عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
وكان يخبر بالغيوب والعجائب ( ١) فقيل [إن] ( ٢) ربيعة بن نصر اللخمي رأى
رؤيا هالته، فأمر بجمع الكهان وأصحاب القيافة والزجر، فلما حضروا
عنده قال لهم إني رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها، فقالوا له قصها علينا
نخبرك بتأويلها، فقال ما أطمئن إلى تأويلها إذا قصصتها عليكم، ولا أصدق
في تأويلها إلا من عرفها قبل أن أقصها عليه.
فقال له رجل منهم: لا يفعل ذلك ويوثق بقوله إلا سطيح الذئبي وشق
اليشكري، فهما أعلم، فأرسل إليهما ليقدما عليك.
فقدم سطيح قبل شق، وكان اسم سطيح ربيع بن ربيعة من بني ذئب بن
عدي، فأكرمه ربيعة بن نصر، وقال له إني رأيت رؤيا هالتني، وأريد أن
تخبرني بها وبتأويلها.
فقال سطيح: أقسم بالشفق، والليل إذا غسق، والطارق إذا طرق،
لقد رأيت حممة خرجت من ظلمة، فوقعت في أرض تهمة، فأكلت كل ذات
جممة.
قال صدقت فما تأويلها؟ قال أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليطأن
أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرش.
قال ربيعة إن هذا لغائظ موجع، فهل في زماننا؟ قال لا بل بعده
بحين أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين، ثم تقتلون بها أجمعين،
وتخرجون منها هاربين.
قال فمن بلي ذلك منهم؟ قال غلام رحب الفطرة من آل ذي يزن،
يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن.
قال فما تصنع اليمن؟ قال يملكها بعدهم [قوم ذوو] أخطار من رجال
--------------------
١) ت: من الغيوب بالعجائب. )
٢) ت: ورأى ربيعة. )
(١١٨)
أحرار، قال أفيدوم ذلك أو ينقطع؟ قال بل ينقطع، قال ومن يقطعه؟
قال نبي ذكي أمين قوي، يأتيه الوحي من قبل الواحد العلي: قال وممن هذا
النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن مضر، يكون الملك في قومه
إلى آخر الدهر.
قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم يوم انفطار السماء، والوقوف للجزاء،
بالسعادة والشقاء.
قال وأي يوم هو؟ قال يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، ويسعد فيه
المحسنون، ويشقى فيه المسيئون.
قال أحق ما تخبرنا به يا سطيح؟ قال نعم والشفق، والغسق، والقمر
إذا اتسق، أن ما أنبأتك به لحق.
ومن أخبار أيضا: أنه كان لعبد المطلب بن هاشم ماء بالطائف، يقال
له ذو الهدم، فادعته ثقيف فجاؤه فاحتفروه، فمنعهم عبد المطلب فعظم
خصامهم، فنافرهم عبد المطلب إلى سطيح، فخرج عبد المطلب ومعه ابنه
الحارث، وخرج معه جماعة من قومه، وخرج خصمه جندب بن الحارث في
جماعة من ثقيف، فلما كان في بعض الطريق نفد ماؤهم فطلبوا إلى الثقيفيين
أن يسقوهم فلم يفعلوا، فنزل عبد المطلب وأصحابه، وهم لا يشكون أنه
الموت، ففجر الله عين ماء عذب من تحب جرات بعير ( ١) عبد المطلب
فشربوا واستقوا وحمد الله عز وجل عبد المطلب [وشكره] ( ٢) وساروا على
طريقهم فنفد ماء الثقيفيين فسألوا عبد المطلب أن يسقيهم ففعل فقال له
الحارث: لان أدخل سيفي في بطني أخف علي من أن أفعل ذلك! قال له
( يا بني أسقهم فان الكرم ثقيل الحمل، فسقاهم فساروا فقطعوا رأس جرادة ( ٣
--------------------
١) في ب: من تحت جرار عبد المطلب. )
٢) زيادة عن ت. )
٣) في ب: جران. )
(١١٩)
فجعلوه في خرز ( ١) مزادة، وعلقوه في جلد في عنق كلب لهم اسمه سوار،
وكانت في عنقه قلادة لا تفارقه.
فأتوا سطيحا فلما دخلوا عليه قالوا إنا أتيناك سائلين، قال فماذا تسألون؟
قالوا نسأل عن شئ قد خبأناه، ونحتكم عندك في شئ وقع التخاصم بيننا
فيه، فقال خبأتم رأس جرادة في خرز مزادة في عنق سوار ذي القلادة،
قالوا صدقت فأخبرنا عما اختصمنا فيه إليك، قال احلف بالضوء والظلم،
والبيت ذي الحرم، أن الدفين ذا الهدم، لهذا العربي ذي الكرم، فانصرفوا
وقد قضى لعبد المطلب.
ومن أخباره أن كسرى ابرويز ( ٢) لما رأى في نومه كأنه سقط من قصره
ست عشرة ( ٣) شرفة ارتاع لذلك، فوجه إلى الموبذان فعرفه بذلك، وقال
إن ذلك قد هالني وأفزعني.
قال الموبذان: أيها الملك عسى أن يكون خيرا، وإني أيها الملك كنت
أرى البارحة ان النيران قد خمدت، وقلعت بيوتها وهلك سدنتها وقد أغمني
.( ذلك، وكنت عزمت على أن لا أخبر الملك حتى يوجه إلي فأتيته ( ٤
قال كسرى فما الداعي؟ قال الموبذان قد بلغني ان بأرض العرب كاهنا
يقال له سطيح، يخبر بما يكون قبل كونه، فلو أرسل إليه الملك رسولا
يسأله عن ذلك، فلعله أن يخبره بالجواب فيه.
قال كسرى ومن لنا بحصيف ينفذ في ذلك؟ وكان على باب الملك فيمن
وفد عليه من العرب رجل، يقال له عبد المسيح من رهط سطيح، فأشار
به الموبذان على كسرى، فأحضره ولم يخبره بما رآه، وقال انطلق إلى
سطيح، فاسأله عن رؤيا رأيتها، فإذا أخبرك بها، فاسأله أن يخبرك بتأويلها،
--------------------
١) في ت: جلد. )
٢) في ب: اجرويز وهو خطأ. )
٣) في ب: ستة عشر. )
٤) لعل الصواب فأنبئه. )
(١٢٠)
فإذا أخبرك فارجع مسرعا ولا تتخلف، قال أفعل أيها الملك، فأمر له بمال
وجائزة، وحمله جائزة إلى سطيح.
فركب عبد المسيح راحلته، ومضى مبادرا يقطع المفاوز والفيافي، حتى
لحق مكان سطيح بعد أيام، فلما بلغ بيته وجده عليلا لما به فوقف عليه وسلم
[وجعل يرتجز ويقول ليسمعه:
اصم أم يسمع غطريف اليمن * يا فاصل الخطة أعيت من ومن
من أبيات] ( ١) قال سطيح [مجيبا له] عبد المسيح، على جمل فسيح، أوفى
على سطيح، وقد أشفى على الضريح، يسأل عن ارتجاج الايوان، ورؤيا
الموبذان، وخمود النيران.
قال: فالتأويل يا سطيح؟ قال: تنقضي أيامهم، وتنقطع آثارهم،
وتملك العرب ديارهم، عند ظهور صاحب التلاوة، والقضيب والهراوة.
قال: ومتى ذلك يا سطيح؟ قال: إلى أن يملك منهم ملوك وملكات،
على عدد الشرفات، وقبل ذلك ينقضي امر سطيح ويواريه الضريح،
ولا يصلح [له] فيها قرار.
وقد روي [هنا] الكلام على غير هذا النوع وأكثر منه كلاما ( ٢) فرجع
عبد المسيح إلى كسرى، وقد دعى كلامه، فعجب كسرى وسره وقال:
إلى أن يلي منا ستة عشر ملكا يكون سعة لدفع الهم، ولعل ذلك لا
--------------------
١) زيادة عن ت. )
٢) عبارة ت: عبد المسيح، على حمل مسيح، يسأل عن خمود النيران، رؤيا الموبذان وسقوط )
الايوان، لاخبر بالبرهان، أما عدد الشرفات فيلي مثلها ملوك وملكات وخمود النيران ينقضي
ملكهم على الزمان، وذلك عند ظهور صاحب التلاوة أمر والقضيب والهراوة، فتنقضي آثارهم،
وتملك العرب ديارهم، وهناك ينقضي سطيح، ويواريه الضريح، ولا تكون الدنيا له بدار ولا
يقر به فيها قرار، وقد يروون هذا الكلام على غير هذا السجع.
(١٢١)
يكون، فرأى الملك منهم تلك العدة في سنين قليلة حتى انقضى ملكهم في
.( خلافة عثمان رضي الله عنه ( ١
وقيل إن الرؤيا كانت ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال إن سطيحا
عاش أربعمائة سنة.
وأما شق الأول، وهو شق بن حويل بن إرم بن سام بن نوح عليه
السلام، فهو أول كاهن في العرب العاربة، وارم أبو الجبابرة من عاد وثمود
وطسم وجديس وغيرهم، ويقال إنه كانت له عين واحدة في جبهته،
ويقال إنه [كان] يشق وجهه نار.
ويقال ان الدجال من ولده، ويقال إنه هو الدجال بعينه، أنظره الله
إلى وقته، وهو محبوس في بعض جزائر البحر.
وفي حديث تميم الداري انه خرج في بعض الاسفار فوقع إلى جزيرة،
فرآه وخاطبه، وسأله عن ظهوره، وانه وجده مغلولا، مشدودا إلى
صخرة، وأن الشياطين تأتيه بما يأكله، على ما يقول.
وفي خبر آخر أنه لا يحتاج إلى الغذاء، ورآه تميم الداري، وله عين
واحدة، وحدث بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرويه عنه فيقول: حدثني تميم
الداري، ويذكر طرفا من خبر الدجال.
ويقال إن أمه امرأة من الجن عشقت أباه حويلا، فتزوجته فأولدها
الدجال وهو خوص بن حويل، وكان مشوها مبدلا، وكان إبليس يعمل له
العجائب، فلما كان وقت سليمان عليه السلام دعاه فلم يجبه، فحبسه في
جزيرة في البحر.
وقيل إن أباه استهوته الشياطين لما كانت أمه منهم، وانه من مدينة
ماريول التي غلبت عليها الجن، وهي من مدائن المغرب، وأن الجن في طاعته.
--------------------
١) ت: عمر رضي الله عنه. )
(١٢٢)
ويقال إن خوصا هذا كان يحضر السارق فيأمره برد ما سرق، فان
فعل وإلا صار حية فيلتوي في عنقه فيقتله، وقيل أنه ربما خاطبهم ولا
يرونه، وكان إذا حكم على أحد فلم يرض حكمه بصبص ( ١) أحذقته في إحدى
عينيه فرده أعور.
وقيل إن مجلسه كان في قبة بوادي برهوت في اليمن، وكانوا يحجون
إليه، وقيل إنه لم ينم قط، وانهم كانوا يرون فوق عينيه نارا بيضاء،
وكذلك عن الموضع الذي هو فيه مسجون انه يعلوه بالليل نار مضيئة،
وبالنهار دخان.
وأما شق اليشكري وكان حكيم العرب في الجاهلية، وقد كان ربيعة بن
نصر لما رأى رؤياه وجه إلى شق وسطيح، فأتاه سطيح قبل شق، وكان
من جوابه ما قدمنا ذكره في أخبار سطيح، فلما قدم عليه شق قال له: يا
شق اني رأيت رؤيا هالتني فما هي؟ وكتمه قول سطيح، فقال له شق رأيت
حممة، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روض وأكمة فأكلت كل ذات نسمة،
( قال: صدقت فما تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرتين من انسان، ليطأن ( ٢
أرضكم السودان، وليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين
إلى نجران.
قال: أيكون في زماننا هذا؟ قال: بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم عظيم
ذو شان، قال: وممن هو هذا العظيم؟ قال: غلام من بيت ذي يزن، فلا
يترك أحدا منهم باليمن، قال: فهل يدوم ذلك؟ قال: بل ينقطع برسول
يرسل، يأتي بالعدل بين أهل الدين والفضل، يكون الملك فيهم إلى يوم
الفصل، قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم يدعى من السماء بدعوات، يسمع
--------------------
١) في ب: فضض. )
٢) في ت: ليهبطن. )
(١٢٣)
بها الاحياء والأموات، ويجمع الخلق فيه للميقات، يكون فيه لمن آمن الخير
والخيرات، ولمن كفر الويل والترحات، قال: أحق ما تقول يا شق؟ قال:
اي ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، أن ما أنبأتك به
لحق محض، ما فيه كذب ولا نقض، فأجازه ربيعة بجائزة سنية، ووصله
وصرفه.
خبر اليمامة الزرقاء
وهي صاحبة جو واليمامة، سميت بها، وصاحبة البحرين، وقيل إن
أمها كانت كاهنة، وكان لها رئي ( ١) من الجن وهي من جديس، وكانت جديس
وطسم بمكان فغلبت طسم على جديس، وملك الجميع عملوق بن الطسم، وكان
يفترع النساء قبل زواجهن، فاحتالت جديس عليه فقتلوه وقتلوا كثيرا من
طسم فاستنصرت بقايا طسم بحسان بن تبع الحميري، فغزا جديسا طالبا
بثار طسم.
وكانت اليمامة الزرقاء وعينها الواحدة أكبر من الأخرى، فإذا أغلقت
الكبرى أبصرت بالصغرى على الفراسخ الكثيرة والأمد البعيد، وقيل إنها
كانت [ترى] ( ٢) فلك القمر، فتخبر عنه بأشياء عجيبة.
وقد كان اتصل بجديس استنصار طسم بحسان بن تبع الحميري، فقطنوا
وقالوا لليمامة: انظري فنظرت، وقالت: أقسم بمهب الرياح، والآكام
والبطاح، والمساء والصباح، ليأتين من حمير [الجيش] الرداح، والخيل والسلاح،
فلا ترون من بعدها فلاح.
فلما أصبحوا في اليوم الثاني قالوا لها: انظري فنظرت، وكان حسان
--------------------
١) وفي ت: رئيس والصواب رئي. )
٢) عن ت. )
(١٢٤)
لما قرب من جو بأربعة أيام قال لأصحابه ان اليمامة ستراكم على البعد الكثير
فتنذر بكم، فليحمل كل واحد منكم غصنا من شجرة أعظم ما يقدر عليه
ليسدل أغصانه عليه وجوانبه، ففعلوا ذلك.
فقالت اليمامة لما رأت ذلك: يا جديس قد أتتكم الشجر، تخبط المدر،
فاستعملوا منها الحذر فكذبوها، وقالوا لها: أتسير الشجر؟
فلما كان في اليوم الثالث قالوا لها: انظري، فنظرت فقالت: أرى رجلا
في كتفه كتف، أو نعل يخصفه فكذبوها، وقالوا قد تغير نظرها، وكيف
ترى على هذا البعد ما لم يتصل بنا خبره، فكان حسان يسير بالليل ويكمن
بالنهار، إلى أن صبحهم فقتلهم أبرح قتل، وهدم منازلهم واستباح نساءهم.
وأخذ اليمامة، وقال لها ألا عرفتيهم بمسيري؟ قالت: قد فعلت لو
قبلوا، ونظر فرأى في عينها عروقا سوداء، فقال لها: بم كنت تكتحلين؟
فقالت له: بحجر الأثمد، مربى بماء المطر. فقيل انه قطع يدها ورجلها،
وقلع عينها وصلبها، فيقال: إن رئيها من الجن لطمه فأعوره، ومنعه النوم
فلم يكن ينام.
وقد ذكرت الشعراء اليمامة فأكثروا، قال الأعشى يذكرها في القصيدة
التي أولها:
بانت سعاد فأمسى حبلها انقطعا
فقال يذكرها ونظرها:
ما نظرت ( ١) ذات أشفار كنظرتها * حقا كما نظر الربى إذا شجعا
فكذبوها بما قالت فصحبهم * جيوش حسان تزجي الموت والسلعا
وإياها عنى:
--------------------
١) من هنا إلى ذكر عجائب مصر لا يوجد. )
(١٢٥)
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * * إلى حمام شراع وارد الثمد
تحفه جانبا بير ويتبعه * مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد
قالت الا ليتما هذا الحمام [لنا] * إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما حسبت * تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة منها حمامتها * وأسرعت حسبة في ذلك العدد
وقصتها في حديث الحمام مشهورة، وهذا هو القول الذي سجعت
هي به:
ليت الحمام ليه إلى حمامتيه
أو نصفه قديه [تم الحمام ميه]
ذكر عجائب مصر وأخبار ملوكها وكهانها
لما ذكرنا الكهان وجب علينا أن نذكر كهنة مصر، لأنهم كانوا أعظم
الكهان قدرا، وأجلهم بالكهانة علما ( ١) وكان حكماء اليونانيين يصفونهم
بذلك، ويقولون أخبرنا حكماء مصر بكذا، واستفدنا منهم كذا وكذا.
وكان هؤلاء ينحون في كهانتهم نحو الكواكب، ويزعمون أنها هي التي
تفيض عليهم العلوم وتخبر بالغيوب، وهي التي علمتهم أسرار الطبائع،
ودلتهم على العلوم المكتومة فعملوا الطلسمات المشهورة، والنواميس الجليلة
وولدوا الاشكال ( ٢) الناطقة، وصوروا الصور المتحركة، وبنوا العالي من
البنيان، وزبروا علومهم من الطب في الحجارة، وانفردوا بعمل البرابي، وعملوا من
الطلاسم ما نفوا به ( ٣) الأعداء عن بلادهم وعجائبهم ظاهرة، وحكمتهم
واضحة.
--------------------
١) في ت: حذقا. )
٢) في ت: وأولدوا الدلالات. )
٣) في ت: ومنعوا بها الأعداء. )
(١٢٦)
وكانت مصر خمسا وثمانون كورة منها بأسفل الأرض خمس وأربعون،
ومنها بالصعيد أربعون وكان في كل كورة رئيس من الكهنة، وهم الذين
ذكرهم الله تعالى في قصة فرعون لما أشار عليه أصحابه، وقالوا (ابعث في
المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم) يريد هؤلاء الرؤساء.
وكان الذي يتعبد منهم لكوكب من الكواكب السبعة المدبرة سبع سنين
يسمونه ماهرا، والذي يتعبد منهم للكواكب السبعة لكل واحد منهم سبع
سنين، فمن بلغ هذه المرتبة منهم سمي قاطرا ( ١) وصار يجلس مع الملك ويصدر
الملك عن رأيه، وإذا رآه قام إجلالا له، وكان زيهم أن يدخل كل يوم إلى
الملك فيجلس إلى جانبه فتدخل الكهنة، ومعهم أصحاب الصناعات فيقفون
حذاء القاطر، وكل واحد من الكهنة منفرد بكوكب يخدمه لا يتعداه إلى
سواه، ويسمى بعبد كوكب كذا، كما كانت العرب تسمي عبد الشمس،
فيقول القاطر لاحد الماهرين أين صاحبك؟ فيقول في البرج الفلاني في الدرجة
الفلانية في دقيقة كذا، ويسأل الآخر في حذائه، حتى إذا عرف مستقر
الكواكب، قال للملك ينبغي أن يعمل الملك اليوم كذا وكذا، ويأكل
كذا وكذا، ويجامع في وقت كذا، ويقول له جميع ما يراه صلاحا، والكاتب
قائم بين يديه يكتب جميع ما يقول.
ثم يلتفت إلى أهل الصناعات [فيقول أنقش أنت صورة كذا على حجر
كذا فمتى رسم على أهل الصناعات] ( ٢) فيخرجون إلى دار الحكمة،
فيضعون أيديهم في الأعمال التي يصلح عملها في ذلك اليوم:
ويستعمل الملك جميع ما قاله القاطر، ويؤرخ جميع ما جرى من هذا
--------------------
١) في ب: ناظر، وقد رسم هكذا في كل موضع جاء فيه، والصواب ما ذكرناه. )
٢) الزيادة عن ت. )
(١٢٧)
وشبهه في ذلك اليوم في صحيفة، وتطوى وتودع في خزائن الملك فعلى ذلك
جرت أمورهم.
وكان الملك إذا حزبه ( ١) أمر بجمعهم بخارج مصر، ويصطف لهم
الناس بخارج المدينة ثم يقدمون ركبانا، يتقدم بعضهم بعضا، ويضرب بين
أيديهم بطبل الاجتماع، فيدخل كل واحد منهم بأعجوبة، فمنهم من يعلو
وجهه نور مثل نور الشمس فلا يقدر أحدهم النظر إليه، ومنهم من يكون على
يديه جوهر أخضر وأحمر على ثوب من ذهب منسوج، ومنهم من يكون
راكبا على أسد متوشحا بحيات عظام ومنهم من تكون عليه قبة من نور أو
جوهر في صنوف من العجائب الكثيرة، إلا أن كل واحد إنما يصنع ما يدل
عليه كوكبه الذي يعبده، فإذا دخلوا على الملك قالوا أرادنا الملك الامر
كذا، وأضمر الملك كذا، والصواب فيه كذا.
* * *
وكان بمصر القديمة واسمها أمسوس ملك كاهن يقال له عيقام من ولد
عرباق ( ٢) ابن آدم فتحكي أهل مصر عنه حكايات كثيرة تخرج عن العقل.
وكان قبل الطوفان وقد رأي في علمه كون الطوفان، فأمر الشياطين
الذين تطيعه أن يبنوا له مكانا خلف خط الاستواء، بحيث لا يلحقه شئ من
الآفات، فبنوا له القصر الذي [على] سفح جبل القمر، وهو قصر النحاس
الذي فيه التماثيل من النحاس، وهي خمسة وثمانون تمثالا، يخرج ماء النيل
من حلوقها، وينصب إلى بطحاء مصر.
فلما عمل له ذلك القصر أحب أن يراه قبل أن يسكنه، فجلس في قبة،
--------------------
١) في ب: إذا أحزبه، وفي ت: إذا جربه، والصواب ما ذكرناه. )
٢) في ب: عراب. )
(١٢٨)
وحملته الشياطين على أعناقها إليه، فلما رآه ورأى حكمة بنائه، وزخرفة
حيطانه، وما فيها من النقوش وصور الأفلاك، وغير ذلك من العجائب،
وكانت المصابيح تسرج فيه، وتنصب فيه موائد يوجد عليها من كل الأطعمة،
ولا يرون من يعملها، وكذلك لا إنس به.
وفي وسط القصر بركة من ماء جامد الظاهر ترى حركته من وراء ما جمد
منه، وأشياء كثيرة من هذا المعنى، وإن كانت تنبو عنها العقول.
فأعجبه ما رأى ورجع إلى مصر فاستخلف ابنه عرباق ( ١) وأوصاه بما
يوجب له الملك وولده على مكانه، ورجع هو إلى ذلك القصر، وأقام به
حتى هلك هناك.
واليه تعزى مصاحف القبط، التي فيها تواريخهم.
قونية الكاهنة
وفي مصاحف القبط أنها كانت تجلس على عرش من نار، فإذا ما احتكم
إليها الرجل، وكان صادقا شق ( ٢) على النار حتى وصل إليها ولم تضره.
وكانت تتصور عليهم في أشكال كثيرة من الصور، إذا شاءت ( ٣) ثم
بنت لنفسها قصرا واحتجبت فيه عن الناس، وجعلت حيطانه من نحاس
مجوفة، وكتبت على كل أنبوب فيها من الفنون التي يتحاكم إليها فيه فكان
الذي يتحاكم إليها يأتي إلى الأنبوب الذي كتب عليه ذلك الفن، فيتكلم بما
يريده، ويسأل ذلك ما قصد له بصوت خافض غير عال، فإذا فرغ من
--------------------
١) في ت: عريان. )
٢) في ت: خاض النار. )
٣) ت: كيف شاءت. )
(١٢٩)
كلامه جعل هو أذنه على ذلك الأنبوب، فيأتيه الجواب منه بكل ما
يريده، فلم يزالوا مستعملين ذلك، إلى أن خرب بخت نصر البلد.
وكان عرباق بن عيقام الملك قد تكهن بعد أبيه وعمل عجائب كثيرة،
منها شجرة من صفر لها أغصان حديد بخطاطيف حادة، إذا تقرب الظالم إلى
الملك تقدمت إليه تلك الخطاطيف، وتعلقت به وشبكت يديه، ولم تفارقه
حتى يحدث عن نفسه بالصدق، ويعترف بظلمه، ويخرج من ظلامة خصمه.
ومنها صنم من صوان أسود سماه عبد أفرويس ( ١) أي عبد زحل، كانوا
يختصمون إليه، فمن زاغ عن الحق ثبت مكانه، ولم يقدر على القيام حتى
ينصف من نفسه، ولو أقام سنة أو أكثر.
ومن كانت له حاجة منهم أو طلب شيئا عند ذلك الصنم، قام ليلا ونظر
إلى الكوكب، فذكر اسم عرباق وتضرع، فيصبح وقد وجد حاجته على
باب منزله.
وكان ربما حملته أطيار عظام، وهو في مرتبته فيمر بهم وهم يرونه في
الهواء فيزدادون له عبادة وهيبة، وربما علا على ناس منهم فملأ ماءهم من
الأقذار، وسلط عليهم وحوش الأرض وسباعها وهوامها.
وكان من كهانهم فيلمون، وقد ذكرنا خبره مع نوح عليه السلام، وكان
منهم شيمون ( ٢) وهو الذي كان يوقد النار، ويتكلم عليها، فتطلع منها
صورة نارية، وكانت الكهانة عندهم عمل المعجزات، ولم يزل هذا كاهنا إلى
وقت فرعون ملك مصر الذي كان الطوفان في أيامه، وكان يسكن الهرم
( المجوسي ( ٣) وكان هيكل الكواكب، وكانت فيه صورتا الشمس والقمر ( ٤
--------------------
١) في ت: قرويش. )
٢) ت: سيبون. )
٣) في ت: البحري. )
٤) ب: وكانت في صورة الشمس والقمر. )
(