عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية النّجف الأشرف
النّجف الأشرف
عضو
°°°
افتراضي
الباب الأول فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم و العلم بها من آيات مالك الجلالة و من معجزات صاحب الرسالة
اعلم أن كون الأفلاك و الشمس و القمر و النجوم دلالة باهرة دالة على مالك الدنيا و الآخرة مما لا يحتاج إلى برهان لأنه موجود بالعيان و الوجدان قد تضمن القرآن الشريف تنبيه أهل التكليف على الدلالة بها و التعريف .

فأما كونها من معجزات صاحب الرسالة فقد تضمن كتاب الإهليلجة عن مولانا الصادق (عليه السلام) ما يغني عن الإطالة ; فقد قال فيه : فقلت له [يعني للهندي الذي كان يناظره ] أخبرني هل يعرف أهل بلادك من الهند علم النجوم ؟

قال : إنك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم .

قلت : و ما بلغ من علمهم بها ؟

قال : أنا أخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عما سواها .

قلت : فأخبرني و لا تخبرني إلا بخبر صدق .

قال : أما الخصلة الأولى فإن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان منهم .

قلت : و لم ؟

قال : لأن لكل رجل منهم منجما حاسبا فإذا أصبح
[12]
أتى باب الملك فقاس الشمس و حسب فأخبره بما كان في يومه ذاك و ما حدث في ليلته التي كان فيها فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئا أخبره به , و قال فلانة قارفت كذا و كذا مع فلان , و يحدث في هذا اليوم كذا و كذا .

قال : و أما الخصلة الأخرى فإن قوما بالهند بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح و لا خنق و يأخذون أموالهم .

قلت : و كيف يكون هذا ؟

قال : يخرجون مع الرفقة و التجار بقدر ما فيها من الرجال فيمشون معهم أياما بلا سلاح و يحدثون الرجال و يحسبون حساب كل رجل من التجار فإذا عرف أحدهم موضع النفس من صاحبه وكز كل واحد منهم صاحبه الذي حسب له في ذلك الموضع فيقع جميع التجار موتي .

قلت : هذا أرفع من الأول إن كان ما تقول حقا .

قال : أحلف لك بديني أنه حق و لربما رأيت ببلاد الهند بعضهم قد أخذ و أمر بقتله .

قلت : فأخبرني كيف كان هذا حتى أطلع عليه .

قال : بحساب النجوم ؟

قلت : فما سمعت كهذا علما قط و ما أشك أن واضعه الحكيم العليم فأخبرني من وضع هذا العلم الدقيق الذي لا يدرك بالحواس و لا بالعقول و لا بالفكر .

قال : وضعه الحكماء و توارثه الناس فإذا سألت الرجل منهم قاس الشمس و نظر في منازل الشمس و القمر و ما الطالع من النجوم و ما الباطن من السعود ثم يحسب و لا يخطئ و يحمل إليه المولود إذا ولد فيحسب له و يخبر بكل علامة فيه و بما يصيبه إلى يوم يموت.

قلت : و كيف دخل الحساب في مواليد الناس ؟

قال : لأن جميع الناس إنما يولدون بهذه
[13]
النجوم و لو لا ذلك لم يستقم هذا الحساب فمن ثم لا يخطئ إذا علم الساعة و اليوم و الشهر و السنة التي يولد فيها المولود .

قلت : لقد وصفت علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدق منه و لا أعظم إن كان حقا كما قلت من تعريف هذا المولود الصبي و ما فيه من العلامات و منتهى أجله و ما يصيبه في حياته أ فليس هذا حسابا يولد به جميع من في الدنيا من كان من الناس .

قال : بلى لا أشك فيه .

قلت : فتعال ننظر بعقولنا فهم علم الناس هذا و العلم به هل يستقيم أن يكون لبعض الناس إذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم حتى عرفها بسعودها و نحوسها و ساعاتها و دقائقها و درجاتها و بطيئها و سريعها و مواضعها من السماء و مواضعها تحت الأرض و دلالاتها على غامض الأشياء التي وصفت في السماء و ما تحت الأرض فما يقبل عقلي أن مخلوقا من أهل الأرض قدر على هذا .

قال : و ما أنكرت من هذا ؟

قلت : لم أبدأك به إنك زعمت أن جميع أهل الأرض إنما يتولدون بهذه النجوم فأرى الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من بعض أهل الدنيا و لا أشك إن كنت صادقا أنه ولد ببعض هذه النجوم و الساعات و الحساب الذي كان قبله إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس .

قال : و هل هذا الحكيم إلا كسائر الناس .

قلت : أ فليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن هذه النجوم قد خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب و قد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم ؟

قال : بلى .

[14]
قلت : فكيف أهتدي لوضع هذه النجوم و العلم بها إلا من معلم كان قبله و هو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه وضع علم النجوم و هي أساس المولود فالأساس أقدم من المولود و الحكيم الذي زعمت أنه وضع علم النجوم على هذا إنما يتبع أمر معلم أقدم منه و هو الذي خلقه مولودا ببعض هذه النجوم و هو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها و هب إن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف هل كان نظره في هذه النجوم إلا كنظرك إليها معلقة في السماء أ و تراه قادرا على الدنو منها و هي في السماء حتى يعرف منازلها و مجاريها و سعودها و نحوسها و دقائقها و أيها تنكسف عن الشمس و القمر و أيها يولد كل مولود عليها و أيها السعد و أيها النحس و أيها السريع و أيها البطي‏ء ثم يعرف بعد ذلك سعود ساعات النهار و نحوسها و أيها السعد و أيها النحس و كم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض و في أي ساعة يغيب و أي ساعة يطلع و كم ساعة يمكث طالعا و في أي ساعة يغيب و كم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا إن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس و لا يقع عليه الفكر و لا يخطر على الأوهام و كيف اهتدى أن يقيس الشمس حتى يعرف في أي برج هي و في أي برج القمر و في أي بروج السماء هذه السبع النحوس و السعود و ما الطالع منها و الباطن و هي معلقة في السماء و هو من أهل الأرض لا ينظر إليها و قد غشيها ضوء
[15]
الشمس إلا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقي في السماء و أنا أشهد أن هذا العالم لم يقدر على هذا العلم إلا بمن في السماء لأن هذا ليس من علم أهل الأرض .

قال : ما بلغني أن أحدا من أهل الأرض رقي إلى السماء .

قلت : فلعل هذا الحكيم رقي إلى السماء و لم يبلغك ؟

قال : و لو بلغني ما كنت مصدقا .

قلت : فأنا أقولك قولك فهبه رقي إلى السماء فهل كان له بد من أن يجري مع كل برج من هذه البروج و نجم من هذه النجوم من حيث يطلع إلى حيث يغيب ثم يعود إلى الآخر فيفعل مثل ذلك حتى يأتي على آخرها فإن منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة و منها ما يقطع في أقل من ذلك و هل كان له بد من أن يجول في أقطار السماء حتى يعرف مطالع السعود منها و النحوس و البطي‏ء و السريع حتى يحصى ذلك و هبه قدر على ذلك حتى فرغ مما في السماء فهل كان يستقيم له حساب ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض و ما تحتها و أن يعرف ذلك كما عاين ما في السماء فلم يكن يقدر على حسابها و دقائقها و ساعاتها إلا بمعرفة ساعات ما في الأرض منها لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها و كم مكث تحت الأرض و أي ساعة من النهار يغيب غائبها لأنه لا يعاينها بالنهار و لا ما طلع منها و لا ما غاب عنها و لا بد من أن يكون العلم بها واحدا و إلا لم ينتفع بالحساب إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين و البحار و سار مع النجوم و الشمس و القمر في مجاريها على قدر ما سار في السماء .

[16]
قال : و هل رأيتني أجيبك إلى أن أحدا من أهل الأرض قدر أن يطلع إلى السماء و قدر على ذلك فأخبرك أنه دخل في ظلمات الأرض و البحور .

قلت : و كيف وضع هذا العلم الذي زعمت و حسب هذا الحساب الذي ذكرت أن الناس ولدوا به .

قال : أ رأيت إن قلت لك إن البروج لم تزل و هي التي خلقت أنفسها على هذا الحساب ما الذي ترد به علي ؟

قلت : أسألك كيف يكون بعضها سعدا و بعضها نحسا و بعضها مضيئا و بعضها مظلما و بعضها صغيرا و بعضها كبيرا ؟

قال : كذلك أرادت أن تكون بمنزلة الناس و على حدهم فإن بعضهم جميل و بعضهم قبيح و بعضهم طويل و بعضهم قصير و بعضهم أبيض و بعضهم أسود و بعضهم صالح و بعضهم طالح .

قلت : فالعجب منك إني أريدك اليوم على أن تقر بصانع فلم تجبني إلى ذلك حتى كان الآن أقررت بأن القردة و الخنازير خلقن أنفسهن .

قال : لقد منيت منك بما لم يسمع مني الناس .

قلت : أ فمنكر أنت لذلك ؟

قال : أشد إنكار .

قلت : فمن خلق القردة و الخنازير إن كان الناس و النجوم خلقوا أنفسهم فلا بد أن تقول إنهن من خلق الناس أو تقول إنهن خلقن أنفسهن ; أ فتقول إنها من خلق الناس ؟

قال : لا .

قلت : فلا بد أن تقول إنهن خلقن أنفسهن أو لهن خالق ; فإن قلت خلقت لها خالق صدقت و ما أعرفنا به , و إن قلت إنهن خلقن أنفسهن رجعت إلى ما أنكرت .

قال : ما أجد بدا من أن أقول إنهن خلقن أنفسهن كما أقول إن البروج و الناس خلقوا أنفسهم .

[17]
قلت : فكيف لا تجد بدا من أن تقول إن السماء و الأرض و الذر خلقوا أنفسهم فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الإقرار بصانع فأخبرني إذن أن بعضا قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان في يوم واحد ؟ فإن قلت لبعضهن قبل بعض ; فأخبرني السماوات و ما فيهن قبل النجوم خلقن و قبل الأرض أم بعد ذلك ؟ فإن قلت : إن الأرض قبل فلا ترى قولك أن الأشياء لم تزل إلا قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض .

قال : بلى , و لكني أقول خلقن جميعا معا .

قلت : قد أقررت أنها لم تكن شيئا قبل أن خلقت و قد أذهبت حجتك في الأزلية .

قال : إني على حد وقوف لا أدري ما أجيبك به لأني أعلم أن الصانع إنما سمي صانعا لصناعته و الصناعة غير الصانع و الصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل الباني لصناعته البناء و البناء غير الباني و الباني غير البناء و كذلك الحارث غير الحرث و الحرث غير الحارث .

قلت : فأخبرني عن قولك أن الناس خلقوا أنفسهم أ فبكمالهم خلقوها لأرواحهم و أجسادهم و صورهم و أنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم ؟

قال : بكمالهم لم يخلق ذلك و لا شيئا منه غيرهم .

قلت :فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت ؟

قال : أ و تشك أنهم لا شي‏ء أحب إليهم من الحياة و لا أبغض إليهم من الموت ؟

قلت : فأخبرني من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها فإنك لا تنكر أن الموت غير الحياة و أنه هو الذي يذهب بالحياة فإن قلت إن الذي خلق الموت غيرهم ؟ فإن الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة لهم فإن قلت هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم فإن هذا محال من القول و كيف خلقوا
[18]
لأنفسهم ما يكرهون إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم و أن الحياة أحب إليهم من الموت و أنهم خافوا ما يكرهون لأنفسهم .

قال : ما أجد واحدا من القولين ينقاد لي و لقد قطعته علي من قبل الغاية التي أريدها .

قلت : دعني من الدخول في أبواب الجهالات و ما لا ينقاد من الكلام و إنما أسألك عن معلم هذا الحساب الذي علم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلقة في السماء فلا بد أن تقول إن هذا الحكيم علمه حكيم في السماء .

قال : إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الذي تزعم أنه في السماء .

قلت : أما أنت فقد أعطيتني أن حساب هذه النجوم حق و أن جميع الناس ولدوا بها .

قال : أ تشك في غير هذا ؟

قلت : و كذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لم يرقى إلى السماء فيعرف مجاري هذه النجوم و حسابها .

قال : لو وجدت السبيل إلى أن لا أعطيك ذلك لفعلت .

قلت : و كذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لا يقدر أن يغيب مع هذه النجوم و الشمس و القمر في المغرب حتى يعرف مجاريها و يطلع منها إلى المشرق .

قال : الطلوع إلى السماء دون هذا .

قلت : فلا أراك تجد بدا من أن تزعم أن المعلم لهذا من أهل السماء .

قال : لئن قلت لك إنه ليس لهذا الحساب معلم لقد علمت إذن غير الحق و لئن زعمت أن أحدا من أهل الأرض علم علم ما في السماء و ما تحت الأرض لقد أبطلت لأن أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت من هذه النجوم و البروج بالمعاينة فأما الدنو منها فلا يقدرون عليه
[19]
لأن علم أهل الدنيا لا يكون عندنا إلا بالحواس و لا يدرك علم هذه النجوم بالحواس لأنها معلقة في السماء و ما زادت الحواس على النظر إليها حيث تطلع و حيث تغيب فأما حسابها و دقائقها و سعودها و نحوسها و بطيئها و سريعها و خنوسها و رجوعها فأنى يدرك بالحواس أو يهتدى إليه بالقياس .

قلت : فأخبرني لو كنت واصفا معلم هذا الحساب و واضع هذه الأشياء من أهل الأرض أحب إليك أم من أهل السماء ؟

قال : من أهل السماء إذ كانت هذه النجوم في السماء حيث لا يعلم أهل الأرض .

قلت : فافهم و أدق النظر و ناصح نفسك أ لست تزعم أن جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم و أنهن على ما وصفت من السعود و النحوس و أنهن كن قبل الناس ؟

قال : ما امتنع من أن أقول هذا .

قلت : أ فليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك أن الناس لا يزالون و ما زالوا قد أنكر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس فما تجد بدا من القول بأن الأرض خلقت قبلهم .

قال : و لم تقول إن الأرض خلقت قبل الناس ؟

قلت : أ ليس تعلم أنه لو لم تكن الأرض التي جعلها الله لخلقه فراشا و مهادا ما استقام الناس و لا غيرهم من الخلق و لا قدروا أن يكونوا في الهواء إلا أن تكون لهم أجنحة .

قال : و ما تغني الأجنحة إذا لم تكن لهم معيشة .

قلت : ففي شك أنت أن الناس خلقوا بعد الأرض و البروج .

قال : لا , و لكن على اليقين من ذلك .

قلت :آتيك أيضا بما تبصره .

قال : ذلك أنفى للشك عني .

قلت : أ لست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم و الشمس و القمر هو هذا الفلك .

قال : بلى .

قلت : أ فليس كان أساسا لهذه النجوم ؟

قال : بلى .

قلت : فما أرى أن
[20]
هذه النجوم التي زعمت أن مواليد الناس بها إلا و قد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج و يسفل مرة و يصعد أخرى .

قال : قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل إن الفلك الذي يدور بالنجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به .

قلت : فقد أقررت أن خالق النجوم التي يولد الناس بها سعودهم و نحوسهم هو خالق الأرض لأنه لو لم يكن خلقها لم يكن ذر.

قال : ما أجد بدا من إجابتك إلى ذلك .

قلت : أ فليس ينبغي أن يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء إلا الذي خلق الأرض و الذر و الشمس و القمر و النجوم و أنه لو لا السماء و ما فيها لهلك ذرا الأرض .

قال : أشهد أن الخالق واحد غير ذي شك لأنك أتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي و ما أراه يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب و معلم هذه النجوم واحدا لا من أهل الأرض لأنها في السماء و لا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها إلا من يعرف ما في السماء و لا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة و الصواب فإني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرف لأنكرته و لأخبرتك أنه باطل في بدء الأمر و كان أهون علي .

أقول ثم إن مولانا الصادق (عليه السلام) ابتدأ في الاستدلال على الهندي بإثبات الله جل جلاله بطريق إهليلجة كانت في يده و كشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي و إطالة و قد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل و إنما كان مرادنا هاهنا ما يتعلق بالنجوم و أنها
[21]
صادرة من قدرة الله و أنه جل جلاله هو الذي أطلع عباده على أسرارها و كشف لهم عن دلالاتها و آثارها ثم ذكر أن الصادق (عليه السلام) بلغ من الاستدلال مع الهندي إلى أن قال له الهندي معترفا لله بما دل عليه ما هذا لفظه ; و أنه واضع هذه النجوم و الدال على سعودها و نحوسها و ما يكون في المواليد بها و أن التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء و الأرض و ما فيهما و ما بقي لي أمر أذعه و لا شي‏ء أنظر فيه هذا آخر ما أردنا من ذكره مما يتعلق بالنجوم من كتاب الإهليلجة عن الصادق (عليه السلام) .

و أقول فانظر إلى ما تضمنه كلام مولانا الصادق (عليه السلام) فإنه ما أبطل هذا العلم بالكلية و لا طعن فيه بوجه من الوجوه الدينية و لا الدنيوية بل جعل الطريق إليه تعريف الله جل جلاله الأنبياء (عليهم السلام) بالوحي و بما دلهم عليه و أصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا في رواياتهم بأن هذا العلم عن إدريس (عليه السلام) و من يجري مجراه .

و روى الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم الثعلبي في كتاب العرائس في المجالس و يواقيت التيجان في قصص القرآن في قصة إدريس (عليه السلام) تصديق ذلك فقال : و إنما سمي إدريس لكثرة درسه للكتب و صحف آدم و شيث و ابنه أنوش و كان إدريس أول من خط بالقلم و أول من
[22]
خاط الثياب و لبس المخيط و أول من نظر في علم النجوم و الحساب انتهى .

و ذكر علي بن المرتضى في كتاب ديوان النسب في آخر الجزء الثالث منه عن إدريس : أنه أول من خط بالقلم و أول من حسب حساب النجوم هذا لفظه فيما حكاه من التوراة .

و رأيت في رسالة أبي إسحاق الطرسوسي إلى عبد الله بن مالك في باب معرفة أصل العلم ما هذا لفظه : إن الله تبارك و تعالى أهبط آدم من الجنة و عرفه علم كل شي‏ء فكان مما عرفه النجوم و الطب .

و وجدت في كتاب المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب : و معلم إدريس عدد النجوم و الحساب و السنين و الشهور و الأيام .

و ذكر عبد الله بن محمد بن طاهر الطربثي في كتاب لطائف المعارف ما هذا لفظه : أول من أظهر علم النجوم و دل على ترتيبها و قدر مسير الكواكب و كشف عن وجوه تأثيرها هرمس و هو إدريس .

أقول و وجدت في كتاب عتيق عن عطاء قال : قيل لعلي بن أبي طالب هل
[23]
كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه لا نؤمن لك حتى تعلمنا بدء الخلق و آجالها فأوحى الله عز و جل إلى غمامة فأمطرتهم و استنقع ما حول الجبل ماء صافيا ثم أوحى الله عز و جل إلى الشمس و القمر و النجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى تعالى إلى ذلك النبي أن يرتقي هو و قومه على ذلك الجبل فارتقوا و أقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق و آجالهم بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار فكان أحدهم يعرف متى يمرض و متى يموت و من الذي يولد له و من الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم إن داود قاتلهم على الكفر فأخرجوهم إلى داود في القتال من لم يحضر أجله و أخروا من حضر أجله في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء أحد فقال داود ربي أقاتل على طاعتك و يقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله عز و جل إليه أني كنت علمتهم بدء الخلق و آجاله و إنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد فقال داود يا رب على ما ذا علمتهم قال على مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار فدعا الله عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد الوقت و اختلط الليل بالنهار فاختلط حسابهم .

قال علي (عليه السلام) : فمن ثم كره النظر في علم النجوم .

و رويت بعدة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير و هو ممن أثنى المعصوم عليه رضوان الله جل جلاله عليه بإسناده قال :
[24]
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال هو علم الأنبياء قلت أ كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعلمه فقال كان أعلم الناس به .

و وجدت في أصل من أصول أصحابنا اسمه كتاب التجمل : تاريخ مقابلته يوم الأربعاء لسبع بقين من شعبان سنة ثمان و ثلاثين و مائتين في باب النجوم.

بإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قد كان علم نبوة نوح بالنجوم .

أقول قد تضمن هذا الحديث أن نبوة نوح عرفها من كان عارفا بالنجوم و طريقها فكان في علم النجوم دلالة على نبوته و منواة لحجته .

و أما دلالة النجوم على أن إبراهيم (عليه السلام) نبي فمنقولة عند علماء الإسلام ظاهرة بين الأنام فمن ذلك ما رواه صاحب الأصل المذكور الذي تاريخه سنة ثمان و ثلاثين و مائتين .

قال : إن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت الليلة في النجوم عجبا قال ما هو قال رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه و لا نلبث إلا قليلا حتى يحمل به فتعجب من ذلك و قال هل حملت به النساء قال لا بعد فحجب الرجال عن النساء فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لم يخلص بعلها إليها فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمن و كن أعلم الناس بالجنين فلا يكون في الرحم شي‏ء إلا
[25]
عرفنه و علمنه فنظرن فلزم ما في الرحم الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا قال و كان مما أوتي من العلم أن المولود سيحرق بالنار و لم تؤثر به و أن الله سينجيه منها .

أقول و رويت هذا الحديث عن إبراهيم الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) من أصل قرئ على هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله .

و أقول و قد روى هذا الحديث علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في كتاب تفسير القرآن في تفسير قوله جل جلاله فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ في سورة الأنعام بأبسط من هذه الرواية فقال ما هذا لفظه .

و كان من خبره أن آزر أباه كان منجما لنمرود بن كنعان فقال لنمرود إني أرى في حساب النجوم أنه يجي‏ء في هذا الزمان رجل ينسخ هذا الدين و يدعو إلى دين آخر فقال له نمرود في أي بلاد يكون قال آزر في هذه البلاد فقال نمرود أ فولد و خرج إلى الدنيا قال لا قال فينبغي أن يفرق بين الرجال و النساء ففرق و حملت أم إبراهيم بإبراهيم و لم يبن
[26]
حملها فلما حان ولادتها قالت لآزر إني عليلة و أريد أن أعتزل عنك و كانت المرأة في ذلك الزمن إذا اعتلت اعتزلت زوجها فخرجت و اعتزلت في غار فوضعت إبراهيم فهيأته و قمطته و رجعت إلى منزلها و سدت باب الغار بالحجارة و أجرى الله تعالى لإبراهيم لبنا من إبهامه و كان نمرود يقتل كل ذكر يولد فما زال إبراهيم في الغار و كان يشب في اليوم كما يشب غيره في الأسبوع حتى أتي له ثلاث عشرة سنة فزارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقالت يا بني إن الملك إذا علم أنك قد ولدت في هذا الزمان قتلك فأبى عليها و خرج من الغار فلما خرج و كانت الشمس قد غابت رأى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت قال لو كان هذا ربي ما تحرك و ما برح ثم قال لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الآفل الذي يغيب فلما كان بعد ذلك اطلع فرأى القمر المشرق فقال إبراهيم هذا ربي هذا حسن فلما تحرك قال لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فلما أصبح و طلعت الشمس و رأى ضوءها و قد أضاءت الدنيا بطلوعها قال هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فلما تحركت و زالت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فكشف له عن السماوات حتى رأى العرش و ما فوقه و ما تحته و نظر إلى ملكوت السماوات و الأرض .

قال العالم (عليه السلام) لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى دعا على
[27]
ثلاثة فماتوا فأوحى الله إليه يا إبراهيم إن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف صنف يعبدني و لا يشرك بي شيئا فأثيبه و صنف يعبد غيري فلن يفوتني و أعذبه و صنف يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني فلن يفوتني هو .

و رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه و رواه سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب قصص الأنبياء و رواه أيضا الثعلبي في كتاب العرائس و المجالس في قصص القرآن .

و رواه غيرهم من العلماء فلا حاجة إلى الإطالة بروايتهم و يكفي التنبيه عليها للاعتناء .