عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو adel67
adel67
عضو
°°°
افتراضي
أستاذنا العزيز بيضون إضافاتك دائما مفيدة، بارك الله فيك.

أظن أننا يجب علينا أن نفرِّق بين نمطين من اللغة عند الصوفي و الروحاني، فطبعا قد نبغوا في اللغة التصويرية الرمزية، و هذا ما تُسمِّيه فنًّا، و هذه لغة فيها أنسنة للظواهر الطبيعية، و هي في أغلب الأحيان لا تعبر إلا عن الظاهرة النفسية الروحية و الروحانية لصاحبها، فلا نُخضعها لمعيار العلم التقني أبدا، إنما هي من اختصاص النقد الأدبي و الفلسفي و اللذان يؤكدان جمالية الأسلوب و عُمقَ الفكرة عند هؤلاء و التي تترجم تجربة إنسانية فريدة من نوعها.

لكن هؤلاء لهم لغة أخرى علمية موضوعية لا حظ للنفس فيها و غير تأويلية، لغةٌ وصفت الكون و ما يوجد في الكون من ما لا تراه الأعين.

طيب لنأخذ مثالا بسيطا، ألم يصف الروحاني ملوك الجن، ألم يقل أن الجن الفلاني يخرج عليك كذا و على صورة كذا، و اليوم يُؤكد الروحانيون أن ذلك الجني يخرج عليهم بتلك الصفة و الصورة التي ذكرها السلف الصالح من الروحانيين. فكشف السلف يُؤكده كشف الخلف، فكيف يكون كشف الإثنين غير منضبط، و لو كان للنفس من حظ في ذلك لرأى السلف الجني على غير الصورة التي رآه فيها الخلف نظرا لاختلاف نفسيتهما، فلكل منهما مصادر عصره التي ساهمت في تشكل نفسيته. اللهم إن أثبتنا أن السلف مكاشفاتهم غير دقيقة رغم تواترها و تعدد أصحابها، و أن الخلف تأثروا بما خلفه السلف من كتابات إنطبعت في خيالهم فلم يروا بعقولهم الباطنية إلا ما قرأوه مما سطره السلف.

هذا مثال بسيط، لكنه مهم و نعمم فلسفته على المشاهدة الكونية، فهل الأرواح التي وصفها الخلف هي كما وصفوها أم شُبِّهَ لهم؟

فنؤكد مرة أخرى أنهم لهم لغة أدبية تصويرية رمزية فنية، لكن بالموازاة مع ذلك لهم لغة علمية وصفوا بها الكون وصفا موضوعيا أخطئوا فيه.

مع كل هذا نتسائل سؤالا آخر، الصوفي و الروحاني العربي لهم عقل و لهم روح و ذهبوا بروحانيتهم إلى أبعد الحدود، فكيف لم يصلوا بهما إلى ما وصل إليه العقل الغربي المجرد من كل روحانية، العقل الغربي وصل إلى حقيقة الكون و لا يزال يعرج في الكون و يكتشف حقائقه، وصل إلى ذلك من غير بخور و لا خلوة و لا رياضة و لا صُداع رأس...ما فائدة الروحانيات إذن؟ هل فوائدها شخصية ليس إلا؟ هل نضرب بعرض الحائط كل ما صدر عن الروحانيين من معارف كونية و علمية بدعوى أنهم لم يقصدوا بها إلا التصوير الرمزي؟ هل نتجه إلى ما قد نسميه علمانية الروحانيات، نتقبلها كتجربة إنسانية أدبية و نُقصي ما يرد عنها من معارف و علوم؟

نذكِّر أن الكشف لا يعتدُّ به في الإستدلال أمام الأقضية، فمن حكمة هذا الدّين أن جعل الأدلة مادية لا روحانية، فحتى لو كان القاضي مكاشَفاً و كوشف بأنَّ المتهم سرق فعلا، لا يُعتدُّ بكشفه أبدا، و طبعا كما يقول الأستاذ بيضون الكشف (الوحي) كشف رسول الله، و غيره يُخطئ و يصيب، و لا نزال في حيرة، كيف يُخطئون في الأجسام الكثيفة (الكواكب)، و ينجحون في كشف ما هو لطيف !!

....