المشاركات الجديدة
مقالات في الروحانيات للمعتقدات الاخرى : شرح المواضيع و تبادل الآراء والخبرات بين المشاركين والمتابعين

الفرق الدينية اليهودية

صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
تساديك حسيدي من أهم شخصيات الجيل الثالث من القيادات الحسيدية، تَعرَّف إلى بعل شيم طوف وتتلمذ على يد دوف بير وأصبح من أهم تلاميذه، عمل حاخاماً بعض الوقت ثم أصبح بعد ذلك تساديك، وقد أخذ موقفاً متشدداً للغاية من المتنجديم، ولكنهم طاردوه من مكان لآخر فاضطر إلى أن يترك وظيفته كحاخام في زيلخوف ثم في منسك.
وفكر ليفي فكر حلولي متطرف يدور داخل نطاق الدائرة الحلولية المغلقة الثلاثية (الإله - الشعب - الأرض) في مرحلة وحدة الوجود. فالإله داخل هذا الإطار جزء لا يتجزأ من الشعب اليهودي، منفي معه ويتجول معه. والعالم بأسره (الأرض والسماء) لم يخلقه الإله إلا من أجل هذا الشعب اليهودي.بل إن الإله يأخذ في الشحوب وتحل محله إرادة الإنسان (اليهودي)، وخصوصاً التساديك، فهو القناة الموصلة بين الإله والشعب ومركز الكون.
وداخل هذا الإطار، اشتهر ليفي إسحق بأنه من أكثر المدافعين عن الشعب اليهودي ضد الإله. فقد ورد عنه أنه قال: "اسمع يا إلهنا، إن أصدرت يوماً ما قراراً قاسياً ضد اليهود، فنحن القادة التساديك لن ننفذ أوامرك!". وفي مرة أخرى، قال موجهاً كلامه للإله: "إن الشعب يصلي لك ويخدمك وأنت تجرؤ على أن تشكو من جماعة يسرائيل". ومن أشهر القصص عنه أنه استدعى الإله مرة في محكمة دينية ليفسر هذا العذاب الذي يُلحقه بشعبه المختار ولماذا يطلب من شعبه الكثير دائماً.
وليفي إسحق دفع الأطروحات الحلولية إلى نهايتها المنطقية (الكوميدية) وهي تحوُّل التساديك إلى ما يشبه الإله، وهو ما يبين الجذور الشبتانية والفرانكية للحسيدية.
عذراء لادومير (1815-1905(
Virgin of Ludomir
«عذراء لادومير» هي فتاة تُدعَى حنه بربر ماخر. كانت على إلمام كامل بالتراث التلمودي، كثيرة الصلاة، فانتشرت عنها الشائعات بأنها شخصية مقدَّسة، وأنها تساديك. وكانت مخطوبة لرجل تحبه، ولكنها بعد وفاة أمها، ألم بها المرض وقيل إن روحها صعدت إلى السماء، حيث تلقت روحاً جديدة أكثر سمواً. وبعد ذلك فسخت خطبتها، وبدأت تعيش حياة الرجال وتقيم الشعائر التي لا يُسمَح إلا للذكور بإقامتها، ومنها ارتداء شال الصلاة وتمائمها. وبنت بيتاً للعبادة، وكانت تقدِّم المواعظ للناس من غرفة مجاورة. وذاعت شهرتها، وبدأ يحج إليها الآلاف بسبب معجزاتها. وتجمَّع حولها مجموعة من الحسيديين، كانوا يُعرَفون باسم «حسيديو عذراء لادومير». وقد كانت عذراء لادومير ترفض الزواج، ولكنها في نهاية الأمر تزوجت مرتين (اسمياً) ثم طُلقت، ففقدت شعبيتها وهاجرت إلى فلسطين.
ومن الواضح أن حادثة عذراء لادومير تعبِّر عن تغلغل الرموز المسيحية في اليهودية. ففكرة العذراء التي تقوم بدور قيادي ليست فكرة يهودية. كما يُلاحَظ أثر جماعة الخليستي المسيحية الصوفية التي كانت تؤمن بالحمل بلا دنس. ولكن الواقعة تعبِّر أيضاً عن تزايد معدلات العلمنة، وأثر فكر الاستنارة وتحرير المرأة أو ربما التمركز حول الأنثى.
أسر وجماعات وحركات حسيدية
Hassidic Dynasties, Groups, and Movements
بعد أن مرت الحركة الحسيدية بمرحلتها الأولى الشعبوية (والتي كانت تتميَّز بوجود قيادات كاريزمية قوية) بدأت تتحول إلى مؤسسات روتينية. وبما أن القداسة في المنظومات الحلولية يتم توارثها، فقد تم توارث القداسة المتركزة في التساديك باعتباره موضع الحلول والكمون من خلال أحد أبنائه، وتكوَّنت الأسر الحاكمة الحسيدية. ومن أهم الأسر الحاكمة أسرة جيدا خوف وأسرة شنيرسون. كما ظهرت جماعات حسيدية مختلفة هي أقرب إلى الأسر في ترابطها منها إلى شيء آخر، وينتمي أعضاء الجماعة إلى مدينة أو منطقة واحدة وبين هذه الجماعات جماعة جور وسبنكا وفيشنيتس وروزين. أما الحركات الحسيدية فمن أهمها حركة حبد وحركة الموسار.
جيدا خوف (أسرة(
Zhidachov Dynasty
أسرة حسيدية مؤسسها تسفي هيرش أيختشتاين (1785 ـ 1831) الذي درس القبَّالاه في شبابه وتأثر ببعض القادة التساديك الحسيديين، كما حاول أن يعمق من التيار اللورياني في الحسيدية ذاهباً إلى أن الحسيدية لا يمكن فهمها دون دراسة القبَّالاه اللوريانية. وقد اتسم تلاميذه بولائهم الكامل والواضح للقبَّالاه اللوريانية. وكان بين أتباعه إيزاك أيزيك (1804 ـ 1872) الذي كتب بعض الأعمال الحسيدية التي تستند إلى أسس قبَّالية وتشكل حلقة وصل بين القبَّالاه والحسيدية.
حبد (حركة(
Habad
«حبد» اختصار للكلمات العبرية الثلاث: «حوخماه» و«بيناه» و«دعت»، أي «الحكمة» و«الفهم» و«المعرفة». وهي أعلى درجات التجليات النورانية العشرة (سفيروت). وحبد حركة حسيدية أسسها شنياءور زلمان في روسيا البيضاء في قرية لوبافيتش (ولذا يشار إليها أحياناً على أنها «حركة لوبافيتش» ويُشار إلى قائد الحركة على أنه «اللوبافيتشر ربي» أي «حاخام لوبافيتش»). ويكمن الاختلاف بينها وبين الحركة الحسيدية الشعبية المعروفة في أنها أقل عاطفية وأكثر فكرية رغم صوفيتها وحلوليتها، فالتجليات العاطفية جاءت بعد التجليات الفكرية. كما أنها تبتعد عن بعض المفاهيم الحسيدية المتطرفة مثل "التسامي عن طريق الغوص في الرذيلة". والنسق الفكري عند حبد نسق حلولي قبَّالي.
وقد طوَّر شنياءور زلمان فكرة الانكماش (تسيم تسوم) فذهب إلى أن الإله لا ينكمش داخل نفسه، وإنما يتوارى وحسب، حتى يبدو العالم وكأنه منفصل عنه، ولكن الأمر ليس كذلك. ومن خلال التأمل لكل سلسلة المخلوقات، كما وردت في القبَّالاه، يستعيد الإنسان في عقله كل شيء حتى يصل إلى الإين سوف. ومن ثم، فهو يقوم بعملية التوحيد من أسفل، أي أنه ينجز الإصلاح الكوني من خلال عقله. فالذات الإلهية في تَوحُّدها ليس لها وجود خارج حالة الإنسان العقلية. ويُقال إن شيناءور زلمان قد قال وهو على فراش الموت إنه لم يَعُد يرى غرفة أو أثاثاً، وإنما الطاقة الإلهية وحسب، وهي الحقيقة الحقة. وقال أيضاً: "من الإله؟ إنه ما ندركه. وما الدنيا؟ هي المكان الذي يتم فيه الإدراك. وما الروح؟ هي أداة الإدراك". ويتردد في كتابات حبد عبارة حسيدية هي «بيطول هاييش» أي «نفي الوجود»، وهي تعني أن العالم المادي ليس له وجود حقيقي، وأن هذا العالم هو الإله، وأن الحضور الإلهي يحل في مادته، كما تعني أيضاً أن على الإنسان أن يفني ذاته في الذات الإلهية تماماً. ولكن حبد تذهب أيضاً إلى أن كل يهودي يوجد داخله جزء من الإين سوف. ووفقاً لنسق حبد، فإن الإنسان له روحان: إحداهما الروح الإلهية (نيفيش إلوهيت)، والثانية الروح الحيوانية أو البهيمية (نيفيش ها بيهيميت). والإنسان هو ميكروكوزم، أي نموذج مصغر للعالم، وهو أيضاً حلبة صراع لقوى الخير والشر التي تتصارع في الكون (ولكن الشر هو السترا أحرا أو الجانب الآخر للإله، حسبما جاء في القبَّالاه). ويوجد طريق وسط يجمع بين الشيئين، وهو المحارة التي التصقت بها الشرارات الإلهية حسب العقيدة القبَّالية. وتنقسم أرواح البشر، وفقاً لدرجة تجلِّي القوى الإلهية (سفيروت) فيها، فالأرواح العليا تجسِّد القيم الثلاث العليا، أي: الحكمة والفهم والمعرفة، كما أنها تتصف بشدة القوى العاطفية. أما الأرواح البهيمية، فتتبع الشهوات.
واليهودي العادي حلبة صراع بين العواطف والشهوات من جهة، والقوى العقلية من جهة أخرى. وبمقدوره أن يسيطر على رغباته الشريرة من خلال الحكمة والفهم والمعرفة، وبإمكان الإنسان أن يصل إلى خشية الإله من خلال التأمل في صفاته، الأمر الذي يقوده إلى حبه والالتصاق به والتوحد معه (ديفيقوت). وقد ركزت حركة حبد على التوراة والتأمل العقلي، ولهذا فإن أول مدرسة تلمودية (يشيفا) حسيدية كانت تابعة لهذه الحركة. وقد أكدت حبد أهمية الأوامر والنواهي، ولكنها عارضت التطرف في تطبيقها.
وإذا كان هذا هو الأمر بالنسبة إلى اليهودي العادي، فإنه ليس كذلك بالنسبة إلى التساديك، إذ أن الصراع داخل ذاته لا يتسم بهذه القوة، ولهذا يكون بوسعه تجاوز الشهوات وبسرعة، إلا أنه لا يتسم بصفات خارقة، ولا يمنح البركة مثلما هو الحال في بقية المدارس الحسيدية، فهو مُعلِّم في المقام الأول. وإذا كان مريدوه يريدون النجاح في الحياة الدنيا، فعليهم (على عكس ما يحدث في المدارس الحسيدية الأخرى) أن يطلبوا العون من الإله لا من التساديك. ولهذا، فقد أسقط أتباع مدرسة حبد استخدام كلمة «تساديك» وعادوا إلى استخدام كلمة «حاخام».
ويذهب شيناءور زلمان في كتاب هاتانيا (دستور حركة حبد) إلى أن الأغيار مخلوقات بهيمية شيطانية تماماً وخالية من الخير وأن ثمة اختلافاً جوهرياً بين اليهودي وغير اليهودي. ولهذا يختلف الجنين اليهودي عن الجنين غير اليهودي. ووجود الأغيار في العالم أمر عارض، فقد خُلقوا من أجل خدمة اليهود، وهذا متسق تماماً مع القبَّالاه التي جعلت اليهودي ركيزة للكون.
وقد انتقلت قيادة حبد إلى الولايات المتحدة حيث يترأسها في الوقت الحالي الحاخام لوبافيتش في نيويورك (في كراون هايتس في بروكلين). وحبد منظمة ثرية للغاية إذ تبلغ ميزانيتها نحو مائة مليون دولار (ويقدرها البعض بثمانمائة مليون دولار) ويبلغ أتباعها 130 ألف (30 ألف في بروكلين و100 ألف في أنحاء العالم). ويُقال إن عدد مؤيديها وأتباعها يصل إلى ما يزيد عن مليونين، وهو رقم مُبالَغ فيه. وتتبع حركة حبد دار للنشر طبعت ملايين الكتب بعدة لغات ولها مكتبة وأرشيف يضم مجموعة فريدة من الكتب والمنشورات والوثائق اليهودية. كما تمتلك الحركة صحيفة خاصة بها. وقد بدأت الحركة تمارس نشاطها مؤخراً في روسيا وأوكرانيا. ويتبعها آلاف الذين يعملون في كثير من دول العالم التي توجد فيها جماعات يهودية.
ولحبد فرع في إسرائيل، ويتبعها بعض المستوطنات الزراعية. ويُلاحَظ انتشار أفكارها العنصرية في الآونة الأخيرة. وقد قالت شالوميت ألوني عضو الكنيست إن الجماعة صعَّدت دعايتها العنصرية قبل غزو لبنان، وطلبت إلى الأطباء والممرضات ألا يعالجوا جرحى الأغيار، أي العرب.
ومن أهم أتباع حبد اثنان من رؤساء دولة إسرائيل السابقين هما زلمان شازار وأفرايم كاتزير. كما أن عدداً كبيراً من أعضاء جماعة جوش إيمونيم من أتباع حبد. ويبدو أن حزب أجودات إسرائيل يمثل حبد ضد أعدائهم من المتنجديم الليتوانيين (الليتفاك) اللذين يمثلهم حزب ديجيل هاتوراه. وقد سئل الحاخام إليعازر شاخ، الأب الروحي لهذا الحزب، عن أقرب عقيدة لليهودية، فقال: «حبد»، أي أنها لا تنتمي إلى اليهودية أساساً من وجهة نظره، وقال إن أتباع حبد قوم لا يختلفون عن آكلي لحم الخنزير. ويرى شاخ أن زعيم حبد (شنيرسون) عنده تطلعات مشيحانية مهرطقة.
وموقف حبد من الصهيونية هو موقف دُعاة الصهيونية الإثنية الدينية (انظر الباب المعنون «الصهيونية الإثنية الدينية»). وهو موقف يتسم بالرفض المبدئي في البداية باعتبار أن الصهيونية هي تعجيل بالنهاية، ورفض لمشيئة الإله. ثم تدريجياً بدأ يتغيَّر الموقف بحيث يتم تأييد الدولة من خلال ديباجات دينية خاصة. وقد أصبحت حركة حبد من أكثر الحركات تطرفاً في التوسعية والعنصرية الصهيونية (على عكس حركة ناطوري كارتا).
زلمان شنياءور (1747-1813(
Zalman Sheneur
مؤسس حركة حبد المتفرعة من الحسيدية وتلميذ دوف بير. انضم إلى الحركة الحسيدية، وهو في سن العشرين، وأصبح منظرها الأساسي، واشترك في المناقشة المريرة مع المتنجديم. وقد قبضت عليه السلطات الروسية، بعد أن اتهمه أعداؤه من اليهود الحاخاميين بأنه يتآمر ضد الدولة، ولكن أُفرج عنه حينما ثبت أن التهم الموجهة ضده باطلة. وقد هرب زلمان شيناءور زلمان حينما قامت القوات الفرنسية تحت قيادة نابليون بغزو روسيا. ومن أهم كتبه كتاب هاتانيا ، وهو كتاب حركة حبد الأساسي، ويضم تفسيرات للقبَّالاه. وقد صدر الكتاب في طبعته الأولى باسم ليقُّوطِّي إماريم (مقتطفات من الحكم) (1796)، ولكن وُضعت على الغلاف كلمة «تانيا» وهي الكلمة الأولى في النص، وهي كلمة آرامية تعني «مُعلِّم»، وعُرف الكتاب بهذا الاسم. وقد حاول شنياءور زلمان أن يخفف من حدة الحلولية اللوريانية بعض الشيء بإدخال عنصر عقلي. ولكن رؤيته تظل، مع هذا، حلولية انعزالية متعالية.
لوبافيتش
Lubavitch
قرية روسية بالقرب من موهيليف في روسيا، وهي المركز السابق لحركة حبد. ولا يزال رئيس جماعة حبد، الموجود الآن في نيويورك، يُدعَى حاخام لوبافيتش (باليديشية: لوبافيتشر ربي(
مناحم مندل اللوبافيتشي (1789 - 1866(
Menahem Mendel of Lubavitch (Schneersohn Dynasty)
حاخام حسيدي، وقائد جماعة حبد قضى طفولته في منزل مؤسس الحركة شنياءور زلمان وبدأ في دراسة القبَّالاه في سن الثالثة عشرة. خلف ابن شنياءور زلمان في رئاسة الحركة وأعلن أنه تلقَّى تعاليم زلمان في أحد أحلامه بعد موته ودوَّنها هي وبعض أفكاره في كتاب يُسمَّى ليقُّوطِّي توراة. وقد أصبحت أسرة شنيرسون الأسرة الحاكمة لحركة حبد.
شنيرسون )أسرة(
Schneersohn Family
أسرة حسيدية شهيرة، ترأس أعضاؤها جماعة حبد، وهم من نسل الحاخام مناحم مندل لوبافيتش الذي تَزعَّم الحركة بعد وفاة زلمان شنياءور، مؤسس الحركة.
مناحم مندل شنيرسون (1902-1994(
Menahem Mendel Schneersohn
حاخام حسيدي، وزعيم حركة حبد لوبافيتش، وشخصية أساسية في المؤسسة الحسيدية والدراسات القبَّالية، وهو من نسل شنياءور زلمان مؤسس حركة حبد، ومن أسرتها الحاكمة. درس الفرنسية والروسية والعلوم الطبيعية والفيزياء وتلقى تعليماً دينياً في مرحلة متأخرة من حياته، ثم تزوج من ابنة يوسف إسحق شنيرسون (زعيم حركة حبد)، وصار من المعروف أنه سيخلف حماه في رئاسة الحركة. وبالفعل قام حموه بتعليمه وإعداده للاضطلاع بدوره القيادي وأطلعه على المخطوطات التي كتبها قواد حبد السابقون والتي لم تُكشَف لأتباع الحركة (كما جاء في الموسوعة اليهودية). وقد درس شنيرسون الفلسفة في السوربون، كما درس الهندسة الكهربائية، وعُيِّن مهندساً في البحرية الأمريكية بعد هجرته إلى الولايات المتحدة. وفي عام 1950، خلف مناحم شنيرسون حماه في قيادة الحركة، وهو من موقعه هذا يتحكم في مئات المعاهد التربوية في أنحاء العالم، كما يأتي لمكتبه المئات يبحثون عن حل إما لمشاكلهم الشخصية أو للمشاكل العامة التي تواجه الجماعات اليهودية في العالم أو في دولة إسرائيل.
وموقف شنيرسون من إسرائيل يتسم بالجذرية، فهو يؤيد حق إسرائيل في كل إرتس يسرائيل ويعارض أي تنازل عن الأرض، ولكنه يتوجه بالنقد لإسرائيل بسبب تزايد معدلات العلمنة فيها، وخصوصاً في القطاع التعليمي، بل إنه ليصنف دولة إسرائيل باعتبارها جزءاً من المنفى. كما أنه يثير قضية الهوية اليهودية من آونة لأخرى، ومن وجهة نظره أن اليهودي هو من تَهوَّد حسب الشريعة، أي على يد حاخام أرثوذكسي. وتقوم حركة لوبافيتش تحت قيادته بحملة منظمة لنشر فكر حركة حبد التي يتبعها أسطول يُسمَّى «مدرعات المتسفاه» أو «مدرعات الأوامر والنواهي». ويوجد دعاة للحركة في كل بقعة من الولايات المتحدة بين اليهود وحسب، لأنهم لا يقومون بالتبشير بين الأغيار، فهذا مناف للعقيدة اليهودية كما يرون. وتقوم الحركة بنشر عشرات الكتب والمؤلفات، ولم يقم شنيرسون بزيارة أي مكان في العالم، ومنه إسرائيل. وهو يرفض أي حوار مع الأديان الأخرى. وقد بدأ أتباعه يرون فيه أنه الماشيَّح. فقد أعطى إشارة البدء لبناء منزل له في كفر حباد (قرب تل أبيب). وقد رأى الجميع في هذا أنه المخلِّص، فهو قد صرح بأنه لن يذهب إلى إسرائيل إلا لحظة الخلاص. ولذا، بدأ أتباعه يرددون: «نريد الماشيَّح الآن» ثم يضيفون كلمة «ممش» العبرية والتي تعني «واقعياً» ولكنها تضم أيضاً الحروف الأولى من اسم مناحم مندل شنيرسون. كما بدأ بعض أتباعه في إعداد حفل تتويج له باعتباره الماشيَّح. وقد صرح الحاخام إليعازر شاخ، الزعيم الروحي لحزب ديجيل هاتوراه (المناوئ للحسيديين) بأن شنيرسون مجنون وغير طبيعي وأنه المسيح الدجال، وهدد بطرده من حظيرة الدين (حيريم). وقد مات شنيرسون دون أن يصل العصر المشيحاني.
لم يُخلِّف شنيرسون مؤلفات عديدة، ومن أهم مؤلفاته تعليق على هجاداه (عيد الفصح). ولكن كثيراً من خطبه باليديشية تُرجمت إلى العبرية وظهرت في حوالي 30 مجلداً، كما نُشر 13 مجلداً من خطاباته.
حركة الموسار
Musar Movement
«حركة الموسار» حركة دينية ظهرت بين يهود ليتوانيا الأرثوذكس لتشجيع اليهود على دراسة الأدب الأخلاقي التقليدي (موسار) ولتهذيب الذات. وقد أسسها إسرائيل سالانتر. وتُعَد الحركة جزءاً من البعث الرومانسي في الغرب، فقد أكدت الجوانب العاطفية والروحية في الدراسة الدينية (مقابل الدراسة العقلية). ونادى مؤسس المدرسة بأن دراسة التلمود لا تعصم الإنسان من الشرور، ولذا يجب إكمال الدراسة بالتأمل في أدب الموسار. وقد عُدِّلت مناهج المدارس التلمودية العليا (يشيفا) بحيث أصبحت تضم نصف ساعة مخصَّصاً لقراءة أدب الموسار. ويجب ألا يُفهم من هذا أن حركة الموسار كانت حركة تجديد وإصلاح بل هي بالأحرى حركة استمرار للترات الحاخامي مع محاولة إدخال عناصر حيوية عليه. وكان إسرائيل سالانتر (مؤسس الحركة) من غلاة المحافظين.
المعارضون (متنجِّديم9
Mitnaggedim
«متنجديم» كلمة عبرية معناها «المعارضون»، أطلقها الحسيديون على أعضاء المؤسسة الحاخامية الذين تصدوا لحركتهم. أما مؤسسة الحاخامات، فقد عارضت الحسيدية لعد أسباب أهمها:
1 ـ وجود اتجاهات حلولية متطرفة شديدة الوضوح داخل الحسيدية، ولذلك فقد رأي المتنجديم أن المفهوم الحسيدي للإله ينفي عنه أي تسام أو تجاوز.
2 ـ موقف الحسيدية من الشر، وقد قال الحسيديون إن الشر غير موجود، فالشر نفسه قد التصقت به الشرارات الإلهية، وهي رؤية حلولية تتنافى تماماً مع التمييز بين الخير والشر.
3 ـ ويرتبط بهذا اعتراض المتنجديم على دور التساديك في الشفاعة عند الإله وفي الوساطة بينه وبين المخلوقات، وفي تمتعه بقوى خارقة. ومثل هذه الأفكار متسقة مع الفكر الحلولي.
4 ـ وقد اعترض المتنجديم أيضاً على أن الحسيديين أهملوا دراسة التوراة (والتلمود) التي هي الهدف الأساسي من وجود اليهود، وأنهم يكرسون وقتاً طويلاً في الاعداد العاطفي والنفسي للعبادة، بل يهملون العبادة نفسها، وأنهم يهملون مضمون الصلوات ويحولونها إلى تكأة أو وسيلة لتوليد حالة من الشطحة الصوفية. ويذهب المتنجديم إلى أن الأغاني التي يغنيها الحسيديون، والرقصات التي يؤدونها، أمر غير لائق تماماً.
5 ـ اعترض المتنجديم أيضاً على التعديلات الشعائرية المختلفة التي كان الحسيديون يحاولون عن طريقها تحقيق قدر من الاستقلال عن المؤسسة الحاخامية. ومن هذه التعديلات تَبنِّي فصل القبَّالاه السفاردي الذي كان يؤكد تَرقُّب الماشيَّح، والتعديل الذي أُدخل على الذبح الشرعي. وبطبيعة الحال، فقد وجد الحاخامات أن قيام الحسيديين بتأسيس معابد يهودية خاصة بهم يدعم شكوكهم. ولعل الحركة الفرانكية هي ما كان في ذهن الحاخامات حينما تصدوا للحسيدية. وفي الواقع، فإن ربطهم بين الفرانكية والحسيدية أمر منطقي للغاية، فكلتاهما تنبعان من القبَّالاه اللوريانية، وكلتاهما تدوران حول الموضوعات المشيحانية نفسها.
وقد تصاعد الصراع بين الفريقين بشدة عام 1772، حينما أصدرت المحكمة الشرعية الحاخامية التابعة لقهال فلنا، وبموافقة الحاخام إلياهو زلمان (فقيه فلنا)، قراراً بطرد الحسيديين من حظيرة الدين (حيريم). وأُرسلت نسخة منه إلى الجماعات اليهودية في بولندا وجاليشيا الشرقية، طالبةً من كل الحاخامات أن يتخذوا خطوات مماثلة. ورداً على هذا، قام أعضاء القيادة الحسيدية بالهجوم الشديد على علْم الحاخامات الزائف ومعرفتهم الجافة؛ ووصفوهم بأنهم حولوا التوراة إلى مجرد معول، وأداة يحصلون عن طريقها على المكانة الاجتماعية والربح المادي، وانعزلوا عن الجماهير وانشغلوا بالتفسيرات التي تتبع نمط البيلبول الذي لا فائدة تُرجى من ورائه. فنشر الحاخامات حظراً آخر يمنعون فيه أعضاء الجماعة اليهودية من التعامل مع الحسيديين، أو الزواج من أبنائهم وبناتهم، أو حتى دَفْن موتاهم. وكان فقيه فلنا قائد هذه الحملة. وحينما حاول زلمان شنياءور مقابلته، قوبلت محاولته بالرفض. وحينما ظهر كتاب شنياءور زلمان هاتانيا (1796)، هاجمه الحاخام إلياهو باعتباره كتاباً يَصدُر عن رؤية حلولية. وحينما مات الحاخام إلياهو بعد ذلك بعام احتفل بعض الحسيديين سراً بالمناسبة، فقررت قيادة الجماعة اليهودية الانتقام منهم. وفي اجتماع سري، قرروا أن يدعوا الدولة الروسية، التي كانت قد ضمت ليتوانيا لتوها، للتدخل في معركتهم، واتهموا شنياءور زلمان بالقيام بأعمال تخريبية وجمع الأموال لأهداف مشبوهة. فقُبض عليه، وأُرسل مكبلاً بالأغلال إلى سانت بطرسبرج حيث سجن عدة أشهر، ثم أُفرج عنه بعد أن ثبتت براءته، ولكنه وُضع تحت المراقبة. وقد قام الحسيديون برد الصاع صاعين بعد عام واحد، وأدَّت وشايتهم لدى الدولة إلى القبض على بعض القيادات الحاخامية. وقد جاء دور المتنجديم مرة أخرى عام 1800، واتهموا الحسيديين بأنهم جماعة « لا تخاف إلا الإله ولا تخاف الإنسان »، أي أنهم لا يخافون من
السلطة الروسية، فأُعيد القبض على شنياءور زلمان، وأُحضر إلى العاصمة حيث سُجن مدة أخرى وأُفرج عنه. ولم يتوقف الصراع المرير إلا بعد تَدخُّل الحكومة القيصرية التي أعطت الحسيديين الحق (عام 1804) في أن يقوموا بنشاطهم دون تَدخُّل من المؤسسة الحاخامية. وقد ساعد على فض الاشتباك تقسيم بولندا لأن المقاطعات الحسيدية ضُمَّت إلى النمسا في حين ضمت روسيا مقاطعات قيادتها أساساً من المتنجديم.
ومع هذا، فلا يزال الصراع دائراً حتى الآن، وله أصداؤه في الكيان الصهيوني. ويبدو أن حزب ديجيل هاتوراه يمثل المتنجديم والنخبة الليتوانية (الليتفاك) في مواجهة حبد والحسيديين الذين يمثلهم حزب أجودات إسرائيل. وقد سُئل الحاخام شاخ، الزعيم الروحي لديجيل هاتوراه، عن أقرب الديانات إلى اليهودية، فقال: حبد. وهي إجابة ساخرة تعني أنه لا يعتبر الحسيديين يهوداً.
أثر الحسيدية في الوجدان اليهودي المعاصر
Impact of Hassidism on the Contemporary Jewish Imagination
أثَّرت الحسيدية (بحلوليتها المتطرفة) في الوجدان اليهودي المعاصر تأثيراً قوياً، ففرويد العَالم النفساني النمساوي اليهودي، كان مهتماً بالحسيدية القبَّالية، ومن هنا كانت نظرياته في الجنس، وفي علاقة الذات بالكون. كما أن أدب كافكا متأثر بالحسيدية أيضاً. ويظهر تأثيرها واضحاً تماماً في أعمال مارتن بوبر وفلسفته التي تُوصَف بأنها «حسيدية جديدة» لأن الإله حسب هذه الفلسفة لا يحل في مخلوقاته ويؤثر فيها وحسب، بل إن مخلوقاته تؤثر فيه بدورها، ولذا يكتسب كلُّ فعل، مهما تدنَّى، دلالة كونية. كما أن بوبر كان يقدس الحسيديين بوصفهم جماعة عضوية مترابطة، أو شعباً عضوياً (فولك)، فهذا هو نموذجه للشعب اليهودي. والتساديك بالنسبة له هو القيادة الكاريزمية للشعب العضوي.
ومع هذا، يمكننا الحديث عن جو نيتشوي عام في أوربا يتصاعد مع تصاعُد معدلات العلمنة وتآكل المنظومات الدينية المختلفة (مسيحية كانت أم يهودية) الأمر الذي يؤدي إلى تصاعُد معدلات الحلولية إلى أن نصل إلى نقطة وحدة الوجود الروحية والمادية والواحدية الكونية حيث تَمَّحي ثنائيات الخير والشر ويظهر التساديك الحسيدي أو سوبرمان نيتشه؛ قيادات كاريزمية تجسِّد الإرادة الكونية، وتقف وراء الخير والشر، تعيش في بساطة وتلقائية ونشوة، فكل ما تقوم به مقدَّس.
الحسيدية والصهيونية
Hassidism and Zionism
من المعروف أن معظم المفكرين والزعماء الصهاينة إما نشأوا في بيئة حسيدية، أو تعرَّفوا إلى فكرها الحلولي بشكل واع أو غير واع. بل إن الصهيونية ضرب من « الحسيدية اللادينية » أو الحسيدية داخل إطار حلولية بدون إله ووحدة الوجود المادية. والدارس المدقق يكتشف أن ثمة تشابهاً بين الحسيدية والصهيونية، فالجماهير التي اتبعت كلاًّ من الصهيونية والحسيدية كانت في وضع طبقي متشابه؛ أي جماهير توجد خارج التشكيلات الرأسمالية القومية بسبب الوظائف المالية والتجارية التي اضطلعت بها مثل نظام الأرندا. لذلك، نجد أن جماهير الحسيدية، شأنها شأن جماهير الصهيونية، تتفق على حب صهيون؛ الأرض التي ستشكل الميراث الذي سيمارسون فيه شيئاً من السلطة. كما قامت الحسيدية بإضعاف انتماء يهود اليديشية الحضاري والنفسي إلى بلادهم، وهذه نتيجة طبيعية لأية تطلعات مشيحانية الأمر الذي جعل اليهود مرتعاً خصباً للعقيدة الصهيونية. كما أن الحسيدية والصهيونية تؤمنان بحلولية متطرفة تضفي قداسة على كل الأشياء اليهودية وتفصلها عن بقية العالم. وفي الحقيقة، فقد كانت الهجرة الحسيدية التي تعبِّر عن النزعة القومية الدينية فاتحةً وتمهيداً للهجرة الصهيونية.
والصهيونية، مثل الحسيدية، حركة مشيحانية تهرب من حدود الواقع التاريخي المركب إلى حالة من النشوة الصوفية، تأخذ شكل أوهام عقائدية عن أرض الميعاد التي تنتظر اليهود. ويعتقد المفكر النيتشوي الصهيوني بوبر أنه لا يمكن بعث اليهودية دون الحماس الحسيدي، بل يرى أن الرواد الصهاينة قد بعثوا هذا الحماس.
ولكن الحسيدية تظل، في نهاية الأمر، حركة صوفية حلولية واعية بأنها حركة صوفية، ولذا فإن غيبيتها منطقية داخل إطارها، ولا تتجاوز أفعالها، النابعة من المشيحانية الباطنية، نطاق الفرد المؤمن بها وأفعاله الخاصة، أما سلوكه العام فقد ظل خاضعاً إلى حدٍّ كبير لمقاييس المجتمع. ولذا، ظل حب صهيون بالنسبة إلى هذه الجماهير حباً لمكان مقدَّس لا يتطلب الهجرة الفعلية. أما الصهيونية، فهي حركة علمانية، ذات طابع عملي حرفي. كما أن الفكرة الصهيونية لا تنصرف إلى السلوك الشخصي لليهودي وإنما إلى سلوكه السياسي. ولكي تتحقق الصهيونية، لابد أن تتجاوز حدودها الذاتية لتبتلع فلسطين، وتطرد الفلسطينيين بحيث يتحول حب صهيون إلى استعمار استيطاني. ومما لا شك فيه أن الحسيدية قد ساهمت في إعداد بعض قطاعات جماهير شرق أوربا لتتقبل الأفكار الصهيونية العلمانية الغيبية، عن طريق عزلها عن الحضارات التي كانت تعيش فيها، وإشاعة الأفكار الصوفية الحلولية شبه الوثنية التي لا تتطلب أيَّ قدر من إعمال العقل أو الفهم أو الممارسة. ولكن هذا لا يعني أن الحسيدية مسئولة عن ظهور الصهيونية، فكل ما هناك أنها خلقت مناخاً فكرياً ودينياً مواتياً لظهورها.
ومما يجدر ذكره أن بعض الحسيديين عارضوا فكرة الدولة الصهيونية وأسسوا حزب أجودات إسرائيل. ولكن بعد إنشاء الدولة، بل قبل ذلك، أخذوا يساندون النشاط الصهيوني، وهم الآن من غلاة المتشددين في المطالبة بالحفاظ على الحدود الآمنة و«الحدود المقدَّسة» و«الحدود التاريخية لإرتس يسرائيل». ولكن هناك فرقاً حسيدية قليلة لا تزال تعارض الصهيونية ودولة إسرائيل بعداوة، من بينها جماعة ساتمار (ناطوري كارتا). (انظر الباب المعنون «الصهيونية الإثنية الدينية»).
الباب الخامس: اليهودية الإصلاحية
اليهودية الإصلاحية: تاريخ
Reform Judaism:History
«اليهودية الإصلاحية» فرقة دينية يهودية حديثة ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في ألمانيا، وانتشرت منها إلى بقية أنحاء العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة. وهي تُسمَّى أيضاً «اليهودية الليبرالية» و«اليهودية التقدمية». وهذه المصطلحات ليست مترادفة تماماً، إذ يُستخدَم أحياناً مصطلح «اليهودية الليبرالية» للإشارة إلى اليهودية الإصلاحية التي حاولت أن تحتفظ بشيء من التراث. كما استُخدم المصطلح نفسه للإشارة إلى حركة دينية أسسها كلود مونتفيوري في إنجلترا عام 1901، وكانت متطرفة في محاولاتها الإصلاحية. أما مصطلح «اليهودية التقدمية» فهو مصطلح عام يشير إلى التيارات الإصلاحية كافة.
وظهور الحركات الإصلاحية في اليهودية يعود إلى أزمة اليهودية الحاخامية أو التلمودية التي ارتبطت بوضع اليهود في أوربا قبل الثورة الصناعية. فقد فشلت اليهودية كنسق ديني في التكيف مع الأوضاع الجديدة التي نشأت في المجتمع الغربي ابتداءً من الثورة التجارية واستمرت حتى الثورة الصناعية وبعدها، ثم واجهت أزمة حادة مع تصاعد معدلات العلمنة. وقد أدَّى سقوط الجيتو، ثم حركة الإعتاق السياسي إلى تصعيد حدة هذه الأزمة، إذ عرضت الدولة القومية الحديثة الإعتاق السياسي على اليهود شريطة أن يكون انتماؤهم الكامل لها وحدها، وأن يندمجوا في المجتمع سياسياً واقتصادياً وثقافياً ولغوياً، وهو ما كان يتعارض وبشكل حاد مع اليهودية الحاخامية التي عرَّفت الهوية اليهودية تعريفاً دينياً إثنياً، وأحياناً عرْقياً، وجعلت الانتماء اليهودي ذا طابع قومي. وقد استجاب اليهود إلى نداء الدولة القومية الحديثة، وظهرت بينهم حركة التنوير اليهودية، والدعوة للاندماج، واليهودية الإصلاحية جزء من هذه الاستجابة. وقد استفاد اليهود الإصلاحيون من فكر موسى مندلسون، ولكنهم استفادوا بدرجة أكبر من الأفكار والممارسات الدينية المسيحية البروتستانتية في ألمانيا (مهد كل من الإصلاح الديني المسيحي والإصلاح الديني اليهودي).
وقد بدأ الإصلاح حين لاحَظ كثير من قيادات اليهود انصراف الشباب تدريجياً عن المعبد وعن الشعائر اليهودية بسبب جمودها وأشكالها التي اعتبروها بدائية متخلفة، فأخذوا في إدخال بعض التعديلات ذات الطابع الجمالي، من بينها تحويل المعبد من مكان يلتقي فيه اليهود للحديث والشجار إلى مكان للتعبد يتطلب التقوى والورع. وبدأت المواعظ الدينية تُلقَى بلغة الوطن الأم، وتغيَّر موضوعها، فبدلاً من أن تدور حول تفسير دقائق الشريعة، أصبحت تهدف إلى إنارة المصلين على المستوى الروحي. واختُزلت الصلاة نفسها عن طريق حذف قصائد البيوط وغير ذلك من الابتهالات والأدعية، واستُخدم الأرغُن والجوقة. وقد قام إسرائيل جيكوبسون بأول محاولة للإصلاح في المعبد الملحق بمدرسته عام 1810، ثم في بيته عام 1815، ثم افتتح أول معبد إصلاحي في هامبورج عام 1818.
وقد كانت كل هذه الإصلاحات ذات طابع شكلي وجمالي وقام بها أعضاء ليسوا جزءاً من المؤسسة الدينية. ولذا، لم تثُر ردة فعل حادة عند التقليديين برغم اعتراضهم على كثير منها، ولكن التغيرات بدأت تكتسب طابعاً عقائدياً واتجهت نحو إصلاح العقيدة نفسها، ومن ثم تغيَّرت طبيعة رد الفعل، وهو ما أدَّى في نهاية الأمر إلى انقسام اليهودية المعاصرة إلى فرق متعددة لا يعترف الأرثوذكس فيها بيهودية الآخرين. وقد اكتسبت حركة الإصلاح الديني دفعة قوية في ثلاثينيات القرن الماضي حين ظهر لفيف من الحاخامات الشباب الذين كانوا قد تلقوا تعليماً دينياً تقليدياً، وتعليماً دنيوياً في الوقت نفسه. وكانت هذه ظاهرة جديدة كل الجدة على اليهودية إذ كانت مقررات الدراسة في المدارس التلمودية العليا، حتى ذلك الوقت، تقتصر على الدراسات الدينية فحسب. ولكن، مع نهاية القرن الثامن عشر، فتحت حكومات فرنسا والنمسا وروسيا مدارس ذات مناهج مختلطة دينية ودنيوية. وقد التف هؤلاء الشبان حول المفكرين الدينيين الداعين إلى الإصلاح، مثل: أبراهام جايجر، وصمويل هولدهايم وكاوفمان كولر، الذين يرجع إليهم الفضل في وضع أسس اليهودية الإصلاحية. وتحولت مسألة تحديث الدين اليهودي أو إصلاحه إلى قضية أساسية في الأوساط اليهودية، ثم تبلورت الأمور كثيراً حين دعت أبرشية برسلاو المفكر اليهودي الإصلاحي جايجر ليكون حاخاماً لها (1839). وحينما نُشرت الطبعة الثانية من كتاب صلوات اليهودية الإصلاحية عام 1841، رأى الأرثوذكس أن الوضع أصبح لا يحتمل الانتظار، وخصوصاً أن جايجر كان من كبار دعاة مدرسة نقد العهد القديم ومن مؤسسي علْم اليهودية. ورغم أن حركة النقد هذه تهدم العقيدة من أساسها وتفترض أن التوراة نتاج تاريخي من صُنْع الإنسان، فإن اليهودية الإصلاحية ارتبطت بها منذ البداية لتؤكد نسبية وتاريخانية الأفكار الدينية ظناً منها أن ذلك يسبغ شرعية على المشروع الإصلاحي.
وحتى يتمكن الإصلاحيون من طرح سائر القضايا وبلورة مواقف بشأنها، عقدوا عدة مؤتمرات إصلاحية في ألمانيا (ثم بعد ذلك في الولايات المتحدة) توصلت إلى صياغات محددة (وقد خرج زكريا فرانكل محتجاً من أحد هذه المؤتمرات وأنشأ التيار المحافظ). وقد توقفت اليهودية الإصلاحية عن التطور الفكري في ألمانيا نفسها، ولكنها تحوَّلت إلى تيار قوي ورئيسي بين اليهود في الولايات المتحدة حين تَقبَّلها المهاجرون الألمان الذين اندمجوا في المجتمع الأمريكي، وكانوا يبحثون عن صيغة دينية جديدة تلائم وضعهم الجديد. وقد وجد هؤلاء المهاجرون في اليهودية الإصلاحية ضالتهم. وتبعتهم أعداد متزايدة من اليهود الأمريكيين حتى صارت، مع حلول عام 1888، كل المعابد اليهودية في الولايات المتحدة (والبالغ عددها 200) إصلاحية، باستثناء12معبداً.
ومن أهم مفكري اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة ديفيد أينهورن. ولكن أكبر المفكرين هو إسحق ماير وايز الذي أسس اتحاد الأبرشيات العبرية الأمريكية عام 1873، وكلية الاتحاد العبري عام 1875، والمؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين عام 1889. ويُعَدُّ مؤتمر بتسبرج الإصلاحي، الذي عُقد عام 1885، أهم نقطة في تاريخ اليهودية الإصلاحية إذ أصدر قراراته الشهيرة التي عبَّرت عن الإجماع الإصلاحي، وبلورت منطلقات الحركة. وقد انتقلت اليهودية الإصلاحية إلى المجر حيث يُطلَق عليها مصطلح «نيولوج».
وتوجد معابد إصلاحية في حوالي 29 دولة تابعة للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويبلغ عدد أتباع الحركة حوالي 1.25 مليون. لكن الولايات المتحدة لا تزال المركز الأساسي الذي يضم معظم أعضاء هذه الفرقة. وتوجد 848 إبراشية يهود إصلاحية في الولايات المتحدة، ويشكل الإصلاحيون 30% من كل يهود أمريكا المنتمين إلى إحدى الفرق اليهودية (مقابل 33% محافظين و9% و26% لا علاقة بهم أى فرقة دينية أرثوذكس) ومع هذا تذكر أحد المراجع أن عدد اليهود الإصلاحيين مليون و300 ألف. ويُلاحَظ ارتفاع نسبة الزواج المُختلَط بينهم أكثر من ارتفاعها بين أعضاء الفرق الأخرى، وإن كانت النسبة بين اليهود غير المنتمين دينياً أعلى كثيراً. ويُعَدُّ اليهود الإصلاحيون أكثر قطاعات اليهود تأمركاً. ويُلاحَظ أنه في الآونة الأخيرة، مع ازدياد تشدد اليهودية الإصلاحية وازدياد التساهل من جانب اليهودية المحافظة، تناقصت المسافة بينهما وبدأت الأبرشيات المحافظة والإصلاحية في الاندماج، وهذا الاندماج توافق عليه قيادات الفريقين ولا تُمانع فيه. ويقابل هذا تَباعُد مستمر عن اليهودية الأرثوذكسية. وقد صرح الحاخام ملتون بولين رئيس المجلس الحاخامي في أمريكا بأن التباعد بين الأرثوذكس من جهة والمحافظين والإصلاحيين من جهة أخرى آخذ في التزايد حتى أنه هو نفسه تحدَّث عن وجود يهوديتين مستقلتين.
ومن التنظيمات اليهودية الإصلاحية: المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين الذي يضم كل الحاخامات الإصلاحيين، واتحاد الأبرشيات العبرانية الأمريكية الذي يضم المعابد الإصلاحية وكلية الاتحاد العبري (المعهد اليهودي للدين) وهو معهد إصلاحي لتخريج الحاخامات، كما أن هناك اتحاداً عالمياً لليهودية الإصلاحية هو الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية.
وقد اعترفت روسيا باليهودية الإصلاحية باعتبارها مذهباً يهودياً. وبالفعل، توجد جماعة يهودية إصلاحية الآن لها مقر في موسكو. ويمكن أن نتوقع انتشار اليهودية الإصلاحية لأنها صيغة مخففة سهلة من العقيدة اليهودية تناسب تماماً يهود روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء ممن يودون التمسك بيهوديتهم وإظهارها والإعلان عنها حتى يتسنى لهم الهجرة إلى إسرائيل. ولكنهم، كباحثين عن اللذة، لا يريدون في الوقت نفسه أن يدفعوا أي ثمن عن طريق إرجاء المتعة أو كبح ذواتهم أو إقامة الشعائر. واليهودية الإصلاحية تحقق لهم كل هذا،فهي تتكيف بسرعة مع روح العصر،وكل عصر.
اليهودية الإصلاحية: الفكر الديني
Reform Judaism:Religious Thought
تشترك كل من الحركة اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة في أنهما تحاولان حل إشكالية الحلول الإلهي في الشعب اليهودي وفي مؤسساته القومية. فمثل هذا الحلول يجعل منهم شعباً مقدَّساً ملتفاً حول نفسه، يشير إلى ذاته دون الإشارة إلى شيء خارجه، وهذا أمر مقبول داخل إطار المجتمع التقليدي، المبني على الإرادة الذاتية للأقليات. وهو أمر مفهوم حينما كان اليهود يضطلعون بدور الجماعة الوظيفية التي تعزل نفسها عن المجتمع لتلعب دورها المحايد. ولكن، مع ظهور الدولة القومية التي ترى نفسها مطلقاً فهي مرجعية ذاتها لا تقبل مرجعية متجاوزة لها أصبح من الصعب أن تتعايش نقطتان مطلقتان داخل المجتمع الواحد. ولذا، كان على أعضاء الجماعات اليهودية أن يتعاملوا بشكل أو بآخر مع الحلولية اليهودية التقليدية، وكان عليهم التوصل إلى صيغة حديثة لليهودية يمكنها التعايش مع الدولة القومية الحديثة المطلقة مع إصرارها على أن يعيد اليهودي صياغة ذاته ورؤيته حتى يدين لها وحدها بالولاء. وقد حاولت اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة حل إشكالية الشعب المقدَّس عن طريق تَبنِّي الحل الغربي للمشكلة وهو أن يكون الحلول الإلهي في نقطة ما في الطبيعة أو في الإنسان أو في التاريخ، بحيث يشكل المطلق ركيزة نهائية كامنة في هذه النقطة وغير متجاوزة لها. وقد ظهر العديد من هذه المطلقات الدنيوية أو الغيبيات العلمانية. ولكن الذي يهمنا هو المطلق الدنيوي الذي يُسمَّى «الروح» (جايست) في أدبيات القرن التاسع عشر في أوربا («روح المكان» أو «روح العصر» أو «روح الشعب» أو «روح الأمة») الذي حل محل الإله. وبينما آمن الإصلاحيون بروح العصر (بالألمانية: تسايت جايست Zeitgeist)، آمن المحافظون بروح الشعب العضوي (فولك).
وهذه الصياغة من الحلولية تلغي الإله كنقطة متجاوزة، فمصدر القداسة كامن في المادة. وبالنسبة لليهودية الإصلاحية، فهي توسع نطاق نقطة الحلول بحيث يصبح المطلق (روح العصر) إطاراً يضم كلاًّ من اليهود والأغيار. وبذلك تكون اليهودية الإصلاحية قد وصلت إلى صيغة معاصرة لليهودية تلائم العصر، وتتخلص من آثار الحلولية الحادة والجامدة التي كانت تدور في فلكها اليهودية الحاخامية والتي عزلت اليهود عن مجتمعاتهم وجعلت معتقداتهم الدينية عبئاً ينوءون بحمله، وجعلت تعايشهم مع المطلق الجديد (الدولة العلمانية الحديثة) مستحيلاً. ويمكن القول بأن جوهر مشروع اليهودية الإصلاحية هو محاولة نَزع القداسة عن كثير من المعتقدات الدينية اليهودية ووضعها في إطار تاريخي، وذلك حتى يتسنى التمييز بين ما هو مطلق ومتحرر من الزمان والمكان وبين ما هو نسبي ومرتبط بهما. وهي عملية نجم عنها تضييق نطاق المطلق والمقدَّس وتوسيع نطاق النسبي حيث يتمكن أعضاء الجماعات اليهودية المشاركة في الإيمان بالمطلقات القومية والصناعية والمادية في مجتمعاتهم الحديثة. ولذا، عدَّل الإصلاحيون فكرة التوراة، ـ بالنسبة لهم ـ مجرد نصوص أوحى الإله بها للعبرانيين الأولين، ولذا يجب احترامها كرؤى عميقة، ولكنها يجب أن تتكيف مع العصور المختلفة. فثمة فرق بين الوحي والإلهام، إذ أن الإلهام ليس خالصاً أو صافياً، فالبشر يصبغونه بعاداتهم ولغتهم فيختلط بعناصر تاريخية دنيوية. لكل هذا، يجب على اليهودي أن يحاول فهم وتفسير هذا الوحي، أو الإلهام من آونة إلى أخرى، وأن يُنفِّذ منه ما هو ممكن في لحظته التاريخية. وبهذا، يصبح للقانون الإلهي (الشريعة) السلطة والحق، طالما كانت أوضاع الحياة التي جاء لمعالجتها مستمرة. وعندما تتغيَّر الأوضاع، يجب أن يُنسَخ القانون، حتى وإن كان الإله صاحبه ومُشرِّعه، أي أن الشريعة فقدت سلطتها الإلزامية المطلقة وأصبحت روح العصر النقطة المرجعية
والركيزة النهائية. وللعهد القديم، على سبيل المثال، جانبان: أحدهما مقدَّس والآخر دنيوي. وقد سقطت فاعلية الجانب الثاني بهدم الهيكل، وسقط مع هذه العملية كل ما له علاقة بالهيكل أو الدولة، وبقي الجزء المقدَّس أو المطلق وحده. وبطبيعة الحال، لا يعترف اليهود الإصلاحيون بالشريعة الشفوية (التعبير المستمر عن الحلول الإلهي). وحاول الإصلاحيون كذلك تأكيد الجانب العقائدي والأخلاقي على حساب الجانب الشعائري أو القرباني، فهم يرون أن اليهودية الحاخامية تدور في إطار الشعائر المرتبطة بالدولة اليهودية والهيكل، والتي لم تَعُد لها أية فعالية أو شرعية. كما تم استبعاد العناصر القومية الموجودة في الدين اليهودي والتي تؤكد قداسة اليهود وانعزالهم عن الأمم الأخرى (ولا تزال هذه العقلانية النسبية أو التاريخانية، التي تحاول تقييم التراث في ضوء المُعطَى التاريخي وترفض الانعزالية القومية والحلولية التقليدية، السمة الأساسية للتيارات الليبرالية والثورية في الفكر الديني اليهودي).
ومع هذا، فإن اليهودية الإصلاحية، في محاولتها تطوير اليهودية، انتهى بها الأمر إلى أن خلعت النسبية على كل العقائد ونزعت القداسة عن كل شيء، أي أنها في محاولتها إدخال عنصر النسبية الإنسانية والتهرب من الحلولية، سقطت في نسبية تاريخية كاملة بحيث أسقطت كل الشعائر وكل العقائد تقريباً، أي أنها هربت من وحدة الوجود الروحية إلى وحدة الوجود المادية. وقد شبَّه بعض المؤرخين اليهودية الإصلاحية بحركة شبتاي تسفي، ويرون أنها الوريث العلماني المعاصر له. وهو تشبيه مهم وعميق ولكنه يعاني من بعض نقط القصور لأنه يُفسِّر نقط التشابه ولا يُفسِّر نقط الاختلاف. ونحن نرى أن الحلولية، حينما تصل إلى مرحلة وحدة الوجود الروحية، تتحول عادةً إلى حلولية بدون إله أو وحدة وجود مادية. ولعل شيئاً من هذا القبيل قد حدث داخل اليهودية، وحركة شبتاي تسفي هي مرحلة وحدة الوجود الروحية حيث يحل الإله في العالم (الإنسان والطبيعة) ويصبح لا وجود له خارجها، ومع هذا يظل يحمل اسم الإله، ويصبح كل ما في العالم تجلياً للإله. وتعقب هذه المرحلة مرحلة تغيير التسمية إذ يسقط اسم الإله ويُسمَّى بعد ذلك «قوانين الحركة» أو «روح العصر» وخلافه، وهذه هي مرحلة موت الإله. ولعل اليهودية الإصلاحية تعبير عن مرحلة انتقالية بين الشبتانية ووحدة الوجود الروحية ولاهوت موت الإله في الستينيات ومرحلة وحدة الوجود المادية، هذه المرحلة الانتقالية نسميها مرحلة شحوب الإله، فهو موجود اسماً ولكنه يتبدَّى من خلال عدد كبير من المطلقات الدنيوية (مثل روح العصر). ولذا، نجد أن اليهودية الإصلاحية قد تحولت إلى ما يشبه دين العقل الطبيعي (الربوبية)، فهي تؤمن بوجود قوة عظمى تعبر عن شيء باهت شاحب غير شخصي تطلق عليه كلمة «الرب»، كما أنها تنكر سلطة التلمود، بل والتوراة نفسها، وتقرر الشعائر والعبادات بمجموعة من المؤتمرات والبيانات التي تتم الموافقة عليها بالتصويت والانتخابات
بالطرق الديموقراطية.
وفي ضوء منطلقات الفكر اليهودي الإصلاحي، يمكننا أن ننظر إلى التعديلات التي أدخلها زعماء الحركة الإصلاحية، على العبادة اليهودية وبعض المفاهيم الدينية، ومن أهمهم أبراهام جايجر (زعيم الجناح المعتدل) الذي يُشار إليه عادةً بلفظة «التقدمي» وديفيد فرايد لندر (زعيم الجناح الثوري) الذي يُشار إليه أحياناً بصفة «الليبرالي». وقام الإصلاحيون بإلغاء الصلوات ذات الطابع القومي اليهودي، وجعلوا لغة الصلاة الألمانية (ثم الإنجليزية والولايات المتحدة) لا العبرية (ليتمشوا مع روح العصر والمكان)، وأبطلوا كل الفوارق بين الكهنة واللاويين وبقية اليهود، وأدخلوا الموسيقى والأناشيد الجماعية، كما سمحوا باختلاط الجنسين في الصلوات، ومنعوا تغطية الرأس أثناء الصلاة أو استخدام تمائم الصلاة (تفيلين)، ولقد تأثروا في ذلك بالصلوات البروتستانتية، وقام بعض الإصلاحيين ببناء بيت للعبادة أطلقوا عليه اسم «الهيكل»، وكانت تلك أول مرة يُستخدَم فيها هذا المصطلح لأنه لم يكن يُطلَق إلا على الهيكل الموجود في القدس. ومعنى ذلك أن الإصلاحيين بتسميتهم معبدهم هذه التسمية الجديدة، كانوا يحاولون تعميق ولاء اليهودي إلى الوطن الذي يعيش فيه ويحاولون نقل الحلول الإلهي من مكان سيعودون إليه في آخر الأيام إلى مكان يرتادونه هذه الأيام. وعلى المستوى الفكري، أعاد الإصلاحيون تفسير اليهودية على أساس عقلي، وأعادوا دراسة العهد القديم على أُسُس علمية (فالعقل أو العلم هو موضع الحلول الإلهي أو المطلق في المنظومات الربوبية)، ونادوا بأن الدين اليهودي أو العقيدة الموسوية (وهي التسمية الأثيرة لديهم) تستند إلى قيم أخلاقية تشبه قيم الأديان الأخرى. كما ركَّز الإصلاحيون على الجوهر الأخلاقي للتوراة، وكذلك الجوهر الأخلاقي لبعض جوانب التلمود، مهملين التحريمات المختلفة التي ينص عليها القانون اليهودي، وخصوصاً القوانين المتعلقة بالطعام
والكهانة، وقد سمحوا (مؤخراً) بترسيم حاخامات إناث. وأنكروا فكرة البعث والجنة والنار، وأحلوا محلها فكرة خلود الروح. وقد أسقطوا معظم شعائر السبت، وهم لا يحتفلون به في الوقت الحاضر في يوم السبت نفسه وإنما يختار أعضاء الأبرشية أي يوم في الأسبوع للاجتماع. وتأخذ الشعائر في هذه الحالة شكل صلاة قصيرة وقراءة بعض الفقرات من أي كتاب، بل حل بعض الكلمات المتقاطعة. ولعل هذا هو الانتصار النهائي لروح العصر. ويقوم أحد المتحدثين بإلقاء محاضرة في أي موضوع وينشدون النشيد الوطني لإسرائيل (هاتيكفاه). وقد ازداد التكيف مع روح العصر تطرفاً، ولذا نجد أن اليهودية الإصلاحية قَبلت الشواذ جنسياً كيهود ثم رسَّمت بعض الشواذ جنسياً حاخامات، وأسَّست للشواذ جنسياً معابد إصلاحية معترفاً بها من قبَل المؤسسة الإصلاحية. ولعل هذا تعبير عن حلولية موت الإله أو حلولية بدون إله، وحلولية ما بعد الحداثة حيث تتساوى كل الأمور وتصبح نسبية. ونحن هنا لا نتحدث عن يهود أو أغيار وإنما نتحدث عن مجتمع أخذ الإنسان فيه يختفي تدريجياً بعد شحوب الإله وموته.
وقد عَدَّل الإصلاحيون بعض الأفكار الأساسية في الديانة اليهودية، فمثلاً نادى جايجر بحذف جميع الإشارات إلى خصوصية الشعب اليهودي من كل طقوس الدين وعقيدته وأخلاقه وأدبه، مطالباً بالتخلي عن الفكرة الحلولية الخاصة بالشعب المختار كلية. وقد حاولوا الإبقاء على هذه الفكرة، مع إعطائها دلالة أخلاقية عالمية جديدة، فجعلوا الشعب اليهودي شعباً يحمل رسالته الأخلاقية لينشرها في العالم حتى يستطيع من يشاء أن يؤمن بها. كما يؤكد الإصلاحيون أيضاً أن اليهود شُتتوا في أطراف الأرض ليحققوا رسالتهم بين البشر، وأن النفي وسيلة لتقريبهم من الآخرين وليس لعزلهم عنهم.
وأضفى الإصلاحيون على فكرة العودة والماشيَّح طابعاً إنسانياً إذ رَفَض ممثلوهم، في مؤتمر بتسبرج، فكرة العودة الشخصية للماشيَّح المخلِّص، وأحلوا محلها فكرة العصر المشيحاني، وهي فكرة تربط بين العقيدة المشيحانية وروح العصر. فالعصر المشيحاني هو العصر الذي سيحل فيه السلام والكمال ويأتي الخلاص إلى كل الجنس البشري وينتشر العمران والإصلاح ويتم كل هذا من خلال التقدم العلمي والحضاري. فالفكرة المشيحانية هنا فُصلَت تماماً عن الشعب اليهودي وعن شخص الماشيَّح وارتبطت بكل البشر وبالعلم الحديث.
اليهودية التقدمية
Progressive Judaism
«اليهودية التقدمية» مصطلح يُستخدَم للإشارة إلى كل الاتجاهات اليهودية الإصلاحية. وعادةً ما يُستخدَم مصطلح «تقدمي» بديلاً لمصطلح «إصلاحي» خارج الولايات المتحدة.
اليهودية الليبرالية
Liberal Judaism
بدأت الحركة اليهودية الليبرالية في إنجلترا في السنوات الأولى من القرن العشرين نتيجة الجهود المشتركة لليلي مونتاجو (1873 ـ 1963) وكلود مونتيفيوري (1851 ـ 1938) حين أسسا الاتحاد الديني اليهودي (1902). وتنطلق اليهودية الليبرالية من أن اليهودية الإصلاحية لم تصل بالإصلاح إلى نتيجته المنطقية ولم تواجه القضايا الحقيقية، وأن اليهودية لابد أن يدخل عليها المزيد من الإصلاحات حتى لا تظل عبئاً على اليهود.
ونقطة الانطلاق بالنسبة لليهودية الليبرالية هي الإنسان (واحتياجاته النفسية) لا العقيدة الدينية (فالعهد القديم في تصوُّرها اجتهاد بشري وليس وحياً إلهياً) ولذا طرحت الليبرالية مفهوم الضمير الشخصي و« الوعي المستنير»، وجعلت من حق كل يهودي أن يدرس العقائد والممارسات اليهودية، ثم يختار ما يحلو له منها، إذ أن من حق كل يهودي أن يقرر شكل اليهودية التي يؤمن بها، ويحدد مكوناتها (ولابد أن الإله سيسدد خطاه بطريقة ما)، أي أنها عملية علمنة من الداخل. ولذا يذهب الفكر الديني الليبرالي إلى أن الأوامر والنواهي (متسفوت) مسألة اختيارية، قد يحتاج لها بعض الناس ليحققوا تطورهم الأخلاقي، ولكن الآخرين قد لا يحتاجون لها على الإطلاق. فالطعام المباح شرعاً يعتبر شكلاً من أشكال الانضباط الأخلاقي بالنسبة لمن يرون ذلك، أما من يودون تحقيق هذا الانضباط بطريقة أخرى، فهم في حلٍّ من أمرهم. وكلاهما له شرعيته من وجهة النظر الليبرالية.
ورغم هذا الانفتاح الكامل (الذي يقترب باليهودية الليبرالية من يهودية عصر ما بعد الحداثة) إلا أن ثمة طقوساً معينة فرضت نفسها على اتباع هذه الفرقة. فالصلاة في المعبد الليبرالي تشبه الصلوات في المعابد الإصلاحية فيجلس الرجال والنساء سوياً، ويجلس الرجال دون غطاء للرأس إن أرادوا. كما أبقى الليبراليون بعض الطقوس مثل النفخ في البوق (شوفار) في رأس السنة والصيام في يوم الغفران (يوم كيبور) وأكل خبز الماتساه غير المخمر في عيد الفصح. ويُلاحَظ أن الشعائر التي اختارها اليهود الليبراليون ذات طابع احتفالي، ولا تتطلب مشقة كبيرة، كما يمكن تطويعها لتتفق مع إيقاع العصر. فبالنسبة لشعائر السبت لا يمتنع اليهودي الليبرالي عن العمل ولكنه قد يوقد الشموع. ولكن حتى هذه الشموع يمكنه أن يوقدها بعد غروب الشمس، وليس قبله كما تنص الشريعة، إن وجد أن الالتزام بالشريعة سيسبب له ضيقاً.
وقد أسقط الليبراليون صوم التاسع من آب وغيره من أيام الصوم وهم لا يعتبرون عيد الأسابيع (شفوعوت) عيداً حيث إنهم لا يؤمنون بأن التوراة قد نزلت على موسى في سيناء. وتذهب اليهودية الليبرالية إلى أن اليهودي من وُلد لأم يهودية أو لأب يهودي أو رُبِّي تربية يهودية.
النيولوج
Neologue
« نيولوج» هو الاسم العرفي (غير الرسمي) الذي كان يُطلَق على أعضاء الجماعة اليهودية في المجر والمنتمين إلى اليهودية الإصلاحية. وقد ظهرت الاتجاهات الإصلاحية بين الجماعات اليهودية في المجر في أوائل القرن التاسع عشر والتي واجهت مساعيها وأنشطتها التنظيمية معارضة المؤسسة الأرثوذكسية. وبعد أن مُنح يهود المجر حقوقهم المدنية كاملة عام 1867، قدَّم زعماء طائفة النيولوج في مدينة بست، التي كانت تُعَدُّ مركز أقوى تجمُّع نيولوجي في المجر، مذكرة إلى وزير التعليم والشئون الدينية المجري بشأن الهيكل التنظيمي للجماعة اليهودية المجرية مقترحين عقد مؤتمر لممثلي يهود المجر دون إشراك الحاخامات، وذلك تفادياً لتَفجُّر الجدل حول المسائل العقائدية، وكذلك منعاً لتَدخُّلهم في الشئون التي تتعدى وظائفهم ومهامهم. وقد أصبح هذه الاتجاه، وهو اتجاه عارضه الأرثوذكس وكذلك بعض النيولوجيين، إحدى الركائز الأساسية في تنظيم الطائفة النيولوجية وتجمعاتها. وقد سُمح للحاخامات فيما بعد بحضور المؤتمر. وفي الانتخابات التي جرت داخل الجماعة، حقق النيولوجيون أغلبية في الأصوات إذ حصلوا على 57.5% مقابل 42.5% للأرثوذكس. وفي نهاية عام 1868، تم افتتاح المؤتمر اليهودي العام الذي كانت قضيته الأساسية مناقشة الهيكل التنظيمي للجماعة. وقد سادت المؤتمر خلافات حادة وجدل عنيف، وخصوصاً حول تحديد طبيعة أو ماهية الجماعة اليهودية في المجر، إذ أن النيولوجيين قد اعتبروا الجماعة « جماعة تعمل على تلبية الاحتياجات الدينية » في حين أصر الأرثوذكس على اعتبارها "جماعة من أتباع العقيدة
الموسوية الحاخامية والأوامر التي تم وضعها وتصنيفها في الشولحان عاروخ". ومن القضايا الأخرى التي أثارت الخلاف، المدرسة اللاهوتية للحاخامات التي كان من المزمع إقامتها بتمويل صندوق المدارس الذي أسسه الإمبراطور فرانسيس جوزيف الثاني من أموال الغرامة التي فُرضت على يهود المجر في أعقاب ثورة 1848. وفي النهاية، انسحب ثمانية وأربعون مندوباً أرثوذكسياً من المؤتمر، وتم التصديق على قرارات المؤتمر. وقد نجح الأرثوذكس فيما بعد في تنظيم إطار خاص بهم، وذلك بعد حصولهم على تصريح بذلك من الإمبراطور.

...
....
صورة رمزية إفتراضية للعضو آلـطـور آلآخـر
آلـطـور آلآخـر
عضو
°°°
افتراضي
بـآركـ الله فــيك آيهــآ آلـطيب ...


مواقع النشر (المفضلة)
الفرق الدينية اليهودية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع
النفسية اليهودية
العقائد الخفية للروحانية اليهودية
السموات الدينية و السموات الروحانية.
أصل التعويذة اليهودية (التيفيلن )
الروافد الوثنية للثقافة اليهودية

الساعة الآن 06:15 PM.