عرض مشاركة واحدة
صورة رمزية إفتراضية للعضو علي العذاري
علي العذاري
انتقل لرحمة الله
°°°
افتراضي
المعاني والمذاهب، وفيها أصناف من الدواب
وفي بحر الزنج جزائر كثيرة يستخرجون منها الودع والحلزونات الملونة
وهم يلبسونها مثل الحلي. ويدفنون أنياب الفيلة، فإذا عفنت أتى تجارها من
الهند السند فاشتروها منهم
وفي بحر هر كند على ما ذكره بطليموس وجماعة من البحرين ألف وسبعمائة
جزيرة عامرة سوى الخراب، ويملك هذه الجزائر كلها امرأة، ويقع إليها
عنبر كثير، وربما وقع إليها القطعة بقدر البيت أو نحوه، وإنما يخرج هذا
العنبر إذا هاجت الريح من قعر البحر رمت من تحته فقذفت به إلى السواحل.
وهذه عامرة بالناس وتجارتهم الودع يأتيهم على وجه الماء وفيه روح، فيأخذون
شقف النار جيل فيطرحونها على وجه البحر، فيتعلق هذا الودع بها فيأخذونه
منه ويجمعونه
وملك المهراج عظيم مملكته ليس في البحر بالشرق أكثر من جزائره، ولو شاء إنسان
أن يركب مركبا، ويطوف بها لم يدرها في سنين كثيرة
وهو بحر لا تحصى عجائبه، وعند ملوكه جميع الأفاويه من الكافور
والقرنفل والجوزة والبسباسة والقاقلة والكبابة والعود، وليس لغيره من الملوك
ما له من العطاء ولا يشاركه في ذلك أحد تتمنهم ببلاد الصين يقال إن بلاد
الصين ثلاثمائة مدينة ونيف، عامرة كلها سوى القرى والأطراف والجزائر، وأبواب
الصين اثنا عشر ( ١) بابا، وهو جبل في البحر بين كل جبلين منها فرجة
وبحر يصار منه إلى موضع مدينة من مدائن الصين المعروفة الكبار
وهذه الجبال التي تمر بينها المراكب مسيرة سبعة أيام فإذا جاوزت السفينة
هذه الأبواب صارت في بحر فسيح وماء عذب، وصارت كذلك حتى تسير إلى
--------------------
١) في ب: اثنى عشر. )
(٦٠)
الموضع الذي تريده من بلاد الصين.
وأول مرسا تنزله خانقوا وماؤها عذب من أنهار عذبة وفي كلها أمن ومصالح وشجر
وعمارة وزرع، وفي تلك الميناء ( ١) أودية كلها تدور [بين] جزيرتين
في اليوم والليلة، وفي هذا المرسا أسواق وتجار وخروج ودخول، وتجارات
تحط، ومراكب تذهب وتجئ.
وجزيرة خلنجان فيما بين سرنديب وفلنتن ببلاد الهند فيها قوم سود عراة
إذا وقع إليهم إنسان عربي ( ٢) من غير بلادهم، علقوه من كسائه و قطعوه
قطعا، وليس لهم ملك
وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب السكر، وبها آجام تنبت
الخيزران، وهم عراة لا يستترون بشئ، وبقرب الصين موضع من البحر
يقال له منجي وهو أخبث البحار وأكثرها رياحا وموجا ومضايقا وجبالا،
تتطاير منه إلى المراكب صبيان مثل صبيان الزنج، طول أحدهم نحو خمسة
أشبار يخرجون من الماء ويتواثبون إلى المراكب ويدورون فيها، ولا يؤذون
أحدا ثم يعودون إلى البحر، فإذا كان ذلك منهم وظهروا كان ذلك علامة لأخبث
الرياح عندهم، فيستعدون ويأخذون أهبتهم، ويخففون المراكب، ويلقون
بعض ما فيها و يقطعون من الذقل ذراعا أو ذراعين إن خافوا كسرها
ويقولون أيضا إنهم إذا رأوا على دور المكان سمكة يقال لها البليقة يكون
منها ما طوله مائة ذراع في عرض عشرين ذراعا وينبت على ظهرها الحجارة،
وربما تعرضت للمراكب فكسرتها
وزعموا أنها ربما قربت من الساحل وهي لا تعلم، فتندفع بقوتها تتبع لبعض
--------------------
١) في ب: الماء ودية ولعل الصواب ما ذكرناه. )
٢) كذا في ب، ت ولعل الصواب غريب والرسم لا يأباه. )
(٦١)
السمك هارب منها فلا تشعر الا وقد حصلت في البر بجملتها فلا يمكنها
الرجوع فتهلك
فإذا كان كذلك قطع لحمها وذوب في القدور فيذوب لحمها كله، ويصير
دهنا ينتفع به في المراكب وغيرها
وجزيرة بقرب الزنج فيها جبل يقال لها جبل النار يظهر منه بالنهار دخان
وبالليل لهب نار، فلا يقدر أحد على الدنو منه.
وجزيرة المدر وهم سودان ولهم مدينة لها بارند، وأهل هذا البلد يقطعون
الطريق ويسبون ويقتلون.
فالمراكب الصينية يعد فيها التجار السلاح والنفط، وربما كان في المراكب
أربعمائة نفس من التجار وخمسمائة مقاتل، فلا يطمع فيهم، ويطمع في سواهم،
وتغتال سفينتهم
وجزيرة الرانج وهي جزيرة عظيمة كثيرة الأهل والزرع والتجارات
ويقال إنها لما فسد من بالصين بالخوارج والهرج صارت المراكب الصينية تقصد
جزيرة الرانج هذه ويقاتلون أهلها وكذلك جزائرها كلها ومدائنها.
وأصبح أبواب الصين في التجارات الباب الذي يدخل منه إلى خانقوا وهو
أقرب، ومن دخل من غيره بعد الطريق عليه
وجزائر الرانج كثيرة منها جزيرة تعرف بسديدة، تكسيرها أربعمائة
فرسخ وبها متاجر وطيب
وجزيرة الرامي أيضا عامرة يقال إن تكسيرها ثمانية فراسخ فيها منابت
البقم وفيها الكافور والأوفاوية وتكسيرها ثمانون فرسخا
وجزيرة كله، يقال إنها النصف بين أرض الصين وأرض العرب وتكسيرها
ثمانون فرسخا.
(٦٢)
وبكله مجتمع الأمتعة من العود والكافور والصندل والعاج والرصاص القلعي
والآبنوس والبقم، والجهاز إليها في هذا الوقت من عمان.
وجزيرة المهراج الذي هو ملك هذه الجزيرة، وهي جزيرة كبيرة في غاية
العمارة والخصب.
حكي عن بعض التجار الذين يوثق بقولهم أن الديكة إذا غردت بها في
الأسحار تجاوبت من نحو مائة فرسخ لاتصال عمارتها، وانتظام قراها لا مفاوز
فيها ولا خراب، وأن المسافر يسافر فيها بلا زاد، وينزل حيث أراد.
وفي جزيرة سرنديب موضع يجتمع إليه أهليها يتدارسون فيه سريانياتهم، وقصص
ملوكهم في الزمن السالف
وبها صنم عظيم من ذهب مبلغ وزنه وقدر الجوهر الذي عليه مائة رطل
وهو في هيكل لهم
وفيها مواضع أخرى يجتمع فيها اليهود وأهل الملك يتدارسون فيها علومهم
ويتكلمون في أديانهم، والملك يبيح لهم ذلك
وفي هذه الجزيرة أعناب يقال لها أعناب سرنديب، والعنب واد عظيم
يجوز المجتاز في هذا العنب شهرين وأكثر في رياض وغياض وهواء معتدل،
( والشاة عندهم بنصف درهم، وأكثر عملهم القمار بالنرد والشطرنج، ويستزير ( ١
الرجل المرأة بعلم أهلها
وجزيرة الرانج جزيرة كبيرة واسعة، وكلما يزرع فيها من ذرة وقصب
وسائر النبات فهو أسود، ولهم في جزائرهم قوم يعرفون بالمخرمين قد خرمت
أنوفهم، وقد أتموا أسلحتهم ويأخذ بطرف كل سلسلة يجره ويمنعه من التقدم حتى
يسفر السفراء ( ٢) بينهم فان وقع الصلح وإلا شدت تلك السلاسل في أعناقهم
--------------------
١) في ب ويستريد. )
٢) في ب: يصفر الصفراء والصواب ما ذكرناه. )
(٦٣)
وتركوا للحرب، فلم تقم لهم قائمة، ويأكلون من وقعت عليه نهشا، ولا
يزول أحدهم من مركزه دون أن يقتل
وللعرب في قلوب الزنج هيبة عظيمة، فإذا عاينوا رجلا منهم سجدوا له
وقالوا هذا ابن مملكة تنبت في بلادهم شجر التمر، لجلالة التمر في صدورهم
ولأن العرب إنما يصرفون صبيانهم بالتمر
وفيهم خطباء بلغاء بألسنتهم، ومن يتعبد منهم يستتر بجلد نمر، ويأخذ
بيده عصا، ويجتمع إليه الناس ويقف على رجله من أول النهار إلى الليل يخطب
ويذكرهم الله تعالى، ويذكر لهم أمور من ملك منهم، ومن مضى من الملوك.
وجزيرة سقطرى وبها منابت الصبر السقطري، وموضعها بين بلاد الزنج
وبين بلاد العرب، وأكثر أهلها نصارى.
( والسبب في ذلك أن الإسكندر لما غلب على ملوك فارس وقتل فور ( ١
الهندي، وكان يكاتب أرسطاطاليس بما يجري من امره، ويعرفه بما وقف
عليه وغلبه عليه من الممالك، وكان أرسطاطاليس يكتب إليه ويؤكد عليه في
طلب جزيرة في البحر تعرف بسقطرى لان بها منابت الصبر السقطري، وبها
الدواء العظيم الذي لا تتم الايارجات إلا به، وأن الجزيرة إن وجدها لا ينتقل عنها حتى
يصلح عمارتها ويسكنها قوما من اليونانيين ويطوف ( ٢) لهم بملكها
والحفظ لها ( ٣) ففعل الإسكندر ذلك، وتقدم إلى ملوك الطوائف بالاحتفاظ
بها، وكان ذلك حتى بعث السيد عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم وتنصرف الروم
ودخل
هؤلاء في الجملة وتنصروا مع الناس فبقاياهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من
يسكنها من عندهم، وفي البحر الكبير الذي عن يمين الخارج من عمان جزائر
--------------------
١) في ب: قوز. والصواب ما ذكرناه كما هو معروف في كتب التاريخ. )
٢) لعل الصواب ويصدق. )
٣) في ب: بها. )
(٦٤)
كثيرة، وهي تحاذي بلاد الشجر فيها منابت اللبان، وما يتصل بذلك
من ارض عاد وجرهم والتبابعة
وفيها قوم من العرب وهم في هذه الجزيرة في قشعمة وضيق عيش إلى أن
تتصل بعمان وسواحل اليمن فيتسع أمرهم قليلا، وعيش هؤلاء من السمك ومن
نبات عندهم، وربما وقع إليهم العنبر فباعوه من أصحاب المراكب.
وبحر اليمن متصل ببحر البحار والقلزم، وينقطع هناك، ومن عجائب
الجزائر التي في هذا البحر جزيرة يقال لها سلطا منها قوم يسمع كلامهم
وضجيجهم وتصرفهم في معاشهم، ومن وصل إليهم يخاطبهم ويخاطبونه ولا
يراهم، وسئلوا عن أمرهم فذكروا أنهم من الانس، وأنهم كانوا بعث إليهم نبي
يقال له سافر بن جردول ( ١) فآمنوا به وهم على دينه.
وإذا نزل الغريب إليهم جعلوا له من الزاد في ليلة ما يكفيه ثلاث ليال
تمرا في نهاية الحلاوة والطيب ونارجيلا وطيورا مشوية على قدر اليمام، أطيب
مضغة من اليمام، وإذا أراد من وقع عندهم الرجوع إلى أهله سيق له مركب
وأكثرهم لا يتجه له المسير عنهم حتى يحمل وإن لم يحملوه أقام على حاله ولم
يسر إلى بلاد غيرها لطيب الموضع وكثرة الخير، وقد عرف ذلك البحريون.
وجزيرة فرش، وهو شجر عرفت به الجزيرة يحمل ثمرا في خلق اللوز إلا
أنه أكبر منه، يؤكل بقشره فيقوم مقام كل دواء، ومن أكل منه لم يمرض إلى
موته ولم يهرم، وإن كان شعره أبيض عاد أسود، ولهذه الجزيرة ملك يمنع
منها، وذكر أن بعض ملوك أهل الهند جلبه وزرعه فأورق ولم يثمر
وجزيرة الدهان وهو شيطان في صورة الانسان راكب على ظهر طائر
يشبه النعامة وعلى قدرها، يأكل لحوم الناس وإذا طرحهم البحر رفعهم إلى
--------------------
١) الرسم يحتمل أن يقرأ: ساور بن جردل. )
(٦٥)
موضع لا خلاص لهم منه وأكلهم واحدا بعد واحد عند إرادته، ويأكلهم
أحياء
وحكي أن البحر حمل مركبا إلى تلك الجزيرة وقد كانوا سمعوا به، فلما
أتاهم وقفوا على مركبهم ورموه وحاربوه وصبروا على قتاله، فصاح بهم صيحة
سقطوا منها مغشيين على وجوههم، وجعل عبرهم إلى موضع عادته
وكان فيهم رجل صالح فدعا الله عليه فهلك من حينه، وصار موضعه
ذلك مطلبا لما معه من أموال الناس وأمتعتهم
وجزيرة الضريف، وهي جزيرة تلوح لأصحاب المراكب فيطلبونها حتى
إذا ظنوا أنهم قد قربوا منها تباعدت عنهم، وربما أقاموا كذلك أياما لا
يقدرون على الوصول إليها ولا يقول أحد من أهل البحر إنه وصل إليها ولا
دخلها، وهم يرون فيها شخوصا ودوابا وعمارة وشجرا
وجزيرة البيدج فيها صنم من زجاج أخضر يجري من عينيه دمع على ممر
الأيام يقول البحريون إنه يبكي على قومه لأنهم كانوا يعبدونه فغزاهم بعض
الملوك فاستباهم وقتلهم وأراد كسر الصنم، فكانوا إذا ضربوه بشئ لم يعمل
فيه وعاد الضرب إلى وجوههم فتركوه، وإذا دخلت الريح إلى أذنيه صفر
تصفيرا عجيبا
وجزيرة سرهانة، بها عمارة وشجر وأكثر أهلها أوانيهم ذهب، وثيابهم
منسوجة بالذهب، وسلاحهم أعمدة ذهب، ولهم ملك متى وقع لهم من يريد
الخروج بشئ منه دفعه عنه.
ومن الجزائر ببلاد الغرب صقلية وهي جزيرة كبيرة دورها أكثر من
خمسة عشر يوما، ومملكتها واسعة ولها جبال وأشجار وأنهار ومزارع،
وهي بإزاء إفريقية، وبها جبل البركان لا يزال يظهر دخانه بالنهار وناره
(٦٦)
بالليل ويطير منه في البحر شرارات، وهي حجارة سود مثقبة مثل
الإسفنج ( ١) تطفو على الماء فتحملها الناس إلى البلاد يحكون بها في الحمامات
أقدامهم
وربما خرج من هذا البركان فيدخل في البحر فيحرق كلما صادف من دوابه
وحيتانه، فتلقيه الأمواج إلى الساحل، فلا يقدر أحد على الدنو من هذا الموضع
وجزيرة سردانية، وهي جزيرة كبيرة مسيرة عشرين يوما وفيها شجر
وعيون وزروع وجبال وتجارات
وجزيرة أقريطش، وهي في بحر الروم، وبها جبال ومعدن ذهب وأنهار
وثمار، وهي اثنا عشر يوما في ستة أيام، وفي البحر الكبير جزيرة ترى على
بعد في البحر فإذا قرب منها القاصد بعدت عنه وغابت، فإذ رجع إلى الموضع
الذي كان فيه رآها كما كان يراها قبل.
وقيل إن بها شجرا يطلع بطلوع الشمس ولا يزال طالعا إلى نصف النهار
ثم يعود إلى الانحطاط حتى تغيب الشمس، ويقول البحريون إن في ذلك
البحر سمكة صغيرة يقال لها السائل إذا حملها الانسان مع نفسه أبصر الجزيرة
ولم تغب عنه ودخلها، وهذا شئ عجيب ظريف
وجزيرة طاوراق، وهو ملك له أربعة آلاف امرأة، ومن لم يكن له
ذلك فليس بملك ويتفاخرون بكثرة الأولاد، وعندهم أشجار إذا أكلوا منها
قووا على الباه قوة عجيبة
وجزيرة السيارة، والبحريون مجمعون ( ٢) عليها، منهم من يذكر أنه
رآها مرارا كثيرة وليس بمسكون فيها. وهي جزيرة فيها جبال وعمارة،
فإذا هبت الريح من الغرب صارت إلى الشرق، وإذا هبت من الشرق صارت
إلى الغرب، هذا دأبها
--------------------
١) في ب: الإسفنجة. )
٢) في ب: مجموعون. )
(٦٧)
ويقال إن حجارتها خفيفة يكون الحجر العظيم الذي وزنه عندنا قناطير
يزن عدة أرطال وأقل من ذلك ويحمل الانسان القطعة العظيمة من الجبل.
وذكر بعض اليهود لعنهم الله من أصحاب التجارات أن مركبهم انكسر
بهم في بعض السنين، وان البحر طرحهم إلى جزيرة ترابها وحجارتها وكل ما
فيها ذهب، فأقاموا فيها أياما لا يجدون غذاء غير السمك وهو مع كل ذلك
قليل، فلما خافوا على أنفسهم التلف وكانوا مع ذلك سلم لهم زورق للمركب
فجروه عندهم فأسقوه من ذلك الذهب وثقلوه بالطمع فوق ما يحمل، ثم
دخلوا به البحر واجتهدوا في طلب النجاة فلم يسيروا به إلا يسيرا حتى عطب
بهم الزورق وتلف الذهب ولم ينج منهم إلا بعضهم من أهل السباحة نحو مهب
الريح من إلى الساحل
وذكروا أن في جزائر الكافور قوما يأكلون الناس، ويأخذون رؤوسهم
فيجعلون فيها الكافور والطيب ويعلقونها في بيوتهم ويعبدونها، فإذا عزموا
على أمر من الأمور أخذوا رأسا من تلك الرؤس، فكبروا له وسجدوا
بين يديه، وسألوه عما يريدونه، فيخبرهم بكل ما سألوه عنه من خير وشر.
وجزيرة النساء، وهذه الجزيرة في تخوم من الصين، وحكوا عنها أنه لم
يسكنها إلا النساء، وأنهن يلقحن الريح ويلدون نساء، وقيل إنهن يلقحن
( من الريح ( ١
وزعموا أن الذهب عروق عندهم مثل الخزران، وتربتها ذهب، وأنه وقع
إليهن مرة رجل فهممن بقتله، فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة
وسلمته ( ٢) في البحر فحملته الأمواج والرياح، حتى أتت به بلاد الصين فدخل
إلى ملك الصين وعرفه حال الجزيرة، فوجه المراكب في طلبها، فطافت
تطلبها ثلاثة أشهر فما وقعوا لها على خبر ولا أثر.
--------------------
١) هكذا وقع التكرار في الأصول. )
٢) لعل الصواب سيبة. )
(٦٨)
وجزيرة ابن أسعلاق، فيها شخص مشوه لا يدري ما هو، ذكر قوم أنه
شيطان تجسد بين الجن والإنس، وزعم قوم أنه خلق بحري مشوه مقارب
لصورة الانسان، وانه يأكل من وقع إليه من الناس.
وفي خبر ذي القرنين: ان مراكبه وقعت إلى جزيرة بيضاء نقية ذات أنهار
وأشجار وأثمار، وفيهم خلق على خلق الانسان في الانتصاب، رؤوسهم مثل
رؤوس السباع والكلاب، فلما دنوا منهم غابوا عن أبصارهم، وبوسط الجزيرة
نهر شديد البياض بشاطئه شجرة عظيمة فيها من كل ثمرة طيبة لذيذة الطعم
مشرقة بأنواع الألوان ورقها كالخلال ( ١) كبرا ولينا وحسنا، والشجرة تسير
بسير الشمس من الغد والى الزوال، فإذا زالت الشمس تقلصت وانحطت،
بانحطاط الشمس، وغابت بعد نبتها، وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد،
وورقها أطيب رائحة من المسك، فجمعوا من ورقها كثيرا ليحملوه إلى
الإسكندر، فضربوا وظهرت عليهم اثار الضرب ولم يروا من يضربهم وصيح بهم
" ردوا ما قد أخذتم من هذه الشجرة ولا تتعرضوا لها فتهلكوا " فردوا ما كان
اخذوه من ذلك وركبوا مركبهم وساروا
ودخل الإسكندر جزيرة العباد فوجدها قفارا ( ٢) غير حشيش فيها
وغدران ووجد فيها قوما قد نهكتهم العبادة وصاروا كالحمم من سواد
الألوان، فوقف بهم وسلم عليهم فردوا عليه، فقال لهم ما عيشكم في بلادكم
هذه؟ فقالوا ما يأتينا من رزق من أسماك البحر وضروب الحشيش، وما
نشربه من ماء هذه الغدران، قال أفلا أنقلكم إلى موضع أخصب لكم من
هذا المكان، فقالوا وما نصنع به إن عندنا في جزيرتنا هذه ما نغني به عن
جميع العالم، ويكفيهم لو أنهم وصلوا إليه، قال: وما هو؟ قال:
فانطلقوا به إلى واد لهم يسرج من ألوان الدر والياقوت فوق ما تتوهم
--------------------
١) كالحلك. )
٢) في ب: غفارا. )
(٦٩)
النفس، وأخرجوه من هناك إلى أرض واسعة كثيرة الفواكه فيها من
أصناف الثمرات مالا يوجد مثله ببلد من البلدان، فقالوا له أتصل بنا إلى أكثر
من هذا؟ قال والله ولا إلى بعضه، فقالوا فهذا بين أيدينا فما نلتفت إلى شئ
منه، وإنا لنؤثر الحشيش عن هذه الفواكه، فذهب أصحابه ليأخذوا من ذلك
الجوهر شيئا فمنعهم، وودع القوم وانصرف إلى مركبه متعجبا منهم.
وحكي أنه ذكرت له جزيرة في البحر الأخضر فيها قوم حكماء فصار
إليهم فرأى قوما سرابيلهم ورق الشجر وبيوتهم الكهوف، وعليهم السكينة
فسألهم عن مسائل من الحكمة فأجابوه فقال لهم سلوني ما أحببتم، فقالوا له إنا
نسألك الخلد فقال أني لي به، ولا أقدر على زيادة نفس واحد في أنفاسي!
فقالوا فعرفنا بقية آجالنا، فقال أنا لا أعرف بقية أجلي، فكيف لي بمعرفة
أجل غيري! قالوا فامنحنا منحة تبقي لنا ما بقينا، فقال وهذا ما لا أبلغه
لنفسي فكيف لغيري! قالوا فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر عليه!
وجعل الناس منهم يتطاولون بالنظر إلى عساكر الإسكندر، وكان على
شاطئ البحر رجل حداد لا يرفع بصره إليه، ولا إلى شئ من عساكره
فعجب الإسكندر من ذلك فأقبل عليه وقال له ما منعك من النهوض إلي والنظر
إلى عسكري؟ فقال له لا يعجبني ملكك فأنظر إليه! قال ولم؟ قال إني
عاينت قبلك ملكا لا يبلغ ملكك ملكه، وكان في جواري رجل مسكين
لا يملك شيئا، فمات الملك والمسكين في يوم واحد، ودفنا في ناحية واحدة
فكنت أتعاهدهما حتى بليت أكفانهما وبقيت رممهما، ثم اختلطا فجهدت أن
اعرف الملك والمسكين فلم أقدر على ذلك، فهان علي كل ملك بعد ذلك.
قال فصناعتك تكفيك؟ قال أنا أكسب بها ثلاثة دراهم كل يوم أنفق درهما
وأقضي درهما وأسلف درهما، فالدرهم الذي أنفق هو مؤنتي ومؤنة عيالي
(٧٠