عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو خادم محمد واله
خادم محمد واله
عضو
°°°
افتراضي
بسمه تعالى .

تكملة البحث السابق للعلامة اية الله مصباح اليزدي حول القلب .


القلب والشعور الباطني
من الأمور التي تُسند الى القلب وتُعدّ من آثاره هي حالات الانفعال والشعور الباطني. وقد أسند القرآن هذه الحالات بتعابير مختلفة الى القلب، ومنها الشعور بـ (الخوف) الذي يُعدّ من الحالات والانفعالات القلبية، ونلاحظ آيات في هذا المجال، من قبيل الآية:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.19
والآية:
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ.20
ففي هاتين الآيتين تمّ استعمال لفظين مشتقين من مادة (وَجَل) التي تُستعمل في معنى الشعور بالخوف.
وفي آيات اُخرى استُعمل لفظ (رُعْب) وهو الآخر يعني الشعور بالخوف مع هذا الفارق ظاهراً، وهو أنّه يتصف بشدّة أكبر، ويستعمل غالباً في موارد الخوف السلبي من قبيل الآية: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ.21
كما جاء هذا التعبير في آية اُخرى: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ.22
والشعور بـ (الاضطراب) من المشاعر الباطنية للقلب كما جاء في القرآن الكريم: قُلُوبٌ يَوْمَئِذ واجِفَةٌ.23
كما أنّ الله يبيّن اضطراب وقلق أمّ موسى(عليه السلام) حينما ألقتْه في النيل والتقطه آل فرعون من الماء بهذا النحو:
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.24
يُستفاد من هذه الآية جيّداً بأن (القلب) يساوي (الفؤاد).
ومن جملة المشاعر الباطنية والحالات التي يسندها القرآن الى (القلب) هو (الحسرة) و(الغيظ) حيث يقول: لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ.25
ويقول في آية اُخرى: وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ.26
ومن الحالات التي تسند الى القلب هي (القسوة) و(الغِلظة) بتعابير من قبيل: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ27 أو قَسَتْ قُلُوبُكُمْ28 أو وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً.29
كما خاطب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في مورد الغلظة:
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.30
فالغلظة تقع في النقطة المقابلة للّين كما جاء في صدر هذه الآية:
فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ.
كما اُسند ما يقابل الحالات المذكورة من قبيل حالة (الخشوع)، و(اللين)، و(الرأفة)، و(الرحمة) و(الإخبات) الى القلب في القرآن من قبيل الآية:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ.31
حيث وضع خشوع القلب قبال قسوة القلب، والآية:
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ.32
والآية: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً.33
والآية: فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ.34
وهناك حالات اُخرى من قبيل (الغفلة) و(الإثم) قد اُسندت في القرآن الكريم الى القلب أيضاً كما جاء في الآية:
وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا.35
وجاء في آية اُخرى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ.36
وهكذا اعتبر (الذكر) و(التوجه) و(الإنابة) و(القصد) و(العمد) من حالات القلب كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ.37
وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ.38
وجاء في آية اُخرى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ.39
وفي آية اُخرى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ.40
وقال في آية اُخرى: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْب مُنِيب.41
كما أن (الإطمئنان) و(السكينة) و(التثبيت) صفات يتصف بها القلب في القرآن الكريم حيث نلاحظ تعابير من قبيل:
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمانِ42 ووَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ.43 ووَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي44 وأمثالها45 في إسناد الإطمئنان والسكينة الى القلب، كما جاء في آية اُخرى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ.46
وقال تعالى في آية اُخرى: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ.47
وفي آية اُخرى:
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ.48
ومن الصفات التي تستقر في القلب: صفتا (الإيمان) و(التقوى) حيث قال تعالى في آية: قالَتِ الأَْعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِْيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ.49
وقال في آية اُخرى: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمانَ.50
كما جاء عن التقوى في بعض الآيات:
وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.51
كما جاء: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى.52
ويمكن القول: إنّ القرآن الكريم يرى أنّ (الطمع) يرتبط بالقلب أيضاً حيث يقول في آية: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.53
و(الزيغ) أيضاً من الحالات التي يسندها القرآن الى القلب في هذه العبارة التي قال فيها: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمْ.54
كما أن (الإشمئزاز) اُسند الى القلب في الآية: وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ.55
وهكذا اعتبر (الصَغْو) و(اللهو) من صفات (القلب) في القرآن الكريم حيث يقول: صَغَتْ قُلُوبُكُما.56 ويقول: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ.57
ويقول في آية اُخرى: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.58
كما أسند (الإباء) و(الإنكار) و(الكذب) و(النفاق) الى القلب في آيات مختلفة، كالآية: يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ.59
والآية: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ.60
والآية: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ.61
والآية: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى.62
حيث نفت الكذب عن القلب، الاّ أنّ نفي الكذب عن القلب يعني إثبات شأنية القلب لنسبة الصدق والكذب إليه، على أنّ نفي الكذب سيكون في ذاته إثباتاً للصدق.
كما أنّ (الحميّة) قد اُسندت الى (القلب) في بعض الآيات، حيث يقول تعالى:
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ.63
كما اُسند (الفزع) الى القلب في الآية:
حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ.64
كما اعتبرت (الطهارة) و(الامتحان) من شؤون (القلب) واُسندا الى القلب في الآيات القرآنية، كالآية: ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.65
والآية: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ.66
فالآيات كلها تشير الى أنّ المراد هو الطهارة والتطهير المعنوي من التلوث وأهواء النفس، كالآية: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى.67
كما أنّ من جملة صفات (القلب) صفتَي (السلامة) و(المرض) كما قال تعالى في الآية: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْب سَلِيم.68
وقال في آية اُخرى: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَِبْراهِيمَ * إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْب سَلِيم.69
وكالآية: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً.70
وأمثال هذه الآيات التي تشير قرائنها الى أنّ المراد من السلامة والمرض ليس السلامة والمرض الطبيعيَّين والماديَّين لكي يتطابق مع (القلب) المادي الكائن في الصدر، بل السلامة والمرض المعنويّين.
كما اُسند (الشوق) و(الميل) الى القلب حيث قال تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.71
كما أنّ (التآلف) و(الاُنس) و(الإستئناس) مع الآخرين عمليات قلبية حيث جاء: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً.72
وجاء في آية اُخرى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الأَْرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ.73
وبملاحظة الصفات والأمور المتنوعة التي نسبت الى (القلب) في القرآن الكريم من قبيل الإدراك، والتدبر، والخوف والاضطراب، والحسرة والغيظ، والقسوة والغلظة، والغفلة والمعصية، والزيغ والكذب، والنفاق والانكار، والذكر والتوجة، والإنابة والإيمان، والتقوى والاطمئنان والسكينة والخشوع والرحمة والرأفة واللين والاُنس والاُلفة والصفات والأعمال المتعدّدة والمتنوعة الاُخرى ـ على التفصيل المذكور آنفاً ـ يمكن الإستنتاج جيّداً بأنّ مصطلح القلب في القرآن يختلف تماماً مع القلب المادي، ولعله يمكن القول: إنّ القلب بمعناه الجسماني لم يستعمل في موضع من القرآن، لانّه لا يمكن اسناد أيّ واحد من هذه الأعمال الى عضو جسمي، وحتّى بعض الصفات النادرة كالسلامة والمرض اللّذين يمكن أن يكونا من صفات القلب المادي فانّ القرائن الحافة بالكلام تدلّ جيّداً على أنّ المراد من السلامة والمرض ليس المعنى المادي والجسماني منهما، بل الجهات الروحية والأخلاقية والمعنويّة.
بناءً على هذا فانّ (القلب) في المصطلح القرآني موجود يتولّى مهمة القيام بهذه الأعمال: الإدراك، والتدبر، وتركيز المشاعر، واتخاذ القرار، والصداقة والعداوة و... ويمكن الادعاء بأن المراد من القلب هو الروح والنفس الإنسانية التي يمكن أن تكون منشأً لجميع الصفات السامية والخصائص الإنسانية، أو منشأً للإنحطاط والرذائل الإنسانية. ويمكن ادعاء هذه الحقيقة وهي عدم إمكان العثور على بُعد من أبعاد النفس الإنسانية، وصفة من الصفات، أو عمل من أعمال الروح الإنسانية آب عن الإسناد الى القلب. نعم، يمكن استثناء مورد واحد وهو أنّ الروح منشأ الحياة لا يصحّ إسنادها الى القلب. لكن لابدّ من الإلتفات الى أنّ المراد من الحياة هنا هي الحياة النباتية والحيوانية، والمراد من الروح هي الروح النباتية والحيوانية، أو هي ـ على الأقل ـ أعمُّ وتشملهما، ولكن لو اعتبرنا الحياة بمعنى الحياة الإنسانية كما قال تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ74
في هذه الحالة يمكن أن نسندها الى القلب أيضاً، لأن الحياة الإنسانية في الحقيقة ليست غير هذه الصفات السامية والخصائص والامتيازات التي تنبع من القلب وتستقر فيه. الاّ أن نقول: إنّ الإنسان لا يملك غير روح واحدة، وهي منشأ حياته النباتية وهكذا الحيوانية والإنسانية. بناءً عليه تكون له روح واحدة كاملة، فهي إضافةً الى دَورها كروح نباتية وحيوانية تمتلك امتيازات وخصائص إنسانية تمتاز بها عن الأرواح النباتية والحيوانية. وبهذا الفرض يكون القلب أحد أبعاد روح الإنسان، وعبارة عن تلك المرتبة الروحية التي تكون منشأً للصفات والخصال الإنسانية التي ذكرناها تفصيلاً. وعلى هذا المبنى يمكن القول: إن الروح منشأ للحياة الحيوانية والنباتية، ولكن لا يمكن اسناد ذلك الى (القلب) باصطلاحه القرآني.
الملاحظة الاُخرى التي يمكن استنتاجها من الآيات هي أنّ للفؤاد معنى القلب ذاته مع فارق أنّ (القلب) إذا كان لفظاً مشتركاً بين (القلب) الجسماني و(القلب) غير الجسماني فانّ الفؤاد يستعمل في (القلب) غير الجسماني فقط، وهذا ـ طبعا ـ فارق في الإستعمال العرفي للّفظَين لا الإستعمال القرآني، إذ كما أشرنا آنفاً لم يستعمل القلب في القرآن بمعنى القلب المادي أبداً، وبناءً عليه فلا وجود لفارق بهذا النحو بين (القلب) و(الفؤاد) في الإستعمال القرآني بهذا المعنى، والدليل على أنّ الفؤاد والقلب متحدان في القرآن هو قوله تعالى:
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.75
هذه الآية استعملت لفظي (القلب) و(الفؤاد) بمعنى واحد وأطلقتهما على شيء واحد.
الدليل الآخر هو أنّ أعمالاً وصفات متشابهةً قد اُسندت إليهما في آيات مختلفة، كما يتضح ذلك من التأمّل في الآيات التي مرّ ذكرها.
ما معنى الصدر؟
التعبير الآخر الذي يلاحظ في القرآن الكريم هو لفظ «الصدر» من قبيل شرح الصدر أو ضيق الصدر، فما هو المراد من الصدر في الآيات الكريمة؟
في الإجابة عن هذا السؤال يمكن القول: المراد من الصدر هو ما يعتبر وعاءً وموضعاً للقلب. وعلى هذا فانّ القلب إذا كان ماديّاً فالصدر مادي أيضاً وسيكون موضعه، وفي القلب المعنوي سيكون الصدر أيضاً بما يناسبه موضعاً غير جسماني، أي إنّ القلب بمضمونه المعنوي ـ وإن لم يكن أمراً جسمانياً لكي يكون وعاءً وموضعاً جسمانياً ـ قد اعتبر له ما يشابه الظرف أيضاً، وذلك نظراً الى اُنس أذهاننا بالماديات والمحسوسات، ويتصور للقلب المادي وعاء باسم الصدر ويمثّل فضاءً أوسع من القلب ويحويه، فقد قدّر للأمور المعنويّة مثل هذا التقدير أيضاً وهو أنّ روح الإنسان وعاء لقلبه وعبّر عنها بالصدر، كهذه الآية التي تقول:
فَإِنَّها لا تَعْمَى الأَْبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.76
إذنْ المراد من الصدر هو الروح ومرجع ضيق الصدر وشرحه الى احساس الروح بالضيق والانشراح.
الحصيلة: يمكن تقسيم خصوصيات القلب التي ذكرناها تفصيلاً الى ثلاث مجموعات: الاُولى ترتبط ـ سلبا أو إيجابا ـ بأنواع المعرفة المختلفة. والثانية ترتبط ببُعد الميول والأحاسيس المتنوعة. والثالثة هي الخصوصيات التي ترتبط بالقصد والارادة والنية.
من اللازم هنا التذكير بهذه الحقيقة وهي أنّ الإنسان في البداية لا فعلية فيه لأيّ بُعد من الأبعاد المذكورة غير مجموعة من الغرائز الحيوانية كغريزة الميل الى الطعام. فالمعرفة في الإنسان تكون بالقوة ولا فعلية لها كما قال تعالى:
وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً.77
والقدر المتيقن هو أن لا وجود في البداية لمعرفة واعية لبني الإنسان الإعتياديين، وهكذا الميول التي تظهر في روح الإنسان إذ لا وجود لها في بدء الخلق الاّ بالقوة، وتتحقّق بالفعل على مدى سنين ومراحل مختلفة للحياة وفي ظروف مؤاتية.
فهذه الأمور توجد بالقوة في النفس وتصل الى الفعلية تدريجيّاً، الاّ أنّ فعليتها غير متساوية، إذْ إنّ بعضها تصبح فعلية بصورة ذاتية وليس لاكتساب الإنسان واختياره دور يذكر في فعليتها كالغريزة الجنسية، وبعض آخر من الغرائز والأمور الفطريّة وغير الإكتسابية التي تجد فعليتها وتصل الى حدّ بلوغها ونضجها في ظروف طبيعية خاصّة. فالإدراكات الحسية في بُعد المعرفة تحصل للإنسان بصورة غير اكتسابية، بمعنى أنّ إعداد أسباب الإدراكات الحسية ليس اكتسابيا. وهذا النوع من الإدراكات يحصل للإنسان في ظروف خاصّة بنحو طبيعي وإن كان بمقدوره الحيلولة دون تحقّق الكثير منها، بأن لا يرى بعض الأشياء ولا يسمع بعض الأصوات، ويتحكم بسائر حواسه الى حدّ ما.
الملاحظة الاُخرى التي ينبغي التذكير بها هي أنّ ما كان من هذه الأبعاد غير اكتسابي ويحصل بصورة طبيعية، ونظراً لعدم دخل اختيار الإنسان فيها فلا يمكن دخوله في دائرة الأخلاق ليكون موضوعاً للمدح والذمّ أخلاقياً، كما هو حال الإنسان في امتلاكه الثروات الطبيعية والقابليات الإلهيّة القهريّة فانّه لا يمدح أو يذمّ عليه أخلاقياً، ولا يتعلّق بها أجر أو عقاب، ولكنه في المواضع التي يكون لاكتساب الإنسان واختياره دور في فعلية هذه الأبعاد يدخل في نطاق الأخلاق ويكون ذا قيمة أخلاقية إيجابيّة أو سلبية. وأما الجهل الفطري والطبيعي الذي يصاحب خلق الإنسان وإن كان أمراً غير اختياري وليس فيه ذمّ أخلاقي، الاّ أنّ طلب العلم والمعرفة والخروج من الجهل الفطري أمر اختياري تماماً، فيمكن أن يعدّ في مجموعة الموضوعات الأخلاقية.

انتهى الموضوع .

والله ولي التوفيق