عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية غسان
غسان
المدير العام
°°°
افتراضي
المقدّمة‌ الثالثة‌ عشرة‌
أنّ متقدّمي‌ علماء النجوم‌، أعرضوا عن‌ تخريج‌ ضابطة‌ كلّيّة‌ لرؤية‌ الهلال‌ في‌ جميع‌ الشهور؛ وذلك‌ لتعذّر تعيين‌ ضابطة‌ كلّيّة‌ للاهلّة‌، من‌ حيث‌ البعد السوي‌ والبعد المعدّل‌ والارتفاع‌ وانحرافه‌ عن‌ مغيب‌ الشمس‌ ومكثه‌ فوق‌ الاُفق‌، وسائر الجهات‌ الفلكيّة‌ التي‌ لايمكن‌ إدراج‌ جميعها تحت‌ قاعدة‌ كلّيّة‌ أبداً.

وأمّا متأخّروهم‌ فقد أتعبوا أنفسهم‌ في‌ تخريج‌ هذه‌ الضابطة‌، لكن‌ لم‌ يأتوا بشي‌ء في‌ المقام‌؛ وكلّ ما أوردوه‌ ناقص‌ مراعيً فيه‌ بعض‌ الجهات‌ دون‌ بعض‌.

وقد أتعب‌ نفسَه‌ المحقّق‌ الطوسيّ كثيراً علي‌ ما في‌ «زيج‌ إيلخانيّ» وغيره‌ من‌ الكتب‌؛ وذكر نتيجة‌ حساباته‌ من‌ لحاظ‌ البعد بين‌ تقويمَي‌ النيّرين‌ وبين‌ مغربَيهما المعبّر عنهما بالبعد السوي‌ والبعد المعدّل‌، وذهب‌ إلي‌ أنّ البعد المعدّل‌ إذا كان‌ عشر درجات‌ فالهلال‌ قابل‌ للرؤية‌ علي‌ أيّ نحو كان‌.

فبني‌ علي‌ أنّ الهلال‌ في‌ كلّ ناحية‌ يكون‌ قابلاً للرؤية‌، يبقي‌ في‌ السماء أربعين‌ دقيقةً؛ لما مرّ عليك‌ من‌ ضرب‌ عشر درجات‌ في‌ أربع‌ دقائق‌.

ولم‌ يكن‌ في‌ علماء الاءسلام‌ فلكيّ خبير مثل‌ هذا المحقّق‌ مجدّاً في‌ تعيين‌ هذه‌ القاعدة‌ الشاملة‌؛ ولذلك‌ تري‌ أنّ أصحاب‌ التقاويم‌ المستخرجة‌ من‌ بعده‌، ذهبوا إلي‌ هذا المرام‌ ولم‌ يتعدّوا عنه‌ وبنوا علي‌ أنّ أقلّ درجة‌ البعد المعدّل‌ لابدّ وأن‌ يكون‌ عشر درجات‌ حتّي‌ يصير الهلال‌ قابلاً للرؤية‌.

ولكنّه‌ مع‌ هذا التعب‌ لم‌ يأت‌ بحساب‌ صحيح‌ دقيق‌، بل‌ هو عين‌ التقريب‌؛ لانّه‌
أوّلاً:
أدخل‌ تحت‌ حساباته‌ البعد السوي‌ الواقعيّ والبعد المعدّل‌ الواقعيّ؛ وهذا غير مجدٍ، بل‌ لابدّ من‌ حساب‌ البعد السوي‌ المرئيّ والبعد المعدّل‌ المرئيّ، لانّه‌ باختلاف‌ المناظر يختلف‌ البعدان‌؛ والمرئيّ منهما يختلف‌ باختلاف‌ النواحي‌ والبلاد وباختلاف‌ الشهور ولا يكون‌ تحت‌ ضابط‌.

و ثانياً: أنّه‌ ذهب‌ إلي‌ أنّ أقل‌ البعد المعدّل‌ عشر درجات‌، مع‌ أنّه‌ إذا اجتمع‌ سائر الشرائط‌ بنحو أعلي‌ من‌ كثرة‌ البعد السوي‌ والارتفاع‌ ربّما يمكن‌الرؤية‌ مع‌ تسع‌ درجات‌ بالنسبة‌ إلي‌ البعد المعدّل‌.[46] هذا مع‌ أنّه‌ ادّعي‌ فلكيّ خبير جدّاً، أنّه‌ رصد الهلال‌ أوّل‌ الغروب‌ من‌ دخول‌ شهر من‌ الشهور، فوجد البعد المعدّل‌ ثماني‌ درجات‌.

فإذاً تعيين‌ الضابطة‌ الكلّيّة‌ الحقيقيّة‌ لرؤية‌ الهلال‌ عند المنجّمين‌، من‌ الاُمور المستحيلة‌؛ نعم‌ لابأس‌ بما ذكروه‌ علي‌ سبيل‌ التقريب‌.

المقدّمة‌ الرابعة‌ عشرة‌
العرب‌ قبل‌ الاءسلام‌ كانوا يعرفون‌ الصور الفلكيّة‌ ومنازل‌ القمر؛ والمنازلُ الثمانية‌ والعشرون‌ للقمر كانت‌ من‌ مخترعاتهم‌. وأيضاً كانوا خبيرين‌ بحساب‌ الانواء التي‌ هي‌ التغييرات‌ الجوّيّة‌، ومواضع‌ الطلوع‌ والغروب‌.

وكانوا يستدلّون‌ من‌ أوقات‌ الطلوع‌ وسقوط‌ المنازل‌، علي‌ اختلاف‌ الاهوية‌؛ وكانوا واقفين‌ بهذه‌ الاُمور إلي‌ حدّ لم‌ يكن‌ يُعرف‌ مثله‌ لسائر الاقوام‌، بحيث‌ تعرف‌ هذه‌ المواضع‌ من‌ علم‌ النجوم‌ من‌ خصائصهم‌ في‌ زمان‌ الجاهليّة‌.

العرب‌ كانوا يميّزون‌الكواكب السيّارات‌من‌ الثوابت؛ نري‌ اسم‌ الزهرة‌ وعُطارِد في‌ أشعارهم‌ في‌ الجاهليّة‌، وأيضاً نري‌ في‌ مسطوراتهم‌ اسم‌ زُحَل‌ والمشتري‌ والمرّيخ‌ قبل‌ نقل‌ العلوم‌ من‌ يونان‌؛ ففي‌ أشعار كميت‌ المتولّد في‌ سنة‌ 60 من‌ الهجرة‌ والمتوفّي‌ في‌ سنة‌ 126، نري‌ اسم‌ زحل‌ والمرّيخ‌.

يقولون‌: إنّ عرب‌ الجاهليّة‌ من‌ بني‌ تميم‌ كانوا يعبدون‌ عطارد.

ويستفاد من‌ مسطورات‌ المولّفين‌ السُّريانيّين‌ واليونانيّين‌ في‌ القرن‌ الخامس‌ والسادس‌ الميلاديَّين‌، أنّ العرب‌ المجاورين‌ للشام‌ والعراق‌ كانوا يعبدون‌ كوكب‌ الزهرة‌ في‌ زمان‌ ظهوره‌ الصباحيّ.

و هذا الذي‌ ذكرنا مختصر ممّا ذكر من‌ اختصاصاتهم‌ بالنجوم‌ وتبحّرهم‌ في‌ الانواء؛ والتفصيل‌ في‌ كتب‌ عبد الرحمن‌ الصوفيّ و«المجسطيّ» للبطلميوس‌ و«أنواء» أبي‌حنيفة‌ الدِّينَوَريّ و«روضة‌ المنجّمين‌» للحكيم‌ شَهْمَرْدان‌ الرازيّ من‌ كتب‌ القدماء، وكتاب‌ «علم‌ الفلك‌، تاريخه‌ عند العرب‌ في‌ القرون‌ الوسطي‌» للمستشرق‌ الاءيطاليّ: نَلّينو.
والمستشرقُ الفرنسيّ سِدِيّو الذي‌ تَرجم‌ باللغة‌ الفرنسيّة‌ مقدّمةَ كتاب‌ «زيج‌» أُلُغ‌ بيك‌ بن‌ شاهرخ‌ بن‌ أمير تيمور، ذكر في‌ مقدّمة‌ كتابه‌ هذا ما يفيد تضلّع‌ العرب‌ في‌ النجوم‌ والانواء.

المقدّمة‌ الخامسة‌ عشرة‌
السنوات‌ القمريّة‌ وشهورها لم‌تكن‌ من‌ مختصّات‌ الاءسلام‌ ومخترعاته‌، بل‌ غالب‌ الاقوام‌ القديمة‌ كانوا يتّخذون‌ السنوات‌ القمريّة‌ وشهورها في‌ أُمورهم‌.

أهل‌ الصين‌ الذين‌ كانوا متقدّمين‌ في‌ علم‌ النجوم‌ علي‌ سائر الاقوام‌، وذلك‌ قبل‌ ألفي‌ سنة‌ من‌ ميلاد المسيح‌، وكانوا يستخرجون‌ تقاويم‌ الكواكب‌ ويحسبون‌ الكسوفات‌ والخسوفات‌، وكانوا يعيّنون‌ عبور ثمانية‌ وعشرين‌ كوكباً من‌ دائرة‌ نصف‌ النهار، ويعيّنون‌ دورة‌ حركة‌ الشمس‌ علي‌ مقدار 365 يوماً وربع‌ يوم‌؛ كانوا يتّخذون‌ في‌ أُمورهم‌ ومحاوراتهم‌ وتواريخهم‌ السنين‌ القمريّة‌ وشهورها.

مِتُن‌: المنجّم‌ المعروف‌ اليونانيّ الذي‌ كانت‌ حياته‌ قبل‌ خمسة‌ قرون‌ من‌ ميلاد المسيح‌، اكتشف‌ أنّ تسع‌ عشرة‌ سنةً شمسيّةً تشمل‌ مائتين‌ وخمساً وثلاثين‌ رؤيةً للهلال‌، وبَعد هذه‌ المدّة‌ أهلّة‌ القمر تعود علي‌ ترتيبها الاوّل‌ وموضعَي‌ الشمس‌ والقمر يعودان‌ علي‌ كيفيّتهما الاُولي‌ بالنسبة‌ إلي‌ الارض‌.

و إنّ هذه‌ المدّة‌ سمّيت‌ عند اليونانيّين‌ بالدورة‌ الذهبيّة‌.

وعرب‌ الجاهليّة‌ بأجمعهم‌ كانوا يتّخذون‌ الشهور القمريّة‌ في‌ مواقيتهم‌. وعند هذه‌ الطوائف‌ جميعاً كان‌ مبدأ الشهر القمريّ، رؤية‌ الهلال‌ بعد خروجه‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌. ولم‌ يُنسب‌ إليهم‌ العلم‌ بمعرفة‌ السنة‌ الشمسيّة‌ وشهورها.