عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وابتدأ نوح بعمل السفينة، أقام في قطع خشبها من الساج وفي عملها ثلاث
سنين، ثم صنع المسامير وأعد كل ما يحتاج إليه ونصبها في رجب، وأمر أن
يجعل طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ذراعا، وعمقها سبعين ذراعا.
ويقال إنه لم يدر كيف يعملها فأتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن يعملها
على صورة الدجاجة وكانوا يهزؤن منه وهو يصنعها فيضحكون منه، ويرمونه
بالحجارة وجعل بابها في جنبها، فأقامت بعد أن فرغ منها في البر سبعة أشهر
إلى أن أخذ من أصحاب نوح الذين كانوا معه ثلاثة رجال فذبحوا الأصنام
تقربا ليندفع عنهم القحط فيما زعموا، فحق عليهم العذاب. وأمر نوح عليه
السلام أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من جميع الحيوان، وكانت الطبقة
السفلى للدواب والانعام والوحوش، والثانية للطعام والشراب، والثالثة لهم
وكانوا ثمانين نفسا نوح وبنوه عليه السلام سام وحام ويافث، وأهله وناسه،
وحملت الملائكة تابوت آدم عليه السلام من خشب فيه جسده، وكان معهم في
.( السفينة، وكان التابوت بتهامة، وكان معه في السفينة ( ١
وركب معه المؤمنون من ولد أبيه وجده إدريس عليه السلام، فلما نزلوا
من السفينة بنوا قرية وسموها سوق ثمانين، فهي اليوم تعرف بذلك هناك.
ويقال أنه لما اتصل الخبر بدرمشيل، أن نوحا قد ركب السفينة وحمل
زاده قال وأين الماء الذي يحملهم؟ فركب في عدة من أصحابه وسار إلى
السفينة، وقد أجمع ( ٢) على إحراقها، فنادى نوحا عليه السلام فاستجاب له،
فقال وأين الماء الذي يحمل سفينتك؟ قال هو يأتيك في مقامك هذا، فقال
وهذا أعجب، إنك تقول إنه يكون في أرض يبس ماء غمر يحمل مثل هذه
السفينة، انزل منها أنت ومن معك وإلا أحرقتكم أجمعين، فقال له نوح عليه
.
--------------------
١) هكذا وقع التكرار بالمعني في الأصول. )
٢) في ب: جمع، والأصح ما ذكرناه )
(٨٣)
السلام ما أكثر اغترارك بالله عز وجل، فعجل الايمان، واخلع أنداد الله
تعالى تسلم وترشد، وإلا فالعذاب بين يديك.
فهو في محاورته إذ أتاه من أخبره أن امرأة كانت تخبز في تنور لها، فنبع
الماء منه، فقال وما عسى أن يكون من ماء نبع من تنور
فقال له نوح عليه السلام ويحك إنه علامة السخط، وكذلك أوحى إلي
ربي وآية ذلك أن الأرض تتخلخل من جميعها فأزل فرسك من موضعه، فان
الماء ينبع من تحت قوائمه، فأزال الملك فرسه من موضعه، فإذا الماء ينبع من
تحت قوائمه، فسار إلى موضع آخر فكان كذلك، وعادت رسله تخبره أن
الماء كثر وفار، فرجع إلى داره ليأخذ أهله وولده ويمضي إلى المعاقل التي
كان عملها لنفسه
وقيل إن علم الطوفان كان عندهم إلا أنه لم يأت وقته. لما أراد الله تعالى
وكان قد جعل في تلك المعاقل طعاما، فأراد الصعود إلى الجبال، فإذا الصخور
تنحط على رؤوسهم من أعلى الجبل، وانفتحت أبواب السماء بما لا يعلم قدره
إلا الله تعالى من الماء، فساروا لا يدرون أين يتوجهون ويقال انه كان الماء
حارا منتنا
ويقال إن يام بن نوح ممن سار إلى السفينة مع الدرمشيل، فناداه أبوه
(يا بني اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني
من الماء) مع الملك وأصحابه (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)
وقد كان رأى التنور يفور
وقيل إن السفينة أقامت في الماء خمسين ومائة يوم، وقال قوم من أهل
الأثر إنها أقامت أحد عشر شهرا، وقال آخرون كان الطوفان في رجب
ووقفت على الجودي في المحرم
وفي التوراة أن الله تعالى آلى على نفسه أن لا يعذب أمة بعدها بالغرق
(٨٤)
وكان بين مهبط آدم عليه السلام وبين الطوفان وفور الماء أربعون يوما، فأمر
نوح أن تفتح أبواب السفينة، ثم أرسل الغراب لينظر له فمضى ولم يعد إليه،
فدعا عليه أن يكون مباعدا، وأن يكون رزقه في الخوف. ثم ارسل الحمامة
فرجعت وقد انصبغت رجلاها بالطين، فدعا لها أن تكون إلفا لبني آدم
ومنقارها ورجلاها مصبوغة من يومئذ، ولم تكن كذلك قبل ثم أرسلها بعد
أيام فرجعت وفي مناقرها ورقة خضراء من الزيتون، وقيل كانت من عشب
الأرض.
وفي التوراة أن الأرض جفت في سبعة وعشرين من الشهر الحادي عشر،
ولما تغيب الماء ووقفت السفينة على الجودي أوحى الله تعالى إلى نوح عليه
السلام أن يخرج من السفينة هو ومن معه، فأخرج البهائم والهوام.
وقالوا هم الأسد أن يعبث في السفينة فصاح به نوح عليه السلام، فألقى
الله الحمى في جسده، وأن النجو آذاهم فلطم الفيل فعطس خنزيرا، فالتقط
ذلك النجو [فهو] يعيش منه، وأن الفأر آذاهم فلطم الأسد فعطس هرا.
ونزل نوح عليه السلام من السفينة وبنوه سام وحام ويافث ويحطون،
وهو الذي ولد له في السفينة، ولما خرجوا ليستقروا على الأرض بنوا قربة
سموها سوق ثمانين فسكنوها، فقال لهم الله أكثروا واملأوا الأرض واعمروها
فقد باركت فيكم، ورفعت اللعنة عن الأرض، وآذنت بركاتها وأخرج ثمرها
وكلوا مما رزقناكم حلالا طيبا، واجتنبوا الأوثان والميتة والدم ولحم الخنزير
وما ذبح لغير الله، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.
ووجه نوح التابوت الذي فيه جسد آدم عليهما السلام إلى غار الكنز بمكة
فدفن فيه.
ولما كثر ولد نوح عليه السلام قسم الأرض بينهم، فدب إبليس إليهم ليرمي
بينهم العداوة والبغضاء فقال لبني حام ويافث إن أباكم أعطى ساما وولده خير
(٨٥)
الأرض ومنعكم منها وأعلاهم عليكم، ولم يزل بذلك فيهم حتى قتل بعضهم بعضا.
فالآن نبدأ بذكر بني نوح عليه السلام وأنسابهم وتفرقهم في البلدان،
وما ولد كل واحد منهم من الأمم، فنبدأ بذكر حام، وبعده بذكر يافث،
وبعده بذكر يحطون، وبعده بذكر سام، متصلا بالعرب والأنبياء صلوات
الله عليهم أجمعين.
حام بن نوح عليه السلام
يقول أهل الأثر إن نوحا عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده،
وأن يكون ولده عبيدا لولد سام.
فولد له بعد كنعان كوش، فكان أسود، فهم أن يقتل امرأته فمنعه
سام، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب، ونزع الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم
على بعض، وكان آخر أمر حام أن هرب إلى مصر، وتفرق بنوه، ومضى
على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الأقصى، إلى موضع يعرف
اليوم بأصيلا، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الأندلس إلى
ناحية القبلة، وليس بعده للمراكب مذهب.
فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه، وندموا على تركه، فخرجوا على أثره
يطلبونه في النواحي التي قصدها، فيقال ان منهم طوائف وقعت عليه، فكانوا
معه إلى أن مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان، فكل
طائفة من ولده بلغت موضعا في طلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع
وتناسلوا فيه، ولم يصل إليه إلا بنوه فقط.
ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر، وكان
عمر حام أربعمائة سنة واحدى وأربعين سنة.
(٨٦)
ولما مات دفنه ( ١) بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.
ذكر كنعان بن حام
هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام، وألقى
العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال
فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء
العمالقة، لان العمالقة هم من ولد حام، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى
عليه السلام، ويوشع بن النون ( ٢) من بعده، وهم الذين عنى الله عز وجل
بقوله (ان فيها قوما جبارين) وكانت خلقهم عظيمة.
وفيما يقال ان كنعان الأصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده
فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس، ومن ولده نبيط، والنبيط هو السواد وقيل
سموا بذلك لأنهم استنبطوا الأرض وعمروها وكانوا أصحاب عمارة وتدبير.
ومن ولد سودان بن كنعان أمم منهم الاشبان والزنج وأجناس كثيرة
تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنسا، وهم مختلفون في أفعالهم، ولهم ملوك.
ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة، ومنهم من يتزر بالحشيش، ومنهم
قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب، وعندهم فأر ابيض يأكلونه
ويسمونه من السماء.
ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن، فان
جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.
وربما أجدبوا، فإذا أرادوا ان يستسقوا جمعوا عظاما فكوموها كالتل،
--------------------
١) في ب: دفنوه، وفي جائزة عربية على لغة ضعيفة. )
٢) المعروف في كتب التاريخ أنه يوشع بن نون. )
(٨٧)
ثم أضرموها بالنار، وداروا حولها ورفعوا أيديهم إلى السماء، وتكلموا بكلام
فينزل المطر ويسقوا.
فإذا أعرس أحدهم لطخوا وجهه بشئ يشبه الحبر، ثم أجلسوه على تل،
وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة، وستروها
بشئ من الحشيش، وأقاموا حولها ثلاثة أيام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون،
ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسير بها إلى موضع سكناه.
ويلبسون حلق النحاس في أيديهم وآذان نسائهم، ويحمل إليهم الكرداونية
التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.
ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها، ويلعبون
حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس
والودع في شعرها.
ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة، التي هي أعظم ممالك
السودان وأجلها قدرا، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة،
وتنسب إلى الكركر ممالك كثيرة.
ومملكة عانة وملكها أيضا عظيم الشأن، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها
منهم أمم عظيمة، ولهم خط لا يجاوزه من صدر إليهم فإذا وصلوا إلى ذلك
الخط جعلوا الأمتعة والأكسية علية وانصرفوا، فيأتون أولئك السودان،
ومعهم الذهب فيتركونه عند الأمتعة وينصرفون، ويأتي أصحاب الأمتعة فإن
أرضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود السودان، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما
يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من أهله سواء [بسواء]، وربما رجع التجار
بعد زوالهم ( ١) مختفين فوضعوا النيران في الأرض، فيسيل الذهب فتسرقه
التجار. ثم يهربون لان الأرض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر، وربما فطنوا
--------------------
١) في هامش ب: رواحهم، وفوقها إشارة إلى انها نسخة أخرى. )
(٨٨)
لهم فيخرجون في آثارهم، فإن أدركوهم قتلوهم.
وفي صحاريهم معادن الأشبار سسم ويكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر
في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة، وهي
مدينة كبيرة فيها أربعة ( ١) جوامع وشارع يسار منه نصف يوم، وفيها نخيل
كثير وفيها يضربون الدنانير.
وتحت يد ملك عانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الأرض
يستخرجه أهله، ويعملونه مثل اللبن.
ومن الأجناس المشهورة ( ٢) منهم ملك الدهدم يسار إليها من كركر على
شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضا، ويأكلون الناس، ولهم
ملك كبير تحت يده ملوك، وفي بلدة قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون
لها ويحجون إليها.
ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة.
ومملكة توان وهي كبيرة، ويسار فيها يوما واحدا ( ٣) فيوجد فيها
مومياء ( ٤) في أبيار غير أنها تتحرك مثل الزئبق، وهذه الآبار ( ٥) في بقعة
واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنا وهم يستعملون المومياء.
ويقال البقعة بمغرا من الصحراء، وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط
ابن مصر بن حام لأنهم لما صار جدهم إلى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه
فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر، وهو من أولاد قبطم بن مصر.
ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش، فخرج نوب بن قوط
بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.
--------------------
١) في ب: أربع جوامع. )
٢) في ب: المشهور. )
٣) في ب: يوم واحد. )
٤) في ب: موميا. )
٥) ب: البيار. )
(٨٩)
ويقال لمدينتهم العظمى دنقله، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها
شهران، وهم نصارى على دين اليعقوبية.
ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد، وهم أوسع ملكا وأعظم
خطرا وأصفى لونا، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال
لها دخلولة وهم أيضا نصارى وملكهم جليل، ولهم لباس وأساورة والذهب
وأيضا عندهم يظهر على الأرض، ولهم أيضا نخل وكرم وهم أجناس كثيرة
ولهم ملوك وبلدهم واسع.
مملكة البجة: وهي تلي النوبة وهي أيضا ممالك عديدة، وهم بين النيل
والبحر وفي كل مملكة ملك، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر
عمل المسلمين، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن، ووراء ذلك
ممالك ومدن.
وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام، وأكبر ممالكهم
مملكة النجاشي وهو على دين النصرانية، واسم مدينتهم الكبرى كفر،
ولم تزل العرب على قديم الأيام تأتي هذه المملكة للتجارات.
وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج، وهم على البحر المالح، ولهم ممالك
واسعة، وهم من ولد سودان بن كنعان، ولهم أيضا ملوك عدة وممالك،
واسم ملكهم الأكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد، وهو على البحر،
يحدون أسنانهم حتى ترق، وهم كبار الأفواه نظاف الثغور على كثرة
أكلهم السمك.
ولهم أفيلة يبيعون أنيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم، ولهم الجزائر
التي يخرج منها الودع ويتحلون به، ويبيعونه، وهم أجناس كثيرة،
ولهم ممالك.
(٩٠