ليست فتحة وثقب عادي كالبقية بل هو عبارة عن فم رجل بلحية يلبس تاجا ينفذ الماء من فمه الذي فتحه واسعا. فتعجب سموطان مما حوله من الروعة والجمال حتى إنجذب سموطان فجأة وشدّ إلى الماء وقطعت خيالاته السحرية عندما جذبته الملكة من رجله إلى داخل البركة. وأخذا يسبحان معا ثم ظهرا على سطح ماء البركة فقال سموطان للملكة دبورة وهما يعومان مشيرا إلى منافذ المياه السبعة تلك : أين تذهب هذه المياه ؟ فقالت الملكة ببساطة إنها تذهب إليكم, تنفذ إلى الخارج بعد أن تمر على سلسلة من الجبال. فأشار سموطان إلى الفم الكبير وقال : وهذا ؟ فقالت الملكة : هذا مختلف, هذا لنا نحن وحدنا. عندها قفز ديفي إلى البركة من الحصاة التي كان يجلس فوقها وغطس في البركة فسبح سموطان إلى ديفي ليلحق عليه, ولكن فجأة ارتفع ديفي الى ألأعلى محمولا. فتوقف سموطان ينظر الى ديفي وهناك شيء ما يرفعه من تحته. عندها ظهرت من تحت ديفي فتاة شابة جميلة تغطي عورتيها بجلد يلمع ليست كبنات الإنس. فاستغرب سموطان منها وأخذ ينظر إلى جمالها الفتان وحسنها البديع ومنظرها الغريب وهي تبتسم كأنها الحورية في وجه سموطان ممسكة بديفي لكي لا يغطس. بعدها سمع سموطان أصوات ضحكات فتيات فظهر ما يقرب من عشر فتيات أخريات من تحت الماء وقد أقبلن يتضاحكن إلى حيث ديفي والملكة تنظر إلى سموطان الذي يعوم في مكانه وكأنه في عالم الخيال وهي من خلفه. فتقدمت منه وأخذت بيده قائله : هيا لنذهب هناك من سيعتني بديفي. فأخذته من يده وسبحا إلى حيث يصب الماء في فم الرجل صاحب التاج بينما كانت الفتيات يلاعبن ديفي ويتضاحكن معه في الماء وهو يطبش بيديه ورجليه. ولما وصلت الملكة وسموطان إلى ذلك المصب أو الفم المظلم دخلا فيه وحالما دخلآ فجأة كاد سموطان أن يقع على وجهه على الأرض وهو يخرج واقفا على قدميه على أرض خضراء تحيط بهم الزهور بألوانها الزاهيه, وفوقهم سماء صافية وأرض رابيه وتحتهم سهل من الزهور ينتهي بقصر ضخم كبير له طريق ذو عواميد كبيرة طويلة إستطاع سموطان أن يشاهدها من حيث هو في تلك الرابية المرتفعة, والملكة بجانبه تطالع دهشته من أنهم كانو في الماء داخل الجبال وأصبحوا في الخارج. وأخذ سموطان يشم تلك الروائح الجميلة المنبعثة من كل جهه, ويسمع أصوات الطيور وتغاريدها العجيبة وكاد أن يغشى عليه من طربها, وحيوانات متراكضه مسالمة, وشاهد بين الحقول حصانا ناصع البياض بجناحين يربع بين الشجيرات البعيدة. فأخذت الملكة بيده تتنزل به بإتجاه القصر مخترقان حدائق الزهور التي تتطاير الفراشات ذات الالوان الزاهية حولهم من تحتها, حتى وصلوا إلى تلك العواميد الكبيرة الطويلة, والملكة ممسكة بيده متمهلة عليه لكي يشبع النظر إلى ما حوله من مناظر خلابة ببطأ ودونما إزعاج ولا عجلة. فأخذ ينظر إلى العواميد البيضاء المصنوعة من الرخام اللماع الشاهقة الارتفاع, مصفوفة على شكل طريق إلى ذلك القصر العظيم الذي تتدرج أبنيته في الأرتفاع, وتزينة القباب الحمراء في كل مسطوحة, وفي وسطه وأعلى ما فيه قبة حمراء مزينة بخطوط الذهب من رأسها إلى دائرتها السطحية, ودائرتها تزينها أحجار بنفسجية كريمة شديدة البريق. ونظر سموطان إلى ماتدوس عليه رجليه فإذا هو يدوس على حجارة من ذهب وألماس وياقوت ولؤلؤ وزمرد تزين ذلك الممر الى نهاية القصر. ومشيا في الممر وسموطان شديد الاعجاب بما يراه من خواتم مرصعة بالأحجار الكريمة ومن كل نوع ولون مرمية على الأرض بطول تلك العواميد إلى باب القصر. ومنها خواتم من الفيروز الأخضر والياقوت الاحمر والازرق والعقيق الأحمر والزمرد الريحاني والاوبال وعقيق النار, والزبرجد الأخضر والفيروز الوردي والياقوت الأصفر ومنها خواتم من ذهب مرصعة بالإلماس الكبير الحجم. وكل هذا وهما يدوسان عليه حتى دخلا من بوابة ذهبية منحوته كبيرة, وأخذت الملكة تسير أمامه ببطأ وهو يتقدم وعينيه على ما حوله من التماثيل العجيبة والنقوش الملونة والجواهر المعلقة والمتدلية من كل مكان, والأقمشة المخملية, والزوالي الثمينة, والأبسطة المحيكة من أجود الأنواع. حتى وصلت به إلى تلك القبة الحمراء الكبيرة. فشاهد كرسي مصنوع من ثلاثة أحجار زرقاء من البرايت, قد صفت مع بعضها كل واحد منها بطول المتر وتسنده مسانيد ووسائد قطنية وريشية مغلفة بالحرير الأحمر وفراء الأسود الذهبية. وفي كل جهه من الكرسي تمثال قط كبير بحجم النمر أخضر زمردي اللون, منحوتان من حجر اليشم, كلا منهما منحوتا من حجر واحد. وإذ سموطان يتأمل ما تحت رجله من الرخام العجيب الذي يكسوا القصر وتلك الجدران والعواميد الزاهية إذ خرجت قطة بيضاء ناصعة الفراء كثيفة الشعر, وجرت بإتجاه الملكة فالتقطتها من ألأرض وهي تداعبها ثم نظرت إلى سموطان الذي ينظر إليها مذهولا وهي تداعب رأس القطة. ثم خرجت إليها مجموعة كبيرة من القطط من كل مكان, السوداء والشقراء ومن كل لون وأحاطت بالملكة من كل جانب وهي تداعبهن. ثم توجهت الملكة إلى سموطان وقالت : تعال لنجلس. فتوجهت إلى ذلك الكرسي وتبعها سموطان وجلسا فوق الوسائد الحريرية وهي مازالت تداعب قطتها البيضاء. فنظر سموطان إلى فوق رأس تمثال القط الذي بجانبه فرآ تاجا ملوكيا مرصعا بالحجارة الكريمة والألماس والياقوت فقال لها : لما لا تلبسينه ؟ فنظرت إليه وقالت له : إنه يتعب ويثقل رأسي ويمنعني من الحركة بحرية, ثم إني لو لبسته لإضطربت المملكة كلها وصار الجميع في شغل دائم بلا راحه, فأنا أشفق عليهم من ذلك وأخفف عنهم. فقال الشيخ : ولكني لا أرى أحدا هنا ؟ فقالت الملكة : بلى هم هنا, ولكني أمرتهم بالإحتجاب عنك. ثم نظرت الملكة إلى إرتفاع تلك القبة التي يجلسون بداخلها وجالت بنظرها إلى آخرها وقالت: الملك سليمان الحكيم كانت له قبة كهذه, فرأى في يوم من الأيام عصفورا يقول لعصفوره : لم تمنعين نفسك مني ؟ ولو شأت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر. فتبسم سليمان من كلامه ثم دعا بهما وقال للعصفور : أتطيق أن تفعل ذلك؟ فقال العصفور : المرؤ قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته, والمحب لا يلام على ما يقول. فقال سليمان للعصفورة : لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت : إنه ليس محبا ولكنه مدع لإنه يحب معي غيري. فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان وبكى بكاء شديدا واحتجب عن الناس أربعين يوما يدعوا الله أن يفرغ قلبه لمحبته وأن لا يخالطها بمحبة غيره. ثم أن الملكة دبورة صفقت بكفيها فحضرت من الداخل صواني من شتى أنواع الأطعمة تطير لوحدها حتى وضعت أمامهما. ثم جاءت أباريق ذهبية وأكواب من الذهب تطير حتى وصلت إليهما, فصبت شرابا عجيبا في الأكواب وحطت الاكواب بجانب الطعام وبقيت الأباريق بجانبهما في الهواء معلقة ثم أطلقت الأبخرة الجميلة وفاحت العطورالعجيبة وحضرت إليهما مراشي من عطور ممزوجه حتى وصلت إلى فوق رأسيهما ورشت عليهما المراش بعطور لا مثيل لها عند الإنس تشرح القلب. ووقفت المراش في الهواء خلفهما. ثم حضرت قيثارة تطير في الهواء وتتبعها عدة قيثارات من كل جانب وتتبعها الدفوف والالات الموسيقة حتى إصطفت في كلا الجانين أمامهما, وأخذت تلك الآلات تضرب بعجيب الالحان حتى زاغت عين سموطان وكاد أن يفقد عقله من طربها والاوتار تضرب لوحدها والمزامير تعزف من نفسها وحضر إلى وسط الالات الموسيقية مجموعة من الحبال التي قامت تتمايل وتلعب بأشكال وتموجات عجيبة جميلة, ثم حضرت مجموعة من السعادين التي قامت بألعاب بهلوانية ومراقص على عزف الالات بينما سموطان والملكة مستمتعان بالأكل والشرب والضحك. أما ديفي فلم تنقصه التسلية فقد كان محاطا بتلك الفتيات الجميلات حتى أصابة الخجل وهو معهن وحده يلعب في المياه فيغصن به إلى قاع البركة الذي رماله من الذهب والالماس ثم يصعدن به إلى الأعلى وهو فرح سعيد بتلك الرفقة.

دخل الظلام وبدأ الجند بالمعسكر بإيقاد نيرانهم على الرمال بجانب الخيم. وبجانب احدى القدور التي على الرمل والطعام يطبخ إذا بقيسوس الرومي وهو على شكل فار قد تسلل من حفرة إلى أخرى حتى وصل الى ذلك القدر فرآه أحد الجند الجالسين على ذلك القدر يتحدثون فغافله بمسكة سريعة قوية وألقاه مرة واحدة في القدر الساخن فلم يجد مهربا من أن يكون طعاما للجند .
عندها وصل الشيخ سموطان والملكة دبورة وديفي إلى المعسكر وقد بان عليهما علامات الانبساط والارتياح. فركض ديفي مباشرة للبحث عن روث حيث رآها في خيمة هاداساه, وهو يركض أخذ الجند يركضون وراءه يلتقطون من ألأرض ما يقع من ملابسه من قطع الذهب والألماس البراق, فوقف ديفي مستعجبا من أولا ئك الجند الذين يقتتلون خلفه يجمعون أشياء من الأرض وهو لا يدري ما يحدث فنفض ملابسه وراح يركض بإتجاه خيمة هاداساه تاركا الجند يتبعونه ويقتتلون للحصول على ما يسقط من ملابسه من القطع الثمينة والتي لصقت به من قعر تلك البركة .
إتجه سموطان ودبورة إلى خيمة القائد وقد سبقتهما الروائح الجميلة المنبعثة من ملابسهما إلى الداخل ونبهت كل من بداخل الخيمة إلى تلك العطور والروائح الزكية, فدخل الشيخ ودبورة إلى خيمة القائد فسأله الملك أجمنون قائلا : هل وفقتم في الحصول عليه ؟ فقال الشيخ وهو ينظر بطرف عينه إلى دبورة بجانبه : نعم لقد حصلنا عليه. وانتبهت الملكة دبورة الى شخص يلبس السواد خلفها عند باب الخيمة واقفا. فالتفتت إليه فإذا هو ذلك الرسول رسول الجن القبيح المنظر واقفا لدى الباب ويديه أمامه مسبلا عليه غطاء وجهه. فالتفت الجميع إليه فتقدمت منه الملكة ولكنه لم يتحرك ولم يرفع غطاء وجهه فالتفتت الملكة إلى مجلس الملك أجمنون دونما أن تكلمه وقالت للشيخ : هل تأذن لي بالإنصراف لبعض الوقت؟ فقال الشيخ حزينا : لا بأس. فاستدارت الملكة للذهاب إلى ذلك الجني عند الباب ولكن ذلك الجان قال لها من تحت غطاءه لما وصلت إليه : مع أبنائك مولاتي. عندها توقفت والشيخ إلى جانبها ألأيسر ونظرت إلى سموطان فقال سموطان لها : ليذهبوا ولكني أستبقي هرمس تعلمين لماذا. فقالت الملكة : نعم. ثم طارت وطار ورائها أبنائها الستة .
في ذلك الوقت هاداساه كانت مازالت في تجاربها لإكتشاف قدرات الخاتم. ففكرت وقالت لروث وهرمس وديفي : كما الظلام يخفي ألأشياء سأحاول إخفاء ديفي. ووضعت ديفي أمامها جالسا وهو يضحك وجلست هي أمامه ثم أشارت إليه بالخاتم السليماني وهي تقول: إختفي.. إختفي. ولا يحصل شيء, ثم أنها أحست أن شيء ما في الرمل من تحتها يتحرك فالتفتت إلى الوراء للبحث عنه فأخرج ديفي طاقيته ولبسها بسرعة واختفى, وعندما لم تجد هاداساه شيئا ورائها نظرت إلى ديفي لتكمل المحاولة فإذا بها لا ترى ديفي, وليس سوى روث وهرمس فقالت فرحه : لقد إختفى لقد إختفى. وبدت مسرورة قائلة : لقد نجحت لقد أخفيته. فنظرت روث إلى هرمس وضحكا. عندها رفع ديفي طاقيته وبان مرة أخرى وهو يضحك مع روث وهرمس مما أحزن هاداساه وأحبطها وغضبت عليهم .









الفصل ا لعاشر

تحت سطح الأرض في حلكة الظلام نصبت كراسي ثمانية. سبعة على شكل حدوة وواحد يكمل الدائرة. ولكن هذا الأخير وحده بعيدا عنها وأكبر من بقية الكراسي في الطول والعرض والمهابة. وصاح ذلك الجني الاسود القبيح وهو يقف عند باب الغرفة بأعلى صوته قائلا : ملك الملوك الملك العظيم غيدول. فدخل رجل عجوز ذو لحية عظيمة وبيده صولجان طويل ذو مجذاف عريض ومشى إلى داخل الغرفة التي عمها الحرس دائريا حولها من كل مكان لدى دخوله, ويواكبه من وراءه رجال ونساء أجلاء وجليلات. فمشى حتى وصل إلى ذلك الكرسي الكبير وحاشيته صارت وراء الكرسي والتفت إلى وراءه ونظر بجدية ثم جلس وموكبه خلفه واقفين. ثم قال المنادي : الملك أفتاب صاحب الشمس الموكل بأعمال الأحد. فدخل الملك أفتاب ودخل وراءه موكبا مشرفا من قواده وزعمائه وكأنهم الشموس أو الملوك, حتى وصل إلى كرسيه وجلس ووراءه حاشيته وقوف. ثم نادى المنادي : الملك كيوان صاحب زحل الموكل بأعمال السبت. فدخل كيوان بموكب مهيب, شكلهم شكل الحزن والكآبة حتى وصل إلى كرسيه فجلس ووراءه حاشية وقوف. ثم قال المنادي: الملك ماهتاب صاحب القمر الموكل بيوم الإثنين. فدخل ماهتاب ودخل خلفه حاشيته التي كالقمر حتى فعل مثل إخوته. ثم قال المنادي : الملك أناهيد صاحب الزهرة الموكل بأعمال يوم الجمعة. فدخل ودخلت خلفه حاشيته التي كالزهور. ثم نادى المنادي : الملك بهرام صاحب المريخ الموكل بأعمال الثلاثاء. فدخل بهرام ودخل خلفه من حاشيته العساكر والمقاتلين الاشداء وفعل مثل إخوته. ثم قال المنادي : الملك برجيس صاحب المشترى الموكل باعمال يوم الخميس. فدخل وخلفه حاشية كأنهم العلماء وجلس. ثم قال المنادي : الملك هرمس صاحب عطارد الموكل بأعمال يوم الأربعاء. ولم يدخل هرمس بل دخلت أمه الملكة دبورة إلى منتصف الغرفة وأبيها الملك غيدول يطالعها فأشار بيده إليها قائلا : هذا هو, هل ترين ؟ لم يعودوا يحضرون الاجتماعات كيف تبررين هذا ؟ فقالت الملكة وقد شبكت أصابعها على بعضها كمثل التلميذة في المدرسة أمام المديرة : لديه عمل يؤديه, يجب أن تفخر بأنه يقوم بعمله الذي خلق من أجله. فردت عليها إحدى النساء الواقفة بجانب كرسي أبو الملوك غيدول من جهة اليسار وقد وضعت يدها على الكرسي قائلة بحنق: الهرج والمرج أصبح من مساعده الإنس. فقالت لها الملكة دبورة : لولا الإنسان ما أكل الجن, فلابد أن نساعدهم. فقال رجل في الجهه اليمنى من كرسي الملك غيدول وقد وضع يده على الكرسي : مساعدتهم للحصول على مفاتيح سليمان وحكمه الجن. فردت الملكة دبورة : لقد رتب الله تعالى علينا الحكم من قبل الإنسان, ألم يأخذ علينا سليمان الحكيم العهود والمواثيق بذلك ؟ أم نسيتم العهد القديم الذي عاهدناه عند باب الهيكل ؟ فمن يملك معرفة تلك العهود وجبت له الطاعة علينا وإلا أحرقنا بعهودنا. فقالت أخرى من النساء خلف ملك الملوك غيدول : وما دخلك أنت في ذلك ؟ هذا شأن أبنائك. حينها مدت الملكة دبورة يديها متوسلة وقالت : أبي الملك العظيم, لقد تدخلت أنت عندما أحسست أنني قد أكون في خطر, وأنا فعلت مثل ذلك مع أولادي. فرق وجه الملك غيدول قليلا ورجع وربط جأشه مرة أخرى فأكملت الملكة قائلة : أبنائي إذا ما إنظروا أنظر أنا, فأناهم. وقاطعها الملك غيدول قائلا : إذا ما الداعي في مدهم بمعلومات عنا؟ فجثت الملكة دبورة على ركبتيها ورقت قلوب أبنائها عليها وهي خاضعة تكاد تبكي وهي ترفع يديها كالمتوسلة إلى أبيها الملك وقالت : من جهل شيء عاداه, ومعظم الإنس لا يعلمون عنا شيء غير أننا نخيفهم ونريد بهم السؤ, فلو علموا من نكون لربما هناك فرصة أن نعيش سويا في سلام وأمان .

طلع صباح اليوم التالي على مملكة (زيتا) وها هو الخادم يحمل الطعام ويخرج من المطبخ ويتوجه به إلى السجون. فتح له السجان الباب وتقدم ليضع الطعام. أما الملكة وكنتها فقد تقدمت ابنت شمشون الى الباب مسرعة فانتبه اليها الحارس وأغلق القظبان عليهم. فأخذت بطرق القضبان وإحداث جلبة كبيرة في بهوات السجن مما أعطى فرصة للطباخة والملكة للحديث مع الخادم فقالت الملكة زوجة الملك أجمنون للخادم : أخبر الطباخ أن يدبر رسولا إلى الملك شمشون يعلمه بماحصل لإبنته وزوجها وللمملكة, وأن يرسل لنجدتنا. فهز الخادم رأسه وقد دارت عيناه من خوف أن تكتشف نيته فيذبح فقد كانت معاملة جند ميشا لهم قاسية. عندها جاء بعض من الحرس إلى تلك الزنزانه لدى سماعهم الضجة وفتحوا الباب وضربوا إبنة شمشون فارتمت أرضا إلى الداخل, ونادوا على الخادم وعندما إقترب من الباب رفسوا مؤخرته الى الخارج بقوة فأوجعوه. وخرجوا وأغلقوا باب الزنزانة وراءهم. فذهب الخادم إلى المطبخ فإذا الطباخ يستقبله ويقول له : ما بالك تتألم هكذا ؟ هل أختي بخير ؟ هل رأيتها ؟ قال الخادم : رويدك حتى أستريح. فذهب إلى كرسي وهو يتألم من قفاه وذهب معه الطباخ وهو يسنده حتى إستقر وارتاح قليلا ثم قال الخادم : لقد بعثت لك مولاتي الملكة برسالة. فقال الطباخ مندهشا : رسالة ! عن ماذا هذه الرسالة ؟ هل أصاب أختي مكروه ؟ وأصابه الهلع والفزع فقال له الخادم: إطمأن إنها ليست عن أختك بل هي من أختك فهي معهم في هذا. فقال له الطباخ وقد نفذ صبره : هل ستتكلم أم أجعل منك طبق غداء اليوم ؟ فقال الخادم متوجعا: حسنا حسنا, طلبت مني مولاتي الملكة إن أطلب منك أن تجد رسولا ليأتي بالنجدة من مملكة الأميرة إبنة الملك شمشون. ففكر قليلا الطباخ وقال : لما لم أفكر في هذا من قبل؟ حسنا أكتم هذا الأمر ولا تبحه حتى لمن هم من مملكتنا هل فهمت ؟ فقال الخادم وهو يمسك قفاه متوجعا : وهل أنا مجنون ؟ وأشار إلى رقبته بالقطع.





صورة رمزية إفتراضية للعضو anwar66
anwar66
موقوف
°°°
افتراضي
سارت جموع الملك أجمنون بين الغابات والأشجار الطويلة والخضرة تحيط بهم في كل مكان. وإذا بهم يدخلون منحدرا جبليا ضيقا وكان الشيخ يسير على فرسه بجانب الملك ولضيق الطريق لم يكن يمشي بجانبها أحد فاستغلها الملك فرصة وسأل الشيخ سموطان وقال: لماذا تعتقد قد أستدعيت الملكة وأبنائها هذه المرة ؟ فهي لم تخبرنا بشيء وليست كتلك المرة عندما أخبرتنا عن هجوم الغواصة عليهم. فقال الشيخ وقد زاد قلقه : لا أعلم من ذلك بشيء. فنظر إليه الملك وقال : لقد بدا عليك القلق واضحا.. لما تأخرتم في إحضار المفتاح من صومعة حنباثا ؟ فنظر إليه سموطان وقال : ربما أخبرك في رحلة صيد. فوجم الملك في وجه الشيخ من تلك الإجابة السمجة .

مجلس الملك غيدول لم يفض بعد منذ ليلة البارحة. وها هي الملكة في مكانها كما كانت في ليلتها وقد بدا عليها الإرهاق والتعب وقد تصببت عرقا, ووضعت يديها على ركبتيها اللتان لم تفارقا الأرض منكسة الرأس. فقالت تلك المرأة على يسار كرسي الملك غيدول: وهل يتضمن تعريفهم بنا القيام بنزهات ؟ فرفعت دبورة رأسها وقالت وهي متعجبة : للترويح عن النفس ليس إلا, فقد كنا ندخل ونخرج في قتال طوال الوقت فعاجلتها تلك المرآة قائلة بصرامة : بل تحبينه وتهويه. عندها اشتد أبناء الملكة ونظروا إلى أمهم بشدة ينتظرون الجواب فقالت دبورة : وما الضرر إذا كنت أفعل؟ فعنفها ذلك الرجل على يمين الملك غيدول قائلا : وأنت أم الملوك السبعة, وابنت ملك الملوك غيدول العظيم قائد ممالك ما تحت الأرض. فقالت له الملكة : لو لم تتزوج أمك بأبيك لما ولدت أنت فصرخ بها الملك غيدول قائلا : إخرسي, وتتواقحين على عمك. وعاجلتها المرأة على يسار الملك قائلة : وما نهاية هذا الهوى ؟ فقالت الملكة وقد بدا عليها الإعياء الشديد بالكاد ترفع رأسها للإجابة : بل أجيبك إذا ما أجبتني ما نهاية الحياة ؟ فقال الملك غيدول ؟ وما مصير المملكة فيمن يفترض به أنه سيكون ملكا إذا ما تزوجته وهو آدمي ؟

تجاوز الملك أجمنون وجماعته السهل وإذا أمامهم جبل عالي وبه مغارة فدخل المغاره ومعه جماعته. فإذا هي طريق ضيقه تتصاعد من جوانبها أدخنة الحمم والطين والكبريت المحترق بفقاعات حارة فقال الملك لكبير جنده : أطلب من الجند السير واحدا تلو الأخر, فهذه الطريق غير مطمأنة. فذهب ليخبرهم. وتقدموا البقية يتقدمهم الشيخ على فرسه وساروا في طريق ملتوية عبر الحمم من داخل الجبل حتى خرجوا من أعلى الجبل. وعندما خرجوا فإذا الجبل صفحة كبيرة دائرية بسيطة بيضاوية متساوية, وكأنها قصت بسكين. فنظر الشيخ إلى الأعلى بجانب الجبل فإذا هي سحابة كبيرة وفوق السحابة مدينة بانت جدرانها البيضاء كالثلج. وكل من يخرج من فوهة الجبل يبقى شاغبا ينظر إليها غير مصدق لما يرى. فكسر هدؤ التأمل هيرود عندما قال : وكيف السبيل إلى الوصول إليها ؟ فتدخل الوزير لوذا وقال : وما أدرانا أنها هي المملكة التي نطلب؟ فنظر إليه الملك أجمنون وقد بدا عليه الإحباط وأطرق رأسه بعد أن أخذ نظرة أخرى على تلك المدينة مدينة السحاب ثم قال الوزيرلوذا: ألا يمكن لسموطان العظيم أن يطير إليها لنعرف أمرها؟ عندها كان الملك ينظر إلى الوزير فعندما قال ذلك حول وجهه إلى سموطان وكان سموطان ينظر إلى المدينة فهبط عن فرسه قائلا : هذا بالضبط ما ينبغي لك أن يقترحه عليك ذكائك. وطار سموطان إلى أعلى السحابة وحاول الولوج إليها ولكنه كلما حاول يصطدم بجدار وهمي فيرجع إلى الخلف, وحاول من كل جهات المدينة فلم يستطيع فرجع إلى الوراء وقال : لا أسماء ولا عزائم يمكن أن تمنعني عنها. وتمتم ببعض العزائم وحاول مرة أخرى فلم يستطع وما زال كذلك. وفي سطح الجبل إنحاز الوزير إلى بعض الجند ودس لهم بعض المال فأخذوه ولاحظه أوريا وهو يفعل ذلك فشك في أمره عندها نزل سموطان إلى حيث كان الجميع مشغولين مهتمين بمراقبته يحاول إقتحام المدينة دونما جدوى. فقال سموطان للملك أجمنون : لا جدوى من المحاولة إنها مطلسمة بعزائم أقوى مني. فقال آرميا : أرى يا مولاي أن ننزل من الجبل فالحرارة هنا مرتفعه. وأشار بيده إلى الجند قائلا : أنظر كيف يتصببون عرقا. فقال الملك : معك حق إنها فعلا شديدة وخانقة. فقال آرميا : أرى أن ننزل حتى ترجع الملكة دبورة فنتصرف بشيء أو نرى ما نراه ونحن تحت الجبل. فتوجه الملك بفرسه إلى فوهة الجبل ونزل وتبعه البقية. وهم في طريقهم نزولا تنبه سموطان إلى الحمم وخطرت بباله فكرة فقال للملك : ما تقولون لو أني أفجر هذا البركان الخامد فلعل ما في بطنه يزيد من علو الجبل فيدخل في تلك السحابة, ولعله يحدث فيها تغييرا ما, فبالنهاية أفضل من الإنتظار. فنظر الملك إلى إبنه هيرود الذي هز رأسه بالإيجاب وقال الملك : حسنا ولكن كيف ستفعل ذلك؟ قال سموطان : دع هذا لي ما عليكم الا جميعا أن تبتعدوا بعيدا قدر الإمكان, فلا تأمنوا أن تصل إليكم الحمم المتقاذفة. فخرج الجميع من الجبل ووصلوا إلى أرض مرتفعة لا تصل إليها الحمم وبقي سموطان بداخل الجبل. فطلع على ربوة في تلك الطريق المتعرجة وأشار إلى الحمم من تحته وقال : أدريل ترنيل قراطيل ذريال لا إله إلاهو العزيز الحكيم المدبر العظيم بهوتر هوتر قوش كوش نفخ أتى أجب أيها السيد أتى بحق بسم الله الرحمن الرحيم أنا نهور ناعبيل مللملي.....وأخذ سموطان يزيد ويعيد ويعزم والحمم تزداد غليانا وتبدأ بالإرتفاع وترتفع معها الأدخنة حتى إنفجرت وطار الشيخ إلى الأعلى والدخان الكثيف خلفه يطلب الخروج مثل الشيخ من فوهة الجبل وظلا في سباق وراء بعضهما ورأت الجموع إنفجارا هائلا من الدخان تلتها حمم حارة متقاذفة كادت أن تصل إليهم. فحزنت روث وقد كادت تبكي فسألها هرمس وقال : ما بالك ؟ فقالت : لا أعتقد أن سموطان نجا من ذلك الإنفجار, وكيف ينجوا من كل هذا وهو في بطن الحمم؟ وبدا القلق على وجه هرمس على الشيخ. ثم انقشعت ألأدخنة وخرجت الحمم الحمراء تسيل وأخذت تتزايد وتزيد في سطح الجبل عندها ظهر من الفضاء سموطان وقد إقترب من الملك وحط بجانبه. فسارعت روث وديفي يتبعها واندفعا إليه يحتضنانه وهو يبتسم من فعلهما. وأخذوا يشاهدون تلك الحمم تتزايد وتتطاول والجميع يتفرجون فتوجه سموطان للملك وقال : أقترح أن نعسكر هنا, فهذا قد يطول إلى الغد. فهز رأسه الملك وقال لأتباعة : فلنعسكر هنا أيها الجند. وقام الجميع لتجهيز المعسكر .

في مملكة (زيتا) دخل أحدهم إلى المطبخ وبيده صناديق من الخضروات فأمسك به الطباخ وجره إلى احدى زوايا المطبخ وقال له سرا : إسمع أريدك أن تأخذ هذا الكتاب. وأعطاه كتاب أخرجه من داخل صدرية ثيابه ملفوفا ثم قال : وتذهب به إلى مملكة (جاما) ولا تسلمه إلا ليد الملك شمشون وأحذر أن يقع عليه أحد. فقال الخضرواتي : وماذا إذا قبض علي وهو معي؟ فقال الطباخ : حسنا إسمع, سأقول لك الرسالة ولتحفظها جيدا بحيث لا يقع على ما معك أحد وتكون بمأمن. أبلغ الملك شمشون بمقتل زوج إبنته وبما حصل من إحتلال الملك ميشا للملكة, وأخبره أنها رسالة من الملكة ومن إبنته وليسرع لنجدتهما, هل وعيت ما قلت ؟ فهز رأسه الخضرواتي وهو يرتجف فقال الطباخ: إذا إنطلق الآن. فتحرك الخضرواتي للذهاب فشده الطباخ من يده فأفزعه وقال له : لا تنسى بأن تجعل أحدهم يحل محلك في إحضار الخضار وإلا شكوا في أمرنا. فهز رأسه الخضرواتي وانطلق خارجا .
هذا ما كان يدور في المطبخ أما فوق في مكتبة القصر فقد كان الملك ميشا يصرخ وهو يضرب بكلتا يديه على الطاولة الضخمة وأمامه كتاب سليمان مفتوح على الطاولة. والتفت إلى الشيخان اللذان يقفان وراءه وقال لهما بغضب : أريد أن أتعلم كيف أطير وكيف أمشي على الماء وكل ما أريد أشير إليه بيدي فيأتيني, أريد أن أوذي, لا.. بل أقتل أي شخص أريد بإشارة من إصبع يدي لا.. بل بنظرة واحدة قوية من عيني. واستدار ميشا إلى خلفه حيث الكتاب بقوة وهو ينظر إليه قائلا : ما فائدته إذا لم أتعلم منه كل ذلك ؟ آه ما الفائدة ؟ قولا لي. واستدار إليهما مرة أخرى قائلا : أريد أن أعلم كل ما يحدث في أي مكان أريد أن أراه أمامي, وكل ما حدث سابقا وكل ما سيحدث لا حقا في المستقبل هل تفهما ؟ وجال ميشا في المكتبة وزمجر وهو يعنفهما وقال : هيا أعلماني ماذا يفعل أجمنون الآن ؟ هيا. فلم ينطق الشيخان بشيء فغضب عليهما وقال : الم تسمعاني ؟ فقال الشيخ الطويل لامون بتردد: هناك ... هناك طريقة بالكتاب للحصول على سائل ما, مهما دهنت به شيئا أطاعك بالذهاب أينما أردت. ففرح ميشا وأخرج عيناه الشريرتان واقترب من لامون وقال : نعم.. نعم أريد هذا السائل وماذا بعد ؟ ماذاعن الطيران ؟ فقال الشيخ القصير شملال : هناك أيضا طريقة قد رأيتها سهلة... فنظر إليه ميشا بغضب فخاف الشيخ شملال وقال : بل هي أسهل من غيرها. فقال ميشا: إذا إصنعاها ماذا تنتظران ؟ إصنعا كل ما في الكتاب من حيل وطرق أريد جنود لا تقهر أريد أعوان من الجن والزماهرة والخطاريف أريد جيشا وملكا قويا كملك سليمان أليس هذا كتابه ؟ فقال الشيخ لا مون الطويل متخوفا : بلى ... بلى .. هناك طريقة لإستحضار وأستخدام ملوك الالوان وهم سبعة على عددها. ففرح ميشا وتنفس بعمق ورفع أنفه وأقترب من الشيخان وقد صك على أسنانه وكشرها وهو يقول : نعم سبعة مثل الجن السبعة الذين عند آجمنون هيا إصنعاها لي هذه الأخيرة من السبعة ... الآن. وتفأجا الشيخان من هذا الطلب الملح الغير متوقع. فتلكأ الشيخان فصرخ فيهما وقال : الآن الآن هيا. ودفعهما ناحية الكتاب فأخذ الشيخان يتصفحان الكتاب وهما ينظران إلى بعضهما حتى وجدا الصفحة وقالا : هذه هي. فحضر إليها ميشا ليراها مخترقا بين الشيخين لينظر في الكتاب وهو يزمجر وقال : وما الذي تصنعه هذه الملوك السبعة ؟ ملوك الالوان هذه. فقال لامون الطويل : إنها بما أمرتها فانها تجعل من تريد لا يرى شيئا أمامه, أي يصبح أعمى تماما. ففرح ميشا وسر من ذلك وقال : وكيف ذلك ؟ فقال شملال القصير : إنهم ولكل واحد منهم لون هو مسؤول عن وجوده في الأشياء الظاهرة, فإذا أخذ كل ملك لونه واسترده فلا يبقى في ذلك المنظور شيء يرى فبالتالي يصبح ذلك الشخص لا يرى شيئا لإنه كل شيء وله لون. فقال ميشا بغضب : هيا أسرعا وأحضروهم هنا الآن تحت إمرتي. وبدأ الشيخان بالعمل. فنظر الشيخان في الكتاب السليماني ثم رفع رأسه شملال القصير وقال للملك: نحتاج الى بعض الحاجيات للعمل. فتقدم الملك ميشا من باب المكتبة وفتحه ونادى أحد الحراس الذين في الخارج فحضر إلى الداخل ثم نظر الملك ميشا إلى شملال فقال شملال القصير: نحتاج إلى قماش من أربعة أمتار في أربعة أمتار سبعة, كل واحد منها بهذه الالوان,الاحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي. فسمعه الحارس فقال له ميشا : هل عرفتها ؟ فقال الحارس : نعم مولاي. وانطلق ليحضرها أما لامون الطويل والذي كان هو الأخر ينظر في الكتاب قام بقص سبعة قصاصات من الكاغد كل منها بحجم أربعة أصابع وكتب على كل واحدة من تلك الأوراق السبع أحد هذه الأسماء تاي, ظطع, فحت, غذحي, ثاي, قطص, شدع . بينما كان شملال القصير ينقل بعض الأسماء من الكتاب السليماني في ورقة حتى حضر الحارس ومعه الأقمشه وألقاها بين يديهم وانصرف. فأخذ شملال ولامون الأقمشة وكوما كل واحد منها لوحده على الأرض بهذا الترتيب . الأحمر ثم البرتقالي ثم الأصفر ثم الأخضر ثم الأزرق ثم النيلي ثم البنفسجي ووضع لامون قصاصات الكاغد التي كتب على كل واحدة منها إسما تحت كل قماش إسم بهذا الترتيب تاي ظطع فحت غذحي ثاي قطص شدع ثم أخذ شملال القصير يقرأ من الورقة الكلام الذي نقله من الكتاب السليماني وقال : أجيبوا واحضروا يا ملوك الألوان بحق أوجاج أوجاج كهارج كهارج كهارش كهارش لوهاتوكم لوهاتوكم توكامير توكامير هلبا هلبا جلبا جلبا الوحا الوحا الساعة الساعة هيا يا تاي وإذا بالقماش الأحمر ينتصب واقفا وقد لبسه رجل رداء له ووقف ينظر إليهم فوجلوا منه بعض الشيء فاستمر شملال بالقراءة فقرا ذلك الكلام مرة أخرى إلى عند قوله الساعة ثم قال هيا يا ظطع فقام القماش البرتقالي وقد لبسه رجل أخر مثل الأول في الصورة. ثم كذلك فعل ثم قال هيا يا فحت فقام القماش الأصفر وقد لبسه رجل ثم كذلك فعل حتى قال هيا يا غذحي فقام القماش الأخضر رجلا. وعزم وقال هيا يا ثاي فقام القماش الأزرق رجلا. ثم عزم مرة أخرى وقال هيا يا قطص فقام القماش النيلي رجلا. ثم عزم وقال هيا يا شدع فقام القماش البنفسجي رجلا فاصطفوا سبعة ملوك بكل ملك لون ينظرون إليهم طوع أمرهم لا يتكلمون ولا يتحركون إلا إستعدادا للتنفيذ. ففرح ميشا وسر سرورا ليس له مثيل. ثم قال لهم شملال القصير : إنصرفوا أيدكم الله بالنور الساطع والسيف القاطع إنصرفوا مأجورين إنصرفوا إلى ما كنتم عليه. فاختفى أولائك الرجال السبعة وسقطعت الأقمشة على الأرض في مكانها الأول فلما كان الملك ميشا يشاهد فعل شملال كاد أن يتوقف قلبه عن الخفقان وعجز عن الكلام للحظات وهم بشملال ليقتله فأخذ يخنقه وهو يقول : لما فعلت ذلك.. لما.. هيا أحضرهم مرة أخرى. فقاومه شملال قائلا : لست بحاجة إليهم الآن, عندما تحتاجهم ما عليك سوى أن تناديهم بأسمائهم فيحضرون. عندها هدأ الملك ميشا وأنزل يديه من رقبة شملال القصير وهو ينظر في وجهه قائلا : هل هذا صحيح؟ أناديهم متى أشاء. فقال شملال وهو ينحب ممسكا عنقة : نعم إحتفظ بهذه الأقشمة السبعة ونادهم بأسمائهم. وأخذ الملك ميشا يسرح بخياله في القوة التي أصبحت بين يديه .
وقبل غروب شمس مملكة (زيتا) تلثم الخضرواتي وارتدا ثياب الرحالة المسافرين وركب خيلة المحملة بالزاد وسار بها إلى بوابة القصر فلم يوقفه أحد, وقد كان يتنافض من الخوف حتى خرج من البوابات إلى الأشجار ثم إنطلق يعدوا مسرعا إلى مملكة الملك شمشون (جاما) .

خيم الظلام على معسكر الملك أجمنون فأخذت هاداساه تمشي إلى أن وصلت إلى مكان ما من السهل حيث لا يراها أحد فمدت يديها إلى الأمام وأخذت تجري وتقفز تحاول الطيران وهي تنظر إلى الخاتم في إبهامها. ولكنها لم تطر إلى أن وصلت إلى شجرة متوسطة الطول فمدت إليها يدها بقوة فخرجت تلك النصلة الدائرية فهربت هاداساه من أمام الشجرة لما رأتها واقعة عليها إلى أن وصلت إلى حلقة الملك أجمنون حيث يجلس الجميع حول النار يشاهدون الحمم من بعيد وهي تخرج وتسيل إلى الوادي بعيدا عنهم. فقال الحكيم يوقاس تلميذ الشيخ سموطان : يا شيخنا, هلا ضربت لنا مثلا في الطمع والحسد. فتنبه الجميع ينتظرون سماع شيء من الشيخ. فنظر إليهم سموطان وقال : لقد كان لمزارع ما حمارين, أحدهما أسودا والأخر أبيضا, وكان كل يوم يحمل المزارع الحمار الأبيض الإسفنج ويحمل الحمار جواني السكر ثم يرسلهما إلى البيت معا, فيمشيان إلى أن يصلا إلى البيت, وكانا يسيران بمحاذات جدول مائي يمد بهما إلى مسافة بعيدة حتى الجسر, ثم يضطرا للرجوع من هناك إلى الوراء حيث البيت, وكان ذلك يشق عليهما حيث المسافة الاصلية بين المزرعة والبيت ليست بتلك المشقة لولا الجدول المائي الذي زاد المسافة إلى ثلاثة أو أربعة أمثالها الحقيقية. وفي كل يوم يفتخر الحمار الأبيض ويغيض الحمار الاسود في الطريق, حيث أنه يحمل الإسفتج وهو حمل خفيف أما الحمار الاسود فيحمل السكر وذلك حمل ثقيل, ورغم ذلك فإن الحمارالاسود لا يرد على الحمار الأبيض إستهزاءه به بل يمضي في طريقة لأداء مهمته صابرا راضيا. وفي يوم من الأيام وقد إنطلقا بحمليهما أخذ الحمار الأبيض يضحك على الحمار الاسود بطول الطريق حتى وصلا إلى مكان الجدول, ويستطيع كلا الحمارين رؤية البيت في الجهة المقابله من الجدول, فقرر الحمار الاسود اختصار المسافة واختراق الماء وعدم الذهاب من الجسر البعيد وكذلك فعل, ولكن الحمار الحمار ألأبيض وقف مكانه ينظر الى ألأسود ولم يتجرأ على فعل ما فعله الحمار ألأسود, حتى وصل الحمار الاسود إلى منتصف الجدول فغاصت أكياس السكر في الماء فذاب في الماء فصار خفيفا وأخذ يعدوا في الماء كأنه لا يحمل شيئا, فتعجب منه الحمار الأبيض وقال في نفسه: هذا يحمل حملا ثقيلا وفي الماء ومع ذلك فهو بذلك النشاط والقوة وسوف يصل إلى البيت قبلي هذا والله لن يكون. فخاض هو أيضا الجدول وعندما وصل إلى منتصفه تحمل الإسفنج بالماء فصار ثقيلا ولم تستطع رجلاه ولا ظهره إحتمال حمله فسقط في الماء فغرق, وكان ذلك جزاء من لم يشكر على نعمة هو فيها بل ويطلب ما عند غيره. عندها نهض جميع من بالحلقة عندما سمعوا صوت قعقعة قوية. فنظروا بإتجاه البركان فإذا الحمم البركانية قد إخترقت سور المدينة السحابية وهدمت جزء منه. ففرحوا وهللوا ثم قال هيرود لسموطان : ولكن كيف سنتسلقه وهو قطعة نار؟ فتبسم الشيخ وهو ينظر إلى الجبل وقال: لا عليك. ثم بدأ سموطان يعزم رافعا يديه إلى السماء وقال : سنطط بمجر أمول مجرا مولس نططب ولسن ططبم جرام طبمج رامو لسنط يا هغشطما ئيل .
ثم كررها سموطان إثنا عشرة مرة فما أن إنتهى الشيخ وأنزل يديه إلى الأرض حتى أبرقت السماء وبدأ المطر ينهمر ففرح الجميع وأخذوا يرقصون تحت المطر ومنهم من إحتمى داخل الخيم وبدأ البركان بالتدخين بسبب سقوط المطر عليه. وكل تفرق إلى مخدعه .
ثم أنهم لما تفرقوا لاحظ أوريا أن الوزير لوذا ذهب إلى موقع الجند وليس إلى خيمته فتبعه حتى رآه يدخل احدى الخيم التي للجند, فالتصق أوريا ورائها يستمع فاذا هو يسمع الوزير يقول للجند : إذا هو ما إتفقنا عليه, وسوف أعطيكم المزيد من النقود والذهب والمناصب وكل ماتريدون. ففرح الجند وسروا بما يمنيهم وأكمل الوزير قائلا : كل ما أريده منكم عندما أعطيكم الإشارة أن تساعدوني على الفرار. فقال الجند : إطمان لسنا هنا لنموت لللا شيء, نقودك خير من الموت من أجل مفاتيح سخيفة. وانتظر أوريا هناك وهو يستمع إليهم حتى خرج من عندهم الوزير لوذا واتجه مسرعا إلى خيمته ليحتمي من المطر ثم ذهب أوريا إلى خيمته وكتم الأمر.
في خيمة الشيخ سموطان وقد إلتحف بلحاف بسبب بلل المطر لثيابه. فجلس ملتحفا عند مدخل خيمته يطالع البركان والمطر وبجانبه هرمس يطالع وهو مبلول غير مبالي بشيء. وخلفهما ديفي وروث على الفرش ملتحفان يلاعبها ديفي فقال الشيخ لهرمس : هرمس هل تعلم لما ذهب إخوتك وأمك عندما أستدعيوا ؟ قال : لا . فلم أكن معكم لا علم لي, ولكن ربما لنفس السبب إنهم الغواصة الذين ينغصون علينا حياتنا من حين إلى آخر لا شيء غيرهم. فقال الشيخ : إني قلق عليهم هذه المرة لاأدري لماذا, فلقد طال غيابهم. فقال هرمس : لا تقلق ياسيدي إنهم أشداء لا يمكن أن يؤثر فيهم شيء ولكن قلقك على أمي أكثر أم على إخوتي ؟ عندها نظر إليه الشيخ ملتفتا في عينيه وابتسم وقال : هل أنت متزوج يا هرمس ؟ فقال : نعم بالطبع ولا أحصى عدد زوجاتي كما لا أعرف أسماء ذريتي. فقالت روث من ورائهم وهي تقترب اليهما من طرف فراشها : لا تعرف أبنائك ؟ فقال هرمس : نعم نحن نعيش أطول عمرا منكم لذلك فنحن أكثر عددا وينبغي لنا التزاوج من زوجات عدة. فقال الشيخ : وهل من الجن من تزوج بالإنس ؟ فقال هرمس : أعلم من الجن من يعاشر البشر معاشرة الازواج من الرجال والنساء, ولكن بلى هناك من تزوج من الإنس ولكن من تزوج بالإنس رجل أو إمراة لا يستطيع العودة للعيش معنا مجددا فيكون محكوم عليه بالطرد للأبد, بل ويقصر عمره ليصير مثل بني البشر فهو يعيش في زمانهم ولكي تكتمل حكمة دورة الزمان إقتضى أن يعيش ويفنى مثلهم. عندها أطرق الشيخ رأسه بين ركبتيه واحتضنهما مفكرا .
طلعت شمس الصباح ومازال الجميع نائمون ما عدى الشيخ كان هناك جالسا مكانه على باب خيمته يحتسي كوبا ساخنا متدثرا يراقب المطر يهطل وهو يراقب الجبل. وبدأ بعد بعض الوقت الجميع بالنهوض وبدأت الحركة تدب في المعسكر عندما قل تساقط المطر وحتى توقف تماما عن الهطول. خرج الشيخ من خيمته وسار إلى أن وقف حيث كانوا بالليل حول النار . وأخذ ينظر إلى الجبل وبدأت تلك الدخانة الكبيرة تصغر شيئا فشيئا . حتى وصل إليه الملك أجمنون وبيده كوبا ساخنا ووقف معه يشاهد حتى إتقشع كل شيء وبانت قمة الجبل بوضوح وقد دخلت في جزأ من جدار تلك المدينة محدثة فتحة وشرخا كبيرا في الجدار, وأصبحت المدينة الثلجية اللون سوداء من الدخان المتصاعد من فوهة البركان . قال الشيخ للملك أجمنون : ينبغي علينا ترك الجياد في أسفل الجبل وتسلقه من الخارج. قال الملك : نعم ولا طريقة أخرى . فصعد الجميع على الجبل يتسلقونه حتى وصل بعض الجند إلى الجدار ودخلوه وهم يصرخون صرخات الحرب وهم ينزلون إلى أرض المدينة, وكلما دخلت مجموعة تفعل مثل ذلك حتى تشاهد الشيخ وديفي وروث وهرمس الذين طاروا إلى هناك فوصلوا قبل الجميع جالسون بلا حراك والمدينة خالية. ليس بها شيء ولا قطعة خشب واحدة. حتى صعد الملك أجمنون وتسلق ونزل على أرض المدينة وقد أرهقه وأتعبه التسلق وهو يتنفس بصعوبة وتوجه إلى حيث يجلس الشيخ وهو بالكاد يستطيع الكلام وقال للشيخ : ما الذي كنتم ستخسرون لو رفعتموني معكم؟ فقام الشيخ ومشى وهو يتجاوز الملك قائلا له بكل همة : يجب أن تحافظ على لياقتك البدنية سيدي الملك. فقال الوزير لوذا وهو ينظر في المدينة ويضحك : ألم أقل لكم إنها ليست المدينة المطلوبة ؟ أنظروا لا أحد كل هذا التعب والإنتظار والتسلق لللا شيء فأحنى الملك أجمنون رأسه أسفا ولا يدري ما يقول من يصدق ومن يكذب. فأخذ الهم صدر الشيخ سموطان فصعد أحد الأبراج على الاسوار إلى أن وصل أعلاه وجلس هناك يراقب من الشرفة متضايقا لا يدري المخرج من كل هذه الأحاجي, تعب منهك حتى سمع أحدا يقول له من وراءه : هل ناديتنا ؟ فتلفت الشيخ وراءه بسرعة ولهفة فإذا هي الملكة دبورة وأولادها الستة يبتسمون. فتقدم منهم فرحا وكاد أن يحضن الملكة لولا أنها تنحنحت فتوقف مكانه ونظر إلى أولادها من حولها. وفي ساحة المدينة السحابية كان الجميع ينتظرون قرار الملك في هذه المدينة الخالية وفجأة توجهت الأنظار إلى سلم البرج واندهشت الجموع من نزول الشيخ من السلم ووراءه ملوك الجن تتقدمهم أمهم دبورة خلف سموطان. فتقدم منهم الملك أجمنون مسرورا وقال : إذا قد حضرتم, هل من حل ؟ طريقة ما ؟ تفسير لهذه المدينة العجيبة ؟ فقال الشيخ : مدينة فوق السحاب والسحاب من الماء إذا لا بد وأن يرجع السحاب إلى الماء. فقالت الملكة دبورة وهي تشير بيدها إلى ناحية بعيدة خارج المدينة : هناك البحر, بهذا الإتجاه ليس بالبعيد, هل نحاول ؟ فقال الشيخ وهو يطير مرتفعا : نعم. وطار معه الجن السبعة وأمهم معهم إلى جانب من جوانب المدينة من خارج الاسوار وهم في الفضاء أخذوا ينفخون جميعا على أسوار المدينة فاضطرب من بداخلها من الجند عندما بدأت المدينة ترتج. ولكنها لم تتزحزح من مكانها وعبثا حاولوا مرارا وتكرارا نفخها ولكنها لم تتحرك أبدا غير تلك الهزة الخفيفة. ورجع الشيخ إلى الداخل وحط أمام الملك وحط وراءه الجن فقال هيرود : هذا ما إستطعتم فعله. فقالت الملكة دبورة وهي تتقدم ناحية الملك والشيخ عن يسارها : قوة نفخنا لا تكفي لتحريك المدينة إنما خرزة الريح تكفي لها. عندها نظر الشيخ ودبورة لبعضهما البعض فقال الملك أجمنون بإستغراب : خرزة الريح ! وما هي هذه ؟ وأين هي ؟ فقالت الملكة دبورة : إنها عند ملك السماء الأولى الملك الكبير ملك الروحانية الملك ميططرون. فقال الوزير لوذا : إذا لماذا لا تذهبين لإحضارها ؟ فقالت الملكة : الجن لا يستطيعون الصعود إلى السماء الأولى فقد كنا في الزمان الغابر نصعد إليها وكنا نستمع إلى ما يكتب من أعمال بني الأرض وبعضنا كان يستفيد من تلك المعلومات بإلقائها وبيعها للآخرين, فكل قام بالتجسس لصالحة حتى جعل الله الشهب تقع على كل من يحاول منا الصعود إليها وهكذا فنحن لا نستطيع إحضار الخرزة وإلا صعقنا في حال صعودنا. إذ ذاك قال الشيخ : هذا صحيح إذا لم يبقى إلا أنا, أنا أصعد. فطار الشيخ وارتفع إلى السماء مستقيما والكل يشاهده حتى إختفى. فوصل إلى السماء ألأولى وتوقف فرآ عملاقا أبيضا كالثلج مجنحا وعلى رأسه تاجا. لقد كان بحجم الجبل الشاهق حتى بدى الشيخ بجانبه كالإصبع الصغير. والسحاب من تحت الشيخ وذلك العملاق السحاب يضرب في بطنه. فأحنى الشيخ رأسه إحتراما ورفعه قائلا : ملك ملوك الروحانية, أيها السيد الجليل ميططرون. فنظر إليه العملاق وقال : سموطان ألم يكفك أني سمحت لك بإمتلاك الجن ؟ ماذا تريد من عالم الارواح ؟ فقال الشيخ : أيها السيد الجليل إنما أعجزنا أمر ما ولا يخلصه لنا إلا ما معكم من فضل وخير. فقال ميططرون : عجل بطلبك ولا تتلجلج إنك تؤخرني عن عبادتي. فقال الشيخ : إنها خزرة الريح يا سيدي, نحتاج إليها لقضاء صغير ونردها لكم. فأمسك ميططرون بقلادته التي على صدره وكان في آخرها خرزة كبيرة بحجم الشيخ دائرية. وفتح ميططرون الخرزة بإصبعة وهو يمسكها فخرجت منها رياح عاصفة ملتوية ثم أغلقها بإصبعة وأفلتها من يده لترجع القلادة إلى صدره وارتطمت الخرزة فأحدثت صوتا مدويا لدى إرتطامها بصدره. وبالطبع فإن ميططرون لم يسمع ذلك الصوت لضخامته ولكن بالتأكيد رفت رموش الشيخ لدى ذلك الإرتطام المدوي وقال ميططرون : هل تتذكر أولائك الصبية الذين قتلتموهم عند بركة المعبد يا سموطان ؟ فاضطرب وتلكأ الشيخ من هذا السؤال الذي ليس في الحسبان ثم قال سموطان : نعم ..... و ..... لكن لم نكن نحن من قتلهم إنما كانوا أمواتا من قبل, لقد قتلهم إبن سايروس مرقس وحضرتكم تعلمون ذلك. قال ميططرون : ولكنكم قتلتموهم أليس كذلك ؟ قال الشيخ : نعم تستطيع أن تقول ذلك يا سيدي, كنا بحاجة لتحريرهم من معاناتهم, لقد ساعدناهم على تحرير أرواحهم لترقد بسلام. فقال ميططرون : قلت قتلتموهم وفعل القتل لا يبرر السبب, وإذا كانوا أمواتا من قبل لما قلت أنكم قتلتموهم ؟ بل ولما إحتجتم إلى قتلهم وهم أمواتا كما تدعي ؟ عندها تعلثم الشيخ فقد أغلق عليه أبواب الإجابة فأطرق رأسه إلى الأرض وراح يعيد شريط ذلك المنظر المؤلم حينما أخذوا يذبحون الصبية وهم يصيحون .. فقطع عليه ميططرون قائلا : تحصلون على الخرزة إذا ضحيتم بأحد من أولادكم بالمقابل, ليس كثيرا واحدا مقابل ستين . قالها ميططرون واختفى فنزل الشيخ حتى حط مقابل الملك أجمنون والشيخ في غاية الحزن والهم والغم فقال لهم : ميططرون حكم علينا لقتلنا أولائك الصبية الستين صبي عند معبد البركة بأن نضحي بأحد أبنائنا بالمقابل عندها يعطينا خرزة الريح. وذهب سموطان على بعد خطوات وجلس على سلم البرج وكانوا خلفه ينظرون إليه إلى أن جلس وتنفس بعمق ونظر إليهم فقال له الملك : لا يوجد من لديه أبناء سوى أنا والملكة دبورة. فقال الوزير لوذا : إذا فليكن أحد أبناء الملكة. فقالت الملكة دبورة وهي تبتسم: المفاتيح مفاتيحكم وهذا شأنكم هل هذا هو جزاء مساعدتنا لكم ؟ فقال الملك : أنتم الذين قتلتم الصغار, ومعكم سموطان. ونظر الملك إلى روث فقال للشيخ وهو يشير إليها: أنت من رباها فهي بمثابة إبنتك ولا أرى لها فائدة معنا. عندها غضبت روث مع شيء من الخوف فقال الشيخ وهو ينظر إلى الملك بهدؤ : لقد قتلناهم لننقذكم وكما قالت الملكة دبورة هي رحلتك ومفاتيحك. وأشار سموطان بيده إلى هيرود قائلا : ولا أرى لإبنك هذا فائدة معك هذه هي فائدته ضحي به لتحصل على المفتاح الأخير حلم عمرك وأجدادك من قبلك. فقال آرميا : هاداساه. فنظرت اليه هاداساه مستغربه فاستحى آرميا وأطرق رأسه فقاطعة هيرود بقوة قائلا : لا هذا لا يمكن. ثم تردد قائلا : إنها. . إنها ليست إبنت أحد منكم فلا ينطبق عليها القول من أولادكم. عندها تقدمت روث من الملك أجمنون وقالت : أنا مستعدة للتضحية. عندها تفاجأ الجميع واندهشوا ووقف الشيخ وتوجه إليها مسرعا وقال بجدية : لماذا ؟ لا لن أسمح لك أن تكوني ضحية طمع سخيف فقال أوريا وهو يتقدم من الشيخ وروث : لا ينطبق عليك وصف ميططرون. ونظر أوريا إلى الشيخ قائلا : لا بد أنه قال ذلك ويعني به شيئا آخر ولم يقصد به التضحية بالقتل عينا أليس كذلك ؟ عندها ركضت روث مسرعة إلى الجدار وتسلقته واقفه وركض الشيخ خلفها والجميع ورائه فتوجهت روث إليهم وقالت : لم يكن لحياتي معنا من الأساس, لعلها تكون مفيدة اليوم. ونظرت روث بحزن عميق إلى ديفي وكأنها تودعه والشيخ الذي بدى عليه الهم والحزن ونظرت إلى هرمس الذي بدت عليه إبتسامة خفيفة حزينة وقد طاير الريح شعر رأسها من خلفها وفجأة سمحت روث لجسمها بالإرتخاء إلى الخلف وهي مغمضة عيناها في إستسلام وسكون ووداعة بلا خوف منهية قصة حياتها القصيرة المتعبة. وكأن حملا قد زحزح عن كتفها فهوت من فوق أسوار المدينة وركض إليها الشيخ صارخا بحزن وحرقة حتى وصل إلى حيث كانت تقف ونظر إليها تسقط وهي مازالت تهوي وتنظر إليه كأنها قد إنتقلت إلى عالم آخر فضرب الشيخ بقبضته الجدار بغضب وأغمض عينه والجميع من وراءه لحظة صمت واستجمع سموطان نفسه بسرعة وارتفع عن الارض وهم باللحاق بها لنجدتها ولكنها هاهي ترتفع إلى السور من جديد تحملها يد ضخمة بيضاء عملاقة إلى أن وصلت عند مستوى السور والجميع مبهورين مما يحدث غير مدركين ما يحصل فدحرجتها اليد فتدحرجت وسقطت روث بين يدي الشيخ الذي حملها وهو ينظر إلى وجهها وقد أسبلت دموعه ثم نظر سموطان إلى أعلى فإذا هو ميططرون وقد وقف تحت سفح الجبل ومستوى مدينة السحاب إلى بطنه, ونظر الجميع إلى ذلك الرجل المجنح العملاق والكل يتخيل مكان وضع قدميه على ذلك المستوى الشاهق. وأخذوا يتأملون قلادته مأخوذين ثم تكلم ميططرون وقال والجميع ينظر إلى الأعلى : ما كنت آمركم بفعل ما حكمت عليه بالخطأ لفعلكم له, وإنما أردت أن أرى صدق إخلاصكم ونية قلوبكم. وإذ سموطان ينظر إلى ميططرون وهو مبتسم أنزل روث إلى الأرض على قدميها . فقال ميططرون : أنتم بحاجة للهواء ومنكم من يركب الهواء تسعة والأعداد الأمهات كمالها عشرة. ورفع ميططرون يده فإذا هو ممسك بجذع شجرة كبيرة يابسه محترقة الرأس. ومدها إلى ساحة وأرضية المدينة فتراجع الجند إلى الخلف وكتب بذلك الجذع المحترق الرأس هذه الاعداد :
[COLOR=black][SIZE=5] العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]

[COLOR=black]والجميع ينظر إليه وإلى ما يكتب بخط كبير مستقيم على الأرضية فقال ميططرون عندما إنتهى : فلا تحتاجون إلا لراكب هواء واحد, أنتم تحسبون أنكم لا شيء وتطلبون شيء وهو في اللاشيء, لن أعطيكم ما تطلبون بل أنتم ما تطلبون. ونقز ميططرون إلى الأعلى طائرا مما أحدث هواء عصف بالجند والجميع على سطح المدينة وسقط جذع الشجرة من الفضاء بجانب جدار المدينة إلى السفح واختفى ميططرون في السماء . أخذ الشيخ يمشي بين تلك الأعداد الكبيرة الحجم في الساحة ويفكر والجميع ينظرون إليه وإلى تلك الاعداد التي كتبها ميططرون ثم إستدار الشيخ وقال : قال نحن من نركب الهواء تسعة يعني الملكة وأبنائها السبعة هؤلاء ثمانية. وقالت الملكة دبورة وهي تشير إلى سموطان بيدها : وأنت معنا تسعة. فقال الشيخ : والعاشر ؟ وإستدار سموطان ينظر إلى الأعداد مرة أخرى فقال الملك أجمنون من وراء الشيخ : لعله يقصدني أنا ؟ فالتفت إليه الشيخ وقال : ولكنك لا تطير. عندها تفكر الجميع في لحظة صمت ثم إلتفتوا كلهم إلى هاداساه والتي بدت فزعة من نظرهم إليها فجأة فقالت : أنا !. قال الشيخ : نعم أنت, بذلك الخاتم تستطيعين. فقالت هاداساه : ولكني جربته من قبل ولم أفلح. عندها إستدار الشيخ وهو يضع يده على ذقنه وينظر إلى الأرض حيث الأعداد وقال : لقد قال نحن تسعة فأنا والجن تسعة وقال أنتم تظنون أنكم لا شيء وتريدون شيء وهو لاشيء, لابد وأنه يعني الصفر فهو الذي لا شيء وبدونه لا يصلح شيء من هذه الأعداد, أي نحن التسعة بدونه لا شيء وهو لا شيء ولكنه كل شيء. واستدار سموطان إلى الجميع قائلا بصوت عالي : إذا نحن لا نحتاج شيء إنما نستطيع فعل كل شيء وبين الجموع كان شهلون يستمع إلى الشيخ فهز رأسه ثم أمسك برأسه يدقة بيديه فلقد أوجعه كلام الشيخ وزاغت عيناه. وتقدمت الملكة دبورة من الصفر وقالت : ولا بد وأن الصفر يجمع هذه الأعداد كلها أي نحن التسعة. ثم قالت لأبنائها وهي تمسك بيد سموطان : تماسكوا معنا بالأيدي لنشكل حلقه. فكل من أبنائها أمسك بيد الأخر وتماسكوا مع الشيخ وأمهم وشكلوا حلقه حول الصفر. فقال الشيخ وهو ينظر إلى داخل الحلقة : إذا هذا هو الصفر حلقه نكونها نحن التسعة. فقالت دبورة : وها نحن التسعة خلقنا الصفر فكونا من الشيء لا شيء عشرة كاملة. ثم نظرت دبورة إلى عين الشيخ حيث كان ملتفتا إليها وممسكا يدها . فقاطعهما صوت الملك أجمنون قائلا : هذا كله إفتراض, لابد وأن ميططرون يلعب معنا كما فعلها من قبل. فقالت الملكة : لا ضررمن المحاولة. فقال هيرود : إذا كيف سيؤدي تكوينكم لهذه الحلقة إلى تحريك هذه المدينة المسحورة؟ عندها نظرت إليه الملكة وأفلتت الشيخ وطارت مرتفعة قليلا ثم توقفت لتنظر إلى أولادها والشيخ قائلة : اتبعوني وشكلوا حلقه حول المدينة. عندها طار الجميع وتوزعوا حول المدينةعلى مسافات بعيدة. وطارت الملكة مع الشيخ الذي كان في مقدمة المدينة فأمسكت بيده ثم إمتدت مبتعدة بجسدها تاركة يدها في يد الشيخ حتى اختفت, ثم مدت يدها اليسرى لتلاقي أحد أبنائها وكذلك فعل إبنها مادا يده اليمنى إليها حتى تما سكا وكذلك فعل كل من الآخوة الجان كل واحد مد يدة اليسرى لجهة اليسار إلى أبعدما تصل ومد يده اليمنى إلى أبعد ما تصل, وتشابكوا مع الشيخ الذي أمسك بيده اليمنى اليد الممتدة اليه من اليمين وحوطوا المدينة. فنظر الشيخ إلى سور المدينة أمامه وقال بعزم : تغشهال مشتوهال مريشوهال كفشيهال بشيوهال سال شمشول ميططرون. ثم قالت الملكة بصوت عال : هيا إدفعوا. فأمسك كل منهم بنفسه في صدره بهمة عالية فبدأت السحابة تتحرك فاضطرب من بداخل المدينة ثم إندفعت السحابة وهي تتحرك إلى الأمام. وسمع سموطان صيحات التهليل والفرح التي أطلقها من بداخل المدينة عندما راحت المدينة تسافر في الفضاء وأخذوا يدفعونها أميالا وأميالا مبتسمين فرحين لخروجهم من ذلك الموقف الصعب وبلا خسائر متأملين أن تنجح الخطة في معرفة سر تلك المدينة الخاوية .




الفصل الحادي عشر


في مملكة (زيتا) كان الملك ميشا يسير في بهوات القصر غاضبا مشحونا مسرعا. والشيخان لامون الطويل وشملال القصير يركضان من خلفه يحاولان مجاراته فقادهما حتى أتى إلى باب وضربه بقوة فدخل إلى المكتبة وهما خلفه حتى وصل إلى كتاب سليمان وهو مفتوح على الطاولة فنظر إليه ثو توجه إلى الشرفة ونظر منها قليلا إلى الخارج ثم رجع إلى الكتاب وضربه بقبضة يده ضربه قوية أجفلت الشيخان ونظر إليهما بغضب قائلا : ما نفعه لنا؟ لابد وأن يعود الملك أجمنون إلى مملكته, وبوجود أولائك الجن معه لاسبيل لقهره. وقال بصوت عالي : أريد جنود لا تقهر, جنود قوية, سلاحا خطيرا لا يهزم, هل تسمعاني ؟ فتوجه شملال القصير إلى حيث ميشا عند الكتاب وقال وهو يشير إلى الكتاب : هناك السائل الحركي يا مولاي إنها وصفة سرية ولكنها فعالة في الحروب, هكذا كان سليمان يهزم أعدائه. فنظر إليه الملك ميشا نظرة إستبشار وقال وهو يجره من كتفه إلى أمام الطاولة حيث كان واقفا بإتجاه الكتاب : هيا أريدك أن تعمل على ذلك السائل الآن. فأخذ شملال القصير يفتح صفحات الكتاب وهو وجل خائف وأحيانا ينظر إلى أخيه حيث يقف أمامه من الجانب الأخر من الطاولة. ثم قال شملال القصير وقد توقف عند صفحة من صفحات الكتاب : هذه هي يامولاي, هذه هي. فنظر إليها ميشا وقال بغضب : لا أستطيع فك هذه الرموز. ما فائدتها ؟ فقال شملال القصير : تدهن بهذا السائل على الرماح والسيوف فتنطلق بأمرك إلى حيث تريد, وبهذا لا تحتاج إلى الجند. ففرح ميشا وسر بذلك وأطلق إبتسامة شريرة وقال : وكيف وصفتها ؟ أي ماذا تحتاج لعملها ؟ فنظر شملال القصير في الكتاب ثم رفع رأسه وقال : هذه كلها متوفرة لدينا, يمكننا الحصول عليها, ما هي إلا بعض من شحوم الحيوانات والزواحف هذا كل شيء يا مولاي. فقال ميشا للقصير : وهل أنت متأكد من عملها ؟ فتلعثم شملال القصير فرد عليه من خلفهم لامون الطويل قائلا : لا ضرر من المحاولة يامولاي. فاستدار ميشا ملتفتا إليه وقال : وما فائدتك أنت ؟ وأشار ميشا إلى الكتاب السليماني قائلا : هذه الطريقة لا تحتاج إلى الجند, نطلق السيوف الى أعدائنا. وقال بصوت عالي: ولكني أحتاج الى الجند. ونظر ميشا إلى الطويل بغضب فكان ولابد للامون أن يقول شيئا فقال لامون : يمكنك الحصول على جيش من الجند لا يقهر يا مولاي. عندها إتسع صدر ميشا وقال بلهفه للطويل : وكيف ذلك ؟ فقال لامون الطويل : نستخدم قردة وخنازير. فقال ميشا مستغربا: قردة وخنازير !. فقال لامون الطويل : كانت هناك قرية على شاطيء البحر يقال لها إيلة وقد كانوا يعيشون على صيد البحر, وقد أسلموا مع موسى واتبعوا دينه وأمرهم الله بتعظيم يوم السبت وأنه يوم فرح وعبادة وأجازة من جميع الأشغال, ونهاهم عن صيد البحر في يوم السبت وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت بكثرة لا توصف ويستطيعون إصطيادها بسهولة ويسر لكثرتها, وأما بقية أيام الأسبوع فكانت تحتفي ويقل صيد البحر ويصبح صيدهم صعبا بل نادرا, فتحايلوا على أمر الله بمنعهم إصطيادها في السبت بأن وضعوا الشباك يوم الجمعة والشصوص والحبائل والبرك, فلما جاءت الحيتان يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل فلم تخلص منها يومها ذلك فلما كان الليل أخذوها بعد إنقضاء السبت, فلما فعلوا ذلك مسخ الله شبابهم قردة وشيوخهم خنازير جزاء عصيانهم. فقال الملك ميشا له : هل تقول لي أني سأبعث بقردة وخنازير لتحارب من أجلي ؟ هل جننت أيها العجوز ؟ فقال لامون الطويل: لن نبعثهم هكذا وإنما هناك وسيلة لتحويلهم إلى محاربين أشداء. فقال الملك ميشا : ولنفرض أن هذا صحيح, فمن أين لنا بتلك القردة والخنازير ؟ فقال لامون الطويل : عندي, أنا أعلم مكانها, فإذا أرسلت معي فرقة من الجند نكون هنا غدا صباحا وعندنا قطيع كبير منها. فسار ميشا نحو لامون الطويل وهو ينظر إليه متشككا بخبث حتى وصل إلى عنده ويكاد رأس ميشا يلمس أنف لامون الطويل وهو يضع يديه على خاصرته وقال : وإن لم تعد ؟ وأشار ميشا بعينه إلى خلفه حيث القصير قائلا : قتلت أخاك. فقال لامون الطويل : هل تشكك في يامولاي ؟ نحن في هذا معا الآن. فغضب الملك وزمجر قائلا : لا لسنا معا, وإنما أنا وحدي وأنتما تعملان تحت خدمتي. ثم هدأ ميشا وقال للطويل بهدؤ: غدا صباحا خذ من تشاء معك من الجند, أما اليوم فلديك الكثير من العمل. وأشار فجأة ميشا وهو يكلم الطويل بيده إلى شملال القصير قائلا : وأنت أطلب ما تحتاجه من الحرس يأتوك به, كل ما تحتاجه لإعداد ذلك السائل .

إبتعدت الشمس عن كبد السماء قليلا وتحتها كان الخضرواتي يعدوا مسرعا بفرسه عبر طريق الأشجار حتى خرج أمامه جنديان على فرسهما كانا يكمنان له. فسدى الطريق عليه فشد الخضرواتي على حصانه فأوقفه وهو ينظر إليهما, ثم إستدار ليهرب عندما رأى أنهما قاصداه ولكنه شاهد غيرهم يأتوه من الجهة الأخرى من الطريق ثم غيرهم من بين الأشجار حتى قبضوا عليه وأخذوه معهم حتى أتوا به على فرسه مربوطا إلى مقدمة جيش جرار. فكلمه الذي يتقدم الجيش وقد بدا وكأنه زعيم عليهم فقال له : إلى أين تتوجه ياهذا ؟ والخضرواتي من خوفه أراد الكذب عليهم فقال : إلى مملكة (في) . فقال زعيم الجيش : إذا لن تجد هناك ما يسرك فلقد قضينا عليهم جميعا, ويبدو أن أحدهم نجى منا لبعض الوقت, وها أنت تلحق بمصيرك. وضحك زعيمهم وتضاحك من معه من قواده ثم نظر الزعيم إلى الخضرواتي بشدة قائلا لمن قبضواعليه : ألحقوه بأصحابه. فهم به الجند ليقتلوه ففزع وارتجف قائلا : لا ... لا ياسيدي أنا لست من مملكة (في) إنما أنا من مملكة (زيتا). فانتبه إليه الزعيم وأشار إلى الجند بيده أن يخلوه وقال له : وكيف هو حال صهرنا الأمير سامويل ؟ فقال الخضرواتي : هل أنتم من مملكة الملك شمشون يا سيدي؟ فقال الزعيم : نعم. فقال الخضرواتي : و أين هو الملك؟ فقال الزعيم : هذا ليس من شأنك, لما تسأل عنه ؟ فقال الخضرواتي مترددا : إنما أحمل له رساله من إبنته. فقال له الزعيم متلهفا : تحمل رسالة من أختي ! وما هي ؟ فقال الخضرواتي متوجسا : لا أبلغها إلا للملك نفسه. فقال الزعيم وقد نفذ صبره : أبي الملك خرج لنجدة الملك أجمنون ولم يعد حتى الآن أنا إبنه وأحل محله حتى عودته سالما, قل ما عندك. فقال الخضرواتي : لقد احتل الملك ميشا ملك مملكة (في) المدينة, وقتل الأمير سامويل وحرسه وعاث جنده فسادا في المدينة. فقال له الأمير ابن شمشون مستعجلا عليه : وماذا بشأن أختنا ؟ ماذا حل بها ؟ فقال الخضرواتي : هي بخير, ولكنها في السجن مع بقية نساء القصر. فأطرق الأمير رأسه مهموما على أخته الحبيبة فقال له الخضرواتي : لقد أرسلتني مولاتي الملكة وأختكم الاميرة اليكم لطلب النجدة. فقال الأمير : لقد علمنا بخروج ميشا لغزو مملكة الملك أجمنون وهو غائب عنها منذ أن خرجوا من مملكتهم, لقد كان أبي يتوقع منه هذا لذى أوصاني بمراقبتة عندما خرج عنا, كم تبعد مملكة (زيتا) من هنا ؟ فقال الخضرواتي : بجيشكم الكبير هذا أظن ما يقرب من يومين أو أكثر بقليل .

كان الشيخ سموطان والجن مازالوا يطيرون بالسحابة وبان لهم البحر من بعيد فبدأوا يخففون سرعة الطيران قليلا قليلا حتى وصلت السحابة إلى عرض البحر فتوقفوا تماما فثبت كل من بداخل المدينة يتأملون ما يحصل عند توقف المدينة عن الجريان. عندها طار الشيخ إلى أسفل البحر وتبعته دبورة والبقية من أبنائها وغاصوا في البحر حتى العمق وفي قعر البحروقف الشيخ على الرمل وتحلق الجان على شكل حدوة أمامه . والشيخ في مركزها وحده. وأخذ الشيخ يقول بقوة وعزم : فيوخ فادخ قيوم قادر شليوخ شالخ ديوم صالح نور صادق أرشح شليوخ شالخ نار متوخ يادخ شامخ عظيم رحما قادر نوخ كلوش أه يايوه شاه شلوش وهدخ شراهيا شروشوش عال علي قوي نادى كبيرا وكررها الشيخ ثلاثا والجن تكرر معه بصوت واحد حتى قال الشيخ : سبحان الذي سخر البحر لموسى فضربه بعصاه فانفلق كل فلق كالطود العظيم . فلما أتم الشيخ كلامه سمع صوتا يقترب من عمق البحرفأنزل يديه وفتح عينيه واستدار خلفه فإذا شيء ما يخترق الماء مقتربا منهم بسرعة فإذا هي عصى مقبلة إليه تخترق الماء الماء تسعى بطولها وكأن أحدا ما يمشي بها, وتصدر فحيحا وصلصة كمثل الحية,
[SIZE=5]العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط..
العضو العزيز...شكر صاحب الموضوع للجهد الذي يقوم به لخدمة اهل العلم يشجعه لإعطاء عطاء أكبر . ضع رد لرؤية الرابط.. رابط مباشر للصورة[/URL]



مواقع النشر (المفضلة)
رواية المفاتيح السبعة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
لا ترفعوا المخطوطات علو موقع http://d.turboupload.com

الساعة الآن 12:49 PM.