المشاركات الجديدة
فلسفة العلوم الخفية : ماوراء الكلمات والسطور ودراسة أساليبها وطرقها

المعرفة العلمية في نموذجها الأنثوي "أنثوية المعرفة"

افتراضي المعرفة العلمية في نموذجها الأنثوي "أنثوية المعرفة"
[size=19:21a467c44b][font=Times New Roman:21a467c44b]بسم الله الرحمن الرحيم

اخوتي احبابي الشامليين سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته

اثناء تجولي في الشبكة العالمية بحثا عن مصادر جديدة لابحاثي
عثرت على هذه المقالة الفلسفية الرائعة والتي تربط بين مفهوم العقل والادراك وطبيعة الدماغ البشري
وربط كل هذه الامور بمفهوم فلسفي ظهر في عصر الاستنارة وهو انثوية المعرفة
انا انصح جميع القراء بقراتها وبنهم شديد فهي مقالة خلابة فعلا


اخوكم المحب امير الرافدين - العراق

---------------------------------------

المعرفة العلمية في نموذجها الأنثوي "أنثوية المعرفة"

الكاتب :د. عماد فوزي شُعيبي


هل هنالك من مشروعية لتناول موضوع المعرفة من زاوية الفصل بين الجنسين؟. هذا السؤال لم يعد مشروعاً فحسب، إذ أنه يتم التعامل معه على أنه موضوع للبحث في سياق الفروق بين الجنسين في علم النفس؛ وهو يتجاوز الحركة النسوية (Feminism) التي تعني تأكيد المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق مستخدمة الداعي السابق لإلغاء الفوارق النوعية في المعرفة. وكذلك فهو يتجاوز النسوية الجديدة (نسوية ما بعد الحداثة) التي تميزت بنقد الانفراد العقلاني للذكر (Pallogocentrism) ورفض مركزيته التي جاءت تتمة للنزعة المركزية الأوروبية،كما تتجاوز الجنوسة (Gender) أو النوع الجنسي الذي لا يعني الفوارق الجنسية البيولوجية فحسب، بل يضيف إليها مجمل الأوضاع والخبرات والأدوار الاجتماعية التي تجعل الرجل رجلا والمرأة إمرأة.
على هذا الأساس من التمايز نشأت في أوروبا نزعة فلسفية دُعيت بفلسفة العلم الأنثوية تحاول أن تبرز القيمة الأنثوية في المعرفة


• مدخل إلى الجانب الأنثوي في المعرفة:
لعلنا نستطيع أن نعزو إلى يونغ عالم النفس الشهير البدايات المنهجية لهذا التقسيم بين عقليتين أحدهما ذكرية ودعاها بالروح الذكرية Animus) (والثانية أنثوية ودعاها بالروح الأنثوية Anima.وهو ما حدا بالباحثين لاحقاً إلى ربط ذلك بالجانب البيولوجي؛ حيث أن النصف الأيسر من الدماغ المسؤول عن الجانب المنطقي قد ربط بالروح الذكرية والنصف الأيمن من الدماغ هو المسؤول عن الجانب الإنثوي.وهنا يتضح الأمر من خلال ما يلي:
"وجدير بنا الآن وقد وصلنا إلى هذه النقطة أن نذكر المكتَشَف الحديث في فسيولوجيا المخ: أعني التمييز الذي اهتدى إليه ر.دابليو.سبيري، بالقول إننا ننقسم بالفعل إلى شخصين يعيشان داخل رؤوسنا، في النصفين الكرويين الأيمن والأيسر من المخ. وقد كنّا نعرف منذ زمن طويل أن النصف الكروي الأيسر من المخ يهيمن على اللغة، على حين أن الأيمن يختص بالتعرف (أو التمييز). وكذلك يتعلق النصف الأيسر بالمنطق والعقل، بينما يختص الأيمن بالتذوق كالاستمتاع الفني .
ويرتبط نصفا المخ فيما بينهما بمعبر من الألياف العصبية، فإذا استُؤصِلَ هذا المعبر، فإن كلا منهما يستمر في العمل منفصلاً عن الآخر. وهكذا، إذا عُرضت تفاحة على النصف الأيسر من المخ (الذي يرتبط في الواقع بالعين اليمنى)، وإذا عُرضت برتقالة على النصف الأيسر، وسُئلت ماذا شاهدت لتوِّك فستجيب: تفاحة. ولكن إذا طلب منك أن تكتب بيدك اليسرى ما شاهدته في التو واللحظة، فإنك ستكتب: برتقالة. وإذا سئلت ماذا كتبت من فورك، فستجيب: تفاحة. ومعنى هذا أن كل نصفٍ من نصفي المخ لا يعلم ما يفكر فيه الآخر، عند قطع خطوط الاتصال.
غير أن النتائج الناشئة عن هذه التجربة والتي لها أهم الدلالة هي أن الكائن الذي تسمّيه «أنت» ـ أي ذاتك ـ يستقر في النصف الأيسر من دماغك. وهناك «أنت» أخرى على بعد بوصات قلائل، في النصف الأيمن: ولكنها صامتة.
فعندما أجري عملية حسابية على الورق، فإنني استخدم نصف مخي الأيسر، مع قسط معين من المعونة التي يقدمها النصف الأيمن من حين إلى آخر، عن طريق الاستبصارات المفاجئة.



إن هذه ـ إجمالاً ـ هي الطريقة التي يعمل بها المخ البشري: فالنصف الأيسر هو «الإنسان الأمامي»؛ الأنا التي تتعامل مع العالم. والنصف الأيمن عليه أن يعبِّر عن نفسه عن طريق النصف الأيسر. ومجمل الأمر، أن النصف الأيمن يجد بطئاً شديداً في أداء وظيفته، ذلك أن النصف الأيسر في عجلة دائماً من أمره، ولا يكف أبداً عن معالجة المشكلات، ويميل إلى معاملة النصف الأيمن في شيء من نفاد الصبر. وهذا هو السبب في أن الإنسان المتحضر يبدو أنه لا يملك من فعّالية النصف الأيمن إلاّ أقلها.
ويبدو من المحتمل أن نوابغ الحساب لم يقعوا بعد ضحية لسيطرة النصف الأيسر الآسرة. فهم يبصرون الجواب عن مشكلة ما، وينقلونها فوراً، دون أن يعوقهم الشريط الأحمر المألوف للبيروقراطي الذي يقيم في النصف الأيسر من المخ.
وينبغي أن نؤكد أن هذه هي المشكلة الحقيقية للإنسان المتحضر. فنحن قد تطورنا إلى مستوانا الحاضر من خلال استخدام اللغة والمفاهيم. ونحن نستخدم هذه باستمرار إلى درجة أننا «توحَّدنا» مع النصف الأيسر من المخ. ولكننّا نرى أن في هذا ضرراً حقيقياً، لأن «الشخصية» ليست بمعنى ما، هي الشطر اللغوي فينا فقط؛ إنها كليّتنا، لكنّ الحياة المعاصرة تطالبنا بأن نكون خارجيين فقط؛ أي نبدي غير ما نخفي. وتنشأ المشكلة من موقف الأنا من اللاأنا الذي يعيش في النصف الأيمن من المخ، الذي نميل إلى معاملته بوصفه شخصاً أبله، وأخاً أصغر ليس له حظ من التألق، بل إننا نتجاهله دائماً ونطلب منه الصمت. فإذا تحملنا مشقة الإصغاء إليه، منعنا منه الكثير، وذلك تحت هاجس القبض على القانون بكلتا أيدينا.
ومن الأمور الدالة، أن المخ الأيسر لديه إحساس قوي بالزمان، على حين أن الأيمن لا يملك شيئاً من هذا الإحساس ـ وليس معنى هذا أن النصف الأيمن يفتقر إلى القدرة على حساب الزمان ـ بل على العكس أنك حين تقول لنفسك إنه ينبغي عليك أن تصحو في الساعة السادسة بالضبط، وتفتح عينيك والساعة تدق السادسة، فهذا من عمل النصف الأيمن. إذ أن الأمر بالنسبة له كتلقٍ للزمن من النصف الأيسر وتخزينه لحين قدومه غير المحدد في قياسه الزّمني .
فالمخ الأيسر يتعامل مع سطوح الأشياء، مع الأشكال، والمخ الأيمن يتعامل مع البصائر، ومع مايتوارى تحت السطح.
إن المخ الأيسر وسيلة لتوفير الجهد، ولتوفير الطاقة. فيما ينتج المخ الأيمن الإحساس المتوهج العجيب بالواقع حين يكون مفعماً بالطاقة، ولعل ذلك يتأتى لك في صباح يوم من أيام الربيع، حين تكون مرهقاً يتولي المخ الأيسر العمل. والكد الذهني المستمر يمكن أن يولَّد الحالة التي سماها سارتر «الغثيان»، وهذا ما يُفسّر الآن باعتباره الحالة التي يستعرض فيها المخ الأيسر العالم، مع افتقاره لكل رؤية عن معناه، وهنا يكون المخ الأيمن قد تخلى عن مهمته: فيبدو الواقع فجَّاً، خالياً من المعنى.
وهنا نصل من الجدل إلى شطره الأصعب الذي يتأبى على الإدراك. فالمخ الأيمن هو الذي يعرض على المخ الأيسر «الفورية»، أي ما يحدث هنا والآن. والمخ الأيسر «يتفحص بدقة» العالم، أما الأيمن فيضفي المعنى والقيمة. وعيناك اللتان تفحصان الآن هذه الكلمات، تخبرانك فعلاً بأكاذيب. ذلك أنهما تعرضان عليك عالماً لا واقعياً أساساً بوصفه الواقع الوحيد. أقول «هذا واقعي»، وأنا أدق على المائدة بمفاصل أصابعي، غير أن مفاصل أصابعي ليست إلا «فاحصات» أخرى، مثل عينيّ".
وقد بلغ الأمر بالإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار إلى الذهاب نحو اعتبار أن الجانب الأنثوي مسؤول عن الجانب الحُلُميّ الجميل فينا،حيث يحاول غاستون (باشلار)جاهداً أن يؤكّد لنا صلة حُلم اليقظة بالروح المؤنثة كي يكون الخيال الشعريّ خلاّقاً وعميقاً وجميلاً وخالياً من هموم الحياة، بل تحقيقاً أمثل للسعادة، بينما نراه يؤكد على ذكورة الأحلام والمنامات، (وهما مفردتان مذكرتان في اللغة الفرنسية).وهو مرجع حلم اليقظة الإبداعي وهو ـ عنده ـ «ظاهرة روحانيّة طبيعية جداً ومفيدة جداً للتوازن النفسيّ، ويجب أن لا نعامله على أنه انحراف للحلم، وأن لا يُوضع من غير مناقشة في مصاف الظواهر الحلميّة حيث أن تدخّل الوعي في حلم اليقظة يحمل علامة حاسمة » . ويحدّد (باشلار) حلم اليقظة على أنه تقوية ذاكرة الخيال ، هذه الذاكرة المستقرّة على شكل نمط أصلي أو عريق مستقرٍ وثابتٍ تحت ذاكرة، وعندما نستطيع أن نوقظ نمط الطفولة الأصلي، تستأنف جميع الأنماط الأصلية العريقة والكبيرة انتعاشها، لتقوم القوى الأبوية والأمومية بعملهما، فيفلت منهما الزمن ويعيش كلاهما، فينا، في زمن آخر «فهنالك سلخٌ للزمن DÉTEMPORALISATION)) في حلم اليقظة. وهنا يمكننا معرفة حالاتٍ تكون أنطولوجياً تحت الكينونة أو الوجود (ÊTRE) وفوق العدم (NÈANT ). وفي هذه الحالات يخف تناقض الوجود واللاوجود ويحاول الوجود الأقل أن يكون ... وجوداً » ، وهنا يحرّرنا حلم اليقظة في ما هيته الخاصة من وظيفة الواقعيّ؛ «فما إن نتأمله في بساطته حتى نرى تماماً أنه شاهدٌ على وظيفة الواقعيّ وهي وظيفة مُفيدة تحفظ النفس الإنسانيّة على هامش جميع فظاظات اللا أنا العدوانية» .
فعندما يكون حلم اليقظة عميقاً حقاً، فإن الكائن الذي يأتي ليحلم فينا هو روحنا المؤنّثة ، رغم أنه ـ لتوِّه ـ قد أكد لنا أننا نحن الذين نحلم في حلم اليقظة. وهكذا فإن أول تعيّن لروحنا المؤنّثة هي أنها قرينُنُا الذي هو منّا، ولا انفصال له عنّا. لكن حلم اليقظة يحتاج لكي يبرز كروح مؤنّثة أن يترافق بالتوحد (SOLITUDE) وفق معادلة نستقيها كما تُستقى المعادلات الكيمائية ونقترح استخراج مثل هذه المعادلات في تفكيك ما جاء مكثفاً فيما سبق،لتكوُّن روحٍ.
على النحو التالي:
روح مؤّنثة + توحّد ........ حلم يقظة شاعريّ
ولكن هذا سيكون شرطاً لحلم يقظة شاعريّ، إلا أن الشرط الأهم حلم يقظة مثالي هو توافر الروحين معاً. ففي حلم اليقظة المتوحد نعرف أنفسنا ( في المذكّر والمؤنث معاً ) ويقوم حلم اليقظة ( هنا بالذات) بجعلِ مادته والحالم مثاليّين في وقت واحد.
وعندما يحيا حلم اليقظة في ثنائية المذكر والمؤنث تكون المثَلْنَة (IDÉALISATION) عيانيّه ومن غير حدود. فكيْ أعرف نفسي معرفة مزدوجة ككائن واقعيّ ومُمَثْلَن، يلزمني أن أصغي إلى أحلام يقظتي وكي أفهم وجوديّة حلم اليقظة فهماً أفضل، يجب أن أطبق جميع الدروس التي تعلّمتها من علم نفس الأعماق حيث أنّ المثلنة القصوى يجب أن تتوِّجَ علم نفس تام ، وهنا فإن (باشلار) يؤكد كما اعتاد دائماً على أنّ علم النفس الذي بين أيدينا ناقص. ونخطط ما سبق على النحو التالي:
روح مذكرة وروح مؤنثة + توحّد + حلم يقظة المثلنة
ويوضّح (باشلار) " أنّ حلم اليقظة، في حالته الأبسط والأنقى، ينتمي إلى الروح المؤنثة، وتأكيداً فإنّ كل تمثيل مبسّط يوشك أن يبتر الواقع.
فلنقل إذاً: إننا نرى، إجمالاً، أنّ الحلم يتعلّق بالروح المذكّرة، وأن الحلم اليقظ يتعلّق بالروح المؤنثة، وأن حلم اليقظة يمنحنا الراحة الحقيقية؛ راحة المؤنّث، وفيها نكسب رفاهية العيش؛ رفاهيّه تمهّلٍ وسلامٍ. ففي حلم اليقظة يمكننا أن نجد العناصر الأساسية لفلسفة الراحة" . ونستطيع أن نلخص ما سبق على النحو التالي:
روح مذكّرة + نوم ..... حلم
لكّن اجتماع الروحين المذكّرة والمؤنّثة في حلم اليقظة(أي في الإبداع الإنساني وهو يوازي استخدام نصفي الدماغ الأيمن والأيسر) سوف يجعل الكائن مثالياً، وهو اجتماع لا يفضي بالضرورة إلى (حلم + حلم يقظة )، وهنا الاستثناء هو الذي يجعل (باشلار) يرى في حلم اليقظة المُصاغ بالروحين المذكّرة والمؤنثة ضرباً من مثاليّه، ويؤكد في آخر كلماته الواردة في كتاب « شاعرية أحلام اليقظة »، أنه لكي لا يُقال أن الروح المؤنثّة هي كينونة كل حياتنا، فإنه يود أن يصوغ كتاباً آخر يكتبه هذه المرة قلمٌ مذكّر؛ أي قلمُ روحٍ مذكرة، لكن الحياة لم تسعف الفيلسوف، فمات بعد كتابه هذا بسنة واحدة (1962)، وبقي بالنسبة لنا نحن الباحثين أن ضرباً من الالتباس قائم بين الروح المذكرة والروح المؤنثة في صياغة حلم اليقظة، إذ برغم أن (باشلار) أفاض في تحليل قدرة الروح المؤنّثة على صياغة حلم يقظة شاعري، وأشار إلى أن اجتماع الروحين يعطي كائناً مثالياً، وحذّرنا من أن الروح المذكّرة ترتبط بالحلم، فإن دور حلم اليقظة بالروح المذكّرة قد بقي سجين رفات الرجل...
• الفروق بين الجنسين على المستوى المعرفي بيولوجياً
هناك أبحاث كثيرة تتناول موضوع الفروق بين الجنسين، وهي في بعضها تذهب إلى اعتبار أن هذه الفروق بيولوجية ، وأن تفاوت القدرات المعرفية بين الجنسين يعكس الاختلاف في التأثيرات الهرمونية في شكل الدماغ ونموه , وهذه هي النتيجة التي انتهت إليها ( كيمورا ) الباحثة في الأسس العصبية والهارمونية للوظائف الفكرية الذهنية للإنسان، في قسم العلوم العصبية السريرية في جامعة كيربي في كندا ؛ حيث تعتبر أن الفوارق بين النساء والرجال لا تقتصر على السمات الجسمية والوظيفية والتناسلية فحسب بل تتعداها إلى الكيفية التي يحل بها كل منهما المشكلات الفكرية أيضا؛ حيث تدل تجاربها على أن آثار الهرمونات الجنسية في التنظيم والتعضي الدماغي، تحدث في مرحلة مبكرة من الحياة , حتى أن العوامل البيئية تفعل فعلها منذ البداية في دماغين صمما لدى الأنثى والذكر بصورتين مختلفتين، أي أنها تقر بأن العامل البيئي يتصل أيضا بالعامل البيولوجي والهرموني والجنسي، الذي يسبقه، أي أن الاستجابات البيئية هي بالأصل من تركيبة المتعضي سواء أكان ذكرا أم أنثى، وهذا ما يجعل تقييم التجارب الشخصية بمنأى عن تلك الاستعدادات الفيزيولوجية أمراً متعذراً.
في أواسط الشهر الأول من عام 2005، اقترح رئيس جامعة هارفارد أن الفروق الفطرية في بنيان دماغي الذكر والأنثى يمكن أن تكون أحد عوامل الندرة النسبية لتخصص النساء في مجالات العلوم ." إذ تكشف تجارب التصوير هذه أن التباينات التشريحية موجودة في تشكيلة منوعة من المناطق في أرجاء الدماغ . فعلى سبيل المثال استخدمت)M.Jكولدشتلين) <من كلية طب هارفارد > وزملاؤها تقانة التصوير التجاوبي المغنطيسي في قياس العديد من الباحات areasالقشرية وتحت القشرية الدماغية . ووجد هؤلاء الباحثون ، إضافة إلى أشياء أخرى ، أن أجزاء من القشرة الجبهية frontal cortex، التي تعد مقر العديد من الوظائف المعرفية العليا ، تكون لدى النساء أكبر منها لدى الرجال ، وكذلك الحال مع أجزاء من القشرة الجوفية limbi cortexالتي تعنى بالاستجابات الانفعالية . وفي المقابل ، تكون عند الذكور أجزاء من القشرة الجدارية parital cortex ، التي تعنى بادراك الحيز space ، أكبر مساحة منها لدى الإناث، ولاسيما اللوزة المخية amyygdalaالتي تمثل بنية لوزية الشكل تستجيب للمعلومات التي تثير الانفعال _ أي إلى كل شيء يسبب خفقان القلب وتدفق الادرينالين .
ونشير هنا إلى أن هذه الفروق في الحجم وكذلك الفروق الأخرى المذكورة في تلك المقالة هي فروق نسبية ، فهي تشير إلى الحجم الإجمالي للبنية بالقياس إلى الحجم الإجمالي للدماغ .
وثمة أبحاث أخرى تكتشف فروقا تشريحية بين الجنسين على المستوى الخلوي .فعلى سبيل المثال اكتشفت وزملائها (في جامعة مكماستر ) أن النساء يمتلكن كثافة كبيرة من العصبونات في أجزاء من قشرة الفص الصدغي temporal lobeتعنى بمعالجة اللغة وفهمها . فعند عد العصبونات في عينات منها بعد الموت ، وجد الباحثون طبقتين ، من أصل الطبقات الست الموجودة في تلك القشرة ، تحويان عددا من العصبونات (في وحدة الحجم )أكبر لدى الاناث منه لدى الذكور . وقد ذكرت مثل هذه المكتشفات لاحقا فيما يخص الفص الجبهي .
وبتوفر مثل هذه المعلومات ، يستطيع علماء الأعصاب الآن استقصاء ما إذا كانت الفروق بين الجنسين في عدد العصبونات تتلازم مع فروق في المقدرات المعرفية ؛أي على سبيل المثال ‘ استقصاء ما إذا كان تعاظم تلك الكثافة في القشرة السمعية لدى الأنثى ، يرتبط بالأداء التفوق للنساء في اختبارات الطلاقة اللفظية عندهن .
ومما يثير الاهتمام أن الباحات الدماغية ، التي وجدت <كولدشتاين> أنها تختلف بين الرجال والنساء هي نفسها التي تحتوي عند الحيوانات على أكبر عدد من مستقبلات الهرمونات الجنسية أثناء التشكل والتنامي . وهذا الترابط بين حجم المنطقة الدماغية لدى البالغين والفعل الستيرويدي في الرحم يوحي بأن بعض الفروق الجنسانية ( بين الجنسين ) ، وفي الوظيفة المعرفية على الأقل ، لا تنجم عن التأثيرات الثقافية أو عن التغييرات الهرمونية التي تصاحب المراهقة ؛ أي أنها قائمة منذ الولادة .
لقد انتهج ومعاونوه ( في جامعة كمبردج ) مقاربة خلاقة مختلفة لدراسة أثر الطبيعة مقابل أثر التربية فيما يخص الفروق بين الجنسين .فلقد ذكر الكثير من الباحثين تباينات في توجيه الناس للولدان الذكور والإناث . وعلى سبيل المثال ، وجد <بارون –كوهن > وتلميذته <لوتشمايا > أن البنات في سنتهن الأولى يقضين زمنا أطول في النظر إلى أمهاتهن من الذكور بذات العمر .وحينما عرضت على هؤلاء الأطفال تشكيلة أفلام لمشاهدتها ، حدقت البنات لمدة أطول في فيلم يتعلق برؤية وجه ما ، في حين حدق الغلمان لمدة أطول في فيلم يعرض سيارات .
وبالطبع فإن هذه التفصيلات يمكن أن تنسب إلى فروق في طريقة تعامل البالغين مع الغلمان والبنات الصغار سلوكا ولعبا . ولاستبعاد هذه الإمكانية تقدم <بارون –كوهن > وتلاميذه خطوة أبعد إذ أخذوا كاميرا فيديو video camera إلى جناح الولادة في أحد المستشفيات بغية فحص ما يفضله رضع عمرهم يوم واحد . وقد عرض على هؤلاء لرضع مشهد من اثنين : إما وجه بشوش لطالبة حية ، أو قطعة خشب متحركة تشبه وجه الطالبة لونا حجما وشكلا ولكنها تتضمن خليطا ملخبطا من ملامح وجهها. وتحاشيا لأي انحياز ، لم يكن القائمون بالتجربة يعرفون جنس الرضيع أثناء الاختبار .ولدى مشاهدة أشرطة الفيلم وجد هؤلاء الباحثون أن البنات أمضين وقتا في النظر إلى الطالبة، في حين صرف الغلمان وقتا أطول في النظر على الجسم الآلي . لقد اتضح هذا الفرق في الاهتمام الاجتماعي في اليوم الأول من حياة الرضيع ‘ مما يعني ضمنا أننا نولد من الرحم ونحن نملك بعض الفروق الفطرية المعرفية(الاستعرافية) cognitive.
إن دراسة ( كيمورا ) للتأثيرات الهرمونية في عمل الدماغ خلال مسيرة الحياة، توحي بأن الضغوط التطورية تسمح بوجود تفاوت بين الجنسين بالقدرة الاستعرافية (Cognitive) أي في عملية المعرفة بحد ذاتها , وعلى هذا فإن الفوارق بين الجنسين معرفياً، تكمن في الطرز المختلفة للمهارات الفكرية التي يتمتع بها كل منهما أكثر مما هو راجع للمستوى الذكائي لبعضهما البعض.
هذه القضية التي تطرحها ( كيمورا ) تطرح علينا إشكاليتين :
إشكالية الفوارق الكاملة بين مطلق اختلاف جنسي هرمونيا :أي أن فوارق ما ينتج عن تلقي المتعضي ذكراً أو أنثى لكل من الهرمونين الذكري أو الأنثوي تتشكل بصورة مطلقة كفوارق بين الجنسين , وهو البحث الذي قامت به (كيمورا)
الفوارق اللحظية بين الجنسين هارمونيا: أي هل مع تبدل الوضع الآني للهرمونات الذكرية والأنثوية لدى كل من الذكر والأنثى تتبدل الوضعية الآنية والطريقة الاستعرافية آنيا التي ينتجها أو يتعامل بها كل من ذكر بعينه أو أنثى بعينها، لأن هذه الهرمونات تحرض بدورانها في الدم على الإمكانات المختلفة لكل من الذكر والأنثى من الناحية المعرفية أصولا .
بشكل عام ترى ( كيمورا ) أن الرجال يتفوقون على النساء بسرعة إنجاز بعض الأعمال المكانية spatial" "( التي فيها حيز) لا سيما تلك الاختبارات التي تتطلب من الشخص الذي يتخيل أن يقوم بتدوير جسم ما أو ملاعبته, كذلك يتفوق الذكور في اختبارات الاستدلالات الرياضية وفي الاهتداء إلى الطريق الصحيح في متاهة, كما أن الذكور أدق من النساء في الاختبارات الحركية الموجهة نحو هدف ما كتوجيه قذيفة أو اعتراضها .
أما الإناث فهم أسرع في تعرف الأشياء المتماثلة أوالمتوافقة أوالمتقاربة؛ أي هن أكثر قدرة على السرعة الإدراكية , والإناث أفضل بالطلاقة اللفظية ومنها القدرة على إيجاد الكلمات التي تبدأ بحرف معين أو يتوفر فيها قيد آخر , وهن يفقن الذكور في العمليات الحسابية وفي تذكر المعالم المتواجدة في الطريق، وهن أسرع في أداء المهام اليدوية الدقيقة كوضع الأسافين في الثقوب المخصصة لها .
وتبين ( كيمورا ) أن الإناث أفضل في تذكر المعالم التفصيلية ويملن إلى استخدام المعالم المرئية للتوجه في حياتهن اليومية . أما الاستراتيجيات التي يتبعها الذكور فلم تحدد تحديدا واضحا بعد .
وقد ظهرت في دراسة لإيليز وسيلف رمان من جامعة بورك وظيفة أخرى للنساء تتعلق بذاكرة المعالم؛ فالنساء أفضل من الذكور في ملاحظة المعالم المتغيرة لمكان ما بما فيها الفوارق الدقيقة , وكذلك في الاختبارات التي تتطلب موائمة للصور المضاهية أي التي تختلف عن بعضها البعض اختلافا دقيقا، أو إيجاد كلمات تبدأ بحرف ما أو تعتمد على الطلاقة الفكرية كتسمية الأشياء ذات اللون الأحمر على سبيل المثال . وعليه تبني ( كيمورا) قناعتها بأنه لما كان الرجال والنساء يتقاسمون مادة وراثية واحدة باستثناء الصبغيين (الكروزوميين) الجنسيين، فإن الفروق بين الذكر والأنثى تأتي بنتيجة الهرمونات المختلفة للدماغ في مرحلة تكونه، فيبدأ التمايز الجنسي .
ففي مرحلة مبكرة من الحياة تفعل الأستروجينات والأندروجينات (وهي هرمونات الذكورة ولا سيما التيستسترون) , فعلها في المرحلة الجنينية حيث يكون لكل كائن حي من الحيوانات الثديية، بما في ذلك الإنسان، الإمكانية بأن يصبح ذكرا أو أنثى, فإذا كان الجنين يحمل الصبغي Y كانت الخطوة الأولى نحو الذكورة تتمثل في تشكل المنسلين الذكريين (الخصيتين)، وهكذا يبدأ إنتاج الهرمونات الذكرية، أما إذا لم يفرز المنسلان هرمونات ذكرية، أو حال سبب ما دون أن تفعل الهرمونات فعلها في النسيج اتخذ هذا الكائن شكل أنثى .
إذا تكونت الخصيتان فإنهما تفرزان مادتين تفضيان إلى الذكورة في جنين رحم الأم وهما التستسترون وعاجل التراجع الموليري.
وتعتقد ( كيمورا ) وفقا لأبحاثها بأن الهرمونات الجنسية الذكرية لا تتسبب بتحويل أعضاء الجهاز التناسلي إلى أعضاء ذكرية فحسب، بل هي مسؤولة عن تنظيم سلوك الذكورة في مرحلة مبكرة من العمر، وأيضا تحديد اتجاه طريقة المعرفة لدى الذكر منه عن الأنثى .
هذه النقطة استخدمتها ( كيمورا ) من ملاحظة أن البقعة الدماغية المسؤولة عن التنظيم أو التي تسمى تحت المهاد أو الوطاء وتتصل بالغدة النخامية الصماء هي أكبر حجما لدى الذكور منها لدى الإناث، حيث تشير دراسة لـ(لوفاي) من معهد سالك للدراسات البيولوجية، أن بقعة تحت المهاد الأمامي هي أكبر حجما في الذكور منها في الإناث، وهي أصغر في الرجال الجنوسيين منها لدى الرجال متغايري الجنس فهذا الجزء مماثل لدى الأنثى لذلك الموجود لدى ذوي الميل الجنسي المثلي ، حيث بات توصيف ذوي الميول الجنسية المثلية اليوم، بأن سبب وضعهم جنسي أي هناك شئ بيولوجي .
وقد ثبت وفقا لدراسة (كلاديوم) من جامعة ولاية شمالي داكوتا، ودراسة ساندرس أن هناك فوارق من حيث الأداء في الاختبارات الاستعرافية بين الرجال الجنوسيين ومتغايري الجنس، إذ أن أداء الجنوسيين دون أداء متغيري الجنس في موضوع الحيزالمكاني .
وفي دراسة جديدة وجد (هول) أن النتائج التي حصل عليها الجنوسيون الذكور في مختبرات التسديد كانت أقل مما حصل عليها متغيروا الجنس من الرجال لكنهم تفوقوا عليهم في الطلاقة الفكرية كتسجيل الأشياء ذات اللون المحدد في دائرة واحدة وهذه ثمة أنثوية .
وعليه:ترى كيمورا أنه بسبب التعرض للهرمونات الجنسية في مرحلة مبكرة من الحياة تنشأ تغيرات في الدماغ تستمر آثارها طيلة العمر، إلا أنها ترى بأن استخدام هذه الهرمونات نفسها في مراحل لاحقة لن يكون لها هذا الأثر أي أنها تحدد المشكلة معرفيا بأنها تمايز يتحدد في الجنسين منذ لحظة التكوين في الرحم ولا يتغير مع الزمن ومع تعرض الكائن لمتغيرات هارمونية بعد الولادة ولكن (كيمورا) لا تؤكد ما إذا كان هذا التأثير الهرموني الذي حدد الطبيعة التكوينية (التنظيمية) للدماغين الذكري والأنثوي لا يتأثر فعليا في صلب بحثها بل في محيطه بدرجة صعود وهبوط في استخدام تلك الملكات الذكرية والأنثوية إذا ما تعرض لتغير وتبدل في الهرمونات كزيادة نسبة التستسترون لدى الرجل نتيجة الإثارة الجنسية أو نتيجة تبدل وضع الآستروجين لدى الأنثى مع الدورة الشهرية, فالموضوع برمته عند ( كيمورا ) يندرج في إطار أن جرعة التستسترون التي يأخذها الجنين في بطن أمه في المنسلين المتشكلين، هي التي تحدد الطبيعة الجنسية والمعرفية بصورة تنظيمية ونهائية .
إلا أن من الملاحظ في أغلب الدراسات الطبية الحديثة أن الأنثى مع بدء الدورة الشهرية أو قبيلها يحدث أن يتجمع لديها سائل إضافي في الدماغ يسمى (حبس سوائل دماغية) مما يؤثر على قدرتها الذهنية المنطقية أو المعالجة التي تنسب إلى ما هو ذكري وفقا لأنثوية العلم , إلا أنه لا تتوافر دراسات مخبرية متكاملة تدرس الحالة التفصيلية لمتغيرات يومية للأداء المعرفي نتيجة صعود وهبوط أي من الهرمونين الذكري والأنثوي مع متغيرات حياتية لكل من الذكر والأنثى, وعلى هذا فقد بين الباحث (ميني) من جامعة (مك كل) أن الميل لألعاب العراك يظهر في الذكور الصغار بتأثير الديدهيديسترون في اللوزة المخية وليس في الهيباتالاموس.
وعلى هذا ترى ( كيمورا ) أن حرمان الوليد الذكر في بطن أمه من التستسترون بخصائه أو إعطاء الوليدة هرمونا مسببا للذكورة خلال عملية نمو الدماغ المبكرة، فإنهما يؤديان إلى عكس كامل للتصرفات المرتبطة بالجنس؛ فتتصرف الإناث تصرفات ذكور ويتصرف الذكور تصرفات مختصة بالإناث .
ومن أهم الدلائل وأقواها ما بينته الدراسات على الإناث اللواتي يتعرضن لكميات كبيرة من الأندروجينات الكظرية قبل الولادة أو لدى حديثي الولادة، إما لسبب مرضي أو لتناول أمهاتهن لبعض الأدوية أثناء الحمل ما يجعل البدن يصنع كميات كبيرة شاذة من الأندروجينات الكظرية، ما يؤدي إلى مشكلات في تحديد الجنوسة, ويمكن تصحيح التأثيرات التذكيرية الناجمة عن تلك الأندروجينات (التستسترونات) للبنات في مرحلة مبكرة من العمر,كما توقف المعالجات الدوائية فرط إفراز الأندروجينات بينما تأثير الهرمونات الذكرية في أدمغتهن، والتي تحدث قبل الولادة لا يمكن تصحيحها أو ردها, وقد أظهرت دراسات قام بها باحثون مثل أير هاربت من جامعة كولومبيا ورنش من مؤسسة كيري أن البنات اللواتي تعرضن لكميات كبيرة من الأندروجينات (هرمونات ذكرية ) أثناء الحمل بهن، غدون أكثر صبيانية وعدوانية من شقيقاتهن العاديات,كما أنهن يفضلن ألعاب الذكور كألعاب السيارات في صيغة مماثلة لما لدى أطفال الذكور .
وتوحي الدراسات أن الأنثى التي تتعرض في بطن أمها إلى ازدياد في تركيز الأندروجينات، تفعل فعلها في مستوى الأداء الحيزي أو المكاني، إلا أن العلاقة ليست خطية فقد لا تزداد القدرات الحيزية بمقدار زيادة الأندروجينات . والمسألة مسألة استجابة، وهنا فإن دراسة ( كيمورا ) تفيد بتفوق الرجال ذوي التستسترون المنخفض عن أمثالهم ذوي التستسترون المرتفع في اختبارات الحيزات المكانية وبراعة النساء ذوي التستسترون المرتفع أكثر من مثيلاتهن ذوي التستسترون المنخفض وتوحي هذه النتائج أن هناك مستوى مثالياً للأندروجينات يكون عنده الأداء الحيزي أفضل ما يمكن وقد يقع هذا المقدار ضمن الحدود المنخفضة للذكور.
كذلك الأمر في الاستدلال الرياضي بينت أبحاث ( كيمورا) شيئا شبيها للنتائج حول موضوع اختبارات القدرة الحيزية للرجال فكان أداء الرجال من ذوي الأندروجينات المنخفضة أفضل من سواهم لدى في الإناث فلم تظهر علاقة واضحة أفضل في الهرمون أو حسن الأداء .
إلا أن دراسة ( بن بون ) من جامعة ولاية أيوا قد بينت أن النبوغ أو التفوق في الرياضيات مرده إلى عوامل بيولوجية مهمة, فالباحثة (بن بون) وجدت مع زملائها تفوقا مطردا للذكور على الإناث في الاستدلال الرياضي بنسبة 13 إلى 1 .
وهناك طريقة أخرى لدراسة الفوارق بين الذكر والأنثى بفحص وظائف بعض الأجهزة الدماغية ومقارنتها لدى الجنسين حيث تشير هذه الدراسات أن النصف الأيسر للدماغ هو بالغ الأهمية للكلام ، في حين تتركز الوظائف الحسية الحيزية في النصف الأيمن .
وهناك ملاحظة تشير إلى عدم التناظر بين نصفي الدماغ باعتباره أشد منه لدى الذكور منه لدى الإناث , ففي دراسة (جشونت) من مدرسة (هارد بارت) الطبية تبين أن الأندروجينات تزيد من الفعاليات للنصف الأيمن من الدماغ .
ووجد دولا كوستا 1991 أن قشرة النصف الأيمن من الدماغ في الذكور أكثر ثخانة منها في النصف الآخر,وهناك أدلة تشريحية تدعم الاعتقاد بأن نصفي الكرة الدماغي قد لا يكونان غير متناظرين بدرجة واحدة لدى الجنسين, بدليل أن إصابة النصف الأيمن لدى كل من ذكر وأنثى لدى إحدى التجارب لم يكن له أثر موحد في موضوع الحيز إذ كان أثره أكبر في الرجال منه لدى النساء .
ننتهي إلى أنه من جملة ما تقدم ترى (كيمورا) أن الأدلة تشير إلى وجود اختلاف في التعضي الدماغي لدى الجنسين يبدأ في مرحلة مبكرة جدا من الحياة وأن الهرمونات الجنسية توجه هذا التمايز بين الجنسين أثناء النمو الجنيني وأن هناك علاقة بين مستويات هرمونات معينة والكيان الاستعرافي للشخص في مرحلة البلوغ .
ومع ذلك فإن المشكلة الثانية التي طرحناها في إطار هذا البحث وهي التبدل المعرفي نتيجة تبدل الهرمونات في مرحلة متقدمة هي بعد البلوغ تطرح بشكل واضح اليوم في بعض الأبحاث حيث بينت (هامب تويغ) من جامعة غرب أورتاريو أن الأنماط الاستعرافية حساسة للتقلبات الهرمونية في جميع مراحل الحياة، وأن أداء النساء لبعض المهمات خلال الدورة الطمثية يتفاوت حسب تقلب مستوى الأندروجين، فقد ترافق ارتفاع مستوى الهرمونات ليس مع هبوط القدرات الحيزية فقط بل مع تعزيز القدرات الحركية,وأن وجود فوارق ثابتة بين الجنسين قد تكون كبيرة أحيانا يوحي بأن للجنسين قدرات مهنية قد تكون مختلفة وغير مرتبطة بالتأثيرات الاجتماعية أي ليس لهذا الأمر بعد اجتماعي .
• فلسفة المعرفة الأنثوية:
درجاً على بعض مما سبق في علم النفس وفي الفلسفة الأنثوية عند باشلار والاكتشافات العلمية في هذا الخصوص تبني د.يمنى الخولي في مقدمة تصديرها لكتاب د.ليندا جين شيفرد "أنثوية المعرفة"رؤيتها إلى أن العلم هو كيان تتكامل فيه سائر الخصائص الإنسانية الإيجابية الذكرية والأنثوية على السواء، وليس الذكرية فحسب، وأن المطلوب هو إظهار الجانب الحي المحجوب أو المطمور من العلم عن طريق البحث عن عناصر الأنثوية في واقع الممارسة العلمية وفي البحوث وفي الكشوف العلمية الراهنة.
• أنثوية المعرفة عند شيفرد:
العلم من منظور الفلسفة الأنثوية عند ليندا جين شيفرد يقوم على أساس النظر إلى الجوانب التي يثريها النصف الأيمن من الدفاع في المعرفة العلمية من حيث تجاوز التراتبية الهرمية الأحادية الجانب أو الرؤية وصولاً إلى رؤية التنوع بجماليته ومنافعه ، وذلك بالاعتماد على ثراء (مبدأ الأنثوية ) عند يونغ وأتباعه المحدثين، وهو الذي يرى الأنثوية كمفردة علم تتمايز عن المبدأ الأنثوي النمطي( السائد) عن التصور السطحي للأنوثة كحلوة مثيرة فيها كل ما هو لطيف وناعم، وهي مفردة تعني القوة التي تجذب وتربط وتجمع الناس معاً نحو الكلية (Wholeness)
، وهنا يمكن للرجال أن يكاملوا الجانب الأنثوي في أنفسهم وتتكامل النساء مع الجانب الذكوري في نفوسهن، يساعدها في هذا المفهوم الصيني عن الين واليانغ الذي يقسم المعرفة والسمات وفقا للاختلاف بين الجنسين.
إذاً المقصود هنا الجانب الأنثوي Animus في كلٍ من الرجل والأنثى معاً، وهو أنثوي لغة ومصطلحاً لأنه أكثر بروزاً لدى الأنثى منه لدى الرجل، وعند عدم توافره في الأنثى غير النمطية فإننا نكون هنا إزاء امرأة لا تستخدم الجانب الأنثوي من عقلها، أي الأنثوية المعرفية لديها، بل تغلّّب الجانب الأخر أي الذكري منه.
إن اعتبارات الاختلاف بين الرجال والنساء قائمة بالفعل ،حسب شيفرد، إذ بخلاف أن بحوثاً أنتربولوجية أجرتها مارغريت ميد M.Mead تشير إلى أن الجنوسة بنية ثقافية، ثمة أقطاب للبيولوجيا الاجتماعية أمثال ويلسون. E.O.wilson يرون أن الأنماط السلوكية القياسية للذكور والإناث قد تحددت بيولوجياً.
وتلك هي المناظرة الطبيعية بوصفها شيئاً مؤنثاً وأسماها "الأم" بينما تحدث عن السماوات والشمس يوصفها المحدث والأب وأعتبر أن علاقة الذكر بالأنثى هي بطبيعتها علاقة الأعلى بالأدنى والحاكم بالمحكوم وأن الأنوثة هي "تشوه" على الرغم من أنها تحدث في السياق العادي للطبيعية .
وعلى الرغم من أن تهمة الأنثوية حاضرة باستمرار في سياق العلم المسفه حيث سفّه العلماء الإنكليز منافسيهم في فرنسا بأن أطلقوا عليهم لقب المتأنثين وهاجم فرنسيس بيكون الفلسفة الأرسطية على اعتبار أنها سلبية وضعيفة (وأنثوية) . دفاعه عن استخدام الفلسفة التجريبية الجديدة تدشيناً للميلاد الحقيقي "للعصر الذكوري" حسب تعبيره وبناء العلم الحديث لسنوات طويلة على أساس المنطق الذكري التجريبي في العلم، إلا أن تيارات عدة كانت تحاول أن تمنع هذا الاتجاه الأحادي في هيمنة آلية معرفية واحدة على المنجز العملي حتى أن إيان متروف I .Mitroff قد انتقد هيمنة الروح الذكرية على روح برنامج غزو القمر مشدداً على ضرورة الاعتراف بأهمية تعلم كيفية ممارسة العلم بالعاطفة . وهنا لقد لاحظت شيفرت اعتماد العلم على الملاحظة والقياس والتفكير واستعباد الشعور والحدس الأمر الذي دفعها إلى ملاحظة أهمية العملية السيميائية في اكتشاف العلاقة التبادلية بين ظرف السيميائي النفسي وبين العالم الخارجي ، وهو نفسه الموقف الذي يكتشفه باشلار في كتابه"تكوين العقل العلمي" بخصوص العقبة الابستمولوجية التي تتأتى من إضفاء النزعة النفسية الجوانية على موضوع المعرفة العلمية، حيث ترى شيفرد بأن المرحلة الأخيرة من السيمياء تبزغ فيها التقابلات "الذكرية والأنثوية" وتندمج معاً لتخلق شيئاً جديداً وفائقاً ما يعني أن تكامل الجانبين الذكري والأنثوي في المعرفة هو الذي يولد الحالة الجديدة وكأنها تقارب هنا لحظة الجمع بين التموجية والجسيمية في الضوء لتنتج عند لوي دوبري الظاهرة الجسيمة التموجية ليجمع بذلك نظرية ماكسويل وماكس بلانك، وهو ما يراه غاستون باشلار أحد نماذج القطيعة الابستمولوجية التي تجمع المتناقضات ذكرية وأنثوية. وهنا تصوغ شيفرت تصوراتها عن الجوانب الأنثوية في المعرفة مقسمة إياها إلى ثمانية عناصر هي: الشعور والتلقي والذاتية والتعددية و الرعاية والتعاون والحدس والترابطية، وفقاً لما يلي:
1- الشعور :"بحث يدفعه الحب"
إذا كانت المعرفة الذكرية تصر على الحياد العاطفي إلا أن عدداً من العلماء يطالبون بالإلتفات إلى ندرة الود في العلم الذي يؤوله "متروف" باعتباره كبتاً للاستجابات الوجدانية أو للمشاعر. وهنا تطالب شيفرد باستكشاف العاطفة والشعور في عملية التوازن في العلم أحادي الجانب والتقدم بإسهام إيجابي عن طريق :
• لفت الانتباه إلى القيم والأخلاقيات
• المعاونة في تقويم المواءمة ودعائم التناسب
• أن يكون البحث مدفوعاً من استغلالها بدلاً من الرغبة في التحكم بها
• احترام الطبيعة بدلاً من استغلالها وكأنها سلعة
• مراعاة مشاعر الآخرين (شيفرد، 19)
وتعتمد الفيلسوفة الأنثوية في فهمها للذكرية والأنثوية محاور يونغ الأساسية التي تقابل التفكير بالشعور والأحساس بالحدس.

وتلاحظ أن البشر في الطفولة يعتمدون أساساً على وظيفة واحدة، ولكن مع النضج كثير من البشر يطورون وظيفة مساعدة من المحور المقابل، فالتفكير يطور الإحساس كوظيفة ثانية . وفيما بعد قد يتم تطوير وظيفة ثالثة من المحور نفسه بوصفها وظيفة مساعدة وهي الحدس في هذه الحالة فيما أن الوظيفة المقابلة لوظيفتنا الأولية هي آخر ما يتم تطويره وهي هنا (الشعور). فالإحساس والحدس سبيلان للإدراك يزوداننا بالمعلومات فيمدنا الإحساس بمعارف عن العالم الخارجي من خلال الحواس فيما ينفتح الحدس على الوعي الفجائي، وعلى التأمل وعلى الخيال وعلى كل الممكنات وإذ كان الإحساس هو النمط التجريبي الذي يجمع أشتات المعطيات ويزودنا بوقائع جديدة ونمط التفكير هو النمط النظري الذي يشيد نماذج ومنظومات منطقية فإن كلاً من الإحساس والتفكير يشكلان الأسلوب الذكري في المعرفة فيما الشعور والحدس يشكرن العنصر الأنثوي فيها. وهنا تشرح شيفرد بأن الشعور يتقدم مع التفكير بعملية التقويم والحكم فإذا كان التفكير هو وظيفة لحل المشكلات وترتيب الأشياء أو الوقائع أو الأفكار في تسلسل أو تراتب هرمي له معناه ومغزاه فإن وظيفة الشعور هي التقويم أي تقويم الشيء على أنه جدير أو تحديد القيمة فهو ليس مجرد عاطفة من قبيل الحبور والاستثارة والغضب والخوف والعار، إنما هي التبصر في كل الوظائف، ووظيفة الشعور أيضاً خلق الدفء حيث توجد برودة العقل (البارد الصرف)، وخلق الجمال حيث يوجد المخ وتؤدي في شكلها الانبساطي إلى مهارات اجتماعية في الحس والإقناع وتبني جسوراً بين البشر والاستجابة الايجابية من قبيل مفردات من نوع : ذاتي، وقيم، وإنساني، وخير أو شر، وتلطيف الظروف والانسجام والسياق والكيفية.
نمطية الشعور تتجسد من خلال إحساس قوي بالقيم،وأحكام الشعور لها عقلانيتها الخاصة بها القائمة على حس ملائم مشحوذ بالخير والشر، والصواب والخطأ، والجميل والقبيح، وهي تعتمد على سياق الموقف، لا على فئة من القواعد الموصوفة، وحيثياتها تبدو غير معقولة لدى أصحاب نمطية التفكير (المنطقي) لأنها قائمة على أساس القيم لا على أساس المنطق، ولذلك فالطرفان يتكلمان لغتين مختلفتين.ويمكن لمشاعر الجسد أن تعطي المحتوى لوظيفة الشعور من أجل إصدار أحكام القيمة. وحين الالتجاء لأحكام القيمة فإن المناقش يتريث برهة لاستشراف الأمر عبر جسده ،مما يسم الشخصيات الشعورية بالتباطؤ، بينما أصحاب نمط التفكير يستجيبون بعقولهم استجابة أسرع. ويقدم الفيزيائي إبرهارد ريدل نموذجه الشعوري بالقول المعادلة بالنسبة لي شيء تحريكيّ فأنا يجب أن أحتويها في داخلي وأتساءل :"هل يمكن أن يكون ذلك صواباً،وهل يتفق مع إحساسي بالعملية".ويتفق في هذا البعد الشعوري الفيلسوف محمد بديع الكسم عندما يعتبر أن البرهان يصبح صحيحاً لأنني اقتنعت به داخلياً. صحيح أن في هذا بعداً يتصل بالتفكير، إلا أنه يتصل بعمق في فكرة الشعور التي تعني الدخول في أعماق الذات. يقول:"الإنسان هو الذي يختار حقائقه، إذ يختار ذاته،... إن كل حقيقة- قيمة هي حقيقة- لي" ،"العلم بدوره،ليس علماً إلا بالوجدان وللوجدان،فإذا كنت مثلاً أقرر نظرية فيثاغورث،فذلك لأنني رأيت أن هذه النظرية... بعد أن حققت في ذهني خطوات البرهان...إنها حقيقة لي، وصدقها عندي لا ينبع من صفتها الكلية،التي تفرضها على العقول جميعاً فرضاً واقعياً،إنما ينبع من بنيتي العقلية التي تلزمني بالتسليم بها إلزاماً" ، "فعقلي يجد فيها توازنه وراحته" .
يوضح ريدل أن الجسد يبصر وظيفة الشعور بالحكم عما إذا كان شيء ما صواباً أم خطاً، ونستطيع أن نتعلم بالتدريج كيف نستجمع المحتوي من كل أجزاء ذواتنا، وليس من الرؤوس فقط.
إن الشعور هو الذي يتساءل عن أولوية مشروع علمي وعواقب المعرفة المجتناة، أي أن دوماً هو الناقد ( التقييمي)؛ أي الباحث عن القيمة.
إن التفكير والشعور كليهما لبيب في وظائف التمييز بين الأولويات وفي تقويم أهمية مشروع البحث العلمي وفي جني المغانم الفكرية وتبيان القيمة الجمالية وفرض أخلاقيات الموقف، أي أن الشعور يقوم بالتمييز والنبذ، إنه يخبرنا بما نريده، ويقينا من إلحاق الضرر بأنفسنا وبالآخرين عن طريق المعرفة نفسها.
لقد لاحظ يونغ، الذي تستمد منه شيفرد أساسيات فلسفتها الأنثوية، أن الحب والقوة يستبعد كلاهما الآخر قائلاً: "حينما يحكم الحب، لا أحد يريد القوة، وحين تسود القوة يختفي الحب" ، لتستنتج منه أن الشعور يأتي العلم بطراز من البحث مدفوع بحب الطبيعة، بدلاً من الرغبة في التحكم بها، ويعطيه الإحساس العاطفي بالعمل، والاستثارة بتعلم أشياء جديدة، والحبور برؤية نموذج ينبثق، أوليس الإنجاز العلمي هو (الانبثاق) Emerge، حسبما يقول باشلار؟، وهو من قبيل الزمن العمودي. هنا يترافق الشعور الجمالي بالانبثاق، بالخبرة، وبالتفكير فيما ليس مفكراً به مع الإنجاز العلمي نفسه فتلهم التفكير ويتكاملان معاً، ففيه (أي الشعور) تلك العاطفة نحو معرفة الطبيعة كمعشوق والانغماس الحميم فيها بحثاً، بحيث تقيم شعوراً بالارتباط بالطبيعة موضع البحث.
هذا الشعور بالارتباط بالطبيعة يحول بين العالم وبين التعامل مع منتجات الأرض على أنها مجرد بضائع لاستعمالها والاستغناء عنها، بل يدفع التوحد مع موضوع الدراسة، بما يفضي إلى معرفة أعمق.
إن الشعور يخلق ودّاً في العلم، أي نوعية تفاعل اجتماعي؛ هو التعاون وتقاسم العمل بين العلماء والباحثين ومساعديهم.
2- التلقي (الإنصات إلى الطبيعة)
التلقي حسب شيفرد واحد من الخصائص الطراز البدائي للأنثوية، وهذا الترميز مأخوذ من الرحم من حيث هي وعاء منفتح للإخصاب. وهذا التلقي يهب العلم انفتاحاً على الإنصات للطبيعة والاستجابة في نوع من الحوار أو التشارك مع الطبيعة.
إن ثمار التلقي في المعرفة العلمية لا تتبدى للعيان فوراً. إنه الذي يفسح المجال أمام الصبر على الأسئلة التي تستغرق وقتاً طويلاً، وتتطلب الكثير من التفكير عبر الإنصات وليس العمل والإنجاز فقط، إنه ذلك التفحص للمعطيات، والإنصات من العلماء لبعضهم البعض. إنه ليس إنصاتاً سلبياً؛ إنه استدعاء للصبر وإيقاظ للوعي والانفتاح والاستجابة.
المتلقي يحتوي، ويجمع المعطيات، في داخله ينبثق شيء من التفاعلات والتحولات و التبدلات. وهو يستطيع بالتالي أن يقول لا، فهو ليس سلة مهملات تقبل كل شيء يلقى فيها. إنه التأمل في المعطيات، وصورة الإنصات إلى الطبيعة وتلقي الآخرين وأن يتلقاك الآخرون.
التلقي لا يخضع لمفردة السيطرة على الأشياء والتلاعب بها، إنه ملاحظة الأشياء وتركها تحدث، فتصبح الطبيعة معطيات ومعلومات مفتوحة للإدراك. وهذا يشكل أساساً للعلم، لأن العلوم هي في قاعدتها الأساس علوم ملاحظة.
التلقي هو تضحية بالأفكار المسبقة وبالنظريات الدوغمائية. إنه أقرب إلى التواضع الذي يستطيع مالكه أن لا يصعب عليهم الاعتراف بأن الفكرة خاطئة، وبالتالي عدم الارتهان في محبس الأفكار. فالجهد اللازم كي يغير الناس أفكارهم يفوق ما هو مطلوب لجعلهم يتقبلون نظرية جديدة تطرح لأول مرة. فالإيديولوجي هو شخص لا ينصت. إنه لا يتلقى. يتمسك بالأفكار كما لو أنه يتمسك بأناه، ما يدفعه لعدم الاستماع أو القبول بالآخر. هذا ما حدث في اضطهاد غاليليو، وهو ما حدث بتهكم الفلكي أرثر إدنفتون من نظرية سابراهمنيان تشاندراسكار حول علاقة الكتلة بخسوف النجوم واحتاج الأمر إلى عشرين عاماً إلى أن يتم قبولها، وهذا ما حدث مع أينشتاين في نظرية النسبية الخاصة، وقد مارس نفس السلوك تجاه الفيزياء الكمومية. ألا يقال: "لا طاعة لنبي في قومه"؛ إنه المثال الذي يطرح نفسه كدليل على امتناع الإنصات والتأمل والتعلم لما هو جديد. فالجديد هو ماليس مفكراً به، والسائد يشكل عقبة إيبستمولوجية تمنع تعلم الجديد كما يقول الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار.
إن الإنكار هو آلية نفسية مفيدة في حماية الذات من التعامل مع أشياء تهدد سكونها واطمئنانها إلى ما لديها. خاصة إذا ما كانت هذه الأشياء من قبيل العماه أو العشواء (chaos) أو اللا خطية التي تكتنف الطبيعة، والتي تغدو غير قابلة للتنبؤ، أو التي لا يكون لها حل واحد.
العشوائية تماثل حسب شيفرد الخصائص الأنثوية: عدم القابلية للتنبؤ والعملية اللاخطية وأهمية السياق فيه وترابطية الأجزاء، وهي تعطي انطباعاً عن عالم متنوع يجب الإنصات إليه، وعدم الركون إلى النظرة أحادية الجانب.
يلاحظ يونغ أنه حينما يهيمن على الحياة الواعية اتجاه أحادي الجانب يبني المقابل المساوي له (رد الفعل) قوةً في اللاوعي، تثبط من أداء الوعي، حينئذ تستطيع المتقابلات أن تشكل شريكاً مساهماً وهذا ما يستدعي أن يتم تلقيه والإنصات له، مما يجعلنا متحفزين دائماً لأن نبدل من منظورنا للعالم تبديلاً جوهرياً.
3- الذاتية: ( اكتشاف النفس من خلال التجربة )
بخلاف التصور النفسي أو حتى المرضي (Egocentrism)؛ نعني التمحور حول الذات، فإن الذاتية عند شيفرد هي أمراً إلى حد ما في أنثوية المعرفة. متسائلة: "ماذا لو أن النظرة الموضوعية للطبيعة استضاءت عن وعي بما هو شخصي، وأقيم الشخصي على أساس الموضوع؟".
تستند شيفرد في رؤيتها للذاتية للاختبارات التي تؤكد أن البشر، في واقع الأمر يتعلمون كيف يرون؛ فمن أجل الخروج بمعنى من خبرة ما لا بد أن يؤوّل وعينا الدفعات الكهربائية المنقولة من الحواس إلى الدماغ، وبالتالي فجانب من تكيفنا العادي هو اتفاق مع الآخرين بشأن ما نراه وما نسمعه (وكأنها هنا تعتبر الوعي هو اتفاق أو مواضعة بين الناس تشكلها حالة الوعي السائد)، كما هو الحال في تجربة القطط التي وضعت في بيئة لا ترى فيها سوى شرائط أفقية. وحين البلوغ لم تعد تستطيع أن ترى سوى العالم الأفقي، وكذلك فإن الذين يولدون مكفوفين ويسترون بصرهم بعد عملية جراحية لا يعرفون كيف يفسرون ما يرونه. وعلى هذا الأساس فهي ترى أن الواقع الموضوعي شيء نعتقد أننا جميعاً نتشارك فيه. ومثل هذه الدراسات تؤكد على أن جهازنا العصبي لا يتقبل إلا ما تمت برمجتنا على رؤيته. إنها إشارة من شيفرد إلى المواضعاتية من ناحية، وإلى العقبة الإيبستمولوجية كما جاءت عند الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار الذي يعتبر أن المعرفة الشائعة والجانب النفسي في المعرفة كلاهما يشكل عقبة ايبستمولوجية في وجه التطور المعرفي الذي هو بكلمة ( التفكير فيما ليس مفكراً به). ولهذا فإن ما نعتاد عليه يمنع عنا التفكير فيما لم نفكر به، أو فيما لا تسمح لنا حواسنا برؤيته. فالنحلة لا ترى اللون الأحمر، بل ترى الألوان فوق البنفسجية، والخفاش يدركها كصدى لموجاته فوق الصوتية، ويشعر بها الثعبان كأشعة تحت حمراء، وعينا الحرباء تتحرك على محوريين أي أنها ترى أبعاداًُ غير أبعاد رؤيتنا. وهذا ما يطرح تساؤلاً عن موضوع الكون الموضوعي، إلا أن الايبستمولوجي في جامعة هارفارد (إزرايل شيلفر) يرى العلم كمشروع نسقي عام، المحكوم بالمنطق وبالواقعة التجريبية وهدفه صياغة الحقيقة التي هي : الوضع الذي تتبدى به حاله ما في زمان ومكان، وحيث يشدد العلم على البحث الموضوعي الذي يتنزه ولا ينحاز ويتجرد ويخلو من الأنا، إلا أن شيفرد ترى غير ذلك، إذ تعتبر أن المعرفة (بنائية) مستخدمة مصطلح مارلين فيرجسون "المعتقد التجريبي" لوصف موقف التفتح للإنصات إلى مفاهيم جديدة. وهنا يتأسس مفهوم (فن الإنصات) وهو أن نكون متفتحين لأن نسمح لشيء ما أن يلج دون أن نعترض سبيله بتفكيرنا وبتأويلاتنا. وهو فن يتطلب تعليقاً مؤقتاً للشك وللإنكار، وذلك عن طريق (انعكاس الذات) بالسؤال: لو أن هذا صحيحاً، فماذا إذاً؟ علام يدل ضمناً؟ ما هي محصلات هذه الفكرة؟.
إن الموضوعية، من حيث هي أداة لاجتياز عدم الثقة، قد خدمت في خلق واقع مجمع عليه"، ولكن على حساب المختلف والعياني. وهنا يعتبر العالم الداخلي فحص هوى وخيال، وهذا نتاج فلسفة الوضعية المنطقية التي تغلغلت في ثنايا العلم الحديث كمقاييس ضد الخرافات. وعليه فإن شسفرد ترى بأن خلق واقع مجمع عليه من خلال الموضوعية لا يعادل بالضرورة الحقيقة أو الواقع (بمعنى الموجود هنا). ففي عام 1989نشرت لجنة السلوك العلمي في الأكاديمية القومية للعلم كتيباً بعنوان "في أن تصبح عالماً" تعترف فيه بأن المعرفة العلمية تنشأ عن "عملية إنسانية" إلى حد بعيد وأن الجانب الأكبر من المعارف التي يستخدمها العلماء في اتخاذ القرارات ليست نتاجاً للبحث العلمي بل تتضمن بديلاً من هذا أحكاماً محملة بالقيمة والرغبات الشخصية، وحتى شخصية الباحث وأسلوبه .
وإذ يقيم الذاتيون الحجج في مواجهة الموضوعية، توافق شيفرد على أن المقاربة الذاتية المحض ليست مفيدة لأنها لا تسمح بالمشاركة في المعرفة، فهي ترى ضرورة استضاءة النظرة الموضوعية للطبيعة عن وعي بما هو شخصي على أن يقام الشخصي على أساس الموضوع. فمن المنظور الأنثوي؛ "كل حقيقة كائنة في سياق". وعلى الرغم من أننا قد لانعرف الحقيقة أبداً، إلا أننا نستطيع استكشاف الوجوه المختلفة للواقع بتقارب متزايد. وتعتبر أن نظرية الكوانتم (الكوانية) كما نظرية العشواء قد بدلتا من حال الفيزياء والرياضيات كل على الترتيب. فبدلاً من كون جامد من الموضوعات يلاحظه العالم المتجرد تكشف نظرية الكوانتم عن شبكة كلية من المتواصل المتبادل. ففي الكوانية تتبدى الخصائص المحالة إلى الأنثوية، حيث أن مبدأ اللا يقين لهيزينبرغ بمثل بعضاً من المعالم المرافقة لنظرية الكوانتم وبالتالي للعلاقة بين الملاحِظ والملاحَظ، وبالتالي فإن النوع البشري كله والطبيعة بأسرها جزءاً من المنظومة نفسها، وعليه فإن النظرية الكوانتية تثبت كنظرية العشواء، أن عدم القابلية للتبوء أساسية في الطبيعة (وهذا ما يتم غالباً إسقاطه على الأنثوية) حيث أننا لا نستطيع الحديث إلا بلغة الاحتمالات، واللايقين الذي يدمجنا في تغذية خلفية راجعة Feed Back (استراجاعية) بحيث نعدل عملياتنا أثناء سيرنا. فالكوانية تؤكد أن الواقع لا يمكن أبداً وصفه بدقة . فاللايقينيات تتضخم بعمليات تكرارية حتى يصبح لها تأثير جوهري على العالم الأكبر.
إن العلم بتوجهه نحو الموضوع والمعطيات الموضوعية يتخذ رؤية انبساطية للعالم وتكون الذات هي العامل المحرك الأول والموضوع ذا أهمية ثانوية. وبالإعلاء من قيمة قدرتنا على الإحاطة الموضوعية بالعالم نقمع أهمية إسهامات العوامل الذاتية وأهمية اكتشافنا في المادة العلمية، فكلما أتعلم أكثر عن العالم، أتعلم أكثر عن نفسي وبالتالي أتعلم أن أسترجع الإسقاطات التي أقولب فيها العالم. إن هذا الإسقاط يطابق الرؤية التي لدى يونغ والتي لدى باشلار أيضاً. فالعالم عند الأخير يتم تصغيره وبالتمثل مفيد تكوينه وتشكليه فيكون واقعاً، مبنياً، واقعاً ينتمي إلينا ربما أكثر مما ينتمي إلى ذاته، واقع لنا ومعنا . فالعالم هو تمثيلي .
هذا الإسقاط عند يونغ هو ترحيل المحتوى الذاتي إلى موضوع، إلا أن إسقاطنا على موضوع ما لا يعني أن العالم محض وهم.
.الرعاية: (مقاربة طويلة المدى)
يبدو أن العلم يبخس قيمة الأشياء التي تجعل رحلتنا في الحياة أمتع ، على طريقة البيئة المحيطة الباعثة على الراحة، الدردشة التي يستريح لها المرء، مساعدة زميل- إذا كانت ستنزعنا من العمل. يرفع العلم الحديث من قيمة الكفاءة والتنامي السريع في المعطيات والأسبقية والمراجعة النقدية للأفكار والنظريات والنتائج السريعة... والتقدم. فماذا يمكن أن تكون علاقة الرعاية بالعلم؟ قد تبدو للوهلة الأولى غير ملائمة، في عالم آخر منفصل عن العلم. وذلك هو موضوعي على وجه التحديد.
يستطيع موقف الرعاية أن يوازن من جهامة التركيز على الفاعلية التي تجرد الحياة من عذوبتها. هذا العالم اللاهث الذي نحيا فيه جعل الصدارة للفاعلية حتى باتت بعض المختبرات مصانع للبيانات، كما أن الضغوط من أجل الإنتاج دفعت الناس إلى طريق الخداع. لسوء الحظ، نادراً ما جرى اعتبار الدور المعاون الذي تلعبه الرعاية في الحياة من الأهمية بمكان بحيث إن استخفاف علماء الجهاز العصبي بدراسة الخلايا التي تلعب دور الرعاية قد حال دون اكتشافات مفادها أن الخلايا الدبقية تسهم في الاتصال بين المخ وبين بقية الجسم.
وبهذا تقوض الخلايا الدبقية أسطورة تخوم الدم –المخ- وهذه الأسطورة انعكاس فسيولوجي للاعتقاد الغربي في انفصال العقل والجسم. ومن الشائق حقاً، أن عدد الخلايا الدبقية لكل عصبون يتزايد كلما ارتقت الثدييات في سلم تطور الأنواع بدءاً من الفئران ووصولاً إلى الإنسان . ربما أنعشت دراسةٌ آسرة لمخ آينشتين، الذي كان قد حفظ من أجل الدراسة. وبالمقارنة بينه وبين أحد عشر مخاً لذكور من عامة البشر، وجدت أن مخ آينشتين به أكبر عدد من الخلايا الدبقية لكل عصبون. وكان الاختلاف لافتاً بوجه خاص في المناطق المرتبطة بالقوى الإدراكية للتصور والتفكير المعقد.
كثيرا ما جرى إهمال عملية الرعاية، لأنها ليست درامية. ومع هذا، فهي ليست سلبية. إنها إيجابية بصورة بالغة، بيد أنها ذات إيقاع مختلف، إيقاع دائري ورتيب –تواظب على مهمتها ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم، وعاما إثر عام.
ليست الرعاية مسألة بطولية أو درامية أو مثيرة، بل هي عملية وديعة متنامية، مثلما تنحت الريح صخرة. تنبني الرعاية، من حيث هي علاقة ثقة وارتباط، بواسطة الآمال والتوقعات. إنها جانب حميم من الحياة يتألف من أفعال صغيرة لتركيز الانتباه. الرعاية تتطلب التلقي. وكما يعتمد الشكل النهائي لصخرة نحتتها ريح على طبيعة الصخرة، بالمثل تماماً تعتمد شاكلة العالم على الطبيعة الفريدة للفرد.
• رعاية الأفكار :(المطلوب في الرعاية نقد المسلك وليس نقد الشخص)
إن الأفكار التي تتجاوز النموذج الإرشادي العلمي الجاري عادة ما يقابلها المجتمع العلمي النقدي والشكاك بالسخرية أو الرفض الناعم.
يلعب النقد دوراً له قيمته في العلم. وبصرف النظر عن الخوف من النقد ومن أن نبدو حمقى، يدفع النقد الناس إلى التفكير بعناية في أفكارهم وعرض دليل مقنع لتأييدها.
الموقف النقدي السائد يعكس الهيمنة المسبقة في العلم لأسلوب المحاورة الذكوري بالقياس إلى لغة آخرين يملن أكثر إلى طرح اقتراحات وأسئلة من أجل توضيح أو استدرار مزيد من المعلومات. من الناحية الأخرى، يستخدم الرجال الأسئلة من أجل استعراض المعرفة والمناوشة حول الوضع والمنزلة. إنهم يميلون إلى استهلال أسئلتهم بتقريرات، وطرح أسئلة متعددة، ومتابعة إجابات المتحدث بأسئلة إضافية أو تعليقات. "الخشونة وتصيد السقطات في المساجلة". وبينما يمثل البرهان الدقيق مرتكزاً في العلم، تحتاج بذور الأفكار والنظريات الجديدة إلى بيئة آمنة وواقية يمكنها أن تنضج فيها قبل أن تواجه ضوء النقد الكاشف.
يستطيع العلماء مساعدة زملائهم على التلقح بأفكار جديدة، وذلك عن طريق الموازنة بين النزعة الشكيّة والنزعة النقدية وبين المعتقد التجريبي وموقف الرعاية.
• المقاربة طويلة المدى
أصبح المنظور التكويني لصيقاً بالأنثوية، بسبب يعود إلى مسؤوليات الحمل وتربية الأطفال طويلة المدى. والآن فقط ندرك الثمن المدفوع في الخفاء للمقاربة قصيرة المدى في العلم وتنمية التكنولوجيا ومادمنا نبحث عن أرباح قصيرة المدى، فنادراً ما نأخذ في الاعتبار صحة وازدهار أجيال المستقبل. وعلى الرغم من أن مقاربة الرعاية في جوهرها عملية متأصلة، فإنها ترنو دائماً إلى نتائج ومحصلات طويلة المدى.
إن العلم الحديث في أمريكا أساساً مجال يسوده نفاذ الصبر. نادراً ما يتحلى الباحثون بالصبر إزاء الأسئلة التي تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب الكثير من التفكير والإنصات وليس فقط أن تفعل وتنجز. إنهم يريدون الإجابات فوراً. يريدون إجابات كل يوم.
وكشأن أية خاصية من خواص الذكورية أو الأنثوية، فإن الرعاية لها هي الأخرى جانبها المظلم. وتماماً مثلما نجد مقاربة الكفاءة الذكورية –التطرف الأحادية الجانب في إنجاز العمل ولا يهم كيف- تجرد الحياة من العذوبة، نجد المقاربة الأنثوية الأحادية الجانب لها مخاطرها:
تخنق الرعاية الزائدة الإبداع والابتكار، كشأن إفراط "الأمومة" في حماية الأطفال، الإسراف فيها يعوق سبيل العلم. وبسبب من ندرة الرعاية في العلم. فإن أولئك الذين يتحلون بها يمكن أن يثقل كاهلهم كثيراً بحث الطلاب عن الإرشاد الأكاديمي أو متاعب الزملاء الذين يحتاجون إلى من يبادلهم الحديث– وإلى درجة تعوق إنتاجية من يتحلى بالرعاية.

6.التعاون: أن نعمل في انسجام التعاون في الطبيعة
"لم يعد من الممكن أن يتسامح التكامل مع الأنانية"بكمينسترفولر

حينما عرض تشارلز داروين نظريته في التطور لأول مرة في جمعية لينين، افتتح ورقته بتصور للطبيعة كصراع وحشي بين القوى المتقابلة:"الطبيعة بأسرها في حالة حرب، الكائن الحي يحارب الآخر، أو يحارب الطبيعة الخارجية". وفي الملتقى نفسه، وصف ألفرد والاس A.R.Wallace شريكه في اكتشاف الانتخاب الطبيعي، النباتات والحيوانات بأنها منهمكة في "الصراع من أجل البقاء، الذي لا مندوحة أبداً عن أن يُفنى فيه الكائن الحي الأضعف والأقل اكتمالاً". ويقر داروين في كتابه (أصل الأنواع) بـ "الصراع الشامل من أجل الحياة... كل الكائنات العضوية تكشف عن منافسة ضارية".
على أية حال، تبزغ ثمة نظرة دنيوية تعاونية يمكن أن تستنهضنا لنرى ارتباطات جديدة، ويمكن أن تدفع العلماء إلى طرح تساؤلات مختلفة. هذه الفكرة تتجلى لدى روبرت أغروس وجورج ستانكيو في كتابهما "البيولوجيا وعلم الحفريات والفيزياء" يمكن أن تُرسم صورة للطبيعة ذاتها من حيث هي "تحالف تعاوني أحرى من أن تكون ساحة قنص قاسية وغير مبالية" تهب البقاء فقط لأصلح فرد. يشير أغروس وستانكيو إلى أن الطبيعة تتجنب المنافسة عن طريق تقسيم أماكن المعيشة إلى مواطن إيكولوجية. تتكيف الأنواع مع أنماط معينة من الغذاء أو أوقات للتقوت أو ظروف معيشية، بدلاً من التنافس على الغذاء عينه أو الحماية ذاتها. على سبيل المثال، ثمة ثلاثة أنواع من طائر الحباك الأصفر في أواسط أفريقيا تعيش معاًً بسلام جنباً إلى جنب. لا تتنافس على الطعام، إذ يتغذى أحدها على الحبوب السوداء الجافة، ويفضل النوع الثاني الحبوب الخضراء اللينة، والنوع الآخر يأكل الحشرات فقط.
تحديد النسل الاختياري إستراتيجية أخرى من إستراتيجيات الطبيعة للعيش معاً في سلام. يصفع هذا وجه النموذج الداروني، الذي يتمسك بأن النوع سوف يتكاثر بلا حدود ما لم يستوقفه افتراس أو جوع أو مرض أو تغير حاد في المناخ. على أية حال، تبين الدراسات الميدانية أن حيوانات كثيرة تحدد تكاثرها بوساطة أساليب داخلية غير ضارة، مثل التبويض بشكل أبطأ أو التوقف عن التبويض بالمرة، كما يحدث في حالة الفئران في ظروف التكاثر الشديد. وتعمل حيوانات من قبيل الإلكة والثور الأمريكي و الموظ و الأسود وحيتان العنبر العظيمة ذات الأسنان والفقمات القيثارية على تأجيل سن البلوغ الجنسي حين يحدث الانفجار في أعدادها. حيوانات أخرى كالخراتيت البيضاء تعتمد على العزوف عن الزواج حينما تضم القطعان أعداداً ضخمة من الأتباع البالغة التي لا تجد سبل المعيشة.
في الزراعة الحديثة، تعتبر الأعشاب الضارة منافسة لمحصول النبات وبالتالي يتم استئصالها بواسطة مبيدات الحشائش. ومؤخراً درس العلماء في جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز الممارسات التقليدية للمزارعين المكسيكيين الذين يعاودون تشذيب العشبة الضارة التي عادة ما تنبت بين صفوف الذرة، هذا بدلاً من اقتلاعها. وجد الباحثون أن جذور العشبة، المعروفة باسم الحسيكة المشعرة Bidens pilosa، تفرز مركبات مميتة للفطريات والخيطيات التي تدمر الذرة . فقط يقوم المزارعون بتشذيب العشبة بعد مرور خمسة عشر يوماً على بزوغ الذرة ثم كل ثلاثين يوماً بعد هذا. وبدلاً من أن تدخل العشبة في منافسة مع الذرة، تقوم بالسيطرة على الآفات من دون أن تسلب الذرة مواداً مغذية ذات اعتبار في التربة.
وكما يلاحظ عالم فيزيولوجيا النبات فريتز ونت: " F.Went أنه لا يوجد صراع ضار بين النباتات، ولا اقتتال متبادل كما في الحرب، بل ثمة تنام منسجم على أساس من التزامل المتبادل. إن مبدأ التعاون أقوى من مبدأ التنافس" وفضلاً عن هذا، لا تهدد الأعشاب الضارة بمزاحمة المحاصيل، وفقاً لما يقوله ونت، إلا حين تزرع المحاصيل في غير مواسمها أو في مناخ خاطئ. وحتى في البيئات الخشنة كالصحراء، أو مواطن المعيشة التي تكثر فيها النبات كالأحراش، وجد ونت تعايشاً سلمياً ولم يجد نوعاً يزاحم نوعاً آخر:"في الصحراء، حيث من المعتاد أن تكون الحاجة إلى المياه والتعطش إليها حملاً تنوء به كل النباتات، لا نجد منافسة عنيفة على البقاء، حيث يزاحم القوي الضعيف. بل على العكس، المنافع المتاحة –المكان والضوء والماء والغذاء- موزعة على الكل مثلما يتقاسمها الكل. وإذا لم تكن كافية لكي ينمو الكل طويلاً وعفياً، يبقى الكل أقصر في القامة. تختلف هذه الصورة الواقعية اختلافاً كبيراً عن الفكرة المحتفى بها طويلاً والقائلة إن سبيل الطبيعة هو المنافسة الضروس بين الأفراد".
• التعايش التكافلي، علم التعاون
أفضل مثال لدراسة التعاون الفعلي في الطبيعة هو التعايش التكافلي symbiosis، إنه أحد فروع البيولوجيا ويدرس الكائنات الحية غير المتماثلة التي تعيش معاً معيشة تعاونية –من قبيل الاقتران المركب من فطريات وطحالب خضراء نسميها الحزازات، أو البكتريا التي تعيش في أمعاء البقر وتساعد على هضم السليولوز. إن التعايش التكافلي، بمغزى ما، هو مدار البحث الأنثوي الفريد. ومن حيث هو علم العلاقة، يعطينا نموذجاً للاعتماد المتبادل على المستوى البيولوجي.
يبين عمل لين مارغولس كيف أن الأنثوية يمكن أن تبدل منظورنا وتؤدي إلى إثارة أسئلة عن الطبيعة جديدة بشكل جذري. وبدلاً من افتراض أن التنافس هو قانون الطبيعة، تستكشف مارغولس دور التعاون في التطور. وكتبت تقول:"إن علاقات التعايش التكافلي وفيرة، على الرغم من أنها غالباً ما تعالج في الأدبيات البيولوجية بوصفها غريبة؛ الكثير منها يؤثر على المنظومة الإيكولوجية بأسرها".
تقدم مارغولس دليلاً مُقنعاً على أن التنوع البيولوجي ينشأ عن تعاون الكائنات المجهرية بقدر ما ينشأ عن التنافس الداروني. ومنذ عشرين عاماً مضت صادرت على أن الخلايا النووية (كالخلايا في أجسادنا) تتطور عن أكثر من نوع من البكتريا ذلك أن الخلايا النووية مجتمعات بكتيرية تتطور معاً. بعبارة أخرى، واحدة من البكتريا تأكل الأخرى. لكن لا تهضمها، والآن تريد كلتاهما أن تبقى الأخرى. في البداية اعتبروا نظريتها في أصول الخلية "مستهجنة" و"فاضحة" ولا يمكن مناقشتها في ملتقيات علمية محترمة.
"المصدر الأساسي للجدة التطورية هو تدبر المتعايش المتكافل – ثم يقوم الانتخاب الطبيعي بتنقيح الأمر برمته. وليس الأمر البتة مجرد تراكم الطفرات".
معظم نظريات التطور تؤكد على الطفرة بوصفها المصدر الرئيسي للبيانات الوراثية. إلا أن التعايش التكافلي، في حجج مارغولس، يتفتق عن جدة بيولوجية وراثية أبعد كثيراًُ مما يفعله تراكم تصادف الطفرات، على الرغم من سيادة الاعتقاد بأن هذا الأخير أساس التغير التطوري. إن آليات الطفرة من قبيل تغيرات أزواج القواعد، والاقتضابات و التضاعفات و المناقلات، مأخوذة من منظور اختزالي. أما الآليات البديلة، مثل تزايد عدد فئات الكروموسومات، فمأخوذة من منظور تأليفي أكثر- ولكن جرى تجاهلها إلى حد كبير. ويبقى التعايش التكافلي مبهماً، فهو في حكم مجال فرعي من مجالات البيولوجيا لا يتمتع بالتمويل. فإما أن يتم تجاهله، وأما أن يقتصر على وضع تعريف له في الكتب الدراسية الكبرى للتطور.
وفضلاً عن التطبيقات العملية للتعايش التكافلي، يمكنه أن يكون سبيلاً للإنصات إلى الحوار الذي يشغل أو يعطل الجينات في عملية التنامي.
ليس التعاون في شكل التعايش التكافلي مجرد حدوث نادر لشيء شاذ في الطبيعة، بل هو قوة أساسية للبقاء والتكيف. يبين بحث التعايش التكافلي أن التنافس ليس هو القانون السائد في الطبيعة، على الرغم من أنه يلعب دوراً. والواقع، أن مجال التعايش التكافلي ذاته –وفقاً لديكشتاين- تعاوني بشكل خاص ربما لأن البحث ذاته يدور حول كائنات عضوية تعمل معاً.
• الحدس:طريق آخر للمعرفة
إن الحدس – أي البصيرة أو المعرفة المجتناة من دون تفكير عقلاني مثبت – يبدو غامضاً ولاعقلانياً،إذ ينكر بعض العلماء أن ثمة شيئاً من قبيل الحدس ،قائلين إنه مجرد عدد كبير من الخطوات العقلانية الصغيرة التي تحدث بصورة أسرع من أن نلاحظها . ويستنكر رجل المنطق ضبابية الحدس ويسميه تفكيرا ضبابياً.
تصف عالمة النفس فرنسيس فوغهان،في كتابها "إيقاظ الحدس"،أربعة مستويات للوعي الحدسي:
الفيزيقي والعقلي والعاطفي والروحي.
وبينما يتضمن العلم في بعض الأحيان المستويين الفيزيقي والعقلي كما يتمثلان في علماء من أمثال ألبرت آينشتاين ،فنادراً ما يُعنى العلم بالمستويين العاطفي والروحي .
أما الذي ُوسم على سبيل الازدراء بأنه "الحدس الأنثوي"فهو الحدس على المستوى العاطفي .
هذا المستوى من الحدس يمكن أن يساعد بحل مشاكل العلم وإعادة طرح حلول لها. إن الفتيات في ثقافتنا لا يُدربن على كبت المشاعر،لهذا تتعلم المرأة الاستدلال على المعنى من مجال الإشارات المتبادلة بين الأشخاص والذي غالباُ ما يتجاهله الرجال.
وتشير دراسات تتناول حساسية البشر للتواصل غير المنطوق، إلى أن النساء يملن إلى الاعتناء أكثر بالتلميحات البصرية من قبيل تعبير الوجه وإيماءة الجسد ونبرة الصوت والطريقة التي ينظر بها الناس إلى بعضهم البعض.
بيد أن الحدس كما تراه شيفرد أكثر من ملاحظة نافذة، إنه وعي كُلي يتضمن حساسية منبثة في كلا العالمين الداخلي والخارجي، ويعلو في بعض الأحيان على المدخلات الآتية عن طريق الحواس.
يشدد العلم الحديث على أهمية المعطيات التجريبية والواقع الموضوعي (الإحساس) من ناحية، وعلى المنهج النسقي اللاشخصي (التفكير) من الناحية الأخرى.وبالتالي جرى الحط من شأن الشعور والحدس إذ يسود الميل إلى تصورهما كأطروحة مناقضة لمفهوم العلم،و كسمات للتفكير مبهمة وفطرية وذاتية.
في وقت مبكر من القرن العشرين، كتب التجريبيون المناطقة عن العلم بوصفه نمطاَ فائقاً من المعرفة، لأنه قابل للتحقيق التجريبي باستخدام المنهج الاستقرائي، إلا أن بناء العلم هكذا يتجاهل الحدس أو الخيال أو تلقي أفكار مستجدة .
على أية حال، يلقى الحدس تقديراً من بعض العلماء من حيث أنه يمكن أن يكون أداة مرموقة. فقد أحس واحد من علماء المناعة أن حدسه كان أساس نجاحه لأنه يمنحه أفكاراً جيدة ، ويشد أزره لمواصلة بوادر يعرض عنها الآخرون، ويساعده لحل المشكلات سقيمة البنية يشيح عنها الآخرون .
بينما يُنكر بعض العلماء أنهم يستخدمون الحدس، فإنه ليس ملقياً في أعماق ظلال العلم المعتمة كشأن الشعور. إذ يعتمد علماء الرياضيات على البديهيات التي هي "مبرهنة بذاتها"أو "واضحة حدسياً"، في بعض ميادين العلم، كتلك التي تتناول الجوانب النظرية للفلك أو الجيولوجيا،والتي تجتذب ذوي الانماط الحدسية أكثر من سواهم.
إن قدراً كبيراً من الحدس ينبث في أعطاف العالِم الكفء، ثمة تفكير تحت الوعي.الرجال العقلانيون من رأسهم إلى أخمص قدميهم لايخرج منهم عالم كفء، كما تقدر شيفرد.
• الحدس من حيث هو نمط سيكولوجي
الإحساس والحدس ضربان للإدراك. يُشير الحدس إلى ضرب لإدراك الأشياء بوصفها احتمالات. بينما يدرك الإحساس الأشياء بما هي عليه،في انعزال،وبالتفصيل،نجد الحدس يدرك الأشياء بما يمكن أن تكون عليه وككل، كما يذهب الغشتلطيون . فالحدس يرفع الإدراك اللاواعي إلى مستوى المعادلات التفاضلية، عن طريق إدراك حساس ومرهف.
ومثلما ندرب عيوننا على رؤية الظلال الدقيقة للألوان، نستطيع كذلك أن ندرب حدسنا على تبيان وتأويل مختلف أنواع المثيرات.
يصف يونج الحدس كالآتي :
إنه الوظيفة التي تتوسط المدركات بطريقة لاواعية ... في الحدس يعرض المحتوى ذاته ككل ومكتملاً ، من دون أن نكون قادرين على تفسير ذلك المحتوى أو اكتشاف كيفية مجيئه إلى الوجود. إن الحدس نوع من التقدير الغريزي ، بغض النظر عما هو المحتوى .
إنه كالإحساس ، وظيفة لاعقلانية للإدراك، محتوياته لها خاصية أن تكون "مُعطاة" في مقابل خاصية محتويات التفكير والشعور التي تكون "مُستدلا عليها" أو "مستنتجة".
تمتلك المعرفة الحدسية يقيناً غريزياً وإقناعاً مما مكن سبينوزا (وبرغسون) من التمسك بالعلم الحدسي بوصفه أرقى أشكال المعرفة.الحدس يتقاسم هذه الصفة مع الإحساس، الذي يرتكن يقينه على أساس فيزيقي. أما الحدس فيرتكن يقينه بالمثل على حالة متعينة لـ"يقظة" النفس تكون الذات لا واعية بأصلها.
إن نمط الإحساس، في العلم هو النمط التجريبي المسترشد بالوقائع ويعنى بألا يتجاوز تقديره الاستقرائي إياها، وفي حده الأقصى، يمكن أن يصبح من يضطلع بالإحساس مربوطاً بالوقائع، يظل دائماً يجمع الوقائع فقط بدلاً من أن يغامر بتعميم يتجاوز حدود الوقائع .
وعلى العكس من هذا، نجد فضيلة أصحاب نمط الحدس في أنهم ينعمون النظر في الوقائع ثم يتجاوزونها بالفعل في تقديراتهم الاستقرائية، مستبصرين احتمالات المستقبل.إذ تقفز وظيفة الحدس إلى المقدمة لتتساءل ، "ما الذي سأفعله بهذا؟ إلى أين سأذهب الآن، ماذا يعني هذا؟" من يضطلع بالإحساس يدرك التفاصيل، بينما يبحث الحدسي عن النماذج.
من دون الحدس ، يَجمع الباحثون المعطيات بمنتهى الكفاءة من أجل ملء الفراغات أو المزيد من الدقة وصولاَ إلى كسر عشري أعلى، ولكن نادراً ما ينتجون أي شيء جديد.
سرعان ما يصوغ الحدس رؤى شاملة وكاسحة للمشاكل ويوّلد عدداً كبيراً من الفروض الشيقة. ولكن في الحد الأقصى، قد تكون الفروض خيالية وغير قائمة على معطيات إطلاقاًَ.
البعض يرون الحدس مناوئاً للعقل، أو كنوع من الدجل. الحدس –القطع- له جانبه المظلم، مثله مثل أية خاصية تتطرف حتى حدها الأقصى. ولاشيء يشل الحركة أكثر من أن يكون ثمة عدد لامتناه من الاحتمالات.
يثب بنا الحدس إلى قلب المستقبل، ويهبنا أفكاراً آسرة، بيد أنه لا يجعلنا نصيب الهدف بطريقة سحرية.
• استمالة الحدس
يختلف الحدس عن العمل الأكثر جدية أو التنظيم الأفضل، في أنه لا يمكن دفعه أو التحكم فيه بل لابد من استمالته. حين نفعل ذلك، يهبنا المزيد من الخيارات وبالتالي المزيد من الحرية. ولسوء الحظ نجد الضغوط السياسية والإدارية والاقتصادية للعلم الحديث تجعل من الصعب الترحيب بحالة العقل المسترخي المتخفف التي تعزز العملية الحدسية .
إن الحدس شانه شان سائر الخصائص المميزة للذكورية أو الأنثوية، هو إمكانية إنسانية يستطيع أي شخص أن يطورها . ربما دخل الحدس في ذات الهوية مع الأنثوية لأنه يتطلب من العقل حالة التلقي . وأولئك الذين درسوا العملية الحدسية لاحظوا أربعة أطوار للوصول إلى العملية الحدسية:

(1)ضرب التأهب أو "الإدخال" حيث يوجه الشخص سؤالاً إلى اللاوعي ويزوده بالمعلومات . هذه مرحلة من مراحل التفكير الواعي المكثف، والقراءة والبحث

(2)الاختمار أو ضرب "التشغيل" حيث تمور المعلومات المتراكمة في اللاوعي. توقفت كل المدخلات وحان وقت الاسترخاء؛ أحلام اليقظة أو التأمل أو النوم

(3) الإضاءة أو ضرب " المخرجات"حيث تنتج عملية غامضة حلا للمشكلة في ومضة، يبدو آتياً من حيث لا أين؟.

(4)ضرب التحقق، وهي المرحلة التي يتمايز فيها الخيالات عن الإلهام، ونفرق فيها بين الأوهام وبين الاستبصارات.

تميل ومضة الحدس إلى أن تبزغ خلال أوقات الاسترخاء – أثناء الاستحمام، أو أثناء الحلم أو حين السير في نزهة على الاقدام، أو حين يرنو البصر إلى النجوم عبر النافذة . إنها تفلت من سيطرة مقولات العقل الصارمة التي تنحو نحو الإنجاز. وكذلك نجد الصدمة والقلق والإجهاد تثبط من هذه العملية. إن العقل الحدسي يختنق في أجواء التوتر والقلق التي تخلقها الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالعلم العامة إذ تبدو بالغة الخطورة والإلحاح.
كما يخبرنا القول المأثور "ما في الأعيان هو ما في الأذهان "، ومن ثم نميل إلى الثقة في المعلومات التي نتلقاها عن طريق حواسنا أكثر من أن نثق فيما هو آت عن طريق الحدس . على أية حال، يمكن في واقع الأمر أن يخدعنا هذان الضربان من الإدراك كلاهما. لا الإحساس ولا الحدس وظيفة عقلية أو تقويمية. الإحساس يعطينا معلومات عن العالم . ويكشف الحدس عن إمكانيات ويزودنا ببصيرة تنفذ إلى طبائع الاشياء. لكن لا واحد منها يمكن أن يحل محل التقويم العقلي أو الاعتبار الأخلاقي للمعلومات التي نتلقاها . وتماماً كما أن التفكير والشعور وظيفتان من وظائف الإدراك تحتاجان إلى تغذية استرجاعية، يحتاج الإحساس والحدس بالمثل إلى تقويمها بواسطة الوظيفتين العقليتين للتفكير والشعور .
الحدس المجسد
يعطينا ألبرت آينشتاين مثالاً للعالم الحدسي:
كان من المعتاد أن ينسى مفاتيحه وقفازاته، وغالباً ما يفوته ارتداء سترة أو تمشيط شعره . في يوم من الأيام ، بينما كان يتنزه سيراً على الأقدام في الطرقات المحيطة بمنزله في برينستون ، نسى أين يقع مكان إقامته . كانت اكتشافات آينشتاين العظمى المبكرة قائمة جميعها على حدس فيزيقي مباشر . وفي عامه الستين وصل إلى الفكرة التي أحدثت ثورة في الفيزياء . قال،"إنها" بصريات الحركة <أتتني بفعل حدسي . جعلني جعلني أبواي أدرس الكمان منذ أن كنت في السادسة من عمري. ويأتي اكتشافي الجديد نتيجة للمدركات الموسيقية .
انفصل آينشتاين عن الوضعيين المنطقيين بفعل تعبيره المتواتر عن اعتماده على الحدس: ليس ثمة طريق منطقي يفضي إلى اكتشاف هذه القوانين الأولية . ثمة فقط طريق الحدس" "الحدس بارتكانه على الفهم المتعاطف ، هو فقط الذي يستطيع أن يفضي إلى <هذه القوانين .....> التوق إلى رؤية الانسجام <الكوني> منبع صبر ومثابرة لا ينفذان . بدلاً من معالجة موضوعات فيزيائية ، "أبصر" الرياضيات .
كتب يقول ؛ "لاتبدو الموضوعات التي تتعامل معها الهندسة من نمط مختلف عن نمط موضوعات الإدراك الحسي " التي يمكن رؤيتها أو لمسها",
وبينما كانت اكتشافات آينشتاين المبكرة جميعاً قائمة على الحدس، كانت نظرياته المتأخرة عن المجال الموحد، وفقأً لما يقوله فينمان ، مجرد من المعادلات من دون معنى فيزيائي.
وبينما يشدد المنطق والتحليل على إمكانية التنبؤ، نجد عملية الحدس اللاعقلانية لا يمكن التنبؤ بها. حين تكون ثمة مشكلة للحيرة ؛ ونناضل لإيجاد حل لها وتتكدس رؤوسنا بالمعلومات بفعل العمل في المختبر، يحدث أحيانا أن يومض الحدس بالحل . تماماً كما تنشأ النماذج عن الديناميكية اللاخطية في نظرية العماه ، يبدو الحدس ناشئاً بشكل غامض عن اللاوعي ليزودنا بمعلومات جديدة . في المنظومة اللا خطية ، لايمكن أن يفيدنا المنطق في التنبؤ . على أنه يهبنا الحدس مرونة وقدرة على الإستجابة التلقائية للتغير.
ينشأ الحدس تلقائياً عن الأمواه العميقة للاوعي ويطرح منبعاً للتجدد. بينما يتحدث الفنانون بحرية عن عملية الإبداع، يميل العلماء أكثر إلى وصف عملهم وكأنهم يكشفون ماهيته.
أجل يعرف بعض العلماء أن الاقتحامات العظمى حقاً تأتي عن طريق الحدس . وعلى الرغم من هذا نادراً ما يدرسون كيف يعمل الحدس. وليس يعني معظم العلماء بالحدس أكثر من أنه عملية ميكانيكية للمخ ، حيث أنك إذا وضعت في المخ معلومات كافية وحفزتها بما يكفي ، فسوف يتأتى توليفي جديد . أجل يصدق أن الاستبصارات تنشأ عن إعادة تنظيم المعلومات بطرق مختلفة ، بيد هذا يشكل الإبداع . القفزة الإبداعية تتجاوز المعلومات الكائنة وتضيف إليها شيئاَ ما مستجداً
• الحدس بوصفه حداً للعلم
الحدس لا يمكن التنبؤ به وهو فردي، ياتي إجمالاً ومضة ، لهذا لا يمكن لنا تحليله إلى الأجزاء المكونة له لكي نقوم بدراسته. وحتى الآن لانملك المفردات ولا القدرة لتبين عمل الحدس في الأنماط الأخرى من الظواهر النفسانية psychicمن قبيل الأحلام والتخاطر والمعرفة المسبقة والرؤى عن بعد.
لابد من إيجاد مناهج جديدة لمعالجة إقرارات بخبرات ذاتية ، وللتغلب على صعوبة تكرار الظواهر النفسانية ، وللتعامل مع الخبرة الفردية الفريدة .
على مدى ما يربو على عقد من الزمان دعمت حكومة الولايات المتحدة بحوث الفعالية النفسانية في المجالات العسكرية وغير العسكرية على السواء. وفي المعهد الذي عرف سابقاً باسم معهد ستانفورد للأبحاث، وأصبح الآن معهداً ضخماً لأبحاث التكنولوجيا المتقدمة، نفذ هذا المعهد برنامجاً تكلف بضعة ملايين من الدولارات واستكشف سبلاً لزيادة دقة ووثوق نمط من الإدراك يعرف باسم "الرؤية عن بعد"(القدرة على وصف مواقع أو أحداث او أشياء لايمكن إدراكها بالحواس العادية بسبب من بعدها).
في جلسة الرؤية عن بعد، يجلس "الرائي" في غرفة مريحة . وثمة شخص ثان,هو مرشد يقوم بالإرشاد عن طريق الإشارات اللاسلكية والضوئية، يستخدم مولداً إلكترونياً لرقم عشوائي من أجل اختيار مظروف يحوي موضعاً محدداً من ضمن ستين احتمالاًَ للمواقع المستهدفة . المرشد لا يفتح المظروف ريثما يستقل السيارة . ويقود السيارة إلى الموضع المحدد ، وفي وقت متفق عليه سلفاً يتفرس بإمعان الموضع لمدة خمسة عشرة دقيقة وفي غضون هذا ، يحكي الرائي لمن يجري المقابلة ، وهو الآخر لايعرف المرضع المستهدف، عن انطباعاته ومخطط تصوراته الذهنية . وفي خاتمة سلسلة من محاولات الرؤية عن بعد، يزور محكم مستقل المواقع ويتخير الموقع الذي يتناسب مع ذلك الوصف أكثر من سواه.وفي المحاولات التي أجريت في معهد الأبحاث المذكور، نجح ما يقرب من ثلثي أوصاف الرؤية عن بعد في أن تتناسب مع مايراه المحكم .
إن احتمال حدوث هذا بفعل المصادفة حوالي واحد في المائة ، لقد أصدرت مختبرات في أنحاء العالم تقارير إحصائية عن معطيات ذات مغزى لثلاث وعشرين سلسلة من الفحوص تدعم الرؤية عن بعد.
اشتملت المحاولات الناجحة على الرؤية من مسافات شاسعة ، من ديترويت إلى روما في إيطاليا ، وأجريت التجارب في غرف شتى مزودة بحماية كهربائية ، وعملت بعض المحاولات على حجب موجات الإشعاع ذات التردد المنخفض إلى الحد الأدنى ، وذلك عن طريق وضع الرائي عن غواصة تغطس تحت الماء .ولاشيء من هذه الظروف قلل الفعالية النفسانية ،وفي شكل مختلف من أشكال هذه التجربة ، يرسم الرائي تخطيط لشكل الموقع قبل الاختيار العشوائي للمظروف . وأيضاً أعطت الرؤية المتلقاة قبلاً نتائج إيجابية ،لقد استنتج الباحثون في معهد ستانفورد للأبحاث أن الرؤية عن بعد مهارة يمكن التدرب عليها ،كامنة في كل منا . لقد وجدوا أن حدوث غرائب الفعالية النفسانية أقرب إلى أن يكون مألوفاً ، على الرغم من أن تفهمنا له حتى الآن واهٍ و هزيل.
• الترابطية ورؤية الكل
تميل الأنثوية إلى رؤية كل جزء في سياقه، بوصفه جزءاً من صورة أوسع. ويمكن أن يهبنا حدسنا رؤية للكل.
مع "مبدأ الترابطية" تنبثق كل الخصائص الأنثوية عن مغزى للتواصل الداخلي. فالشعور والرعاية والتلقي والتعاون والحدس- جميعها قائمة على مغزى للاعتماد المتبادل ووعي حاد بالعلاقة مع الاخر ومع الكل. وعلى العكس من ذلك، اقتفى العلم خطى الطريق الذكوري، طريق المنطق والتحليل القائم على الفصل والتجزئة إلى أقسام. هذا الطريق ذو قوة عظمى ونجمت عنه معجزات التكنولوجيا الحديثة، ولكنه أدى إلى مشاكل من قبيل تلوث البيئة ويمكن لمبدأ الترابطية في الأنثوية أن يهب العلم منظوراً أكثر كلانية.
علم نقس يونج يركز على الكلية wholeness فيلست تنحصر مهمة على النفس في التكيف مع القواعد التي تخذها المجتمع، ولا في بلوغ حالة ثبوتية من الكمال.
وإذ يكون الهدف هو تحقيق كلية النفس، تتكون عملية التحليل عند يونج من فحص وقبول جوانب من نفوسنا كنا قد أنكرناها، واستعادة الاتصال والتدفق بين جوانب من حياتنا كنا قد جزأناها إلى أقسام محكمة الحدود. إن الكلية، باختلافها عن نزعة الكمال التي تنم عن تفكير رجعي ضيق، إنما هي تفاعل دينامي بين المتقابلات يشبه الخفقان بين الين واليانج في الطاوية.
وفي مقابل العلم الحديث، الذي يتناول الأشياء منعزلة ويحللها إلى ما لانهاية، جسدت هيلدجارد البنجية Hildegard of Bingen المقاربة الأنثوية. نظرت إلى التواصل الداخلي والاعتماد المتبادل بوصفهما صميم خامة الكون.
وبعد هذا بثمانمائة عام، يصف إدجار ميتشيل E.Mitchell شعوراً مماثلاُ بالتواصل في الكون. لقد وقف، كرائد فضاء في رحلة أبوللو، على سطح القمر وارتد ببصره إلى كوكبنا وقال:
في طريق العودة وجهت انتباهي للنظر إلى الأرض والكون
غير مبريء الذمه نقل الموضوع أو مضمونه بدون ذكر المصدر: منتديات الشامل لعلوم الفلك والتنجيم - من قسم: فلسفة العلوم الخفية


...
....
الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
بسم الله و الحمد لله و الصلاة على حبيب الله وآله أولياء الله


مندوب النجف الأشرف يكتب:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بارك الله فيك
ايها الفاضل المعطاء

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

صورة رمزية إفتراضية للعضو
زائر
°°°
افتراضي
شكرا اخى العزيز
على نقلك للموضوع
ويا ريت تكتب الرابط لتعم الفائدة

صورة رمزية إفتراضية للعضو momo
momo
عضو
°°°
افتراضي
بارك الله فيك
ايها الفاضل


مواقع النشر (المفضلة)
المعرفة العلمية في نموذجها الأنثوي "أنثوية المعرفة"

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
برنامج الحروف الشامل "نسخة محدثة" برمجة الحكيم
"""اللغة السريانية""""
عرض :"الخيميائي "O Alquimista"
زايرجة النسبة " للإخ نعمان" إهداء للشامل وأحبائه
"الطاير" "غسان" "مناضل" وكل ال

الساعة الآن 03:18 AM.