عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية غسان
غسان
المدير العام
°°°
افتراضي
بيان‌ ضابطة‌ كلّيّة‌ لتعيين‌ الحدّ في‌ اشتراك‌ الاُفق‌

والذي‌ ألهمنا الله‌ تبارك‌ وتعالي‌ في‌ ضبط‌ قاعدة‌ كلّيّة‌ للآفاق‌ المتّحدة‌ بالنسبة‌ إلي‌ مطالع‌ القمر، هو الاستمداد من‌ زمان‌ غروب‌ القمر في‌ النواحي‌ المختلفة‌، وهو الرابطة‌ بين‌ الزمان‌ والمكان‌: زمان‌ مكث‌ القمر فوق‌ الاُفق‌ حتّي‌ يغرب‌، والمكان‌ البعيد شرقاً عن‌ محلّ الرؤية‌.

بيان‌ ذلك‌: أنّ كلّ درجة‌ من‌ مكث‌ القمر فوق‌ الاُفق‌ تطول‌ أربع‌ دقائق‌ تقريباً، لانّ غروبه‌ إنّما هو بسبب‌ الحركة‌ الوضعيّة‌ للارض‌ من‌ المغرب‌ إلي‌ المشرق‌. والارض‌ تسير نحو المشرق‌ كلّ درجة‌ منها في‌ أربع‌ دقائق‌.

فإذا فرضنا أنّ البعد المعدّل‌ الذي‌ هو عبارة‌ عن‌ الفصل‌ بين‌ مَغيبي‌ النيّرين‌ في‌ محلّ الرؤية‌ يكون‌ عشر درجات‌ أحياناً، ففي‌ هذه‌ الصورة‌ يغرب‌ القمر بَعد أربعين‌ دقيقةً. بمعني‌ أنّ الارض‌ تسير نحو المشرق‌ عشر درجات‌ طولاً في‌ مدّة‌ أربعين‌ دقيقةً حتّي‌ تُخفي‌ القمر تحتها، وبهذه‌ الحركة‌ يصير محلّ الرؤية‌ بعيداً عن‌ المدار بقدر أربعين‌ دقيقةً، ويصل‌ إلي‌ محلّ لم‌ ير القمر حين‌ يراه‌ جميع‌ البلاد التي‌ قبله‌.

فالبلاد الواقعة‌ بين‌ محلّ الرؤية‌ والمحلّ الذي‌ يكون‌ طوله‌ نحو المشرق‌ أربعين‌ دقيقةً، متّحدة‌ الآفاق‌ مع‌ محلّ الرؤية‌؛ لانّ القمر في‌ زمان‌ الرؤية‌ يكون‌ قابلاً لها في‌ جميع‌ هذه‌ البلاد ولو بلحظة‌.

البلاد التي‌ تكون‌ قريبةً بالنسبة‌ إلي‌ محلّ الرؤية‌ تري‌ القمر أطول‌ زماناً من‌ البلاد التي‌ تكون‌ بعيدةً عنه‌، والجميع‌ مشترك‌ في‌ إمكان‌ الرؤية‌؛ وهو المُعبّر عنه‌ بالآفاق‌ المشتركة‌.

لكنّ القمر لا يطلع‌ في‌ جميع‌ الشهور علي‌ نسق‌ واحد حتّي‌ تكون‌ الآفاق‌ المتّحدة‌ مع‌ محلّ الرؤية‌ ثابتةً؛ بل‌ بناءً علي‌ ما مرّ عليك‌ من‌ طلوع‌ القمر في‌ بعض‌ الاحيان‌ قريباً من‌ تقويم‌ الشمس‌ وفي‌ بعضها بعيداً عنه‌ (و هو المعبّر عنه‌ بالبُعد السوي‌) أوّلاً، ومن‌ قرب‌ مغربَيهما تارةً وبُعدهما أُخري‌ (و هو المعبّر عنه‌ بالبعد المعدّل‌) ثانياً، وبارتفاعه‌ عن‌ الاُفق‌ تارةً وانخفاضه‌ أُخري‌ ثالثاً، وبلحاظ‌ اختلاف‌ النواحي‌ والاصقاع‌ طولاً وعرضاً رابعاً، وبسائر الجهات‌ الدخيلة‌ في‌ الرؤية‌ خامساً؛ لابدّ وأن‌ نبيّن‌ تقويم‌ القمر في‌أوّل‌ كلّ شهرٍ علي‌ حدة‌، حتّي‌ نحكم‌ باتّحاد آفاق‌ البلاد التي‌ يكون‌ فيها الهلال‌ قابلاً للرؤية‌ بحسب‌ تلك‌ الشهور.

و معلوم‌ أنّه‌ لايتيسّر لنا الوصول‌ إلي‌ هذا المرام‌ إلاّ بحساب‌ رياضيّ دقيق‌ جدّاً لكلّ شهر بحذائه‌، لكنّ القواعد الشرعيّة‌ المبنيّة‌ علي‌ المساهلات‌ تأبي‌ ذلك‌ كلّه‌؛ فاعتبار المطالع‌ المحوِجة‌ إلي‌ الحساب‌ وتحكيم‌ المنجّمين‌ غير مقبول‌ شرعاً.

فلا مناص‌ إلاّ بالاخذ بالقدر المشترك‌ في‌ الآفاق‌، أي‌ الذي‌ يشترك‌ فيه‌ جميع‌ الشهور.

فبناءً عليه‌ نقول‌: إنّ أقلّ درجة‌ البعد المعدّل‌ للقمر حتّي‌ يصير قابلاً للرؤية‌ يكون‌ ثماني‌ درجات‌، فأقلّ مدّة‌ بقاء القمر في‌ السماء فوق‌ الاُفق‌ المحلّيّ في‌ أوّل‌ دخول‌ الشهر يكون‌ علي‌ حوالي‌ نصف‌ ساعة‌ بعد غروب‌ الشمس‌ ويغيب‌ بعد مضي‌ّ هذه‌ المدّة‌؛ فكلّ بلد شرقيّ قريب‌ العرض‌ بالنسبة‌ إلي‌ محلّ الرؤية‌ إذا كان‌ الاختلاف‌ بينه‌ وبين‌ محلّ الرؤية‌ إلي‌ حدّ نصف‌ ساعة‌ طولاً، تجوز له‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ الاُفق‌ بعد الغروب‌ بمدّة‌ عشرين‌ دقيقةً أو خمس‌ عشرة‌ دقيقةً أو عشر دقائق‌ أو خمس‌ دقائق‌ أو دقيقتين‌، إلي‌ دقيقة‌ واحدة‌ حتّي‌ إلي‌ لحظة‌ واحدة‌، إذا حصلت‌ الرؤية‌ في‌ بلدها وقت‌ غروب‌ الشمس‌. فجميع‌ هذه‌ البلاد متّفقة‌ الآفاق‌ مع‌ محلّ الرؤية‌ وإن‌ لم‌ يَرَ أهلها الهلال‌.

مثلاً إذا رئي‌ الهلال‌ في‌ طهران‌، فتجوز رؤيته‌ في‌ سِمْنان‌ الواقع‌ في‌ شرقه‌ بثماني‌ دقائق‌ طولاً[54]، وفي‌ دَامْغان‌ باثنتي‌ عشرة‌ دقيقةً، وفي‌ شاهرودبأربع‌ عشرة‌ دقيقةً، وفي‌ سَبْزوار بخمس‌ وعشرين‌ دقيقةً، وفي‌ نَيسابور بتسع‌ وعشرين‌ دقيقةً، وفي‌ المشهد الرضويّ علي‌ ثاويه‌ آلاف‌ التحيّة‌ والثناء بثلاث‌ وثلاثين‌ دقيقةً.

وكذا تجوز الرؤية‌ في‌ البلاد القريبة‌ طولاً من‌ هذه‌ البلاد وإن‌ اختلفتا عرضاً في‌ الجملة‌، كآمـُل‌ وساري‌ شمالاً وقُمّ وإصْبَهان‌ جنوباً.

وكذا تجوز الرؤية‌ في‌ البلاد الغربيّة‌ بالنسبة‌ إلي‌ طهران‌ طولاً إذا كان‌ عرضها قريباً من‌ عرضه‌، كهَمَدان‌ وكِرْمَنْشاه‌ وخانِقَيْن‌ وبغداد والقاهرة‌ وغيرها.


فإذاً يستفاد ممّا ذكرنا ضابطة‌ كلّيّة‌ وهي‌:

الآفاق‌ المشتركة‌ عبارة‌ عن‌ جميع‌ البلاد الغربيّة‌ القريبة‌ العرض‌ بالنسبة‌ إلي‌ مطلع‌ القمر، وجميع‌ البلاد الشرقيّة‌ التي‌ كانت‌ مشتركةً في‌ إمكان‌ الرؤية‌ مع‌ بلد الرؤية‌ ولو بلحظة‌، واقعةً في‌ الطول‌ الجغرافيّ بمسافة‌ اثنتين‌ وثلاثين‌ دقيقةً زماناً.